المجموع : 71
لو ذُقْتَ حين عَتَبتَ أَيْسرَ حُبِّه
لو ذُقْتَ حين عَتَبتَ أَيْسرَ حُبِّه / لَعلِمتَ حُلْوَ غرامِه من صابِه
ومن البليةِ أنْ يلومَ أخا الهوى / مَن ليس يعلمُ سهلَه من صَعْبِه
ما أنت منه إذا تَطاولَ ليلُه / قَلَقا ولَجَّتْ مُقْلَتاه بِشُهْبِه
وثمِلت من كأس الهوى ويدُ الهوى / تسقى جوارحَه بميَسم كَرْبِه
أنا بعضُ من سَبَتِ اللِّحاظُ فؤادَه / فسَرَى ولم يَحْفِل بلأمِة حَرْبه
يا ساكني مصرٍ أمَا من رحمةٍ / لمتيَّمٍ ذهبَ الغرامُ بلُبِّه
أمِن المروءةِ أن يزورَ بلادكم / مثلى ويرجعَ مُعْدِما من قلبه
بي منكمُ خَنِثُ الجفون يَشوبُها / خَفَرٌ أَقام قيامَة المُتَنبِّه
ماء يموجُ به النعيم لطافةً / لولا غِلالتُه لفُزْتُ بشُرْبه
يبدو فتستحلى العيونُ مَذاقَه / نَظَرا وتحترق القلوب بحبه
صَلِف تَوقَّفت المطامعُ دونَه / فالشمسُ أيسرُ مَطْلَبا من قُربْه
مَنْ راحِمٌ من عاصِمٌ من حاكِم / فيه فيُنصِفَ ذِلَّتي من عُجْبه
ولقد عزمتُ على السلوِّ مصمِّما / فإذا الجوانحُ كلها من حِزْبِه
وإذا هَواهُ أحاط بي فكأنني / فيه على التحريرِ نُقْطةُ قُطبِه
يا مَنْ يغطِّى شَيْبَه
يا مَنْ يغطِّى شَيْبَه / بُمحالِ تَزْويرِ الخِضابْ
ويظنُّ أن الناس عن / إدراكِ ذلك في حِجابْ
إن كان فِقْدانُ الشبا / ب من المُصيبات الصِّعاب
فزَوالُ عقِلك بالجنو / ن أشدُّ من عُدْم الشباب
ما أَغدرَ الدنيا وليس لغَدْرِها
ما أَغدرَ الدنيا وليس لغَدْرِها / أَثَرٌ يُقصِّر من لَجاجِة طالبِ
شَمْطاءُ تقتل بَعْلَها وفِعالها / مما يَزيد بها غَرامَ الخاطِب
أَقْصاهُ جَوْرُ البَيْنِ عن أحبابِهِ
أَقْصاهُ جَوْرُ البَيْنِ عن أحبابِهِ / وزَمانِه وبلادِه وشَبابِه
فبكى وما يغنى البكاء وإنما / هي روحه تَنْهلُّ في تسْكابِه
إن كان دمعُ العينِ راحةَ غيرِه / فدموعُه سببٌ لفَرْط غذابِه
دمعٌ كَواه لأن نارَ جَنانِه / سَبكتْه والعَبراتُ بعضُ مُذابه
يا هل إلى الأِسكندريةِ أَوْبَةٌ / فيُسَرّ قبلَ مَماتِه بإيابه
فَيرى مكان شَبابِه ونِصابه / وحُبَابه وصِحابه وعُبابه
حيثُ النسيمُ الساحليُّ يَزوره / ونَدى رياضِ الرمل عِطْرُ ثيابِه
وَشَفت ثَنايا الثَّغر أفواه الصَّبا / أُصُلا وَبرَّدها الندى برضابه
حتى يَشُقَّ شَقيقه أكمامَه / والأُقْحوانُ يَحُطُّ ثِنْى نِقابه
ويُجمِّش الرَّيحانَ راحُ رياحِه / فيَشُوقُ منه ما يُحدِّثُنا به
نِعْمَ المَحلُّ ونعم مُرْتَبَعٌ به / يَجْلُو جَنانَ الصَّبِّ من أَوْصابه
أَسَفي على ذاك الزمانِ لَوَ أَنّه / بالصَّخرِ فَتَّتَ منه صُمَّ صِلابه
يا ليتَني أَحْظى بشَمِّ نسيمِه / وبديعِ منظره وَلَثْم تُرابه
ويُعِلُّني ذاك الخليجُ بشَرْبةٍ / سِيما إذا انْتَسَجتْ دُروعُ حَبابه
وصَفا وراق وعاد مَدُّ زُلالِه / كالسيف جُرِّد من خِلال قِرابه
فكأنَّه والريحُ تَنْقُش مَتْنَه / حِرْزٌ عليه يُدَقُّ خَطُّ كِتابه
كالمِبْرد المنقوش نَقْشاً خَفَّفت / آثارَ مَوْقِعه يَدا ضُرَّابه
كضَفيرة الْخَوّاص أَمْكَنه لها / سَعَفٌ ضَفا فأرَقَّ ضَفْرَ لُبابه
حيثُ الغصونُ روَاقِصٌ وَيَمامُها / يَشْدوُ لطيبِ الزَّمْرِ من دُولابه
نَعرت نَواعيرُ المياهِ وأُتْرِعت / تلك التِّراعُ وفُضّ فَيْض عُبابه
حتى تُجرِّد سَيْفَه أَسيافُها / بجداولٍ جُدِّلْن في أعشابه
ياثالثَ القَمريْن حَسْبُك أنني
ياثالثَ القَمريْن حَسْبُك أنني / أصبحتُ ثالث عاذلٍ ورقيبِ
إن كان قد حَجَبوك دونَ زيارتي / فامتُن بطيفٍ ليس بالمحجوب
واللهِ ما آسَى لأعْظمِ فائتٍ / إنْ كنتَ من قِبَلِ الزمان نصيبي
مالي بخِلتُ بكم كبُخلِ زمانِنا / للأَفْضَلِ المُحْيِي الوَرَى بضَريبِ
وسمحتمُ بي معْ صحيحِ مودتي / كسَماحِه للناسِ بالموهوب
ماذا يقول المادحو
ماذا يقول المادحو / نَ وأنت مُخترع الغَرائبْ
أعْجزتَ كلَّ فضيلةٍ / حتى تَعجَّبتِ العَجائب
ووهبتَ أهلَ الأرضِ حَ / تى لم تجدْ في الخلقِ طالب
وفَضَحتَ فضلَ السابِقي / ن فصار مَدْحهمُ مَثالب
فُقْتَ الكواكبَ ضِعْف ما / فاقت على الأرضِ الكواكب
فنِهاية العَلْياءِ أنْ / زلُ ما علوتَ منَ المَراتب
وإذا أَشرتَ بعَزْمةٍ / ضاقتْ على الدهرِ المذَاهب
وإذا دَنوتَ من الوَغَى / فالموتُ أَجْزعُ من تُحارب
وإذا الملوكُ تَفاخرَتْ / برفيع أَقْدارِ المَناصب
فلِعَبْدِ عبدِكَ فيهمُ / فَخْرُ الأسودِ على الثعالب
قالوا مَحَا الجُدريُّ بهجتَه
قالوا مَحَا الجُدريُّ بهجتَه / قَسَما بربِّ مِنىً لقد كَذَبوا
لكنْ صفَتْ صهباءُ وَجْنتِه / لونا فجَمَّلَ صَفْوَها الحبب
رحلوا فلولا أنني
رحلوا فلولا أنني / أرجو الإيابَ قَضَيتُ نَحْبِي
واللهِ ما فارقتُهم / لكنني فارقتُ قلبي
جاء الرسولُ لعَبْدِه بكِتابِه
جاء الرسولُ لعَبْدِه بكِتابِه / فيه لطائفُ لَوْمِه وعِتابِهِ
فقرأتُ مُودَعه ففَتَّح لفظُه / معنىً كزَهْرِ الروضِ غِبَّ سَحابه
أقسمتُ لو أخفَى الرسولُ مكانَه / لَسَرىَ النسيمُ بعَرْفِه فوَشَى به
الروض في قِرْطاسه والمِسْك في / أنفاسه والسِّحْر في آدابه
كالأمنِ للملهوف من أعدائه / والوَصْلِ للمهجور من أحبابه
كالنوم بين جفون من فقد الكرى / سَهَرا لما يلقاه من أَوْصابه
لَفْظٌ لو اجتمع الخَليقةُ كلُّها / في واحدٍ أَعْياه ردُّ جَوابه
لو مَرَّ بالكِنْدِىِّ أَيْسَرُ لفظةٍ / من شِعْره لَثم التراب ببابه
مَنْ ذا يُجارِى البحرَ في تياره / مَن ذا يزور اللَّيْثَ داخلَ غابه
جُرمْى أقلُّ وإنْ تَعاظَمَ كَثْرةً / من أن يُغيِّر سيدي عن دابِه
هَجَر العذولَ وراح طَوعَ غُواتِه
هَجَر العذولَ وراح طَوعَ غُواتِه / ورأى قبيحَ الغَىِّ منْ حَسناتِهِ
للحبِّ حَبةُ قلبِهِ فكأنّه / من ذاتِها وكأنها من ذاتِهِ
وغدا غَريمَ غرامِه من مُقْلَتَيْ / رَشَأٍ كمالُ الحُسْنِ بَعضُ صِفاته
يبدو على الورد الجَنِيِّ إذا بَدا / خجلٌ من التقصيرِ عن وَجَناته
والغصنُ يَقْلَق في الكثيب تَذَرِّيا / بيَسيرِ ما يَحْكِيه من حركاته
يمشي فيَلقَي خصرُه مِن رِدْفِه / مثلَ الذي ألقاه من إعناته
وكأنّ نَمْلَ عِذَاره قد خاف أن / يَسْعَى به فيزلّ عن مرآته
لا ترْعِ طَرْفَك خُضْرةً بَدَرتْ به / فمصَارعُ العُشَّاقِ بين نَباته
مثلُ الحُسامِ تروقُ خُضْرةُ جوهرٍ / في مَتْنِه والموتُ في جَنَباتِه
من لونِه ذهبٌ وأيُّ مَثوبةٍ / يَحْظَى بها لو خَصَّني بزَكاته
ولقد سَقاني من كؤوسِ غَرامِه / أَضعافَ ما اسْتعذبتُ من رَشفاتِه
وحياتِه قَسَما أُعظِّم قَدْرَها / وكَفاكَ أَنْ أَكُ مُقْسِما بحياته
لأُخالفَنَّ عَواذِلي في حُبِّه / ولأُسْخِطَنَّ الْخَلْقَ في مَرْضاته
ولأَقْنَعَنَّ من المُنَى بخيالهِ / زُورا يُمَنِّينى بخُلْفِ عُداته
لا تنكرنّ السحرَ فهْو بطَرْفِه / ودليلُه ما فيّ من نَفثاتِه
سقَمى يُثبِّت ما ادّعَتْه جفونهُ / سَلْني فإني من ثِقاتِ رُواته
يَفْنَى أسيرُ الحبِّ قبلَ فَنائِه / بسقامِه ويموتُ قبلَ مَماته
وعَذابُه عَذْبٌ ولكنْ لا تَفِى / لَذّاتُه بالنَّزْرِ من آفاته
قد كنتُ أَحْذَرُه ولكن غَرَّني / فأعادَني هَدفَا لنَيْلِ رُماته
وقضَى لفَيْضِ مَدامِعي بِسجامِه / ودوامِه وفراقِه وثَباته
فكأنه فيضُ النَّوالِ مقسَّماً / في الخَلْق من كَفَّىْ أبى بَركاته
جَمَعتْ تَفاريقَ الفضائِل نفسُه / فالوصفُ يَقْصُر عن مدى غاياتِه
في طبعِه عَصَبيةٌ مع نَخْوة / أبداً يفضلها على لذاته
الفضلُ بعضُ صِفاتِه والحمدُ بع / ضُ رُواته والجود بعض هِباته
والعزم من آلاتِه والحزم من / أدواته والشكر من أَقْواته
إنْ كان حاجتُك النجومَ تَنالُها / أو فوقَ ذاك من المكارم فَاتِه
وإذا سألتَ فنَمْ فهِمَّتُه بها / كالبَيْنِ بين جُفونه وسِناته
وانظرْه عند سؤالِه فلِوجههِ / خَفرٌ يشوب البِشْرَ في صَفحاته
ويودّ لو يبدو لحاجةِ سائلٍ / من قبل أنْ تُجْرَى على لَهَواته
أنا من أجال الدهرُ فيه صُروفَه / فاختصَّني بالصَّعْب من نكباته
وفَرَتْه أنيابُ النوائب واغتدتْ / فيه الحوادثُ من جميع جهاته
وتَحيَّف الحدثانُ قَصَّ جناحِه / لوُجُود غُرْبِته وفَقْدِ ثِقاته
فَلَجا إلى حَرَم ابنِ عثمانَ الذي / لَبَّت له الآمالُ من مِيقاته
فَقضَيتُ تَطْوافي بكَعْبِة جُوده / وسَعَيت ثم وقفْت في عَرَفاته
ودعوتُ هِمَّته هناك فلم يَخِب / ظني لمَا أبديتُ من دَعواته
ورجعتُ قد ظفرتْ يداي بجاهه / وبقُربه وبوُدّه وصِلاته
ولقيتُ ما سرَّ الصديقَ وساء من / عادَي فأَخْزاهُ عَقيبَ شَماته
لله أيُّ صنيعةٍ قُلِّدتُها / من فضِله المألوفِ من عاداته
فضلٌ أَنافَ على المعالي فَرْعُه / قَدْرا وطيبُ ثَناه من ثَمراته
لا زال خاطرُ ربِّ كلِّ فصاحةٍ / يُهْدى إلى عَلياك من حَسناته
فيُفيد أفرادَ الجواهرِ بهجةً / وتَطيب ريحُ المِسْك من نَفَحاته
مدحٌ تكرِّره الرواةُ ومُطرِبُ الأل / حانِ والحادِي لدى فَلَواته
وبقيتَ ما بقي الزمانُ مكرما / وثَناك مكتوبٌ على جَبَهاته
يا رُبَّ بدرٍ بات يُرْشِف مِسْمَعي
يا رُبَّ بدرٍ بات يُرْشِف مِسْمَعي / وفمي شَهِيَّ رُضابِه وحَديثه
فظمئتُ وهْو يُعِلُّني مُتواليا / وقديمُ شوقيَ فيه مثلُ حديثه
ومضَى وأبيضُ عِرْضِه لم تنبسط / يدُ ريبةٍ منى إلى تَمْريثه
والليلُ يستُره بفضلِ ردائه / والصبحُ يَشْهَره بوَشْكِ حَثيثه
فكأنّ ذا يأتي بغُرّة وجهِه / وكأنّ ذا يَمْضي بجَعْدِ أَثيثه
وجهِ الأجلِّ الأفضلِ الملكِ الذي / في الحرب يطعن في صدور لُيوثه
ملكٌ إذا سمع الصريخَ بشاسعٍ / لَبّاه ثم يكون نفسَ مُغيثه
مُعْطٍ إذا ضَنَّ الغمامُ بقَطْرِه / رَوَّى جميعَ الأرضِ جودُ غُيوثه
شادَ المَعاليَ فوقَ أُسٍّ ثابتٍ / في الفضل صار إليه عن مَوْروثه
والرعبُ أولُ رُسْلِه لعدوه / فحَذارِ ثم حَذارِ من مبعوثه
وافَى بفُقّاعٍ أَرِجْ
وافَى بفُقّاعٍ أَرِجْ / يُحْيِي بنَكْهَتِه المُهَجْ
شيخٌ مضتْ من عمره / في ذلك المعنى حِجَج
مَزجتْ يداه الطِّيب في / ه فكان أظرفَ من مَزَج
وحَشا قلوبَ سَذابه / منه بكل فمٍ حَرِج
فكأنه يحشو به / قطع الزُّمرّدِ في السَّبَج
لمنِ الشموسُ غَرَبْنَ في الأَحْداجِ
لمنِ الشموسُ غَرَبْنَ في الأَحْداجِ / وَطَلَعْن بين الوَشْي والدّيباجِ
من كلِّ رائِقة الجمال كدُمْيةٍ / في مَرْمرٍ أو صورةٍ من عاج
حَفَّت بهن ذوابلٌ ومَناصلٌ / ومشَتْ بهن رَواتكٌ وَنَواج
تطفو وترسُب في السرابِ كأنها / سُفنٌ مشرَّعة على أَمواج
ساروا ولم أْوذَن بوَشْكِ فراقِهم / إلا إشارةَ ناعبٍ شَحّاج
فيهنّ هَيْفاء القَوامِ كأنها / غصنٌ ترنَّح في نَقاً رَجْراج
تَجْلو الظلامَ ببارقٍ من ثَغْرها / فكأنما فَرَتِ الدُّجَى بسِراج
وينمُّ ما ألقتْ عليه نِقَابَها / كالخمر راقَت في صَفاءِ زُجاج
بدرٌ يدوم مع النهارِ ضِياؤه / شمسٌ تَنُور مع الظلامِ الدّاجي
لجمالِها خبرُ النساءِ ويوسفٍ / ولمُقْلتَيْها سيرةُ الحَجّاج
ولخدّها لونُ السُّلافِ وفِعْلُها / ونَسيمُها لكنْ بغيرِ مِزاج
ولقَدِّها طولُ الرماحِ ولينُها / وفعالُها بلَهاذمٍ وزِجاج
مالي وللعُذّالِ في كَلَفي بها / قد دام فيه لَجاجُهم ولَجاجي
ألِفوا المَلامَ كما أَلِفتُ خِلافَهم / جُهْدي فصار مزاجَهم ومِزاجي
ولقد وهبتهمُ السلوَّ فليتَهم / لزِموه في عَذْلي وفي إزْعاجي
لو أنصفوني في الغرامِ أجبتُهم / عنه ببعضِ أدلَّتي وحِجاجي
ما باخْتياري كان بدءُ دخولِه / قلبي فأُلزَم فيه بالإخراج
لي في فنونِ الحبِّ أعجبُ قصةٍ / جاءَتْ مفصَّلةً على اسْتِدْراج
أَبصرتُ ثم هَوِيتُ ثم كتمتُ ما / ألقَى ولم يَعلمْ بذاك مُناج
ووصلتُ ثم قدرتُ ثم عَفَفتُ معْ / شوقٍ تَناهَى بي إلى الإنضاج
حتى رأيت البينَ جَدَّ وأَعْرَبَتْ / نَغمُ الحُداةِ بهم عن الإدلاج
فوَشتْ بيَ العَبَراتُ والزَّفَراتُ لل / واشي ودائِمُ لفظىَ اللَّجْلاج
خانوا ودمتُ على الوفاء ولم أَحُل / في ذاك عن خلقي ولا منهاجي
خلق تقهقرَ عن طريق مَذلّةٍ / وتلوح أسبابُ العُلى فيُفاجي
حتى مدحتُ أجلَّ من وَطِىء الحصى / فأفادني أضعافَ ما أنا راج
الأفضلَ الملكَ الذي فاق العُلى / شَرفا فأَخْمصُه لها كالتاج
ملكٌ تَفيَّأتِ الملوكُ ظِلاله / في حَرِّ كلِّ مُلِمةٍ وهّاج
وتَنافسَ الفَلكُ الأَثير وخيلُه / في السَّبقِ للإِلْجام والإسْراج
راض الزمانَ سياسةً فبِقَصْدِه / تجري الكواكبُ في ذُرا الأبراج
ويعوق صرفَ الحاثاتِ بلفظه / حتى يَمُنَّ عليه بالإفراج
ذو هيبةٍ يَثْنِى الجَحافلَ ذِكْرُها / فتعودُ ناكصةً على الأَدْراج
صَحِبتْ مخافُته العِدَا حتى اغْتَدتْ / رِمَما مُذ انْتُبِذَتْ من الأَمْشاج
يَقْفُو الرَّدى في كل هَوْلٍ سيفه / فهو الدليلُ له بكل عَجاج
ويَرُوعه حتى يودِّعَ نفسَه / ويَقينُه أنْ ليس منه بناج
فلَكَمْ أعاد البحرَ برّا بالعِدا / والبرَّ بحرا من دمِ الأَوْداج
ولَسوف يرشُف عن قريبٍ فَضْلةً / بقيَتْ له من أَنفُسِ الأَعلاج
يا من يُرجِّى مَكُرماتِ يَميِنه / ليفوزَ منها بالثَّناءِ الراجي
رِفْقا على الدنيا فإنّ جبالَها / غرِقتْ بفَيْضِ نوالِكَ الثَّجّاج
أغربتَ في استنباطِ كلِّ فضيلةٍ / تعيى الوَرى بأقلِّها وتحاجى
أخملتَ ذِكْرَ السابقين ببعِضها / فَمديحُهم مهما ذكرتَ أَهاج
أنتَ ابنُ من نَصر الخلافةَ عزمُه / بالسيف بين مُنافق ومُداج
وأصاب فيها الرأيَ والألبابُ لم / تظفرَ برأيٍ قبلُ غيرِ خِدَاج
وورثتَ هذا المُلكَ عنه لسَعْدِه / فأَتاك وهْو إليك أفقرُ راج
فتَهنَّ هذا العيدَ فهْو مهنَّأُ / بوُرود زاخرِ فَضْلِك العَجّاج
لولا لقاؤُك ما تَحمَّل كُلْفةً / في السيرِ بين مَهامِه وفِجاج
لينالَ في عَرفاتِ وجِهك وَقْفةً / يغدو بها من جُمْلة الحُجّاج
فلَنا بوجهِك كلَّ يومٍ مثلُه / عيدان عند تَوجُّهٍ ومَعاج
لا تَعدمِ الأيامُ ظلَّك إنه / عَوْنُ اللَّهيفِ وملجأ المحتاج
من حَطَّ أثقالَ الغرا
من حَطَّ أثقالَ الغرا / مِ بباب مالِكه اسْتراحا
إن الشجاعة في الهوى / كَملتْ لمن أَلْقى السلاحا
واللهِ لا حاربتُ مَنْ / في السلم أَثْخَنَى جراحا
مُقَلٌ لأَفْئِدة القلوبِ أَواخي
مُقَلٌ لأَفْئِدة القلوبِ أَواخي / يُحدِثْنَ في عين السُّلوِّ تَراخي
مَنعتْ فؤاديَ أنْ يَحيد عن الهوى / قَسْرا وأن يَلِجَ المَلامُ صِماخي
يا تارِكي ما بين جاحمِ لوعةٍ / تكوي الضلوع ومَدْمعٍ نَضّاخّ
لم يُبْقِ مني السقمُ ما يَبْقى سوى / عظمٍ يُعرِّقه بغير مِخاخ
إنْ كان سَرَّك أنْ أُعذَّبَ في الهوى / فلقد رَضيتُ بأن بالك راخ
فابْشِرْ فها أنا للغرامِ مُكاثِر / ومُؤازر ومُعاشِر ومُؤاخ
بُدِّلتُ من عذْبِ الوصالِ بآسِنٍ / كَدرٍ ومن روض الوفا بسِباخ
فكأنّ ذاك الماءَ ليس بمَوْردي ال / صافي ولا ذاك المُناخَ مُناخي
واها لأيامٍ مَضَيْن حَميدة / لو كان يَنْفع بعدَهن صُراخي
أيام أَسأل هاجِري في عَطْفةٍ / فيجود لي كالباخل المُتَساخي
فَلأَنْظِمنَّ بِحُبِّهن قصائدا / تُربِى على العَجّاج والشَّمَّاخ
سَلْنِي أُفِدْك عن الهوى بروايتي / ماذا مَضَى لي ليس عن أَشْياخي
تاللهِ لو أَمليتُ بعض عجائبي / فيه أَطْلتُ تَكلُّف النُّسّاخ
بمنازلِ الفُسْطاطِ حلَّ فؤادي
بمنازلِ الفُسْطاطِ حلَّ فؤادي / فارْبَعْ على عَرَصاتِهن ونادِ
يامصرُ هلْ عَرَضتْ لغصنٍ فوقهَ / قمرٌ لرَبْعِك أَوْبةٌ لِمَعاد
تَرِفٌ يُميِّله الصِّبا مَيْل الصَّبا / بقَوامِ خُوط البانة المَيّاد
أَتُرَى أَنالَ النِّيلَ بعضَ رُضابِه / فعَذُبْنَ منه مياهُ ذاك الوادي
فأَجاد منه طعمَه لكنّ ذا / يُرْوِى وذاك يَزيد كَرْبَ الصّادي
واهاً على تلك الرسوم فإنها / آثارُ أحبابي وأهلِ ودادي
فلقد أَحِنُّ لها ولَسْنَ منازلي / وأَوَدُّها شَغَفاً ولْسن بلادي
دِمنٌ لبستُ بها الشبابَ ولِمَّتِي / سَوداءُ تَرْفُل في ثياب حِداد
والعيشُ غَضٌّ والديارُ قريبةٌ / وأَبيتُ من أَملي على ميعاد
والقلبُ حيث القلبُ رَهْنٌ والظُّبا / حَدَقُ الظِّبا والغِيد قَيْدُ الغادي
شَتَّتُّ شملُ الدمعِ لما شَتَّتوا / شَمْلي وصِحْتُ به بَدادِ بَدادِ
فالآنَ تخترِقُ الدموعُ سَواكِبا / ما بينَ مثْنَى تَوْأَمٍ وفُرادِ
قانِي المَسيلِ كأنَّ فيضَ غُروبِه / فوقَ الخدود عُصارة الفِرْصاد
وعَشيةٍ أَهْدَتْ لعيِنك مَنْظرا
وعَشيةٍ أَهْدَتْ لعيِنك مَنْظرا / قَدِمَ السرورُ به لقلبك وافِدا
روضٌ كمُخْضرِّ العِذار وجَدْول / نَقَشت عليه يدُ النسيم مَباردا
والنخلُ كالهِيف الحِسانِ تَزيَّنت / فلَبِسْنَ من أثمارهن قلائدا
لا تَفْرحنَّ برتبةٍ
لا تَفْرحنَّ برتبةٍ / أَعطاكَها في الناسِ جَدُّكْ
وانظرْ مكانَك في الفضا / ئل بالحقيقة فهْو حَدُّك
أنت الفقيرُ مع الغِنى / إن لم تجدْ عقلا يُمدُّك
هَبْك اقْتَدَرْتَ على الظوا / هر هل قلوبِ الناسِ جُنْدُك
لا يَغْرُرَنَّك من يَها / ب ولا يَروقُك من يَوَدُّك
فإذا بُليتَ بفَقْدِه / فخِيارُ ما اسْتعجلتَ فَقْدُك
يا محلَّ الروحِ من جَسَدي
يا محلَّ الروحِ من جَسَدي / وحُسامي في العِدَا ويَدِي
يا أبا إسحاقَ دعوة من / لم يَرَ الشكوى إلى أحد
خذ حديثي فهْو أطيبُ من / نغمات المُسْمِع الغَرِد
يغتدى في أُذْن سامعِه / كزُلالٍ في لَهاةِ صَد
ليَ مولىً لو طلبتَ له / مُشْبِهاً في الخَلْقِ لم تجد
فهْو فردٌ في الملاحةِ إذ / حاز منها كلَّ منفردِ
قَمرٌ شمسٌ نَقاً غُصُنٌ / شادِنٌ يَفْترُّ عن بَرَدِ
رُمتُ وَصْلا منه يُخمِد ما / أَضْرمتْ عيناهُ في كبدي
فابتدَى بالمطل يُسعِفُني / في غدٍ آتِي وبعدَ غد
ففَنِي صبِري لموعده / وانقضَى في خُلْفِه جَلَدي
وأخٍ لي وهْو أَرأَفُ بي / من أبٍ بَرٍّ على وَلد
قال لما أنْ شكوتُ له / ما أُقاسيه من الكَمَد
ما الذي تختار قلت له / ائِتِه في زيِّ مُفتِقد
وتَحدثْ في سِوَى خَبَري / بالذي يُرْضيه واقتصِد
ثم عَرِّض بي كأنك في / ذكرِ حالي غيرُ مُقْتصِد
فإذا أصغَى إليك فقُل / قد جَرى منكم إلى أمد
ثم أَدَّاه رجاؤكمُ / لقياسٍ غير مُطَّردِ
فغَدا مستبدلا فرأى / ما يؤاتيه فلم يَعُدِ
فمَضَى فيما شَرَعتُ له / مستحِثا غيرَ مُتَّئِدِ
وقضى ما قد حددتُ له / ثم لم ينقص ولم يَزد
فلَها عنه مغالطةً / وحَشاهُ في لَظَى الحَرَد
فأتى في إثْرِ ساعته / قِلقا كالشادِن الشرِد
غَرَضي لو كنتَ حاضرَ ما / مرَّ من لومٍ ومن فَنَد
وعتابٍ كنتُ أحسَبُه / نَفَثاتِ السحرِ في العُقَدِ
ومَقامٍ لو تُشاهده / ظامئاتُ الخْمِس لم تَرِدِ
أسدٌ في راحَتْي رَشَأً / كرَشاً في راحَتْي أسد
لَلَثمتُ الورد ملتزِما / وتَرشَّفتُ الأَقاحَ نَدِ
فرَشادِي في الهوى سَفَهٌ / وسَفاهِي في الهوى رَشدي
أَمُعيرَ بدرِ التِّمِّ وجها والظِّبا
أَمُعيرَ بدرِ التِّمِّ وجها والظِّبا / حَدَقا وأغصانِ الرياضِ قُدودا
والمِسْكِ نَشْرا والأَقاحِ تَبسُّما / والخمرِ ريقا والشَّقيقِ خدودا
رِفْقا بمن أَسرتْ لحاظُك قلبَه / فقتيلُ سيفِ اللحظ من لا يُودَى