المجموع : 45
لله سرّ في الأنام مطلسم
لله سرّ في الأنام مطلسم / حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ / في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً / ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما / نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه / لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه / بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف / والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى / والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه / فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ / للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن / تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا / ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة / فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه / لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة / يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً / يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل / طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً / بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً / عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً / وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه / فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى / ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة / وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة / يعنو السفيه لها ومن يتحكّم
ما للحقيقة من بدايةْ
ما للحقيقة من بدايةْ / كلاً وليس لها نهاية
هي عند أرباب العقو / ل أجلّ من حَدَ وغاية
خَفَيت ولكن كم وكم / ظهرت لها في الكون آية
كَم راح مرفوعاً لها / فوق الربا علَم وراية
هي في مقام ظهورها / كالشمس تحجبها غياية
ما بين أعين من يَرو / ن وبينها إلاّ شواية
فلو انجلت غفلاتنا / لتكشّفت عنّا العماية
هي منظر فيه الجلا / ل ومخبر فيه الكفاية
هي في الطبيعة تستفي / ض على الوجود لها جراية
هي في الضياء وفي الظلا / وفي المسير وفي السراية
هي في الفضيلة والفضو / ل وفي النقيصة والزراية
هي في اللباب وفي القشو / ر وفي الحثالة والنفاية
هي في السلام وفي الحسرو / ب وفي الهوادة والنكاية
هي كلّ ما شكت الشكا / ة وكل ما بعث الشكاية
هي في الرُماة إذا رمَوْا / وهي الإصابة في الرماية
هي في العفاة وفي العفا / ء وفي الجناة وفي الجناية
هي في الغياض وفي الريا / ض وفي الفراشة والجداية
هي في المغاني والمبا / ني والبناة وفي البناية
هي في الغباوة والذكا / ء وفي الشفاعة والوشاية
هي في الملاح وفي القبا / ح وفي الرشاد وفي الغواية
وإلى الحقيقة تنتهي / طرق الضلالة والهداية
هي من يموت ومن يعي / ش وكل قابلة وداية
هي كل ما وعت العقو / ل وكل ما روت الرواية
منها الفنا وبها البقا / ومن الفناء هي الوقاية
ليس الوجود لغيرها / إلا خيالاً في مراية
وإذا نظرت الكائنا / ت بأسرها فهي السناية
إني أرى سرّ الحقي / قة كائنا في اللانهاية
وأرى الوجود وإن تعدّ / د واحداً عند الدراية
فاليك يا طاغور جئ / ت عن الحقيقة بالحكاية
أنت الذي قال الحقي / قة بالصراحة والكناية
ما أخطأتْ سنن العلا / إذ هذّيتك يد العناية
لا زلت مشمول الجنا / ب من من الحقيقة بالرعاية
لو أسكر الإنسان باطل أمره
لو أسكر الإنسان باطل أمره / لم تلق غير معربِد سكران
لو قاس كلّ فتى سواه بنفسه / فيما أراد لما تعادى اثنان
لو أنصف الخصمان ما اصطاد الرُشا / أهل القضاء بما ادّعى الخصمان
لو أخلص الإنسان في إحسانه / لم يرجُ أن يجزي على الإحسان
لو لم يشكّ بربّه متفلسفٌ / في الدين لم يحتجّ بالبرهان
لو أن عقل المرء يغلبِ حبّه / للنفسي لن يلجأ إلى الأديان
لولا جمود في الشرائع مهلك / لتغيّرت بتغّير الأزمان
لو كان قصد الدين غير سعادة الدّ / نيا لكان الكفر كالإيمان
لو أخلص الرجل التقيّ بدنيه / ما كان ذا طمع بحور جنان
لا خير في تقوى امرئ لو لم يَخف / نار الجحيم للجّ في العصيان
لو كان أمر الحجٌ معقولاً لما / كان استلام القوم للأركان
لو حكّم العقلَ الحجيج بحجّهم / أبَوُ الطواف بتلكم الجدران
لو أخلص الغزّى بنُصرة دينهم / ما حلّ سبي حرائر النسوان
كذبت قريش لو تقادم عهدها / في المجد ما خدعت أبا غبشان
لو كان للشيطان معنى غير ما الْ / إنسان ما آمنت بالشيطان
لو يجعل الناس التعاون دأبهم / لتمتّعوا بسعادة العمران
لو أنّ أخلاق الرجال تهذّبت / لتكّشفت حُجُب عن النِسوان
ومحبّة الأوطان لولاها لما / عَرف الأنام عداوة الأوطان
لو كان خير في المجرّة لم يكن / في الأرض شرٌ دائم الغَلَيان
لو تَمَّ في فلك الثريّا سعدها / لم تُمنَ بالعَيوق والدَّبَران
لو لم يكن فزعاً سهيل لم يبت / في أفقه متتابع الخفقان
عبد المجيد قضى فوا أسفا
عبد المجيد قضى فوا أسفا / ماذا يفيد تأسّفي جزعا
ثم ويك نبك المجد والشرفا / ونعزّ طرف العين ما دمعا
فلقد فقدنا سّيد الظرفا / وأجلّ ساعٍ للعلاء سعى
لم يتخذ غير العلا هدفا / عن قوس هّمته إذا نزعا
خبر طويت حشاي مرتجفا / من هوله وسقطت منصدعا
ألقى بوجه حياتنا كلفا / أوعاد لون العيش ممتقما
فالدمع من عيني إذا وكفا / جلل وإن أرسلته دفعا
صاحبت منه أخا نهى ووفا / يزهر النديّ به إذا اجتمعا
فسمعت من أقواله طرفا / ورأيت من أفعاله بدعا
ساء المكارم كونه دنفا / يشكو إلى عوّاده الوجعا
الداء أذهب نفسه تلفا / بذل الدواء له فما نجعا
بيروت منه أحرزت شرفا / لما غدت لعلاه مضطجعا
لكنما قلب العراق هفا / حزناً عليه إذ به فجعا
وكفى بسعدون له خلفا / لفعاله في المجد متّبعا
يمشي على آثاره الخطفى / ويقوم بالأعباء مضطلعا
عبد المجيد قضى فوا حربا
عبد المجيد قضى فوا حربا / ماذا يردّ إليّ واحربي
إن الرزايا قد قضت عجبا / مما رزئناه من الحسب
رزءٌ أثار الحزن ملتهبا / في كل قلبٍ أيّ ملتهب
وأسال غرب الدمع منسكبا / من كل عين اثر منسكب
وأمرّ حلو العيش فانقلبا / بمحاوليه شرّ منقلب
فبكاه من بغداد منتجا / في جانبيها كل ذي أدب
يا راحلاً بالداء مغتربا / يبغي الشفاء له من الوصب
أوتيت فضلاً في النهى عجبا / يأتي من الآراء بالعجب
كم كنت تكشف فيه محتجبا / وتنال أقصى الأمر من كثب
فنبيت مجداً منك مكتسبا / من بعد آخر غير مكتسب
وبك العروبة قد زهت نسبا / يزهى بغبطة كل ذي نسب
قد كنت من عربّية عصبا / والحسّ مصدره من العصب
إنا فقدنا الظرف والأدبا / وفقدت يا سعدون خير أب
يا أكرم المتهذّبين أبا / صبراً لفقدك أكرم العرب
إذ كنت أنت لمثله عقبا / أكرم يمثلك أنت من عقب
للجعفرين شهادة الأبرار
للجعفرين شهادة الأبرار / للعسكريّ وجعفر الطّيار
هذا قضى بيد اللئام مضرّجاً / بدم وذاك بأنصل الكفّار
هذا لموطنه وذاك لربّه / وقفا أجلّ مواقف الأبرار
وقفا بوجه الظلم وقفة وازعٍ / وكذا تكون مواقف الأحرار
للحقّ والشرف المخلّد في الدنى / قاما قيام المنجد المغيار
قضيا كيومهما علاً وبداعة / متجلّلَين بعزّة وفخار
زُقا إلى حور الجنان لأجل ذا / لبسا وشاحاً من دم موّار
لم يضحكا مستهزئين من الردى / إلاّ بثغر الصارم البتار
لله درّهما ودرّ رَداهما / بلغا الحياة به مدى الأعصار
يبكي العراق لفقد سائس حكمه / شجواً وقائد جيشه الجرّار
سل عن معاركه طرابلس التي / قد كان فيها شعلة من نار
وسل الشآم وما يليها كم بها / قد جال جولة فارسٍ مغوار
وسل العروبة عن مفناعيه لها / كم خففّت عنها من الأوزار
تلقاه في النادي بشوشاً ضاحكاً / وتراه يوم الروع كالتيّار
يزهو محّياه الوضيء كأنه / قمر يشع إليك بالأنوار
يبكي بكاء المتّقين تضرعاً / طوراً ويضحك ضحكة الفجار
وتراه يعمل في المقرّ معبساً / ويهشّ مبتسماً إلى الزّوار
وتراه بين مجالسيه ممازحاً / وتراه مصطخباً بيوم شجار
مثلَ الهزبر تراه يوم كريهة / وتراه يوم الأنس مثل هزار
هذا هو البطل الذي فجعت به / صيد البلاد وسادة الأمصار
جلّت مناقبهِ فسوف بذكرها / أبداً تسير جوائب الأخبار
لله يوم ما ذكرت قتيله / إلا بكيت بمقلة مدرار
ويح العراق فيوم مقتل جعفر / فجع العراق بعزّة الأخيار
قتلوه رمياً بالرصاص بصدره / فهوى لمصرعه بصدر نهار
ساموه خسفاً فاستجار بموته / كي لا تشان حياته بالعار
أنّي أفي ببكائه ورثائه / مهما نظمت قصائد الأشعار
فالشعر ليس يفي بذا ولو أنه / شعر الرضّي الفحل أو مهيار
الشعر بعد مصابه بكبيره
الشعر بعد مصابه بكبيره / في مصر جلّ مصابه بأميره
بيناه يبكي حافظاً بشهيقه / إذ قام يبكي أحمداً بزفيره
لم يقض بعض حداده لنصيره / حتى أحدّ أسىً لفقد مجيره
ما إن خبت في الأفق شعلة ناره / حتى انطوت في الجوّ لمعة نوره
بالأمس ظلّ مرزأً بمبينه / واليوم بات مفجّعاً بمنيره
أخذت فرزدقه المنون وضاعفت / جلّى مصيبته بأخذ جريره
رزآن ملتهبان قد نضحتهما / عين العلا من دمعها بغزيره
فالشعر بعدهما استطال بكاؤه / وتموّجت بالحزن كل بحوره
وهزاره ترك الصداح وليثه / أمنت أعاديه سماع زئيره
يا نيّراً فجع القريض بموته / فبكته عين وزينة وكسيره
وخلت سماء الشعر بعد أفوله / من مشرقات شموشه وبدوره
ومؤمّراً لم تنتقض بوفاته / في الشعر بيعته على تأميره
إذ لن يقوم نظيره من بعده / هيهات أن تأتي الدنى بنظيره
لك في الخلود مكانة ما نالها / فرعون في ديماسه وحفيره
إن الدفين مضمّخاً بحنوطه / دون الدفين محنّطاً بشعوره
إن المتوّج فوق عرش ذكائه / يعلو المتوجّ فوق عرش سريره
ما مات من تركت لنا أقلامه / صوراً خوالد من بنات ضميره
صوراً تمثّل ذاته وصفاته / حتى يقمن لنا مقام نشوره
فكأنه وهو الدفين بقبره / حيّ يعيش بحزنه وسروره
وكأنه في القوم ساعة حفلهم / متكلّم بنظيمه ونثيره
لأبي علي من قريحة شعره / وحي أتى من جبرئيل شعوره
كم قد رمى الغيب الخفي فؤاده / بذكائه فأصاب كشف ستوره
وتصوّر المعنى الدقيق فردّه / كالصبح منفلقاً أوان ظهوره
يأتيك بالمعنى الجميل قد اكتسى / من وشي سندس لفظه وحريره
فالشعر قد دكّت جبال فنونه / إذ موت شوقي كان نفخة صوره
يا راجلاً ترك القوافي بعده / محتاجة المحيا إلى تفكيره
لهفي على ذيّالك القلم الذي / يتطرب الأرواح لحن صريره
الشعر كنت أميرة وسميرة / فمن المسامر بعد فقد سميرة
حّررته من رقّ كل تصنّعٍ / فبدت فنون الحسن في تحريره
سخّرت من أوتاره ما لم يكن / ليطيع غيرك قطّ في تسخيره
ولكم شدوت بنغمة من بمّه / ولكم صدحت بنغمة من زيره
تتمايل الأبدان في إنشاده / طرباً وليس يملّ في تكريره
يا أهل مصر عزاءكم فمصابكم / أمر قضاه الله في تقديره
الشعر قد ثلّت بمصر عروشه / بوفاة سيده وموت أميره
علمان من أعلامه كانا به / يتنازعان السبق في تحبيره
لكليهما الهرمان قد خشعا أسىً / والنيل مدّ أنينه بخريره
يا مَن قضى بين المياة غريقا
يا مَن قضى بين المياة غريقا / أذكى فراقك في القلوب حريقا
قد كنت فينا درّة فلأجل ذا / تَخذ الحمام لك المياة طريقا
سعديك يا توماس إنك لم تمُت / ما دام ذكرك في الحياة عريقا
لكن رقيت إلى السماء لتجتبى / لله في أعلى السماء رفيقا
يا كوكباً عجل الردى بافوله / من بعد ما ملأ السماء شروقا
إن كنت غبِت عن العيون فإنما / اسكنت طيّ قلوبنا موموقا
عشقتك كل فضيلة وعشقتها / لله درّك عاشقاً معشوقا
هصرتك أيدي الموت غصناً ناضراً / يهتز في روض العلاء وريقا
إن العراق على بضاضة قطره / أمسى بفقدك يابساً معروقا
لله منعاك الجليل فإنه / أعيا البليغ وأخرس المنطيقا
إن كان شخصك بات في قَيد الثرى / فجميل ذكرك لا يزال طليقا
همّم الرجال مَقِيُسة بزمانها
همّم الرجال مَقِيُسة بزمانها / وسعادة الأوطان في عُمرانها
وأساس عمران البلاد تَعاوُن / مُتواصل الأسباب من سُكّانها
وتعاون الأقوام ليس بحاصل / إلاّ بنَشْر العلم في أوطانها
والعلم ليس بنافع إلاّ إذا / أجرت به الأعمال خَيْل رهانها
أن التجارب للشيوخ وإنما / أمَل البلاد يكون في شُبانها
هذي لدى العرب الكرام مبادئٌ / نزلت بها الآيات في قرآنها
والعُرب أكبر أمة مشهورة / بفُتوحها وعلومها وبيانها
كم قد أقامت للعلوم مدارساً / يَعيا ذوو الإحصاء عن حسُبانها
وبَنَت بأقطار البلاد مَصانعاً / تتحيّر الأفكار في بُنيانها
فالمجد مَأثور بكل صراحة / عن قَيْسها أبداً وعن قحطانها
طُبِعت على حبّ العَلاء فسعيُها / للمكْرُمات يُعَدّ من دَيْدانها
نهضت بماضي الدهر نهضتها التي / خَضَعت لها الأفلاك في دَورانها
حَسُنت عواقب أمرها حتى لقد / بَهَرت بني الدنيا جلالة شانها
فهم الأُلى فتحوا البلاد ونشّروا / رايات مَعدَلة على قُطّانها
وهم الألى خضعت لهم أمم الورى / من تركها طُرّاً إلى أسبابها
والروم قد نزلت لهم عن مُلكها / والفُرس عمّا شيد من إيوانها
يا أمةً عاش البرية أعصُراً / في عدلها رغداً وفي إحسانها
ثم انقضت تلك العصور فجاءها / زمن به انقادت إلى عُبدانها
فَنَضَت ملابس عزَها وتثاقلت / في الذُلّ راسفةً بقَيد هوانها
بغداد حسبك رقدة وسبات
بغداد حسبك رقدة وسبات / أوَ ما تُمضُّك هذه النكبات
ولِعَت بك الأحداث حتى أصبحت / أذْواء خَطبِك ما لهنّ أساة
قَلَبَ الزمانُ إليك ظهرِ مجَنِّه / أفكان عندكِ للزمانِ ترات
ومن العجائب أنَ يمَسَّك ضرّه / من حيث ينفع لورعتك رُعاة
إذ من ديالي والفرات ودجلة / أمست تحُلّ بأهلك الكُرُبات
أن الحياة لفي ثلاثة أنهُر / تجري وأرضكِ حولهنّ مَوات
قد ضلّ أهلُك رُشدَهم وهل اهتدى / قوم أجاهلهم هم السَرَوات
قوم أضاعوا مجدهم وتفرّقوا / فتراهم جَمْعاً وهم أشتات
لقد استهانوا العيش حتى أهملوا / سعياً مَغَبّة تركه الاعنات
يا صابرين على الأمور تَسومهم / خّسفاً على حين الرجال أباة
لا تُهملوا الضرر اليسير فإنه / أن دام ضاقت دونه الفلوات
فالنار تَلهَب من سقوط شرارة / والماء تَجمع سَيْله القَطَرات
لا تستنيموا للزمان توكُّلاً / فالدهر نزّاءٌ له وثبات
فإلى متى تستهلكون حياتكم / فَوْضَى وفيكم غفلة وأناة
تالله ان فَعالكم بخلافه / نزل الكتاب وجاءت الآيات
أفتزعُمون بأن ترك السعي في / هذي الحياة تَوكُّل وتُقاة
أن صحّ نَقْلكم بذاك فبيِّنوا / أو قام عندكم الدليل فهاتوا
لم تَلْقَ عندكم الحياة كرامةً / في حالة فكأنكم أموات
شقِيَت بكم لما شَقِيتم أرضكم / فلها بكم ولكم بها غَمَرات
وجهِلتم النهج السَوِيَّ إلى العلا / فترادفت منكم بها العَثَرات
بالعلم تَنْتظِم البلاد فإنه / لرُقِيِّ كل مدينة مِرقاة
أن البلاد إذا تخاذل أهلها / كانت منافعها هي الآفات
تلك الرُصافة والمياه تَحُفّها / والكرخ قد ماجت به الأزمات
سالت مياه الواديَيْن جوارفاً / فطَفَحْن والأسداد مُؤتَكِلات
فتهاجم الماءان من ضَفَوَيْهما / فتناطحا وتوالت الهَجَمات
حتى إذا اتّصل الفرات بدجلة / وتساوت الوَهَدات والرَبَوات
زَحَفت جيوش السَيل حتى أصبحت / بالكرخ نازلة لها ضَوْضاة
فسَقَت بيوت الكرخ شرّمُقَيِّىءٍ / منها فقاءت أهلَها الأبيات
واستَنْقَعت فيها المياه فطَحْلَبت / بالمُكث ترغو تحتها الحَمَآت
حتى استحال الكرخ مشهد أبْؤس / تبكي به الفتيان والفَتَيات
طُرُقاته مسدودة ودياره / مهدومة وعِراصه قَذِرات
يا كرخ عَزّ على المروءة أنه / لُجَج المياه عليك مُزدَحِمات
فلئن أماتتك السيول إنما / أمواجهنّ عليك مُلتَطِمات
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد / خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً / طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى / أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً / بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة / أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها ال / أنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده / بغدادَ كيف تَروعها النكبات
لا دجلة يا للرزية دجلة / بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يُمدّ دجلةَ ماؤه / بجداول تُسقَى بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع / تفترّ عن شنب بها السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد / عذُبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهرَ الرُفَيل من البلى / حيث المجاري منهُ مندرسات
إذ قصر عيسى كان عند مصبّه / وعليه منه أطلّت الغُرُفات
أم أين بركة زلزل وزُلالها الس / لسال تسرح حوله الظَبيَات
يا نهر طابَقَ لاعدمتك منَهلاً / أين الصَراة تحُفّها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهُه / نهر الدَجاج فتكثر الغَلاّت
أم أين نهر الملك حين سلسلت / فيه المياه وهن مُطَردات
قد كان تُزدَرَع الحبوب بأرضه / فتَسِحّ فيه بفَيضها البركات
أم أين نهر بطاطيا تأتيه من / نهر الدُجَيل مياهه المُجْراة
وله فروع أصلهن لشارع ال / كبش المجاري منه مُنتهيات
تنمو الزروع بسَقيِه فغِلاله / كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعُلّي إذ غدت / لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفِردَوس تدخل منه في / قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف مُنصَلِتاً تُضاحِك وجهَه ال / أنوارُ وهي عليه مُلتَمِعات
إذ نهر بِينٍ عند كَلْواذى به / مُلْد الغصون تَهزّها النسمات
وبقربه من نهر بُوقٍ دارة / تَنْفي الهموم مروجها الخَضِرات
يا قصر باب التبر كنت مُقَرَّناً / والنَفيُ يَصدُر منك والاثبات
أيامَ تُطلعك العدالةُ شمسَها / وتَرِفّ فوقَك للهدى رايات
أيام تُبصرك الحضارة في العلا / بدراً عليك من الثنا هالات
أيام تُنشدك العلوم نشيدها / فتَعود منك على العلوم صِلات
أيام تقصدكَ الأفاضل بالرجا / فتَفيض منك لهم جَداً وهِبات
أيام يأتيك الشكِيّ بأمره / فيروح عنك وما لديه شَكاة
تَمضي الشهور عليك وهي أنيسةٌ / وتَمُرّ باسمةً بك الساعات
ماذا دهاك من الهوان فأصبحت / آثار عزّك وهي مُنطَمِسات
قد ضيّعت بغداد سابق عزّها / وغدت تَجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السَيل من أنهارها / ضُرّاً وهنّ منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا / دَفَق السُيول فماجت الأزمات
إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً
إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً / فاسلك إليه من الفنون طريقا
واجعل حياتك غَضّة بالشعر والت / مثيل والتصوير والموسيقى
تلك الفنون المُشتهاة هي التي / غصن الحياة بها يكون وريقا
وهي التي تجلو النفوس فتَمتَلي / منها الوجوه تلألُؤاً وبريقا
وهي التي بمذاقها ومشاقها / يُمسي الغليظ من الطباع رقيقا
تَمضي الحياة طريّة في ظلها / والعيش أخضر والزمان أنيقا
إن الذي جعل الحياة رواعداً / جعل الفنون من الحياة بروقا
وأدَرّها غَيث اللذاذة مُنبتاً / زهر المسرة سوسناً وشقيقا
وأقام منها للنفوس حوافزاً / تدع الأسير من القلوب طليقا
فتحُلّ عقدة من تراه معقّداً / وتفُكِ ربقة من تراه ربيقا
تلك الفنون فطِر إلى سَعة بها / إن كنت تشكو في الحياة الضيقا
وإذا أردت من الزمان مضاحكاً / فَتَحَسَّ منها قَرقَفاً ورحيقا
ما فاز قط بوصلها من عاشق / إلاّ وكان لعارفيه عشيقا
فهي ابتسامات الدُنى وبغيرها / ما كان وجه الحادثات طليقا
رطِّب حياتك بالغناء إذا عرا / هَمٌ يُجَفِّف في الحُلوق الريقا
إن الغناء لمُحدث لك نَشوة / في النفس تُطفىء في حشاك حريقا
وأترك مجادلة الذين توَهّموا / هَزَج الغناء خلاعة وفُسوقا
أفأنت أغلظ مُهجةً من نوقهم / فقد أستَحثّوا بالحُداء النوقا
أرقى الشعوب تمدناً وحضارة / من كان منهم في الفنون عريقا
وأحَطُّهم من أن سمعت غناءهم / فمن الضفادع قد سمعت نقيقا
فالفنّ مقياس الحضارة عند مَن / حازوا الرُقِيَّ وناطَحوا العَيُّوقا
الشعر فَنٌ لا تزال ضُرُوبه / تتلو الشعور بألْسُن الموسيقى
ويُجيد تقطير العواطف للورى / فتخاله لقلوبهم أنبيقا
ومسارح التمثيل أصغر فضلها / جَعْل الكليل من الشعور ذليقا
وإذا رأى فيها الوقائع غافل / من نوم غفلته يكون مُفيقا
تنْمي الحميد من الخِصال وتنقي / ما كان منها بالفَخار خَليقا
وتَجيء من عِبَر الزمان بمَشْهَد / يُلقي خشوعاً في النفوس عميقا
ويكون مَنظرُه الرهيب مُمَهّداً / لمُشاهديه إلى الصلاح طريقا
أما المُصوِّر فهو فنّان يرى / ما كان من صُوَر الحياة دقيقا
تأتيك ريشته بشعر صامت / ولقد يفوق الشاعر المِنْطيقا
وبدائع التصوير من حسناتها / أن يستفيد بها الشعور سموقا
فهي الجديرة أن تكون ثَمينةً / وتكون أنفق من سواها سوقا
أن الحياة على الكُدورة لم تجد / مثل الفنون لنفسها راووقا
من كان في المجد المُؤثَّل راغباً
من كان في المجد المُؤثَّل راغباً / فَلْيَطَّلبْه بهمّة البارودي
فخري الذي ابتكر المفاخر وأغتدى / منهنّ مفتخراً بكلّ جديد
وأبى سوى غُرِّ المَساعي إذ سعى / مُتشبِّثاً منها بكل مُفيد
وبنى له بدمشق مجداً طارفاً / من بعد مجد في دمشق تَليد
أن كان محمود الفِعال فإنه / ورِث المكارم عن أب محمود
نفع البلاد بماله وبسَعْيِه / وبحسن رأيٍ في الأمور سديد
ورأى الشَتات بها فقام مُوَحِّداً / فيها المساعيَ أيّما توحيد
ودعا الرجال بها فألَّف شِركةً / ترمي إلى غرض أغرَّ حميد
تغني البلاد بسعيها عن غيرها / وتُعيد عهد ثرائها المفقود
وتقوم بالعمل المفيد لأهلها / من نسج أردِيَة لهم وبُرود
حتى تكون عن الأجانب في غِنىً / وتعيش غير أسيرة التقليد
أو ما ترى أهل البلاد تقيّدوا / للغرب من حاجاتهم بقُيود
الغرب يكسوهم ملابس هم بها / يَعرَوْن من مال لهم ونُقود
وتراه يَسْلَخهم بمصنوعاته / سلخ الشياه فهم بغير جلود
هذي سفائنهم تروح وتغتدي / ببضائع لم تُحص بالتعديد
فكأنما هي لامتصاص دمائنا / بعض المحاجم أو كبعض الدود
حتى متى نَشْقى ليَسْعَد غيرنا / ونُذلِّل القُربى لعِزّ بعيد
ونُجانب الوطنيّ من أشيائنا / ولو أنّه من أحسن الموجود
أن البلاد لتشتكي من أهلها / وتقول قول الرازح المجهود
يا سادة الأوطان لستم سادةً / ما عِشتم من فقركم كعبيد
أفسيّد من عاش وهو لغيره / في حاجة بل ذاك عيش مَسود
أن السيادة تستدير مع الغنى / في حالتَيْ عدم له ووجود
لا يستقلّ بسيفه الشعب الذي / لا يستقلّ بنقده المنقود
من كان مَحلول العُرا في ماله / وجب انحلال لوائه المعقود
يا قومنا أنتم كغارس كرمة / وسواه منها قاطف العُنقود
كم تزرعون بأرضكم ولغيركم / مما زرعتم حَبّ كل حَصيد
فتبصّروا يا قوم في أحوالكم / وتنبَّهوا من غفلة ورقود
من شاء منكم أن يُعزَّ بلاده / فَلْيَسْعَ سعيَ مُعزّها البارودي
عقل وتجرِبة وجِدّ زائد
عقل وتجرِبة وجِدّ زائد / هذي صفات حازها المتقاعد
جعلوا التقاعد للجنود كرامة / كي يستريح من الجهاد مجاهد
ليس التقاعد للرجال بَطالة / أن البطالة للرجال مفاسد
لكنه عمل جديد نافع / عمّا تقوم به الحكومة حائد
بالسعي تزدهر الحياة وإنما / لون الحياة بغير سَعيٍ كامد
أن الحياة ليقظة فعّالة / فالراقد الكسلان فيها بائد
لن تبلغ العلياءَ في ساحاتها / هِمَمُ مثبَّطة وعزم راقد
أنظر تجدْ شُعَب الحياة كثيرة / فيها من السعي الحثيث مَشاهد
فكأنّ أشغالَ الحياةَ مراجلٌ / والسعيَ نارٌ والبلادَ مواقد
يا أيها المتقاعدون ألا اتّقوا / نقداً يصول به عليكم ناقد
علمت تجاربكم وأيقن رأيُكم / أن الحياة تعاوُنٌ وتعاضد
فاستمسكوا بعُرا المودة بينكم / كي لا يكون تباغُض وتحاسُد
كونوا جميعا في الحياة كأنكم / رجل إذا دهت الدواهي واحد
في الحرب طاب لكم جلاد فلْتَطِب / في السلم أعمال لكم ومقاصد
تركَتْ أكُفّكم السيوف وعندها / منكم أشدّ من السيوف سواعد
كل الحياة معارك لكنّما / فيها سلاح المرء جُهد جاهد
ولربما كانت سلاحاً نافذاً / عند اللئام دسائس ومكايد
فأْتُوا من الأعمال ما هو صالح / للناس فيه مصالح وفوائد
وتتبعوا سبل الحياة ولا يكُن / منكم إلى غير المكارم قاصد
وتصرّفوا في أمرها بمهارة / وذروا السيوف فأنهنّ جوامد
ما عاب من سَلّ المهنَّد أنه / للسيف من بعد التجالُد غامد
دار السلام تفاخرت برجال
دار السلام تفاخرت برجال / قاموا بأمر حماية الأطفال
وعُنُوا بتربية البنين عنايةً / زادوا بها شمماً على الأجبال
وبنَوْا لهم داراً بما جادت به / أيدي الكرام لهم من الأموال
صانوا بها الأنسال من أمراضها / ومن الحقوق صيانة الأنسال
دار تقيهم بالأواقي كلّ ما / يُخشَى من الأوجاع والأوجال
لم يَخشَ فتكَ السقم فيها رُضَّعٌ / في البؤس قد ولدوا وفي الأقلال
ضمنت لأيتام الأرامل طبّهم / وغذاءهم وبشائر الأبلال
للّه تَلك الدار من متبوَّأ / بذّ النجوم بقدره المتعالي
هي مَفزَع للمعسرين وملجأ / يأتيه كل ضَنٍ من الأطفال
أحماة أطفال الأيامى أنكم / جدراء بالتعظيم والإجلال
مرّت لكم تلك السنون وكلها / غُرَرٌ تزان بأنفع الأعمال
كافحتم الأدواء في أيتامنا / دَأباً بغير كلالة وملال
في حَومة الإحسان طال صيالكم / حقاً فأنتم أشرف الأبطال
سيدوم مسعاكم ويبقى دأبكم / في الدهر غير مهدَّد بزوال
ولسوف يذكركم ويشكر سعيكم / مَن سوف يخلُفُكم من الأجيال
للّه أنتم من أفاضل خُلَّص / فاقوُا الأنام بأشرف الأفضال
أني أُحاول أن أكون معينكم / لولا موانع يعترِضنِ حوالي
لو أن ذات يدي استطاعت رفدكم / ما فاق نَولُ الرافدين نوالي
ولو أن أيامي تجود بصحتي / ما جال أقوى العاملين مجالي
إن لم أُعنكم بالفَعال فإنني / ما زلت من أعوانكم بمقالي
فاليكمو هذا الثناء مخلّداً / من مادح في المدح غير مُغال
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم / إذ أكرهوك على الزواج بأشْيَبا
طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا / بفضول هاتيك المطامع أشعبا
أفكوكب نَحْس يُقارن في الورى / من سعد أخبية الغواني كوكبا
فإذا رفَضْتِ فما عليك برفضه / عارٌ وأن هاج الوليّ وأغضبا
أن الكريمة في الزواج لحُرّةٌ / والحرّ يأبى أن يعيش مذبذبا
قلب الفتاة أجلّ من أن يُشترَى / بالمال لكن بالمحبّة ُيجتَبَي
أتُباع أفئدة النساء كأنها / بعض المتاع وهنّ في عهد الصبا
هذا لعمر اللّه يأبى مثله / مَن عاش ذا شرفٍ وكان مُهَذَّبا
بيت الزواج إذا بَنَوْه مجدّداً / بالمال لا بالحبّ عاد ُمخرَّبا
يا مَن يساوِم في المُهُور ُمغالياً / ويميل في أمر الزواج إلى الحبا
أقصِر فكم من حرّة مذ اُنزلت / في منزل الرجل الغني بها نبا
أن الزواج محبّةٌ فإذا جرى / بسوى المحبّة كان شيئاً متعبا
لا مهر للحسناء إلا حبُّها / فبحبّها كان القران ُمحَبَّبا
خير النساء أقلّها لخطيبها / مهراً وأكثرها إليه تحبُّبا
وإذا الزواج جرى بغير تعارف / وتحابب فالخير أن نترهّبا
هو عندنا َرميُ الشِباك بلُجَّةٍ / أتُصيب أخبَثَ أم تصادف أطيبا
أو مثل محتطب بليل دامس / أيَدوس أفعى أم يلامس عقربا
ولقومنا في الشرق حال كلما / زدت أفتكاراً فيه زدت تعجُّبا
تركوا النساء بحالة يرثى لها / وقضَوْا عليها بالحجاب تعصُّبا
قل للاُلى ضربوا الحجاب على النسا / أفتعلمون بما جرى تحت العبا
شرف المليحة أن تكون أديبةً / وحجابها في الناس أن تتهذّبا
والوجه أن كان الحياء نقابه / أغنى فتاة الحيّ أن تتنَقّبا
واللؤم أجمع أن تكون نساؤنا / مثل النعاج وأن نكون الأذْؤبا
هل يعلم الشرقيّ أن حياته / تعلو إذا ربّى البنات وهذّبا
وقضى لها بالحق دون تحكُّم / فيها وعلّمها العلوم وأدّبا
فالشرق ليس بناهض إلا إذا / أدنى النساء من الرجال وقَرّبا
فإذا أدّعَيت تقدماً لرجاله / جاء التأخُّر في النساء مُكَذِّبا
من أين يَنهض قائماً مَن نصفه / يشكو السقام بفالِج ُمتَوَصِّبا
كيف البقاء له بغير تناسبٍ / والدهر خصّص بالبقاء الأنسبا
والشعر ليس بنافع أنشاده / حتى يكون عن الحقيقة معربا
تلك الحقيقة للرجال أزفّها / ولها اُقيم من القوافي مَوْكبا
قل للحجابيّين كيف ترونكم
قل للحجابيّين كيف ترونكم / من بعد سفر للسفور مبين
كشفت به ما كان من حجب العمى / عنكم نظيَرة بنت زين الدين
سفر أقام على السفور أدلّةً / تركت ذبابكم بغير طنين
يا لاجئين إلى العناد خصومةً / ما كان ِحصن عنادكم بحصين
هل من نظير بينكم لنظيرة / أو من فقيه مثلها وفطين
هدمت نظيرة ما بَنَت عاداتكم / من كل سجن للنساء مُهين
أفتمكُثون على العناد وقد بدا / من بعد ليل الشك صبح يقين
نحن السفوريّين أعلم بالذي / شرع النبيّ محمد من دين
أيكون ما شرع النبي محمد / شيئاً يخالف شرعة التمدين
أن أعتزالكم النساء ترفُّعاً / أمر يناقض حكمة التكوين
حتى رجال الصين تحترم النسا / أفنحن ننقص عن رجال الصين
كلاّ ولكن عادة همجيَّة / جعلتكم حرباً لكل حَسِين
قد صَحّ عزمك والزمان مريض
قد صَحّ عزمك والزمان مريض / حتّام تذهب في المُنى وتَئيض
ما بال همّك في الفؤاد كأنه / عظم يُقَلْقَل في حشاك مَهيض
كم بِتَّ معتلج الهموم بليلة / ما للظلام بفجرها تقويض
طنّت بمسمعك الهواجس في الدجى / فنفت كراك كما يطِنّ بعوض
تنبو جُنوبك عن فراش ناعم / فكأن مَضجعك الدَميث قضيض
وكأن جنبك بالجوى متقرّح / وكأن قلبك بالهموم رضيض
كُبرت لنفسك في الحياة لُبانة / ضاقت سموات بها وأروض
ما زلت تقتحم المهالك دونها / فالهولَ تركب والصِعابَ تروض
لله أنت فأيَّ هول تمتطي / أم أيَّ معتَرَك الخطوب تخوض
ولربّ قافية كمُئتِلق السنى / يجلو الشكوك يقينها الممحوض
صَرحت في إنشادها بحقيقة / فات الأنام بمثلها التعريض
ولقد أجَرَّني القريضُ عِنانَه / ونَحا بيَ المضمار وهو مروَض
وأتى المدى يوم السباق مُجَلِّياً / يَجري سَبوح خلفه ورَكُوض
قد كنت أنبِط للقريض قريحةً / بمفاخر العرب الكرام تَفيض
ولكَم وقفت من السياسة موقفاً / مَحيايَ فيه على التَوىَ معروض
مستنهضاً بالشعر قومي للعلا / إذ كان يهم فترةٌ ورُبوض
أيام لم يَنطق بذلك شاعر / قبلي ولم يُنشَد هناك قريض
حتى إذا دار الزمان مداره / خاب القريض وعاد وهو جَريض
وغدا يُنازعني الحَرُورة شاعر / ما كان حرّاً شعره المقروض
ويَبُزّ في ثوب الأمانة خائن / كأبي براقش طبعه المرفوض
كم مُدِّعٍ دعواي في وطنيّةٍ / أنا كنت أبنيها وكان يَقُوض
من كل عبد في السياسة باعه / وشراه هذا الدرهم المقبوض
تعس المخاصم إن لي لقصائداً / طرف المعاند دونهنّ غضيض
فإذا ادّعَيت فهنّ في دعواي لي / حُجج دوامغ ما لهنّ دحوض
وسل اليراع يُجِبْك عني ناطقاً / بمقال صدق ليس فيه غموض
لما تكرّهتي الأراذل سرّني / أني إليهم يا أُميم بغيض
ولقد بَرِئت إلى الوفاء من اميءٍ / عهد الصداقة عنده منقوض
وحزَيت كل صنيعة بمثالها / إن الصنائع في الرجال قُروض
لا تَطلُبنّ من الزمان حقيقةً / ما للحقيقة في الزمان وميض
وإذا مخضتَ من الليالي صَرفها / أبدى العجائب صرفها الممخوض
وحوادث الأيام مثل نسائها / في الحكم تَطُهر تارةً وتَحيض
ولربّما أنتَجْن كل كريهة / سوداء تَقنأ في وغاها البيض
قد ساء مُنقلَب البلاد بأهلها / فانحطّ أوْج واشمخر حضيض
ذهب الحياء فكم رأينا صاغراً / قد جاء وهو لمِذْرَوَيه نَفُوض
وَقِح تعامى عن مدانس عِرضه / فزهاه عُجباً ثوبه المَرْحوض
غَلَب الشقاء على الأنام فخيرهم / دَثٌّ وقَطر شرورهم اغريض
كيف السعادة في الحياة وللورى / في قوس كل ضغينة تنبيض
أم كيف تَبتدع المعالي أمةٌ / في العلم قلّ نصيبها المفروض
لن تَعدَم الدنيا الشقاءَ بأهلها / ما دام مُلك في البلاد عَضوض
ويح الذكاء فقد تأخرّ أهله / حتى تقدّم مَن قفاه عريض
أخزى البلاد مفاسداً بلد به / مُقت الأديب وأكرم العِرِيض
وإذا الفتى قعدت به أفعاله / أعياه بالنسب الرفيع نُهوض
والمرء إن عَدمِت سجّيته العلا / لم يَبتعثه إلى العلا تحريض
يا قوم لا تتكّلموا
يا قوم لا تتكّلموا / إن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلاّ النُوَّم
وتأخّروا عن كل ما / يَقضي بأن تتقدّموا
ودَعُوا التفهُّم جانباً / فالخير أن لا تَفهموا
وتَثّبتُّوا في جهلكم / فالشرّ أن تتعلَموا
أما السياسة فاتركوا / أبداً وإلاّ تنموا
إن السياسة سرّها / لو تعلمون مُطلسَم
وإذا أفَضْتم في المباح من الحديث فجَمجموا /
والعَدلَ لا تتوسَّموا / والظلمَ لا تتجَّهموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهو مُكرَّم /
فَليُمسِ لا سمعٌ ولا / بصر لديه ولا فم
لا يستحق كرامة / إلاّ الأصمّ الأبكم
ودَعُوا السعادة إنما / هي في الحياة توّهُم
فالعيش وهو منّعم / كالعيش وهو مذمَّم
فارضَوْا بحكم الدهر مهما كان فيه تحكُّم /
وإذا ظُلِمتم فاضحكوا / طرباً ولا تتظلّموا
وإذا أُهِنتم فاشكروا / وإذا لُطِمتم فابسِموا
إن قيل هذا شهدكم / مُرّ فقولوا علقم
أو قيل إن نهاركم / ليل فقولوا مُظلم
أو قيل إن ثِمادكم / سَيل فقولوا مُفعَم
أو قيل إن بلادكم / يا قوم سوف تُقسَّم
فتحمدوا وتشكّروا / وترنّحوا وترنّموا
إن العراق بعَرضِه وبطوله
إن العراق بعَرضِه وبطوله / وبرافديه وباسقات نخليه
يهتزّ مبتهجاً بمَقدم ضَيفه / ويبشّ مبتسماً بوجه نزيله
ومرحباً والشكر في ترحيبه / ومؤهلاً والحمد في تأهليه
بربيب لبنان بريحانِّيه / بكبير معشره بفخر قبيله
بالعبقري بفيلسوف زمانه / بأديب أمته بداهي جِيله
بأصح أحرار الأنام تحرُّراً / في فكره وبفعله وبقيله
إنا نُبجِّل خير مبجَّل / تبجيلُ كل الفضل في تبجيله
أ أمين جئت إلى العراق لكي ترى / ما فيه من غُرَر العلا وحُجوله
عفواً فذاك النجم أصبح آفلاً / والقوم محتربون بعد أفوله
أوَ ما ترى قطر العراق بحسنه / قد فاق مُقِفره على مَأهوله
أما الحَيا فيه فذيّاك الحيا / لكن مسيل الماء غير مسيله
وربيعه ذاك الربيع وإن شكا / من جهل ساكنه اشتداد مُحوله
فأقم به ولك الغنى بفراته / عن قطر مصر وعن موارده نيله
وانزل على وادي السلام مُمَتَّعاً / برغيد عيش تحت ظلّ نخيله
والثِم به ثغر الطبيعة باسماً / يَشفي من المشتاق حَرَ غليله
وترقَبن اسحاره حتى إذا / هبّ النسيم فجسّ نبض عليله
وانظر محاسن أرضه وسمائه / وانشَق أريج شَماله وقَبوله
فالجوّ فيه منيرة أوضاحه / والحسن فيه دقيقه كجليله
والليل فيه مكلَّل بمرصَّع / وكواكب الأكليل من أكليله
وترى النهار به كذهنك واقداً / بالشمس تُشرق في وجوه سهوله
وترى ضياء الشمس فيه مغلفاً / بنظيره ومسلسلاً بمثيبه
وإذا وقفت بدارس من مجده / فكوقفة الباكين بين طلوله
وانحَبْ كما نحب الحزين مكفكفاً / غَرب الدموع بجانبَيْ مِنديله
فلقد عفا المجد القديم بأرضه / وعليه جرّ الدهر ذيل خُمُوله
وإذا نظرت إلى قلوب رجاله / فانظر حديد الطرف غير كليله
نجد الرجال قلوبها شتى الهوى / مدّ الشِقاق بها حِبالة غُوله
متناكرين لدى الخطوب تناكراً / يعيا لسان الشعر عن تمثيله
فالجار ليس بآمن من جاره / والخِلّ ليس بواثق بخليله
والدين فيه يقول ذو قرءانه / قولاً يحاذر منه ذو إنجيله
وإذا تأوّل قولَهم متأوِّل / صرفوه بالتفكير عن تأويله
وإذا تكلّم عالم في أمرهم / خَفروا ذِمام العلم في تجهيله
حال لو افتكر الحكيم بكُنهه / طول الزمان لعَيّ عن تعليله
من ذا يبدّله فإن قَوارعي / يئست لعمر الله من تبديله
والجهل لا يُبقي على أربابه / كالسيف ليس براحم لقتيله
أ أمين لا تغضب عليّ فإنني / لا أدّعي شيئاً بغير دليله
من أين يُرجى للعراق تقدّم / وسبيل مُمتلِكيه غيرُ سبيله
لا خير في وطن يكون السيف عن / د جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده والعلم عن / د غريبه والحكم عند دخيله
وقد استبدّ قليله بكثيره / ظلماً وذَلّ كثيره لقليله
إني إذا جَد المقال بموقف / فضّلت مُجمَله على تفصيله
وإذا المخاطب كان مثلك واعياً / أغنَى اختصار القول عن تطويله
يا مَن يكتّم فضله متواضعاً / والناس مجمِعة على تفضيله
شكواي بُحت بها إليك وليس في / شكوى الزميل غَضاضةٌ لزميله
إن المريض ليستريح إذا اشتكى / ما به لطبيبه وخليله
وكذا الحزين إذا تهيّج حزنه / يبكي فيسكن حزنه بعويله
إني لآنَف أن أبوح بمُضمَري / إلاّ لمقتدر على تحصيله
ولديّ إن وصل الحبيب تمسّك / بالعزّ يمنع فايَ من تقبيله