المجموع : 35
غيرت عهدك في الهوى فتغيرا
غيرت عهدك في الهوى فتغيرا / ملك الهوى قلبي وقلبك ما درى
كوني كما أنا في الغرام وفية / لا تهجريني ما خلقت لأهجرا
أصبحت فيك من الولوع بغاية / لو زدت حسناً لا أزيد تحيراً
بلغ المدى بي كل شيئ في الهوى / فإذا اردت زيادة لن أقدرا
يسمو بك الحسن المدل إلى السما / ويمت به الجد المذل إلى الثرى
ماذا التخالف في المحبة بيننا / نفس مكرمة ونفس تزدري
ينفك عمري في الهوى متقدماً / ويظل سبقي في الهوى متأخرا
وأكاد أحسب في غرامك شقوتي / لو كان يسعد عاشق بين الورى
عندي حديث إن أردت ذكرته / من لي بأن تصغي إلي وأذكرا
عصفت به ريح الملامة موهناً / فجرى على وجه العذول وغيرا
لا تنكري نظرات عيني خلسة / الله قد خلق العيون لتنظرا
وقفت عليك فما انثنت عن منظر / فتنت به إلا لتطلب منظرا
أرسلت طيفك في المنام يزورني / فدنا وولى وهو يعثر بالكرى
لم يبق من أثر سوى تبسامة / خطرت على نفس الهوى فتأثرا
أتبعته أملي فأقصر دونه / ولو استمد بلفتة ما أقصرا
لا يعذلوني في غرامك ضلة / من هام فيك فحقه أن يعذرا
رقت حواشي الروع فيك صبابة / ونهى النهى عنك الفؤاد فاعذرا
قلبي يحس وهذه عيني ترى / ما حيلتي فيما يحس وما يرى
إن تصبري عني فقلبك هكذا / أما أنا فأخاف أن لا أصبرا
تمسين ناسية وأمسى ذا كرا / عجباً أشاعرة تهاجر شاعرا
فهل الملائك كالحسان هواجر / أن الملائك لا تكون هواجرا
أن كنت لاأسعى لدارك زائراً / فلكم سعى فكري لدارك زائراً
وأخو الوفاء يصون منه غائباً / أضعاف ما قد صان منه حاضرا
يصيبك طير الروض في ترجيعه / يا ليتني في الروض أصبح طائرا
ويهز منك الدهر في زفراته / نفساً تظل لها النفوس زوافرا
قد عشت دهرك بالمحاسن صبة / قضيت دهري بالمحاسن حائرا
أنا إقتسمنا السحر فيما بيننا / لله ساحرة تساجل ساحرا
لابد في هذي الحياة من الهوى / إن الهوى يهب الحياة نواظرا
ولقد تهب عليه يوماً سلوة / فتنيم ساهرة وتترك ساهرا
يا ويح ذي قلب يناجي مثله / يدعوه مؤنسه فيبقى نافرا
قلبان ذة صبر يعاني هاجراً / أو هاجر ظلماً يعذب صابرا
متوافقان على الشكاية في الهوى / كم جائراً في الحب يشكو جائرا
إن كان قلبي في التصبر مذنباً / فليمس قلبك في التصبر عاذرا
سيعود ذاك الود أبيض ناصعاً / ويصير هذا العهد أخضر ناضر
يبكي بنوك ويضحك الزمن
يبكي بنوك ويضحك الزمن / ماذا أصابك أيها الوطنُ
ما أوشكت أن تنتهي محنٌ / إلا وجاءت بعدها محنُ
أما الرسوم فإنها درست / أما الرجال فإنهم دفنوا
لو لا بقايا معشر سلفوا / لتنبهت من نومها الفتنُ
العصر راجت سوق باطله / فالحق فيه ماله ثمنُ
فطن البرايا للذي وقعوا / فيه وبعض الناس ما فطنوا
يا قوم هبوا من مضاجعكم / طال المدى حتى م ذا الوسنُ
لا الصبر ينفعه ولا الجزع
لا الصبر ينفعه ولا الجزع / قلب يكاد شجاه يطلع
يا ليل هذا ساهر قلق / يرعى النجوم وقومه هجعوا
هل فيك ذو شجن يشاركني / أشكو له ما بي فيستمع
سرت الهموم فقمت أدفعها / وإذا هموم ليس تندفع
من بات تدمع عنيه أسفاً / فأنا فؤادي بات يدمع
أشفقت من دهري على أملي / واليوم أنظر كيف ينقطع
ويلي عليه وهو يخدعني / أدري حقيقته وأنخدع
يا شرق لج بك العداة هوى / يا شرق أغراهم بك الطمع
وبنوك قد طبعوا على خلق / وعلى سواه الناس قد طبعوا
عاشوا يؤلف بينهم وطن / فتفرقوا فيه وهم شيع
يتفرقون على مذاهبهم / وعلى الأخاء الناس تجتمع
جهلوا فأخضعهم تعصبهم / والله لو علموا لما خضعوا
أنذرتهم يوماً صوادعه / لو مست الأفلاك تنصدع
وأريتهم زمناً ألم بهم / يبري السهام لهم وينتزع
هنأتهم بالأمس إذ نهضوا / واليوم أرثيهم وقد وقعوا
أهديتهم ردي فما قبلوا / أخلصتهم نصحي فما اتبعوا
والشيء يرخص حين تبذله / والشيء يغلو حين يمتنع
ماذا على الأقدار لو نزعت / عن حربها فعداتها نزعوا
واسترجعت عهد الصفاء لهم / وإذا غشاء فذاك يرتجع
قد أجهدتهم وهي عارمة / وأظنها يوماً سترتدع
أبني بلادي قد مضت أمم / هذا طريقهم الذي اشترعوا
أنا حللنا في منازلهم / وقد انتجعنا حيثما انتجعوا
وإذا بطرنا مثلما بطروا / فلسوف نصرع مثلما صرعوا
إن تصبروا فلطالما صبروا / أو تجزعوا فلشد ما جزعوا
لم تعدنا حال لهم عرضت / فحياتهم وحياتنا شرع
أبداً نعيش على مغالبة / الدهر يخفضنا ونرتفع
ونراه يبتدع الخطوب لنا / حتى تفانت عنده البدع
لم ننتفع بتجارب سلفت / وإحال لسنا بعد ننتفع
أشياخنا يمشي بهم كلف / وشبابنا يجري بهم ولع
يتحاربون على فؤادهم / والحرب تأخذ ضعف ما تدع
ماذا لهم لله درهمو / الناس قد عفوا وهم جشعوا
إن القصور بهن مقتعد / مثل القبور بهن مضطجع
أبني المسيح وأحمد انتبهوا / ودعوا رجالاً منكم هجعوا
جاؤا الورى والأمر ملتئم / ثم انثنوا والأمر منصدع
لم يرض أحمد والمسيح بما / صنعوا فلا ترضوا بما صنعوا
أرواحكم من بعضها قطع / وجسومكم من بعضها بضع
لا تحسبن خلافكم ورعا / إن ائتلافكم هو الورع
الملك تعليه مدارسه / تلك المساجد فيه والبيع
ويحب تموز لعاشره / لا تذكر الآحاد والجمع
لمن الطلول كأن عرصتها / للموت منحرث ومزدرع
آياتها ورسومها درست / وخلابها مشتى ومرتبع
سكانها عن محلها نزعوا / ولطالما في خصبها رتعوا
أسلافهم في غابها أمنوا / وبنوهم في سوحها فزعوا
شمخ الزمان بهم وقد شمخوا / واليوم يخشع إذ هم خشعوا
قد زال عنها الصفو أجمعه / وانتاب فيها الأزلم الجذع
كم عاش في آجامها بطل / كالليث لا وان ولا ظلع
ثبت تجرد من مدارعه / يلفي الدجى درعاً فيدرع
يلقى الردى والبيض مصلتة / وأسنة الخطي تشترع
والخيل غضبي في أغتها / والنقع منطبق ومنقشع
تمشي اللواحظ منه في ملك / يسمو الجلال له فيتضع
حتام هذا الجهل مطرد / والى م ذا الجهل متبع
تمضي الجدود بنا فيدركها / من خلفها عجز فترتجع
وكأن ريب الدهر في يده / سيف على الأعناق يلتمع
ما يرتجي الأحرار من زمن / يزداد تيهاً كلما ضرعوا
أوفى على المضمار مرتقباً / يتسابقون به ويقترع
إن بلغوا غاياتهم هنئوا / أو قصروا من دونها فجعوا
هل تحت هذا الأفق من أمم / جرعت كؤوسهم التي جرعوا
أحشاؤهم حرى فما ابتردوا / وكبودهم ظمأى فما انتقعوا
إ نا لأقوام لنا همم / للمجد تدفعنا فنندفع
العمر أهون أن يضيق بنا / والموت للأحرار متسع
هاجتك خالية القصور
هاجتك خالية القصور / وشجتك آفلة البدور
وذكرت سكان الحمى / ونسيت سكان القبور
وبكيت بالدمع الغزي / ر لباعث الدمع الغزير
ولواهب المال الكثي / ر وناهب المال الكثير
حامي الثغور الباسما / ت مضيع آهلة الثغور
إن كان أخلى يلديزا / مخلي الخورنق والسدير
أو فاستسرت من سما / ها أنجم بعد الظهور
فلتأهلن من بعدها / آلاف أطلال ودور
بعد النجوم ثوابت / والبعض دائمة المسير
ضائت عقود الملك ما / بين الترائب والنحور
والشيخ بات فؤاده / في أسر ولدان وحور
ما زال معتصر الخدو / د هوى ومهتصر الخصور
وإذا انقضت ليلاته / وصلت بليلات الشعور
أهدى الفتور لقلبه / ما باللواحظ من فتور
واستنفرته عن الرعا / يا كل آنسة نفور
تختال من حلل الصبا / بة في الدمقس وفي الحرير
والجند عارية منا / كبها مقصمة الظهور
خمص البطون من الطوى / دقت فعادت كالسيور
إن الزمان يغر ثم / يذيق عاقبة الغرور
وعظتك واعظة الفتير / ورأيت منقلب الدهور
ومشى الزمان إليك بال / أحزان من بعد السرور
قد كنت ذا القصر الكب / ير فصرت ذا البيت الصغير
وربيت في مجد الأمير / ولم تمت موت الأمير
لما سلبت الحكم قل / ت الحكم لله القدير
هل كنت ترضى أولاً / ما قلت في الزمن الأخير
ورآك جندك ضارعاً / لهم ضراعات الأسير
لقد استجرت بمعشر / ما كنت فيهم بالمجير
أنذرت لكن لم تشأ / تصديق أقوال النذير
وأثرتها شعواء تد / لف تحت رايات المثير
ملمومة الأطراف تن / زو بالصدور إلى الصدور
تم التكافؤ تحتها / فسطا النظير على النظير
أسد هصور في الوغى / يسعى إلى أسد هصور
يا مسغب الأجناد قد / اشبعت ساغبة النسور
هي غارة لكنها / دارت على رأس المغير
من ذا استشرت لها ولم / تك في الزمان بمستشير
لقد استطرت بشر يو / مك كل شر مستطير
وخترت يا عبد الحمي / د وما استحيت من الختور
إن الخفور سجية / فاذهب فما لك من خفير
إن الثلاثين التي / مرت بنا مر العصور
وهبتك تجربة الأمو / ر فعشت في جهل الأمور
ورددت عارية الخلا / فة بعد ذلك للمعير
من كان يدعوك الخب / ير فلست عندي بالخبير
لله أجساد ثوت / بين الجنادل والصخور
باتت على خشن الثرى / من بعد مضجعها الوثير
كانت زهور شبيبة / لهفي على تلك الزهور
نضرت سنين ولم تذق / من لذة العيش النضير
سقيت مياه دمائها / والروض رقراق الغدير
كم خلفها من صبية / يتمت ومن شيخ كبير
يترقبون مآبها / إن المآب إلى النشور
وممنعات في الخدو / وتموت حزناً في الخدور
ترجو زيادة صبها / نبت الزيارة بالمزور
لم يُجدها نصح القبي / ل ولا تسلت بالعشير
أودى الردى بنصيرها / فغدت تعيش بلا نصير
فشكلتها بلسانها / والزن في طي الضمير
نوح الطيور يهجيها / فتنوح من نوح الطيور
لا بالعشي تفيق من / بث ولا عند البكور
لو أن للأيام ال / سنة لصاحت بالثبور
عجت رواحلها وقد / سئمت مواصلة الكرور
فترى شعوباً في أسى / وترى شعوباً في حبور
أبداً تدار كما يرا / د وأمرها بيد المدير
من عاش يستحلي الشرو / ر يموت من تلك الشرور
لما أديل عن السرير / بكاه عبّاد السرير
نذروا النذور لعوده / هيهات يرجع بالنذور
أسفوا عليه وإنما / أسفوا على المال الدرير
والبعض بات جريره / فسما يتيه على جرير
طلبوا له عفو الغفو / ر وشذ عن عفو الغفور
قلص ظلالك راحلاً / ودع البرية في الهجير
ويح الربوع الدائرا / ت إلى م تبقى في دثور
ماذا نرى إحدى العوا / صم أم نرى إحدى القفور
الأفق مغبر الصحي / فة والبرى خافي السطور
والملك بينهما يطل / على السباسب والبحور
كالشمس تبدو من وراء / السحب في اليوم المطير
وإذا تجلى وجهها / يزهو بنور فوق نور
حكت النواظر للنواظر
حكت النواظر للنواظر / برح الخفاء عن الضمائر
ما في الغرام سريرة / العاشقون بلا سرائر
حدّث بوجدك من ترى / لا تخفه فالأمر ظاهر
بان الرقيب ورُفّعت / عن وجه من أهوى الستائر
وبدت محاسنها التي / توحي الكلام لكل شاعر
يا من لقيتُ بهجرها / ما لا يطيب بقلب هاجر
من كان يصبر في هوا / ك فما أنا فيه بصابر
تُيّمت في هذي الخدو / د وهمت في تلك الغدائر
الله فيك وفي جما / لك وأمري هو فيك حائر
لي منك ما لا يستفا / ض بمثله فيض الخواطر
أنا من عرفت وفاءه / إن كان ساءك غدر غادر
لم ترض عثمانيتي / لي أن أخاتل أو أخاتر
قومي همُ القوم الألى / فاقوا الأوائل والأواخر
كسروا القيود وأطلقوا / أسراهم من كل آسر
اهتزت الدنيا بهم / واليوم تهتز المنابر
بالأمس كنا معشراً / تبكي لحالتنا المعاشر
تقتادنا الأيدي الأثيمة / للسجون أو المقابر
ويصول أنصار الملي / ك على الأكابر والأصاغر
تمشي الأيامى واليتا / مى والمدامع في المحاجر
كم بالمعاقل من فتى / متوقد الأحشاء زافر
لم يجن ذنباً إنما / سارت به القسم السوائر
لم يبق قصر عامراً / لكن قصر الظلم عامر
بتنا ننوح على الأحبْ / ة في منازلها الدوائر
أفروق حسنكِ ساحر / وأنا أهيم بكل ساحر
ما أنتِ إلا فتنة ال / أبصار موعظة البصائر
أنت التي أودى غرا / مك بالأكاسر والقياصر
يدعو الخليج قلوبهم / فتسير فيه كالمعابر
لله قصر شامخ / مدّ النواظر عنهُ قاصر
قصر بهِ يعلوا التسا / وي رأس مأمور وآمر
هو جحفل أو محفل / فيه المنازل والمناظر
ضاعت مفاتيح لهُ / واليوم تفتحهُ السماهر
جمعت مداره فيهِ عن / كل القبائل والعشائر
يتشاورون بأمرهم / والله في عون المشاور
الآن لما صار ما / خلناه دهراً غير صائر
واسترجع النائي الحمى / قول السعادة ويك بادر
وسعى الكريم إلى الكريم / مؤازراً نعم المؤازر
كادت بلاد الله تر / قص حين أقبلت البشائر
يا دهر شكرك واجب / يا دهر ما في الناس كافر
لم يبق ظلم يُتقى / دارت على الظلم الدوائر
نفدت دموعي والأسى لا يفند
نفدت دموعي والأسى لا يفند / اليوم يبكيني ويبكيني الغد
بالله يا وطني أمالك راحم / أكذاك نارك كل يوم توقد
وجدي عليك ولست وحدي واجداً / من يعرفونك وأجد أو موجد
ذهبت محاسنك التي أنشدتها / فإذا صبوت فأي حسن أنشد
إن يطالمو لا فكم أصابك ظلمهم / إن كنت تجحده فما أنا أجحد
أو ينزلوا بك للحضيض خيانة / فلعهدنا بك للكواكب تصعد
لو كان في هذي المنازل مصلح / ما ساد في هذي المنازل مفسد
إن يحرقوها ظالمين فبعدها / نار ستحرق في لظها الأكبد
أفروق ما لك في البرية منجد / كلا ولا لي في البرية منجد
فستظلمين كنا ظلمت بعشر / سادوا وأكثرهم بأرضك أعبد
يا أفق لولا في الأرض لي وطن / لكان في بعض زهرك السكن
أرض سقاني نميرها قدماً / وجاد لي من ثماره الغصن
يسير بي حبها فاتبعه / يفتنني حسنها فأفتتن
ويلي ما للبعاد يحزنني / حسبي ما جره لي الحزن
أبكي ويبكي معي أخو شجن / لا يضحك الدهر من له شجن
يا وطناً قد جرى الفساد به / متى يرينا أصلاحك الزمن
دفنت حياً وما دنا أجل / ما ضر لو دافنوك قد دفنوا
دماء ابنائك الكرام جرت / بحراً فاشلائهم له سفن
يل ليت يدري وليت باطلة / من خلفوا للمقام من ظعنوا
هبوا بني المجد إنها فرص / تمضي سراعاً حتى م ذا الوسن
أمنتم الدهر في غوائله / والدهر خوان الألى ائتمنوا
لم تحفظوا البأس مثل من حفظوا / لم تخزنوا المال مثل من خزنوا
وا أسفاً يا زمان وا أسفاً / أفنيت ظلماً رجالنا ففنوا
نحن هدمنا والسالفون بنوا / نحن استرحنا والسالفون عنوا
يا معهداً للخطوب ما عهدت / مثلك عين لنا ولا أذن
هذي بلاد كالدو مقفرة / أبيات أبائنا بها دمن
فليبعث العدل من ضريحته / وليتمزق عن جسمه الكفن
والله لا تجتلي محاسنها / وليس فينا من فعله حسن
عز علينا فروق من قطنوا / فيك فهم في العذاب قد قنوا
كان لهم لين دهرهم ولقد / نبا بهم عنه موطن خشن
كنت لهم مغنماً إذا غرموا / كنت لهم غنية إذا غبنوا
وإنما تصلح البلاد إذا / رجالها للصلاح قد فطنوا
نشتاق حرية فيؤيسنا / من دهرنا عن حبائها ضنن
أوهننا حبها وتيمنا / حتى برانا وشفنا الوهن
إن نحوها نحو منة عظمت / تصغر في جنب نيلها المنن
حلت بأرض فلا تزايلها / فالروح فيها ترتاح والبدن
ظل لها مورقاً لهم فنن / ونحن فينا لا يورق الفنن
تجسسوا إنما تجسسكم / بمثلكم لا بمثلنا قمن
قولوا غداً للمليك ذا خبر / لقد أتانا به هن وهن
نطعنكم والطعان يؤلمنا / والطعن قد يؤلم الألى طعنوا
متى يعيد النهى محبتنا / وينجلي عن قلوبنا الضغن
أهوِنْ بما يُبكي عيون الباكي
أهوِنْ بما يُبكي عيون الباكي / إن كان ما يبكيه غير نواكِ
يا مصر لا أنساك ما طال المدى / وإخال ما في الناس من ينساكِ
لله اثنا عشر عاماً قد مضت / ألحق وازرني بها وهواك
اشتاق أخواني بينك وإنما / يشتاق من صافاك من صافاك
قد كان لي ذكر بأرضك سالف / لا النيل بجهلهُ ولا هرماك
أيام انطقني واسمعك الصبا / وغدوتُ طيرك إذ غدوت أراكي
وإذا الإله قضى بوصلك بعدذا / فلا مسحن وجهي ببعض ثراك
علم الزمان قلاه ليس يذلني / فسعى يحاول ذلتي بقلاك
ولئن حييت على نواك فإنما / أحيا لآمالي بأن ألقاك
وأرى كبيرات الخطوب صغيرة / وأرى هلاكي لا أخاف هلاكي
وتخاذل الأنصال عني زادني / عزماً فجد مع الزمان عراكي
زادت تباريحي فزدت تطرباً / وشكا سواي فعبت وجد الشاكي
لو أن من شدوا قيودي حاولوا / يوماً فكاكي ما رضيت فكاكي
قد سرّك الدهر العجيب وساءني / فضحكت أنت وبت وحدي الباكي
الهاك بعدي بالجديد من المنى / يا ليت ألهاني كما ألهاك
وتفنن الشعراء فيك فأبدعوا / لو كنتُ حاضر أمرهم لكفاك
يأتيك مني ما تجدد خاطر / شعر يكاد به يرف هواك
أجنيه من روض الشبيبة ناضراً / هذا جناي وأنت كيف جناك
إن كان هذا الصوت بحّ بكبرة / فلطالما بشبابه غنّاك
أو كان قد أمسى اليراع مثلما / فسينبري وسكونه لحراك
يا عرش نسل الشمس في عليائهم / سامي الكواكب في السماء وحاكي
هل في البرية مثل نيلك منهل / أم في البرية من ربى كرباك
أنت التي آخاك منذ مناوس / قلب الشجاع وحجة السفاك
وورثت نجدتها التي ثأرت بها / إيزس أمك أوزريس أباك
الناس قد كلفوا بحبك كلهم / وتنازعوك ومن حواك حواك
أمسى صعيدك جنة لملوكهم / وغدت سماؤك جنة الأملاك
تالله أعجزهم نظيرك في الثرى / فليطلبوه هناك في الأفلاك
سكت اليراع عن الكلام
سكت اليراع عن الكلام / الحكم في حد الحسام
خفتت أغاريد المحبة / بين زأرات الخصامِ
عادت حروب الجاهلية / فالسلام على السلام
لم يبق نيّر مأمل / اليأسُ أقبل بالظلامِ
من ذا نلوم ومن جنى / لا يتّقى عاب الملامِ
طرب إذا ذكر الوغى / طرب النديم إلى المدامِ
متربع عرش الغرور / متوّج تاج الإثامِ
غرّ بملك من بني ال / جرمان مضطرب الدعام
يسطو على الجيش اللهام / هناك بالجيش اللهامِ
في فتية ألفوا العنا / د من الحران إلى العرام
مثل الضواري الساغبا / ت تسير في طلب الرّمامِ
لا يرتوون من الدما / ء فهم لها أبداً ظوامي
فكأنهم رجل الدبى / في البيد أو خيط النعام
كرهوا الحلال وأقبلوا / يتزاحمون على الحرامِ
لم يسأموا في دهرهم / جمع الحطام على الحطام
فتكوا بأسراب المها / فتك الأجادل بالحمام
ما وقّروا الشيخ القعي / د ولا رعوا ضعف الغلام
يا رب قد شقي الأنا / م فهل غضبت على الأنام
لمّا تعاموا عن هدا / ك أتى العمى بعد التعامي
كفروا بما أوليتهم / من فيض أنعمك السجام
جهلوا على من فوقهم / جهل اللئام على الكرام
والظلم يرضعهُ نفوس / الناس من قبل الفطام
فيظل يكمن بينها / ويربّ عاماً بعد عام
من شفه طول الضنى / فالسيف اذهب للسقام
ما تشتكي مُهُجاتنا / أتت السهام على السهام
فتنبّهي يا حادثا / ت ويا عيون الأمن نامي
ضاقت ميادين القتا / ل عن المضارب والخيام
وتدفعت لجج الدما / ء تعبُ أبحرها الطوامي
تمتد من واد لوا / دٍ في الفدافد والموامي
تسمو غواربها بها / بين اضطراب وارتطام
فكأنما الطوفان قد / أوفى لميعاد قدام
من يطلب منه أعتصا / ماً يمس من غير اعتصام
فتلفعت زهر المدا / ئن بالدخان وبالضرام
وتواقعت من عزها / آثار أسلاف عظام
فكأنها بين الربو / ع وقد عفت بعض الرجام
تبدو المغاني ثم تخ / فى في ثنيات الفتام
مثل الكواكب حين تط / لع ثم تغرب في الغمام
خفت حواليها الربى / ما بين أصداء وهام
جثث على جثث علت / مثل الأكام على الأكام
فيهن أوصال مزي / لة وأكباد دوامي
في مشهد أهواله / أهوال ساعات القيام
يبن القنابل والفتا / والموت مختلف المرامي
والجند دامية الظبي / والخيل دامية الحوام
تسمو جباه ثم تس / فل بين أمواج الزحام
متعرضات للحمام / ونعم أضحية الحمام
هذا قضاء الله أم غدر
هذا قضاء الله أم غدر / ماذا أصابك أيها القصر
أعلى مراد رحت مضطرماً / من غيرة إذ ضمة القبر
أم أنت ممن فيك منتحر / يا قصر أم فيما جرى سر
نبكي نعم نبكي على أمل / فيك أنقضى وقد أنقضى الأمر
عن أربعين وخمسة سلفت / ما هكذا يستوجز العمر
أتظل دور المجد آهلة / فينا ودورك بينها دثر
ويح القلوب وكنت حاجتها / إن لم يجدها بعدك الصبر
يبقى مصابك وهو يذكرنا / لو كان ينفع مثلنا الذكر
برّاً فروق تباهياً زمناً / فانفك بر والتظى بر
شطراً محاسنها التي اشتهرت / إما شكا شطر بكى شطر
لما استقل بك اللهيب ضحى / وبدا خلال دخانك الجمر
وقف الزمان عليك منتحباً / وأقام يندب حسنك الدهر
والزهر قدماً كن حاسدة / لما أصبت بكت لك الزهر
الشمس أختك ثم كاسفة / لبس الخسوف شقيقك البدر
أو ما رآك البحر ملتهباً / بل لو رآح لجاءك البحر
فيجبش للنيران غاربه / ويبل حرك ماؤه الغمر
وكضت لنجدتك الجموع وقد / حفقت لها راياتك الحمر
كم جحفل مجر إليك سعى / فارتد عنك الجحفل المجر
لا البيض أغنت في مناجدة / لما أهبت بها ولا السمر
طلبوا المياه لكي تغاث بها / فنأى طريق دونها وعر
وعلا الدخان ذراك فاختبأت / في جنحه آياتك الغر
فكأنها صور محركة / وكأنه من دونها ستر
قد كنت ديواناً قصائده / تلك البدائع فامحن الشعر
سالت سطورك من صحائفها / فغدت وما بصحيفة سطر
وانساب مهلاً وارتمى حمماً / ذاك اللجين وذلك التبر
وقفوا أمامك ذاهلين وقد / ملك السبيل عليهم الدهر
فأخذت تنقص في نواظرهم / ويزيد في أطرافك القفر
يا منزل الأحرار إذ ملكوا / يبكي عليك مرادك الحر
يبكي عليك وإن أوى جدثاً / وعلاه بعد سقوفك الصخر
هذي الطلول فأين تنتحب ال / أطيار فيك ويضحك الزهر
يا عام جاء أخوك يغدرنا / مضى فقلنا قد مضى الغدر
أنرى فروق ومصر أذنبتا / شقيت فروق وبنتها مصر
غناك شوقيها وحافظها / وهممت لولم يعصني الفكر
وهباك شكراً لست صاحبه / سلفاً فابطر قلبك الشكر
فلئن تكن لأخيك معذرة / هل أنت عندك مثله عذر
فلا لبسنك من محبرة / يجري على أعطافها الحبر
مغبرة تسعى مغبرة / كلماتها وسطورها غبر
يا عصر إن لم تستقم معنا / فلنشهدن عليك يا عصر
تبقي جدود الناس ناهضة / وجدودنا في خطوها العثر
هذي خطوب ليس يحملها / جلد وينفد عندها الصبر
أفلا يزال السوط حاكمكم
أفلا يزال السوط حاكمكم / وأبو السياط بيلدِزٍ ذهبا
أفلا يزال الدهر يعجبكم / ضرب ومضروب ومن ضربا
ونقول أحرار فنمدحكم / لا حرّ فيكم كلنا كذبا
لا تسلبوا الأوطان باقية ال / أرواح إن كثرها سُلبا
ذهبت مطامعكم بما جمعت / لا فضة أبقت ولا ذهبا
ما ينقضي من أمركم عجب / إلا ليحدث بعده عجبا
إن كان هذا الحلم غركمو
إن كان هذا الحلم غركمو / فلتنظرن من بعده جللا
لن يستطيل الدهر نومته / عنكم ولكن يؤثر المهلا
عيثوا فساداً إنه أمد / يمتد غير مجاوز أجلا
رعياً لنا من معشر رعيا
رعياً لنا من معشر رعيا / لا الدين نرعاهُ ولا الدنيا
تجري ليالينا ونتبعها / فتفوتنا ونفوتها جريا
الله قدّر أنّنا أبداً / نأبى الرشاد ونرتضي الغيّا
حتى م هذا الظلم مضطرد / يكوي قلوب رجالنا كيّا
ماذا يريد الناس من بشرٍ / يبغي على خلاقهم بغيا
يحيا وهذا الدهر يضربهُ / ليميتهُ لكنهُ يحيا
ودّع فروق لقد أجدّ فراقُ
ودّع فروق لقد أجدّ فراقُ / ما تطيق هل الوداعُ يطاقُ
هي وقفة بين التعلل والأسى / يفنى الرجاء ويخلد الميثاقُ
أعطِ المنازل حقها يوم النوى / هذا الفؤاد وهذه الأحداقُ
واستبق شعرك للقاء إذا دنا / حسبٌ النوى ما تنشد الآماقُ
قد كان شوق ثم نؤت بحمله / فلتنظرنْ ما تصنع الأشواقُ
يا عاشقاً لم يدر ما جهد الهوى / أرأيت ما يتجرّعُ العشاق
أكتبْ شجونك فالشعاع يراعة / والبحر حبر والسما أوراق
فعسى يسوق الدهر ما سطرته / لبنيه بعدك فالشجون تساق
السابقوك إلى المصارع أدركوا / غاياتهم ولك استجدّ سباق
فاغلب بعزمك أمر حزمك وانصلت / تلحق بهم عقبي المجدّ لحاق
رقأت دموع قد جرت لفراقهم / لم يبق دمع بعدهم مهراق
أما الجفون فما بها متسهّد / أما القلوب فما بها خفّاق
والروض موشيّ الطرائق زاهر / أبداً وسائغ مزنه رقراق
والطير في دوحاته متجاوب / والبان في اثلاته مطراق
وجد السلوّ الواجدون وهكذا / كأس الهموم تعاف عين تذاق
سيفيق من سكر الصبا نشوانه / فالسابقون قد انتشوا وأفاقوا
استودع الله الرفاق جميعهم / ولسوف يتّبع الرفيق رفاق
يا قلب مالك لا تطاوعني
يا قلب مالك لا تطاوعني / ولقد أطعتك في الذي رمتا
أنا راغب عن معشر غدروا / فعلام ترغب فيهم أنتا
أفلا ترى في الغدر منقصة / فتحب من يرضونه نعتا
مظلومة تشكو إلى مظلوم
مظلومة تشكو إلى مظلوم / هذي همومك هل عرفت همومي
ما ترتجين من أمرئ لا يرتجى / ومتى السقيم غدا طبيب سقيم
قد حاربوك وحاربوني ضلة / ما في خصومك منصف وخصومي
أن انتصف لك أو لنفسي منهم / ما حيلتي في النازل المحتوم
ما في الزمان ولا بنيه كرامة / فيصان قدر كريمة وكريم
فتساجلي العبرات أنت وشاعر / كل يجود بدره المنظوم
إنا تقاسمنا الشدائد بيننا / ولقد رضيت بحظي المقسوم
لو يستقيم الدهر في أحكامه / ما ضاع حق الآيس المحكوم
إن السماء إذا تغير ودها / سدت معارجها على المظلوم
يعلى الدعاء فينثني من دونها / بصواعق يرمى بها ورجوم
هل مثل هذا الصدر يصبح منزلاً / للواعج ترمى به وغموم
كلا فلو كنت الأله جعلته / وقفاً لثغر الشاعر المحروم
يرنو إليه من بعيد والهاً / يختار في موضع التعظيم
ويرومه فيرده فيرومه / حتى ينال بذاك كل مروم
عذبتني بهواك يا قلبي
عذبتني بهواك يا قلبي / إن كنت لست تفيق ما ذنبي
روحي الفداء لها فإن رضيت / مني الفداء فإنه حسبي
أنا من يموت بحبها كلفاً / ويعيش بعدي عندها حبي
في مهجتي نار إذا اضطرمت / أخشى حرارتها على لبي
يا نارها زيدي ويا كبدي / ذوبي ويا نسماتها هبي
الله صورها لأعشقها / عشقي لها قد شاءه ربي
يا معشر الشعراء حسبكمو / أو ليس حقي التيه من عجبي
من ذا يراك ولا يحبك
من ذا يراك ولا يحبك / سل إن أردت يجِبْك قلبك
أنظر إلى المرآة تعـ / ـلمْ كيف أنت وكيف حبك
الله ما أحلى دلالك
الله ما أحلى دلالك / رنت العيون فصن جمالك
نزهت عن هذا الورى / ذاتاً فمن يرجو وصالك
لا يجعلوك مماثلاً / فالله لم يخلق مثالك
لم ترض في هذا الوجو / د مشابهاً حتى خيالك
تمشي فتطلبك اللحا / ظ وأنت أسمى أن تنالك
لولا مخافة سبة / تأتيك قلنا لا أبا لك
رحماك لا تشطط بنا / أكثرت تيهك واختيالك
لو كنت تعلم إذ سألتك مابي
لو كنت تعلم إذ سألتك مابي / لرددت يا ربع الحبيب جوابي
سلبت شبابك نازلات جمة / أني كذلك قد سلبن شبابي
لهفي على عهدي وعهدك بالصبا / أيام يجمعنا هوى الأحباب
إذ لا يهددني الزمان بفرقة / أبداً ولا يرضى الحبيب عذابي
متهادياً أما على وشي الربى / أو لا فتحت كواعب الأعناب
فمن الخدود إذا أشاء فواكهي / ومن الثغور إذا اريد شرابي
مالي جفيت وكنت أحسب ودهم / أفنى ولا يفنى مدى الأحقاب
إني أعاتبهم على ما قد جنوا / لو كان يعطفهم عليّ عتابي
أسلمت للأوصاب قلباً سالماً / قد كنت أحميه من الأوصاب
وتركت جسمي للحاظ دريئة / ترمي إليه بأسهم الأهداب
لا تعجبوا للحب إن غلب النهى / فالحب غلاب النهى الغلاب
قد كنت تفتنني الغدائر ضلة / فإذا بهن مصايد الألباب
تنساب فوق معاطف مخذولة / تنساب في تيه وفي أعجاب
ولرب ليل بت في سدفاته / ندمان أقداح سمير كعاب
أشكو لهن لواعجي فيزدنها / وبكل واحدة هنالك ما بي
إني نزعت عن الغرام بمهجتي / وتركت في اسر الجمال نهابي
وبرزت للايام مطلعاً بها / فهزمتها بالبأس عن آراني
أعلمت من حملوا على الأعواد
أعلمت من حملوا على الأعواد / أرايت كيف خبا ضياء النادي
جمع تساقوا كأس حزن بينهم / مالت رؤوسهم على الأجياد
يتطالعون إذا خطوا فكأنهم / يخطون في الأغلال والأصفاد
يسمعون نحو منازل حجراتها / مغشية بمواكب القصاد
متشابهات لا تغابر بينها / خافي المعالم عندها كالبادي
ما مثل هذا اليوم يمحى ذكره / هو مثبت بصحائف الآباد
لا ينكروا الجرم الذي قد أجرموا / إن العصور له من الأشهاد
وعصابة حلت مكان عصابة / مثل الجراد أتى باثر جراد
يقتادها واهي العزيمة ظالع / منواصل الأبراق والأرعاد
ثبت اللجاجة لا يدين لحجة / صعب العناد إذا انتحى لعناد
إن سيق للإنصاف جد حرانه / وإذا يقاد فليس بالمنقاد
هوي الدعاء فلا يمل دعائه / ألف النداء فلا يزال ينادي
خافي المراد فلا يبين مراده / وأظنه يحيا بغير مراد
هي فتنة قد كان أكمنها المدى / واليوم تلك النار تحت رماد
جادت مواسمها وصوح نبتها / والآن آذن عامها بحصاد
كاد النهى يزع الهوى لكنما / درس النهى وعدت عليه عواد
إنا لفي زمن تساوى خيره / بالشر إن مضله كالهادي
أرخوا قياد معاشر فاسترسلوا / ما مثلهم يمشي بغير قياد
فليبرأ الآباء من أبنائهم / يا شقوة الآباء بالأولاد
تبكي لوادي النيل أعين أمة / جادت مواطرها فعب الوادي
لهفي على آمال قوم أخطأت / قد كان يعرف رأيهم بسداد
هم طاردوا العاصين حتى أجفلت / عنه نعائمهم بطول طراد
يا مصر قربك زاد قلبي حسرة / يا ليتني عنك استطال بعادي
ما كنت أوثر أن ترى بك بعد ذا / كنس الظباء مرابض الآساد
أو كلما راحت خطوب أو غدت / بكرت عليك روائح وغواد
سبع وعشرون انقضت أعيادها / ومللت أنت تعاقب الاعياد
ورأيت رواد الجمال تكاثروا / فسئمت فرط تكاثر الرواد
إن كان أغضى الدهر عنك لغاية / فستنقضي ويظل بالمرصاد
أو نامت الأحداث عنك ليالياً / فلرب نوم ينتهي لسهاد
تفدي ابن نيروز اعاديه إذا / عز الفداء ولم يجد من فادي
يا قوم رمسيس الألى سادوا الورى / لم يؤت سؤددهم سوى أجدادي
متفرد حيّا وميتاً هكذا / فرد الثناء يخص بالأفراد
حسدوه في عليائه حتى هوى / ثم استراحت أنفس الحساد
أمست سماء العز غير منيرة / بغياب ذاك الكوكب الوقاد
هيهات تدرك غاية هو سنها / قد جاز آماداً إلى آماد
طرف تقاصر كل طرف دونه / وجواد فضل فات كل جواد
سيف تلألأ ثم عاد لغمده / فلترجع الأسياف للأغماد
قل للذي يرتاد مثل سبيله / أعيت مالكها على المرتاد
يزداد حسناً ما تكرر ذكره / ما كل حسن الذكر بالمزداد
أعدى العداة على الكرام حمامه / وليومه أعدى على الأكباد
يوم أعاد لمصر ماضي حزنها / لولاه لم يك حزنها بمعاد
أحد أطاف على البلاد بشره / لما أطاف بواحد الأحاد
نزل العيون فدمعها متتابع / وثوى القلوب فبثها متماد
أربت شكايات الأنام فجاوزت / فيه مدى الأرقام والأعداد
وتآلفت فيه النفوس على الجوى / اليوم زال تخالف الأضداد
أعزز على أنداده أن ينكبوا / منه بنكبة فائق الأنداد
أبكيك مثل بكاء قومك نائياً / فحدادهم أبداً عليك حدادي
ووفاؤهم لك في وفائي مثله / وودادهم متواصل بودادي
ما كنت أغفل عن أياد طوقت / هذي البلاد وأنها لأياد
الحر حر في الشعوب جميعها / من هجرة قد كان أو ميلاد
والمجد ليس مقيداً بمعاشر / والعز ليس موطناً ببلاد
جاهدت في أعلاء مصرك جاهداً / حتى قضيت لها شهيد جهاد
أثني عليك ولا يظنوا أنني / يكبو يراعي أو يجف مدادي
إن يرمني هذا الزمان بكبرة / يإن المعاني لم تزل بقيادي
ركب سعى بك للفناء وإنني / أنا في رثائك كنت وحدي الحادي
فاذهب كما ذهب الربيع وقد كسا / خضر الربى موشية الأبراد
إن ينفد الحزن فإن لي / قلباً كثير موارد الأمداد