المجموع : 16
بَغْدَادُ مَكَّتُنا وَأَحْمَدُ أَحْمَدُ
بَغْدَادُ مَكَّتُنا وَأَحْمَدُ أَحْمَدُ / حُجُّوا إلى تِلْكَ المناسِكِ وَاسجُدوا
يَا مُذْنِبينَ بِها ضَعُوا أَوْزارَكُمْ / وَتَطَهَّرُوا بِترابِها وَتَهَجَّدُوا
فَهُناكَ مِنْ جَسَدِ النُّبُوَّةِ بَضْعَةٌ / بِالْوَحْيِ جِبْريلٌ لَها يَتَرَدَّدُ
بَابُ النَّجَاةِ مَدينَةُ الْعِلْمِ الَّتي / ما زالَ كَوْكَبُ هَدْيِها يَتَوَقَّدُ
ما بَينَ سِدْرَتِهِ وَسُدَّةِ دَسْتِهِ / نَبَأٌ يُقِرُّ لَهُ الكَفُورُ المُلْحِدُ
هَذا هُوَ السِّرُّ الَّذِي بَهَرَ الوَرَى / فِي ظَهْرِ آدَمَ فَالمَلائِكُ سُجَّدُ
هذا الصِّراطُ المُسْتَقيمُ حَقِيقَةً / مَنْ زَلَّ عَنْهُ فَفِي الجَحيمِ يُخَلَّدُ
هذا الذي يَسْقِي العِطاشَ بِكَفِّهِ / وِالحَوْضُ مُمْتَنِعُ الحِمى لا يُورَدُ
سَمْعاً أَميرَ المؤمِنينَ لِمدحَةٍ / صَدَقَتْ فَهَلْ أَنَا قَارِئ أَوْ مُنْشِدُ
القَائِمُ المَهْدِيُّ أنتَ بَقِيَّةُ ال / إسلام تَمْهَدُ تارَةً وَتُشَيِّدُ
بُعْداً لِمُنْتَظِرٍ سِواهُ وَقَدْ بَدَتْ / مِنْهُ البَرَاهِينُ الّتي لا تُجْحَدُ
إنْ كانَ فَوْقَ الطُّورِ ناجِى رَبَّهُ / موسى فَبِالمِعْراجِ أَنْتُم أَزْيَدُ
أوْ كانَ يُوسُفُ عَبَّرَ الرُّؤْيا فَكمْ / لِلْغَيْبِ مِنْكُمْ مَصْدَرٌ أَو مَوْرِدُ
اللَّه أَنْزَلَ وَحْيَهُ لِمُحمَّدٍ / وَإِليْكُمُ أَفْضَى بِذاكَ مُحَمَّدُ
يا ساكِنْي دارَ السَّلامِ لجِارِكُمْ / شَرَفٌ أُنافِسُكُمْ عَلَيْهِ وَأحْسُدُ
إنّي أَوَدُّ إِذْا وَطِئْتُمْ أَرْضَها / لَو أنَّ تُرْبَتَها لِعَينَيْ إثْمِدُ
إنَّ الخَليفَةَ مِنْ ذُؤَابَةِ هاشِمٍ / لِلدّين وَالدُّنيا دَليلٌ مُرْشِدُ
الدَّهْرُ فِي يَدِهِ فَجودٌ مُرْسَلٌ / سَبْطٌ وَبَأْسٌ مُكْفَهِرٌّ أَجْعَدُ
يا مَنْ لِمْبغِضِهِ الجَحيمُ قَرارُهُ / ولِمَن يُواليْهِ النَّعيمُ السَّرْمِدُ
لَولا التَّقِيَّةُ كُنْتُ أَوَّلَ مَعْشَرٍ / غَالَوا فَقالُوا أنتَ ربٌ تُعْبَدُ
مَلِكٌ إِذْا ظَمِئَتْ شِفاهُ رِماحِهِ / فِي معْرَكٍ فَدَمُ الوَريدِ المَورِدُ
مَلِكُ إِذْا الْتَطَمَتْ صُفوفُ جُيوشِهِ / أَيقَنْتَ أنَّ البَرَّ بَحْرٌ مُزْبِدُ
يَعْلوهُ مِنْ زُمَرِ المَلائِكِ فِيلقٌ / بِالرُّعبِ يَنْصُرُ عَزمَهُ وَيُؤَيِّدُ
يا عاقِداً لِلطَّعْنِ فَضْلَ لِوائِهِ / مَهْلاً فَأجْنِحَةُ المَلاّئِكِ تًعْقَدُ
أَنِفَتْ صَوارِمُهُ الجُفُونَ فَأصْبَحَتُ / بِالنَّصرِ فِي قِمَمِ الخِوارِجِ تغْمَدُ
إنْ كانَ أَطْمَعَ مَنْكِليّاً صَفْحُهُ / فَوَراءَ ذاكَ الصَّفْحِ نارٌ تُوقَدُ
عَصَفَتْ رِياحُ الصّافِناتِ بِجَيْشِهِ / شَدّاً فَطارَ هَباؤُهُ المُتَبَدِّدُ
سَدَّ العَجاجُ عَنِ الهَزيمةِ سَبْلَهُ / فَسَقاهُ ماءَ المَوتِ دَجنٌ أَسْوَدُ
ثُمَّ انْجَلى عَنْهُ القَتامُ فَهارِبٌ / وَمُزَمَّلٌ بدِمِائِهِ وَمُصَّفَّدُ
خَلَطَ القَنا بِعِظَامِهِ فَتَشابَهَتْ / هِيَ وَالقَنا المُتَقَصِّفُ المُتَقَصِّدُ
زَجَّتْ بِهِ عَن أَصْبَهانَ وَأُخْتِها / هَمَذَانَ حَرْبٌ نارُها لا تَخْمَدُ
مَسْحاً بِأعْناقِ الجِيادِ وَسوِقها / إنْ كانَ قَد أَنْجاهُ طِرْفٌ أَجْرَدُ
لَو كُنْتُ حاضِرَ جَمْعِهِمْ لَشَفِيتُ مِن / أَعداءِ أَحْمَدَ غُلَّةّ لا تَبْرُدُ
هَلَكُوا بِعْصيانٍ وَفُزتُ بِطاعَةٍ / وَاللَّه يُشْقي مَن يَشاءْ وَيُسْعِدُ
أَمَلي يَخِفُّ وَجُوْدُ مُوسى مُثْقِلي / فَالشَّوقُ يُنهِضُ وَالعَطايا تُقعِدُ
مَلِكٌ يَهِشُّ تَلَطُّفاً بِعُفاتِهِ / فَكَأنَّهُ المُسْتَعْطِفُ المُسْتَرفِدُ
عَقَدَ الإمامُ عَلَيْهِ خِنْصَرَ عَزْمِهِ / فَرَآهُ سِيْفاً لِلْخُطوبِ يُجَرَّدُ
مَنْ مُبْلِغُ عَنَّي أَباهُ أَنَّ مِن / آلِ الرَّسولِ أَباً لَهُ يَتَوَدَّدُ
دامَتْ صَلاةُ إلهِنا وَسَلامُهُ / أبَداً عَلى ذاكَ الإمام تَجَدَّدُ
طابَ الصَّبوحُ لَنا فَهاكَ وَهاتِ
طابَ الصَّبوحُ لَنا فَهاكَ وَهاتِ / وَاشْرَبْ هَنيئاً يا أَخا الَّلذَّاتِ
كَمْ ذا التَّوانِيْ وَالشَّبابُ مُطاوِعٌ / وَالدَّهْرُ سَمْحٌ وَالحَبيبُ مُوَاتِي
قُمْ فَاصْطَبِحُ مِنْ شَمْسِ كَأْسِكَ وَاغْتَبِقْ / بِكَواكِبٍ طَلَعَتْ مِنَ الْكاساتِ
صَفْراءَ صافِيَةٌ تَوَقَّدَ بَرْدُها / فَعَجِبْتُ لِلنّيرانِ فِي الجَنَّاتِ
يَنْسَلُّ مِنْ قارِ الظّروفِ حَبابُها / وَالدُّرُّ مُجْتَلَبٌ مِنَ الظّلُمَاتِ
وَتُريكَ خَيْطَ الصُّبْحِ مَفْتولاً إِذْا / مَرَقَتْ مِنَ الرَّاووقِ فِي الطّاساتِ
عَذْراءُ واقَعَها المِزاجُ أما تَرى / مِنْديلَ عُذْرَتِها بِكَفِّ سُقاةِ
يَسْعى بِها عَبْلُ الرَّوادِفِ أَهْيَفُ / خَنِثُ الشَّمائِلِ شاطِرُ الحَرَكاتِ
يَهْويْ فَتَسْبقُهُ ذَوائِبُ شَعْرِهِ / مَلْتَفَّةً كَأساوِدِ الحَيَّاتِ
يَدْري مَنازِلَ نَيِّراتِ كُؤوسِهِ / ما بَيْنَ مُنْصَرِفٍ وَآخَرَ آتِ
لَو قُسِّمَتْ أَرْزَاقُنا بِيَمينهِ / عَدَلَ الزَّمانُ عَلى ذَوي الْحَاجاتِ
حَظّيْ مِنَ الزَّمَنِ القَلِيلُ وَهذِهِ / نَفَثاتُ فِيَّ وَهذِهِ كَلَمِاتِي
أَشْكو إلى شَاهَ ارْمَنٍ مُوسى الْمَلي / كِ الأشْرَفِ السَّبَّاقِ لِلْغاياتِ
مَلِكٌ إِذْا اعْتَكَرَ العَجاجُ رَأَيْتَهُ / طَلْقَ المُحَّيا واضِحَ القَسَماتِ
لَوْ كانَ قَبْلَ اليَوْمِ كانَ جَبينُهُ / أَوْلى مِنَ التَّمْثيلِ بِالمِشْكاةِ
جَرَّارُ إِذْيالِ الجُيُوشِ يَحُفّها / طَيْرُ السَّماء وَكاسِرُ الفَلَواتِ
ضَمِنَتْ لَها عاداتُ نَصْرِ اللَّهِ أَنْ / تَجْري جِرايَتُها عَلى الْعاداتِ
أُسْدٌ بَراثِنُها النّصالُ تَقَحَّمَتْ / أُجَمَ الوَشيجِ فَغِبْنَ فِي غَاباتِ
طَلَعَتْ مِنَ الخُوذِ الحَديدِ وُجوهُهُمْ / فَكَأَنَّها الأَقْمَارُ فِي الهَالاتِ
وَاسْتَلأمَتْ حَلَقَ الحَديدِ جُسُومُهُمْ / فَكَأَنَّها لُجَجٌ عَلى هَضَباتِ
يَرْمي بِها سُبُلَ المَهالِكِ ماجِدٌ / كَمْ خاضَ دونَ الدِّينِ مِنْ غَمَراتِ
كَمْ رَكْعَةٍ لِقَناهُ فِي ثُغَرِ العِدى / وَلِسَيْفِهِ فِي الهَامِ مِنْ سَجَدَاتِ
سُمْرٌ ذَوابِلُ لايُبَلُّ غَليلُها / إلاَّ إِذْا سُقَيتْ دَمَ المُهُجاتِ
يُلْهي مَسامِعَهُ الصَّليلُ وَأَيْنَ مِنْ / طَبْعِ القُيونِ تَطَبُّعُ القَيْناتِ
ظِلُّ البُنُودِ مَقيلُهُ وَمِهَادُهُ / جُرْدٌ تَطيرُ بِهِ إِلى الْغاراتِ
دُهْمٌ تَخَيَّرَها الصَّباحُ عَلى الدُّجى / فَغَدا وَمَطَلعُهُ مِنَ الجَبَهاتِ
حُمْرٌ تَرَبَّتْ بَيْنَ مُشْتَجِرِ الْقَنا / لاَ بُدَّ دُونَ الْوَرْدِ مِنْ شَوْكاتِ
شُهْبٌ بِها قُذِفَتْ شِياطينُ الْعِدى / فَجَرَتْ كَجَرْيِ الشُّهْبِ مُشْتَعِلاتِ
هذا الّذي أضْرى العِبادَ وَرَبَّهُمْ / بِغَرائِبِ الإِحْسانِ والحَسَناتِ
هذا الّذي اسْتَغْنَى عَنِ الوُزَراءِ فِي / تَدْبيرِ عَقْدِ الرَّأيِ وَالرَّاياتِ
هذا الإِلهيُّ الّذي فِي يَوْمِهِ / يُنْبِيكَ قَبْلَ غِدٍ بِما هُوَ آتِ
عَضيْنٌ بِنُورِ اللَّهِ تَنْقُلُ ما تَرى / عَن خاطِرٍ أَصْفَى مِنَ المِرْآةِ
سُبْحانَ مَنْ جَمَعَ الْمَكارِمَ عِنْدَهُ / وَقَضى عَلَى أَمْوالِهِ بِشَتاتِ
لَمّا انْثَنى الْغُصْنُ فَوْقَ كُثْبانِهْ / جَبَرْتُ قَلْبي بكَسْرِ رُمَّانِهْ
وَنِلْتُ مِنْ رِيقِهِ وَعارِضِهِ / أَطْيَبَ مِن راحِهِ وَرَيْحانِهْ
كَأَنَّ دَالَ الْعِذَارِ حَاشِيَةٌ / خَرَّجَها ناسِخٌ لِنِسْيانِهْ
شَدَّ الكَلَهْبَنْدَ تَحْتَ آسَتِهِ / فِي مُلْقَتَى وَرْدِهِ وَسوسانِهْ
كأَنَّهُ أَرْقَمٌ تَخَوَّفَ فَالْ / تَفَّ بِالْفافِ زَهْرِ بُسِتَانِهْ
تَرُوعًني فِي الْعِناقِ شَعْرَتُهُ / لأِنَّها مِثْلُ لَيْلِ هِجْرانِهْ
تَجْذِبُ أَطْرافَها حِياصَتُهُ / بُخْلاً بِما شَدَّ تَحْتَ هِمْيانِهْ
يا لائِمي إنْ بَكَيْتُ كُلُّ شَجٍ / مِنْ شَأْنِهِ الاِفْتِضاحُ مِنْ شَانِهْ
أَنْتَ مُعافىً مِمَّا بُليتُ بِهِ / وَعِنْدَ قَلْبي شُغْلٌ بِأشْجانِهْ
إنَّ الّذي لِلْغَرامِ أَرْشَدَني / أَضَلَّني عَنْ طَريقِ سُلْوانِهْ
سَرَى ضَنى جَفْنِهِ إِلى جَسَدي / وَالْخَدُّ أَعْدَى الْحَشَى بِنيرانِهْ
إنْ لَم تَرَ الْبَدْرَ بَيْنَ أَنْجُمِهِ / فَانْظُرْ إليَهِ ما بَيْنَ أَقْرانِهْ
أَغَارُ فِي حَلْبَةِ الطِّرادِ عَلى / خُدُودِهِ مِن غُبارِ مَيْدانِهْ
تَلْقَى أَعادي موسى كَما لَقِيَتْ / كُرَاتُهُ عِنْدَ ضَرْبِ جُوكانِهْ
المَلِكُ الأَشْرَفُ الكَرِيمُ يَداً / شَاهَ ارْمَنِ دامَ عِزُّ سُلْطَانِهْ
مَلْكٌ زِمَامُ الزَّمانِ فِي يَدِهِ / فَاخْتَلَفَتْ كاخْتِلافِ أَلْوانِهْ
بَيْضاءٌ يَوْمَ انْطِلاَقِ أَنْعُمِهِ / حَمْراءُ يَومَ اعْتِقالِ مُرَّانِهْ
تَحْكُمُ أَعْداؤُهُ بِنُصْرَتِهِ / إِذْا اسْتَهَلَّتْ نُجُومُ خِرْصانِهْ
عَساكِرُ المُوْصِلِ الّتي انْكَسَرَتْ / تُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَفُرْسانِهْ
يَوْمَ أَبو شَزَّةٍ وَقَد قَدَحَتْ / سَنابِكُ الْخَيْلِ زَنْدَ نِيرانِهْ
تَفَرْعَنُوا بِاجْتِماعِ كَيْدِهِمْ / فَالْتَقَفَتْهُمْ آياتُ ثُعْبانِهْ
أَغْرَقَهُمْ بَحْرُ جَيْشِهِ فَهُمُ / كَآلِ فِرْعَوْنَ تَحْتَ طُوفانِهْ
يا وارِثَ الأَرضِ وَهْوَ وَاهِبُها / يا مَلِكاً دامَ عِزُّ سُلْطانِهْ
لا يُمكِنُ الْخَلْقَ هَدْمُ مَجْدِكَ وَالْ / خالِقُ قَد شَادَ أُسَّ بُنيانِهْ
ما تاجُ كِسْرى نَظيرُ كَمَّتِهِ / وَلَيْسِ إِيوانُهُ كَديوانِهْ
يا آلَ شإِذْي زِدْتِمْ بِهِ شَرَفاً / كُلُّ كِتابٍ يُقْرا بِعُنْوانِهْ
أفْديهِ إِنْ حَفِظَ الهَوى أَو ضَيَّعا
أفْديهِ إِنْ حَفِظَ الهَوى أَو ضَيَّعا / مَلَكَ الفُؤادَ فَمَا عَسَى أنْ أصْنَعا
مَنْ لَمْ يَذُقْ ظُلْمَ الحَبيبِ كَظَلْمِهِ / حُلْواً فَقَدْ جَهِلَ الْمَحَبَّةَ وَادَّعى
يا أيُّها الْوَجْهُ الْجَميلُ تَدارَكِ الصَّ / بَّ النَّحيلَ فَقَد عَفا وَتَضَعْضَعا
هَلْ فِي فُؤادِكَ رَحْمَةٌ لِمُتَيَّمٍ / ضَمَّتْ جوانِحُهُ فُؤاداً مْوجَعا
فَتِّشْ حَشايَ فَأنْتَ فِيهِ حاضِرٌ / تَجِدِ الحَسودَ بِضِدِّ ما فِيهِ سَعى
هَلْ مِن سَبيلٍ أَنْ أَبُثَّ صَبابَتي / أوْ أَشْتَكي بَلْوايَ أوْ أتَضَرَّعا
إنّي لأّسْتَحْيِي كَما عَوَّدْتَنَي / بِسوَى رِضاكَ إلَيكَ أنْ أتَشَفَّعَا
يا عَيْنُ عُذْرُكِ فِي حَبيْبِكِ واضِحٌ / سحِيّ لِوَحْشَتِهِ دَماً أو أدْمُعا
اللَّه أبْدَى الْبَدْرَ مِنْ أزْرارِهِ / وَالشَّمْسَ مِنْ قَسَماتِ موسى أطْلَعا
الأشْرَفِ المَلِكِ الّذي سادَ الْوَرَى / كَهْلاً وَمُكْتَمِلَ الشَّبابِ وَمُرْضَعا
رُدَّتْ بِهِ شَمْسُ السَّماحِ عَلى الورى / فَاسْتَبْشَروا وَرَأَوا بِموسى يُوشَعا
سَهْلٌ إِذْا لَمَسَ الصَّفا سالَ النَّدى / صَعْبٌ إِذْا لَمَسَ الأشَمَّ تَصَدَّعا
دانٍ وَلكِنْ مِنْ سُؤَالِ عُفاتِهِ / سَامٍ عَلى سَمْكٍ السَّماءِ تَرَفَّعَا
يا بَرْقُ هذا مِنْكَ أصْدَقُ شيمَةً / يا غَيْثُ هذا مِنْكَ أحْسَنُ مَوْقِعا
يا رَوْضُ هذا مِنْكَ أَبْهَجُ مَنْظَراً / يا بَحْرُ هذا مِنْكَ أَعْذَبُ مَشْرَعا
يا سَهْمُ هذا مِنْكَ أَصْوَبُ مَقْصِداً / يا سَيْفُ هذا مِنْكَ أَسْرَعُ مَقْطَعا
يا صُبْحُ هذا مِنْكَ أَسْفَرُ غُرَّةً / يا نَجْمُ هذا مِنكَ أَهْدى مَطْلَعا
حَمَلَتْ أنامِلُهُ السُّيوفَ فَلَمْ تَزَلْ / شُكْراً لِذلِكَ سُجَّداً أو رُكَّعا
حَلَّتْ فَلا بَرِحَتْ مَكاناً لَمْ يَزَلْ / مِنْ دُرِّ أَفْواهِ المُلُوكِ مُرَصَّعا
أَمُظَفَّرَ الدِّينِ اسْتَمِعْ قَوْلي وَقُلْ / لِعِثارِ عَبْدٍ أَنْتَ مالِكُهُ لَعا
أَيَضِيقُ بي حَرَمُ اصْطِناعِكَ بَعْدَما / قَدْ كانَ مُنْفَرِجاً عَلَيَّ مُوَسَّعا
هذا وَقَدْ طَرَّزْتُ بِاسْمِكَ مَدْحَةً / لا تَرْتَضي شَنْفَ الثُّرَيَّا مَسْمَعا
عَذْراءَ ما قَعَدَ الزَّمانُ بِرَبِّها / إلاّ وَقامَ بِها خَطيباً مِصْقَعاً
وَعَلَى كِلاَ الْحالَيْنِ إنِّي شاكِرٌ / داعٍ لأِنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَنْ دَعا
مَنْ كانَ قَوْسُ نِبالِهِ مِن حاجِبِ
مَنْ كانَ قَوْسُ نِبالِهِ مِن حاجِبِ / ما لِلْقُلُوبِ إِذْا رَنا مِن حاجِبِ
هُنَّ الْمَمالِكُ والخُدودُ مَطالِبٌ / يُحْرَسْنَ مِن سَيْفِ الجُفونِ بِضارِبِ
ظَبْيٌ تَرَى الأحْداقَ مُحْدِقَةً بِهِ / وَالْبَدْرُ لَيْسَ يُرَى بِغَيْرِ كواكبِ
خَرَجَتْ مُسامِحَةً بِوَجْنَتِهِ لِمَنْ / يَخْشَى مُحاسَبَةَ الكَريمِ الكاتِبِ
وَلَقَدْ رَعَيْتُ الْخدَّ أَوَّلَ نَبْتِهِ / وَتَرَكتُ أسْودَ شَعْرِهِ لِلْحاطِبِ
وَلَبِسْتُ ديباجَ النَّعيمِ بِلَثْمِهِ / وَخَلَعْتُهُ إِذْ صارَ مَسْحَ الرَّاهِبِ
وَأَلِفْتَ قَفْرَ البيدِ لَمَّا أَقْفَرَتْ / مِمَّنْ أُحِبُّ مَراتِعي وَمَلاعِبي
ما لِلْبُدورِ مِنَ الْقُصورِ تَنَقَّلَتْ / بِهَوادِجٍ وَنَجائِبٍ وَسَباسِبِ
كانَتْ لَهُمْ بِالأبْرَقَيْنِ مَشارِقٌ / وَالْيَوْمَ كَمْ مِن غَارِبٍ فِي غَارِبِ
رَحَلُوا وَأبْقوا لي بَقَّية مُهْجَةٍ / عَلّلْتُها مِنْهُم بِوَعْدٍ كإِذْبِ
فَأَرَحْتُهَا مِنْ كَرْبِها وَشَغَلْتُها / مِنْ مَدْحِ مَوْلانا بِفَرْضٍ واجِبِ
الأشْرَفِ المَلِكِ الَّذي عَن بَحْرِهِ / كُلُّ الأنامِ مُحَدِّثٌ بِعَجائِبِ
فَالنَّاسُ بَيْنَ بنانِهِ وَبَيَانِهِ / فِي نِعْمَتَيْنِ رَغائِبٍ وَغَرائِبِ
وَتَهُزُّهُ فِي السَّلْمِ نَغْمَةُ طالِبٍ / طَرَباً وَيَوْمَ الْحَرْبِ صَرْخَةُ طالِبِ
سَلْ عَنْ مَواقِفِ بَأْسِهِ لَمّا الْتَقَتْ / يَوْمَ الْهِياجِ كَتائِبٌ بِكَتائِبِ
وَالنَّبْلُ فِي ظُلَلِ العَجاجِ كَأَنَّهُ / وَبْلٌ تَتابَعَ مِن خِلالِ سَحائِبِ
لَمَعَتْ أَسِنَّتُه عَلَى أَعْلامِها / فَكأَنَّها شُهْبٌ ذَواتُ ذَوائِبِ
وَتَأَوَّدَتْ بَيْنَ السُّيوفِ رِماحُهُ / فَكَأَنَّها الأَغْصانُ بَيْنَ مَذانِبِ
تَهوِي الْمُلوكُ إلى الْتِثامِ تُرابِهِ / فَثُغورُهُمْ كالدُّرِ فَوْقَ تَرائِبِ
وَتَراهُمُ زُمَراً عَلى أَبْوابِهِ / قَدْ حُجِّبُوا بِمَهابَةٍ لا حَاجِبِ
خَطَبَتْه أَرْمِينَّيةٌ فَتَخَيَّرَتْ / كُفْئاً تَنَزَّهَ عَنْ عُتُوِّ الْغاصِبِ
حَقَنَتْ بِوَصْلَتِها بِهِ دَمَ أَهْلِها / فَاسُتَسْعَدوا بِنَوالِ أَكْرَمِ وَاهِبِ
أَمُنوا عَلى مُهْجاتِهِمْ مِن ظالِمٍ / وَعَلى حِمَى أَمْوالِهمْ مِن سالِبِ
فَجَميعُ أقْطارِ المَمالِكِ غَيْرَةً / مِنْها إِليْهِ مُراسِلٌ مِنْ جانِبِ
يا وارِثَ الإِسْكَنْدَرِ اجْمَعْ عاجِلاً / بِالفَتْحِ بَيْنَ مَشارِقٍ وَمَغارِبِ
يا نِعْمَةً لإِلهِنا فِي خَلْقِهِ / مَقْسومَةً لأِقَارِبٍ وَأجانِبِ
عَوَّدْتَ خَيْلَكَ دائِماً أنْ لا تَطا / إلاَّ جَماجِمَ كُلِّ أغْلَبَ غالِبِ
فَكَبَتْ عَلى مَيْدانِها غَضَباً وَرَبُّ / الجِدِّ يَأْنَفُ مِن صِفاتِ الَّلاعِبِ
حَمَلَتْ مِنَ السُّلْطانِ طَوْدَ مَهابَةً / وَهِزَبْرَ مَعْركةٍ وَبَحْرَ مَواهِبِ
وَقَدِ اخْتَصَرْت وَلَوْ عَدَدْتُ خِلالَهُ / أعْيَتْ عَلى الْمَلَكِ الكَريمِ الْكاتِبِ
لا زالَ كَوْكَبُهُ مُنيراً شارِقاً / وَعَدُوُّهُ يَسْرِي بِنَجْمٍ غارِبِ
الرَّوْضُ بَيْنَ مُتَوَّجٍ وَمُشَنَّفِ
الرَّوْضُ بَيْنَ مُتَوَّجٍ وَمُشَنَّفِ / وَالأرْضُ بَيْنَ مُدبَّجٍ وَمُفَوَّفِ
وَالْغُصْنُ غَنَّاهُ الْحَمامُ فَهَزَّهُ / طَرَباً وَحَيَّاهُ الغَمامُ بِقَرْقَفِ
وَالظِّلُّ يَسْبَحُ فِي الغَديرِ كَأنَّهُ / صَدَأٌ يَلُوحُ عَلى حُسامٍ مُرْهَفِ
قِسْ بِالسَّماءِ الأرْضَ تَعْلَمْ أَنَّها / بِكَواكِبِ الأزْهارِ أَحْسَنُ زُخْرُفِ
أحْداقُ نَرْجِسِها بِخَدِّ شَقِيقِها / مَبْهوتَةُ لِجمَالِهِ لَمْ تُطْرَفِ
وَالطَّلُّ فِي زَهْرِ الأقَاحِ كَأَنَّهُ / ظَلْمٌ تَرَقْرَقَ فِي ثَنايا مَرْشَفِ
راقَ الزَّمانُ وَراقَ كَأْسُ مُدامنا / وَرُضابُ ساقينا الأَغَنِّ الأَهْيَفِ
فَمَزْجتُ ذاكَ بِهذِهِ وَشَرِبْتُها / وَلَثَمْتُهُ وَضمَمْتُهُ بِتَعَطُّفِ
وَجَنَيْتُ مِنْ وَجَناتِهِ لَمَّا اسْتَحى / وَرْداً بِغَيْر مَراشِفي لَمْ يُقْطَفِ
وَرَنا إلَيَّ بِطَرْفِهِ فَكَأنَّما / أَهْدَى السَّقامَ لُمِدْنَفٍ مِن مُدْنَفِ
بِتْنا وَقَد لَفَّ الْعِناقُ جُسومَنا / فِي بُرْدَتَيْنِ تَكَرُّمٍ وَتَعَفُّفِ
حَتَّى بَدا فَلَقُ الصَّباحِ كَجَحْفَلٍ / راياتُهُ رَنْكُ الْمَليكِ الأَشْرَفِ
مَلِكٌ بَياضُ يَمينِهِ لِسَمِيِّهِ / مُوسى وَمَنْظَرُهُ البَديعُ لِيوسُفِ
تَشْتامُ ظاهِرَهُ العُيُونُ وَتَقْتَدي / مِنْهُ العُقولُ بِسِرِّ مُعْجِزَةٍ خِفِِي
مُتَناقِضُ الأوصَافِ طَوْدُ مَهابَةٍ / رَسَختْ رَكانَتُهُ وَغُصْنُ تَعَطُّفِ
وَيُريكَ مِنْ آرائِهِ وَعَطائِهِ / تَحْريرُ نِحْريرٍ وَبَذْلَ مُجَزِّفِ
وَعَلَى مُتونِ الْجُرْدِ أَظْلَمُ ظالِمٍ / وَعَلَى سَريرِ الْمُلْكِ أَنْصَفُ مُنْصِفِ
فَحَريقُ جَمْرَةِ سَيْفِهِ لِلْمُعْتَدي / وَرَحيقُ خَمْرَةِ سَيْبِهِ لِلْمُعْتَفِي
يا بَدْرُ تَزْعُمُ أَنْ تُقاسَ بِوَجْهِهِ / وَعَلَى جَبيِنكَ كُلْفَةُ المُتَكَلِّفِ
يا غَيْمُ تَطْمَعُ أَنْ تَكونَ كَكَفِّهِ / كَلاَّ وَأَنْتَ مِنَ الْجَهامِ المُخْلِفِ
جَنَحَتْ مُلُوكُ المُشْرِكينَ لِسَلْمِهِ / فَأجابَ مُتَّبِعاً لِنَصِّ الْمُصْحَفِ
وَيَعِزُّ ذاكَ عَلَى ظُباهُ وَخَيْلِهِ / وَبِرَغْمِ آنافِ الرِّماحِ الرُّعَّفِ
إِمْهالُ مُقْتَدِرٍ لِيَوْمٍ نارُهُ / أَبَداً بِغَيْرِ دِمائِهِمْ لا تَنْطَفِي
زَأَرَتْ أُسُودُ كُماتِهِ وَتَفَسَّحَتْ / خُطواتُهُمْ فِي ضيقِ ذاكَ الْمَوْقِفِ
فَكَأنَّني بِجِيادِهِ قَد أَصْبَحَتْ / سُوراً لمِعْصَمِ كُلِّ سُورٍ مُشْرِفِ
وَكَأَنَّني بِدِيارِهِمْ قَدْ بُدِّلَتْ / صَوْتَ المُؤّذِّنِ مِن خُوارِ الأسْقُفِ
وَكَأَنَّني بِسِبائِهِمْ وَيَدي عَلَى / بَيْضاءَ مُتْرَفَةٍ وَأَبْيَضَ مُتْرَفِ
وَكَأَنَّني بِكَ قَدْ طَلَعْتَ عَلَيْهِمُ / كَالشَّمْسِ فِي الشَّرَفِ الّذي لَمْ يُكْسَفِ
إِنْ كانَ مَهْديٌّ فَأنتَ هُوَ الّذي / أَحْيَيْتَ دينَ المُصْطَفى وَالمُصْطَفي
قُمْ يا غُلاَمُ وَدَعْ مَقالَةَ مَنْ نَصَحْ
قُمْ يا غُلاَمُ وَدَعْ مَقالَةَ مَنْ نَصَحْ / فَالدِّيكُ قَدْ صَدَعَ الدُّجى لَمَّا صَدَحْ
خَفِيتْ تَباشِيرُ الصَّباحِ فَسَقِّني / ما ضَلَّ فِي الظّلْماءِ مِنْ قدحِ القَدَحْ
صَهْباءُ ما لَمَعَتْ بِكَفِّ مُديرِها / لِمُقَطِّبٍ إِلاّ تَهَلّلَ وَانْشَرَحْ
واللَّه ما مَزَجَ الْمُدامَ بِمائِها / لكِنَّهُ مَزَجَ المَسَرَّةَ بِالْفَرَحْ
وَضَحَتْ فَلَوْلاَ أَنَّها تُرْوِي الظِّما / قُلْنا سَرابٌ أوْ شَرابٌ قَد طَفَحْ
هِيَ صَفْوَةُ الكَرْمِ الْكَريمِ فَما سَرَتْ / سَرَّاؤُها فِي باخِلٍ إِلاَّ سَمَحْ
مِنْ كَفِّ فَتَّانِ الْقوامِ بِوَجْهِهِ / عُذْرٌ لِمَنْ خَلَعَ الْعِذارَ أَوِ افْتَضَحْ
قَمَرٌ شَقائِقُ مَرْجِ وَجْنَتِهِ حِمىً / ما شَفَّهُ سَرْحُ العِذارِ وَلا سَرَحْ
وَلَّى بِشَعْرٍ كَالظَّلامِ إِذْا دَجا / وَأتى بِوَجْهٍ كالصَّباحِ إِذْا وَضَحْ
يَهْتَزُّ كالْغُصْنِ الرَّطيبِ عَلى النَّقا / ذَا خَفَّ فِي طَيِّ الْوِشاحِ وَذا رَجَحْ
النَّرْجِسُ الْغَضُّ اسْتَحى مِنْ طَرْفِهِ / وَبِثَغْرِِه زَهْرُ الأَقاحِ قَدِ اتَّضَحْ
فَكَأَنَّهُ مُتَبَسِّمٌ بِعُقودِهِ / أَو بِالثَّنايا قد تَقَلَّدَ وَاتشَحْ
فِي وَصْفِهِ وَمَدِيحِ موسى خاطِري / مُتَقَسَّمٌ بَيْنَ الْمَلاحَةِ وَالمُلَحْ
الأشْرَفِ المَلِكِ الّذي صَلَحَتْ لَهُ الدُّ / نْيا وَيَعْظُمُ أَنْ أَقُولَ لَهُ صَلَحْ
مَلِكٌ إِذْا ضاقَ الزَّمانُ بِأَهْلِهِ / بُخْلاً تَوَّسعَ فِي المَكارِمِ وَانْفَسَحْ
تَكْبُو السَّحائِبُ إِذْ تُجاري كَفَّهُ / فَالغَيْثُ فِي جَبَهاتِها عَرَقٌ رَشَحْ
وَيُكَلَّفُ الأَسَدُ الهَصورُ بِعَدْلِهِ / فِي الفَقْرِ أَنْ يِرْعَى الْغَزالَ إِذْا سَنَحْ
تَسْتَحْقِرُ الأسيافُ عاتِقَ غَيْرِهِ / وَتَقولُ دونَكَ وَالقَلائِدُ وَالسُّبَحْ
كَمْ مِنْ خَطِيبٍ ذاكِرٍ غَيْرَ اسْمِهِ / لَمَّا تَنَحْنَحَ قالَ مِنْبَرُهُ تَنَحْ
ذَكَرُوا سِواهُ فَنَهَّبوا عَن فَضْلِهِ / بَيْتُ الْكَريمِ دَليلُهُ كَلْبٌ نَبَحْ
بَيْنَ الأنامِ تَنازُعٌ فِي دِينِهِمْ / وَعَلى فَضائِلِهِ الْجَميعُ قَدِ اصْطَلحْ
جَذَبَتْهُ أَنْوارُ الْخِلافَةِ فَاعْتَلى / عَنْ نارِ طُورِ سَمِيِّهِ لَّمَا لَمَحْ
هذاكَ كَلَّمَهُ عَلَى جَبَلٍ وَذا / بِيَدِ ابْنِ عَمَّ الْمُصْطَفى نَالَ الْمِنَحْ
سَعَتِ الْمُلوكُ كما سَعَى لكِنَّهُمْ / خابُوا فَقالَ نَجاحُ سَعْيِكَ قَدْ نَجَحْ
لِلَّهِ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ فِي نَقْمِةٍ / أَسْدَى وَكمْ قَتَلَ العَدَّو ومَا جَرَحْ
سَيْفٌ تَرَقْرَقَ صَفْحُهُ فِي خَدِّهِ / وَالْمَوْتُ خَلْفَ غِرارِهِ لَمَّا صَفَحْ
مَوْلايَ إِنْ ماتَتْ بِبُعْدِكَ هِمَّتي / فَنَداكَ مِثْلُ يَدِ الْمَسيحِ إِذْا مَسَحْ
هُنِّيتَ بِالعامِ السَّعِيدِ الْمُبْتَدا / بِدَوامِ دَوْلَتِكَ الْحميدِ الْمفْتَتَحْ
خُذْ مِنْ حَديثِ شُؤونِهِ وَشُجونِهِ
خُذْ مِنْ حَديثِ شُؤونِهِ وَشُجونِهِ / خَبَراً تُسَلْسِلُهُ رُواةُ جُفُونِهِ
لَولا فَضيحَةُ قَلْبِهِ بِدُمُوعِهِ / ما زالَ شَكُّ رَقيبِهِ بِيَقِينِهِ
وَأَغَرَّ تُؤْيِسًني قَساوَةُ قَلْبِهِ / مِنْهُ وَيُطْمِعُني تَعَطُّفُ لِينِهِ
ما زالَ يَسْقي خَدَّهُ ماءَ الحَيا / حَتَّى جَنَيْتُ الْوَرْدَ مِنْ نِسْرينِهِ
وَإِذْا وَصَلْتُ بِشَعْرِهِ قِصَرَ الدُّجى / هَجَمَ الصَّباحُ بِثَغْرِهِ وَجَبينِهِ
خَفِرُ الدَّلالِ أُضُّمُه وَأهابُهُ / لِوَقارِهِ وَحَيائِهِ وَسُكونِهِ
قالَتْ رَوادِفُهُ وَلينُ قَوامِهِ / إيَّاكَ عَنْ كُثُبِ الحِمى وَغُصُونِهِ
أجْفانُهُ شَرَكُ الْقُلوبِ كأنّما / هاروتُ أوْدَعَها فُنونَ فُتونِهِ
ياقُوتُهُ مُتَبَسِّمٌ عَنْ لُؤْلؤ / حَجِلَتْ عُقودُ الدُّرِّ مِن مَكْنونِهِ
ساقٍ صَحيفَةُ خَدِّهِ ما سُوِّدَتْ / عَبَثاً بِلامِ عِذارهِ أو نُونِهِ
جَمَدَ الَّذي بِيَمِينِهِ فِي خَدِّهِ / وَجَرى الّذي فِي خَدِّهِ بِيَمِينِهِ
طَابَ الرَّبيعُ كأنّما عَجَنَ الصَّبا / كافورَ مُزْنَتِهِ بِعَنْبَرِ طينهِ
وَتَفضَّضَتْ أزْهارُهُ وَتَذَهَّبَتْ / فَكَأَنَّها الطّاووسُ فِي تَلْويِنهِ
وَجَلَتْ جَبينَ النَّهْرِ طُرَّةُ ظِلِّهِ / مُذْ جَعَّدَتْها الرِّيحُ فَوْقَ غُصونِهِ
وَالطّيْرُ تُنْشِدُ بِاخْتِلافِ لُغاتها / موسى أدامَ اللَّهُ فِي تَمْكِينِهِ
موسى الّذي أنِفَتْ شَهامَةُ عَزْمِهِ / أنْ يِسْتَمِدَّ النَّصْرَ مِن هارونِهِ
مَلِكٌ بِأَسْرارِ الْغُيوبِ مُكاشَفٌ / فَظُنونُهُ تُغْنيهِ عَنْ جِبْرِينِهِ
مَلِكٌ غِرارُ السَّيْفِ خَيْرُ دُروعهِ / وَالصَّافِناتُ الجُرْدُ خَيْرُ حُصُونِهِ
مَلِكٌ يُرَى بَيْنَ الصَّوارِمِ وَالقَنا / كالَّليثِ فِي أَشبالِهِ وَعَرينِهِ
مَلِكٌ إِذْا ما جاشَ بَحْرُ جُيوشِهِ / مَلأ المَلا بِسُهولِهِ وَحُزونِهِ
لَو كانَ بَيْنَ يَدَي عَلِيٍّ مِنهُمُ / صَفٌّ لحَازَ النَّصْرَ فِي صِفِّينِهِ
يا مَنْ لَهُ بِشْرُ يُبَشّرُ وَفْدَهُ / فَالعُرفُ يُعْرَفُ مِنْ وَفاء ضَمِينِهِ
وَلَهُ سَبيلُ الحَجِّ يُمْزَجُ شَهْدُهُ / فِي الحَرِّ للصَّادي بِبَرْدِ مَعِينِهِ
إبِلٌ يَغُصُّ بِها الفَضاءُ كَأنَّها / شَجَراً أتَت مِن أُكُلِها بِفُنُونِهِ
يَحْمِلْنَ مُنْقَطِعَ المُشاةِ كَأَنَّهُ / فِي بَطْنِ أُمٍّ مَهَّدَتْ لِجَنينِهِ
لَمَّا دَعا داعِيهِ أَعْلَنَ بِاسمِهِ / فَتَشارَكَ الثّقلانِ فِي تَأمِينِهِ
طَرِبَتْ لَهُ عَرَفاتُ وَاهتَزَّ الصَّفا / وَالبَيْتُ مَع أَركانِهِ وَحَجونِهِ
لَوْ كانَ لِلحَجَرِ الشَّريفِ فَمٌ شَكا / ما عِندَهُ مِن شَوقِهِ وَحَنِينهِ
ضَحَّى الحَجيجُ عَلى مِنىً وَسُيوفُهُ / فِي الشّركِ تَسقِي العِلْجَ ماءَ وَتِينِهِ
ما كُلُّ مَنْ صَنَعَ الجَميلَ مُوَفَّقٌ / كَلاّ وَلا رَبُّ السَّما بِمُعِينهِ
يا مَنْ عَلى كَرَمِ الطِّباعِ يَلومُهُ / ما لُمْتَ إِلاَّ اللَّهَ فِي تَكوينِهِ
اللَّهُ أَهَّلَهُ لِرَحْمَةِ خَلْقِهِ / وَصَلاحِ دُنياهُ وَرَحْمَةِ دِينِهِ
صُنْ ناظِراً مُتَرَقِّباً لَكَ أَنْ تُرى
صُنْ ناظِراً مُتَرَقِّباً لَكَ أَنْ تُرى / فَلَقَدْ كَفى مِنْ دَمْعِهِ ما قدْ جَرى
يا مَنْ حَكى فِي الحُسْنِ صُورَةَ يوسُفٌ / آهٍ لَوَ أَنَّكَ مِثْلَ يُوسُفَ تُشْتَرى
تَعْشُو العُيونُ لِخَدِّهِ فَيَرُدُّها / وَيَقولُ لَيْسَتْ هذهِ نارَ القِرَى
يا قاتَلَ اللَّهُ الجمالَ فَإنهُ / ما زالَ يَصْحَبُ باخِلاً مُتَجَبِّرا
يا غُصْنَ بانٍ فِي نَقا رَمْلٍ لَقَدْ / أَبْدَعَتْ إِذْ أَثْمَرْتَ بَدْراً نَيِّرَا
ما ضَرَّ طَيْفَكَ لَو أكونُ مَكانَهُ / فَقَدِ اشْتَبَهْنا فِي السَّقامِ فَما نُرى
أتُرى لأَيَّامي بِوَصْلِكَ عَودَةٌ / وَلَوْ أَنَّها فِي بَعْضِ أَحلامِ الكَرَى
زَمَناً شَرِبْتُ زَلالَ وَصْلِكَ صافِياً / وَجَنَيْتُ رَوْضَ رِضاكَ أَخْضَرَ مُثْمِرا
مَلَكَتْكَ فِيهِ يَدِي فَحينَ فَتَحْتُها / لَمْ أَلْقَ إلاَّ حَسْرَةً وَتَفَكُّرَا
لِي مُقْلَةٌ مُذْ غَابَ عَنْها بَدْرُها / تَرْعى مَنازِلَهُ عَساها أنْ تُرَى
لَوْلا انْسِكابُ دُموعِها وَدِمائِها / ما كُنْتُ بَيْنَ الْعاشِقِينَ مُشَهَّرا
فَكَأنَّما هِيَ كَفُّ موسى كُلَّما / نَثَرَ اللُّجَيْنَ أَوِ النُّضارَ الأحْمَرا
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظيمَ لأِنَّني / شَبَّهْتُ بِالنَّزْرِ الْقّليلِ الأكْثَرَا
مَلِكٌ تَوَقَّدَ سَيفُهُ وَجَرى دماً / فَعَجِبْتُ لِلنِّيرانِ تَطْفَحُ أَبْحُرا
كَلِفٌ بِقَدِّ الرُّمْحِ أَهْيَفَ أَسْمِرا / وَبِحَدِّ نَصْلِ السَّيْفِ أَبْيَضَ أَحْمَرَا
مِنْ مَعْشَرٍ فَخَرَتْ أَوائِلُهُمْ بِهِ / كَفَخارِ آدَمَ بِالنَّبيِّ مُؤَخَّرَا
تَنْبُو الْمَسامِعُ عَنْ مَديحِ سِواهُمُ / إِذْ كانَ أَكْثَرُهُ حَديثاَ يُفْتَرَى
بيضُ الأيادي حُمْرُ أطْرافِ القَنا / سودُ العَجاجِ تَحِلُّ رَبْعاً أخْضَرَا
الإِنْسُ تُهْدَى لِلْقِرى بِدُخانِهِ / وَالْوَحْشُ تَشْبِعُ حَيْثُ يَعْقِدُ عِثْيَرَا
فَإِذْا حَبا مَلأَ الْمَنازِلَ نِعْمَةً / وَإِذْا سَطا مَلأَ الْبَسِيطَةَ عَسْكَرَا
مَنَعَ الْغَوادي بِاشْتِباكِ رِماحِهِ / عَنْ تُرْبِهِ وَسَقاهُ غَيْثاً أحْمَرا
فَلِذاكَ أثْمَر أَيدِياً وَجَماجِماً / وَقَناً بِلَبَّاتِ الرِّجال مُكسَّرَا
يَقْظٌ حفِيظُ القَلْبِ إِلاَّ أَنَّهُ / يَنْسَى مَكارمَهُ إِذْا ما كَرَّرَا
مَعْسُولُ أَطْرافِ الْحَديثِ كَأَنَّما / يَسْقي الْمَسامِعَ مُسْكِراً أوْ سُكَّرَا
إَنّي لأُقْسِمُ لَوْ تَجَسَّدَ لَفْظُهُ / أَنِفَتْ نُحُورُ الْغانِيَاتِ الْجَوْهَرَا
لَوْ كانَ فِي الزَّمَنِ القَديمِ مُخاطِباً / لِلنَّاسِ لَمْ يُبْعَثْ رَسُولٌ لِلْوَرى
وَدَلِيلُهُ الْكُرْجُ الَّذينَ بِرَبِّهِمْ / كَفَرُوا وَفَضْلُكَ بيْنَهُمْ لَنْ يَكْفَرا
حَجُّوا لِقَصْرِكَ مِثْلَ قُبَّةِ قُدْسِهِمْ / وَرَأوْكَ فِيها كالْمَسِيحِ مُصَوَّرا
فَهُنالِكَ الْمَلِكُ الْعَظيمُ مُعَفِّرٌ / وَجْهاً يَخالُ التُّرْبَ مِسْكاً أَذْفرَا
حَجَبَتْكَ أَنْوارُ الْمَهابَةِ عَنْهُمُ / فَلِذاكَ أَعْيُنُهُمْ تَراكَ وَلا تَرَى
كَمْ ناظِرٍ أَرْشَدْتَ لَيْلَةَ صَوْمِنا / قَدْ كانَ فِي جَوِّ السَّماءِ مُحَيَّرَا
يا ناظِرينَ إلى هِلالٍ مانِعٍ / لِلزَّادِ موسى الْبَدْرُ مَبْذُولُ الْقِرى
رَمَضان ضَيْفٌ سارَ حَوْلاً كامِلاً / حَتَّى رَآكَ مُسَلّماً فَاسْتَبْشَرَا
وَافاكَ مُبْتَهِجاً بِبِرِّكَ وَالتُّقى / وَمَضى لِمَا أوْلَيْتَهُ مُتَشَكِّرا
فَتَهَنَّ عيداً أَنْتَ حَقّاً عِيدُهُ / يا خَيْرَ مَن صَلَّى وَصامَ وَأفْطَرَا
بِعِذارِكَ الْفَتَّانِ أعذَرْ
بِعِذارِكَ الْفَتَّانِ أعذَرْ / يا وَجْنَةَ السَّيْفِ الْمُجَوْهَرْ
خَطٌّ عَلى خَدٍّ يَكا / دُ لِرِقَّةٍ يَخْفَى وَيَظْهَرْ
فَشَقيقُهُ يَنْشَقُّ عَنْ / آسٍ يَرُوقُ الْعَيْنَ أَخْضَرْ
مَوْلاَيَ وَجْهُكَ جَنَّةٌ / وَرُضابُكَ الْمَعسولُ كَوْثَرْ
يَفْتَرُّ مِسْكُ خِتامِهِ / عَن مُسْكِرٍ عَطِرٍ وَسُكَّرْ
مِنْ نَسْلِ يافِثَ نافِثٌ / وَسْنانُ يُسْهِرْني وَيَسْحَرْ
مُتَبَسِّمٌ بِزُمُرُّدٍ / عَن عِقْدِ ياقُوتٍ وَجَوْهَرْ
وَلَّى بِشَعْرٍ كَالدُّجى / وَبَدا فَقُلْتُ الصُّبْحُ أَسْفَرْ
ما خِلْتُ قَبْلَ جَبينِهِ الْ / كافُورِ يَنْبُتُ مِنْهُ عَنْبَرْ
يا قاصِرَ الطَّرْفِ الْغَضِي / ضِ كَذالِكَ الْهِنْدِيُّ أَبْتَرْ
يا غُصْنُ خَصْرُكَ لا يُطي / قُ حِياصَةً عُقِدَتْ وَخِنْجَرْ
يا بَدْرُ كَمْ مِنْ تائِهٍ / فِي لَيْلِ هَجْرِكَ قَدْ تَحَيَّرْ
رِفْقاً بِصَبٍّ كلَّما / أَخْفَى بَلِيَّتَهُ تَشَهَّرْ
الجِسْمُ أَصْفَرُ ناحِلٌ / دَنِفُ وَدَمْعُ الْعَيْنِ أَحْمَرْ
لَوْلا الدُّموعُ أَذابَهُ / نَفَسٌ تَصَعَّدَ بَلْ تَسَعَّرْ
مَنْ يَعْشَقِ الظَّبْيَ الْغَري / رَ يَنامُ عاذِلُهُ وَيَسْهَرْ
غَزَلِي لَهُ وَمَدائِحي / وَقْفٌ لِمَوْلانا مُقَرَّرْ
الأشْرَفُ الطَّلْقُ النَّدى / شَاهَ ارْمَنٍ موسى الْمُظَفَّرْ
مَلٌْك إِذْا وَالَيْتَهُ / أَغْنى وَإِنْ عادْيتَ أَفْقَرْ
يُردي وَيُجْدي كالزَّما / نِ فَلَمْ يَزَلْ يُشْكى وَيُشْكَرْ
صَبُّ بِحَدِّ السَّيْفِ أَحْ / مَرَ أوْ بِقَدِّ الرُّمْحِ أَسْمَرْ
نَجِسُ الظُّبَى وَنِجارُهُ / مِن كُلِّ مَنْقَصَةٍ مُطَهَّرْ
فَكَأنَّ صارِمَهُ خَطِي / بٌ مِصْقَعٌ وَإلْهامَ مِنْبَرْ
صَلَّى بِمِحْرابِ الطُّلَى / وَصَليلُهُ اللَّهُ أَكْبَرْ
بَيْنَ الرِّماحِ كَأَنّها / غيلٌ عَلى أسَدٍ غضَنْفَرْ
وَكَأَنَّهُ بَيْنَ الْمَوا / كِبِ وَالْقَواضِبِ وَالسَّنَوَّرْ
جَبَلٌ تَلاطَمَ حَوْلَهُ / بَحْرٌ مِنَ الْمَاذِيِّ أخْضَرْ
فِي فَتْكِهِ بِرٌّ وَإنْ / قَتَلَ العَدُوَّ لِمَنْ تَبَصَّرْ
غَسْلُ الفَوَارِسِ بِالدِّما / ءِ وَفِي بُطونِ الطَّيْرِ تُقْبَرْ
قاسٍ إِذْا اسْتَسْقَتْ عِدا / هُ وَمارِجُ الْهَيْجاءِ يُسْعَرْ
سَحَّتْ سَحابُ عَجاجِهِ / مَنْ نَبْلِهِ وَبْلاً كَنَهْوَرْ
يا أَيُّها الْمَلِكُ الْكَري / مُ صِفاتُ مَجْدِكَ لَيْسَ تُحْصَرْ
يا ناسِياً لِصَنِيعِهِ / وَهُوَ الْمُرَدَّدُ وَالْمُكَرَّرْ
يا مُورِثاً آباءَهُ / شَرَفاً لِيَوْمِ الْحَشْرِ يُذْكَرْ
لَكَ سِيْرَةٌ مَعَ عَدْلِها / بَأْسٌ فَمَنْ كِسْرَى وَقَيْصَرْ
وَلَكَ الْجَمالُ مَعَ الْجَمي / لِ فَمَنْظَرٌ حَسَنٌ وَمَخْبَرْ
يا عَبْدَ مَوْلانا الإِما / مِ جَلالُ هذا النَّعْتِ أَشْهَرْ
أُوتِيتَ فِي الدُّنْيا بِهِ / شَرَفاً وَفِي أُخْراكَ أكْثَرْ
فإِنَ اصْطفاكَ لِنَفْسِهِ / فَلَيَسْعَدَنَّ بِمَنْ تَخَيَّرْ
فَافْخَرْ عَلى الدُّنْيا بِنَفْ / سِكَ أوْ بِهِ فَكَفاكَ مَفْخَرْ
وَتَهَنَّ صَوْماً حُزْتَ فِي / هِ ثَوابَ مَنْ صَلَّى وَأَفْطَرْ
وَبَقِيتَ ما بَقِيَ الثَّنا / ءُ عَلَيْكَ مَنْصوراً مُظَفَّرْ
مالِي وَلِلتَّشْبِيبِ بِالأوْطانِ
مالِي وَلِلتَّشْبِيبِ بِالأوْطانِ / لي شاغِلٌ بِجَمالِكَ الْفَتَّانِ
الرِّيقُ وَالثَّغْرُ الْعُذَيْبُ وَبارِقٌ / وَقَباكَ مَزْرورٌ عَلى نُعْمانِ
وَسْنانٌ حُورِيُّ الصِّفاتِ كَأَنَّهُ / مَلَّ الْجِنانَ فَفَرَّ مِن رِضْوانِ
طالَتْ عَلى عِطْفَيْهِ لَيْلَةُ شَعْرِهِ / فَتَرَنَّحا كالْعاشِقِ الْوَلْهانِ
وَاخْضَرَّ فَوْقَ الْوَرْدِ آسُ عِذارِهِ / فَعَجِبْتُ لِلْجَنَّاتِ فِي النِّيرانِ
جُنَّتْ بِمَنْظَرِهِ الْبَديعِ عُيونُنا / فَتَسَلْسَلَتْ بِمَدامِع الأَجْفانِ
غَزَلِيْ بِهِ وَمَديحُ موسى رَوْضَةٌ / جَمَعَتْ فُنونَ الْحُسْنِ وَالإِحْسانِ
مَلِكٌ بِهِ اخْضَرَّ الزَّمانُ كأنَّما / أيَّامُ دَوْلَتِهِ رَبيعٌ ثانِ
أَثْرى ثَراهُ بَعْدَ مَحْلِ مَحَلِّهِ / بِدَوامِ سَحَّ سَحابِهِ الْهَتَّانِ
فَلِكُلِّ غادِيَةٍ رَحيقٌ سَلْسَلٌ / وَلِكُلِّ غُصْنٍ هِزَّةُ النَّشْوانِ
وَالنَّهْرُ خَدٌّ بِالشُّعاعِ مُوَرَّدٌ / قَد دَبَّ فِيهِ عِذارُ ظِلِّ الْبانِ
وَالْمَاءُ فِي سُوقِ الْغُصونِ خَلاخِلٌ / مِنْ فِضَّةٍ وَالزَّهْرُ كالتِّيجانِ
فَكَأَنَّ طائِرَها خَطيبٌ مصْقَعٌ / قَد قامَ فَوْقَ مَنابِرِ الأَغْصانِ
يَشْدو وَأُنْشِدُ فَالْمَدائِحُ بَيْننا / تُهْدى إلى موسى بِكُلِّ لِسانِ
اشْرَبْ ثَلاثاً يا نَديمُ وَسَقِّني / وَاطْرَبْ لِعُجْمَةِ نُطْقِهِ وَبَيانِي
كأْساً إِذْا صافَحْتُها أَثْرَتْ يَدِي / مِنْ فِضَّةٍ مُلِئَتْ مِنَ الْعِقْيانِ
حَمْراءُ رَصَّعَها الْحَبابُ بِجَوْهَرٍ / كَالزَّهْرِ فِي مَرْجٍ مِنَ الْمَرْجانِ
وَاللَّهِ لَوْ عَقَلَ الْمَجوسُ لِكاسِها / جَعَلُوُه بَيْتَ عِبادَةِ النِّيرانِ
سُكْرُ الْمُدامِ وَشُكْرُ موسى مَذْهَبي / فَلَقَدْ مَحَوْتُ بِطاعَتي عِصْيانِي
شُغْلِي مَدائِحُهُ وَغَيْري لَمْ يَزَلْ / كالْبومِ يَنْدُبُ دارِسَ الْجُدْرانِ
لَلْبِيدِ وَالْكُومِ الرَّواسِمِ مَعْشَرٌ / عَدَلَ الزَّمانُ بِشَأْنِهِمْ عَنْ شَانِي
سِيَما إِذْا الْتَهَبَ الْهَجيرُ وَحَوَّمَتْ / فَوْقَ السَّرابِ حُشاشَةُ الظَّمْآنِ
وَالشَّمْسُ تُرْسِلُ فَضْلَ خَيْطِ لُعابِها / تَمْتاحُ مِن عَطَشٍ ثَرى الْغُدْرانِ
يَشْوِي الْوُجوهَ سُمومُها فَكَأَنَّما أعْ / تاضُوا عَنِ الأَكْوارِ بِالْكيرانِ
فَعلامَ أُلْقِي لِلْمَهالِكِ مُهْجَتي / وَالأَشْرَفُ السُّلْطانُ قَدْ أغْنانِي
طَرَدَ الْقَنِيصَ بِكُلِّ ضارٍ ضامِرٍ / مِنْ مِخْلَبَيْهِ مُقَرَّطِ الآذانِ
وَبِكُلِّ مُرْدَفَةٍ مُغَلْغَلَةٍ لَها / فِي كُلِّ عُضْوٍ مُقْلَةُ الْغَضْبانِ
تُرْكِيَّةٍ سُبِيَتْ فَسالَ بِخَدِّها / ما كانَ مِنْ كُحْلٍ عَلى الأجْفانِ
قُلْنا وَشِلْوُ قَنِيصِها فِي صَدْرِها / هذا عِناقُ الْعاشِقِ الْوَلْهانِ
لَوْ قالَ موسى أجِرْنِي مِنْهُما / لَنَجا وَأصْبَحَ فِي أعَزِّ أمانِ
موسى الّذي أَزْرى بِكِسْرَى وَاعْتَلى / فِي أَسْرِ إِيواني عَلى الإِيوانِ
لَبَّى أَخاهُ مِنَ الْجَزِيرَةِ بَعْدَما / سَدَّتْ عَلَيْهِ الْكُرْجُ كُلَّ مَكانِ
بِجَحافِلٍ زُمْرُ الْمَلائِكِ فَوْقَها / مَحْفوفَةٍ بِخواطِفِ الْعِقْبانِ
لا يَهْتَدونَ إِذْا ادْلَهَّم عَجاجُهُمْ / إِلاَّ بِشُعْلَةِ صارِمٍ وَسِنانِ
فَجَلا عَن الإِسْلامِ ظُلْمَةَ كُفْرِهِمْ / وَأَعادَهُ لِلْعِزِّ بَعْدَ هَوانِ
طَهَّرْتَ أَرْمينِيَّةً فاسْتَبْدَلَتْ / مِنْ دَقَّ ناقُوسٍ بِصَوْتِ أَذانِ
نَفَذَتْ جُسُومَهُمُ الرِّماحُ كَأَنَّهُمْ / بَعْضَ الَّذي حَمَلُوا مِنَ الصُّلْبانِ
يا مَنْ يُصَدِّقُ مادِحيْهِ كَأَنَّهُمْ / يَتْلُونَ آيَاتٍ مَنَ الْقُرْآنِ
يا مَنْ يَرَى أَيْدي العُفاةِ لِمالِهِ / أَكْفى الْكُفاةِ وَأَوْثَقَ الْخَزَّانِ
يا مَنْ يَرى أَنَّ الثَّناءَ ذَخيرَةٌ / تَبْقى عَلَيْهِ وَكُلَّ شَيْءٍ فانِ
أَغْلَيْتَ أَعْلاقَ الْمَحامِدِ بَعْدَما / كانَتْ تُباعُ بِأَرْخَصِ الأثْمانِ
شَوَّالُ مِثْلكَ مُطْعِمٌ فَلأِجْلِ ذا / أَضْحى لَهُ فَضْلٌ عَلى رَمَضانِ
فَتَهَنَّ يا مَلِكَ الْمُلوكِ بِعيدِهِ / فِي ظِلِّ مُلْكِ دائِمِ السُّلْطانِ
قَالُوا تَشَفَّعَ بِالْجَما
قَالُوا تَشَفَّعَ بِالْجَما / لِ وَلَوْ تَثَبَّتَ كانَ أَجْوَدْ
فَأَجَبْتُ إِنِّي مُسْلِمٌ / أَرْجو الشَّفاعَةَ مِن مُحَمَّدْ
لِلرَّمْي فَضْلٌ لَيْسَ يُنْكَرُ قَدْرُهُ
لِلرَّمْي فَضْلٌ لَيْسَ يُنْكَرُ قَدْرُهُ / وَالجَوُّ قَد شَهْدَتْ بِهِ آثارُهُ
الشُّهْبُ بُندُقُهُ وَنونُ هِلالِهِ / قَوسٌ وَمِسْكِيُّ الغَمامِ غُبارُهُ
اللَّهُ يَكْفِي المُلْكَ أشْأَمَ طَلْعَةٍ
اللَّهُ يَكْفِي المُلْكَ أشْأَمَ طَلْعَةٍ / أضْحَتْ تُبَشِّرُهُ بِشَرِّ صَباحِ
بَهَقٌ يَلُوحُ سَوادُهُ فِي صُفَْرٍة / قَد كَرَّهَتْ نَظَرِي إِلَى اللُّفَّاحِ
شَقِيَتْ بِهِ الأَرْواحُ بَعدَ نَعِيمِهَا / فَاقْتَصَّتِ الأَرْواحُ لِلأَرْواحِ
لَبِقٌ أَقْبَلَ فِيهِ هَيَفٌ
لَبِقٌ أَقْبَلَ فِيهِ هَيَفٌ / كُلُّ ما أَمْلِكُ إِنْ غَنَّى هِبَهْ
بَينَ البَنانِ وَصُدْغِهِ المَعْقُودِ
بَينَ البَنانِ وَصُدْغِهِ المَعْقُودِ / خَمْرانِ مِن كَأْسٍ وَمِنْ عَنْقُودِ
هذِي تُدارُ لَنا بِأَبْيَضِ ناعِمٍ / تَرِفٍ وَتِلْكَ تُدارُ فِي تَوْريدِ
ساقٍ كَأَنَّ جَبِينَهُ فِي شَعْرِهِ / قَمَرٌ تَبَلَّجَ فِي اللَّيالِي السُّودِ
غُصْنٌ تَرَنَّحَ رِدْفُهُ فِي خَصْرِهِ / فَعَجِبْتُ لِلْمَعْدومِ فِي المَوْجودِ
وَضَّاحُ دُرِّ الثَّغرِ مَعْسولُ اللَّمَى / مُتَضايِقُ الأَجْفانِ رَحْبُ الجِيدِ
يَلْوِي عَلى زَرَدِ العِذارِ دَلالَهُ / كَمْ فِتْنَةٍ بَيْنَ اللِّوَى وَزَرودِ
نَبَتَتْ عَلى الكَافُورِ مِسْكَةُ خَالِهِ / وَالمِسْكُ يَنْبُتُ فِي الظِّبَاء الغِيدِ
فِي جَفْنِهِ لِمُحِبِّهِ وَعَدُوِّهِ / سِيْفانِ مِن لَحْظٍ وَحَدِّ حَدِيدِ
هذا يَقُومُ عَلى القُلُوبِ دَليلُهُ / قَطْعاً وَذاكَ السَّيْفُ بِالتَّقْلِيدِ
إيَّاكَ وَالأتْراكَ إنَّ لِبَعْضِهِمْ / أَشْخاصَ غُزْلانٍ وَفِعْلَ أُسُودِ
أَجْسامُهُمْ كَالمَاءِ إلاَّ أَنَّها / حَمَلَتْ قُلُوباً مِن صَفَا الجُلْمُودِ
هُمْ أَوْرَثوا الجِسْمَ السَّقامَ وَعَذَّبُوا / أَجْفانَنا بِالدَّمْعِ وَالتَّسْهِيدِ
أَرْعَى الكواكِبَ مُعْوِلاً فَكَأنَّني / وُكِّلْتُ بِالتَّعْدادِ وَالتَّعْديدِ
نَشَرَتْ غَدائِرُهُنَّ لَيْلاً ساتِرَا
نَشَرَتْ غَدائِرُهُنَّ لَيْلاً ساتِرَا / وَجَلَتْ مَعاجِرُهُنَّ صُبْحاً سافِرَا
سِرْبٌ مَدَدْنَ شُعورَهُنَّ حَبائِلاً / فَتَقَنَّصَتْ مِنّا الهِزَبْرَ الزَّائِرَا
عَجَباً لَهُنَّ صَوائِداً ما زِلْنَ مِنْ / عَبَثِ الصِّبا عَنْ صَيْدِهِنَّ نَوافِرَا
مِنْ كُلِّ طائِلَةِ القِوامِ تَغُضُّ مِنْ / فَرْطِ الحَيَا وَالتِّيهِ طَرْفاً قاصِرَا
ماسَتْ فَأنْطَقَتِ النِّطاقَ وَأَخْرَسَتْ / عِنْدَ النُّهوْضِ خَلاَخِلاً وَأَساوِرَا
فَهِيَ القَضِيْبُ مَعاطِفاً وَنَضارَةً / وَهِيَ الرَّبِيبُ سَوالِفاً وَنَواظِرَا
كَمْ أَرْسَلَتْ لِي مِن تَغَزُّلِ طَرْفِها / مَعْنىً فَكُنْتُ لَهُ بِطَرْفِي ناثِرَا
إيَّاكَ عَنْ خَنَثِ الجُفُونِ فَإنَّهُ / يُغْرِي بِقَلْبِ الصَّبِّ لَحْظاً كاسِرَا
يا رُبَّ لُجَّةِ لَيْلَةٍ أَبْدَى بِها / صَدَفُ السَّحابِ مِنَ النُّجومِ زَواهِرَا
عَرَضَتْ فَخافَ الطَّرْفُ مِنْ غَرَقٍ بِها / فَغَدا عَلى جِسْرِ المَجَرَّةِ عابِرَا
فَلَوِ اسْتَطَعْتُ نَظَمْتُ زُهْرَ نُجُومِها / مَدْحاً إلَى عَبْدِ الرَّحِيمِ سَوائِرَا
يُمْناهُ مُحْسِنَةٌ فَخُذْ مِنْها الغِنَى / وَاطْرَبْ إِذْا جَسَّ اليَراعَةَ ياسِرَا
سَبَقَتْ إلَى مِضْمارِ كُلِّ فَضِيلَةٍ / لَمَّا امْتُطَتْ فِي الطِّرْسِ أًصّفَرَ حاسِرَا
لَمَّا تَعَمَّمَ بِالسَّوادِ خَطيبُها / صَعِدَتْ أَنامِلُهُ الكِرامُ مُنابِرَا
يَنْسَى مَكارِمَهُ إِذْا ما كُرِّرَتْ / لكِنَّهُ لِلْوَعْدِ أَصْبَحَ ذاكِرَا
أَخْفَى النَّدَى وَالدِّيْنَ غايَةَ جُهْدِهِ / وَكِلاهُما يُمْسِي وَيُصْبِحُ ظاهِرَا
كَمْ سَاسَ بِالصُّفْرِ القِصارِ مَمالِكاً / أَعْيَتْ طوالاً شُرَّعاً وَبَواتِرَا
مَوْلاَيَ خُذْ لِي الْحَقَّ مِنْ دَهْرٍ عدَا / فَغَدا عَلَيَّ وَأَنْتَ جَارِيْ جَائِرَا
وَإلَيْك رَوْضَةَ خاطِرٍ مَمْطُوَرٍة / تُهْدِي إلَى الأَمْداحِ عَرْفاً عاطِرَا