القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 45
لله سرّ في الأنام مطلسم
لله سرّ في الأنام مطلسم / حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ / في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً / ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما / نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه / لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه / بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف / والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى / والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه / فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ / للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن / تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا / ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة / فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه / لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة / يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً / يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل / طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً / بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً / عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً / وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه / فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى / ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة / وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة / يعنو السفيه لها ومن يتحكّم
ما للحقيقة من بدايةْ
ما للحقيقة من بدايةْ / كلاً وليس لها نهاية
هي عند أرباب العقو / ل أجلّ من حَدَ وغاية
خَفَيت ولكن كم وكم / ظهرت لها في الكون آية
كَم راح مرفوعاً لها / فوق الربا علَم وراية
هي في مقام ظهورها / كالشمس تحجبها غياية
ما بين أعين من يَرو / ن وبينها إلاّ شواية
فلو انجلت غفلاتنا / لتكشّفت عنّا العماية
هي منظر فيه الجلا / ل ومخبر فيه الكفاية
هي في الطبيعة تستفي / ض على الوجود لها جراية
هي في الضياء وفي الظلا / وفي المسير وفي السراية
هي في الفضيلة والفضو / ل وفي النقيصة والزراية
هي في اللباب وفي القشو / ر وفي الحثالة والنفاية
هي في السلام وفي الحسرو / ب وفي الهوادة والنكاية
هي كلّ ما شكت الشكا / ة وكل ما بعث الشكاية
هي في الرُماة إذا رمَوْا / وهي الإصابة في الرماية
هي في العفاة وفي العفا / ء وفي الجناة وفي الجناية
هي في الغياض وفي الريا / ض وفي الفراشة والجداية
هي في المغاني والمبا / ني والبناة وفي البناية
هي في الغباوة والذكا / ء وفي الشفاعة والوشاية
هي في الملاح وفي القبا / ح وفي الرشاد وفي الغواية
وإلى الحقيقة تنتهي / طرق الضلالة والهداية
هي من يموت ومن يعي / ش وكل قابلة وداية
هي كل ما وعت العقو / ل وكل ما روت الرواية
منها الفنا وبها البقا / ومن الفناء هي الوقاية
ليس الوجود لغيرها / إلا خيالاً في مراية
وإذا نظرت الكائنا / ت بأسرها فهي السناية
إني أرى سرّ الحقي / قة كائنا في اللانهاية
وأرى الوجود وإن تعدّ / د واحداً عند الدراية
فاليك يا طاغور جئ / ت عن الحقيقة بالحكاية
أنت الذي قال الحقي / قة بالصراحة والكناية
ما أخطأتْ سنن العلا / إذ هذّيتك يد العناية
لا زلت مشمول الجنا / ب من من الحقيقة بالرعاية
لو أسكر الإنسان باطل أمره
لو أسكر الإنسان باطل أمره / لم تلق غير معربِد سكران
لو قاس كلّ فتى سواه بنفسه / فيما أراد لما تعادى اثنان
لو أنصف الخصمان ما اصطاد الرُشا / أهل القضاء بما ادّعى الخصمان
لو أخلص الإنسان في إحسانه / لم يرجُ أن يجزي على الإحسان
لو لم يشكّ بربّه متفلسفٌ / في الدين لم يحتجّ بالبرهان
لو أن عقل المرء يغلبِ حبّه / للنفسي لن يلجأ إلى الأديان
لولا جمود في الشرائع مهلك / لتغيّرت بتغّير الأزمان
لو كان قصد الدين غير سعادة الدّ / نيا لكان الكفر كالإيمان
لو أخلص الرجل التقيّ بدنيه / ما كان ذا طمع بحور جنان
لا خير في تقوى امرئ لو لم يَخف / نار الجحيم للجّ في العصيان
لو كان أمر الحجٌ معقولاً لما / كان استلام القوم للأركان
لو حكّم العقلَ الحجيج بحجّهم / أبَوُ الطواف بتلكم الجدران
لو أخلص الغزّى بنُصرة دينهم / ما حلّ سبي حرائر النسوان
كذبت قريش لو تقادم عهدها / في المجد ما خدعت أبا غبشان
لو كان للشيطان معنى غير ما الْ / إنسان ما آمنت بالشيطان
لو يجعل الناس التعاون دأبهم / لتمتّعوا بسعادة العمران
لو أنّ أخلاق الرجال تهذّبت / لتكّشفت حُجُب عن النِسوان
ومحبّة الأوطان لولاها لما / عَرف الأنام عداوة الأوطان
لو كان خير في المجرّة لم يكن / في الأرض شرٌ دائم الغَلَيان
لو تَمَّ في فلك الثريّا سعدها / لم تُمنَ بالعَيوق والدَّبَران
لو لم يكن فزعاً سهيل لم يبت / في أفقه متتابع الخفقان
عبد المجيد قضى فوا أسفا
عبد المجيد قضى فوا أسفا / ماذا يفيد تأسّفي جزعا
ثم ويك نبك المجد والشرفا / ونعزّ طرف العين ما دمعا
فلقد فقدنا سّيد الظرفا / وأجلّ ساعٍ للعلاء سعى
لم يتخذ غير العلا هدفا / عن قوس هّمته إذا نزعا
خبر طويت حشاي مرتجفا / من هوله وسقطت منصدعا
ألقى بوجه حياتنا كلفا / أوعاد لون العيش ممتقما
فالدمع من عيني إذا وكفا / جلل وإن أرسلته دفعا
صاحبت منه أخا نهى ووفا / يزهر النديّ به إذا اجتمعا
فسمعت من أقواله طرفا / ورأيت من أفعاله بدعا
ساء المكارم كونه دنفا / يشكو إلى عوّاده الوجعا
الداء أذهب نفسه تلفا / بذل الدواء له فما نجعا
بيروت منه أحرزت شرفا / لما غدت لعلاه مضطجعا
لكنما قلب العراق هفا / حزناً عليه إذ به فجعا
وكفى بسعدون له خلفا / لفعاله في المجد متّبعا
يمشي على آثاره الخطفى / ويقوم بالأعباء مضطلعا
عبد المجيد قضى فوا حربا
عبد المجيد قضى فوا حربا / ماذا يردّ إليّ واحربي
إن الرزايا قد قضت عجبا / مما رزئناه من الحسب
رزءٌ أثار الحزن ملتهبا / في كل قلبٍ أيّ ملتهب
وأسال غرب الدمع منسكبا / من كل عين اثر منسكب
وأمرّ حلو العيش فانقلبا / بمحاوليه شرّ منقلب
فبكاه من بغداد منتجا / في جانبيها كل ذي أدب
يا راحلاً بالداء مغتربا / يبغي الشفاء له من الوصب
أوتيت فضلاً في النهى عجبا / يأتي من الآراء بالعجب
كم كنت تكشف فيه محتجبا / وتنال أقصى الأمر من كثب
فنبيت مجداً منك مكتسبا / من بعد آخر غير مكتسب
وبك العروبة قد زهت نسبا / يزهى بغبطة كل ذي نسب
قد كنت من عربّية عصبا / والحسّ مصدره من العصب
إنا فقدنا الظرف والأدبا / وفقدت يا سعدون خير أب
يا أكرم المتهذّبين أبا / صبراً لفقدك أكرم العرب
إذ كنت أنت لمثله عقبا / أكرم يمثلك أنت من عقب
للجعفرين شهادة الأبرار
للجعفرين شهادة الأبرار / للعسكريّ وجعفر الطّيار
هذا قضى بيد اللئام مضرّجاً / بدم وذاك بأنصل الكفّار
هذا لموطنه وذاك لربّه / وقفا أجلّ مواقف الأبرار
وقفا بوجه الظلم وقفة وازعٍ / وكذا تكون مواقف الأحرار
للحقّ والشرف المخلّد في الدنى / قاما قيام المنجد المغيار
قضيا كيومهما علاً وبداعة / متجلّلَين بعزّة وفخار
زُقا إلى حور الجنان لأجل ذا / لبسا وشاحاً من دم موّار
لم يضحكا مستهزئين من الردى / إلاّ بثغر الصارم البتار
لله درّهما ودرّ رَداهما / بلغا الحياة به مدى الأعصار
يبكي العراق لفقد سائس حكمه / شجواً وقائد جيشه الجرّار
سل عن معاركه طرابلس التي / قد كان فيها شعلة من نار
وسل الشآم وما يليها كم بها / قد جال جولة فارسٍ مغوار
وسل العروبة عن مفناعيه لها / كم خففّت عنها من الأوزار
تلقاه في النادي بشوشاً ضاحكاً / وتراه يوم الروع كالتيّار
يزهو محّياه الوضيء كأنه / قمر يشع إليك بالأنوار
يبكي بكاء المتّقين تضرعاً / طوراً ويضحك ضحكة الفجار
وتراه يعمل في المقرّ معبساً / ويهشّ مبتسماً إلى الزّوار
وتراه بين مجالسيه ممازحاً / وتراه مصطخباً بيوم شجار
مثلَ الهزبر تراه يوم كريهة / وتراه يوم الأنس مثل هزار
هذا هو البطل الذي فجعت به / صيد البلاد وسادة الأمصار
جلّت مناقبهِ فسوف بذكرها / أبداً تسير جوائب الأخبار
لله يوم ما ذكرت قتيله / إلا بكيت بمقلة مدرار
ويح العراق فيوم مقتل جعفر / فجع العراق بعزّة الأخيار
قتلوه رمياً بالرصاص بصدره / فهوى لمصرعه بصدر نهار
ساموه خسفاً فاستجار بموته / كي لا تشان حياته بالعار
أنّي أفي ببكائه ورثائه / مهما نظمت قصائد الأشعار
فالشعر ليس يفي بذا ولو أنه / شعر الرضّي الفحل أو مهيار
الشعر بعد مصابه بكبيره
الشعر بعد مصابه بكبيره / في مصر جلّ مصابه بأميره
بيناه يبكي حافظاً بشهيقه / إذ قام يبكي أحمداً بزفيره
لم يقض بعض حداده لنصيره / حتى أحدّ أسىً لفقد مجيره
ما إن خبت في الأفق شعلة ناره / حتى انطوت في الجوّ لمعة نوره
بالأمس ظلّ مرزأً بمبينه / واليوم بات مفجّعاً بمنيره
أخذت فرزدقه المنون وضاعفت / جلّى مصيبته بأخذ جريره
رزآن ملتهبان قد نضحتهما / عين العلا من دمعها بغزيره
فالشعر بعدهما استطال بكاؤه / وتموّجت بالحزن كل بحوره
وهزاره ترك الصداح وليثه / أمنت أعاديه سماع زئيره
يا نيّراً فجع القريض بموته / فبكته عين وزينة وكسيره
وخلت سماء الشعر بعد أفوله / من مشرقات شموشه وبدوره
ومؤمّراً لم تنتقض بوفاته / في الشعر بيعته على تأميره
إذ لن يقوم نظيره من بعده / هيهات أن تأتي الدنى بنظيره
لك في الخلود مكانة ما نالها / فرعون في ديماسه وحفيره
إن الدفين مضمّخاً بحنوطه / دون الدفين محنّطاً بشعوره
إن المتوّج فوق عرش ذكائه / يعلو المتوجّ فوق عرش سريره
ما مات من تركت لنا أقلامه / صوراً خوالد من بنات ضميره
صوراً تمثّل ذاته وصفاته / حتى يقمن لنا مقام نشوره
فكأنه وهو الدفين بقبره / حيّ يعيش بحزنه وسروره
وكأنه في القوم ساعة حفلهم / متكلّم بنظيمه ونثيره
لأبي علي من قريحة شعره / وحي أتى من جبرئيل شعوره
كم قد رمى الغيب الخفي فؤاده / بذكائه فأصاب كشف ستوره
وتصوّر المعنى الدقيق فردّه / كالصبح منفلقاً أوان ظهوره
يأتيك بالمعنى الجميل قد اكتسى / من وشي سندس لفظه وحريره
فالشعر قد دكّت جبال فنونه / إذ موت شوقي كان نفخة صوره
يا راجلاً ترك القوافي بعده / محتاجة المحيا إلى تفكيره
لهفي على ذيّالك القلم الذي / يتطرب الأرواح لحن صريره
الشعر كنت أميرة وسميرة / فمن المسامر بعد فقد سميرة
حّررته من رقّ كل تصنّعٍ / فبدت فنون الحسن في تحريره
سخّرت من أوتاره ما لم يكن / ليطيع غيرك قطّ في تسخيره
ولكم شدوت بنغمة من بمّه / ولكم صدحت بنغمة من زيره
تتمايل الأبدان في إنشاده / طرباً وليس يملّ في تكريره
يا أهل مصر عزاءكم فمصابكم / أمر قضاه الله في تقديره
الشعر قد ثلّت بمصر عروشه / بوفاة سيده وموت أميره
علمان من أعلامه كانا به / يتنازعان السبق في تحبيره
لكليهما الهرمان قد خشعا أسىً / والنيل مدّ أنينه بخريره
يا مَن قضى بين المياة غريقا
يا مَن قضى بين المياة غريقا / أذكى فراقك في القلوب حريقا
قد كنت فينا درّة فلأجل ذا / تَخذ الحمام لك المياة طريقا
سعديك يا توماس إنك لم تمُت / ما دام ذكرك في الحياة عريقا
لكن رقيت إلى السماء لتجتبى / لله في أعلى السماء رفيقا
يا كوكباً عجل الردى بافوله / من بعد ما ملأ السماء شروقا
إن كنت غبِت عن العيون فإنما / اسكنت طيّ قلوبنا موموقا
عشقتك كل فضيلة وعشقتها / لله درّك عاشقاً معشوقا
هصرتك أيدي الموت غصناً ناضراً / يهتز في روض العلاء وريقا
إن العراق على بضاضة قطره / أمسى بفقدك يابساً معروقا
لله منعاك الجليل فإنه / أعيا البليغ وأخرس المنطيقا
إن كان شخصك بات في قَيد الثرى / فجميل ذكرك لا يزال طليقا
همّم الرجال مَقِيُسة بزمانها
همّم الرجال مَقِيُسة بزمانها / وسعادة الأوطان في عُمرانها
وأساس عمران البلاد تَعاوُن / مُتواصل الأسباب من سُكّانها
وتعاون الأقوام ليس بحاصل / إلاّ بنَشْر العلم في أوطانها
والعلم ليس بنافع إلاّ إذا / أجرت به الأعمال خَيْل رهانها
أن التجارب للشيوخ وإنما / أمَل البلاد يكون في شُبانها
هذي لدى العرب الكرام مبادئٌ / نزلت بها الآيات في قرآنها
والعُرب أكبر أمة مشهورة / بفُتوحها وعلومها وبيانها
كم قد أقامت للعلوم مدارساً / يَعيا ذوو الإحصاء عن حسُبانها
وبَنَت بأقطار البلاد مَصانعاً / تتحيّر الأفكار في بُنيانها
فالمجد مَأثور بكل صراحة / عن قَيْسها أبداً وعن قحطانها
طُبِعت على حبّ العَلاء فسعيُها / للمكْرُمات يُعَدّ من دَيْدانها
نهضت بماضي الدهر نهضتها التي / خَضَعت لها الأفلاك في دَورانها
حَسُنت عواقب أمرها حتى لقد / بَهَرت بني الدنيا جلالة شانها
فهم الأُلى فتحوا البلاد ونشّروا / رايات مَعدَلة على قُطّانها
وهم الألى خضعت لهم أمم الورى / من تركها طُرّاً إلى أسبابها
والروم قد نزلت لهم عن مُلكها / والفُرس عمّا شيد من إيوانها
يا أمةً عاش البرية أعصُراً / في عدلها رغداً وفي إحسانها
ثم انقضت تلك العصور فجاءها / زمن به انقادت إلى عُبدانها
فَنَضَت ملابس عزَها وتثاقلت / في الذُلّ راسفةً بقَيد هوانها
بغداد حسبك رقدة وسبات
بغداد حسبك رقدة وسبات / أوَ ما تُمضُّك هذه النكبات
ولِعَت بك الأحداث حتى أصبحت / أذْواء خَطبِك ما لهنّ أساة
قَلَبَ الزمانُ إليك ظهرِ مجَنِّه / أفكان عندكِ للزمانِ ترات
ومن العجائب أنَ يمَسَّك ضرّه / من حيث ينفع لورعتك رُعاة
إذ من ديالي والفرات ودجلة / أمست تحُلّ بأهلك الكُرُبات
أن الحياة لفي ثلاثة أنهُر / تجري وأرضكِ حولهنّ مَوات
قد ضلّ أهلُك رُشدَهم وهل اهتدى / قوم أجاهلهم هم السَرَوات
قوم أضاعوا مجدهم وتفرّقوا / فتراهم جَمْعاً وهم أشتات
لقد استهانوا العيش حتى أهملوا / سعياً مَغَبّة تركه الاعنات
يا صابرين على الأمور تَسومهم / خّسفاً على حين الرجال أباة
لا تُهملوا الضرر اليسير فإنه / أن دام ضاقت دونه الفلوات
فالنار تَلهَب من سقوط شرارة / والماء تَجمع سَيْله القَطَرات
لا تستنيموا للزمان توكُّلاً / فالدهر نزّاءٌ له وثبات
فإلى متى تستهلكون حياتكم / فَوْضَى وفيكم غفلة وأناة
تالله ان فَعالكم بخلافه / نزل الكتاب وجاءت الآيات
أفتزعُمون بأن ترك السعي في / هذي الحياة تَوكُّل وتُقاة
أن صحّ نَقْلكم بذاك فبيِّنوا / أو قام عندكم الدليل فهاتوا
لم تَلْقَ عندكم الحياة كرامةً / في حالة فكأنكم أموات
شقِيَت بكم لما شَقِيتم أرضكم / فلها بكم ولكم بها غَمَرات
وجهِلتم النهج السَوِيَّ إلى العلا / فترادفت منكم بها العَثَرات
بالعلم تَنْتظِم البلاد فإنه / لرُقِيِّ كل مدينة مِرقاة
أن البلاد إذا تخاذل أهلها / كانت منافعها هي الآفات
تلك الرُصافة والمياه تَحُفّها / والكرخ قد ماجت به الأزمات
سالت مياه الواديَيْن جوارفاً / فطَفَحْن والأسداد مُؤتَكِلات
فتهاجم الماءان من ضَفَوَيْهما / فتناطحا وتوالت الهَجَمات
حتى إذا اتّصل الفرات بدجلة / وتساوت الوَهَدات والرَبَوات
زَحَفت جيوش السَيل حتى أصبحت / بالكرخ نازلة لها ضَوْضاة
فسَقَت بيوت الكرخ شرّمُقَيِّىءٍ / منها فقاءت أهلَها الأبيات
واستَنْقَعت فيها المياه فطَحْلَبت / بالمُكث ترغو تحتها الحَمَآت
حتى استحال الكرخ مشهد أبْؤس / تبكي به الفتيان والفَتَيات
طُرُقاته مسدودة ودياره / مهدومة وعِراصه قَذِرات
يا كرخ عَزّ على المروءة أنه / لُجَج المياه عليك مُزدَحِمات
فلئن أماتتك السيول إنما / أمواجهنّ عليك مُلتَطِمات
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد / خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً / طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى / أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً / بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة / أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها ال / أنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده / بغدادَ كيف تَروعها النكبات
لا دجلة يا للرزية دجلة / بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يُمدّ دجلةَ ماؤه / بجداول تُسقَى بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع / تفترّ عن شنب بها السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد / عذُبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهرَ الرُفَيل من البلى / حيث المجاري منهُ مندرسات
إذ قصر عيسى كان عند مصبّه / وعليه منه أطلّت الغُرُفات
أم أين بركة زلزل وزُلالها الس / لسال تسرح حوله الظَبيَات
يا نهر طابَقَ لاعدمتك منَهلاً / أين الصَراة تحُفّها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهُه / نهر الدَجاج فتكثر الغَلاّت
أم أين نهر الملك حين سلسلت / فيه المياه وهن مُطَردات
قد كان تُزدَرَع الحبوب بأرضه / فتَسِحّ فيه بفَيضها البركات
أم أين نهر بطاطيا تأتيه من / نهر الدُجَيل مياهه المُجْراة
وله فروع أصلهن لشارع ال / كبش المجاري منه مُنتهيات
تنمو الزروع بسَقيِه فغِلاله / كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعُلّي إذ غدت / لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفِردَوس تدخل منه في / قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف مُنصَلِتاً تُضاحِك وجهَه ال / أنوارُ وهي عليه مُلتَمِعات
إذ نهر بِينٍ عند كَلْواذى به / مُلْد الغصون تَهزّها النسمات
وبقربه من نهر بُوقٍ دارة / تَنْفي الهموم مروجها الخَضِرات
يا قصر باب التبر كنت مُقَرَّناً / والنَفيُ يَصدُر منك والاثبات
أيامَ تُطلعك العدالةُ شمسَها / وتَرِفّ فوقَك للهدى رايات
أيام تُبصرك الحضارة في العلا / بدراً عليك من الثنا هالات
أيام تُنشدك العلوم نشيدها / فتَعود منك على العلوم صِلات
أيام تقصدكَ الأفاضل بالرجا / فتَفيض منك لهم جَداً وهِبات
أيام يأتيك الشكِيّ بأمره / فيروح عنك وما لديه شَكاة
تَمضي الشهور عليك وهي أنيسةٌ / وتَمُرّ باسمةً بك الساعات
ماذا دهاك من الهوان فأصبحت / آثار عزّك وهي مُنطَمِسات
قد ضيّعت بغداد سابق عزّها / وغدت تَجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السَيل من أنهارها / ضُرّاً وهنّ منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا / دَفَق السُيول فماجت الأزمات
إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً
إن رمت عيشاً ناعماً ورقيقاً / فاسلك إليه من الفنون طريقا
واجعل حياتك غَضّة بالشعر والت / مثيل والتصوير والموسيقى
تلك الفنون المُشتهاة هي التي / غصن الحياة بها يكون وريقا
وهي التي تجلو النفوس فتَمتَلي / منها الوجوه تلألُؤاً وبريقا
وهي التي بمذاقها ومشاقها / يُمسي الغليظ من الطباع رقيقا
تَمضي الحياة طريّة في ظلها / والعيش أخضر والزمان أنيقا
إن الذي جعل الحياة رواعداً / جعل الفنون من الحياة بروقا
وأدَرّها غَيث اللذاذة مُنبتاً / زهر المسرة سوسناً وشقيقا
وأقام منها للنفوس حوافزاً / تدع الأسير من القلوب طليقا
فتحُلّ عقدة من تراه معقّداً / وتفُكِ ربقة من تراه ربيقا
تلك الفنون فطِر إلى سَعة بها / إن كنت تشكو في الحياة الضيقا
وإذا أردت من الزمان مضاحكاً / فَتَحَسَّ منها قَرقَفاً ورحيقا
ما فاز قط بوصلها من عاشق / إلاّ وكان لعارفيه عشيقا
فهي ابتسامات الدُنى وبغيرها / ما كان وجه الحادثات طليقا
رطِّب حياتك بالغناء إذا عرا / هَمٌ يُجَفِّف في الحُلوق الريقا
إن الغناء لمُحدث لك نَشوة / في النفس تُطفىء في حشاك حريقا
وأترك مجادلة الذين توَهّموا / هَزَج الغناء خلاعة وفُسوقا
أفأنت أغلظ مُهجةً من نوقهم / فقد أستَحثّوا بالحُداء النوقا
أرقى الشعوب تمدناً وحضارة / من كان منهم في الفنون عريقا
وأحَطُّهم من أن سمعت غناءهم / فمن الضفادع قد سمعت نقيقا
فالفنّ مقياس الحضارة عند مَن / حازوا الرُقِيَّ وناطَحوا العَيُّوقا
الشعر فَنٌ لا تزال ضُرُوبه / تتلو الشعور بألْسُن الموسيقى
ويُجيد تقطير العواطف للورى / فتخاله لقلوبهم أنبيقا
ومسارح التمثيل أصغر فضلها / جَعْل الكليل من الشعور ذليقا
وإذا رأى فيها الوقائع غافل / من نوم غفلته يكون مُفيقا
تنْمي الحميد من الخِصال وتنقي / ما كان منها بالفَخار خَليقا
وتَجيء من عِبَر الزمان بمَشْهَد / يُلقي خشوعاً في النفوس عميقا
ويكون مَنظرُه الرهيب مُمَهّداً / لمُشاهديه إلى الصلاح طريقا
أما المُصوِّر فهو فنّان يرى / ما كان من صُوَر الحياة دقيقا
تأتيك ريشته بشعر صامت / ولقد يفوق الشاعر المِنْطيقا
وبدائع التصوير من حسناتها / أن يستفيد بها الشعور سموقا
فهي الجديرة أن تكون ثَمينةً / وتكون أنفق من سواها سوقا
أن الحياة على الكُدورة لم تجد / مثل الفنون لنفسها راووقا
من كان في المجد المُؤثَّل راغباً
من كان في المجد المُؤثَّل راغباً / فَلْيَطَّلبْه بهمّة البارودي
فخري الذي ابتكر المفاخر وأغتدى / منهنّ مفتخراً بكلّ جديد
وأبى سوى غُرِّ المَساعي إذ سعى / مُتشبِّثاً منها بكل مُفيد
وبنى له بدمشق مجداً طارفاً / من بعد مجد في دمشق تَليد
أن كان محمود الفِعال فإنه / ورِث المكارم عن أب محمود
نفع البلاد بماله وبسَعْيِه / وبحسن رأيٍ في الأمور سديد
ورأى الشَتات بها فقام مُوَحِّداً / فيها المساعيَ أيّما توحيد
ودعا الرجال بها فألَّف شِركةً / ترمي إلى غرض أغرَّ حميد
تغني البلاد بسعيها عن غيرها / وتُعيد عهد ثرائها المفقود
وتقوم بالعمل المفيد لأهلها / من نسج أردِيَة لهم وبُرود
حتى تكون عن الأجانب في غِنىً / وتعيش غير أسيرة التقليد
أو ما ترى أهل البلاد تقيّدوا / للغرب من حاجاتهم بقُيود
الغرب يكسوهم ملابس هم بها / يَعرَوْن من مال لهم ونُقود
وتراه يَسْلَخهم بمصنوعاته / سلخ الشياه فهم بغير جلود
هذي سفائنهم تروح وتغتدي / ببضائع لم تُحص بالتعديد
فكأنما هي لامتصاص دمائنا / بعض المحاجم أو كبعض الدود
حتى متى نَشْقى ليَسْعَد غيرنا / ونُذلِّل القُربى لعِزّ بعيد
ونُجانب الوطنيّ من أشيائنا / ولو أنّه من أحسن الموجود
أن البلاد لتشتكي من أهلها / وتقول قول الرازح المجهود
يا سادة الأوطان لستم سادةً / ما عِشتم من فقركم كعبيد
أفسيّد من عاش وهو لغيره / في حاجة بل ذاك عيش مَسود
أن السيادة تستدير مع الغنى / في حالتَيْ عدم له ووجود
لا يستقلّ بسيفه الشعب الذي / لا يستقلّ بنقده المنقود
من كان مَحلول العُرا في ماله / وجب انحلال لوائه المعقود
يا قومنا أنتم كغارس كرمة / وسواه منها قاطف العُنقود
كم تزرعون بأرضكم ولغيركم / مما زرعتم حَبّ كل حَصيد
فتبصّروا يا قوم في أحوالكم / وتنبَّهوا من غفلة ورقود
من شاء منكم أن يُعزَّ بلاده / فَلْيَسْعَ سعيَ مُعزّها البارودي
عقل وتجرِبة وجِدّ زائد
عقل وتجرِبة وجِدّ زائد / هذي صفات حازها المتقاعد
جعلوا التقاعد للجنود كرامة / كي يستريح من الجهاد مجاهد
ليس التقاعد للرجال بَطالة / أن البطالة للرجال مفاسد
لكنه عمل جديد نافع / عمّا تقوم به الحكومة حائد
بالسعي تزدهر الحياة وإنما / لون الحياة بغير سَعيٍ كامد
أن الحياة ليقظة فعّالة / فالراقد الكسلان فيها بائد
لن تبلغ العلياءَ في ساحاتها / هِمَمُ مثبَّطة وعزم راقد
أنظر تجدْ شُعَب الحياة كثيرة / فيها من السعي الحثيث مَشاهد
فكأنّ أشغالَ الحياةَ مراجلٌ / والسعيَ نارٌ والبلادَ مواقد
يا أيها المتقاعدون ألا اتّقوا / نقداً يصول به عليكم ناقد
علمت تجاربكم وأيقن رأيُكم / أن الحياة تعاوُنٌ وتعاضد
فاستمسكوا بعُرا المودة بينكم / كي لا يكون تباغُض وتحاسُد
كونوا جميعا في الحياة كأنكم / رجل إذا دهت الدواهي واحد
في الحرب طاب لكم جلاد فلْتَطِب / في السلم أعمال لكم ومقاصد
تركَتْ أكُفّكم السيوف وعندها / منكم أشدّ من السيوف سواعد
كل الحياة معارك لكنّما / فيها سلاح المرء جُهد جاهد
ولربما كانت سلاحاً نافذاً / عند اللئام دسائس ومكايد
فأْتُوا من الأعمال ما هو صالح / للناس فيه مصالح وفوائد
وتتبعوا سبل الحياة ولا يكُن / منكم إلى غير المكارم قاصد
وتصرّفوا في أمرها بمهارة / وذروا السيوف فأنهنّ جوامد
ما عاب من سَلّ المهنَّد أنه / للسيف من بعد التجالُد غامد
دار السلام تفاخرت برجال
دار السلام تفاخرت برجال / قاموا بأمر حماية الأطفال
وعُنُوا بتربية البنين عنايةً / زادوا بها شمماً على الأجبال
وبنَوْا لهم داراً بما جادت به / أيدي الكرام لهم من الأموال
صانوا بها الأنسال من أمراضها / ومن الحقوق صيانة الأنسال
دار تقيهم بالأواقي كلّ ما / يُخشَى من الأوجاع والأوجال
لم يَخشَ فتكَ السقم فيها رُضَّعٌ / في البؤس قد ولدوا وفي الأقلال
ضمنت لأيتام الأرامل طبّهم / وغذاءهم وبشائر الأبلال
للّه تَلك الدار من متبوَّأ / بذّ النجوم بقدره المتعالي
هي مَفزَع للمعسرين وملجأ / يأتيه كل ضَنٍ من الأطفال
أحماة أطفال الأيامى أنكم / جدراء بالتعظيم والإجلال
مرّت لكم تلك السنون وكلها / غُرَرٌ تزان بأنفع الأعمال
كافحتم الأدواء في أيتامنا / دَأباً بغير كلالة وملال
في حَومة الإحسان طال صيالكم / حقاً فأنتم أشرف الأبطال
سيدوم مسعاكم ويبقى دأبكم / في الدهر غير مهدَّد بزوال
ولسوف يذكركم ويشكر سعيكم / مَن سوف يخلُفُكم من الأجيال
للّه أنتم من أفاضل خُلَّص / فاقوُا الأنام بأشرف الأفضال
أني أُحاول أن أكون معينكم / لولا موانع يعترِضنِ حوالي
لو أن ذات يدي استطاعت رفدكم / ما فاق نَولُ الرافدين نوالي
ولو أن أيامي تجود بصحتي / ما جال أقوى العاملين مجالي
إن لم أُعنكم بالفَعال فإنني / ما زلت من أعوانكم بمقالي
فاليكمو هذا الثناء مخلّداً / من مادح في المدح غير مُغال
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم / إذ أكرهوك على الزواج بأشْيَبا
طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا / بفضول هاتيك المطامع أشعبا
أفكوكب نَحْس يُقارن في الورى / من سعد أخبية الغواني كوكبا
فإذا رفَضْتِ فما عليك برفضه / عارٌ وأن هاج الوليّ وأغضبا
أن الكريمة في الزواج لحُرّةٌ / والحرّ يأبى أن يعيش مذبذبا
قلب الفتاة أجلّ من أن يُشترَى / بالمال لكن بالمحبّة ُيجتَبَي
أتُباع أفئدة النساء كأنها / بعض المتاع وهنّ في عهد الصبا
هذا لعمر اللّه يأبى مثله / مَن عاش ذا شرفٍ وكان مُهَذَّبا
بيت الزواج إذا بَنَوْه مجدّداً / بالمال لا بالحبّ عاد ُمخرَّبا
يا مَن يساوِم في المُهُور ُمغالياً / ويميل في أمر الزواج إلى الحبا
أقصِر فكم من حرّة مذ اُنزلت / في منزل الرجل الغني بها نبا
أن الزواج محبّةٌ فإذا جرى / بسوى المحبّة كان شيئاً متعبا
لا مهر للحسناء إلا حبُّها / فبحبّها كان القران ُمحَبَّبا
خير النساء أقلّها لخطيبها / مهراً وأكثرها إليه تحبُّبا
وإذا الزواج جرى بغير تعارف / وتحابب فالخير أن نترهّبا
هو عندنا َرميُ الشِباك بلُجَّةٍ / أتُصيب أخبَثَ أم تصادف أطيبا
أو مثل محتطب بليل دامس / أيَدوس أفعى أم يلامس عقربا
ولقومنا في الشرق حال كلما / زدت أفتكاراً فيه زدت تعجُّبا
تركوا النساء بحالة يرثى لها / وقضَوْا عليها بالحجاب تعصُّبا
قل للاُلى ضربوا الحجاب على النسا / أفتعلمون بما جرى تحت العبا
شرف المليحة أن تكون أديبةً / وحجابها في الناس أن تتهذّبا
والوجه أن كان الحياء نقابه / أغنى فتاة الحيّ أن تتنَقّبا
واللؤم أجمع أن تكون نساؤنا / مثل النعاج وأن نكون الأذْؤبا
هل يعلم الشرقيّ أن حياته / تعلو إذا ربّى البنات وهذّبا
وقضى لها بالحق دون تحكُّم / فيها وعلّمها العلوم وأدّبا
فالشرق ليس بناهض إلا إذا / أدنى النساء من الرجال وقَرّبا
فإذا أدّعَيت تقدماً لرجاله / جاء التأخُّر في النساء مُكَذِّبا
من أين يَنهض قائماً مَن نصفه / يشكو السقام بفالِج ُمتَوَصِّبا
كيف البقاء له بغير تناسبٍ / والدهر خصّص بالبقاء الأنسبا
والشعر ليس بنافع أنشاده / حتى يكون عن الحقيقة معربا
تلك الحقيقة للرجال أزفّها / ولها اُقيم من القوافي مَوْكبا
قل للحجابيّين كيف ترونكم
قل للحجابيّين كيف ترونكم / من بعد سفر للسفور مبين
كشفت به ما كان من حجب العمى / عنكم نظيَرة بنت زين الدين
سفر أقام على السفور أدلّةً / تركت ذبابكم بغير طنين
يا لاجئين إلى العناد خصومةً / ما كان ِحصن عنادكم بحصين
هل من نظير بينكم لنظيرة / أو من فقيه مثلها وفطين
هدمت نظيرة ما بَنَت عاداتكم / من كل سجن للنساء مُهين
أفتمكُثون على العناد وقد بدا / من بعد ليل الشك صبح يقين
نحن السفوريّين أعلم بالذي / شرع النبيّ محمد من دين
أيكون ما شرع النبي محمد / شيئاً يخالف شرعة التمدين
أن أعتزالكم النساء ترفُّعاً / أمر يناقض حكمة التكوين
حتى رجال الصين تحترم النسا / أفنحن ننقص عن رجال الصين
كلاّ ولكن عادة همجيَّة / جعلتكم حرباً لكل حَسِين
قد صَحّ عزمك والزمان مريض
قد صَحّ عزمك والزمان مريض / حتّام تذهب في المُنى وتَئيض
ما بال همّك في الفؤاد كأنه / عظم يُقَلْقَل في حشاك مَهيض
كم بِتَّ معتلج الهموم بليلة / ما للظلام بفجرها تقويض
طنّت بمسمعك الهواجس في الدجى / فنفت كراك كما يطِنّ بعوض
تنبو جُنوبك عن فراش ناعم / فكأن مَضجعك الدَميث قضيض
وكأن جنبك بالجوى متقرّح / وكأن قلبك بالهموم رضيض
كُبرت لنفسك في الحياة لُبانة / ضاقت سموات بها وأروض
ما زلت تقتحم المهالك دونها / فالهولَ تركب والصِعابَ تروض
لله أنت فأيَّ هول تمتطي / أم أيَّ معتَرَك الخطوب تخوض
ولربّ قافية كمُئتِلق السنى / يجلو الشكوك يقينها الممحوض
صَرحت في إنشادها بحقيقة / فات الأنام بمثلها التعريض
ولقد أجَرَّني القريضُ عِنانَه / ونَحا بيَ المضمار وهو مروَض
وأتى المدى يوم السباق مُجَلِّياً / يَجري سَبوح خلفه ورَكُوض
قد كنت أنبِط للقريض قريحةً / بمفاخر العرب الكرام تَفيض
ولكَم وقفت من السياسة موقفاً / مَحيايَ فيه على التَوىَ معروض
مستنهضاً بالشعر قومي للعلا / إذ كان يهم فترةٌ ورُبوض
أيام لم يَنطق بذلك شاعر / قبلي ولم يُنشَد هناك قريض
حتى إذا دار الزمان مداره / خاب القريض وعاد وهو جَريض
وغدا يُنازعني الحَرُورة شاعر / ما كان حرّاً شعره المقروض
ويَبُزّ في ثوب الأمانة خائن / كأبي براقش طبعه المرفوض
كم مُدِّعٍ دعواي في وطنيّةٍ / أنا كنت أبنيها وكان يَقُوض
من كل عبد في السياسة باعه / وشراه هذا الدرهم المقبوض
تعس المخاصم إن لي لقصائداً / طرف المعاند دونهنّ غضيض
فإذا ادّعَيت فهنّ في دعواي لي / حُجج دوامغ ما لهنّ دحوض
وسل اليراع يُجِبْك عني ناطقاً / بمقال صدق ليس فيه غموض
لما تكرّهتي الأراذل سرّني / أني إليهم يا أُميم بغيض
ولقد بَرِئت إلى الوفاء من اميءٍ / عهد الصداقة عنده منقوض
وحزَيت كل صنيعة بمثالها / إن الصنائع في الرجال قُروض
لا تَطلُبنّ من الزمان حقيقةً / ما للحقيقة في الزمان وميض
وإذا مخضتَ من الليالي صَرفها / أبدى العجائب صرفها الممخوض
وحوادث الأيام مثل نسائها / في الحكم تَطُهر تارةً وتَحيض
ولربّما أنتَجْن كل كريهة / سوداء تَقنأ في وغاها البيض
قد ساء مُنقلَب البلاد بأهلها / فانحطّ أوْج واشمخر حضيض
ذهب الحياء فكم رأينا صاغراً / قد جاء وهو لمِذْرَوَيه نَفُوض
وَقِح تعامى عن مدانس عِرضه / فزهاه عُجباً ثوبه المَرْحوض
غَلَب الشقاء على الأنام فخيرهم / دَثٌّ وقَطر شرورهم اغريض
كيف السعادة في الحياة وللورى / في قوس كل ضغينة تنبيض
أم كيف تَبتدع المعالي أمةٌ / في العلم قلّ نصيبها المفروض
لن تَعدَم الدنيا الشقاءَ بأهلها / ما دام مُلك في البلاد عَضوض
ويح الذكاء فقد تأخرّ أهله / حتى تقدّم مَن قفاه عريض
أخزى البلاد مفاسداً بلد به / مُقت الأديب وأكرم العِرِيض
وإذا الفتى قعدت به أفعاله / أعياه بالنسب الرفيع نُهوض
والمرء إن عَدمِت سجّيته العلا / لم يَبتعثه إلى العلا تحريض
يا قوم لا تتكّلموا
يا قوم لا تتكّلموا / إن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلاّ النُوَّم
وتأخّروا عن كل ما / يَقضي بأن تتقدّموا
ودَعُوا التفهُّم جانباً / فالخير أن لا تَفهموا
وتَثّبتُّوا في جهلكم / فالشرّ أن تتعلَموا
أما السياسة فاتركوا / أبداً وإلاّ تنموا
إن السياسة سرّها / لو تعلمون مُطلسَم
وإذا أفَضْتم في المباح من الحديث فجَمجموا /
والعَدلَ لا تتوسَّموا / والظلمَ لا تتجَّهموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهو مُكرَّم /
فَليُمسِ لا سمعٌ ولا / بصر لديه ولا فم
لا يستحق كرامة / إلاّ الأصمّ الأبكم
ودَعُوا السعادة إنما / هي في الحياة توّهُم
فالعيش وهو منّعم / كالعيش وهو مذمَّم
فارضَوْا بحكم الدهر مهما كان فيه تحكُّم /
وإذا ظُلِمتم فاضحكوا / طرباً ولا تتظلّموا
وإذا أُهِنتم فاشكروا / وإذا لُطِمتم فابسِموا
إن قيل هذا شهدكم / مُرّ فقولوا علقم
أو قيل إن نهاركم / ليل فقولوا مُظلم
أو قيل إن ثِمادكم / سَيل فقولوا مُفعَم
أو قيل إن بلادكم / يا قوم سوف تُقسَّم
فتحمدوا وتشكّروا / وترنّحوا وترنّموا
إن العراق بعَرضِه وبطوله
إن العراق بعَرضِه وبطوله / وبرافديه وباسقات نخليه
يهتزّ مبتهجاً بمَقدم ضَيفه / ويبشّ مبتسماً بوجه نزيله
ومرحباً والشكر في ترحيبه / ومؤهلاً والحمد في تأهليه
بربيب لبنان بريحانِّيه / بكبير معشره بفخر قبيله
بالعبقري بفيلسوف زمانه / بأديب أمته بداهي جِيله
بأصح أحرار الأنام تحرُّراً / في فكره وبفعله وبقيله
إنا نُبجِّل خير مبجَّل / تبجيلُ كل الفضل في تبجيله
أ أمين جئت إلى العراق لكي ترى / ما فيه من غُرَر العلا وحُجوله
عفواً فذاك النجم أصبح آفلاً / والقوم محتربون بعد أفوله
أوَ ما ترى قطر العراق بحسنه / قد فاق مُقِفره على مَأهوله
أما الحَيا فيه فذيّاك الحيا / لكن مسيل الماء غير مسيله
وربيعه ذاك الربيع وإن شكا / من جهل ساكنه اشتداد مُحوله
فأقم به ولك الغنى بفراته / عن قطر مصر وعن موارده نيله
وانزل على وادي السلام مُمَتَّعاً / برغيد عيش تحت ظلّ نخيله
والثِم به ثغر الطبيعة باسماً / يَشفي من المشتاق حَرَ غليله
وترقَبن اسحاره حتى إذا / هبّ النسيم فجسّ نبض عليله
وانظر محاسن أرضه وسمائه / وانشَق أريج شَماله وقَبوله
فالجوّ فيه منيرة أوضاحه / والحسن فيه دقيقه كجليله
والليل فيه مكلَّل بمرصَّع / وكواكب الأكليل من أكليله
وترى النهار به كذهنك واقداً / بالشمس تُشرق في وجوه سهوله
وترى ضياء الشمس فيه مغلفاً / بنظيره ومسلسلاً بمثيبه
وإذا وقفت بدارس من مجده / فكوقفة الباكين بين طلوله
وانحَبْ كما نحب الحزين مكفكفاً / غَرب الدموع بجانبَيْ مِنديله
فلقد عفا المجد القديم بأرضه / وعليه جرّ الدهر ذيل خُمُوله
وإذا نظرت إلى قلوب رجاله / فانظر حديد الطرف غير كليله
نجد الرجال قلوبها شتى الهوى / مدّ الشِقاق بها حِبالة غُوله
متناكرين لدى الخطوب تناكراً / يعيا لسان الشعر عن تمثيله
فالجار ليس بآمن من جاره / والخِلّ ليس بواثق بخليله
والدين فيه يقول ذو قرءانه / قولاً يحاذر منه ذو إنجيله
وإذا تأوّل قولَهم متأوِّل / صرفوه بالتفكير عن تأويله
وإذا تكلّم عالم في أمرهم / خَفروا ذِمام العلم في تجهيله
حال لو افتكر الحكيم بكُنهه / طول الزمان لعَيّ عن تعليله
من ذا يبدّله فإن قَوارعي / يئست لعمر الله من تبديله
والجهل لا يُبقي على أربابه / كالسيف ليس براحم لقتيله
أ أمين لا تغضب عليّ فإنني / لا أدّعي شيئاً بغير دليله
من أين يُرجى للعراق تقدّم / وسبيل مُمتلِكيه غيرُ سبيله
لا خير في وطن يكون السيف عن / د جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده والعلم عن / د غريبه والحكم عند دخيله
وقد استبدّ قليله بكثيره / ظلماً وذَلّ كثيره لقليله
إني إذا جَد المقال بموقف / فضّلت مُجمَله على تفصيله
وإذا المخاطب كان مثلك واعياً / أغنَى اختصار القول عن تطويله
يا مَن يكتّم فضله متواضعاً / والناس مجمِعة على تفضيله
شكواي بُحت بها إليك وليس في / شكوى الزميل غَضاضةٌ لزميله
إن المريض ليستريح إذا اشتكى / ما به لطبيبه وخليله
وكذا الحزين إذا تهيّج حزنه / يبكي فيسكن حزنه بعويله
إني لآنَف أن أبوح بمُضمَري / إلاّ لمقتدر على تحصيله
ولديّ إن وصل الحبيب تمسّك / بالعزّ يمنع فايَ من تقبيله

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025