المجموع : 15
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ / خَجِلاً يُعَنِّفُ نفسَهُ ويُؤَنِّبُ
لم لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بِدِمائِه / ذو شيبَةٍ عَوْرَاتُها مَا تُخْضَبُ
لَعِبَتْ به الدّنيا ولولا جَهْلُه / ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في مَعاصِي رَبِّهِ / إذْ باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلَّبُ
يستغفِرُ اللَّهَ الذُّنوبَ وقلبُه / شرِهاً على أمْثالها يَتَوثَّبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ / فكأنَّهُ فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً / فكأنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقَتْ مذاهِبُه عليه فما لَه / إلَّا إلى حَرَمٍ بِطَيْبَةَ مَهْرَبُ
مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ / لكنه بِرَجَائِه مُتَسَبِّبُ
وقَفَتْ بِجاهِ المصطفى آمالُه / فكأَنه بذنوبه يَتَقَرَّبُ
وَبَدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ / بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ مَطامِعي / في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ
لِم لا يغارُ وقد رآني دونَه / أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أطلُبُ
ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ / وصَحائِفي سُودٌ ورأْسِيَ أشْيَبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي / يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ
بَشَرٌ سَعِيدٌ في النُّفُوسِ مُعَظَّمٌ / مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحَبَّبُ
بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ / وبيَانِ مَنْطِقِه تَشَرّفَ يَعْرُبُ
مِصْباحُ كلِّ فضيلةٍ وإمامُها / وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنْسَبُ
رِدْ واقْتَبِسْ مِنْ فَضْلِهِ فبِحارُه / ما تَنْتَهِي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ
فلكلِّ سارِ مِنْ هُداهُ هِدايَةٌ / ولكلِّ عافٍ مِنْ نَداه مَشْرَبُ
وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالع / ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ
مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاؤُهُ / فيه الوُجُودُ مُنَوَّرٌ ومُطَيَّبُ
وَهَبَ الإِلهُ لهُ الكمالَ وإنَّهُ / في غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ ما لا يُوهَبُ
كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسْرِي به / فعُلُومُهُ لا شيءَ عنها يَعزُبُ
وَلِقَابِ قَوْسَيْنِ انْتَهَى فمَحَلُّهُ / مِنْ قابِ قَوْسَيْنِ المَحَلُّ الأقْرَبُ
ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً / فيه كما زَعَمَ المُكَيِّفُ مَنْكِبُ
فاتَ العبارَةَ والإِشارَةَ فضلُهُ / فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ
صَدِّقْ بما حُدِّثْتُ عنه فَفي الوَرَى / بالغيْبِ عنه مُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ
واسمَعْ مناقِبَ للحبيبِ فإنّها / فِي الحُسْنِ مِنْ عَنْقَاءَ مُغْرِبَ أغْرَبَ
مُتَمَكِّنُ الأخلاق إلّا أنّه / في الحُكمِ يَرْضَى للإلهِ وَيَغْضبُ
يَشْفِي الصُّدُورَ كلامُه فدواؤُه / طَوراً يَمُرُّ لها وطَوْراً يَعْذُبُ
فاطْرَبْ لتَسْبِيحِ الحَصَى في كَفِّهِ / فَمِنَ السَّماعِ لِذِكْرِهِ ما يُطرِبُ
والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمغْرَمٍ / قَلِقٍ بفَقْدِ حَبيبِه يَتَكَرَّبُ
وَسَعَتْ له الأحجارُ فهْيَ لأَمرِه / تأْتي إليه كما يشاءُ وتَذْهَبُ
واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ / وَمِنَ الجِبَالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ
والنَّخْلُ أثْمَرَ غَرْسُه في عامِه / وَبَدَا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهَبُ
وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكَرا / فكأنّه من دِيمَةٍ يَتَصَبَّبُ
والشَّاةُ إذْ عَطشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ / وهمُ ثلاثُ مَئِينَ مما يَحْلُبُ
وشفَى جميعَ المُؤْلِمَاتِ بِريقِه / يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ
وَمَشَى تُظلِّلُهُ الغَمامُ لِظلِّها / ذَيْلٌ عليه في الهواجر يُسْحَبُ
وَتَكَلَّمَ الأطفالُ والمَوْتَى لَهُ / بِعجائِبٍ فليَعجَب المُتعجِّبُ
والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَةٍ / سَيْفاً وليس السَّيفُ مما يُحْطَبُ
وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً / يَوْمَ الوَغَى إذْ كلُّ عَيْنٍ تُقْلَبُ
وأضاءَ عُرْجُونٌ وَسَوْطٌ في الدُّجى / عَنْ أمرِهِ فكأنَّ كُلّاً كَوْكَبُ
وكأنَّ دعْوَتَهُ طليعَةُ قَوْلِ كُنْ / ما بَعْدَها إلا الإجابةَ مَوْكِبُ
تَحظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ / فكأنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ
للناسِ فيها وابلٌ وصواعقٌ / نَفْسٌ بها تَحْيا ونَفسٌ تَعْطَبُ
والمَحْلُ إذْ عَمَّ البِلادَ بَلاؤُهُ / والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويجنِبُ
واسْتَسْلَمَ الوَحْشُ المَرُوعُ لِصَيْدِهِ / جُوعاً وصرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدُبُ
والذِّئْبُ مِنْ طولِ الطَّوَى يَبْكي عَلَى / رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ
والناس قد ظنُّوا الظُّنُونَ كأنَّما / سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ
لم تَبْكِ للأَرْضِ السماءُ به ولا / رَقَّتْ لِشائِمِها البروقُ الخلَّبُ
فَدَعَوْكَ مَخْبُوءاً لكلِّ كَرِيهةٍ / جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدبُ
فَرَفَعتَ عَشْرَاً مِنْ أنامِلَ داعياً / فانْهَلَّ أُسبوعاً سَحابٌ صَيبُ
فطَغَى عَلَى بُنْيانِ مكّةَ ماؤُهُ / أو كادَ يَنْبُتُ في البُيوتِ الطُّحْلُبُ
لَولا سألتَ اللَّهَ سُقيا رَحْمةٍ / ماتَتْ به الأحياءُ مما يَشربوا
فإذا البلادُ وكلُّ دارٍ رَوْضَةٌ / فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ
قد جئتُ أَسْتَسْقِي مكارِمَكَ التي / يَحْيا بها القَلْبُ المواتُ ويُخصِبُ
يا مَنْ يُرَجَّى فِي القيامةِ حيث لا / أُمٌّ تُرَجَّى للنّجَاةِ ولا أبُ
يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ الْ / مِنَنِ الجِسامِ إليكَ منك المهرَبُ
هَبْ لِي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادةً / ما تُسْتَعادُ ونِعمةً ما تُسْلَبُ
أيَضيقُ بِي أمرٌ وبابُ المصطفى / في الأرضِ أوسَعُ للعُفاةِ وَأرْحَبُ
لا تَقْنَطِي يا نفْسُ إِنَّ تَوَسُّلِي / بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخَيَّبُ
أنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ / بمَدَائحي خيرَ الأنامِ ومَغْرِبُ
آلَ النبيِّ وَمن لهم بالمصطفى / مَجْدٌ على السَّبْعِ الطِّباقِ مُطَنِّبُ
حُزْتُمْ عظيماً مِنْ تُراثِ نُبُوَّةٍ / ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ
اللَّهُ حَسْبُكُمُ وَحَسْبِي إنني / في كلِّ مُعْضِلَةٍ بِكُمْ أتَحَسَّبُ
يا سادتي حُبِّي لكم ما تَنْقَضِي / أعمارُهُ وَحِبالُه ما تُقْضَبُ
مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فحصونُهُمْ / بِيدٌ بأطرافِ الرِّماحِ تُؤَشّبُ
ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ / كَلَّا وَلا لحُسامِ رَيْبٍ مَضْرِبُ
وَعَلَى الخَصاصَةِ يُؤْثِرُونَ بزادِهِم / وَيَلَذُّ مِنْ كَرَمٍ لهم أنْ يَسْغَبوا
لا تَنْزِعُ اللُّوَّامُ أثْوَابَ النَّدَى / عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا
جُبِلُوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم / حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالةِ يُعْرِبُ
فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى / تَأْبَى نُهاهُ قِتالَ مَنْ لا يُغْلَبُ
جاءتْ عجائبُهُم أمامَ عجائِبٍ / أُمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبْلَى مُقرِبُ
ما بالُ مَنْ غَضِبَ الإلهُ عليهم / حادوا عن الحقِّ المُبِينِ ونَكَّبُوا
كفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤُهم / جَرِبَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَصِحَّ الأجربُ
هلَّا تَمَنَّى المَوْتَ منهمْ معشرٌ / جَحَدُوهُ فامْتَحَنوا الدَّواءَ وَجَرّبُوا
أفيُؤْمِنُون بِهِ وَمِمَّن جاءهم / بالبَيِّنَاتِ مُقَتَّلٌ وَمُصَلَّبُ
عَبَدُوا وموسى فيهمُ العجل الذي / ذُبِحوا بهِ ذَبحَ العجولِ وعُذِّبوا
وصبَوا إِلى الأَوثانِ بَعدَ وَفاتِهِ / وَالرُّسْلُ مِنْ أسَفٍ عليهم تَنْدُبُ
وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلِينها / خِلُّ يَلُومُ ولا عَدُوٌّ يَعْتِبُ
وَأخو الضَّلالَةِ قالَ عيسى ربُّه / وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ
ويقول خالِقُه أبوهُ وإنَّه / رَبٌّ وإنسانٌ أَلا فَتَعجَّبوا
أبِهَذِهِ العَوراتِ جَاءَتْ كُتبُهُم / أمْ حَرَّفوا منها الصَّوابَ وَوَرَّبُوا
فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعُه / فكأنها بين النُّجُومِ العَقْرَبُ
عَجَباً لهمْ ما بَاهَلوه ولِم أبَتْ / أحْبارُ نَجرانَ الّذينَ تَرَهَّبُوا
ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لقَومِهِ / وإليهمُ يُعزَى البيانُ ويُنسَبُ
فتَهَيَّبُوه وما أتَوْهُ بِسُورَةٍ / مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهَيَّبُ
مَنْ لَمْ يُؤَهِّلْهُ الإلهُ لحَالةٍ / فاتَتْهُ وهْوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ
عَجَباً لهم شَهِدُوا لهُ بأمانةٍ / حتى إذا أدَّى الأَمانة كَذَّبوا
وارتابَ فيه المشركون ولَمْ يَزَلْ / بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ
جَحَدُوا النبيَّ وقد أتاهم بالهُدَى / لَولا القضاءُ سألتَهُمْ ما المُوجِبُ
للَّهِ يومُ خروجِه منْ مكةٍ / كخروجِ موسى خائفاً يَتَرَقَّبُ
والجِنُّ تُنْشِدُ وحْشَةً لِفِرَاقِهِ / شِعْراً تَفيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ
والغارُ قد شَنَّتْ عليه غارةً / أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا
أرَأيتَ مَنْ يَجفو عليه قَوْمُه / تَحْنُو عليه العنكبوتُ وتحْدَبُ
إنْ يكفروا بكتابِهِ فكتابُهُ / فَلَكٌ يَدُورُ على الوُجُودِ مُكَوْكَبُ
قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به / فَبَدا الصَّباحُ وجَنَّ منه الغَيْهَبُ
فتصادمَ الحَقُّ المُبينُ وإفكهُم / فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تَتَشَعَّبُ
فدَعوْا نَزال فأَوْقَدَتْ نيرانَها / سُمْرُ القَنا وَالعادِيَاتُ الشُّزَّبُ
فإذَا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدَهُ / ذرِّيَّةً تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ
غالَتْ بُغاثَهُمُ بُزَاةُ كَرِيهَةٍ / أظفارُها في كل صَيْدٍ تَنْشَبُ
حتى بكى عَمراً هِشامٌ في الثَّرَى / مِنْ ذِلَّةٍ وَنَعَى حُيَيّاً أَخْطَبُ
لا تُنْكِرُوا بُغْضِي عَدُوَّ المُصطفى / إني بِبُغْضِهِمُ لهُ أَتَحَبَّبُ
أقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نارُ قَرِيحتي / أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ
هذا وَنُطْقِي دائماً بِمَدِيحِهِ / أذكَى مِنَ الوَرْدِ الجَنِيِّ وَأطْيَبُ
أُهْدِي له طِيبَ الثَّنَاءِ وإنّه / لَيُحِبُّ أنْ يُهْدَى إليه الطَّيِّبُ
أُثْنِي عليه تَشَوُّقاً وتَعَبُّدَاً / لا أنّني لِصفاتِهِ أسْتَوْعِبُ
مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ / وكلاهُما مِنْ خَيْرِ ما يُستَصْحَبُ
أشْتَاقُ للحَرَمِ الشَّرِيفِ بِلَوْعَةٍ / في القلبِ تَحْدُو بي إلَيْهِ وَتَجْذِبُ
ما لي سِوَى ذِكْرَى لهُ في رِحْلَتِي / زَادٌ وَلا غَيرُ اشْتياقِي مَرْكَبُ
وَتَحِيَّة مني إليه يَرُدُّهَا / منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ صلاتَهُ / فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ
ما حنَّ مُشْتاقٌ إلى أوطانِهِ / مِثْلي ورَاحَ بِوَصْفِها يَتَشَبَّبُ
أمَدائِحٌ لِي فِيكَ أمْ تَسْبِيحُ
أمَدائِحٌ لِي فِيكَ أمْ تَسْبِيحُ / لوْلاكَ ما غَفَرَ الذنوبَ مَدِيحُ
حُدِّثْتُ أنَّ مَدَائِحي فِي المصطفى / كفَّارَةٌ لِيَ وَالحَدِيثُ صَحِيحُ
أرْبِحْ بِمَنْ أهْدَى إليه ثَنَاءَهُ / إنَّ الكريمَ لَرَابِحٌ مَرْبُوحُ
يا نَفْسُ دُونَكِ مَدْح أحْمَدَ إنَّهُ / مِسْكٌ تَمَسَّكَ ريحُهُ والرُّوحُ
وَنَصِيبُكِ الأوْفَى مِنَ الذِّكْرِ الذي / منه العَبيرُ لِسَامِعِيهِ يَفوحُ
إنَّ النبيَّ محمداً مِنْ رَبِّه / كَرَماً بكلِّ فضيلةٍ مَمْنُوحُ
اللَّهُ فَضَّلَهُ وَرَجَّحَ قَدْرَهُ / فَلْيَهْنِهِ التَّفْضيلُ وَالتَّرْجِيحُ
إنْ جاءَ بعْدَ المُرسلينَ فَفَضْلُهُ / مِنْ بعدِه جاءَ المَسيحُ وَنُوحُ
جاؤُوا بِوَحْيهِمُ وَجاءَ بِوَحْيِهِ / فكأنَّه بين الكواكبِ يُوحُ
أنّى يُكَيِّفُها امرؤٌ وَيَحُدُّها / بالقولِ وهْيَ لِذَا الوُجُودِ الرُّوحُ
رَدتْ شهادَتَهُ أناسٌ ما لهمْ / طَعْنٌ عليه بها ولا تَجْرِيحُ
ولقدْ أتى بالبيّناتِ صَحِيحَة / لو أنَّ ناظِرَ مَنْ عصاهُ صحيحُ
عَرَفُوهُ مَعْرِفَةَ اليَقِينِ وأنْكَرُوا / إنَّ الشَّقِيَّ إلى الشقاء جَموحُ
فأَبَادَ مَنْ أبْدَى مُخَالَفَة لهُ / فالسَّيْفُ مِنْ تَعَبِ الخِلافِ قَرِيحُ
وَجَلا ظلامَ الظُّلْمِ لَمَّا أوْمَضَتْ / وَمَضَتْ لديْه صحائفٌ وَصَفيحُ
شيئانِ لا يَنْفِي الضلالَ سِواهُما / نُورٌ مُفاضٌ أوْ دَمٌ مَسْفُوحُ
عَجَباً لَهُم لِم يُنْكِرُونَ نُبُوَّةً / ثَبَتَتْ وَلم يُنْفَخْ بآدَمَ رُوحُ
ما لي اشْتَغَلْتُ بِزَجْرِهِمْ فكأنني / بينَ الطَّوائفِ طارقٌ مَنْبُوحُ
لا تُتْعِبَنَّ بِذِكْرِهِمْ قَلْبَاً غَدا / ولهُ بِذِكْرِ مُحمَّدٍ تَرْوِيحُ
وَانْشُرْ أحاديثَ النَّبيِّ فكلُّ ما / تَرْوِيهِ مِنْ خَبَرِ الحَبيبِ مَليحُ
وَاذكُر مَناقِبَه الَّتي أَلفاظُها / ضَاقَ الفضاءُ بِذِكرِها وَاللوحُ
أَعَجبتَ أنْ غَدَتِ الغمامةُ آيَةً / لِمُحَمَّدٍ يَغْدُو بها وَيَرُوحُ
أو أن أتَتْ سَرْحٌ إليه مُطِيعَةً / فكأَنَّما أتَتِ الرِّياضَ سُرُوحُ
ولِمَنْبَعِ المَاءِ المَعِينِ براحَةٍ / رَاح الحَصَى وَلهُ بها تَسْبيحُ
أوْ أنْ يحِنَّ إليه جِذْعٌ يابِسٌ / شَوْقاً وَيَشْكُو بَثَّهُ وَيَنُوحُ
حتى دَنا منه النبيُّ وَمَنْ دَنا / منه نأَى عَنْ قَلْبِهِ التَّبْريحُ
وَبأنْ يُكَلِّمَهُ الذِّرَاعُ وكيفَ لا / يُفْضِي إليه بِسِرِّهِ وَيَبُوحُ
وَبِأنْ يَرَى الأعْمَى وَتَنْقَلِبَ العَصا / سَيْفاً وَيَحْيا المَيتُ وهْوَ طَرِيحُ
وَبأنْ يُغاثَ الناسَ فيه وقد شكَوْا / مَحْلاً لِوَجْهِ الأرضِ منه كُلُوحُ
وَبأنْ يَفِيضَ لهُ وَيَعْذُبَ مَنْهَلٌ / قَدْ كانَ مُرَّاً ماؤُه المَنْزُوحُ
يا بَرْدَ أَكْبادٍ أصابَ عِطاشَها / ماءٌ بِريق مُحَمَّدٍ مَجْدُوحُ
صَلّى عليه اللَّهُ إنَّ صَلاتَهُ / غَيْثٌ لِعِلَّاتِ الذُّنوبِ مُزِيحُ
أسْرَى الإله بِجِسْمِهِ فكأنهُ / بَطَلٌ عَلَى مَتنِ البُرَاق مُشِيحُ
وَدَنَا فلا يَدُ آمِلٍ مُمْتَدَّةٌ / طَمَعَاً وَلا طَرْفٌ إليهِ طَموحُ
حتى إذا أوْحَى إِلَيهِ اللَّه ما / أَوحى وحانَ إِلى الرُّجوع جُنوحُ
عادَ البُراقُ بهِ وَثَوْبُ أديمِهِ / لَيْلاً بماء حَيائِه مَنْضوحُ
فَذَرُوا شَياطِينَ الأُلى كَفَرُوا به / يُوحُوا إليهم ما عسَى أنْ يُوحوا
تاللَّهِ ما الشُّبُهاتُ مِنْ أَقوالِهِمْ / إِلَّا كما يَتَحَرَّكُ المَذْبُوحُ
كمْ بَيْنَ جِسْمٍ عَدَّلَتْ حَرَكَاته / رُوحٌ وَعُودٍ مَيَّلَتْهُ الرِّيحُ
وَلا النَبيُّ مُحَمَّدٌ وَعُلُومُه / لَمْ يُعْرَفِ التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ
عَقَدَ الإلهُ به الأُمورَ فَلَمْ يَكُنْ / لِسِواهُ إمْسَاكٌ وَلا تَسريحُ
ضَلَّ الَّذينَ تَأَلَّهوا أحبَارهم / ليُحَرِّمُوا وَيُحَلِّلُوا وَيُبِيحُوا
يا أمَّةَ المُختار قَدْ عُوفِيتُمُ / مما ابْتُلُوا وَالمُبْتَلَى مَفضوحُ
فاسْتَبْشِرُوا بِشِرا الإِله وَبَيْعِكمْ / منه فميزانُ الوفاءِ رَجِيحُ
وتَعَوَّضوا ثَمَنَ النُّفوس مِنَ الهدَى / فمِنَ الهُدَى ثَمَنُ النُّفَوسِ رَبِيحُ
يا منْ خَزَائِنُ جُودِهِ مملوءَةٌ / كَرَماً وبابُ عطائِه مَفْتُوحُ
نَدْعُوكَ عَنْ فَقْرٍ إليكَ وحاجَةٍ / وَمَجَالُ فضلِكَ لِلْعُفَاةِ فَسِيحُ
فاصْفَحْ عَنِ العَبْدِ المُسِيءِ تَكَرُّماً / إنَّ الكريمَ عَنِ المُسِيءِ صَفُوحُ
وَاقبلْ رسولَ اللَّهِ عُذرَ مُقَصِّرٍ / هُوَ إنْ قَبِلْتَ بِمَدْحِكَ المَمْدُوحُ
فِي كلِّ وَادٍ مِنْ صِفَاتِكَ هائمٌ / وَبِكلِّ بَحْرٍ مِنْ نَدَاكَ سَبُوحُ
يَرْتاحُ إنْ ذُكِرَ الحِمَى وعَقِيقه / وأراكُه وثُمامُه والشِّيحُ
شَوْقاً إلى حَرَمٍ بَطَيْبَةَ آمِنٍ / طَابَتْ بذلكَ رَوْضَةٌ وضرِيحُ
إني لأرْجُو أنْ تَقَرَّ بِقُرْبِهِ / عَيْني ويُؤْسَى قَلْبِيَ المَجْرُوحُ
فاكْحَلْ بِطيْفٍ منه طَرْفاً جَفْنُه / بِدُمُوعِهِ حتى يَرَاهُ قَرِيحُ
فلقدْ حَباني اللَّهُ فيكَ مَحَبَّةً / قَلبي بها إلا عليكَ شَحِيحُ
دَامَتْ عَلَيك صلاتُه وسلامُه / يَتْلُو غَبُوقَهُمَا لَدَيْكَ صبُوحُ
ما افْتَرَّ ثغْرٌ للأَزاهِرِ أَشْنَب / وانْهَلَّ دَمْعٌ للسَّحَابِ سَفُوحُ
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد / بغْضاءَ ما بَيني وبينَ الخُرَّدِ
خَجِلَتْ عُيُونُ الحُورِ حِينَ وصَفْتُها / وصْفَ المَشيبِ وقُلْنَ لِي لا تَبْعَدِ
ولِذاكَ أَظْهَرَتِ انْكِسَارَ جُفُونها / دَعْدٌ وآذَنَ خَدُّها بِتَوَرُّدِ
يا جِدَّةَ الشَّيْبِ الَّتِي ما غادَرَت / لِنُفُوسِنا مِنْ لَذَّةٍ بمجدَّدِ
ذَهَب الشَّبابُ وسَوْفَ أذْهَبُ مِثْلَما / ذَهَبَ الشبابُ وما امرؤٌ بِمُخَلَّدِ
إنَّ الفَنَاءَ لكلِّ حَيٍّ غايَةٌ / مَحْتُومَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فكأَنْ قَدِ
وارَحْمَتا لِمُصَوِّرٍ مَتَطَوِّر / في كلِّ طَوْرٍ صورَةَ المُتَردِّدِ
قَذَفَتْ به أَيْدِي النَّوَى مِنْ حالِقٍ / سامِي المَحَلِّ إلى الحَضيضِ الأوهَدِ
مُسْتَوْحِشٍ فِي أُنْسِهِ مُتعاهِدٍ / بحنِينِهِ شَوْقَاً لأَوَّلِ مَعْهَدٍ
مَنَعَتْهُ أَسبابٌ لَدَيْهِ رجُوعَهُ / فاشتاقَ للأَوْطان شَوْقَ مُقَيَّدِ
يا لَيْتَهُ لَوْ دامَ نَسْياً ما لَهُ / مِنْ ذاكِرٍ أوْ أنهُ لم يُولَدِ
حَمَلَ الهَوَى جَهْلاً بأَثْقَالِ الهَوَى / مُسْتَنْجِداً بعزيمةٍ لم تُنْجِدِ
ما إنْ يَزالُ بما تَكَلَّفَ حَمْلَهُ / في خُطَّتَي خَسْفٍ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي
غَرضاً لأَمْرٍ لا تَطيشُ سِهامُهُ / ومُعَرَّضاً لِمُعَنِّفٍ ومُفَنِّدِ
وَخَلِيفَةٍ في الأرضِ إِلَّا أنَّه / مُتَوَعِّدٌ فيها وعيدَ الهُدْهُدِ
وَجَبَ السُّجُودُ لهُ فلما أنْ عصى / قالت خطيئَتُهُ لهُ اركعْ واسْجُدِ
وَنَبَتْ به الأوطان فهْوَ بِغُرْبَةٍ / ما بينَ أعداءٍ يَسيرُ وحُسَّدِ
أنفاسه تُحصَى عليه وعلم ما / يفضى إليه غدا له حُكمُ الغدِ
أبَداً تَرَاهُ واجِداً أَوْ عادِماً / في حَيْرَةٍ لَقْطَاتُها لم تُنْشَدِ
يُمسِي ويُصْبِحُ مُتْهِماً أَوْ مُنْجِداً / لِمعادِهِ معَ مُتْهِمٍ أَوْ مُنْجِدِ
يَرْمِي به سَهْلاً وَوَعْراً زاجِراً / بَطْنُ المِسَنِّ به كَظَهْرِ المِبْرَدِ
مُتَخَوِّفاً منه المصيرَ لِمَنْزِلٍ / مُسْتَوْبِل المَرْعَى وبيل المَوْرِدِ
ما إنْ رأى الجاني به أَعْمالَه / إِلَّا تَمَنَّى أنَّه لَم يولَدِ
حَسْبي لَهُ حُبُّ النبيِّ وآلِهِ / عِنْدَ الإِلهِ وسيلَةً لَمْ تُرْدَدِ
فإذا أجَبْتَ سؤالَهَ فِي آلِهِ / سَل تُعْطَ واسْتَمْدِد فَلاحاً تُمْدَدِ
وأْمَنْ إذا قامَ النبيُّ مَقَامَهُ ال / مَحْمُودَ في الأمرِ المُقيمِ المُقْعِدِ
وتَزَوَّدِ التَّقْوَى فإن لم تستطعْ / فمِنَ الصلاة على النبيِّ تَزَوَّدِ
صلّى عليه اللَّهُ إن صلاةَ مَنْ / صلّى عليه ذَخيرةٌ لم تَنْفَدِ
واسمَعْ مَدائحَ آلِ بيتِ المصطفى / مِنى ودونَكَ جَمْعُها في المُفرَدِ
صِنوُ النبيِّ أَخُو النبيِّ وزِيرُهُ / وَوَليُّهُ فِي كلِّ خَطْبٍ مُؤْيِدِ
جَدُّ الإِمامِ الشَّاذِليِّ المُنْتَمي / شَرَفاً إليهِ لِسَيِّدِ عَنْ سَيِّدِ
أسماؤُهم عِشْرُونَ دُونَ ثَلاثَةٍ / جاءتْ على نَسَقٍ كأحْرُفٍ أَبْجَدِ
لِعلِيّ الحَسَنُ انْتَمَى لِمُحمَّدٍ / عيسى وسِرُّ مُحَمَّدٍ في أَحْمَدِ
وَاخْتارَ بَطَّالٌ لِورْدٍ يُوشَعاً / وبِيُوسُفٍ وافَى قُصَيٌّ يَقْتَدِي
وبِحاتمٍ فُتِحَتْ سِيادَةُ هُرْمُزٍ / وغَدا تَمِيمٌ لِلْمَكَارِمِ يَهْتَدِي
وبِعَبْدِ جَبَّارِ السمواتِ انْتَضَى / لِلْفَضْلِ عبد اللَّهِ أيَّ مُهَنَّدِ
وأتَى عَليٌّ في العُلا يَتْلُوهم / فاختِمْ به سُوَرَ العُلا والسُّؤْدُدِ
أعْنِي أَبا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى / مِنْ هَاشِمٍ والشَّاذِليَّ المَوْلِدِ
إنَّ الإِمامَ الشَّاذِليَّ طَرِيقُهُ / فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فانْقُلْ ولوْ قَدَماً عَلَى آثارِهِ / فإذَا فَعَلْتَ فَذاكَ آخَذُ بالْيَدِ
واسْلُكْ طَرِيقَ مُحَمَّدِيِّ شَرِيعَةٍ / وَحَقِيقةٍ ومُحَمَّديِّ المَحْتِدِ
مِنْ كلِّ ناحِيَةٍ سَنَاهُ يَلوحُ مِن / مِصْبَاحِ نورِ نُبُوَّةٍ مُتَوَقِّدِ
فَتْحٌ أتى طُوفانُهُ بِمَعَارِفٍ / تَنُّورُها جُودِيُّ كلِّ مُوَحِّدِ
قد نالَ غَايَةَ ما يَرُومُ المُنْتَهِي / مِنْ رَبِّهِ وَلهُ اجتهادُ المُبْتَدِي
مُتَمَكِّنٌ في كلِّ مَشْهَدِ دَهْشَةٍ / أَوْ وَقْفَةٍ ما فَوْقَهَا مِنْ مَشْهَدِ
مَنْ لا مَقَامَ لَهُ فإنَّ كمالَهُ / لِلنَّاسِ يُرْجِعُهُ رُجُوعَ مُقَلِّدِ
قُلْ لِلْمُحَاوِلِ في الدُّنُوِّ مَقَامَهُ / ما العَبْدُ عندَ اللَّهِ كالمُتَعَبِّدِ
وَالفضلُ ليسَ يَنالُهُ مُتَوَسِّلٌ / بِتَوَرُّعٍ حَرِجٍ وَلا بِتَزَهُّدِ
إنْ قَالَ ذاكَ هُوَ الدَّوَاءُ فَقُلْ لهُ / كُحْلُ الصَّحِيحِ خِلافَ كُحْلِ الأرْمَدِ
يَمْشي المُصَرِّفُ حيثُ شَاءَ وغيْرُهُ / يمشِي بحُكْمِ الحَجْرِ حُكْمَ مُصَفَّدِ
مَنْ كانَ منكَ بمنْظَرٍ وَبِمَسْمَعٍ / أيُحَالُ منه عَلَى حدِيثٍ مُسْنَدِ
لِكِلَيْهِمَا الحُسْنَى وَإنْ لم يَسْتَوُوا / في رُتْبَةٍ فَقَد اسْتَوَوْا في الموْعِدِ
كلٌّ لِما شاء الإِلهُ مُيَسَّر / والنَّاسُ بَيْنَ مُقَرَّب وَمُشَرَّدِ
وإذَا تَحَقَّقَتِ العنايَةُ فاسْتَرِحْ / وإذَا تَخَلَّفَتِ العنايةُ فاجْهَدِ
أَفْدِي عَلِيّاً في الوجودِ وَكلُّنَا / بِوُجودِهِ مِنْ كلِّ سوءٍ نَفْتَدِي
قُطْبُ الزَّمانِ وغَوْثُهُ وإمامُهُ / عَيْنُ الوجُودِ لسانُ سِرِّ المُوجِدِ
سادَ الرِّجالَ فَقَصَّرَتْ عَنْ شَأْوِهِ / هِمَمُ المُؤَوِّبِ لِلْعُلا وَالمُسْئِدِ
فَتَلَقَّ ما يُلْقِي إليكَ فَنُطْقُهُ / نُطْقٌ بِرُوحِ القُدْسِ أَيُّ مُؤَيِّدِ
إمَّا مَرَرْتَ على مكانِ ضَرِيحِهِ / وَشَمِمْتَ رِيحَ النَّدِّ مِنْ تُرْبِ النَّدِ
وَرأيتَ أرْضاً فِي الفَلا مُخْضَرَّةً / مُخْضَلَّةً منها بِقاعُ الفَدفَدِ
والوحشُ آمِنَةٌ لَدَيهِ كَأَنَّها / حُشِرَتْ إلى حَرمٍ بأَوَّلِ مَسْجِدِ
وَوَجدْتَ تَعْظِيماً بِقَلْبِكَ لَوْ سَرَى / في جَلْمَدٍ سَجَدَ الوَرَى لِلجَلمَدِ
فَقُلِ السَّلامُ عليكَ يا بَحْرَ النَّدَى ال / طامِي ويا بَحْرَ العلومِ المُزْبِدِ
يا وارثاً بالفَرْضِ عِلْمَ نَبِيِّهِ / شَرَفاً وبالتَّعْصِيبِ غيرَ مُفَنَّدِ
الْيَوْمَ أَحْمَدُ مِنْ عَلِيٍّ وارِثٌ / حَظَّي عَلِيٍّ مِنْ وِراثَةِ أَحْمَدِ
يُعزَى الإِمامُ إلَى الإِمامِ وَيَقْتَدِي / للمُقْتَدى بِهُدَاهُ فضلُ المُقْتَدِي
وَالمَرءُ في مِيراثِهِ أتْبَاعُهُ / فاقْدِرْ إِذَنْ فضلَ النبيِّ مُحَمَّدِ
خيرِ الوَرَى صلَّى عليه اللَّه ما / صَدَعَ الأَسَى قَلْبَاً بِسَجْعِ مُغَرِّدِ
وسَرَى السُّرُورُ إلَى القلوبِ فَهَزَّها / مَسْرَى النَّسيمِ إلَى القَضيبِ الأمْلَدِ
شَوْقاً لِمُرْسِيَةٍ رَسَتْ آساسَها / بعَلِي أَبي العَبَّاسِ فَوْقَ الفَرْقَدِ
اليَوْمَ قَامَ فَتَى عَلِيٍّ بَعْدَهُ / كَيمَا يُبَلِّغَ مُرْشِداً عَنْ مُرْشِدِ
فكأَنَّ يُوشَعَ بعدَ موسى قائمٌ / بِطَرِيقِهِ المُثْلَى قِيامَ مُؤَكِّدِ
فليقصِدِ المُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلِهِ / دارَ البقاءِ مِنَ الطَّرِيقِ الأَقْصَدِ
فإذَا عزمْتَ على اتِّباعِ سَبِيلِهِ / فَاسْمَعْ كلامَ أَخِي النَّصيحَةِ ترْشُدِ
فنِظَامُ أعْمَالِ التُّقَى آدَابُها / فاصْحَب بها أهْلَ التُّقَى والسُّؤْدَدِ
وَتَجَنَّبِ التَّأْوِيلَ في أقْوالِ مَنْ / صاحَبْتَ مِنْ أهْلِ السعادَةِ تَسْعَدِ
قدْ فرَّقَ التأوِيلُ بَيْنَ مُقَرَّبٍ / يَوْمَ السُّجُودِ لآدَمٍ ومُبَعَّدِ
وَحَذارِ أنْ يَثِقَ المُرِيدُ بِنَفْسِهِ / وَاحْزِمْ فما الإِصْلاحُ شَأْنُ المُفْسِدِ
فالوَصْفُ يَبْقَى حُكْمُهُ مَع فَقْدِهِ / وَالمَرْءُ مَرْدُودٌ إذَا لَمْ يُفْقَدِ
إنَّ الضَّنِينَ بِنَفسِهِ فِي الأرضِ لا / يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وليسَ بمُصعِدِ
ويظُنُّ إنْ رَكَدَتْ سفينَتُهُ عَلَى / أمْوَاجِها ورِياحِها لَمْ تَرْكُدِ
فاصْحَبْ أَبا العَبَّاسِ أحمدَ آخِذاً / يَدَ عارِفٍ بِهَوَى النُّفُوسِ مُنَجِّدِ
فإذَا سَقَطْتَ عَلَى الخَبير بِدَائها / فَاصْبِرْ لِمُرِّ دَوَائِهِ وَتَجَلَّدِ
وإذَا بَلَغْتَ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ مِنْ / عِلْمَيْهِ فانْقَعْ غُلَّةَ القَلْبِ الصَّدِي
فَمَتى رَأى مُوسى الإِرادَةَ عِندَهُ / خِضرُ الحقيقةِ نَالَ أَقصى المَقصدِ
وإذَا الفَتَى خُرِقَتْ سَفِينَةُ جِدِّهِ / لَنَجَاتِهَا وجَدَ الأَسَى غيرَ الدَّدِ
وتَبَدَّلَتْ أَبَوا الغُلامِ بِقَتْلِهِ / بأبرَّ مِنهُ لِوَالِدَيْهِ وأَرْشَدِ
وَأُقِيمَ مُنْتَقَضُ الجِدارِ وَتَحْتَهُ / كَنْزُ الوُصُولِ إِلى البقاءِ السَّرْمَدِي
فلْيَهنِ جَمْعاً في الفِراقِ ووُصْلةً / مِنْ قاطِعٍ وترَقِّياً مِنْ مُخْلِدِ
مُغْرىً بِقَتْلِ النَّفْسِ عَمْداً وهْوَ لا / يُعْطَى إلى القَوَدِ القِيادَ ولا الْيَدِ
للَّهِ مَقْتُولٌ بِغَيرِ جِنايَةٍ / كَلِفٌ بِحُبِّ القاتِلِ المُتَعَمِّدِ
ما زالَ يَعْطِفُها عَلَى مَكْرُوهِها / حتَّى زَكَتْ وَصَفَتْ صفَاءَ العَسْجَدِ
وأُجِيبَ داعِيها لِرَدِّ مُشَرَّدٍ / مِنْ أمْرِها طَوْعَاً وَجمْعِ مُبَدَّدِ
لَمْ تَتْرُكِ التَّقْوَى لها مِنْ عادَةٍ / أُلِفَتْ ولا لِمَريضها مِنْ عُوَّدِ
فَلْيَهْنِ أَحْمَدَ كيمياءُ سَعَادَةٍ / صَحَّتْ فلا نارٌ عليه تَغْتَدِي
جَعَلَتْهُ لَمْ يَرَ لِلْحَقيقةِ طالباً / إِلَّا يَمُدُّ إليهِ راحَةَ مُجْتَدِي
كلٌّ يَرُوحُ بِشُرْبِ راحِ عُلُومِهِ / طَرَباً كَغُصْنِ البانَةِ المُتأَوِّدِ
ضَمنَ الوقارَ لها اعْتدالُ مِزاجِها / فَشَرَابُها لا يَنْبَغِي لِمُعَرْبِدِ
فَضَحَتْ مَعارِفُها مَعارِفَ غَيرِها / والزَّيْفُ مَفْضُوحٌ بِنَقْدِ الجَيِّدِ
كَشَفَتْ لهُ الأَسْماعُ عَنْ أَسرارِها / فإذَا الوُجُودُ لِمقْلَتَيهِ بِمَرْصَدِ
وأَرَتْهُ أسبابَ القضاء مُبِينَةً / للمستَقيمِ بِعِلْمِها وَالمُلْحِدِ
تَأبَى علُومُكَ يا فَتَى غَيْرَ التي / هيَ فَتْحُ غَيْبٍ فَتْحُهُ لَمْ يُسدَدِ
قُل لِلَّذينَ تَكلَّفوا زِيَّ التُّقى / وَتَخيَّروا لِلدَّرسِ أَلفَ مُجَلَّدِ
لا تَحْسَبُوا كُحْلَ العُيُونِ بِحِيلةٍ / إنَّ المَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ بالإِثْمِدِ
ما النَّحْلُ ذَلَّلَتِ الهِدَايَةِ سُبْلَها / مِثْلَ الحَمِيرِ تَقُودُها لِلْمَوْرِدِ
مَنْ أَمْلَتِ التَّقْوَى عليهِ وأَنْفَقَتْ / يَدُهُ مِنَ الأَكوانِ لا مِنْ مِزْوَدِ
وأَبِيكَ ما جَمَعَ المَعالِيَ وادِعاً / جَمْعَ الأُلوفِ مِنَ الحِسابِ عَلَى اليَدِ
إلَّا أبو العبَّاسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / أكْرِمْ به فِي عَصرِهِ مِنْ أَوْحَدِ
أفْنَتْهُ فِي التَّوْحِيدِ هِمَّةُ ماجِدٍ / شَذَّتْ مَقَاصِدُها عَنِ المُتَشَدِّدِ
ساحَتْ رجالٌ في القِفَارِ وإنّه / لَيَسِحُ في مَلَكُوتِ طَرْفٍ مُسْهَدِ
ولهُ سرائرُ في العُلا خَطَّارَةٌ / خَطَّارُها ورِكابُها لم تُشْدَدِ
فالمستقيم أخو الكَرَامَةِ عندَهُ / لا كلُّ مَنْ رَكِبَ الأُسودَ بأسْوَدِ
وَأجَلُّ حالِ مُعاملٍ تَبَعِيَّة / أُخِذَتْ إلى أَدَبِ المُرِيدِ بِمِقْوَدِ
فأَتى مِنَ الطُّرقِ القَرِيبِ مَنَالُها / وأتى سِواهُ مِنَ الطَّرِيقِ الأَبْعَدِ
سَيْفٌ مِنَ الأَنْصَارِ ماضٍ حَدُّهُ / فاضرِبْ بهِ في النَّائِبَاتِ وهَدِّدِ
أُثْنِي عليه بِبَاطِنٍ وبِظاهِرٍ / لا سِرَّ منه بِمُغْمَدٍ ومُجَرَّدِ
مِنْ مَعْشَرٍ نَصَرُوا النبيَّ وسابَقوا / مَعَهُ الرِّيَاحَ بِكلِّ نَهْدٍ أَجْرَدِ
وَثَنَوْا أَعِنَّتَهُمْ وقد تَرَكُوا العِدا / بالطَّعْنِ بَيْنَ مُجَدَّلٍ ومُقَدَّدِ
مِنْ كلِّ ذِمْرٍ كالصَّبَاحِ جَبِينُه / ذَرِبٌ بِخَوْضِ المُعْضِلاتِ مُعَوَّدِ
وبِكَلِّ أَسْمَرَ أَزْرَقٍ فُولاذُهُ / وبِكُلِّ أَبيضَ كالنَّجِيعِ مُوَرَّدِ
شَهِدَ النَّهَارُ لِفَاضِلٍ بمُسَدَّدِ / مِنْ رأيِه ولِطاعِنٍ بمُسَدِّدِ
وتَمَخَّضَتْ ظُلَمَ اللَّيَالِي منهمُ / عَنْ رُكَّعٍ لا يَسْأَمُونَ وسُجَّدِ
خافَ العَدُوُّ مَغِيبَهُم لِشُهُودِهِم / والموتُ يَكْمُنُ فِي الحُسامِ المُغْمَدِ
السَّاتِروا العَوْرَاتِ مِنْ قَتْلَى العِدا / يَوْمَ الحَفيظَةِ بالقَنا المُتَقَصِّدِ
والطَّاعِنُوا النَّجلاءَ يُدْخِلُ كَفَّهُ / في إثْرِها الآسي مكانَ المِرْوَدِ
سَلْ مِنْ سَلِيلِهمُ سُلوكَ سَبيلِهِمْ / يُرْشِدْكَ أحمدُ للطَّرِيقِ الأحمدِ
مُسْتَمْطِراً بَرَكاتِهِ مِنْ رَاحَةٍ / أنْدَى مِنَ الغَيثِ السَّكُوبِ وأَجْوَدِ
فَمَوَاهِبُ الرَّحْمنِ بين مُصَوَّبٍ / منها لِراجِي رحمَةٍ ومُصَعَّدِ
يا مَنْ أَمُتُّ لهُ بِحِفظِ ذِمامِهِ / وبِحُسْنِ ظنِّي فيهِ لِي مُسْتَعْبِدِي
مَوْلايَ دُونَكَ ما شَرَحْتُ بِوَزْنِهِ / وَرَوِيِّهِ قَلْبَ الكئيبِ الأكْمَدِ
فاقبَل شِهابَ الدِّينِ عُذْرَ خَرِيدَةٍ / عَذْرَاءَ تُزْرِي بالعَذَارَى النُّهَّدِ
مَعْسُولَةٍ ألفاظُها مِنْ كامِلٍ / أَبرِد حَشىً مِنْ رِيقِها بِمُبَرَّدِ
طَلَعَتْ مَجَرَّةُ فضلها بِكَواكِبٍ / دُرِّيَّةٍ مَحْفُوفَةٍ بالأَسْعدِ
رَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ منها مارِدٌ / لَمَّا أتَتْكَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْ مَقْعَدِ
مِنْ مَنْهَلٍ عَذْبٍ صَفا سلْسَالُهُ / لا مِنْ صَرىً يَشْوِي الوُجُوهَ مُصَرَّدِ
بَعَثَتْ إليكَ بها بواعِثُ خاطِرٍ / مُتَحَبِّبٍ لِجَنابِكُمْ مُتَوَدِّدِ
صادَفْتُ دُرّاً مِنْ صِفاتِكَ مُثْمَناً / فأَعَرْتُهُ منِّي صفَاتِ مُنَضِّدِ
جاءتْ تُسَائِلُكَ الأمانَ لِخائفٍ / مِنْ رِبْقَةٍ بِذُنُوبِهِ مُتَوَعِّدِ
فاضْمَنْ لها دَرْكَ المعادِ ضمانَها / بالفَوْزِ عنكَ لِسَامِعٍ وَلِمُنْشِدِ
فإذا ضَمِنْتَ لهُ فليسَ بِخائِفٍ / مِنْ مُبْرِقٍ يَوْماً ولا مِنْ مُرْعِدِ
جاهُ النبيِّ لِكُلِّ عاصٍ واسِعٌ / والفضلُ أَجدرُ باقتراحِ المُجتَدِي
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ / فأَخُو السِّيَادَةِ أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ
الصاحبُ ابن الصاحب ابن الصاحب ال / حبْرُ الهُمَامُ السَّيِّدُ ابنُ السَّيِّدِ
لا تُشْرِكَنَّ به امرأ في وَصْفِهِ / فتكونَ قد خالفْتَ كلَّ مُوَحِّدِ
الشَّمسُ طالعةٌ فهل من مُبْصِرٍ / والحَقُّ مُتَّضِحٌ فهل من مُهْتَدِي
إنَّ الفَتَى مَنْ سَوَّدَتْهُ نفْسُهُ / بالفضلِ لا مَنْ سادَ غيرَ مُسوَّدِ
والناسُ مُخْتَلِفُوا المذاهِبِ في العُلا / والمَذْهَبُ المُخْتارُ مذْهَبُ أحمدِ
وفَّى عُلومَ الأوّلين حُقوقَها / والآخِرِينَ وَفاءَ مَنْ لم يَجْحَدِ
فكأنَّه فينا خليفةُ آدمٍ / أوْ آدَمٌ لو أنَّهُ لم يُولَدِ
أفضَى به علْمُ اليَقِينِ لعَيْنِهِ / وَرَآهُ حَاسِدُهُ بعَيْنَيْ أَرْمَدِ
كُشِفَ الغِطَاءُ لهُ فليسَ كحائرٍ / في دينِهِ مِنْ أَمْرِهِ مُتَرَدّدِ
قد كانَ يَحكمُ في الأُمورِ بِعِلْمِهِ / شَهِدَ المُحقُّ لديْهِ أَمْ لم يَشْهَدِ
لولا يُخاطِبُنَا بِقَدْرِ عُقُولِنَا / جَاءتْ معارفُهُ بما لم نَعْهَدِ
ورِثَ النُّبُوَّة فَلْيَقُم كَقِيامِهِ / مَنْ حَاوَلَ الميراثَ أَوْ فَلْيَقْعُدِ
فلِسَانُهُ العَضْبُ الحُسامُ المَنْتَضَى / وَبَيَانُهُ بَحْرٌ خِضَمُّ المُزْبِدِ
وَبَصِيرَةٌ باللَّهِ يُشْرِقُ نورُها / ويُضِيءُ مثلَ الكَوْكَبِ المُتَوَقِّدِ
وخَلائِق ما شابَها مَنْ شانَها / فأتَتْ كماءِ المُزْنِ في قَلْبِ الصَّدِي
فَلِبَابِ زَيْنِ الدِّينِ أحمدَ فلْيَسِر / مَنْ كانَ بالأَعْذَار غيرَ مُقَيَّدِ
هوَ كعْبَةُ الفضلِ الذي قُصَّادُهُ / قد حَقَّقُوا منه بُلوغَ المَقْصِدِ
لَمَّا وَرَدْتُ عَلَى كَرِيمِ جَنَابِهِ / فوَرَدْتُ بَحْرَ الْجُودِ عَذْبَ المَوْرِدِ
ورَأَيْتُ وَجْهَاً أَشْرَقَتْ أَنْوَارُهُ / فأَضَاءَ مثلَ الكوكَبِ المُتَوَقِّدِ
أعْرَضْتُ عَنْ لهْوِ الحَدِيثِ وقُلْتُ يا / مَدْحَ الوَرَى عنِّي فمَا أَنَا مِنْ دَدِ
وَعَزَمْتُ في يَوْمِي عَلَى العَمَلِ الّذي / ألقاهُ لي نعْمَ الذَّخيرةُ في غَدِ
مَدْحٌ إذَا أعْمَلْتُ فيه مِقْوَلِي / جَاهَدْتُ عن دينِ الهُدَى بِمُهَنَّدِ
أَبْقَى لهُ الذِّكْرَ المُخَلَّدَ عِلْمُهُ / أنْ ليس في الدُّنْيَا امرُؤٌ بِمُخَلَّدِ
فَاسْتُنْفِدَتْ بوجودِهِ آمالُهُ / وَاخْتَارَ عندَ اللَّهِ ما لم يَنْفَدِ
شُغِفَتْ بِهِ الدُّنْيَا وآثَرَ أُخْتَهَا / حُبَّاً فَأَوْهَمَ رَغْبَةً بِتَزَهُّدِ
وأتى عليها جُودُه فكأَنّها / لهَوانِهَا في نفسه لم تُوجَدِ
فإذَا نَظَرْتَ إلى مقاصِدِهِ بهَا / أَبْدَتْ إليكَ حَقيقةَ المُتَجَرِّدِ
كلِفٌ بمَا يَعْنِيهِ مِنْ إسعادِ ذِي ال / حَاجَاتِ في الزَّمَنِ القَليلِ المُسْعِدِ
يَطْوِي مِنَ التَّقْوَى حَشَاهُ عَلَى الطَّوَى / وَيَبِيتُ سَهْرَانَاً مُقَضَّ المَرْقَدِ
وَيَغُضُّ مِنْ مَغْسُولَتَيْنِ بِدَمْعِهِ / مَكْحُولَتَيْنِ مِنَ الظَّلامِ بإثْمِدِ
عَوِّلَ عليه في الأُمورِ فإنَّهُ / أهلُ الغَرِيبِ وبَيْتُ مالِ المُجْتَدِي
وَاسْتَمْطِرِ البركاتِ مِنْ دَعَوَاتِهِ / حيث استقَلَّ سحَابُ راحَتِهِ النَّدِي
واسمعْ لِمَا يُوحَى مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي / يُشْجِي القلوبَ لَوَ انَّها مِنْ جَلْمَدِ
صَدَرَتْ جَواهِرُ لفظِهِ مِنْ باطِنِ / صافِي التُّقَى مِثْلِ الحُسامِ الْمُغْمَدِ
فأراكَهُ سِحر البيانِ مُنَضَّدَاً / بِيَدِ البَلاغَةِ وَهْوَ غيرُ مُنَضَّدِ
مُتَحَلِّياً بِجَوَامِعِ الكَلِمِ التي / يُعْنَى بها حَدِبٌ عناءَ تَجَلُّدِ
فالقَصُّ منه إذا أتَاكَ تَعَدَّدَتْ / منه المعاني وَهْوَ غيرُ مُعَدَّدِ
قُلْ لِلإِمَامِ المُقْتَدَى بِعُلُومِهِ / قد فَازَ مَنْ أَضْحَى بِرَأْيِكَ يَقْتَدِي
يَا مَنْ يُرَاعِي للفضيلةِ حَقَّهَا / لِتَلَذُّذٍ بِالفَضْلِ لا لِتَزَيُّدِ
لمْ تُصْغِ لِلْعُلَمَاءِ إِلَّا مِثْلَمَا / أَصْغَى سُلَيْمَانٌ لِقَوْلِ الهُدْهُدِ
عَجِبَتْ لِزُهْدِكَ في الوزارةِ مَعْشَرٌ / فأَجَبْتُهُمْ عَجَباً إذَا لم يَزْهَدِ
ما ضَرَّ حبرَاً قَلَّدَتْهُ أَئِمَّةٌ / أَن لم يكنْ لِمَنَاصِبٍ بمُبَلَّدِ
وإذا سما باسْمِ العلومِ فلا تَسَلْ / عَن حَطِّ نَفْس بالحَضِيضِ الأَوْهَدِ
ما المَجْدُ إِلَّا حِكْمَةٌ أُولِيتَهَا / يَنْحَطُّ عنها قدر كلِّ ممجَّدِ
يا رُتْبَةً لا تُرْتَقَى بِسَلالِمٍ / وسيادَةً ما تُشْتَرَى بالعَسْجَدِ
خيرُ المناصِبِ ما العُيُونُ كَلِيلَةٌ / عنه وما الأَيدِي له لمْ تُمْدَدِ
مَوْلايَ دونَكَ مِنْ ثنائِي حُلَّةٌ / تُبْلِي مِنَ الأَيّامِ كلَّ مُجَدَّدِ
جَاءَتْ مُسَارِعَةً إليكَ بِسَاعَةٍ / سَعِدَتْ مُطالِعَةً وإنْ لمْ تُرْصَدِ
يَوْمُ اتِّصَالٍ بالأَحِبَّةِ حَبَّذا / يَوْمٌ به انْقَطَعَتْ قلوبُ الحُسَّدِ
ما سُيِّرَتْ ما بَيْنَ يوسُفَ مِثْلَمَا / قد سُرَّ فيه أَحْمَدٌ بِمُحَمَّدِ
يا حَبَّذا مَدْحٌ لآِلِ مُحَمَّدٍ / دونَ التَّغَزُّلِ في غَزَالٍ أَغْيَدِ
إنَّ الجَلالَةَ مُنْذُ رُمْتُ مَدِيحَكم / لم تَرْضَ لي ذكرَ الحِسَانِ الخُرَّدِ
فاللَّهُ يَجْمَعُ شَمْلَكُمْ ساداتِنا / جَمْعَ السلامَةِ في نعيمٍ سَرْمَدِ
إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَةِ عيسى
إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَةِ عيسى / فَلطالما أَنْضَتْ إليه العِيسا
وحَظِيتُ بَعْدَ اليَأْسِ بالخِضرِ الَّذي / ما زالَ يَرْقَى أَوْ حَكَى إدْرِيسا
لولا وُجُودُ الصَّاحِبَينِ كِلَيهِما / صارتْ بُيُوتُ العالَمِينَ رُمُوسا
كَم قُلتُ لَمَّا أَنجَبَ الأبُ ابنَهُ / لا غَروَ أَن يَلِدَ النَّفِيسُ نَفِيسا
للَّهِ شَمْسُ الدِّينِ شَمْسٌ أَطلَعَت / فينا بُدُوراً لِلْهُدَى وَشُمُوسا
رَدَّتْ لنا يَدُهُ الغضُوبَ وأَسكَنَت / بالعَدْلِ آرامَ الكِناسِ الخِيسا
أَغْنَتْ مكارِمُهُ الفقيرَ وَأَطعَمَت / مَنْ كانَ مِنْ خَيْرِ الزَّمانِ يَؤُوسا
حبرٌ تَصَدَّرَ لِلنَّوالِ فَلَم يَزَل / يَتلو عليه مِنَ المَدِيحِ دُرُوسا
دُعِيَ ابنُ سِينا بالرَّئِيسِ وَلوْ رَأَى / عيسى لَسَمَّى نَفْسَهُ المَرؤُوسا
وَحَسِبْتُهُ مِنْ بأَسِهِ وَذَكائِهِ / بَهْرَامَ قارَنَ في العُلا بَرجِيسا
مِن مَعشَرٍ لَيُسَارِعُونَ إلى الوَغَى / مُتنازِعِينَ مِنَ الحِمامِ كُؤُوسا
لُدُّ الخِصامِ إذا تَشاجَرَتِ القَنا / لَمْ يَجْعَلوا لهُمُ الحَديدَ لَبُوسا
وأَخُو البَسَالَةِ مَنْ غَدا بِذِراعِهِ / لا دِرْعِهِ يَوْمَ الوَغَى مَحْرُوسا
يُوفُون ما وعَدُوا كَأَنَّ وُعُودَهم / كانَتْ يَمِيناً بالوفاء غَمُوسا
يَا أيُّها الموْلَى الوَزِيرُ ومَنْ لَهُ / حِكَمٌ أغارَتْ منه رَسْطاليسا
هُنِّيتَ تَقْليداً أتاكَ مُجَدِّدَاً / لِلناسِ مِنْ سُلطانِهم نامُوسا
أُرسِلتَ منه لِلخَلائِقِ رَحْمَةً / عَمَّتْ قِياماً منهمُ وجُلوسا
وكأنَّ قارِئَهُ بِيَوْمِ عَرُوبَةٍ / لَكَ يُعْرِبُ التَّسْبِيحَ والتقْدِيسا
ونَظمتَ شَملَ المُلكِ بالقَلَمِ الّذي / حَلَّيْتَ منه للسُّطورِ طُروسا
وبِسَتْرِكَ العَوْراتِ قد كَشفَ الوَرَى / لَكَ بالدُّعاءِ المُسْتَجابِ رُؤُوسا
مِنْ كُلِّ مَشْدُودِ الخِناقِ بِكُرْبَةٍ / نَفَّسْتُ عنه خِناقَهُ تَنْفِيسا
أَطفَأتَ نِيرانِ العَداوةِ بَعْدَما / أوطَأتَ منها المُوقِدِين وَطيسا
وَأَرَحتَهُم مِن فِتنَةٍ تَحيي لهُم / في كُلِّ يَوْمٍ داحِساً وبَسُوسا
هَلَكَتْ جَدِيسُ وطَسْمُ حِينَ تعادَتا / وكأَنَّ طَسْماً لَم تكن وجَدِيسا
يا ابنَ الذي يَلقَ الفَوارِسَ باسماً / حاشاكَ أنْ تَلْقَى الضُّيوفَ عَبُوسا
سَعِدَتْ بِكَ الجُلساءُ فاحذَر بَعْضَهُم / فَلَرُبَّما أعْدَى الجَليسُ جَليسا
بَخَسُوا ضيوفَ اللَّهِ عِنْدَكَ حَظَّهُم / لا كانَ حَظُّكَ عندهم مَبْخُوسا
وأُعِيذُ مَجْدَكَ أنْ يكونَ بِطائِفٍ / مِنْ حاسِدٍ بِنَمِيمَةٍ مَمسوسا
فاللَّهُ عَلَّمَ كلَّ عِلمٍ آدَماً / وأطاعَ آدَمُ ناسِياً إبلِيسا
إنَّ المُرَاحِلَ مَنْ أَضاعَ أُجُورَهُ / واعتاضَ عنها بالنَّفيسِ خسيسا
فارغَب إِلى حُسْنِ الثَّنَاءِ فإِنَّه / لا يستوي في الذِّكْرِ نِعمَ وبِيسا
ما أنتَ مِمَّن تَستَبِيحُ صُدُورُهُم / حِقْداً ولا أعراضُهُم تَدْنِيسا
أدعُوكَ لِلصَّفحِ الجَميلِ فإن تُجِب / أحكَمتَ بُنياناً عَلا تَأسِيسا
ومِنَ السياسةِ أنْ تكونَ مُراعياً / للصالِحينَ تَبَرُّهم وتَسوسا
قَوْمٌ إذا انْتُدِبوا لِيُوْمِ كَرِيهَةٍ / ألْفَيْتَ واحِدَهُمْ يَرُدُّ خَمِيسا
تَاللَّهِ ما خابَ امْرُؤٌ مُتَوَسِّلٌ / بالقَوْمِ فِي النُّعْمَى ولا في البُوسَى
ولقد أتَيْتُكَ باليَقِين فلا تَخَل / قَوْلِي ظُنُوناً فيهم وحُدُوسا
وَرَأيتُ منهم ما رأيتُ لِغَيرِهم / وأقَمْتُ دَهراً بينهم جاسوسا
مَنْ كانَ مُلْتَبِساً عليه حدِيثُهم / أَذهبتُ عنه منهمُ التَّلبِيسا
ما ضرَّهم قول المُعانِدِ إنهمْ / بِفِعَالِهِم أقوى الأنامِ نُفُوسا
كَم ذَمَّهُم جَهلاً وَأَنكَرَ حالَهُم / قَوْمٌ يَلُونَ الحُكْمَ والتَّدرِيسا
فَرَدَدْتُ قَوْلَهُم بِقوْلِي ضارِباً / مَثَلاً على الخَضِرِ السَّلامُ وموسى
وعلى سُلَيْمانَ النبيِّ فإنَّه / أغْرَى رِحالَيْهِ على بَلقِيسا
وَعلى فَتَى الحَسَنِ الذي سَطَوَاتُهُ / مَرَّت على الأَعداءِ مَرَّ المُوسى
يا رُبَّ ذِي عِلْمٍ رَأى نُصْحِي لَهُ / فأجابَني أتُطِبُّ جالِينُوسا
لَمْ يَدْرِ أنّي كلَّما اسْتَعطَفْتُهُ / كانَ الحَديدَ وكنتُ مِغْناطِيسا
لو كُنتُ أَرْضَى الجاهليَّة مِثْلَهُ / أَمْلَيْتُ ما مَلأَ القلوبَ نَسِيسا
وَنَفَخْتُ نارَ عَداوةٍ لا تُصْطَلَى / بَلْ لا يُطِيقُ لها العَدُوُّ حَسيسا
لَمْ يُبْقِ لِي خَوْفُ المَعادِ مُعادِياً / فَيَهِيجَ مَنِّي لِلْهِياجِ رَسِيسا
أوَ ما تَرَى حُبَّ السَّلامَةِ جاعِلِي / أُلْقِي السَّلامَ مُسالِماً والكِيسا
أمُكَلِّفِي نَظْمَ النَّسِيبِ وَقد رَأى / عُودَ الشَّبابِ الرَّطْب عادَ يَبِيسا
أمَّا النَّسِيبُ فما يُناسِبُ قَوْلُهُ / شَيْخاً أَبَدَّ مُعَمَّراً مَنْكُوسا
ما هَمَّ يَخْضِبُ شَيْبَهُ مُتَشَوِّقاً / زَمَنَ الصِّبا إلّا اتَّقَى التَّدْلِيسا
لَمَّا رَأى زَمَنَ الشبيبَةِ مُدْبِراً / نَزَعَ السُّرَى وتَدَرَّعَ التَعْرِيسا
مَضَتِ الأحِبَّةُ والشَّبابُ وخَلَّفَا / لِيَ الادِّكَارَ مُسامِراً وَأنِيسا
أذْكَرْتَنِي عَهْدَ الطِّعانِ فَلَم أجِد / رُمْحاً أَصُولُ بِهِ وَلا دَبُّوسا
أيَّامَ عَزْمِي لا تَفُوتُ سهامُهُ / غَرَضاً وسَهْمِي جُرْحُهُ لا يُوسَى
ثَنَتِ السُّنُونَ سِنانَ صَعْدَتِيَ الَّتي / لم تَلْقَ رادِفَةً ولا قَرْبُوسا
فَقَناةُ حَرْبِي لا أُرِد تَقْوِيمَها / لِلطَّعْنِ إلّا رَدَّها تَقْوِيسا
بالأمْسِ كانَ لَهُ الشَّمُوسَ مُذَلَّلاً / واليَوْمَ صارَ لهُ الذَّلولُ شَمُوسا
لا دَرَّ دَرُّ الشَّيْبِ إنَّ نُجومَهُ / تَذَرُ السَّعِيدَ مِنَ الرِّجالِ نَحيسا
كيفَ الطَّرِيقُ إلى اجتماعٍ جاعِلٍ / بَيْتَ الفِراشِ بِساكِنٍ مَأْنُوسا
لو كانَ لي في بَيْتِ خالِي نُصْرَةٌ / جَمَعَتْ نَقِيَّ الخَدِّ والإِنكِيسا
ونَصِيحَةٍ أَعرَبتُ عنها فانثَنَت / كالصُّبْحِ يَجْلُو ضَوْءُهُ التَّغْلِيسا
إنَّ النَّصارَى بالمَحَلَّةِ وُدُّهُمْ / لو كانَ جَامِعُها يكونُ كَنِيسا
أتُرَى النصارَى يَحْكُمُونَ بأنَّه / مَنْ باشَرَ الأَحْباسَ صارَ حَبيسا
إن عادَ إسحقٌ إليها ثانياً / ضَرَبُوا عَلَى أبوابها الناقُوسا
صَرَفَ الإلهُ السُّوءَ عنكَ بِصَرفِهِ / فاصْرِفهُ عَنَّا واصفَعِ القِسِّيسا
أَفْدِي بهِ المُسْتَخْدَمِينَ وإنَّما / أَفْدِي بِتَيْسٍ كاليَهودِ تُيُوسا
لو كنتُ أَملِكُ أَمرَهُم مِنْ غَيرَتِي / لَمْ أُبْقِ لِلمُستَخدَمِينَ ضُرُوسا
يَرْعَوْنَ أَمْوَالَ الرَّعِيَّةِ بالأَذَى / لو يُحْلَبُونَ لأَشْبَهُوا الجامُوسا
اللَّهُ أرْسَلَهُم عَلَى أَقوَاتِهِم / سُوساً وقدْ أمِنُوا عليها السُّوسا
مَلأَتْ بُيُوتَهُمُ الغِلالُ فلا تَرَى / منها كَبَيْتِي فارِغاً مَكْنُوسا
مَن لَم يَقُم لِي منهُمُ بِوَظيفَتِي / جَرَّسْتُهُ بِملامَتِي تَجْرِيسا
إنّي لأنْذِرُ بَعْضَهم وكَأنَّني / في أُذْنِ بَغْلِ الكُوسِ أَضْرِبُ كُوسا
لِي صاحِبٌ سَرَقَ اللُّصُوصُ ثِيابَهُ / لَيْلاً فباتَ بِبَيْتِهِ مَحْبُوسا
وشَكا لِوَالي الحَرْبِ سارِقَ بَيْتِهِ / فكأنَّما يَشْكُو له افرَنسِيسا
وكأَنَّه قاضٍ يقولُ لِخَصمِهِ / هذا غَرِيمُكَ أَثْبَتَ التَّفْلِيسا
ويَحُجُّهُ أصحابُ رَيْعٍ عِنْدَهُ / ويُقَدِّمُوهُ فَيُظْهِرُ التَّعْبيسا
وَلَرُبّما التَمَسُوهُ بالمالِ الذي / سَرَقُوا فأصْبَحَ لامِساً مَلْمُوسا
مَلؤوا البيوتَ بِمالِهِ ولوِ اشْتَكَى / مَلؤوا بِأَوْلادِ الحَزِينِ حُبُوسا
كَمْ قُلْتُ إذْ سَمِعَ الوُلاةُ كلامَهُم / أتُرَى الوِلايَة تُفْسِدُ الكَيمُوسا
قَلَبَ العِيانَ لهُمْ وكَمْ في عِلْمِهِ / جَعَلُوا الدَّنانِيرَ الثِّقَالَ فُلوسا
فانْظُرْ لمَنْ ذَهَبَ اللُّصُوصُ بمالِهِ / وَبِعَقْلِهِ يَعْنُو اللُّصُوصُ حُبُوسا
رَفَعُوا القواعِدَ مِنْ شِوارِ ثِيابِهِ / واسْتَأصلوا المَنْصُوبَ والمَلْبُوسا
قد كنتُ مِنْ خَوْفِ اللُّصُوصِ أَخافُ أنْ / أُهْدِي إليكَ مِنَ القَرِيضِ عَرُوسا
لا زِلتَ طولَ الدَّهْرِ تَحْكِي في العُلا / آباءَكَ الغُرَّ الكِرامَ الشُّوسا
ما دامَ يَتّبِعُ النُّجُومَ مُنَجِّمٌ / وَيُخَبِّرُ التَّثْلِيثَ والتَّسْدِيسا
جاءَ المَسِيحُ مِنَ الإلهِ رَسُولا
جاءَ المَسِيحُ مِنَ الإلهِ رَسُولا / فأبَى أَقَلُّ العالَمِينَ عُقُولا
قَوْمٌ رَأَوْا بَشَرَاً كريماً فادَّعَوْا / مِنْ جَهْلِهِمْ للَّهِ فيهِ حُلولا
وَعِصَابَةٌ ما صَدَّقَتهُ وَأَكثَرَت / بالإِفكِ والبُهْتانِ فيهِ القِيلا
لَمْ يَأْتِ فيهِ مُفْرِطٌ ومُفَرِّطٌ / بالحَقِّ تَجرِيحاً وَلا تَعدِيلا
فكَأَنَّما جاءَ المَسِيحُ إليهمُ / لِيُكَذِّبُوا التَّوْراةَ والإِنْجِيلا
فاعجَب لِأُمَّتِهِ الّتي قد صَيَّرَتْ / تَنْزِيهَها لإِلهِها التَّنْكِيلا
وإِذا أرادَ اللَّهُ فِتْنَةَ مَعْشَرٍ / وَأَضَلَّهُمْ رَأَوُا القَبِيحَ جَمِيلا
هُمْ بَجَّلوهُ بِباطِلٍ فابْتَزَّهُ / أَعْداؤُهُ بالباطِلِ التَّبجِيلا
وتَقَطَّعُوا أَمْرَ العَقائِدِ بينهم / زُمَراً ألَم تَرَ عِقدَها مَحْلُولا
هَوَ آدَمٌ فِي الفَضْلِ إِلَّا أنّهُ / لَمْ يُعْطَ حالَ النَّفْخَةِ التَّكْمِيلا
أسَمِعْتُمُ أنَّ الإِلهَ لحَاجَةٍ / يَتَنَاوَلُ المَشْرُوبَ وَالمَأْكُولا
ويَنَامُ مِنْ تَعَبٍ وَيَدْعُو رَبَّهُ / ويَرُومُ مِنْ حَرِّ الهَجِيرِ مَقِيلا
ويَمَسُّهُ الألَمُ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِع / صَرْفَاً لَهُ عنهُ ولا تَحْوِيلا
يا ليتَ شِعْرِي حِينَ ماتَ بِزَعْمِهِم / من كانَ بالتَّدْبِيرِ عنه كَفِيلا
هَلْ كانَ هذا الكَوْنُ دَبَّرَ نَفْسَهُ / مِنْ بَعْدِهِ أَمْ آثَرَ التَّعْطِيلا
اجْزُوا اليَهُودَ بِصَلْبِهِ خَيْراً ولا / تُخْزُوا يَهُوذَا الآخِذَ البِرْطِيلا
زَعَمُوا الإلهَ فَدَى العَبيدَ بِنَفْسهِ / وأراهُ كانُ القاتِلَ المَقْتُولا
أيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي / منهم كَلِيماً رَبُّنا وخَلِيلا
وإذا فَرَضْتُمْ أنَّ عيسى ربّكُمْ / أفَلَمْ يَكُنْ لِفِدَائِكُمْ مَبْذُولا
وأُجِلُّ رُوحاً قامَتِ المَوْتَى بهِ / عَنْ أَنْ يُرَى بِيَدِ اليَهودِ قَتِيلا
فَدَعُوا حديثَ الصَّلْبِ عَنْهُ ودُونكُمْ / مِن كُتبِكُم ما وافَقَ التَّنْزِيلا
شَهِدَ الزَّبُورُ بِحِفْظِهِ ونَجاتِهِ / أَفَتَجْعَلُونَ دَلِيلَهُ مَدْخُولا
أَيَكُونُ مَنْ حَفِظَ الإلهُ مُضَيَّعاً / أَوْ مَنْ أُشِيدَ بِنَصْرِهِ مَخْذُولا
أَيَجُوزُ قَوْلُ مَنَزِّهٍ لإِلههِ / سبحانَ قاتِلِ نَفْسِهِ فأَقُولا
أَو جَلَّ مَنْ جَعَلَ اليَهُودُ بِزَعمِكُمْ / شَوْكَ القَتادِ لِرَأْسِهِ إكلِيلا
ومَضَى بِحَمْلِ صَلِيبِهِ مُستَسلِماً / لِلموتِ مَكتُوفَ اليَدَينِ ذَلِيلا
كَم ذا أُبَكِّتُكُم وَلَمْ تَستَنكِفُوا / أنْ تَسْمَعُوا التَّبْكِيتَ والتَّخجِيلا
ضَلَّ النَّصارَى في المَسِيحِ وَأَقْسَمُوا / لا يَهْتَدُونَ إلَى الرَّشادِ سَبِيلا
جَعَلُوا الثَّلاثَةَ واحِداً وَلوِ اهتَدَوا / لَمْ يَجْعَلوا العَدَدَ الكَثيرَ قليلا
عَبَدُوا إلهاً مِنْ إلهٍ كائِناً / ذَا صُورَةٍ ضَلّوا بها وهَيُولَى
ضَلَّ النَّصارَى واليَهُودُ فلا تَكُنْ / بِهِم عَلَى سُبُلِ الهُدَى مَدلُولا
والمُدَّعُو التَّثلِيث قَوْمٌ سَوَّغُوا / ما خالف المنقولَ والمَعْقُولا
والعابِدُونَ العِجْلَ قد فُتِنُوا به / ودُّوا اتِّخاذَ المُرْسَلِينَ عُجُولا
فإذا أتَتْ بُشْرَى إليهِم كَذَّبُوا / بِهَوَى النُّفُوسِ وقُتِّلُوا تَقْتِيلا
وَكَفَى اليهودَ بأنهم قد مَثَّلُوا / مَعْبُودَهمْ بِعِبادِهِ تَمثيلا
وبأَنَّ إسرائيلَ صارعَ رَبَّهُ / ورَمَى به شُكْراً لإِسْرائيلا
وبأنَّهم رحَلُوا به في قُبَّةٍ / إذْ أَزْمَعُوا نَحْوَ الشآمِ رَحِيلا
وبِأنَّهمْ سَمِعُوا كلامَ إلهِهِمْ / وسَبِيلُهُم أنْ يَسْمَعُوا المَنْقُولا
وبِأنَّهمْ ضَرَبُوا لِيَسْمَعَ ربُّهُمْ / في الحَربِ بُوقاتٍ لَهُ وَطُبُولا
وبأَنَّ رَبَّ العالَمِينَ بَدا لَهُ / في خَلْقِ آدَمَ يَا لَهُ تَجْهِيلا
وبَدا لَهُ في قَوْمِ نوح وانثَنَى / أسَفاً يَعُضُّ بَنَانَهُ مَذْهُولا
وبِأَنَّ إبراهيمَ حاولَ أَكْلَهُ / خُبْزَاً وَرامَ لِرِجلِهِ تَغْسِيلا
وبأَنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْ / لهُمُ رباً وخيانَةً وَغُلولا
وبِأنَّهم لَم يَخْرُجُوا مِنْ أَرضِهِم / فكأنّهم حسِبُوا الخُروجَ دُخُولا
وحَدِيثُهُم في الأَنبِياءِ فلا تَسَل / عنه وخَلِّ غِطاءهُ مَسْدُولا
لَم يَنتَهُوا عَن قَذفِ دَاوُودَ وَلا / لوطٍ فكيفَ بِقذْفِهِمْ رُوبِيلا
وَعَزَوْا إلَى يَعقُوبَ مِن أَولادِهِ / ذِكْراً مِنَ الفِعْلِ القَبِيحِ مَهولا
وَإلى المَسِيحِ وَأُمِّهِ وَكَفَى بها / صِدِّيقَةً حَمَلَتْ به وَبَتُولا
وَلِمَنْ تَعَلَّقَ بالصَّلِيبِ بِزَعمِهِم / لَعْناً يَعُودُ عليهمُ مكفولا
وَجَنَوْا عَلَى هارونَ بالعِجْلِ الّذي / نَسَبُوا لَهُ تَصْوِيرَهُ تَضْلِيلا
وَبأنَّ موسى صَوَّرَ الصُّوَرَ التي / ما حَلَّ منها نَهْيُهُ مَعْقُولا
ورَضُوا لهُ غَضَبَ الإِلهِ فلا عَدا / غَضَبُ الإلهِ عَدُوَّهُ الضِّلِّيلا
وبأنَّ سِحْراً ما اسْتطاعَ لآيَةٍ / منه وَلا اسطاعَتْ لهُ تَبْطِيلا
وبأنَّ ما أبْدَى لهُمْ مِنْ آيَةٍ / أبْدَوا إلَيهِ مْلَها تَخييلا
إِلَّا البَعُوضَ ولا يَزالُ مُعانِداً / لإِلهِهِ بِبَعُوضَةٍ مَخْذُولا
ورَضُوا لِمُوسى أنْ يقولَ فواحِشاً / خَتَمَتْ وَصِيَّتُهُ لهنَّ فصُولا
نَقَلوا فَواحِشَ عَن كليمِ اللَّهِ لَم / يَكُ مِثلُها عَنْ مِثلِهِ مَنُقُولا
وأَظُنُّهُمْ قد خالفوه فعجَّلتْ / لهُمُ العُقوبة بالخنا تعْجِيلا
وَشَكَتْ رِجالُهُمُ مَصادِرَ ذَيْلِها / ونِساؤُهُمْ غيرَ البُعُولِ بُعولا
لُعِنَ الَّذينَ رَأوْا سَبِيلَ مُحَمَّدٍ / وَالمُؤْمِنِينَ بِهِ أضَلَّ سَبِيلا
أَبْناءُ حَيَّاتٍ ألَم تَرَ أنّهم / يَجِدُونَ دِريَاقَ السُّمومِ قَتولا
مُذْ فارَقوا العِجْلَ الّذي فُتِنُوا به / وَدُّوا اتِّخاذَ الأنبياءِ عُجُولا
فإِذا أتَى بَشَرٌ إليهم كَذَّبُوا / بِهَوَى النُّفُوسِ وقُتِّلُوا تَقْتِيلا
أَخلَوا كِتابَ اللَّهِ مِن أَحكَامِهِ / عَدواً وَكانَ العامِرَ المَأهُولا
جَعلوا الحَرامَ بهِ حَلالاً وَالهُدَى / غَيّاً وَمَوْصولَ التُّقَى مَفْصُولا
وَدَعَاهُم ما ضَيَّعُوا مِنْ فَضْلِهِ / أنْ يَمْلَؤُوهُ مِنَ الكلامِ فُضُولا
كَتَمُوا العِبَادَةَ والمعادَ وَما رَعَوْا / لِلحَقِّ تَعجِيلاً وَلا تَأجِيلا
عَجَباً لَهُم وَالسَّبتُ بَيعٌ عِندَهُم / لَم يَلقَ منهُ المُشتَرُون مَقِيلا
هَلَّا عَصَوا في السَّبتِ يُوشَعَ إذ غَدا / يَدْعُو جُنُوداً للوَغَى وخُيُولا
أَو خالَفُوا هارُونَ في ذبحٍ وَفي / عَجْنٍ به لَمْ يُبْدِ عنهُ نُكُولا
أو أَلْحَقُوا بهما المَسِيحَ وَسَوَّغُوا ال / تَحْرِيمَ في الحالَيْنِ والتَّحْلِيلا
أو أثبَتُوا النَّسخَ الَّذي في كُتبِهم / قد نُصَّ عنْ شَعْيا وعَنْ يُوئِيلا
أوَ لَمْ يَرَوْا حُكْمَ العَتِيقَةْ ناسِخاً / أحكامَ كُتْبِ المُرْسَلِينَ الأُولى
أفَيَأنَفُ الكُفَّارُ أنْ يَستَدرِكُوا / قَوْلاً عَلَى خيرِ الوَرَى مَنحُولا
لا دَرَّ دَرُّهُمُ فإنَّ كلامَهم / يذَرُ الثَّرَى مِنْ أَدْمُعِي مَبْلولا
فكأنَّني ألفَيْتُ مُقْلَةَ فاقِدٍ / ثَكْلَى ومُوجَعَةٍ تُصِيبُ عَوِيلا
ظَنُّوا بربِّهِمُ الظُّنُونَ ورُسْلِهِ / وَرَمَوْا إناثاً بالأَذَى وَفُحُولا
إن يَبخسُوهُ بِكَيْلِ زُورٍ حَقَّهُ / فَلأُوسِعَنَّهُمُ الجزاءَ مَكِيلا
وَمِنَ الغَبِينَةِ أنْ يُجازي إفْكَهُم / صِدْقِي ولَسْنا في الكَلامِ شُكُولا
لَو يَصْدُقُونَ لَمَا أتَت رُسُلٌ لهُمْ / أتَرَى الطَّبِيبَ غَدَا يَزورُ عَلِيلا
إنْ أنكَرُوا فضلَ النبيِّ فإنّما / أرخَوا عَلَى ضَوءِ النَّهارِ سُدُولا
اللَّه أَكبَرُ إنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ / وكتَابَهُ أَقْوَى وَأَقْوَمُ قِيلا
طَلَعَت بهِ شمسُ الهِدَايَةِ لِلوَرَى / وَأبى لَها وصْفُ الكمالِ أُفُولا
والحَقُّ أَبْلَجُ في شريعَتِهِ الّتي / جَمَعَتْ فروعاً لِلْوَرَى وأُصُولا
لا تَذْكُروا الكتبَ السَّوالِفَ عندَهُ / طَلَعَ النَّهارُ فأَطْفِئُوا القِنْدِيلا
دَرَسَت معالِمُها ألا فاستَخبِرُوا / منها رُسوماً قد عَفَتْ وطُلُولا
تُخبِركُمُ التَّوراةُ أنْ قد بَشَّرَتْ / قِدْماً بأَحْمَدَ أَمْ بإسْماعِيلا
وَدَعَتهُ وَحشَ النَّاسِ كلُّ نَدِيَّةٍ / وَعَلَى الجَمِيعِ لَهُ الأَيادِي الطُّولَى
تَجِدُوا الصحيحَ مِنَ السَّقِيمِ فطالما / صَدَقَ الحَبِيبُ هَوَى المحِبِّ نُحولا
مَنْ مِثْلُ موسَى قد أُقِيمَ لأَهْلِهِ / مِنْ بَيْنَ إخْوَتِهِمْ سِواهُ رَسولا
أَو أنَّ إخْوَتَهمْ بنو العِيصِ الّذي / نُقِلَتْ بَكارَتُهُ لإِسْرائيلا
تَاللَّهِ ما كانَ المُرادُ به فَتَى / موسَى ولا عِيسَى وَلا شَمْوِيلا
إذْ لَنْ يَقُومَ لَهُمْ نَبِيٌّ مِثْلُهُ / منهم ولو كانَ النَّبِيُّ مَثيلا
طوبى لِمُوسى حينَ بَشَّرَ باسمِهِ / ولِسامِعٍ مِنْ فَضْلِهِ ما قيلا
وَجِبالُ فارانَ الرَّواسِي إنّها / نالت عَلَى الدُّنيا به التَّفضيلا
واستَخبِرُوا الإِنْجِيلَ عنه وحاذِرُوا / مِنْ لَفْظِهِ التَّحْرِيفَ والتَّبْدِيلا
إنْ يَدْعُهُ الإِنْجِيلُ فارِقْلِيطَهُ / فلَقَدْ دَعاهُ قبلَ ذلكَ إيلا
ودَعاهُ رُوحَ الحَقِّ لِلوَحيِ الّذي / يُتْلَى عَليه بُكْرَةً وَأَصِيلا
وأراهُ لا بِتَكلُّمٍ إِلَّا إذا / أرفَعتُ عنكم للإِلهِ مَقُولا
إنْ أنْطَلقْ عنكم يَكُنْ خيرٌ لكم / لِيَجِيئَكُمْ مَنْ تَرْتَضُوهُ بَدِيلا
يَأتِي على اسْمِ اللَّهِ منه مُبارَكٌ / ما كانَ مَوْعِدُ بَعْثِهِ مَمْطُولا
يَتْلُو كِتَابَ البَيِّنَاتِ كِتابُهُ / ويَرُدُّ أَمْثالِي به التَّأوِيلا
وَيُفَنِّدُ العُلَماءَ تَوْبِيخاً لَهُم / وكَفَاهُمُ بِخَطِيئَةٍ تَخْجِيلا
ويُزِيحُ مُلْكَ اللَّهِ منكم عَنوَةً / لِيُبيحَهُ أهلَ التُّقَى ويُنيلا
وكما شَهِدْتُ لهُ سَيَشهَدُ لِي إذا / صار العليمُ بما أتَيْتُ جَهُولا
يُبْدِي الحوادِثَ والغُيُوبَ حَدِيثُهُ / وَيسوسُكُمْ بالحَقِّ جِيلاً جِيلا
هُوَ صَخْرَةٌ ما زُوحِمَتْ صَدَمَتْ فلا / تَبْغُوا لها إلَّا النُّجُومَ وُعُولا
والآخِرونَ الأَوَّلونَ فَقَوْمُهُ / أَخَذُوا عَلَى العَمَلِ القَلِيلِ جَزِيلا
والمُنْحَمنَّا لا تَشْكُّوا إنْ أتَى / لَكُمُ فليسَ مَجِيئُهُ مَجْهُولا
وَهُوَ المُوَكَّلُ آخِراً بالكَرمِ لا / يَخْتَارُ مالِكُهُ عليه وكيلا
وَهوَ الَّذي مِن بعدِ يَحيَى جاءهم / إذْ كانَ يَحيَى لِلْمَسِيحِ رَسيلا
وَسَلُوا الزَّبورَ فإنَّ فيه الآن مِن / فصْلِ الخطابِ أوامِراً وفصولا
فهوَ الَّذي نَعَتَ الزَّبورُ مُقَلَّداً / ذا شَفْرَتَيْنِ مِنَ السُّيوفِ صَقِيلا
قُرِنَت بِهَيبَتِهِ شَريعَةُ دِينِهِ / فَأَراكَ أَخْذَ الكافِرِينَ وبِيلا
فاضَت عَلَى شَفَتَيْهِ رَحْمَةُ رَبِّهِ / فاستَشْفِ مِنْ تِلْكَ الشِّفاه عَلِيلا
وَلِغالِبٍ مِنْ حَمْدِهِ وَبَهَائِهِ / مَلأَ الأَعادِي ذِلَّةً وخُمولا
فِي أُمَّةٍ خُصَّتْ بِكلِّ كَرَامَةٍ / وتَفَيَّأَتْ ظِلَّ الصَّلاحِ ظَلِيلا
وَعَلَى مَضاجِعهِم وكلِّ ثَنِيَّةٍ / كلٌّ يُسِرُّ وَيُعلِنُ التَّهْلِيلا
رُهْبانُ لَيْلٍ أُسْدُ حَرْبٍ لم تَلِج / إِلَّا القَنا يَوْمَ الكَرِيهَةِ غِيلا
كم غادَروا الملك الجليلَ مُقَيَّداً / والقَرْمَ مِنْ أشْرَافِهِمْ مَغْلُولا
فاللَّهُ مُنتَقِمٌ بِهِم مِن كُلِّ مَنْ / يَبْغِي عَلَى الحَقِّ المُبينِ عُدُولا
أَعَجِبْتَ مِنْ مَلكٍ رَأَيْتَ مُقَيَّداً / وَشرِيفِ قَوْمٍ عِنْدَهمْ مَغْلولا
خَضَعَتْ مُلوكُ الأرضِ طائِعَةً لَهُ / وغَدا به قرْبانُهُمْ مَقْبُولا
ما زَالَ لِلمُستَضعَفِينَ مُؤَازِراً / وَأُلي الصَّلاحِ وَلِلعُفاةِ بَذُولا
لمْ يَدْعُهُ ذُو فاقَةٍ وضَرُورَةٍ / إِلَّا ونالَ بِجُودِهِ المَأْمُولا
ذاكَ الَّذِي لم يَدعُهُ ذُو فاقَةٍ / إِلَّا وكانَ لهُ الزَّمانُ مُنِيلا
تَبْقَى الصَّلاةُ عليهِ دائمَةً فَخُذ / وَصْفَ النبيِّ مِنَ الزُّبُورِ مَقُولا
وَكِتابُ شَعْيا مُخْبِرٌ عَنْ رَبِّهِ / فاسْمَعْهُ يُفْرِحُ قَلْبَكَ المَتْبُولا
عَبْدِي الَّذي سُرَّتْ به نَفسِي وَمَن / وَحْيِي عليه مُنزَّلٌ تَنزِيلا
لَمْ أُعْطِ ما أَعْطَيْتُهُ أَحَداً مِنَ ال / فَضْلِ العظيمِ وحَسْبُهُ تَخْوِيلا
يَأتِي فَيُظهِرُ في الوَرَى عَدْلِي وَلم / يَكُ بالهَوَى في حُكْمِهِ لِيَمِيلا
إنْ غَضَّ مِنْ بَصَرٍ وَمِنْ صَوْتٍ فما / غَضَّ التُّقَى والفَضلُ مِنهُ كلِيلا
فَتَحَ العُيُونَ العُورَ لكنَّ العِدا / عَنْ فضلِهِ صَرَفُوا العُيُونَ الحُولا
أَحيا القلوبَ الغُلفَ أَسمَعَ كلَّ ذِي / صَمَمٍ وَكَمْ داءٍ أزالَ دَخِيلا
يُوصِي إلى الأُمَمِ الوصايا مِثْلَمَا / يُوصِي الأَبُ البَرُّ الرَّحِيمُ سَلِيلا
لا تُضْحِكُ الدُّنيا لهُ سِنّاً وَما / لَمْ يُؤْتَ منها عَدَّهُ تَنوِيلا
منْ غيرُ أحمدَ جاءَ يَحْمَدُ رَبَّهُ / حَمْداً جَدِيداً بالمزِيدِ كَفِيلا
وَكِتابُهُ ما ليسَ يُطْفَأُ نُورُهُ / والحَقُّ مُنْقَادٌ إليه ذَلولا
خَصَمَ العِبادَ بِحُجَّةِ اللَّهِ الَّتي / أمْسَى بها عُذْرُ الوَرَى مَتْبُولا
فَرِحَتْ بهِ البَرِّيَّةُ القُصْوَى وَمَنْ / فيها وفاضَلَتِ الوُعُورُ سُهولا
فَزَهَت وَنالَت حُسنَ لُبنانَ الَّذي / لَولا كَرامَةُ أَحمَدٍ ما نِيلا
مُلِئت مَساكِنُ آلِ قَيْدارٍ به / عِزّاً وطابَتْ مَنْزِلاً ونَزِيلا
جَعَلُوا الكَرامَةَ لِلإِلهِ فَأُكرِمُوا / فاللَّه يَجْزِي بالجَمِيلِ جَمِيلا
وَلِبَيتِهِ الحَرَمِ الحرامِ طَرِيقُهُ / يَتْلُو رَعِيلَ المخلِصِينَ رَعِيلا
لا تَخطُرُ الأَرجاسُ فيهِ وَلا يُرَى / لِخُطاهُمُ في أَرْضِهِ تَنقِيلا
كَتِفاهُ بينهما علامَةُ مُلكِهِ / للَّهِ مُلكٌ لا يَزالُ أثيلا
مَن كانَ مِن حِزبِ الإلهِ فَلَم يَزَل / منه بِحُسْنِ عِنايَةٍ مَشْمُولا
هُوَ راكِبُ الجَمَل الَّذي سَقَطَتْ بهِ / أصْنامُ بابِلَ قد أتاكَ دَلِيلا
وَالغَرْسُ في البَدْوِ المُشار لِفَضْلِهِ / إنْ كُنْتَ تَجْهلُهُ فَسَلْ حِزْقِيلا
غُرِسَتْ بأَرْضِ البَدْوِ منه دَوْحَةٌ / لَمْ تَخْشَ مِنْ عَطَشِ الفَلاةِ ذُبُولا
فَأَتَتْكَ فاضِلَةَ الغُصُونِ وأَخرَجَت / ناراً لِمَا غَرَسَ اليَهُودُ أَكُولا
ذَهَبَتْ بِكَرْمَةِ قَوْمِ سَوءٍ ذُلِّلَتْ / بِيَدِ الغُرورِ قُطُوفُها تَذلِيلا
وَسَلو المَلائِكَةَ التي قد أَيَّدَتْ / قَيْدارَ تُبْدِي العِلَّةَ المَعْلولا
وسَلنَّ حَبقُوقَ المُصَرِّحَ بِاسمِهِ
وسَلنَّ حَبقُوقَ المُصَرِّحَ بِاسمِهِ / وَبِوَصْفِهِ وَكَفَى به مَسؤولا
إذْ أوْصَلَ القَوْلَ الصَّريحَ بذِكْرِهِ / للسَّامِعِينَ فأَحْسَنَ التَّوصِيلا
والأرضُ مِنَ تَحمِيدِ أحمدَ أَصبَحَت / وبِنُورِهِ عَرْضاً تُضِيءُ وطُولا
رَوِيَتْ سِهَامُ مُحَمَّدٍ بِقِسِيِّهِ / وغَدا بها مَن ناضَلَت مَنضُولا
وَاسمَع بِرُؤيا بُخْتَنَصَّرَ وَالتَمِس / مِنْ دانِيالَ لها إذَنْ تَأْوِيلا
وَسَلُوهَ كَمْ تَمْتَدُّ دَعْوَةُ باطِلٍ / لتُزِيحَ عِلَّةَ مُبطِلٍ وَتُزِيلا
وَارمِ العِدا بِبَشائِرٍ عَن أَرمِيا / إذ كَفَّ نَبلُ كِنانِهِ مَتبُولا
إذ قالَ قد قَدَّستُهُ وعَصَمتُهُ / وَجَعَلتُ لِلأَجْناسِ منهُ رَسُولا
وَجَعَلتُ تَقْدِيسِي قُبَيْلَ وُجُودِهِ / وَعداً عَلَيَّ كَبَعثِهِ مَفعُولا
وحَدِيثُ مَكَّةَ قد رواهَ مُطَولاً / شَعْيا فخُذهُ وَجَانِبِ التَّطوِيلا
إذْ راحَ بالقَوْلِ الصَّرِيحِ مُبَشِّراً / بالنَّسلِ مِنها عاقِراً مَعضولا
وتَشَرَّفَت باسمٍ جَدِيدٍ فادعُها / حَرَمَ الإِلهِ بَلَغْتَ منه السُّولا
فَتَنَبَّهَت بعدَ الخُمولِ وَكُلِّلَت / أَبوابُها وسُقُوفُها تَكلِيلا
وَنَأَت عَنِ الظُّلمِ الّذي لا يَبتَغِي / لِخضابِهِ شَيْبُ الزَّمانِ نُصولا
حَرَمٌ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ مُحَرَّمٌ / فكأنّما يَسْقِي السُّيُوفَ فُلولا
وَتَخَالُ مِن تَحرِيمِ حُرمَتِهِ العِدا / عُزلاً وإن لَبِسُوا السِّلاحَ ومِيلا
لَمْ يُتَّخذ بَيْتٌ سِواهُ قِبْلةً / فازدَد بِذَاكَ لِمَا أَقُولُ قَبُولا
وبَنُو نَبايُتَ لَمْ تَزَل خُدَّامُها / لا تَبْتَغِي عنها لَهُمْ تَحوِيلا
جُمِعَت لَهُ أَغنامُ قَيدارَ الَّتي / قد كانَ منها ذِبحُ إِسْمَاعِيلا
فَنَمَتْ وأُمِّنَ خَوْفُها وَعَدُوُّها / قد باتَ منها خائفاً مَهْزُولا
وَكَلامُ شَمْعُونَ النبيِّ تَخالُهُ / لكلامِ موسى قد أتى تَذْيِيلا
وَجَمِيعُ كُتبِهِمُ على عِلَّاتِها / نَطَقَت بِذِكر مُحَمَّدٍ تَعلِيلا
لَم يَجهَلوهُ غَيرَ أنَّ سُيُوفَهُ / أَبقَت حُقُوداً عِنْدَهُم وذُحُولا
فاسمَع كلامَهُمُ ولا تَجعَل عَلَى / ما حَرَّفُوا مِنْ كُتبِهِم تَعوِيلا
لولا استِحَالَتُهُم لَمَا ألفَيتَنِي / لَكَ بالدَّليلِ عَلَى الغَرِيمِ مُحِيلا
أوَ قَد جَهِلتَ مِنَ الحَدِيثِ رِوايَةً / أمْ قد نسيتَ مِنَ الكتاب نُزُولا
فاترُك جِدَالَ أخِي الضَّلالِ ولا تكُن / بِمِراءِ مَنْ لا يَهْتَدِي مَشْغُولا
ما لي أُجادِلُ فيهِ كلَّ أخِي عمىً / كَيْمَا أُقِيمَ عَلَى النَّهارِ دَلِيلا
واصْرِفْ إلى مَدْحِ النبيِّ مُحَمَّدٍ / قَولاً غَدا عَن غَيرِهِ مَعدُولا
فإذا حَصَلتَ عَلَى الهُدَى بِكِتابِهِ / لا تَبْغِ بَعْدُ لِغَيْرِهِ تَحْصِيلا
ذِكْرٌ بهِ تَرْقَى إلَى رُتبِ العُلا / فَتَخالُ حامِلَ آيِهِ مَحْمُولا
يَذَرُ المُعارِضَ ذا الفصاحَةِ أَلْكَناً / في قولِهِ وأخا الحِجا مَخْبُولا
لا تَنْصِبَنَّ لَهُ حِبالَ مُعانِدٍ / فَتُرَى بِكفَّةِ آيةٍ مَحبُولا
إن كُنتَ تُنكِرُ مُعجِزاتِ مُحَمَّدٍ / يَوْماً فَكُنْ عَمَّا جَهِلْتَ سَؤولا
شَهِدَت لهُ الرُّسلُ الكِرامُ وَأَشفَقَوا / مِن فاضِلٍ يَستَشهِدُ المَفضُولا
قارَنتُ نُورَ النَّيِّرَينِ بِنُورِهِ / فَرَأَيتُ نُورَ النَّيِّرَيْنِ ضَئيلا
ونَسَبتُ فضلَ العالَمِينَ لفضلِهِ / فَنسَبتُ مِنهُ إِلى الكَثيرِ قَليلا
وَأرانِيَ الزَّمَنُ الجَواد بجودِهِ / لَمَا وَزَنتَ بِهِ الزَّمانَ بَخِيلا
ما زالَ يَرقَى فِي مَواهِبِ رَبِّهِ / وَيَنالُ فضلاً مِن لَدُنهُ جَزِيلا
حتَّى انْثَنَى أَغْنَى الوَرَى وَأَعَزُّهم / يَنْقادُ مُحْتاجاً إليهِ ذَليلا
بَثَّ الفضائِلَ فِي الوجودِ فَمَنْ يُرِد / فضلاً يَزِدْهُ بِفَضلِهِ تفصيلا
فالشَّمسُ لا تُغنِي الكَواكِبُ جُمْلَةً / فِي الفَضْلِ مَغْناها وَلا تفضيلا
سَلْ عَالَمَ المَلكُوتِ عنهُ فَخيرُ ما / سأَلَ الخَبِيرُ عَنِ الجَليلِ جَليلا
فَمَنِ المُخَبِّرُ عَن عُلاً مِن دونِها / ثَنَتِ البُراقَ وَأَخَّرَت جِبرِيلا
فَلوِ استَمَدَّ العالمونَ عُلومَهُ / مَدَّتهُمُ القَطَراتُ منهُ سُيولا
فَتَلَقَّ ما تَسطِيعُ مِنْ أَنْوَارِهِ / إنْ كانَ رَأْيُكَ فِي الفَلاحِ أَصيلا
فَلرُبَّمَا أَلْقَى عليكَ كِتابُهُ / قَولاً مِنَ السِّرِّ المَصُونِ ثَقِيلا
ذاكَ الَّذِي رفَعَ الهُدَى بيمينِه / عَلَماً وجَرَّدَ صارِماً مَصْقُولا
أوَ ما تَرَى الدِّينَ الحَنِيفَ بِسَيْفِهِ / جَعَلَ الطّهورَ لهُ دَماً مَطلولا
وَالشِّركُ رِجسٌ فِي الأَنامِ وخيرُ ما / أَلفَيتَهُ بِدَمِ العِدَا مَغْسولا
داعٍ بِأَمرِ اللَّهِ أَسمَعَ صَوتُهُ ال / ثقلينِ حتى ظُنَّ إسْرافِيلا
لَم يَدعُهُم إِلَّا لِمَا يُحييهُمُ / أبداً كما يَدعُوا الطَّبِيبُ عَليلا
تَحْدُوا عَزَائمُهُ العِبادَ كأنَّما / تَخِذَتْ عزائِمُهُ الفضاءَ سَبيلا
يُهْدِي إلى دار السَّلامِ مَنِ اتَّقَى / وغَدا بِنُورِ كِتابِهِ مَكْحُولا
وَيَظَلُّ يُهْدِي لِلجَّحِيمِ بِسَيفِهِ / مِمَّنْ عَصَى بعدَ القتيلِ قتيلا
حتّى يقولَ النّاسُ أَتْعَبَ مالِكاً / بِحُسامِهِ وأَراحَ عِزرِيلا
فَاسمَع شَمائِلَهُ الَّتي ذِكري لَها / قدْ كادَ تَحْسِبُهُ العُقُولُ شَمُولا
مَن خُلقُهُ القرآنُ جَلَّ ثَناؤُهُ / عَن أَن يَكُونَ حَدِيثُهُ مَملولا
وَإِذا أتَت آياتُهُ بِمَدِيحِهِ / رَتَّلتُ منها ذِكرَهُ تَرتِيلا
إنَّ امرَأً مُتَبَتِّلاً بِثَنائِهِ / مُتَبَتِّلٌ لِإلهِهِ تَبتِيلا
إِنّي لَأُورِدُ ذِكرَهُ لِتَعَطُّشِي / فإخالُ أنّي قَد وَرَدتُ النِّيلا
وَالنِّيلُ يُذكِرُني كَرِيمَ بَنانِهِ / فأُطِيلُ مِن شَوقِي لهُ التَّقبِيلا
مَن لِي بِأَنّي مِن بَنانِ مُحَمَّدٍ / بِاللَّثمِ نِلتُ المَنهَلَ المَعسُولا
مِن رَاحَةٍ هِيَ فِي السَّماحَةِ كَوثَرٌ / لكِنَّ وارِدَها يَزِيدُ غَلِيلا
سارَت بِطاعَتِها السَّحاب كَأَنَّما / أمَرَتْ بما تَختارُ مِيكائيلا
أنَّى دَعَا وأشارَ مُبْتَهِلاً بها / لِمِياهِ مُزْنٍ ما يَزالُ هَطُولا
وَأَظُنُّه لو لَمْ يُرِدْ إِقْلاعَهُ / لأَتَى بِسَيْلٍ ما يُصِيبُ مَسِيلا
وَكَم اشْتَكَتْ بَلَدٌ أذاهُ فأُلْبِسَت / بِدُعائِهِ مِنْ صَحْوَةٍ إكليلا
يا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ أَلَم يَكُن / طِفلاً لِضُرِّ العالَمِينَ مُزيلا
إذ قامَ عَمُّكَ فِي الوَرَى مُستَسقِياً / كادَتْ تَجُرُّ عَلَى البِطَاحِ ذُيُولا
وَرَفَعتَ عَامَ الفِيلِ عَنهُم فِتنَةً / أَلْفَيْتَ فيها التابِعينَ الفِيلا
بِسَحائِبِ الطَّيْرِ الأَبَابِيلِ الّتي / جَادَتْهُمُ مَطَرَ الرَّدَى سِجِّيلا
فَفَدَوكَ مَولوداً وَقَيتَ نُفُوسَهُم / شِيباً وَشُبَّاناً مَعاً وَكُهُولا
حتّى إِذا ما قُمتَ فيهِم مُنْذِراً / أَبدَوا إِلَيكَ عَداوَةً وذُحولا
فَلَقِيتَهُم فَرْداً بِعَزْمٍ ما انْثَنَى / يَوْماً وَحُسْنِ تَصَبُّرٍ ما عِيلا
وَوَكَلْتَ أَمْرَكَ لِلإلهِ وَيا لَها / ثِقَةً بَنَصْرِ مَنِ اتَّخَذْتَ وَكِيلا
وَأَطَلْتَ فِي مَرْضاةِ رَبِّكَ سُخْطَهُم / فَجَرَعتَ مِنهُم عَلقَماً مَغسُولا
وَطَفِقتَ يَلقاكَ الصَّدِيقُ مُعادِياً / والسِّلْمُ حَرْباً والنَّصِيرُ خَذُولا
ودَعَوتَهُم بالبَيِّنَاتِ مِنَ الهُدَى / وَهَزَزْتَ فيهمْ صارماً مَسْلولا
وَأَقَمْتَ ذاكَ العَضْبَ فيهمْ قاضِيا / ونَصَبْتَ تلكَ البيِّنَاتِ عُدولا
فَطَفِقْتَ لا تَنْفَكُّ تَتْلو آيةً / فيهمْ وَتَحْسِمُ بالحُسامِ تَلِيلا
حتَّى قضَى بالنَّصْرِ دينُكَ دِينهُ / وغَدَا لِدِينِ الكافِرِين مُزيلا
وعَنَتْ لِسَطْوَتِكَ المُلوكُ وَلَمْ تَزَل / بَرّاً رَحِيماً بالضَّعِيفِ وَصُولا
لَم تَخشَ إِلَّا اللَّهَ فِي أَمرٍ وَلَم / تَملِك طِبَاعَكَ عادَةٌ فَتَحُولا
اللَّه أَعْطَى المصطفى خُلقَاً عَلَى / حُبِّ الإلِهِ وَخَوْفِهِ مَجْبولا
غَمَرَ البَرِيَّةِ عَدلُهُ فَصَدِيقُهُ / وعَدُوُّه لا يُظْلَمُونَ فَتِيلا
وَإذَا أرَادَ اللَّهُ حِفظَ وَلِيِّهِ / خَرَجَ الهَوَى مِنْ قَلْبِهِ مَعْزُولا
عُرِضَتْ عليهِ جبالُ مكَّةَ عَسْجَداً / فأبى لِفَاقَتِهِ وكانَ مُعِيلا
أَمُعَنَّفِي أَنِّي أُطِيلُ مَدِيحَهُ / مَنْ عَدَّ مَوجَ البَحرِ عَدَّ طَوِيلا
إنِّي تَرَكْتُ مِنَ الكلامِ نُخَالَهُ / وأَخَذْتُ منه لُبابَهُ المَنْخُولا
ماذا عَلَى مَنْ مَدَّ حَبْلَ مدائحٍ / فيهِ بحَبْلِ مَوَدَّةٍ مَوْصولا
قَيَّدتُهُ بالنَّظمِ إِلَّا أَنَّهُ / سَبَقَ الْجِيادَ إلى المَدَى مَشْكُولا
وأَضاءَتِ الأَيّامُ مِنْ أنوارِهِ / فَاستَصحَبَت غُرَراً بها وحُجُولا
إنّي امرُؤٌ قَلبي يُحِبُّ مُحَمَّداً / ويَلومُ فيهِ لائِماً وَعَذُولا
أَأُحِبُّهُ وَأَمَلُّ مِن ذِكرِي لَهُ / ليسَ المُحِبُّ لِمَنْ يُحِبُّ مَلُولا
يا لَيْتَنِي مِنْ مَعْشَرٍ شَهِدُوا الوغَى / مَعَهُ زَماناً والكِفاحَ طَوِيلا
فَأَقُومَ عنه بِمِقْوَلٍ وبصارِمٍ / أبَداً قَؤُولا فِي رِضاهُ فعُولا
طَوْراً بِقَافِيةٍ يُرِيكَ ثَباتُها / كَفَّ الرَّدَى عَن عِرضِهِ مَشلولا
وبِضَرْبَةٍ يَدَعُ المُدَجَّجَ وِترُها / شَفْعاً كما شاء الرَّدَى مَجدُولا
وبِطَعْنَةٍ جَلَتِ السِّنانَ فَمثَّلَت / عَيناً لِعَيْنِكَ فِي الكَمِيِّ كَحِيلا
فِي مَوقِفٍ غَشِيَ اللِّحَاظَ فلا يرَى / لَحْظٌ بهِ إِلَّا قَناةً مِيلا
فَرَشَفتُ ثَغرَ المَوتِ فيهِ أَشنَبا / وَلَثَمْتُ خَدَّ المَشْرَفِيِّ أَسِيلا
والخَيْلُ تَسْبَحُ فِي الدِّماءِ وَتَتَّقِي / أَيْدِي الكُمَاة مِنَ النَّجِيعِ وُحُولا
فاطرَب إِذَا غَنَّى الحَدِيدُ فخيرُ ما / سَمِعَ المَشُوقُ إلى النِّزالِ صَليلا
تاللَّهِ يُثْنَى القلْبَ عنه ما ثَنَى / خَوْفُ المَنِيَّةِ عامِراً وَسَلولا
أَيَضِنُّ عَنهُ بِمالِهِ وَبِنَفسِهِ / صَبٌّ يَرَى لَهُما الفَواتَ حُصُولا
فَلأَقطَعَنَّ حِبالَ تَسْوِيفِي الّتي / مَنَعَت سِوَايَ إِلى حِماهُ وُصولا
وَلأَمنَعَنَّ العَينَ فيهِ مَنامَها / وَلأَجْعَلَنَّ لها السُّهَادَ خَلِيلا
وَلأَرْمِيَنَّ لهُ الفِجاجَ بِضُمَّرٍ / كالنَّبْلِ سَبْقاً والقِسِيِّ نُحولا
مِن كلِّ دامِيَةِ الأَيَاطِلِ زِدتُها / عَنَقاً إذا كلَّفْتُها التَّمهِيلا
سارَتْ تَقِيسُ ذِرَاعُها سَقفَ الفَلا / فكأنَّما قاسَتْ بِمِيل مِيلا
حَتَّى تُرِيكَ الحرْفَ مِن صَلدِ الصَّفا / أَخفافُها بدِمائِها مَشْكُولا
وَكأنَّما ضَرَبَت بِصَخرٍ مِثلَهُ / مِن مِبسمٍ فتكافئا تَقتيلا
قَطَعَت حِبالَ البُعْدِ لَمَّا أَعمَلَت / شَوْقاً لَطَيْبَة ساعِداً مَفْتُولا
حتّى أَضُمَّ بِطَيبَةَ الشَّملَ الَّذي / أنْضَى إليها العِرْمِسَ الشِّملِيلا
وَأُرِيحَ مِنْ تَعَبِ الخَطايا ذِمَّةً / ثَقُلَت علَيها لِلذُّنوبِ حُمُولا
وَيُسَرُّ بالغُفرانِ قلبٌ لَمْ يَزَل / حِيناً بِطُولِ إساءَتي مَشكولا
وأَعُودَ بالفضلِ العظيمِ مُنَوَّلاً / وَكَفَى بِفضلٍ منه لي تَنْوِيلا
وإذا تعَسَّرَتِ الأُمورُ فإنّني / راجٍ لها بِمُحَمَّدٍ تَسْهِيلا
يا رَبِّ هَبنا للنبيِّ وَهَب لنا / ما سَوَّلَتهُ نُفُوسُنا تَسوِيلا
واستُر علينا ما عَلِمتَ فَلَم يُطِق / مِنَّا امْرُؤٌ لِخَطِيئَةٍ تَخجِيلا
وَاعطِف عَلَى الخَلقِ الضَّعِيفِ إِذَا رَأى / هَولَ المَعادِ فأَظهَرَ التَّهوِيلا
يَوْمٌ تَضِلُّ به العُقُولُ فَتَشْخَصُ ال / أَبْصَارُ خَوْفاً عندهُ وَذُهولا
وَيُسِرُّ فيهِ المُجرِمُونَ نَدَامَةً / حيناً وحيناً يُظْهِرُونَ عَوِيلا
وَيَظَلُّ مُرْتَادُ الخَلاصِ مُقَلِّباً / فِي الشَّافِعِينَ لِحَاظَهُ وَمُجِيلا
لِتنالَ مِنْ ظَمَإ القيامَةِ نفسُهُ / رِيّاً ومِن حَرِّ السَّعِيرِ مَقيلا
وَاجعَل لنا اللَّهُمَّ جَاهَ مُحَمَّدٍ / فَرَطاً تُبَلِّغُنَا بهِ المَأْمولا
واصرِف بِهِ عنَّا عَذابَ جَهَنَّمٍ / كَرَماً وكُفَّ ضِرامَها المَشْعُولا
واجعَل صَلاتَكَ دائِماً مُنهَلَّةً / لَم تُلفِ دونَ ضَرِيحِهِ تَهْلِيلا
ما هَزَّتِ القُضبَ النَّسِيمُ وَرَجَّعَتْ / وَرقَاءُ فِي فَنَنِ الأَراكِ هَدِيلا
اليَوْمَ قد حَكَمَ الهَوَى بالمَعْدَلَهْ
اليَوْمَ قد حَكَمَ الهَوَى بالمَعْدَلَهْ / وأَراحَ قَلْبِي مِنْ مُكابَدَةِ الوَلَهْ
وتَبَدَّلَتْ مِنِّي الصَّبابَةُ سَلْوَةً / صِينَتْ بها عَبَراتِي المُتَبَذَّلَهْ
مالي وَلِلعُشَّاقِ أَتْبَعُ منهمُ / أُمَماً تَضِلُّ عَنِ الرشادِ مُضَلَّلَهْ
مِنْ كلِّ مَنْ يَشْكُو جِنايَةَ نَفْسِهِ / وَيَرُومُ مِنْ أَحْبَابِهِ ما ليسَ لَهْ
إني امْرُؤٌ أُعْطَى السُّلُوَّ قيادَهُ / وَأًراحَ مِنْ تَعَبِ المَلامَةِ عُذَّلَهْ
وَدَعَا جميلَ ابنِ الزُّبَيْرِ مَدِيحَهُ / فأَطَاعُهُ وعَصَى الهَوَى وتَغَزُّلَهْ
مَوْلَىً عَرَفْتُ بِجاهِهِ وبمالِهِ / عِزَّ الغِنَى وجَهِلْتُ ذُلَّ المَسْأَلَهْ
وأَتَمَّ حَظِّي بَعْدَ نُقْصانٍ فَكَمْ / مِنْ عَائِدٍ لِي من نَدَاهُ ومِنْ صِلَهْ
وَجَبَتْ عليَّ لهُ حُقُوقٌ لَمْ / أَقُمْ منها بماضِيَةٍ ولا مُسْتَقْبِلَهْ
لا أَسْتَطِيعُ جُحُودَها وشُهُودُها / عِنْدِي بما أَوْلَتْ يَداه مُعَدَّلَهْ
ما طالَ صَمْتُ مَدائِحِي عَنْ مَجْدِهِ / إِلاَّ لأَنَّ صِلاتِهِ مُسْتَرْسِلَهْ
فمتى هَمَمْتُ بشُكْرٍ سالفِ نِعْمَةٍ / أَلْفَيْتُ سالِفَتي بأُخْرَى مُثْقَلَهْ
مَنْ مِثْلُ زَيْنِ الدِّيِنِ يَعْقُوبَ الذي / أَضْحَتْ بِهِ رَتَبُ الفَخَارِ مُؤَثَّلَهْ
عَمَّ الخَلائِقَ جُودُهُ فكأَنَّما / يَدُهُ بأَرْزاقِ الوَرَى مُتَكَفَّلَهْ
حَكَمَتْ أَنامِلُها لهُ بالرَّفْعِ مِنْ / أفعالِهِ الحُسْنَى بِخَمْسَةِ أمْثِلَهْ
وأَحَلَّهُ الشَّرَفَ الرَّفِيعَ ذَكاؤُهُ / فرَأَيْتُ منهُ عطارِداً في السُّنْبُلَهْ
سَلْ عنه وَاسْأَلْ عَنْ أبيهِ وجَدِّهِ / تَسْمَعْ أحاديثَ الكرامِ مُسَلْسَلَهْ
إنْ صالَ كانَ اللَّيْثُ منهُ شَعْرَةً / أَوْ جادَ كانَ البحْرُ منه أُنْمُلَهْ
كَمْ أَظْهَرَتْ أَقْلامُهُ مِنْ مُعْجِزٍ / لِلطَّرْسِ لَمَّا أنْ رَأَتْهُ مُرْسَلَهْ
مَلأَتْ بإمْلاَءِ الخواطِرِ كُتْبَهُ / حِكَماً عَلَى وفْقِ الصَّوابِ مُنَزَّلَهْ
وَبَدَتْ فَواصِلُهُ خِلالَ سُطُورِها / تُهْدِي لِقَارِئِها العُقودَ مُفَصَّلَهْ
ما صانَها نَقْصُ الكمال وَلَمْ تَفْتْ / في الحُسْنِ بَسْمَلَةُ الكِتابِ الحَمْدْلَهْ
قد أَغْنَتِ الفَقَراءَ وافْتَقَرَتْ لَهمْ / هِمَمُ الملوكِ فما تَزالَ مُؤَمِّلَهْ
مِنْ مَعْشَرٍ شَرَعُوا المَكارِمَ والعُلَى / وتَبَوَّءُوا مِنْ كلِّ مَجْدٍ أَوَّلَهْ
آلُ الزُّبَيْرِ المَرْتَجَى إِسْعَادُهُم / في كُلِّ نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمُعْضِلَهْ
المكْثِرُونَ طَعَامَهُم وَطِعَانُهُمْ / يَوْمَ النَّزالِ وَفي السِّنِينَ المَمْحِلَهْ
قَوْمٌ لِكُلِّهِمُ عَلَى كُلِّ الوَرَى / أَبَداً يَدٌ مَرْهُوبَةٌ ومَنَوَّلَهْ
إنْ يُسْأَلوا كَرَماً وَعِلْماً أُعْجَزُوا / بِبَدِيعِ أَجْوِبَةِ لتلكَ الأَسْئِلَهْ
أنِفُوا ذُنُوباً ودَّ كلُّ مُقَبَّلٍ / لو أنها حسناتُهُ المتَقَبَلَهْ
لولا مَناقِبُكُمْ لَكانت هذه الدُّ / نيا مِنَ الذِّكْرِ الجَميلِ مُعَطَّلَهْ
إنَّ النَّصَارَى واليَهودَ مَعاشِرٌ
إنَّ النَّصَارَى واليَهودَ مَعاشِرٌ / جُبِلوا على التَّحْرِيفِ والتبْدِيلِ
لوْ أنَّ فيهمْ عُوَّرٌ عَنْ باطِلٍ / أَبْقَوْا على التَّوراةِ وَالإِنجِيلِ
عَرِّجْ بِرامَة إنها لَمرامِي
عَرِّجْ بِرامَة إنها لَمرامِي / وبِجيرةٍ فيها عَلَيَّ كِرامِ
نَزَلُوا العَقِيقَ فأَدْمُعِي شَوْقاً إلَى / تِلْكَ الرُّبا مِثْلُ العَقِيقِ دوامِ
ما لِلدِّيارِ وِلِلْمُحِبِّ كَأنَّما / مُزِجَتْ حمائمُها لهُ بحِمامِ
عَهْدِي بها وَكأنَّ مُنَهَلَّ الحَيا / دَمْعِي وَمُصْفَرَّ البَهارِ سَقامِي
وشَدَا الحَمامُ عَلَى الثُّمامِ وَما لِمَنْ / مَرَّ الصِّبا وحَكَتْهُ عُودُ ثُمامِ
وذُهِلْتُ لا أدْرِي بمَا أنا ماثلٌ / بِشَذا نَسِيمٍ أَوْ بِشَدْوِ حَمامِ
نَمَّ الوَشاةُ بِنا إلاَ إنَّ الهَوَى / لَمْ يَخْلُ مِنْ وَاشٍ ولا نَمَّامِ
وتَحَدَّثوا أنِّي سَلَوْتُ هَواكُمُ / كيفَ السُّلُوُّ مِنَ الزُّلالِ الطَّامِي
وَضَرَبْتُمُ بَيْنِي وَبينَ جَمالِكُمْ / حُجُباً مِنَ الإِجْلاَلِ والإِعظامِ
وَقَضَتْ مَهَابَتُكُم بِتَرْكِ زيارَتِي / مَنْ ذَا يَزُورُ الأُسْدَ في الآجامِ
وَلَو أَنَّني حاوَلْتُ نَقْضَ عُهُودِكُمْ / لأَبًَى جَمالُكُمْ وَحِفْظُ ذِمامي
ما ضَرَّكُمْ وَحَسْبُهُ / ما تَلْتَقِ في مِنْ آلامِ
وَلقد خَلَوْتُ بِذِكْرِكُمْ وَلِعَبْرَتي / بِتَسَهُّدِ في الجَفنِ أَيُّ زِحامِ
وَقَرَأْتُ سُلْوَانَ السَّلامِ فليسَ مِنْ / رَوْمٍ لهُ مِنِّي وَلا إِشْمامِ
قَسَماً بِحُسْنِكُمُ المَصُونِ وإنَّهُ / عندَ المُحِبِّ لأَكْبَرُ الأقسامِ
لأُعَفِّرَنَّ بأَرْضِكُمْ خَدِّي مِنْ / مَمْشَى المَهَا وَمَراتِعِ الآرامِ
وَلأَبْكِيَنَّ عَلَى زَمانٍ فاتَنِي / مِنْكُمْ بَعَيْنَيْ عُرْوةَ بنِ حِزامِ
وَلأَهْدِيَنَّ إلى الوَزِيرِ وآلِهِ / درَّ المدائحِ في أَجَلِّ نِظامِ
هُدِيَ الأَنامُ بهِمْ إلى طُرُقِ العُلا / لَمَّا غَدَوْا في الفَضْلِ كالأَعْلاَمِ
صانَ النَّدَى أَعْراضَهُمْ وَزَهَتْ بهمْ / فكأَنما الأَزْهارُ في الأَكْمامِ
وَتَأَثَّلَتْ لِلدِّينِ وَالدُّنيا بهِمْ / عَلْيا تُخَلِّقُ جِدَّةَ الأيَّامِ
وَحَمَى الوَزِيرُ الصاحِبُ بن مُحَمَّدٍ / جَنَباتِها مِنْ رَأْيِهِ بِحُسامِ
لَمَّا أَصابَ بها مَقاتِلَ العِدا / عِلِمُوا بأنَّ القَوْسَ في يَدِ رامِ
اللهُ وَفَّقَهُ فَوَفَّقَ كُلَّ ما / يَنْوِيهِ مِنْ نَقْضٍ وَمِنْ إبْرَامِ
فكأنَّما الأَقْدَارُ في تَصْرِيفِها / مُنْقادَةٌ لِمُرَادِهِ بِزِمامِ
وَصَلَ النَّهَارَ بِلَيْلِهِ في طَاعَةٍ / وصَلاتُهُ مَوصُولَةٌ بِصِيامِ
كُحِلَتْ بِتَقْوَى اللهِ مُقْلَتُهُ التي / لَمْ تَكْتَحِلْ أجْفانُها بِمَنَامِ
يُمْسِي وَيُصبِحُ طاوِياً أحْشاءَهُ / كَرَماً عَلَى سَغَبٍ وحَرِّ أُوَامِ
عَجَباً لهُ يَطْوِي حَشاهُ عَلَى الطَّوَى / وَتَحُضُّهُ التَّقْوَى على الإِطْعامِ
نَزَعَتْ ومَا هَمَّتْ بهِ النُّفْسَ الَّتي / نَزَعَتْ عنِ الشَّهَوَاتِ نَزْعَ هُمامِ
فَتَنَعُّمُ الأَرْواحِ ليسَ بِمُدْرَكِ / إلاَّ بِتَرْكِ تَنَعُّمِ الأَجْسامِ
قَرَنَ الوزارةَ بالوِلايَةِ فهْوَ فِي / حِلٍّ مِنَ التَّقْوَى وَمِنْ إحْرَامِ
فافَتْ مناقِبُهُ العُقُولَ فَوَصْفُهُ / ما ليسَ يُدْرَكُ في قُوَى الأفهامِ
فَقَرائحي فِيما أَتَتْ مِنْ مَدْحِهِ / كالنَّحْلِ يَأتِي الزَّهْرَ بالإلهامِ
أوَما تَراها رِيقُها يُحلِي الجَنَى / وبِناؤُها في غايَةِ الإِحْكَامِ
وَإذا رَعَتْ كَرَمَ المكارِم أُخْرَجَتْ / شَهْدَ المَدَائِحِ فيهِ وسُكْرَ مُدامِ
تَكْسُو مَحاسِنُه المدِيحَ جلالَة / فَيَجِلُّ فِيها قدرُ كلِّ كَلامِ
يَهْتَزُّ لِلْمَجْدِ اهْتِزَازَ مُثَقَّفٍ / كَرَماً وَيَنْتَدَبُ انْتِدابَ حُسامِ
كَلِفٌ بإِسْداءِ الصَّنائِعِ مُغْرَمٌ / لا زالَ ذا كَلفٍ بها وغَرامِ
يَرْتَاحُ إنْ سُئِلَ النَّوالَ كَأنَّما / وَرَدَتْ عليه بِشارَةٌ بِغُلامِ
تَفْدِيهِ أَقْوَامٌ كَأنَّ وُجُوهَهُم / عندَ السَُؤَالِ صَحائِفُ الآثامِ
كَمْ بَيْنَ ضِكْرِ الصَّاحِبِ بنِ مَحَمَّدٍ / فينا وذِكْرِ أُولئكَ الأقوامِ
شَوْقاَ لِما مَسَّتْ أَنامِلُهُ فَيا / هَوْنَ النُّضارِ وَعِزَّةَ الأُقلامِ
أَكْرِمْ بأَقلامٍِ غَدا قَسَمِي بها / مِنْ كلِّ خَيْرٍ أَوْفَرَ الأَقسامِ
فكَمِ ارتَزَقْتُ بِغَيْرِها لِضَرُورَةٍ / فَكأنَّما اسْتَقْسَمْتُ بالأَزْلاَمِ
وَعَكَفْتُ آمالِي عَلَيها جاهِلاً / فكأنَّما عَكَفَتْ عَلَى الأَصْنامِ
وَرَجَعتُ عنها آيساً فكأنما / رَجَعَ الرَّضِيعُ مُرَوَّعاً بِفِطامِ
زانَ الوُجودَ بِخَمْسَةٍ سَمَّاهُمُ / مِنْ أَحْمَدٍ وَمُحَمَّدٍ بأَسامِي
فَتَشابَهَتْ أَسماؤُهُمْ وَصِفاتُهُمْ / وَغَنُوا عَنِ التَّعْرِيفِ بالأَعْلاَمِ
فَثَناءُ واحِدِهمْ ثَناءُ جَمِيعِهِمْ / في الفَضْلِ لِلتَّفْخِيمِ وَالإدْغامِ
مِثْلُ الثُّرَيَّا وَهْيَ عِدَّةُ أَنْجُمٍ / يَدْعُونها بالنَّجَمِ للإِعْظامِ
أَبَنِي عَلِيٍّ كلُّكُمْ حَسَنٌ أتى / في الفَضْلِ مَنْسُوبَ لِخَيْرِ إِمامِ
فُتِحَتْ به سُنَنُ العُلا وفُرُوضُها / فكأنَّهُ تكبِيرةُ الإِحْرامِ
وكَأنَّكُمْ في فَضْلِكُمْ رَكَعاتُها / مَخْتُومَةً بِتَحِيَّةٍ وَسَلامِ
إنَّ العُلا لَمْ تَسْتَقِمْ إلاَّ بِكُمْ / يا خَمْسَةً كَدَعائِمِ الإِسْلامِ
أَنْتمْ أَنامِلُها وليسَ لها غِنىً / عَنْ خِنْصَرٍ منكُمُ وَلا إبْهامِ
أنتم قُوَى الإِدْراكِ مِنْ إحْساسِها / لَمْ تَفْتَقِرْ مَعَكُمْ إلى استفهامِ
وَلَكُمْ بأَصْحَابِ العَباءَةِ نِسْبَةٌ / تَبَعِيَّةٌ بِتَناسُبِ الإِقْدَامِ
حامَيْتُمُ عنهمْ وَحَامَوْا عنكُمُ / إنَّ الكَرِيمَ عَنِ الكَرِيمِ يُحامِي
فاللهُ حَسْبُكَ يا مُحَمَّدُ صَاحِباً / ومُؤازِراً في رِحْلَةٍِ وَمُقامِ
يا مَنْ أَعارَ البَدْرَ مِنْ أَوْصافِهِ / حُسْنَ المُحَيّا المَحَلَّ السَّامِي
جَعَلَ الإلهُ بِكَ الخَميسَ مُبارَكَ الْ / حَرَكاتِ في الإِنْجادِ وَالإِتْهامِ
مُتَنَقِّلاً مِثْلَ البُدُورِ وسائراً / بِنَدَاكَ في الآفاقِ سَيْرَ غَمَامِ
جادَتْ عَلَى سُكانِ مِصْرَ غُيُومُهُ / وَدَهَتْ صَواعِقُهُ فَرَنْجَ الشَّامِ
صَدَقَتْ سواحِلُهُمْ بُرُوقُ سُيُوفِهِم / وتعاهَدَتْ منها حِصادَ الهامِ
وَعَقَدْتَ رأْيَكَ فيهِمُ فَلَقِتَهُمْ / فَرْداً بِجَيْشٍ لا يُطاقَ لُهامِ
أَطْفَأْتَ نِيرانَ الوغَى بِدِمائِهِمْ / ولها بِقَرْعِ النَّبْعِ أَيُّ ضِرامِ
وَأَذَقْتَ بالرُّمْحِ الصَّمِيمِ كُماتَها / طَعْمَ الرَّدَى واالصَّارِمِ الصَّمْصَامِ
ولَبِسْتَ فيها سابِغاتِ عزائِمٍ / تُغْنِي الكُماةَ عَنِ ادِّراعِ الَّلامِ
فُتِحَتْ بَهِمَّتِكَ القِلاعُ وحُصِّنَتْ / فأبى نَظْمُ العُلا وَمَفاتِحُ الإِظْلامِ
نَسَجَتْ بُرودَ بلاغَتَيْهِ / وَأَبْدَتِ الإِبْدَاعَ في الآسادِ والآجامِ
فالنَّظْمُ مِثلَ جَوَاهِرٍ بِقَلائِدٍ / والنُّثْرُ مِثْلَ أَزاهِرٍ بِكِمامِ
وَإذا نَظَرْتَ إلى مواقِعِ نَقْشِها / في الطِّرْسِ قلتَ أَخِلَّةُ الرَّمَّامِ
وَرِثَتْ مَكارِمُهُ بَنُوهُ فَحَبَّذا / كَرمُ السَّجايا مِنْ تُراثِ كِرامِ
ما كانَ إلاَّ الشِّمْسَ فَضْلاً أُعْقِبَتْ / مِنْ وارِثِيهِ بِكلِّ بَدْرِ تَمامِ
أَوَ لَيْسَ أَحْمَدُ بَعْدَهُ ومُحَمَّدٌ / بَلَغا مِنَ العَلْياءِ كلَّ مَرامِ
فَلْيَهْنِ هذا أنَّ هذا صِنْوُهُ / وَكِلاهُما لإِبيهِ حَدُّ حُسامِ
ضاهَتْكُما في المَكْرُماتِ بَنُوهُما / والشِّبْلُ فيما قيلَ كالضِّرْغامِ
بأبيهِ كُلٌّ يَقْتَدِي وَبِعَمِّهِ / مِنْ أكْرَمِ الآباءِ وَالأَعْمامِ
مَوْلاَيَ زَيْنَ الدِّينِ يا مَنْ جُودُهُ / كَنزُ العُفاةْ ومُهْلِكُ الإعْدامِ
أمَّا مَقامُكَ في الصَّلاحِ فإنَّهُ / فيما عَلِمْناهُ أَجَلُّ مَقامِ
بمَ زادَ عنْكَ أَبو يَزِيدَ وقد / غَدَتْ مِصْرٌ مُفَضَّلَةً عَلَى بسْطامِ
لَمَّا عَمِلْتَ بما عَلِمْتَ مُراقباً / للهِ في الإِقدامِ والإحْجامِ
طَوَّحْتَ بالدُّنيا وقُلْتَ لها الْحَقِي / بِمَعاشِرِ الوُزراءِ وَالحُكَّامِ
وَنَسِيتَ ما لَمْ يُنْسَ مِنْ لَذَّاتِها / وَعَدَتْتَها مِنُ جُمْلَةِ الآثامِ
مَوْلايَ عُذْراً في القَرِيضَ فليسَ لِي / في النَّظْمِ بَعْدَ الشِّيْبِ مِنْ إلْمَامِ
لوْ لم أَرُضْ عَقْلِي بِمَكْتَبِ صِيْبَةٍ / حَمِيَتْ عَلَيَّ عَوارِضُ البرِسامِ
ما زِلْتُ أَرْغَبُ أَنْ أَكونَ مُعَلِماً / فيكونَ فَضْلِي مُكمِلَ الإِعْلامِ
قدْ صارَ كُتَّابي وَبَيْتِيَ مِنْ بَنِي / غَيْرِي وأبنائي كَبُرْجِ حَمامِ
أَعْطَيْتُهُمْ عَقلِي وآخُذُ عَقْلَهُمْ / فأَبِيعُ نورِي منهمُ بظَلامِ
لوْ أَنَّ لِي عَنْ كلِّ طِفْلٍ منهمُ / أَوْ طِفلةٍ شاةً مِنَ الأَنعامِ
لَضَرَبْنَ لِلأمْثالِ لابنِ نِفايَةٍ / مِنْ كثرةِ الأَبقارِ والأَغْنامِ
وَبَلِيَّتِي عِرسٌ بُلِيتُ بِمَقْتِها / والبَغْلُ مَمْقُوتٌ بغَيرِ قيامِ
جَعَلَتْ بإِفْلاسي وَشيْبِي حُجَّة / إذا صِرْتُ لا خَلْفِي ولا قُدَّامِي
بَلَغَتْ مِنَ الكِبَرِ العِتَّي ونُكِّسَتْ / فِي الخَلْقِ وَهْيَ صَبِيَّةُ الأَرحامِ
إنْ زُرْتُها في العامِ يَوْماً أَنْتَجَتْ / وَأَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرُ بالقَوَّامِ
وَأَظُنُّ أنَّهُم لِعُظْمِ بَلِيَّتي / حَمَلَتْ بِهِمْ لاشَكَّ ليسَ بالقَوَّامِ
أَوَ كُلَّ ما حَلِمَتْ به حَمَلَتْ به / مَنْ لِي بِأنَّ الناسَ غيرُ نيامِ
يا لَيْتَها كَانَتْ عَقِيماً آيساً / أَوَ لَيْتَنِي مِنْ جُمْلةِ الخُدَّامِ
أَوَ لَيْتَنِي مِنْ قَبْلِ تَزْوِيجي بها / لو كنتُ بِعْت حلالها بِحَرامِ
أَوَ لَيْتَنِي بعضُ الذينَ عَرَفْتُهُمْ / مَمَّنْ يُحَصِّنُ ينَهُ بِغُلامِ
كيفَ الخَلاصُ مِنَ البَنينَ ومِنهُمُ / قومُ وَرايَ وَآخَرُونَ أمامِي
لَمْ يُرْزَقِ الرِّزْقَ المُقِيمُ بِأَهْلِهِ / فَشَكَوْأ عَنا بُعْدِي وَفَقْرَ مُقامِي
فارَقْتُهُمْ طَلَباً لِرِزْقِهِمُ فلا / صَرْفِي يَسُرُّهُمُ وَلا اسْتِخْدَامِي
مَنْ كانَ مِثْلِي لِلْعيالِ فإنَّهُ / بَعْلُ الأَراملِ أَوْ أَبُو الأَيْتامِ
أًصْبَحْتُ مِنْ حَمْلِي هُمُومَهُمُ عَلَى / هَرَمِي كأني جامِلُ الأَهْرامِ
فإنْ اعْتَذَرْتُ لَهُمْ عَنِ التَّقْصِيرِ في / مَدْحِي الوَزِيرَ فَحُجَّةُ الأَقْدامِ
كالشِّيْبِ يُغْدِقَ بالهُمومِ ذَنُوبَهُ / والذَّنْبُ فيهِ لكَثْرَةِ الأَعْوامِ
لا بَلْ رَكِبْتُ لهمِ جَوادَ خلاعَةٍ / ما زالَ يَجْمَحُ بي بغَيرِ لِجَامِ
إني امْرُؤٌ ما مَدَّ عينَ خَلاعَتي / طَمْعٌ لِدِينارٍ وَلا دِرْهامِ
وَإذا مَدَحْتُ الأُكْرَمِينَ مَدَحْتُهُمْ / بِجَوائِزِ الإِعْزازِ وَالإكْرامِ
فاصفَحْ بِحِلْمِكَ عَنْ قَوَافِيَّ التي / حَظِيَتْ لَدَيْكَ بِأوْفَرِ الأَقْسامِ
إنْ يُحْيي جُودُكَ لِي أبا دُلَفٍ غَدا / حَيَّا لَهُ فَضْلي أَبَا تَمَّامِ
كُونُوا مَعِي عَوناً عَلَى الأيَّامِ
كُونُوا مَعِي عَوناً عَلَى الأيَّامِ / لا تَخْذُلُونِي يا بَنِي عرَّامِ
إنْ كانَ يُرضِيكَمْ وحاشا فَضلَكُمْ / ضُرِّي فَحَسْبِي زَلْقَةُ الحَمَّامِ
قُلْتُ لَكُمْ عِنْدَ السُّرَاقِ مُبَلِّغٌ
قُلْتُ لَكُمْ عِنْدَ السُّرَاقِ مُبَلِّغٌ / أخذِي عَنِ المَذْكُور مَا مَعْنَاهُ
لاَ تَجْعَلُوني في الحَمِيرِ كَناظِمٍ / سَرَقَتْ يَدَاهُ فَقُطِّعَتْ أُذُناهُ
انْظُرْ بِحَمْدِ اللهِ فِي
انْظُرْ بِحَمْدِ اللهِ فِي / عَيْنَيْهِ سِرَّاً أَيَّ سِرِ
طَمَسَ الْيَمِينَ بِكَوْكَبٍ / وسَيَطْمُسُ اليُسْرَى بَفَجْرِ
أمًّا المَحَبَّةُ لِمَنْ فَهِيَ بَذْلُ نُفُوسِ
أمًّا المَحَبَّةُ لِمَنْ فَهِيَ بَذْلُ نُفُوسِ / فَتَنَعَّمِي يَا مُهْجَتِي بالبُوسِ
بَذَلَ المُحِبُّ لِمَنْ أَحَبَّ دُمُوعَهُ / وَطَوَى حَشَاهُ عَلَى أَحَرِّ رَسِيسِ
صَدِّقْ وَقُلْ مَنْ لَمْ يَقُمْ كَقِيامِهِ / لَمْ يَنْتَفِعْ مِنْهُ امْرُؤٌ بِجُلُوسِ
قَبِلَ الإلهُ تَقَرُّبِي بِمَدِيحِهِ / وَتَوَجُّهِيلِجنَابِهِ المَحْرُوسِ
رُمْتُ المَسِيرَ إلَيْهِ أَعْجَزَنِي السُّرَى / وَأبَاحَنِي مَرْآهُ غَيْر يَئُوسِ
أكْرِم بِيَوْمِ الأرْبَعَاءِ زِيَارَةً / لَكَ إنَّهُ عِنْدِي كَأَلْفِ خَمِيسِ
كُلُّ اتِّصالاتِ السَّعِيدِ سَعِيدَةٌ / بِمَثَابَةِ التَّثْلِيثِ وَالتَّسْدِيسِ
شَرَفاَ لِشَاذِلَةٍ وَمرْسِيَةٍ سَرَتْ / لَهُمَا الرِّياسَةُ مِنْ أجَلِّ رَئِيسِ
ما إنْ نَسَبْتُ إلَيْهِما شَيْخَيْهِما / إلاَّ جَلَوْتُهُما جِلاَءَ عَرُوسِ
أنْشَأْتَ مَدْرَسَةً ومَارسْتاناً
أنْشَأْتَ مَدْرَسَةً ومَارسْتاناً / لِتُصَحِّحَ الأَجْسامَ وَالأبْدَانَا