المجموع : 21
أَعرفْتَ مِنْ داءِ الصبابةِ شافيا
أَعرفْتَ مِنْ داءِ الصبابةِ شافيا / هيهاتَ لستَ ترى لدائكَ راقيا
لا ترجُ مِنْ بعدِ انقيادكَ للهوى / بُرءاً وقد لبَّيتَ منه الداعيا
عزَّ الدواءُ فليس تلقى بعدَها / طَبّاً لدائكَ في الغرامِ مُداويا
ما هذه في الحبَّ أوَّلَ وقفةٍ / تركتكَ مستعرَ الأضالِعِ باكيا
قَلِقَ الوِسادِ وقد تعرَّضتِ النوى / حيرانَ تسأَلُ أرسُماً ومغانيا
تتبادُر العبراتُ في عرصاتِها / بدداً لقد أقرحتَ طرفاً داميا
دِمَنٌ طُوينَ على البِلَى وأحالَها / مَرُّ الرياحِ مُراوِحاً ومُغادِيا
جرَّتْ عليها السافياتُ ذيولَها / فَطَمْسَ ما قد كانَ منها باديا
ذهبتْ بشاشَتُها وأوحشَ ربعُها / وتبدَّلَتْ عُفْر الظِباءِ جوازيا
ظعنَ الأحبَّةُ راحلينَ وخلَّفوا / قلباً بنيرانِ التفرُّقِ صاليا
كانتْ بهنَّ حوالياً فأعادَها / ريبُ الزمانِ عواطلاً وخواليا
مِنْ كلَّ مائةِ القَوامِ رشيقةٍ / جَيْداءَ خجَّلتِ الغزالَ العاطيا
ترنو اليَّ بمقلةٍ مُرتاعةٍ / حَذَرَ الرقيبِ فلا عَدِمْتُ الرانيا
يا منزلاً بينَ العُذَيْبِ وحاجرٍ / حُوشيتَ أن ألْفَى لعهدِكَ ناسيا
فسقَى رياضَكَ مِلْعِهادِ سحائبٌ / تَتْرَى عليهِ بَواكراً وسَواريا
وسقَى زمانَكَ مِنْ دموعي صيَّبٌ / أمسى على ما فاتَ منه هاميا
زمناً عَهِدْتُ بهِ الزمانَ قشيبةً / أبرادُهُ والدهرُ غِرّاً لاهيا
جَذِلاً ركضتُ بهِ جوادَ شبيبتي / وسحبتُ مِنْ مَرَحٍ عليهِ رِدائيا
أقسمتُ ما لمعتْ بوارقُ مزنةٍ / اِلاّ عَقَدْتُ بهنَّ طرفاً كاليا
سهرانَ قد رفضَ الرقادَ وباتَ مِنْ / حُرَقِ الصبابةِ للبوارقِ راعيا
أذكَرْنَهُ ومضَ المباسمِ في الدجى / بوميضِها فأَسالَ دمعاً جاريا
ما للفراقِ بينهنَّ يروعُني / فأبيتُ مسجورُ الجوانحِ عانيا
أَأُراعُ منه وما شَحَذْتُ عزيمَتي / اِلاّ وفلَّلتُ السيوفَ مواضيا
مِنْ مرهفاتِ الهندِ غيرِ كليلةٍ / طُبِعَتْ قواضبَ فانثنينَ قواضيا
والعيسُ في أعطانِهنَّ بواركاً / تُدني مناسِمُها المحلَّ النائيا
تجتابُ خرقاً بالرياحِ مُخَرَّقاً / ويبيدُ بيداً سيرُها وفيافيا
تنصاعُ مِنْ خوفِ السياطِ كأنَّما / خالتْ على أعجازهنَّ أفاعيا
تنحو بيَ البلدَ البعيدَ مزارُهُ / وخداً فًتُرْجِعُهُ قريباً دانيا
يا ظبيةَ الوادي نداءَ مولَّهٍ / ناداكِ مِنْ ألمِ التفرُّقِ شاكيا
قد كانَ يكفيني هواكِ فما الذي / جلبَ البعادَ ومَنْ أباحَ جفائيا
أصبحتُ أسألُ عنكِ برقاً لامعاً / يبدو كحاشيةِ الرداءِ يمانيا
لا شيءَ أقتلُ مِنْ تباريحِ الهوى / للمستهامِ إذا رَجَعْنَ أمانيا
خُدَعٌ وعوُدكِ بالوصالِ وقاتلٌ / لبّانُها لو كانَ قلبي واعيا
أَأَرومُ وصلكِ بعدَما زجرَ النُّهَى / عنه طماعِيَتي وكفَّ غراميا
مالي ووصلِ الغانياتِ وقد بدا / منهنَّ ما قد كانَ قِدْماً خافيا
كلاّ رجعتُ عنِ الغَوايةِ والهَوَى / أَنِفاً لقد جذبَ العفافُ زمانيا
ورفضتُ أياماً بهنَّ تصرَّمَتْ / ومآربا قَضَّيتُها ولياليا
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما / سَقَّى الديارَ قطرُهُ انسجاما
مدامعٌ تُخبركُمْ عن لوعةٍ / قد قعدَ القلبُ لها وقاما
أذلتُها من بعدِ صوني برهةً / لها فأثبتُّ بها الغراما
وكنتُ مِن قبلِ ولُوعي بالهَوَى / أرى انبجاسَ مائها حراما
يا جيرةً أصبحَ صبحُ عيشتي / مِن بعدِ ما ترحَّلوا ظلاما
عهدي بأوطانِكُمُ آهلةً / تكْنُفُ مِن سكانِها أراما
مِن كلَّ هيفاءَ يُعيرُ قدُّها ال / غصنَ إذا ما خطرتْ قواما
بهنانةٌ ممكورةٌ خَمصانَةٌ / قد جرَّدتْ مِن لحظِها حُساما
كأنَّني كنتُ أرى وِصالَها / زمانَ جادَتْ لي بهِ مناما
والعيشُ لا تصحَبُهُ لذاذةٌ / اِلاّ إذا ما أشبَهَ الأحلاما
ما مزنةٌ أرخَتْ غزيرَ وبلِها / فروَّتِ الوهادَ والآكاما
جرَّتْ على وجهِ الثرى ذيولَها / كأنَّها تُشافِهُ الرَّغاما
عادتْ بهِ الأوشالُ في لصوبِها / مترعةً مِن دمعِها جِماما
مثلَ دموعي يومَ قيلَ ثَوَّروا / عيسَهُمُ وقوَّضوا الخِياما
باللهِ يا ريحَ الجَنُوبِ بلَّغي / عنّي إلى أحبابيَ السلاما
وعَرَّفيهمْ أنَّني في دارِهمْ / أَعلَّمُ النوحَ بها الحماما
منازلٌ أرعى ذِمامَ أهِلها / اِنَّ الكريمَ يحفظُ الذماما
أصبحَ صبري ناقصاً ولوعتي / يزدادُ وَقْدُ حرَّها ضِراما
أهدتْ اليَّ شذا العَرارِ الفائحِ
أهدتْ اليَّ شذا العَرارِ الفائحِ / نكباءُ هبَّتْ عن رُبًى وأباطحِ
نسمتْ عليَّ فأجَّجَتْ أرواحُها / نارَ الهوى في أضلعٍ وجوانحِ
جلبَ الحنينُ اليَّ ما أهدتْهُ مِن / أنفاسِ ذيّاكَ العبيرِ النافحِ
ولطالما أذكى النسيمُ خمودَها / كالنارِ شَبَّتْ مِن زِنادِ القادحِ
قسماً بليلٍ بتُّ أرقُبُ نجمَهُ / طمعاً بميعادِ الغزالِ السانحِ
لم أُصغِ فيهِ إلى مقالةِ عاذلٍ / يَلْحى عليهِ ولا نميمةِ كاشحِ
لَعِبَ الصَّبا بِقَوامِهِ فأمادَه / طرباً كأنْ عَلُّوه كأسَ الصابحِ
يقتادُني الشوقُ المبَّرحُ نحوَه / فأبيتُ ذا شَرَقٍ بدمعٍ سافحِ
ولَكَمْ نضحتُ بمائهِ نيرانَه / جهلاً فأجَّجَهُ رَشاشُ الناضحِ
هيهاتَ أن يَثني العذولُ بعذلِهِ / عن وجدِه رأيَ الأبيَّ الجامحِ
لا شيءَ أصعبُ مِن معاناةِ الهوى / تَعِسَ العواذِلُ مِن رياضةِ قارحِ
مالي وللبرقِ اليمانِ وقُوُدُه / يبتزُّ قلبي بالوميضِ اللامحِ
يهتزُّ كالعَضْبِ الصنيعِ مُجَرَّداً / مِن فوقِ أسنمةِ الغمامِ الرائحِ
أو كالمباسمِ في الظلامِ يُضيءُ / لي منهنَّ برّاقُ الشتيتِ الواضحِ
فأبيتُ حِلْفَ مدامعٍ مُهراقةٍ / أسفاً وخِدْنَ زفيرِ شوقٍ لافحِ
أَتُرى تُبَلَّغُني الأحبةَ عِرْمِسٌ / وجناءُ تهزأُ بالنعامِ السارحِ
كالهَيْقِ بينَ نجائبٍ مزمومةٍ / قلُصٍ تَرامَى في الفلاةِ روازحِ
مِن فوقِهنَّ عِصابةٌ قد هَوَّنوا / في الحبَّ روعةَ كلَّ خَطْبٍ فادحِ
بَعُدَ الحبائبُ عنهمُ فتوَّقلُوا / أكوارَ عيسٍ كالقِسيَّ طلائحِ
تُدني مناسِمُها الديارَ وقد نأتْ / عنها فتُصبحُ وهي غيرُ نوازحِ
مِن دونِها بيداءُ طامسةُ الصُّوَى / بَهْماءُ ذاتُ أماعِزٍ وصَحاصِحِ
جاوزتُها بأيانِقٍ أدمى الوَجا / أخفافهنَّ إلى بُريقةِ سافحِ
فسقى عِراصَ الدارِ مزنٌ هامِعٌ / يبكي على ضَحِكِ البُرَيقِ اللائحِ
مُزْنٌ إذا ضَنَّ الغمامُ بمائهِ / أهدَى الِقطارَ لبانِهِ المتناوحِ
ما مرَّ ذو شَجَنٍ رمتْهُ يدُ النوى / بمفاوزٍ مِن بعدِها ومطارحِ
وأصاخَ مِن وَلَهِ الفراقِ وقد نأَى / عنه الخليطُ لباغمٍ ولصادحِ
اِلاّ تذكَّرْتُ العقيقَ وبانَه / وحنينَ تغريدِ الحمامِ النائحِ
يشدو على أغصانِ باناتِ اللَّوى / فيَهيجُ أشجانَ الغرامِ الفاضحِ
ويفيضُ دمعٌ ما تحدَّرَ غَربُهُ / اِلاّ أنافَ على الغديرِ الطافحِ
أرضٌ تبسَّمَ ثغرُها زمنَ الصَّبا / في وجهِ أيامِ الزمانِ الكالحِ
فلأوسِعَنَّ زمانَه وأوانَه / مدحاً يكِلُّ له لسانُ المادحِ
وأزفُّ مِن عُرُبِ الكلامِ عرائساً / تُجلى عليه مِن بناتِ قرائحي
يجري بهنَّ على مرادي خاطرٌ / متبدَّهٌ جريَ الجوادِ الطامحِ
يمشي اِذا ما الشَّعرُ زلَّتْ رِجلُه / فوقَ الحضيضِ على السَّماكِ الرامحِ
فيزيدُ وجداً كلَّ قلبٍ ذاهلٍ / اِنشادُهنَّ وكلَّ لبًّ طائحِ
برقٌ تألَّق مِن تِهامَه
برقٌ تألَّق مِن تِهامَه / صَدَعَ القلوبَ المُستهامَهْ
تصبو اليه إذا بدا / يهتزُّ في ذيلِ الغمامَهْ
يبدو ويخبو تارةً / كالسيفِ أغمدَهُ وشامَه
بَكَرَ العذولُ يلومُ / صَبّاً ليس تثنيه الملامَه
ما للمحبِّ وللملامِ / لقد نضا عنه لِثامَه
مِن أين يسمعُه عزيم / هوًى أطال بهِ غرامَه
يهوَى لُمَى ظبي الصريمِ / فهل يَرى يوماً لمامَه
مازالَ يسألُ أو يرومُ / عن النقا أو ريمِ رامَه
ألهتْهُ حمرَةٌ ريقِهِ / في الحبِّ عن شربِ المُدامَه
عَطِرٌ تأرَّجَ عَرْفُه / كالمِسكِ تَسلُبهُ خِتامَه
ملَكَ الغرامُ عِنانَه / واقتادَ للبلوى زِمامَه
وأذلَّهُ مِن بعدِ عِزّ / كانَ لا يخشى انفصامَه
فأضاعَهُ مَنْ كانَ / يأمُلُ أنَّه يرعى ذِمامَه
والحبُّ ما منعَ البليغ / على بلاغتِهِ كلامَه
يلقى الحبيبَ فما يُطيقُ / إليه أن يشكو اهتِضامَه
ما أومضَ البرقُ اللموعُ / على رُبا نجدٍ فشامَهْ
اِلاّ وذكَّرَهُ مِنَ / المحبوبِ في الليلِ ابتسامَه
ما زارهَ كالبدرِ تجلو / منه غرَّتُه ظلامَه
اِلاّ وحيّاهُ محيّاهُ / بما روّى اُوامَه
يا راكباً يفلي الفلا / مِن فوقٍ أعيسَ كالنعامَه
ذرعَ القفازٌ وقد أطار / الاْينُ في المرمى لُغامَه
كالسهمِ في الخرقِ القصيِّ / يكادُ أن يشأى سَمامَه
مِن فوقهِ كَلِفٌُ يحنُّ / إذا تغرَّدتِ الحمامَه
ما غرَّدتْ إلا وعاودَ / مِن تذكُّرِه هُيامَه
باللهِ أن جئتَ الحِمى / ورأيتَ عن بعدٍ خيامَه
بلِّغْ أُغيلمَةً بهنَّ / إذا مررتَ بها سلامَه
عن مغرمٍ دَنِفٍ بَرَى / تَذكارُ قربهمُ عظامَه
ماهبَّ مِن روضِ الحمى / اِلاّ وأذكرنَي بَشامَه
يسري بريحِ ثُمامهِ / سقَّى حيا جفني ثُمامَه
أمّا هواكَ واِنْ تقادمَ عهدُه
أمّا هواكَ واِنْ تقادمَ عهدُه / فشفيعُ وجهِكَ ما يزالُ يُجِدُّهُ
لا تحسبنَّ على التقاطعِ والنوى / ينساكَ مشتاقٌ تفاقَمَ وجدُهُ
يهواكَ ما هبَّ النسيمُ وحبّذا / نفحُ النسيمِ الحاجريَّ وبَرْدُه
ما كانَ يكلَفُ بالرياحِ صبابةً / لولا تجنُّبُه ولولا بُعدُه
تسري اليه بضوعةٍ مِن عِقْدِه / اِنَّ المُنى فيما تضمَّنَ عِقْدُه
ماذا الملامُ مع الغرامِ وفي الحشا / منه لهيبُ هوىً تضرَّمَ وقْدُه
عنه إليكَ بهِ فان ضلالَه / في الوجدِ لو حاقَقْتَ نفسَكَ رُشْدُه
أيرومُ عاذِلُه المضلَّلُ رَدَّهُ / عن رأيهِ هيهاتَ خُيَّبَ قصدُه
ماذا عليه إذا تضاعفَ ما بهِ / حتّى يعودَ وقد تناهىَ حَدُّه
اِنَّ الهوى طمعٌ يولَّدُ داءَهُ / أملٌ يقوَّيهِ الجوى ويُمِدُّه
فلكَمْ تملَّكَ رِقَّ حُرًّ عَنْوَةً / أمسى وأصبحَ وهو فيه عَبْدُهُ
وبأيمَنِ الوادي غزالُ أراكةٍ / أصبو اليه واِنْ تزايدَ صَدُّه
يختالُ والأغصانُ يعطِفُها الصَّبا / فَتَغارُ منه إذا تمايلَ قَدُّه
والأقحُوانُ إذا تبسَّمَ ثغرُه / والوردُ مطلولُ الجوانبِ خَدُّه
قد كانَ سوَّفني الوصالَ وليتَه / مِن بعدِ مَطْلٍ أن يُنجَّزَ وعدُه
بَعُدَ المدى فأحالَ سالفَ عهدِه / عن حالهِ فعسى الزمانُ يردُّه
نزحتْ بهِ هوجُ المطيَّ كأنَّها / في الخَرْقِ تنتهبُ الأجارعَ رُبْدُه
مَرْتٌ تَهيَّبُه الرياحُ فَحَزْنُه / كاليمَّ يلعبُ بالنياقِ ووَهْدُه
لا ترهبُ المرمى البعيدَ وغَوْرُه / متباعدُ الأقصى يَهُولُ ونَجْدُه
منعَ التزاورَ والدنوَّ بعادُه / والموتُ اِمّا بُعْدُه أو فَقْدُه
ومِنَ البليةِ أن أعيشَ وقد نأى / عني وأصبحَ مضمحلاً ودُّه
ومِنَ الشقاوةِ أن دمعَ محبَّهِ / من بعدِ رشفِ مجاجٍ فيه وِردُه
هل نافعي طولُ البكاءِ وقد مَضَى / زمنُ الوصالِ ولو تدافعَ عِدُّه
أشتاقُه ما غرَّدتْ أبكيَّةٌ / يشتاقُها بانُ العقيقِ ورَنْدُهُ
سجعتْ فأججتِ الغرامَ وأنفدَتْ / دمعي ولمّا يبقَ إلا ثَمْدُه
فَسَقَتْهُ عنّي مِلْعِهادِ سحائبٌ / تَترى فأمواه السحائبِ نِدُّه
متد فِّق الشوْبوبِ يبسِمُ بر قُه / في المزنِ عُجْهاً حينَ يبكي رَعْدُه
كمدامعي والعينُ تُحْدَجُ للنوى / والبعدُ أزمعَ بالأحبَّةِ جِدُّه
لمّا انتوى ذاكَ الفريقُ وأصبحتْ / للبينِ زينبُه تَشُدُّ وهِندُه
سرتِ الفِلاصُ ودونهنَّ فوارسٌ / أبرادُها الَّزرَدُ المضاعَفُ سَرْدُ
شوسٌ إذا اعتقلوا الوشيجَ لغارةٍ / هتكتْ نضيدَ السابريَّةِ سَرْدُه
يحمونَها وهم إذا اشتدَّ الوغى / في كلَّ غِيلِ قناً تأشبَّ أُسْدُه
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً / مِن مغرمٍ اضناه هَجْرا
منعَ التزاور ثمَّ قوَّى / منه لمّا زارَ أزرى
وافى فكم جَلَبَتْ / زيارتُه له جَذَلاً وبِشرا
فأعادَهُ حيّاً وكانَ / أماتَه التفريقُ أدهرا
أغرى السَّقامَ بجسمهِ / زمناً وكانَ العَطْفُ أحرى
جذبَ الهوى بزمامِه / فانقادَ للأهواءِ قَسْرا
لا يستفيقُ مِنَ الهوى / وغرامِه ما عاشَ سُكْرا
قد طاوعَ الخمرينِ لا / يَعصيهما نهياً وأَمْرا
قهراً أطاعَهُما وسلطانُ / الغرامِ يطاعُ قَهْرا
والحبُّ ما اصبحتَ / نحوَ مَرادِهِ تنقادُ جَبرا
مَن كانَ في أَسْرِ الصَبابةِ / أين يرجو عنه مَسْرى
عُلَقُ الفؤادِ تردُّه / بالرغمِ أن رامَ المفرّا
يصبو فيتبعُه على / عِلاّتِه سِرّا وجَهْرا
ألِفَ المحبَّةَ فاغتدى / جَلْدا عليها واستمرّا
ما كانَ جَلْداً قبلما / قتلَ الهوى عِلماً وخُبْرا
لكنْ أفادَتْهُ التجاربُ / حُنْكَةٌ منها وصَبرا
آهاً على الزمنِ الذي / أطريتُه حمداً وشكرا
زمنِ العُذَيبِ لقد اجدّ / لقلبيَ الولهانَ ذِكْرا
تَذكارُ سالِف عصرهِ / منعَ المتيَّمَ أن يَقَرا
وحمى الجفونَ عنِ المنامِ / ومَنْ أحبَّ فكيفَ يكرى
ميقاتُه وزمانُه / كم أوسَعا المشتاقُ عُذرا
عينٌ مسهَّدَةٌ وعينُ / الحبَّ ما تنفكُ سَهرى
ترعى النجومَ كأنَّما / أمسى عليها النومُ حِجْرا
مَنْ غابَ عنها بدرُها / بعدَ الطلوعِ أو استسرّا
لا غروَ أن تُمسي مِنَ / البينِ المشتَّتِ وهي عَبرى
بردُ النسيم وقد تنسَّمَ / زادَ حرَّ جوايَ حرّا
يُهدي اليَّ مِنَ الأحبَّةِ / نشرُه المحبوبُ نَشرا
فكانَّ ليلى اودَعَتْهُ / وقد سرى بالعَرْفِ عِطْرا
بانَ الأحبَّةُ عن زَرودَ / فعادَ حلْوَا العيشِ مُرّا
وغدرنَ بالدنِفِ الكثيبِ / وما نوى بيناً وغدرا
ما كانَ يأمُلُ بعدَهنَّ / واِنّما الافَاتُ تَطْرا
كم غيَّبَتْ عنه الهوداجُ يومَ بانَ الحيُّ بَدرا /
هل تُبْلِغَنْهُ الداَر ذعْلِبَةٌ / تكادُ تطيرُ ذُعرا
تشأى النعامَ فهنَّ في / آثارها والريحُ حَسْرى
كم قصَّرتْ عنها فحول / الُبزْلِ حينَ تؤمُّ قَفْرا
ووقفنَ دونَ لحاقِها / يُبدينَ جَرْجَرةً وهَدْرا
كشقاشقِ الشعراءِ / لما فتُّهُمْ نظماً ونثرا
وردوا مذانبَ مائهِ / وَوَرَدْتُ ماءَ الفَضْلِ بَحْرا
فأَتَوا بُمخْشَلَبِ الكلامِ / فظنَّهُ الجُهّالُ دُرّا
وأتيتُ بالِّسحْرِ الحَلالِ / وخيُره ما كانَ سِحْرا
عفَّى الزمانُ مرابعاًٍوملاعٍبا
عفَّى الزمانُ مرابعاًٍوملاعٍبا / كانتْ اليَّ بأهِلهنَّ حبائبا
طمسَتْ معالِمَها الجَنُوبُ وغيَّرتْ / دمناً بها قضَّى المشوقُ مآرِبا
دِمناً أسوفُ ترابهنَّ كأنَّني / أستافُ في أرجِ الصعيدِ ترائبا
يا ضرَّةَ القمرِ التَّمامِ وَمنْ لها / وجهٌ أعادَ سناه اكلَفَ شاحبا
قد كانَ وصلُكِ والتداني جامعُ / شملُ الهوى ردَّ الشبابَ الذاهبا
حتى تعرَّضتِ النوى ما بيننا / والدهرُ يُحدِثُ في بنيِه عجائبا
فأعادَ بُردَ اللهوِ غيرَ مغوَّفٍ / وشبابَ ذاكَ الوصلِ أشمطَ شائبا
وَبعُدْتِ حتى لا أرى لكِ في الكرى / طيفاً يُلِمُّ ولا خيالاً آيبا
فلعلَّه يسري اليَّ بموعدٍ / اِنْ نمتُ اِمّا صادقاً أو كاذبا
وطِفقتُ أحتثُّ النياقَ طلائحاً / تَطوي البلادَ مشارقاً ومغاربا
قُودُ الهوادي ما قطعنَ مفازةً / في الآلِ إلا خلتهَنَّ مراكبا
أدمى مناسمَها الدؤوبُ كأنَّما / أمسى عليها الوخدُ ضرباً لا زِبا
مِن كلِّ لاغبةٍ تقَاصرَ خطوهُا / في البيدِ تحمِلُ مستهاماً لاغِبا
متسنِّماً منها ومِن أشباهِها / في الخَرْقِ أسنمةً لها وغواربا
صَبَرَتْ على مضضِ الهجيرِ وفوقَها / شَهْمٌ يعيدُ لظى الهجيرةِ ذائبا
فكلاهُما صَبَرا ولو رجعَ الغَضا / دونَ اللقاءِ أسنَّةَّ وقواضبا
وأخو الهوى يختار أن يَلقى الودَّى / طوعاً ولا يلقى الدُّجُنَّةَ هائبا
وأخفُّ ما يلقى نوائبَ حتفِهِ / جللاً إذا كانَ الفِراقُ نوائبا
ذرفتْ لواحظُه الدموعَ وقد نأَى / عنها الخليطُ فخالَهنَّ سَحائبا
يا صاحبيَّ تأمَّلا عن لَعْلَعٍ / برقاً اعادَ ليَ السرورَ مُجانبا
ما شِمتُه إلا وفاضتْ مقلةٌ / تبكي دماً ذاكَ الوصالَ العازِبا
رحلَ الاْحبَّةُ عن زَرودٌ وغادروا / دَنِفاً يساهرُ للحنينِ كواكبا
تَعِسَ النياقُ فكم حشاً قطَّعْنَهُ / لما قطعنَ بسابساً وسَباسبا
مالي ألومُ الناعجاتِ على النوى / بِهِمُ ولم ألمِ الغرابُ الناعبا
خَرِسَ ابن دايةَ يومَ صاحَ لبيِننا / مِن قبلِ تفريقِ الأحبَّةِ نادبا
ما كنتُ أوَّلَ مَنْ أطاعَ فؤادهُ / فجنى عليهِ مِنَ الغرامِ مَصائبا
هو موقفٌ لم تلقَ في عرصاتِه / اِلاّ مشوقاً للطلولِ مخاطبا
يرتاحُ أن هبَّتْ صَباً أو غرَّدَتْ / ورقاءُ تهدي للقرينِ عجائبا
تُذكي هوايَ بها الحمامةُ كلَّما / سجعتْ وعارضَها الهديلُ مجاوبا
ومريضةِ الأجفانِ يُرسلُ طرفُها / سهماً على بُعْدِ السافةِ صائبا
نهبتْ حشايَ بلحظِها وأعادني / قَلِقَ الوسادِ فلا عُدِمْتْ الناهبا
هل بعدَ بينكِ مِن جوىً لمودَّعِ
هل بعدَ بينكِ مِن جوىً لمودَّعِ / ذهبَ اللقاءُ فهل له مِن مَرجِعِ
رثَّتْ حبالُ الوصلِ حتى اِنَّه / لم يبقَ غيرُ رميمِها المتقطَّعِ
أسعادُ هلاّ يومَ نأيكِ زوَّدتْ / عيناكِ عيني نظرةَ المستمتِعِ
أرجعتِ عن سُنَنِ الغرامِ وشرعِه / ومِنَ العجائبِ رجعهُ المتشرَّع
ما كانَ ضَّركِ والركائبُ قد سرتْ / بكِ لو أَشَرْتِ بحاجبٍ واِصبَعِ
توديعةً تُهدى الجوى في طَيَّها / لشجٍ حليفِ تلهُّفٍ وتوجُّعِ
يستافُ أعرافَ الرَّياحِ كأنَّها / هبَّتْ بنشرِ عبيركِ المتضَّوعِ
شامَ البروقَ على جوانبَ غُرَّبٍ / فِلوى زرودَ فعالجٍ فالأجرَعِ
فابتزَّهُ ومضُ البروقِ هجودَه / ونأى بطيبِ كرى العيونِ الهُجَّعِ
ونضا قميصَ الصبرِ عنه حنينُه / وولوعُه بسنا البروقِ اللمّعِ
لمعتْ فجددتِ الشجونَ وأجَّجَتْ / نارَ الهوى العذريَّ بينَ الأضلُعِ
فذكرتُ اِيماضَ الثغورِ يلوحُ لي / تحتَ الدُّجى مِن باردٍ مُسْتَنْقِعِ
يُذكي برودُ رحيقِهِ حَرَّ الجوى / لِحُشاشةٍ حَرَّى وقلبٍ موجَعِ
وغزالةٍ سنحتْ على غِرَرٍ لنا / بينَ الجنابِ وبينَ ملعبِ لَعْلَعِ
مرَّتْ بنا حوراءُ يرشقُ لحظُها / قلبُ المدلَّهِ مِن وراءِ البرقُعِ
تشكو الحُليَّ وثقلَه لمّا سرتْ / في سربِها تعطو بأجيدَ أتلَعِ
فَتَنَتْهُ ثم رَنَتْ اليَّ بلحظِها / فَفُتِنْتُ فتنةَ مستهامٍ لا يَعي
ورجعتُ بعدَ فراقِ أيامِ الهوى / أصِفُ الغَوايةَ للمحبَّ المولَعِ
دامي الجفونِ إذا الحمامةُ غرَّدتْ / مِن فوقِ خُوْطِ البانةِ المتزعزِعِ
أسقي الديارَ وقد تباعدَ أهلُها / عنها عزا ليَّ الدموعِ الهُمَّعِ
وأخاطبُ الأطلالَ ليس يُجيبُني / ما بينهنَّ سِوى الغُرابِ الأبقَعِ
وهواتفٍ فوقَ الغصونِ يهيجُني / منهنَّ تغريدُ الحمامِ السُّجَّعِ
ناحتْ على عَذَبِ الفروعِ واِلفُها / منها بمرأى فوقَهنَّ ومسمَعِ
ما فارقتْ اِلفاً كما فارقتُهُ / كلاّ ولا أجرتْ سواكبَ أدمعي
قسماً ولا وجدَ المحبونَ الأولى / وجدي بأشباهِ الظباءِ الرتَّعِ
يا مربعَ الأحبابِ كم مِن وقفةٍ / لي في عراصِكَ بينَ تلكَ الأربعِ
تهمي عليكَ مدامعي عِوضَ الحيا / سَحّاً فتحسبُ انَّها مِن مَنْبَعِ
أرعى حقوقَ أحبَّتي باذالةِ المد / معِ المَصُونِ على تُرابِ المربعٍ
ومن العجائبِ أننَّي ارعى لهم / عهدَ الوِدادِ وعهدُ مثليَ ما رُعي
بانوا فما رقَّتْ جوانبُ عيشتي / بعدَ البعادِ ولا صفا ليَ مشرَعي
وعرامسٍ ذَرَعَتْ مُلاءَ مفازةٍ / بعد الأحبَّةِ في اليبابِ البلقَعِ
بُدْنٍ يطيرُ مِنَ الوحيف لُغامُها / كالعُطْبِ مِن فوقِ الحصى واليَرمَعِ
زَفَّتْ كما زفَّ النعامُ إلى النقا / في المَرْتِ تهزأُ بالرَّياحِ الأربَعِ
عافتْ جميمَ النبتِ مِن شوقٍ الى / أعطانِهنَّ به وطيبَ المكرَعِ
وتبدلتْ مِن بعدِ طيبِ مُناخِها / في البيدِ كُرْهاً بالمُناخِ الجَعْجَعِ
تهوى وفوقَ ذُرى الغواربِ عصبةٌ / مُتَمَلْمِلُونَ على المطيَّ الظُّلَّعِ
متمايلون مِنَ الكَلالِ كأنَّما / صُبِحوا بمشمولِ المُدامِ مشعشَعِ
دَعَموا رقابَهمُ على كيرانِها / قبلَ الصباحِ مِنَ الكرى بالأذْرُعِ
حتى أتوا دارَ الأحبَّةِ والهوى / يَهدِي الرَّكابَ إلى الطريقِ المَهْيَعِ
وصَلُوا وكم أبقى السُّرى منِ نحبِهمْ / في الهَجْلِ نَهْباً للذَّئابِ الجُوَّعِ
قد حُقَّ للمشتاقِ أن يتوجَّعا
قد حُقَّ للمشتاقِ أن يتوجَّعا / ولعينهِ بعدَ النوى أن تَدْمَعا
رحلَ الأحبَّةَ عن ملاعبِ لَعْلَعٍ / فهجرتُ مِنْ بعدِ الأحبَّةِ لَعْلَعا
أفلوا فلم أرَ للأهلَّةِ بعدَما / أفلوا ولا لسرورِ عينيَ مَطلعا
والدارُ بالأحبابِ ولا سقىَّ الحيا / دارَ الأحبَّةِ بعدَهنَّ ولا رَعَى
مالي وللأطلالِ أَنْدُبُ ما عَفا / منها وأذكرُ ملعباً أو مَرْبعا
قد كنتُ استسقي لساكنِ ربعِها / دمعي إذا ما الغيثُ ضنَّ فأقلعا
أيامَ كانت للكواعبِ مألَفاً / يزهو بهنَّ وللجآذرِ مَرْتعا
يا منزلاً لعِبَ الزمانُ بأهلهِ / وأعادَه الحَدَثانُ قَفْراً بَلْقعا
ما كنتُ أبخَلَ أن تجودَكَ ادمعي / دَفْقاً إذا المزنُ الهتونُ تقشَّعا
لكنَّها نضبتْ وأنفدَ ماءَها / خوفي على شملِ الهوى أن يُصْدَعا
وحمامةٍ سجعتْ على فَنَنِ النقا / لمّا اكتسى زَهْرَ الربيعِ وأينَعا
ناحتْ على اعلى الغصونِ ومائد / الأغصانِ يَحمِلُها على أن تَسْجَعا
دعتِ الهديلَ فباتَ وهو منعَّمٌ / بدنوَّهِ منها وبتُّ مروَّعا
أشبهتُها دمعي في النوحِ إلا أنَّها / ناحتْ ونحتُ تطرَّباً وتفجُّعا
وسكبتُ دمعي في الديارِ وقد نأى / عنها الخليطُ مقوَّضاً ومودَّعا
حتى كأنَّ عليَّ ضربةَ لازبٍ / في كلَّ رسمٍ أن أَسُحَّ الأدمُعا
وتنوفةٍ كلفَّتُ نجبي قطعَها / لمّا نأى عنَّي الفريقُ وأزمعا
جاوزتُها بايانِقٍ تَطِسُ الحصى / أخفافُهنَّ على الوَجا واليَرْمَعا
وسرتْ وهنَّ إلى المواردِ ولَّهٌ / في القفرِ تكرعُ مِن صداها اليَلْمَعا
خالتْ وقد خدعَ السرابُ عيونَها / وَسَطَ النهارِ بأنَّ فيه مَكْرَعا
تبغي إذا ما الآلُ عبَّ عُبابَهُ / يا ويحَها ممّا يُرقرِقُ مَشرَعا
هيهاتَ أن تَرِدَ المشاربَ عذبةً / مِن بَعْدِ ما نزلَ الخليطُ الأجرَعا
أو أن تعودَ لها الخمائلُ غضةً / ترعى بهِ الروضَ الأريضَ المُمْرِعا
حتى أرى الحيَّ البعيدَ وقد دنا / منَّي وأنفُ البينِ يُلْفَى اجدَعا
أَأُلامُ مِن بعدِ الحبائب أنَّني / أدَعُ النجائبَ في الأزمَّةِ خُضَّعا
ترمي الفدافدَ بي وهنَّ سواهمٌ / هِيمٌ حَكَيْنَ مِنَ الهُزالِ الأنسُعا
خوصُ العيونِ تبدَّلتْ مِن بعدِما / لانَ المُناخُ لها مُناخاً جَعْجَعا
أحتثُّها تحتَ الظلامِ طلائحاً / عُجْفاً إذا شِمْتُ البروقَ اللمَّعا
واِذا الرياحُ سرتْ بِرَيّا زينبٍ / نحوي وسفتُ عبيرَه المتضوَّعا
وتناوحتْ أنفاسُها وتأرَّجتْ / طيباً طويتُ على الغرامِ الأضلُعا
والحُرُّ تَمَن كنتمَ الهوى وحديثَهُ / حَذَراً عليه وخفيةً أن يُسمعا
والوجدُ ما منعَ الجفونَ أليُمهُ / في القربِِ أوفي البعدِ مِن أن تَهحعا
يا عاذليَّ على المحبةِكَرِّرا / عَذْلي إذا ما شِئتماهُ أو دَعا
فلقد أجابَ الحبَّ مني طائعاً / قلبٌ تسرَّعَ نحوَه لمّا دَعا
لا تحسبا أن الملامةَ في الهوى / كثَني فؤاداً با لصبابةِ مولَعا
صَغُرَ الملامُ بأنْ يَكُفِّ متيَّماً / عَرَفَ الوِصالَ وطيبَهُ أويمنَعا
يرتاحُ أن هبَّتْ صَباً أو أَرْزَمَتْ / هوجاءُ أو ناحَ الحمامُ مرجِّعا
عهدُ الصِّبا ومعاهدُ الأحبابِ
عهدُ الصِّبا ومعاهدُ الأحبابِ / دَرَسا كما دَرَستْ رقومُ كتابِ
أىَ يلوحُ لرجعِ طرفكَ رسمُها / بعدَ التوسُّمِ مِثلَ وشمِ خِضابِ
سفهاً وقفتُ على الطلولِ مخاطباً / ما ليس يَسمعُ لي بردِّ جوابِ
لم ألقَ لمّا أن وقفتُ بربعِها / جمَّ الكآبِة غيرَ أورقَ هابِ
ندَّتْ عليه مدامعي فسترتُها / حَذَراً على سِرِّ الهوى بثيابي
ومِنَ السفاهةِ أن أنهنَهَ أدمعي / فيها وقد عَلِمَ العواذلُ مابي
بانَ الحبائبُ عن مرابعِها التي / قد كنَّ وِجْهَةَ مقَصْدي وطِلابي
والدارُ ليس تطيبُ بهجةُ أُتسِها / اِلاّبطيبِ تَزاورِ الأترابِ
كم سارَ عن تلكَ المنازلِ معشرٌ / كانوا أُهيلَ مودَّتي وصِحابي
اِنْ قدَّرَ الدهرُ اللقاءَ عَتَبْتُهُمْ / فيما جَنَوهُ ولاتَ حينَ عتابِ
أتُرى يعودُ العيشُ يَبسِمُ ثغرُه / بهمُ كبرقِ العارضِ السكّاب
أم هل يعودُ الدهرُ يرَجِعُ ما مضى / هيهاتَ أن يرتدَّ بعدَ ذَهابِ
بَعُدوا وأسبابُ الحنينِ قريبةُ / منّي وذِكْرُ زمانِهم مِن دابي
ونأى الشبابُ وما أسِفْتُ لنأيهِ / حَسَنَ المُلأةِ رائقَ الجِلْبابِ
طمعاً بأنَّ وصالَ جيرانِ النقا / مما يعيدُ علَّي عصرَ شبابيِ
فسقى قطارُ المزنِ لابلْ جودُه / الهامي منازلَ زينبٍ وربابِ
مُتهدِّلاً فوقَ الخيامِ ربابُه / فكأنَّه قد شُدَّ بالأطنابِ
مأوى الرعابيبِ الملاحِ وملعبَ / الغيدِ الحسانِ ومجمعَ الأترابِ
وِكناسَ كلِّ غزالةٍ اِنسيَّةٍ
وِكناسَ كلِّ غزالةٍ اِنسيَّةٍ / ما وعدُها إلا كلمعِ سرابِ
وعدتكَ يا حارِ الاِيابَ فلم تَفُزْ / منها ولا مِن طيفِها باِيابِ
منعتكَ بل منحتكَ حرَّجوًى وقد / سنحتْ على غِرَرٍ وبردَ رُضابِ
رحلتْ وبُدَّلَ ربعُها مِن بعدِها / بنئيمِ بومٍ أو نعيقِ غرابِ
ومُنيتُ بعدَ ذَهابِها وفراقِها / برسيمِ دِعْلِبَةٍ وحَثَّ رِكابِ
تسري بيَ الوجناءُ بينَ بسابسٍ / طَمَسَتْ مسالِكُها على الأصحابِ
تبغي دنوَّ الدارِ بعدَ بِعادِها / هيهاتَ قد أعيتْ على الطُّلاّبِ
أين الدنوُّ وقد تباعدَ أهلُها / بعدَ النوى وتطاولِ الأحقابِ
يا راكبَ الوكماءِ تعسِلُ تحتَه / عَسَلانَ طاويةِ البطونِ ذِئابِ
قد شامَ سيفَ عزيمةٍ ما حَدُّهُ / في البيدِ والغرضِ البعيدِ بنابِ
بلَّغْ إذا جئتَ النُخيلَ تحيَّتي / أهلَ النُخيلِ وصِفْ لهم أطرابي
فهناكَ أظلالُ الأراكِ تشوقُني / افياؤها ومرابعُ الأحبابِ
وفسيحُ أنديةٍ يروقُ رُواؤها / وصهيلُ مُقْرَبَةٍ وفَيْحُ رِحابِ
والخيلُ تمزعُ في الأعنَّةِ شُزَّبا / قُبَّ البطونِ لواحقَ الأقرابِ
هي ما علمتَ أمانةٌ مرعبّةٌ / وجبتْ رعايتُها على الأنجابِ
اِنْ كنتَ لا ترعى مواثقَ عهدِها / فيها فأين مواثقُ الأعرابِ
اِنَّ الأمانةَ في الزمانِ وأهلِه / من أشرفِ الأدواتِ والأنسابِ
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا / والليلُ قد خلعَ الرداءَ الأسودا
أبدى على عَذْبِ الغصونِ حنينَهُ / والصبحُ مِن أُفْقِ المشارقِ قد بدا
فكأنَّه لمّا اصفحتَ لنوحِه / علمَ الذي بكَ مِن هواكَ فردَّدا
وذكرتَ مَنْ لم تنسَ مِن أهلِ الحِمى / فأعدتَ دمعكَ في الطلولِ مُبَدَّدا
ولكم جحدتَ هواهمُ حتى اِذا / سجعَ الحمامُ أبى الهوى أن يُجْحَدا
فجرتْ مدامعُكَ اللواتي غادرتْ / أثراً بخدَّكَ ما يزالُ مخدَّدا
ويرى كما تبري المُدى منكَ الهوى / جسداً يُعفَّيهِ على طولِ المدى
وتَخِذْتَ بعدهمُ المدامعَ مورداً / لولا الغرامُ لعفتُ ذاكَ الموردا
واِذا الكرى عشّى الجفونَ قضى الهوى / لكَ أن تبيتَ مؤرَّقاً ومسهّدا
كَلَفٌ يزيدُ على التقادمِ جدَّةً / وهوًى يَعِزُّ نظيرُهُ أن يوجَدا
وصبابةٌ جلبتْ إليكَ ضلالةً / لا يُهتدى معها إلى طرقِ الهدى
غلبتْ عليكَ فصرتَ رَهْنَ اِسارِها / تَمشي بأَدْهَمِها المتينِ مقّيدا
واِذا الأحبَّةُ عن ربوعِكَ قوضَّوا / لم تُلْفَ إلا هائماً متلدَّدا
اِنْ أتهموا فهواكَ أوَّلُ متهِمٍ / أو أنجدوا عَطَفَ الغرامُ فانجدا
ولقد نهاكَ البينُ يومَ ترحَّلوا / والعيسُ تُحدَجُ فيه أن تتجلَّدا
فنثرتَ مِن دررِ الدموعِ لآلئاً / كادتْ على الأطلالِ أن تتنضَّدا
وأثرتَ في اِثرِ الظعائنِ زفرةً / تُغني مطايا الراحلينَ عنِ الحِدا
حُرَقٌ متى ما قلتُ يبردُ وقدُها / زادتْ بأمواهِ العيونِ توقُّدا
والوصلُ لو سمَح الزمانُ بعودِه / لرجوتُ مِن زفراتِها أن تَبرُدا
وعلى العُذَيبِ أوانسٌ مثلُ الدُّمى / غيدٌ يُرِقْنَ دمَ المحبَّ تعمُّدا
بيضُ الطُّلى حورُا العيونِ أعادني / ولعي بهنَّ على التنائي مُكْمَدا
دَنِفاً أُعاصي اللائمينّ فلم أُطِعْ / مَن لامني في حُبَّهنَّ وفنَّدا
ولقد تعنَّدني الفراقُ فليتَه / لا كانَ جارَ ببينهنَّ ولا اعتدى
دَرَستْ عهودُ الغانياتِ وكلمَّا / قَدُمَ الزمانُ على هوايَ تجدَّدا
قد كانَ عوَّدني حلاوةَ عدلِه / فعلامَ مالَ وحالَ عمّا عوَّدا
يا هندُ لي مِن بعدِ بُعْدِكِ أَنَّةٌ / تحتَ الظلامِ بها أُلينُ الجَلْمَدا
ونحولُ جسمٍ قد تطاولَ سُقْمُهُ / حتى لقد سئمَ الضَّنى والعُوَّدا
وغريمُ شوقٍ يستثيرُ اِذا النوى / طالتْ مسافتُها الامْونَ الجَلْعَدا
تَخدي وقد مدَّ الهجيرُ رِواقَه / فاِخالُها تطسُ الاكامَ خَفَيْدَدا
في مهمهٍ قد عبَّ بحرَ سرابِه / فيكادُ يكرعُ فيه مِن فرطِ الصَّدى
عجباً لطيفكِ والتنائفُ بيننا / لمّا سرى أنىَّ ألمَّ أوِ اهتدى
فسقى العِهادُ معاهداً لكِ غادرتْ / قلبي لنيرانِ الصبابةِ مَعهَدا
وأما وقضبانِ القدودِ تميسُ مِن / تَرَفِ النعيمِ على الحضورِ تأودا
ومباسمٍ عَذُبَتْ موارِدُ ظَلِمْها / فحمتْهُ أسهمُ لحظِها أن يُوردا
مُحَّئتُ عنه وفي الفؤادِ لبردِه / نارٌ أبتْ جَمَراتُها أن تَخْمُدا
لولا التعلُّلُ بالمُنى وبأنَّهُمْ / جعلوا لميقاتِ التداني موعدا
ما كنتُ أفرقُ بينَ يومِ فراقهمْ / لمّا نأوا عنّي وما بينَ الردى
يا حاديَ الأظعانِ قَدْكَ فِنَّها / مُهَجٌ تذوبُ إذا طَوَيْتَ الفَدفَدا
تسري الركائبُ في الفلاةِ ولو عرا / وجدي المطايا لم تَمُدَّ لها يدا
نزحتْ وفوقَ ظهورهنَّ أحبَّةٌ / لولا سوابقُهمْ لقلتُ همُ العِدى
قد كانَ عصرُ الوصلِ قبلَ بعادِهم / رَغَداً ويَرجِعُ أن تدانَوا أرغدا
قلبٌ كما شاءَ التفرُّقُ موجَعٌ
قلبٌ كما شاءَ التفرُّقُ موجَعٌ / وهوًى يهيَّجُهُ الحمامُ السُّجَّعُ
ومولَّهٍ لَعِبَ الغرامُ بقلبِهِ / للّهِ صَبٌّ بالصَّبابةِ مولَعُ
متلفَّتاً نحوَ الديارِ وهكذا / داءُ الغرامِ إذا تقادمَ يصنعُ
ولكم وقفتُ على الربوعِ مسائلاً / ومِنَ الضلالةِ أن تُجيبَ الأربُعُ
يا منزلاً بينَ العُذَيبِ ولَعْلَعٍ / أشتاقُهُ سُقيَ العُذَيبُ ولَعْلَعُ
أهوى ربوعكَ والزمانُ يعوقُني / عنها فتسفحُ للحنينِ الأدمُعُ
ويَزيدُني شغفاً إذا جَنَّ الدُّجى / برقٌ على أَثَلاثِ نجدٍ يلمِعُ
تحكي التهابَ ضِرامِه في مزنهِ / نارُ اشتياقي والهوادجُ تُرفَعُ
وخفوقَهُ خفقانُ قلبي كلَّما / أمسى مِنَ التفريقِ وهو مُرَوَّعُ
فالماءُ ما قد فَيَّضَتْهُ مدامعي / والنارُ ما استملتْ عليه الأضلُعُ
وخريدةٍ أبكي ويبسِمُ ثغرُها / فتغارُ مِلْخَجلِ البروقُ اللمَّعُ
وتَفُلُّ مِن لونِ الظلامِ غدائراً / سُفعاً وخيرُ حُلَى الشًّعورِ الأسفَعُ
أودعتُها قلبي غداةَ فراقِها / لمّا استقلَّ بها الفريقُ وودعوا
فلكم على آثارِها مِن مهجةٍ / حرَّى وعينٍ للتفرُّقِ تَدمَعُ
ولكم بكيتُ على المرابعِ وحشةً / لمّا خلا مُصطافُها والمَرْبَعُ
ومتيَّمٍ أضحى وقد بَعُدَ المدى / يبكي الطلولَ بدِيمةٍ لا تُقلِعُ
يرمي الهضابَ بطرفهِ فكأنَّما / في كلَّ هَضْبٍ للأحبَّةِ مَطلَعُ
ويبيتُ مسلوبَ الفؤادِ مولّهاً / مِمّا عراهُ مسهَّداً لا يَهجعُ
هجرَ السكونَ إلى المضاجعِ بعدما / باتتْ كأنَّ بها أراقمَ تلسعُ
يستافُ أرواحَ الشَّمالِ إذا شَرَتْ / نشوَى الهبوبِ بنشرِها يتضوَّعُ
مِن بعدِما قد كنتُ أعهدُ قلبَه / بالجِزعِ ثَبْتاً للنوى لا يَجْزَعُ
أتراهُ يقنعُ بالخيالِ وقد نأتْ / عنه وكانَ بوصلِها لا يقنعُ
قد كانَ ذلكَ والشبابُ إلى الهوى / والغانياتِ محبَّبٌ ومشفَّعُ
واليومَ غيَّرَهُ المشيبُ بجورِه / فغدا بطيفِ خيالِها لا يطمعُ
أحبابَنا بنتمْ فوجدي دائمٌ / والصبرُ فانٍ والحنينُ مُرَجَّعُ
أترى تعودُ الدارُ تجمعُ شملَنا / بكمُ وتختلسُ التحيَّةَ اِصْبَعُ
وأرى التحيةَ بالبنانِ واِنْ تكنْ / دِينَ القناعةِ أنَّها لا تَنفعُ
أم للعليلِ وقد تفاقمَ داؤه / بكمُ شِفاءٌ أو غليلٌ يُنقَعُ
هيهاتَ لمّا يَبْقَ إلا عبرةٌ / تسقي منازلكمْ وسِنٌ تُقرَعُ
ونجائبٌ تلقى الثرى بمناسمٍ / أدمى الحصى أخفافَها واليَرْمَعُ
ذهبَ الذميلُ بِنَيَّها وتماسكتْ / كرماً فجالتْ للهُزالِ الأنسُعُ
وطما السرابُ وغرَّها رقراقُه / فتساقطتْ فيه تَعُبُّ وتكرعُ
وسرتْ لطيَّتِها ظِماءً مثلما / وَرَدَتْهُ تهديها الطريقُ المَهْيَعُ
ماذا الذي نالتْهُ لمّا غرَّها / منه لقد عَدِمَ الرواءَ اليلْمَعُ
متسابقاتٌ في الفجاجِ كأنمَّا / طَفِقَتْ تُسابِقُها الرياحُ الأربَعُ
فقرُبنَ بل قرَّبنَ داراً لم تزلْ / مِن دونِ أهليها القفارُ البلقعُ
وأتينَ أحباباً حَفِظْتُ على النوى / لهمُ العهودَ وهمْ لعهدي ضيَّعوا
اِنْ أعوزَ الوِردُ الركائبُ بعدَما / بانوا فها دمعي لهنَّ المشرعُ
دِمَنٌ حُبِسنَ على الغرامِ وأربعُ
دِمَنٌ حُبِسنَ على الغرامِ وأربعُ / دَرَستْ معالِمَها الرياحُ الأربَعُ
لم يبقَ بعدَ أهيلِها إلا حشاً / قَلِقُ وعينٌ للتفرُّقِ تَهْمَعُ
ظعنوا فلي جسمٌ يذوبُ صبابةً / مِنْ بعدِ ينهمُ وقلبٌ موجعُ
سفهَّا وقفتُ على الديارِ وقد نأوا / عنها أخاطبُ أرسماً لا تسمعُ
حجلَ الغرابُ بها فوَيحَ منازلٍ / تمسي وساكنُها الغرابُ الأبقعُ
مالي وللأطلالِ أو لحمامةٍ / هذي أسائلُها وهذي تسجعُ
حالٌ أَلِفْتُ به وفي زمنِ الصَّبا / رَمَقٌ وفي قوسِ الشبيبةِ مِنزَعُ
واِذا الشبابُ مضى بغيرِ لذاذةٍ / تُصبي الخليَّ فاِنَّه لمضيَّعُ
ما أنتَ أوَّلَ مَنْ أطاعَ فؤادَهُ / فغدا يَخُبُّ به الغرامُ ويوضِعُ
فاخلعْ عذارَ اللهو قبلَ فواتِه / مرحاً ورَيْعانُ الشبابِ مشفَّعُ
فالعيشُ كلُّ العيشِ اِمّا روضةٌ / غناءُ أو قدحٌ يدارُ مُشَعْشَعُ
هاتيكَ تصبيكَ الزهورُ أنيقةٌ / فيها وذاكَ لفرطِ همَّكَ يردعُ
رقَّ الزجاجُ وراقَ فيه خمرُهُ / حتى حسبتَهما سراباً يلمعُ
فتوافقا لوناً وحسنَ صناعةٍ / فالكأسُ أصنعُ والمُدامةُ أنصعُ
ومعاشرٍ صدعوا الفؤادَ بعذلِهم / والعذلُ يصدعُ والملامةُ تقدعُ
عذلوا فقلتُ وفي الجوانحِ جمرةٌ / للعذلِ يشكو مِن لظاها الأضلعُ
ماذا يريدُ العاذلونَ وقد خلا / للقوم مصطافٌ يروقُ ومربعُ
ومضى الوصالُ حميدةٌ أيامُه / كرهاً فأَخْفَقَ في الَّلقاءِ المطمعُ
فدعوا محبّاً ما ألمَّ مُسلَّماً / حتى دعا بهمُ الفراقُ فودَّعوا
فأقامَ يَخْذُلُهُ التصبُّرُ بعدَما / بانوا وتنصرُهُ عليهِ الأدمُعُ
متبلَّداً متلدَّداً لا حزنُهُ / يُغني ولا فرطُ التلهُّفِ ينفعُ
يَشْجَى فتُسعِدُهُ بوادرُ عبرةٍ / والطيرُ تصدحُ والصباحُ ملمَّعُ
في أربعٍ كادتْ لِما صنعَ النوى / تبكي بعينِ صبابةٍ لا تَدمَعُ
ذهبوا وغيرَّها الزمانُ ونشرُهمْ / في كلَّ ناحيةٍ بها يتضوَّعُ
يا مَنْ يبيتُ وطرفُهُ مِن بعدِما / رحلَ الأحبَّةُ ساهرٌ لا يَهجعُ
رحلوا وقد كانَ الحجابُ وصونهمْ / قبلَ النوى فيه لقلبكَ مقنعُ
وأما وأيّامِ العقيقِ ولَعْلَعٍ / ما زالَ يُشغفُني العقيقُ ولَعْلَعُ
فلكم أُراجِعُ في النزوعِ اليهما / قلبي ويُغريهِ الحمى والأجرَعُ
هذا يذكَّرهُ وذاكَ يشوقُه / وهما يقودانِ الحنينَ فيتبعُ
ارضُ يُرى في كل ناحيةٍ لها / أو كلَّ قطرٍ للأحبَّةِ مطلعُ
أحبابَنا كم ذا الولوعُ بهجرِنا / عَنَتاً ولي بكمُ فؤادٌ مولعُ
دمعي وصبري يومَ زُمَّتْ عيسُكمْ / ضدّانِ ذا عاصٍ وهاطَّعُ
يا صبرُ بنْ بعدَ الخليطِ فهذه / الأطلالُ وهي مِنَ الحبائبِ بلقعُ
لم يبقَ بعدَ رحيلِ جيرانِ النقا / اِلاّ ادَّكارُ هوًى وسِنٌّ تُقْرَعُ
أزمانَ وصلِهمُ الشهيَّ وما مضى / مِن طيبِ عهدِكَ هل لعصرِكَ مرجِعُ
ما مزنةٌ سقتِ الديارَ دموعُها / وجلَتْ عزاليها البروقُ اللمَّعُ
يوماً كددمعي أو كنارِ تحرُّقي / والعيسُ تُحدَجُ والهوادجُ تُرْفَعُ
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا / فلذاكَ جَفْنِيَ لا يلائمُه الكرى
جسدٌ يذوبُ مِنَ الحنينِ ومقلةٌ / حكمَ البعادُ وجَوْرُهُ أن تَسْهَرا
يا منزلاً أستافُ رَوْحَ صعيده / فكأننَّي أستافُ مسكاً أذفَرا
وكأنَّني لمّا نشقتُ عبيرَهُ / أودعتُ أسرابَ الخياشمِ عنبرا
جادَ القِطارُ ثرى ربوعِكَ وانثنى / فيها السحابُ كماءِ دمعي مُمطِرا
وأما ودمعٍ كلَّما نهنهتُهُ / جمَحَتْ بوادرُ غربِه فتحدَّرا
اِنّي أُجِلُّ ترابكنَّ بأنْ يُرى / يوماً بغيرِ ملثهِّنَّ مُغرفَرا
ولقد شكرتُ الطيفَ لما زارني / بعدَ الهُدُوِّ وحَقُّهُ أن يُشكَرا
أسرى اليَّ وقد نحلتُ فوالهوى / لولا الأنينُ لكادَ بي أن يعثرا
ومن البليَّةِ أن صيِّبَ أدمعي / أضحى عنِ السرِّ المصونِ مُعَبَّرا
ومولَّهٍ في الوجدِ حدَّثَ دمعُهُ / بأليمِ ما يلقاهُ فيه وخبَّرا
ما أومضَ البرقُ اليمانِ على الغَضا / اِلاّ تشوَّقَ عهدَهُ وتذكَّرا
واِذا رمى بعدَ الخليطِ بطرفهِ / نحوَ الديارِ رأى الحمى فاستعبرا
يهوى النسيمَ بليلةً أردانُه / عَبِقَ المهبَّةِ بالعبيرِ مُعَطَّرا
يسري إلى قَلِقِ الوسادِ وكلَّما / ذكَر الأحبَّةَ والشبابَ تحسَّرا
قد كانَ في الزمِن الحميدِ هبوبُه / أنَّى تنسَّمَ باللقاءِ مبشِّرا
يا حارِ لو يسطيعُ يومَ سُوَيقَةٍ / قلبي التصبُّرَ عنهمُ لتصبَّرا
ظعنوا فلو حلَّ الذي قد نالَه / بالصخرِ بعدَ نواهمُ لتفطَّرا
للّهِ كم وجدِ هناكَ أثارَهُ / للصبِّ حادي العيسِ ساعةَ ثوَّرا
نظرَ الديارَ وقد تنكَّرَ حسنُها / فشجاهُ ربعٌ بالغُوَيرِ تنكَّرا
وتغيَّرتْ حالاتُه بعدَ النوى / وقُصارُ حالِ المرءِ أن يتغيَّرا
شِيَمٌ بها عُرِفَ الزمانُ وكلُّ ما / قد سرَّ أو ما ساءَ منه تكرَّرا
ومسهَّدينَ مِنَ الغرامِ تخالُهمْ / عَقِبَ السُّهادِ كأنْ تعاطَوا مُسكِرا
مِن كلَّ مسلوبِ القرارِ مدلَّهٍ / فوقَ المطيَّ تراهُ أشعثَ أغبَرا
يرمي بها أعراضَ كلَّ تنوفةٍ / لو جابَ مجهلَها القطا لتحيَّرا
كَلَفاً بغِزلانِ الصريمِ ولوعةً / منعتْ كراه صبابةً وتفكُّرا
فتروقُه فيه الظباءُ سوانحاً / فيها طلاً فضحَ القضيبَ تأطُّرا
ويَظَلُّ في عرصاتهنَّ محاوراً / ظبياً يقلَّبُ ثَمَّ طرفاً أحورا
يرضى على عَنَتِ الزمانِ وحكمِه / منه بما منحَ الهوى وتيسَّرا
مِن شَعرِه وجبينهِ انا ناظرٌ / ليلاً أَضِلُّ به وصبحاً مسفرا
ما كانَ ظنَّي بعدَ طولِ وفائهِ / وهو الخليقُ بمثلِه أن يَهجُرا
أُمسي سميرَ النجمِ وهو محيَّرٌ / والعيسُ تقطعُ بي اليبابَ المقفرا
يخشى الدليلُ به فليس يُفيدُهُ / تحت الدُّجُنَّةِ أن يهابَ ويحذرا
في مهمهٍ ينضي المطيةَ خرقُهُ / فتراهُ مُنْطَمِسَ المعالمِ أزورا
تَخدي وأُنشِدُ مِن غرامٍ فوقَها / شعري فتجنحُ في الأزمَّةِ والبُرى
شِعراً إذا ما الفكرُ غالبَ صعبَه / جعلَ التحكُّمَ لي فقلتُ مخيَّرا
ما ضرَّهُ لمّا تقدَّمَ غيرُه / في الأعصرِ الأولى وجاءَ مؤخَّرا
وضِعَتْ عقودُ الدَّر منه لخاطري / فَطَفِقْتُ أنظمُ منه هذا الجوهرا
ما زلتُ مخيَّرا ولأجلِهِ / ما زالَ مِن دونِ القريضِ مُخيَّرا
يحدوه فضلُ جزالةٍ وطلاوةٍ / فيه وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا
هل بعد ذا كَلَفٌ بكم وغرامُ
هل بعد ذا كَلَفٌ بكم وغرامُ / جسدٌ يذوبُ وعَبرةٌ وسَقامُ
وحمامةٍ تدعو الهديلَ وطالما / جلبَ الحنينَ حمامةٌ وحمامُ
هتفتْ وكم شاقتكَ فوقَ غصونِها / وُرْقٌ تَجاوَبُ والعيونُ نيامُ
فسهِرتُ مِن دونِ الرفاقِ لنوحِها / ولبارقٍ بالرقمتينِ يُشامُ
أمسى يلوحُ / ولي فؤادٌ خافقٌ
بوميضِه دونَ القلوبِ يُضامُ /
رحلَ الأحبَّةُ عن زرودَ وخلَّفوا / مضنًى تكنَّفَهُ أسًى وهُيامُ
ومتى خلا ربعُ الهوى مِن أهلِه / فكرى الجفونِ على الجفونِ حرامُ
واِذا قضى بالبينِ بعدَ دنوَّهم / عبثُ النوى فعلى الحياةِ سَلامُ
جنفَ العواذلُ في الملامِ وما ارعوى / وجدي وقد عَنَفوا عليه ولاموا
مَنْ مبلغٌ جيراننا بِطُوَيلِعٍ / أنّي سَهِرتُ مِنَ الغرامِ وناموا
قومٌ إذا ذُكِروا طربتُ صبابةً / فكأنَّما دارتْ عليَّ مدامُ
بانوا وقد كانوا عليَّ أعزَّةً / وهمُ واِن بانوا عليَّ كرامُ
أهوى رجوعَ الراحلينَ وطالما / كَذَبَتْ أمانيٌّ وعَزَّ مَرامُ
هيهاتَ أين رجوعُ أيامِ الحمى / ذهبتْ فدمعي اِثرهنَّ سِجامُ
أم كيف تُرجى للأحبَّةِ عودَةٌ / ويَلَمْلَمٌ مِن دونهم وثِمامُ
طلبُ الحبائبِ ضلَّةٌ مِن بعدِما / قعدَ العواذلُ حولهنَّ وقاموا
هُجِرَ المحبُّ تجنباً وأُضيعُ في / شرعِ الهوى عهدٌ له وذمامُ
فكأنَّما أيامُه بالمنحنى / كانتْ لطيبِ العيشِ وهي منامُ
فسقتْ صوادي الربعِ ديمةُ جفنِه / سَحّاً إذا ما ضَنَّ فيه غمامُ
ربعٌ أسائلهُ وفي قلبي له / مِنْ مؤلمِ الشكوى اليه ضِرامُ
عن جيرةٍ ظعنوا وأوحشَ منهمُ / نادي السرورِ في الفؤاد اقاموا
كانتْ ليالي القربِ أعياداً بهمْ / تُزهى وكان الدهرُ وهو غلامُ
واليومَ أخفقتِ المطامعُ بعدما / ساروا وأمسى البينُ وهو لِزامُ
جيرانَنا مَنْ باتَ مشغوفاً بكمْ / ونأيتمُ عنه فكيف ينامُ
ميعادُ شوقي أن تَهُبَّ مِنَ الحمى / نفسُ الصَّبا أو أن تلوحَ خيامُ
ونجائبٍ ترمي الفِجاجَ ضوامرٍ / هنَّ القِسيُّ وركبهُنَّ سهامُ
طلبتْ ربوعَ الظاعنينَ يحثُّها / سَبَبا غرامٍ جِنَّةٌ وعُرامُ
وتجنَّبتْ زَهْرَ الجميمِ إلى الحمى / ومواردَ الوادي وهنَّ حُمامُ
تسننُّ بينَ دَهاسِهِ فكأنَّها / في المَرْتِ تسخرُ بالرَّياحِ نَعامُ
مِن كلَّ جائلةِ الوضينِ كانَّها / مما عراها في الزَمامِ زِمامُ
أو مُصعَبٍ لم يثنِ مارنَ أنفِه / في البيدِ مِن قَلَقِ النشاطِ خِطامُ
يسري ولا لأخِي الغرامِ ولا له / في منزلٍ بعدَ الخليطِ مُقامُ
واِذا تغيَّرَ مَنْ حَفِظْتَ ودادَهُ / وغدتْ حبالُ العهدِ وهي رِمامُ
فدعِ الملامةَ لا تلُمْهُ فقلَّما يجدي / وقد نقضَ العهودَ مَلامُ
ولشرُّ أربابِ المواثقِ حُوَّلٌ / فيها يؤنَّبُ تارةً ويُلامُ
ومتى تفاخرَ بالنظيمِ عصابةٌ / نبغوا فاِنَّي للجميعِ اِمامُ
ختموا بأشعاري وكان ختامهم / مسكاً ويضحي المسك وهو ختام
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ / بعدَ الخليطِ وعبرةٌ تتحدَّرُ
ومولهٌ بينَ الطلولِ كأنَّهُ / ألِفٌ يخاطبُها وهنَّ الأسطرُ
وصبابةٌ بينَ الجوانحِ كلَّما / ذُكِرَ الفراقُ فنارُها تتسعَّرُ
لّلهِ قلبي كم يَلِجُّ به الهوى / فيبيتُ يُنجِدُ وجدُه ويُغَوِّرُ
يرجو الوصالَ وتارةً يخشى النوى / فِالامَ يرجو في الغرامِ ويَحْذَرُ
يا قلبُ كم تصبو إلى زمنِ الحمى / وأهيلِه شوقاً وكم تتذكَّرُ
بانوا فقلبكَ حسرةً مِن بعدِما / بانوا على آثارِهمْ يتفطَّرُ
قلبٌ يقولُ لعاذليهِ على الهوى / كُفُّوا فميعادُ السُّلوِّ المحشرُ
تُصبيكَ حوراءُ العيونِ غضيضةٌ / هيفاءُ مُخْطَفَةٌ وظبيٌ أحورُ
وكأنَّما هذي مهاةُ أراكةٍ / ترنو بيقفلها وهذا جؤْ ذَرُ
ظبيٌ أرومُ الوصلَ منه ودونه ال / بيضُ القواضبُ والمشيجُ الأسمرُ
في حيث لا لمعُ البروقِ وسحبُها / اِلاّ القواضبُ والعجاجُ الأكدرُ
وفوارسٌ خاضوا الوغى وغمارَها / في حيث بحرُهمُ الحديدُ الأخضرُ
والخيلُ تمزعُ والأسنَّةُ شُرَّعٌ / والبيضُ تُثلَمُ والقنا تتأطَّرُ
فظُبي الصوارمِ لا البروقُ لوامعٌ / في حيث سحبُ حُماتهنَّ العِثيَرُ
وغمامةُ الحربِ العَوانِ ملثةٌ / بسوى النصالِ كماتُها لا تُمطّرُ
نشقوا رياحينَ الرماحِ حماسةً / فكأنَّما فيهنَّ مسكٌ أذفرُ
مِن كلِّ فارسِ مَعرَكٍ يردُ الردى / اِلْفاً ويُطربُه الثناءُ فَيُنْشُرُ
ونجائبٍ كلفنُهنَّ إلى الحمى / شوقاً تظلَّمَ منه مَرْتٌ أزورُ
أنضيتُ فيه الناعجاتِ فِانْ وفَتْ / كَفلَتْ تلاقينا العتاقُ الضمَّرُ
طمعاً بِعَوْدِ زمانِ أيامِ اللِّوى / ومُحَجِّرٍ سُقيَ الّلوى ومُحَجِّرُ
لا الظاعنونَ عنِ العقيقِ إلى الحمى / رجعوا ولا قلبي المعنَّى يَصبِرُ
تَخِذَ النزوعَ إلى الأحبَّةِ دَيْدَناً / فغدا وجامحُ شوقِه لا يَقصُرُ
لامَ العواذلُ في الغرامِ فما ارعوى / وجدي واِنْ جَنفَوا عليَّ فأكثروا
سِيّانِ عندي بعدَما احتنكَ الهوى / وسَطا الغرامُ أطولوا أم قصَّروا
ولربَّ يومٍ للودَاعِ شَهِدتُه / حيرانَ تعترفُ الدموعُ وأُنكرُ
كشفَ الفراقُ مِنَ الحياءِ قِناعَهُ / فطَفِقتُ لا أخشى ولا أتسَّترُ
في موقفٍ ما فيه إلا أنفسٌ / ذابتْ فَسمَّوها دموعاً تَفطُرُ
لا العذلُ يملكُ صبوتي فيردُّها / جبراً ومثلُ صبابتي لا تُجبَرُ
كلاّ ولا وجدي القديمُ بمنتهٍ / عمَّنْ يُؤنَّبُ في هواه ويُزجَرُ
كلاّ ولا وِردُ الوصالِ وبردُه / حاشاه بعدَ صفائهِ يتكدَّرُ
ومدلَّهٍ أمستْ وشاةُ دموعِه / عنه تُحدِّثُ بالهوى وتُخبِّرُ
وغدا تنفُّسُه يَنْمُّ بكلِّ ما / يُخفيهِ مِن سرِّ الغرامِ ويُظهِرُ
وتغيَّرتْ تلكَ الطلولُ وأهلُها / بعدَ النوى وهواه لا يتغيَّرُ
هطلتْ سحابةُ دمعِه فيها فما / حَفَلَتْ وقد بَخِلَ السحابُ الممطرُ
تُصبيهِ أغصانُ القدودِ موائلاً / ويشوقُه وردُ الخدودِ الأحمرُ
ياليلُ طلتَ فِانْ تناقصَ بعدما / أفرطتَ صبري فالحنينُ موفَّرُ
طمحٌ يزيدُ وأضلعٌ تَلْظَى هوًى / وصبابةٌ تقوى وصبرٌ يُقهَرُ
كم بتُّ بالليلِ الطويلِ مروَّعاً / وأخو السلوِّ ينامُ فيه وأسهرُ
زمنٌ عذيرايَ الصبابةُ والصِّبا / فيه ومغلوبُ الصبابةِ يُعذَرُ
مَنْ لي وكافورُ المشيبِ مُنَوَّرٌ / لو دامَ مِن ليلِ الشبابِ العنبرُ
ياأيُّها الشعراءُ هل مِن لا قطٍ / دُرّاً يسودُ به فهذا الجوهرُ
وقفَ اختياركمُ عليه فما لَهُ / مُتَقَدَّمٌ عنه ولا متأخَّرُ
هذا هو الشِّعرُ الذي لو أنَّه / ماءٌ لقالَ الناسُ هذا الكوثرُ
ولو انَّه خُطَبٌ أرتِّبُ لفظَها / جُمعيَّةً لصبا اليها المنبرُ
عُرُبُ القصائدِ ما غدونَ شوارداً / وغدا النويُّ بهنَّ وهو معطَّرُ
يزددنَ حسناً ما ترنَّمَ منشدٌ / بنسيبهنَّ وما تَكُرُّ الأعصرُ
عزَّتْ على خطّا بهنَّ وكلُّ مَنْ / يستامهنَّ مطوَّقٌ ومسوَّرُ
مِن كلِّ قافيةٍ إذا غضغضتَها / عُبَّ الكلامُ كما تُعَبُّ الأبحرُ
عذراءَ بكرٍ في القريضِ غريبةٍ / بسوى النفوسِ كلامُها لا يُمهَرُ
ما كنتُ أرضى أن يكون خليلَها / كسرى أنوشِرْوانَ والاِسكندَرُ
لا تُخدَعنَّ فتصطفي لكَ صاحباً
لا تُخدَعنَّ فتصطفي لكَ صاحباً / شرَّ الورى نفساً وأخبثَ عنصرا
لَؤمَتْ مغارسُ أصلِه فتكدَّرتْ / نُطَفُ الاِخاءِ بمثلِه وتكدَّرا
يُبدي لكَ الملق الشهي حديثه / وتراه صِلاً مِن ورائكَ أبترا
لا يأتلي بالأوابدِ قاصداً / طبع غدا لابن اللئيمة لمبكرا
ومُطفلٍ سنحتْ في القاعِ ناشدةً / ظبياً لها ضلَّ بينَ الضّالِ والسَّمُرِ
نأتْ نفاراً وداراً مشبهةٌ / ليلى وقد سُمْتُها وصلاً على غررِ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ / فاِلامَ صبرُكَ والمطيُّ تثارُ
هل بعدَ تَرحالِ المطيَّ عنِ الحِمى / صبرٌ على ألَمِ النوى وقرارُ
كلُّ الخطوبِ على الفراقِ عُلالةٌ / فدعِ الدموعَ تفيضُ وهي غِزارُ
لا تَمنعَنْ حَذَرَ الوشاةِ أتيتَّها / فُهِمَ الغرامُ وذاعتِ الأسرارُ
قفْ بي على الأطلالِ أَندُبُ ما عَفا / منهنَّ وهي مِنَ الأنيسِ قِفارُ
دِمَنٌ أنارَ الوصلُ في أرجائها / ونَوارُ إلا عن هوايَ نَوارُ
تلكَ الديارُ فلا عدا أطلالَها / مِن سُحْبِ جفني دِمةٌ وقِطارُ
ما زلتُ في عرصاتهنَّ بأهلِها / جَذِلَ الفؤادِ وللسرورِ ديارُ
ربعٌ بلغتُ به نهاياتِ المنى / والقومُ لي قبلَ الرحيلِ جِوارُ
أيامَ كنتُ مِنَ الشبيبةِ رافلاً / في فضلِ بُردٍ ما أراه يعارُ
بُردٍ عليه من الشبابِ طَلاوةٌ / ذهبتْ برونقِ حسنهِ الأعصارُ
حتى بدا وَضَحُ المشيبِ فلم يَرُقَ / في العيشِ منه سكينةٌ ووَقارُ
ولربَّ روضٍ بتُّ مشغوفاً به / في جانبيهِ شقائقٌ وبَهارُ
رقمتْ يدُ الأنوارِ وشيَ بساطِه / فغدا به يَتبرجُ النُّوّارُ
وسرى النسيمُ على ثراهُ معطَّراً / فكأنَّما في تربهِ عطّارُ
صدحَ الحمامُ على غصونِ أراكهِ / سحراً وجاوبهنَّ فيه هَزارُ
نكَّبتُ عنه وقد ترحَّحَ سُحرةً / أهلُوه عن تلكَ الرياضِ فساروا
وعزفتُ عنه وفي الفؤادِ لبينهم / عنهم وعنّي جاحِمٌ وشَرارُ
والنومُ مذ رحلَ الخليطُ عنِ الحِمى / ونأى الحبائبُ بعدهنَّ غِرارُ
وأما وأيامٍ بهنَّ قصيرةٍ / ذهبتْ ففي قلبي لهنَّ أُوارُ
أيامِ وصلٍ كلُّهنَّ أصائلٌ / وزمانِ لهوٍ كلُّهُ أسمارُ
لا ملتُ عن سننِ المحبَّةِ بعدما / قد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ
يا صاحبيَّ شكايةٌ مِن وامقٍ / أفناهُ من بعدِ النوى التَّذْكارُ
لم أنسَ قولَكُما غداةَ مُحَجَّرٍ / والعيسُ قد شُدَّتْ لها الأكوارُ
لكَ في المنازلِ كلَّ يومٍ مقلةٌ / عبرى وقد شطَّتْ بهنَّ الدارُ
وهوًى يُثيرُ لكَ الغرامَ ونارُه / بين الربوعِ العذلُ والآثارُ
وهلِ الهوى إلا فؤادٌ خافقٌ / حذرَ الفراقِ ومدمعٌ مدرارُ
وحنينُ مسلوبِ القرارِ يكادُ مشن / مرَّ النسيمِ على الحبيبِ يَغارُ
ولكم سمعتُ الوجدَ يُنشِدُ أهلَه / لو كان يُغني في الغرامِ حذارُ
أمّا الغرامُ ففي ليالي هجرِه / طولٌ وأيامُ الوصالِ قصارُ
وكذاكَ صبحُ الشيبِ ليلٌ مثلما / ليلُ الشبيبةِ في العيونِ نهارُ
ذهبَ الشبابُ ولا أراه يزورُني / بعدَ الذَّهابِ ولا أراه يُزارُ
زمنٌ عليه مِنَ الشبيبةِ رونقٌ / وقفتْ أمامَ رُوائِه الأبصارُ
مَنْ لي بِرَيَّقِ عصرِه وزمانِه / واليه مِن دونِ العصورِ يشارُ
فله إذا ظُلَمُ الصدودِ تكاثفتْ فيها / واِن كره العذولُ منارُ
ولخمرِ شِعري في العقولِ تسرُّعٌ / ما نالَ أيسرَ ما يَنالُ عقارُ
شعرٌ إذا ما أنشدُوه كأنَّما / كأسُ المُدامةِ في لنديَّ تدارُ
فالشَّعرُ ما بين البريَّةِ معصمٌ / وعليه من هذا القريضِ سِوارُ
شَجَرٌ ليَ الفينانُ مِن أغصانِه / وله المعاني الناصعاتُ ثمارُ
مِن كلَّ قافيةٍ بعيدٍ أن يُرى / يومَ الرَّهانِ لشأوهنَّ غبارُ
فيها يُنالُ مِنَ الثوابِ عظائمٌ / وبها يُقالُ مِنَ الذنوبِ عثارُ
جمحتْ على الخُطّابِ فهي عزوفةٌ / وبها اِباءٌ عنهمُ ونِفارُ
ولها الخَيارُ ولا خَيارَ لغيرِها / في كلَّ ما تهوى وما تختارُ
فنشيدُها طربُ الحُداةِ وذكرُها / للَّيلِ يقطعُهُ بها السُّمارُ
حُيَّيتِ مِن دِمَنٍ ومِن أطلالٍ
حُيَّيتِ مِن دِمَنٍ ومِن أطلالٍ / ومنازلٍ بالرقمتينِ بوالِ
أجَّجنَ بين أضالِعي نارَ الهوى / بمرابعٍ مِن أهلهنَّ خوالِ
فسقى معاهدَها عهادُ مدامعٍ / يغشى الطلولَ بوبلهِ الهطّالِ
يهمي إذا بخلَ السحابُ على الثرى / بسحابةٍ وطفاءَ ذاتِ عزالي
يروي ديارَ الغانياتِ مُلِثُّهُ / وكِناسَ كلَّ غزالةٍ وغزالِ
فيهنَّ مِن عَصْبِ الملاحةِ عصبةٌ / برعوا جمالاً فوقَ كلَّ جمالِ
مِن كلَّ حوراءِ اللحاظِ جفونُها / ترمي فؤادَ محبَها بنبالِ
وقَوامِ ساجي الطرفِ يهزأُ قدُّه / مِن لينهِ بالأسمرِ العَسّالِ
رشقوا فؤادي يومَ رامةَ فانثنى / عنهم بوجدٍ ما ألمَّ ببالي
ولربَّ ليلٍ قد فَرَيتُ أديمَهُ / مِن فوقِ كلَّ نجيبةٍ مِحلالِ
حرّانَ احتثُّ النياقُ سواهماً / في البيدِ بينَ دَكادِكٍ ورِمالِ
أضحتْ تُراعُ مِن السَّياطِ كأنَّما / تلكَ السياطُ قواتلُ الأصلالِ
من كلَّ جائلةِ الوَضينِ أذابَها / الاِعمالُ بينَ النصَّ والاِرقالِ
فتخالُها مثلَ السفائنِ في الضحى / تعلو وترسبُ في بحارِ الآلِ
طمعاً بعودِ الظاعنينَ وعودِ ما / قد ماتَ من قربٍ وطيبِ وصالِ
فلقد حُرِمتُ ببعدِ جيرانِ النقا / نوماً أُواصلَ فيه طيفَ خيالِ
ومِن العجائبِ أن أُعلَّلَ بعدما / بانَ الأحبَّةُ عنهمُ بمحالِ
وأُروَّحَ القلبَ الذي لم ينسَهمْ / بعدَ النوى بكواذبِ الآمالِ
هيهاتَ أن يُسليهِ بعدَ رحيلهمْ / طولُ المدى وتنقُّلُ الأحوالِ
فلَكَمْ سكبتْ على المنازلِ أدمعاً / أرخصتُهنَّ ن وكنَّ قبلُ غوالي
وأذلتُ دمعي في عراصِ ربوعِها / سَحّاً ولم يكُ قبلَهُ بِمُذالِ
وسألتُها عن أهلهنَّ وما الذي أجدى / وقد رحلَ الخليطُ سؤالي
في كلَّ يومٍ لا أزالُ مروَّعاً / بغناءِ حادٍ أو بِزَمَّ جِمالِ
ولهانَ أقلقُ للحمامِ إذا شدا / مِن فوقِ البانةِ الميّالِ
ولبارقٍ ما لاحَ في غَسَقِ الدُّجى / اِلاّ أَرِقْتُ لومضهِ المتعالي
ما لي وما للامعاتِ أَشيمُها / سَفَهاً وما للهاتفاتِ ومالي
يُضْرِمْنَ في قلبي لواعجَ جمرِه / قلبي لها بعدَ التفرُّقِِ صالِ
ما هبَّ معتلُّ النسيمِ عنِ الحِمى / اِلاّ فَزِعتُ إلى صَباً وشَمالِ
وسألتُ نفّاحَ النسيمِ لأنَّهُ / يَدري بِكُنْهِ قضيَّتي وبحالي
عن جيرة لم تخل فكرة خاطري / من ذكر أيام لهم وليال
يا حارِ قد غَدَتِ الديارُ عواطلاً / منهمْ وقد كانت وهنَّ حوالِ
أُرْدُدْ عليَّ الظاعنينَ وخلَّني / وهواهمُ وملامةَ العُذّالِ
ودعِ القريضَ لقائليهِ سوى الذي / يأتيكَ مثلَ الدرَّ مِن أغزالي
فلقد ظَفِرتُ مِن النظيمِ ببحرهِ ال / طامي وغيري منه بالأوشالِ
مِن كلَّ قافيةٍ ترى في طيَّها / ما شئتَ مِن حِكَمٍ ومِن أمثالِ
وعلى جزالتِها وجودةِ سكبِها / لم تمشِ يوماً مِسيةَ المختالِ
ولها المعاني الباهراتُ يَزينُها / لفظٌ كما نَضَّدْتَ سِمْطَ لآلي
شِعرٌ هو السَّحرُ الحلالُ وغيرُه / شِعرٌ إذا ما جاءَ غيرُ حلالِ
سِيّانِ اِكثاري إذا ألفَّتُه / يَحكي النجومَ الزُّهْرَ أو اِقلالي
فالفضلُ تعرفهُ وتعرفُ أهلَه / بأقلَّ شيءٍ مِن بديعِ مقالِ