المجموع : 85
أمِنَ العيونِ ترومُ فَقْدَ عَنائِه
أمِنَ العيونِ ترومُ فَقْدَ عَنائِه / هَيهاتِ ضَنَّ سَقامُها بشِفائِه
ما كان هذا البينُ أوَّلَ جَمرةٍ / أذكَتْ لهيبَ الشَّوقِ في أحشائه
لولا مساعدةُ الدموعِ ودَفْعُها / خوفُ الفِراقِ أتى على حَوبائِه
مفقودةٌ شِيَةُ الجوادِ لنَقْعِهِ / وحُجولُ أربعةٍ لخَوْضِ دمِائِه
أو جحفلٌ لعبَتْ صدورُ رِماحِه / فكأنما انقضَّتْ نجومُ سَمائِه
لَجٍبٌ توشَّحَتِ البسيطةٌ سيلَه / وتعمَّمت أعلامُها بعمائِه
متبسِّمٌ قبلَ النهارِ كأنما / زَرًّ النهارُ عليه ثَوبَ ضَحائِه
ويُريكَ بينَ مٌدجَّجِ ومُدرَّعٍ / خِلَعَ الرَّبيعِ الطَّلْقِ بينَ نِهائِه
يَثنيه في السَّيرِ الحثيثِ بلحظِهِ / كالريحِ تَثني الغيمَ في غُلَوائِه
فكأنَّ أشتاتَ الجِبالِ تجمَّعَتْ / فتعرَّضَتْ من دونِهِ ووَرائِه
فهناك تَلْقى الموتَ فوق قَناتِه / متبرِّجاً والنصرَ تحتَ لِوائِه
أعَدوَّه أوفَى عليكَ مشوَّقاً / بِقراعِه إذ لستَ من أكفائه
ومُشمِّراً قد شلَّ من إدلاجِه / ليلُ التمامِ وملَّ من إسرائِه
ودقيقَ معنَى العُرفِ يجعلُ بشرَه / بدرَ العدوِّ وتلك من أكفائِه
وإذا النَّسيمُ وَشى إليك مصبِّحاً / بمسَرّةٍ فحَذارِ من إمسائِه
قد قلتُ إذ سَالت عَدِيُّ أمامَه / سَيْلَ السَّرابِ جرى على بَطحائِه
ما بالُه مُغرىً بوَصْلِ عدوِّه / وعدوُّه مغرىً بوَصْلِ جَفائِه
يا موجِباً حقَّ السَّماحِ بنائلٍ / تتقاصَرُ الأنواءُ عن أنوائِه
والمبتني بيتَ العَلاءِ ببأسِه / فغدا علاءُ النجمِ دونَ علائِه
وإذا بحارُ المكرُماتِ تدفَّقَت / فجميعُها تمتارُ من أندائِه
كم منَّةٍ لكَ ألبَسَتْني نِعْمةً / تَدَعُ الحسودَ يذوبُ من بُرَحائِه
صُنتُ الثناءَ عن الملوكِ نزاهةً / وجعلتُه وَقْفاً على آلائِه
ألفاظُه كالدُّرِّ في أصدافِهِ / لا بل تزيدُ عليه في لألائِه
من كلِّ رَيِّقَةِ الكلامِ كأنما / جادَ الشبابُ لها بِريِّقِ مائِه
فالشِّعرُ بحرٌ نلتُ أنفَسَ دُرِّه / وتنافسَ الشعراءُ في حَصْبائِه
وأنا الفداءُ لمن مَخِيلَةُ بَرقِه / حظِّي وحظُّ سواي من أنوائِه
قمرٌ إذا ما الوشيُ صِينَ أذالَه / كيما يَصونَ بهاءَه ببهائِه
خَفِرُ الشَّمائلِ لو مَلَكتُ عِناقَه / يومَ الوَداعِ وَهَبْتُهُ لحَيائِه
ضَعُفَتْ معاقِدُ خصرِه وعهودُه / فكأنّ عَقْدَ الخصرِ عَقْدُ وَفَائِه
أدنو إلى الرُّقَباءِ لا من حبِّهم / وأصدُّ عنه وليس من بَغضائِه
للهِ أيُّ محاجرٍ عنَّتْ لنا / بمُحَجَّرٍ إذ ريعَ سِربُ ظِبائِه
ونواظرٍ وجدَ المحبُّ فتورَها / لمّا استقلَّ الحيُّ في أعضائِه
وَحيَاً أرقتُ لبرقِه فكأنه / قَدَحُ الزِّنادِ يطيرُ في أرجائِه
سارٍ على كَفَلِ الجَنوبِ مقابلٍ / حَزَنَ البلادِ وسهلَها بعطائِه
حنَّتْ رواعِدُه فأسبل دمعُهُ / كالصَّبِّ أتبعَ شدوَه ببكائِه
وسقَتْ غَمائمُهُ الرِّياضَ كأنما / جُودُ الأميرِ سقى رياضَ ثَنائِه
سَفَهاً لِمَنْ سمَّاه سيفَ حفيظَةٍ / هلاَّ أعارِ السَّيفَ من أسمائِه
متجرِّدٌ للخطبِ عرَّاضُ القَنا / والمَشرفيّةُ من مَشيدِ بنائِه
ومواجهٌ وجهَ العدوِّ بصَعدَةٍ / ينقضُّ كوكبُه على شَحنائِه
والرومُ تعلمُ أنَّ تاجَ زعيمِها / مُلقىً بحدِّ السَّيفِ يومَ لِقائِه
لما حماه القَرُّ سفكَ دمائِهم / أضحى يَعدُّ القَرَّ من أعدائِه
حَمَدَ الغمامَ وذمَّه ولربَّما / ساء الحبيُّ وسَرَّ عندَ حبائِه
قَلِقٌ يُفنِّيه الحديدُ فينثني / جَذْلانَ مثلوجَ الحشا بفَنائِه
إنَّ الربيعَ مُبيدُ خضراءِ العِدا / ومُسيلُ أنفسِهم على خَضْرائِه
ولو أنّهم قدَروا على أعمارِهم / وصلوا بها الأحوالَ عمرَ شِتاتِه
إن عاقَه عما يحاولُ صِنوهُ / وشبيهُه في بِشره وعَطائِه
فكأنَّني بجبينِه في مأزقٍ / متمزِّقٍ عنه دُجى ظلمائِه
أحوالُ مجدِكَ في العُلُّوِّ سَواءُ
أحوالُ مجدِكَ في العُلُّوِّ سَواءُ / يومٌ أَغَرُّ وشيمَةٌ غَرَّاءُ
أصبحتَ أعلى الناس قِمَّةَ سُؤدُدٍ / والناسُ بعدَكَ كلُّهم أكفَاءُ
أيمينُكَ البحرُ الخضمُّ إذا طمتْ / أمواجُهُ أم صدرُكَ الدَّهناءُ
أَذْكرْتَنا شِيَمَ اللَّيالي في النَّدى / والبأسِ إذ هي شِدَّةٌ ورَخاءُ
نَسَبٌ أضاءَ عَمودُه في رِفعةٍ / كالصُّبحِ فيه ترفُّعٌ وضِياءُ
وشمائلٌ شَهِدَ العدوُّ بفَضْلِها / والفضلُ ما شَهِدَتْ به الأعداءُ
وإذا عَبسْتَ فصارِمٌ ومَنِيَّةٌ / وإذا ابتسمْتَ فمَوعِدٌ وعَطاءُ
وبنو قُبَيْصَةَ معشرٌ أخلاقُهُم / سيلٌ فمنه حَياً ومنه دِماءُ
وإذا تتابَعتِ النَّوائبُ أحسَنوا / وإذا تشاجَرتِ الرِّماحُ أساؤا
فَضَلَتْ ليالي القَصْفِ ليلتُكَ التي / هي في المحاسنِ غادَةٌ حَسناءُ
رَقَّتْ غياهبُها فهنَّ غَلائلٌ / وسَخَتْ جنائِبُها فهنَّ رَخاءُ
وُصِفَتْ لكَ اللذّاتُ بينَ غَرائبٍ / للعيشِ في أفيائِهنَّ صَفاءُ
بِرَكٌ تحلَّتْ بالكواكبِ أرضُها / فَأَرَتْكَ وجهَ الأرضِ وهو سَماءُ
رُفِعَتْ إلى الجوزاء فوَّاراتُها / عُمُداً تُصابُ بصَوْبِها الجَوزاءُ
كادَتْ ترُدُّ على الحَيا أَعْطَافَهُ / لو لم يُمِلْ أعْطَافَهُنَّ حَياءُ
مثلَ القَنا الخَطِّيِّ قُوِّمَ مَيلُهُ / وجَرَتْ عليه الفِضَّةُ البَيضاءُ
حتى إذا انتشرتْ جلابيبُ الدُّجى / وتكاثَفَتْ من دونِها الظَّلماءُ
فرَّجْتَها بصائحٍ إن تَعتَلِلْ / فلهنَّ من ضَرْبِ الرِّقابِ شِفاءُ
شَمعاً حملتَ على الرِّماحِ رماحَه / فقدودُهُنَّ وما حملْنَ سَواءُ
لقيَ النجومَ وقد طَلعْنَ بمثلِها / وأعادَ جِنحَ اللَّيلِ وهو ضَحاءُ
يا سيِّدَ الوزراءِ نِلْتَ من العُلى / والمجدِ ما يَعيا به الوزراءُ
هي ليلةٌ لا زِلْتَ تَلبَسُ مثلَها / في نِعمَةٍ وُصِلَتْ بها السَّرَّاءُ
أغنيتَ قوماً حينَ هَزَّ غناؤُها / عِطْفَيْكَ رُبَّ غِنىً حَداه غِناءُ
وقطعتَها والليلُ يصدعُ قلبَه / ضدانِ نارٌ تستنيرُ وماءُ
نَعَمَ البريَّةُ في بَقائِكَ فلتَدُمْ / لهُمُ بطولِ بقائِك النَّعماءُ
للهِ آيةُ ليلةٍ أحييتُها
للهِ آيةُ ليلةٍ أحييتُها / حتى الصباحِ قليلةِ الإغفاءِ
بمُدامَةٍ شَّبهتُ فاضلَ كأسِها / من لونها في رقّةٍ وصَفاءِ
بِسَوالِفِ العذراءِ لاحَ بياضُها / من فَوقِ جَيبِ غُلالَهٍ زَرْقاءِ
اصبرْ على مترادِفِ الضَّرَّاءِ
اصبرْ على مترادِفِ الضَّرَّاءِ / فلعلَّ ذلك مُؤذِنٌ بشِفاءِ
ما حالَ مَنْ لَعِبَ السَّقامُ بجسمِهِ / ظُلْماً فعضَّ نفيسةَ الأعضاءِ
حَظَرَ الطبيبُ عليه طيبَ غِذائِه / وأباحَه مكروهَ كلِّ غِذاءِ
ويعودُه أعداؤُّه وأشدُّ مِنْ / مَرَضِ المريضِ عيادةُ الأعداءِ
قُلْ لِلأمِيرِ المَاجِدِ السْ
قُلْ لِلأمِيرِ المَاجِدِ السْ / سَامِي عَلَى أكْفَائِهِ
وَالمُرْتَقِي أُمَمَ العَلاَ / ءِ بفَخْرِهِ وَسَنَائِهِ
وَالمُسْتَبِدِّ بِعَزْمِهِ / كالسَّيْفِ عِنْدَ مَضَائِهِ
إنَّ الكَريمَ إذَا بَنَى / لَمْ يَنْوِ هَدْمَ بِنَائِهِ
وَإذَا أَفَادَ صَنِيعَةً / بَقِيَتْ بِطُولِ بَقَائِهِ
وَإذَا اجْتَنَى ثَمَرَ المَدِي / حِ سَقَاهُ مِنْ أَنْوَائِهِ
أَنَا غَرْسُهُ والغَرْسُ يَذْ / وي إنْ خَلاَ مِنْ مَائِهِ
يَا خَيْرَ مَأمُولٍ يَعُو / ذُ مُؤَمِّلٌ بِفَنائِهِ
هَذَا وَلِيُّكَ قَدْ كَسَا / هُ الدَّهْرُ ثَوْبَ عَفَائِهِ
فَاصْرِفْ صُرُوفَ زَمَانِهِ / وَالبَسْ جَدِيدَ ثَنَائِهِ
ما كفَّ شادِيَهُ اعتراضُ عتابِه
ما كفَّ شادِيَهُ اعتراضُ عتابِه / بل زادَه طرباً إلى أطرابِه
وأرى الصبابةَ إرْبةً لو لم يَشُبْ / يوماً حلاوتَها الفراقُ بصَابِه
هو موقِفٌ برَزتْ بُدورُ خيامهِ / للبَينِ واعترضتْ شموسُ قِبابِه
راحوا بمثلِ الرِّيمِ لولا ما أرى / من وَشْيِه وشُنوفِه وخِضابِه
مُترَدِّدٌ في الجَفْنِ ماءُ شُؤُونِه / متحدِّرٌ في الخَدِّ ماءُ شَبابِه
يهتزُّ غُصْنُ البانِ تحتَ ثيابِه / ويُضئُ بدرُ اللَّيلِ تحتَ نِقابِه
فالحُسْنُ ما يُخْفيهِ من تُفَّاحِه / خَفَراً وما يُبْديه من عُنَّابِه
أَيعودُ أَيَّتُها الخيامُ زمانُنا / أَم لا سبيلَ إليه بعدَ ذَهابِه
أيامَ أدفعُ عتبَه بعِتابِه / عني وأمزُجُ كأسَه برُضابِه
فسقاكِ ساقي المُزْنِ أعذبَ صَوبِه / وحَباكِ مُذْهِبُ غَيمِه بذَهابِه
نزعَ الوُشاةُ لنا بسَهْمِ قطيعَةٍ / تُرمى بسهمِ قطيعةٍ تَرمي بِه
ليتَ الزَّمانَ أصابَ حَبَّ قلوبِهم / بقنا ابنِ عبد الله أو بِحرابِه
بسلاحِ مُعتَلِّ السِّلاحِ وإنما / يعتلُّ بين طِعانِه وضِرابِه
ألوى إذا استلبَ المغاورُ بَزَّه / كانت نفوسُ الصيِّدِ من أسلابِه
ظَلَمَ التليدَ وليس من أعدائِه / وحبا الحسودَ وليس من أحبابِه
فالغيثُ يخجَلُ أن يلِمَّ بأرضِه / والليثُ يَفرَقُ أن يُطيفَ ببابِه
يغشى القِراعَ وينثني وسماتُه / في غَرْبِ مُنصُلِه وفي جِلبابِه
كالليثِ آثارُ اللقاء مُبيَّنَةٌ / في لِبدَتَيْهِ وفي شَبا أنيابِه
عَلِمَتْ ملوكُ الرومِ أنَّ حياتَها / ومماتَها في عَفوِه وعِقابِه
في كلِّ عامٍ غزوةٌ يَقضي بها / أَرَبَ القَنا وينالُ من آرابِه
أوفى فسدَّ شِعابَهم بعَرَمْرَمٍ / يغشى الفضاءَ الرَّحْبَ سَيلُ عُبابِه
كالطَّوْدِ لا تَثْنيهِ عن مُتمنِّعٍ / حتى يَدُقَّ رقابَه برقابِه
تُزْجي المَنُونَ جيادُه مخزومةً / بالحَزمِ أو يُحْدَى الرَّدى بركابِه
حتى تفسَّحَ في مجالسِ قَيصَرٍ / متحكِّماً في تاجِه ونهابِه
اللهُ جرَّدَ من عليٍّ سَيفَه / فحمى وذَبَّ عن الهُدى بذُبابِه
قَوْلِي إذا ضاقت عليَّ مذاهبي / من لي برَحْبِ العيشِ بينَ رِحابِه
فارقتُ مشربَه الذي لا تنطفي / غُلَلُ الحَشا إلا ببَردِ شَرابِه
ودخلتُ أبوابَ الندامةِ بعدَما / عصفَت بيَ الأحداثُ عن أبوابِه
هي زَلَّةُ الرأي التي نَكصَ الغِنَى / من سُوءٍ عُقباه على أعقابِه
فوحَقِّ نِعمَتِه عليَّ وطَوْلِه / قسَماً يقول السامعون كفى بِه
ما سَوَّلَتْ لي النَّفسُ هجرَ جَنابِه / عند الرحيل ولا اجتنابَ جِنابِه
أنَّى وقد نِلتُ السماءَ بقُرْبِه / وبلغْتُ قاصيةَ المُنى بثَوابِه
وحَوَيتُ فضلَ المالِ من إفضالِه / ومحاسنَ الآدابِ من آدابِه
لكنَّه رأيٌ حُرِمْتُ رَشادَهُ / وبَعُدْتُ عن تسديدهِ وصَوابِه
لا أحمَدُ الأيامَ بَعْدَ بَتاتِها / سبباً وصلتُ إليه من أسبابه
أأقومُ بين يَدَي سواه مؤمِّلاً / وأُنيخُ راحلةَ الرَّجاءِ ببابِه
هيهاتَ لستُ بشائمٍ برقَ امرئٍ / حتى يكونَ سَحابُهُ كَسَحَابِه
سَأهُزُّ بالكِلَمِ المُهذَّبِ عِطفَه / طَرَباً وأخلُبُ لبَّه بخلابِه
بِدَعٌ لو أنَّ الصَّبَّ يستَشفي بها / ألمَ الفِراقِ شَفَتْه من أوصابِه
وأحشُّها والليلُ قد سترَ الرُّبا / بدُجاه أو حَجَبَ الصُّوى بِحجابِه
حتى يعودَ الشَرْقَ لابسَ حُلَّةٍ / من أرجوانِ الفَجرِ أو زِريابِه
فعسى الزَّمانُ يَبُلُّ حَرَّ جوانحي / بصَفاءِ مَوِرِدِه وبَردِ حَبَابِه
فأفوزَ بالعَذْبِ النَّميرِ وينطوي / كَشْحُ الحسودِ على أليمِ عَذابِه
شَعَفُ الحبائلِ من رُبىً ومَلاعِبِ
شَعَفُ الحبائلِ من رُبىً ومَلاعِبِ / لم تخلُ من شَغَفٍ ودمعٍ ساكبِ
أَوْحَشْنَ إلا من وُقوفِ متيَّمٍ / وعَطِلْنَ إلا من حُليِّ سَحائبِ
ولقد صَحِبْتُ العَيشَ مَرْضِيَّ الهَوى / في ظِلِّها الأَوفَى خليعَ الصَّاحبِ
أيامَ لا حُكمُ الفِراقِ بجائرٍ / فيها ولا سَهمُ الزَّمانِ بصائبِ
ولربَّما حَالت شَوازبُ أُسْدِها / بين المُحِبِّ وبين سِرْبِ ربائبِ
وتتبَّعْتهُ ظِباؤُها بقَواضبٍ / من لَحْظِهَا وحُماتُها بقواضب
إذ حيُّها حَيُّ السُّرورِ وظِلُّها / رَحْبُ الجِنابِ بِهمْ عَزيزُ الجانِبِ
خفَقَانُ ألويَةٍ وغُرُّ صواهلٍ / وبُدورُ أنديةٍ وجَرْسُ كَتائبِ
وغرائبٌ في الحُسْنِ إلا أنها / تَرمي القلوبَ من الجَوى بغَرائبِ
أَنْهَبْنَا وردَ الخُدودِ وإنما / أَنْهَبْنَ ذاكَ الوردَ لُبَّ النَّاهبِ
إن كُنتِ عاتبةً عليَّ فما الرِّضا / عندي ولا العُتبى لأَوَّلِ عاتبِ
نُبِّئْتُ أنَّ الأغبياءَ تَوثَّبوا / سَفَهاً عليَّ مع الزَّمانِ الواثبِ
دَبَّتْ عقاربُهم إليَّ ولم تكُنْ / لِتَدِبَّ في ليلِ النَّفاقِ عقاربي
مِنْ مُنْكرٍ فضلي عليه ومُدَّعٍ / شِعري ولم أسمعْ بأخرسَ خاطب
هيهاتَ ما جَهْلُ الجَهولِ بمُسبلٍ / حُجُباً على نَجْمِ العلومِ الثَّاقبِ
وإذا العدوُّ أثارَ حِقداً لم يزلْ / يكتَنُّ في رَسَبَي حشاً وترائبِ
فلْيَستَعِدَّ لطعنةٍ من طاعنٍ / شاكي السِّلاحِ وضربةٍ من ضاربِ
ذنبي إلى الأعداء فضلُ مواقفي / والفضلُ ذنبٌ لستُ منه بتائبِ
اللهُ آثرَني بوهبٍ دونَهم / وأَخصَّني من وُدِّهِ بمواهبِ
مِلِكٌ إصاختُه لأوَّلِ صارخٍ / وسجالُ أنعُمِه لأوَّلِ طالبِ
جَذْلانُ يرغبُ في العُلا فَتِلادُه / مُصْغٍ لدعوةِ راغبٍ أو راهبِ
كالغيثِ يلقَى الطالبين بوابلٍ / سحٍّ ويلقى الحاسدين بحاصبِ
فصَّلتُ عِقْدَ مدائحي بخِلالِه / فكأنَّما فصَّلتُه بكواكبِ
وإذا انتضَتْ يُمناه نِضْوَ سيوفِه / أَذْكَى ضِرامَ الحربِ غيرَ مُحاربِ
أكرِمْ بسيفكَ من صَموتٍ راجلٍ / في النائباتِ ومن فصيحٍ راكبِ
تهتزُّ أعضاءُ الشُّجاعِ مخافةً / ما اهتزَّ بين أشاجعٍ ورَواجبِ
ما إن رأيتُ سِواه عَضْباً غِمْدُه / أحشاءُ حاليةِ المقلَّدِ كاعبِ
لم تَعْرَ من صِبْغِ الذَّوائبِ إذ غدَتْ / مَطمومةً ليسَت بذاتِ ذوائبِ
وكأنما طلَعَتْ مشارقُ حَلَّها / من حِليةِ الجنَّانِ فوقَ مغاربِ
ما حاربَ الصُّبحُ المُضئُ غياهباً / إلا أرتنا الصبحَ سِلْمُ غياهبِ
قد قلتُ إذ عاينتُ فضلَ بيانِه / وبيانَه كَمُلَتْ أداةُ الكاتبِ
لله درُّكَ يا ابنَ هارونَ الذي / أدنى العُفاةَ من السَّماحِ العازبِ
أغرَبْتَ في شِيَمٍ تلوحُ سِماتُها / في كاهلٍ للمجدِ أو في غاربِ
وشمائلٍ سارَتْ بهنَّ مدائحي / في الأرضِ سَيْرَ شمائلٍ وجَنائبِ
نضَّرْنَ وجهَ المكرُماتِ وطالما / سفرَتْ لنا عن حُرِّ وجهٍ شاحبِ
مالي أرى أوصابَ جسمِك غادَرتْ / قلبَ المكارمِ في عَذابٍ واصبِ
عُدْنا الغَمامَ الجَوْدَ منك ولم نَعُدْ / من قبلِها صوبَ الغَمامِ الصائبِ
لسنا نَذُمُّ أوائلَ النُّوبِ التي / جاءت أواخرُها بحَمْدِ عواقبِ
فاسعَدْ بعافيةِ الإلهِ فإنها / هِبَةٌ مُقابَلَةٌ بشُكْرٍ واجبِ
وتَمَلَّ سائرةً عليك مقيمةً / مَلكتْ وَدادَ أباعدٍ وأقاربِ
شَرِقَتْ بماءِ الطَّبْعِ حتَّى خِلتُها / شَرِقَتْ لِريِّقِها ببردٍ ذائبِ
يَشتاقُ طلعَتها الكريمُ إذا نَأتْ / شوقَ المحبِّ إلى لقاءِ حبائبِ
ويقولُ سامعُها إذا ما أُنْشِدَتْ / أعقودُ حَمْدٍ أم عُقودُ كَواكبِ
أَتظُنُّ أنَّ الدَّهرَ يُسعِفُ طالباً
أَتظُنُّ أنَّ الدَّهرَ يُسعِفُ طالباً / أو تُعتِبُ الأيّامُ منا عاتِبا
فُقِدَ النَّوالُ فعادَ بَرقاً خُلَّباً / ومضى السَّماحُ فعاد وعداً كاذِبا
وطوى الرَّدى شِيَمَ ابنِ فَهدٍ بعدما / نشرَتْ بدائعَ سُؤدُدٍ وغرائبا
ليتَ الرَّدى لمّا سما لَكَ جَحفلٌ / ملأَ البلادَ أسنَّةً وقواضبا
فيؤوبَ مغلوباً لديك مذمَّماً / وتؤوبَ محمودَ السجيَّةِ غالبا
يَبكيكَ عَزمٌ لم يزلْ إشراقُه / في كلِّ مُظِلمَةٍ شِهاباً ثاقبا
وسماءُ مجدٍ إن تَغَيَّمَ أُفقُها / أطلعْتَ فيها بالسيوفِ كواكبا
ورغائبٌ شيَّدْتَها بمواهبٍ / لو أنهنَّ نطَقْنَ قُمْنَ خواطبا
في مَضجَعٍ وسِع الحسينَ وجُودُه / يَسَعُ البلادَ مشارقاً ومغاربا
لو أنَّ قبراً جادَ ساكنُ لَحْدِهِ / لم يَرجِعِ المرتادُ منه خائبا
لأبي الفوارسِ في السَّماحِ مآربٌ
لأبي الفوارسِ في السَّماحِ مآربٌ / تُقضَى فتَقضي للعُفاةِ مآرِبا
مَلِكٌ أبرَّ على الملوكِ بهمَّةٍ / زِيدَتْ بها الأزدُ الكِرامُ مَناقِبا
وأغرُّ يَحسُنُ منظراً وضَرائباً / كالسَّيفِ يحسُنُ رَوْنقاً ومَضارِبا
ومُناسِبُ السَّيفِ الحُسامِ فإنْ جرَى / في الجودِ أصبحَ للسَّحابِ مُناسبا
شِيَمٌ كأنفاسِ الرِّياحِ جرَتْ على / زَهْرِ الرَّبيعِ شَمائلاً وجَنائبا
طلبَ العُفاةُ نوالَه فَبدا لهم / متهلِّلاً للحَمْدِ منهم طالبا
ورأى الزمانَ عليهم متعتِّباً / فغدا له بالمكرُماتِ مُعاتِبا
كم قد رأيتُ لبِشْرِهِ من شارِقٍ / يَحتَثُّ من جَدوى يديه سَحائِبا
فأريتُه زُهرَ الربيعِ مَدائحا / ورأيت منه حَيَا الرَّبيعِ مَواهبا
الماءُ يَلعَبُ كالأراقمِ مَوجُه
الماءُ يَلعَبُ كالأراقمِ مَوجُه / والسُّفْنُ بالأذنابِ فيه عَقارِبُ
والصَّوتُ من دُولابِ كلِّ متوَّجٍ / أطفالُ زَنْجٍ للرَّضاعِ نَوادِبُ
فانظُرْ إليه كأنه وكأنما / كِيزانُهُ والماءُ منها ساكبُ
فَلَكٌ يدورُ بأنجمٍ جُعِلَت له / كالعِقدِ فهي شَوارِقٌ وغَواربُ
جاءتْ هديَّتُكَ التي
جاءتْ هديَّتُكَ التي / هي شمسُنا بعدَ الغياب
حلَّيْتَ أفْقَ مَحلِّنا / منها بنَجْمٍ أو شِهاب
بسَليلَةِ النَّحلِ الكَري / م شقيقةِ النُّطَفِ العِذاب
صُفر الجُسومِ كأنما / صِيغَتْ من الذَّهَبِ المُذاب
فكأنَّ ماءَ الحُسنِ إذ / شَرَقَتْ به ماءُ الشَّباب
فإذا ذَكَتْ نيرانُها / ليلاً وجَدَّت في التهاب
أنساكَ طِيبُ دُخانِها / طِيبَ العبيرِ أو المَلاب
وإذا عرَتْها مَرْضةٌ / فَشِفَاؤُّها ضَربُ الرِّقاب
تَثني الدُّجى عن لونِه / فيعودُ مُبْيَضَّ الحِجاب
لولا غرائبُ فِعلِها / لارْتَدَّ في لونِ الغُراب
بكَرَت عليك مُغيرةُ الأَعرابِ
بكَرَت عليك مُغيرةُ الأَعرابِ / فاحفَظْ ثيابَك يا أبا الخطَّابِ
وَرَدَ العراقَ رَبيعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ / وعُتيبَةُ بنُ الحارثِ بن شِهابِ
أفعِنْدَنا شكٌّ بأنهما هما / في الفَتْكِ لا في صِحَّةِ الأنسابِ
جلَبا إليكَ الشِّعْرَ من أوطانِه / جَلْبَ التِّجارِ طرائفَ الأجلابِ
فبدائعُ الشُّعراءِ فيما جَهَّزا / مقرونةٌ بغَرائبِ الكُتَّابِ
تبّاً لقومٍ لا تَزَالُ حُلومُهم / وعقولُهم في ضِلَّةِ وتَبابِ
لهما من الحَظِّ الصوارمُ والقَنا / ومن الطُّروسِ نفيسةُ الأسلابِ
شنَّا على الآدابِ أقبحَ غارةٍ / جَرحَتْ قلوبَ محاسنِ الآدابِ
فحَذارِ من حركاتِ صِلِّي قَفرةٍ / وحَذارِ من حَركاتِ لَيْثَيْ غابِ
لا يسلُبانِ أخا الثَّراءِ وإنما / يَتناهبانِ نتائجَ الألبابِ
إنْ عَزَّ موجودُ الكلامِ عليهما / فأنا الذي وقفَ الكلامُ ببابي
أو يَهبُطا من ذَلَّةٍ فأنا الذي / ضُربَتْ على الشَّرَفِ المُطِلِّ قبابي
كم حاولا أمدِي فطالَ عليهما / أن يُدرِكا إلاّ مثار تُرابي
عَجْزاً ولم تقِفِ العبيدُ إذا جرَتْ / يومَ الرِّهانِ مواقفَ الأربابِ
ولقد حَمَيْتُ الشِّعْرَ وهو لِمَعشَرٍ / رِمَمٍ سوى الأسماءِ والألقابِ
وضربْتُ عنه المُدَّعينَ وإنما / عن صُورَةِ الآدابِ كان ضِرابي
فغدَت نبيطُ الخالديةِ تَدَّعي / شِعري وتَرفُلُ في حَبيرِ ثيابي
أشياخُ عُمْرِ الزَّعفرانِ تراهُمُ / حولَ الصليبِ حَوانيَ الأصلابِ
نَزَلُوا ذَرَمَّةَ بين غَضِّ نواظرٍ / لم تَسْمُ مُذْ خُلِقَتْ وذُلِّ رِقابِ
وَطَنَ المُحرَّمَةِ الجسومِ نجاسةً / في خيرِ صُحفٍ نُزِّلَتْ وكِتابِ
من كلِّ أشقرَ باحثٍ خُرطُومُه / عن رِزقِه فتراه في إكْتابِ
خُزرِ العُيونِ خَفيَّةٍ أصواتُها / تُكْسي الرؤوسَ شوائلَ الأذنابِ
يحمي جَوانبَ سَرْحِها إيرادُها / فيبيتُ عنها مُشْرَعَ الأنيابِ
رُعيَتْ لشيخِ الخالديةِ بُرهةً / بل كان يَرعاها على الأحقابِ
أَسعيدُ إنَّك لو بَصُرْتَ بهاشمٍ / في العُمرِ غيرَ مُبجَّلِ الأصحابِ
مَحضَ المَذَلَّةِ راكباً عُكَّازَهُ / رَثَّ المعيشةِ شاحبَ الجِلبابِ
لحلفْتَ أنكَ لا تُطيلُ عِمامةً / مصقولةَ العَذبَاتِ والأهدابِ
نفقُوا بآلاتِ الخَنا وتوهَّمُوا / أنَّ الزَّمانَ جَرى بهم وكَبَا بي
قَوْمٌ إذا قَصدَوُا الملوكَ لمطلَبٍ / نُفِضَتْ عمائمُهُم على الأبوابِ
من كلِّ كَهْلٍ يستطيرُ سِبالُه / لَوْنَيْنِ بينَ أناملِ البَوَّابِ
مُغْضٍ على ذُلِّ الحجابِ يَرُدُّه / دامي الجبينِ تَجهُّمُ الحُجَّابِ
ومُفَهَّهَيْنِ تعرَّضا لِحرابَتي / فتعرَّضَتْ لهما صدورُ حِرابي
نَظَرا إلى شِعري يروقُ فتَرَّبا / منه خُدودَ كواعبٍ أترابِ
شرباه فاعترفا له بعُذوبَةٍ / ولرُبَّ عَذْبٍ عادَ سَوطَ عَذابِ
في غارةٍ لم تَنْثَلِمْ فيها الظُّبا / ضَرْباً ولم تَنْدَ القَنا بخِضابِ
تركَتْ غرائبَ مَنْطِقي في غُربَةٍ / مَسبيَّةً لا تَهْتَدي لإيابِ
جَرحى وما ضُرِبَتْ بحَدِّ مُهَنَّدٍ / أسرَى وما حُمِلَتْ على الأقتابِ
لَفْظٌ صقَلْتُ متونَه فكأنَّه / في مُشرقاتِ النَّظْمِ دُرُّ سِخابِ
وكأنما أجريْتُ في صفَحاتِه / حُرَّ اللُّجَينِ وخالصَ الزِّريابِ
أغربتُ في تحبيرِه فُرواتُه / في نُزهَةٍ منه وفي استغرابِ
وقطعتُ فيه شبيبةً لم تَشتغلْ / عن حُسْنِه بِصَباً ولا بتصابي
فإذا ترقرَقَ في الصَّحيفةِ ماؤُه / عَبِقَ النَّسيمُ فذاكَ ماءُ شبابي
يُصغي اللبيبُ له فيَقسِمُ لُبَّه / بين التعجُّبِ منه والإعجابِ
جِدٌّ يطيرُ شَرارُه وفُكاهَةٌ / تَستعطِفُ الأحبابَ للأحبابِ
أعزِزْ عليَّ بأن أرى أشلاءَه / تَدْمَى بِظفْرٍ للعدوِّ وناب
أفن رماه بغارة مأفونة / باعت ظباء الروم في الأعراب
أَأُخَيَّ قد عزَّيْتَني بحسيبةٍ / منه فعَزِّ بها ذوي الأحسابِ
عَزِّ الأكارِمَ أنها حَسَبُ النَّدى / فاضَتْ أنامِلُهم بغيرِ حسابِ
هم نافسوا في حَليهِ وبُرودِه / وَهُمُ أُثيبُوا عنه خيرَ ثَوابِ
وسَقَوه محتَفِلَ الحَيا رَيَّانَه / ورأَوا ذُنوباً سقيَه بذنابِ
إني أحذِّرُ مَنْ يقولُ قصيدةً / غرّاءَ خِدْنَيْ غارةٍ ونِهابِ
ذِئبَينِ إذ نَظَرا إلى سيَّارَةٍ / بَعَثا لها يوماً كيومِ ذُؤَابِ
عِلْجينِ إذ حَنَّ النَّواقِسُ صرَّحا / بالشَّوقِ أو حَنَّا حَنينَ النّابِ
شَغَفاً بذي القُربانِ يصدُقُ أنه / ينشقُّ من نَسَبٍ إليه قُرابِ
ورضىً عن الإنجيلِ يُظْهِرُ فيهما / غَضبَاً على الفُرقانِ والأحزابِ
إني نَبَذْتُ على السَّواءِ إليكما / فتأهبَّا للفادحِ المُنتابِ
نُصِبَتْ مجانيقُ الهجاءِ وإن رأَتْ / لكما ضُؤولَةَ مَنصِبٍ ونِصابِ
وإذا نَبذْتُ إلى امرئٍ ميثاقَه / فليَستعِدَّ لسطوتي وعِقابي
حاولتُما جبلاً كأنَّ رِعانَه / فَوقَ السَّحابِ الغُرِّ غُرُّ سحابِ
فإذا أصابَكما غضابُ سِهامِها / غَبَرتْ مدى الأيام غيرَ غِضابِ
وجريتُما في غِرَّةٍ فَنكصتُما / من سَوءةِ العُقبَى على الأعقابِ
ورميتُما المِسكَ الذَكيذَ بغَيْبةٍ / وذَكاؤه يُربي على المُغتابِ
فَلْتَلْفَحَنَّكُما سمائمُ مَنطِقي / ولتُغْرِقَنَّكُما سُيولُ شِعابي
ولْتَسريَنَّ مع الجَنوبِ إليكما / مغموسةً في الشَّرْي أو في الصَّابِ
ولْتَطْلْعَنَّ من الفِجاجِ كأنها / غُرَرُ الجيادِ لواحِقُ الأقرابِ
ولأَضْرِبَنَّكُما على ما خُنْتُما / بصوارمٍ للشِّعرِ غيرِ نَوَابِي
متواتراتٍ لا تغُبُّكما وهل / للصُّبحِ راعي الليلِ من إغبابِ
تشتقُّ أجبالُ الشَّقيقِ فإن سَرَت / ذاتَ اليمين خطَتْ غِمارَ الزَّابِ
نبلٌ أُغلغلُ منكما مسومةً / بمكامنِ الأحقادِ والأطرابِ
فأريكما الدنيا به مُغبرَّةً / حتى يُظَنَّ اليومُ يومَ ضَبابِ
فلْتَعْلَما إن لم تَهُبَّ عليكما / أبداً نسيمَ جِنايتي وجَنابي
وَلْيَحْذَرِ الكّذابُ تِربُكُما يداً / باتتْ تَحِنُّ إلى طَلَى الكذَّابِ
فَلَكَمْ عدوٍّ قد أطلْتُ عَذابَه / بِكُلومِ رَيِّقَةِ الكلامِ عِذابِ
وشَّيْتُها قبلَ الحُتوفِ كما ارتدى / بالوَشْيِ ظهرُ الحيَّةِ المُنسابِ
لولا أبو الخطَّابِ طالَ تنكُّري / للخَطْبِ يظلِمُني وساءَ خِطابي
وهبَتْ شمائلُه الجزيلَ وأَبرأَتْ / يُمناه من نَدَبِ الزَّمانِ إهابي
وكفاكَ أنَّ الدَّهرَ أَعْتَبَنِي به / فَكَفَيْتُ عَتْبي عنده وعِتابي
طَلَعتْ شموسُ الخِدْرِ كَيْمَا تَغْرُبا
طَلَعتْ شموسُ الخِدْرِ كَيْمَا تَغْرُبا / وبدَتْ محاسنُها لِكَيْ تتغَّيبا
فكَفاه أن يَصِفَ الصبَّابةَ ناطقاً / دَمعٌ إذا وصفَ الصبَّابةَ أطنَبا
يا حَبَّذا شمسٌ جلَتْ عنها النَّوى / فجلَتْ على الصَّبَّ الشَّنيبِ الأشنَبا
وتعمَّدَتْه بِلَحظَةٍ لو أنَّها / سَهمٌ لَجازَ عن الشَّغافِ مُخضَّبا
قامَتْ تُمَيِّلُ للعِناقِ مُقوَّماً / كالخُوطِ أَبدعَ في الثِّمارِ وأَغرَبا
حملَتْ ذُراهُ الأُقحُوَانَ مُفَضَّضاً / يَسقي المُدامةَ والشَّقيقَ مُذَهَّبا
وأَبَتْ وقد أخذَ النِّقابُ جَمالَها / حركاتُ غُصنِ البانِ أن تَتَنَقَّبا
ما كنتِ إلا البدرَ فارقَ حُجْبَه / حتى إذا شِمْناه عادَ مُحجَّبا
فغدَوْتُ لا أدري أكان له الحِمى / لَمَّا تغيَّبَ مَشرِقاً أو مَغرِبا
فإذا الحَيا أعطى الرِّياحَ قِيادَه / فانقادَ تَجْنُبُهُ الجَنوبُ أو الصَّبا
فسقَى محّلاً بالعَقيقِ وخُلَّةً / ورُبىً بأطرافِ الغَميمِ ورَبرَبا
ما لي رأيتُ الدَّهرَ وكَّلَ صَرْفَه / بالقُلَّبيِّ الشَّهْمِ كيفَ تَقلَّبا
سَأُرِيهِ جِدّاً في مَخيلَةِ لاعبٍ / والنَّدبُ ليسَ يَجِدُّ حتى يَلعَبا
ومُعرِّضٍ لي بالطِّرادِ خَسَأتُه / ومتى رأيتَ اللَّيثَ طاردَ ثعلَبا
فَلْيَثْوِ في رَمْسِ الخُمولِ فإنني / نارٌ تضرَّمُ في ذُؤابةِ كبكبا
هيهاتَ جانبْتُ السَّفاهَ وأهلَه / حَدَثاً فكيف أرى السَّفاهةَ أشَيبا
وأَحلَّني عِزُّ الأميرِ مَحلَّةً / لو رامَني فيها الزَّمانُ تهيَّبا
عُدْنا بمُبْيَضِّ الصَّنَائعِ راضياً / منه ومُحمرّش العَواملِ مُغضَبا
غَمْرِ المَواهبِ لا يُساجلُ مُرغِباً / في المكرماتِ ولا يُطاولُ مُرهِبا
ومُمنَّعٍ يُردي العدوَّ إذا ارتدَى / بالسَّيفِ أو يحبُو الوليَّ إذا احتَبا
وأَغَرَّ لو نَطَقَتْ رِحابُ مَحَلِّه / قالَتْ لطُلاَّبِ المَكارمِ مَرحَبا
ناضلْتُ منه بذي السَّدادِ فما هَفَا / وضربْتُ منه بذي الفَقارِ فما نَبا
وصَحبِتُ أيامَ المَشيبِ بِجُودِه / مُبيْضَّةً فذمَمتُ أيامَ الصَّبا
بَشَرٌ كمِصباحِ الحَيا وخَلائِقٌ / تَخبو لبَهْجَتِها مصابيحُ الرُّبا
ومُناسِبٌ حازَ الفضيلةَ أعجَماً / فينا كما حازَ الفضيلةَ مُعِربا
إن شاءَ عُدَّ من الشُّعوبِ أجلَّها / أو شاءَ عَدَّ من القبائلِ تَغلِبا
يرتاحُ ما غَنَّى الحديدُ إلى الوغَى / فيخوضُ مَوجاً منه أكدرَ مُجلِبا
ويَكُرُّ مَطرورَ السِّنانِ كأنه / قمرٌ يطارِدُ في العَجاجةِ كَوكَبا
أَأَشيمُ بارقةَ الغَمام وقد غدَتْ / يُمنَى أبي الحَسَنِ الغمامَ الصيِّبا
قاظَ الزَّمانُ فكنتَ ظِلاً سَجْسَجاً / ونأى الربيعُ فكنتَ رُوْضاً مُعْشِبا
تَرَكَ القصائدَ قَصَّرَت عن عَدِّ ما / يُسدِي ومن يُحصي الحَصَى والأثْلَبا
والطالبيّون انْتَحَتْكَ وفودُهُم / فرأَوا نَداكَ الغَمْرَ قرَّبَ مطلَبا
لا حظْتَهم والفكرُ يَصرِفُ عنهم / لحْظَ النَّواظرِ بِغضةً وتجنُّبا
فنظمْتَهم جمعاً وقد نَشَرَتْهُمُ / أيدي الزَّمانِ فَفُرِّقُوا أيدي سَبا
أَحْبَبْتَ ذا القُربى وليس يُحِبُّه / إلا امْرُؤٌ رفَضَ الغريبَ الأجنَبا
أمَّا الصِّيامُ فقد أجبْتَ دُعاءَهُ / ورأيْتَه فِعلاً أغرَّ مُهذَّبا
شهرٌ وصلْتَ صيامَه بقِيامِه / فَنضَوْتَهُ نِضْوَ الجَوانحِ مُتعَبا
فأجِبْ دُعاءَ الفِطرِ مُصْطَبِحاً فقدْ / ناداك حَيَّ على الصَّباحِ فثوَّبا
وتَمَلَّها بِكْراً فلستُ مُزوِّجاً / شَرَفَ الشريفِ من المدائحِ ثَيِّبا
حمْداً أمَرَّ الفِكر ُسِلْكَ نِظامِه / فأصاب دُرّاً من عُلاكَ مثقَّبا
إن حَلَّ أوطنَ في صُدورِ رُواتِه / أو سارَ شَرَّقَ في البلادِ وغرَّبا
مَنْ لي برَدِّ سوالفِ الأحقابِ
مَنْ لي برَدِّ سوالفِ الأحقابِ / ومآربٍ أعيَتْ على الطُلاَّبِ
أتبعْتُها نَفَسَ المحبِّ تضرَّمَتْ / أحشاؤُه لتَفرُّقِ الأحبابِ
أتبعْتُها نَظَرَ المَشُوقِ تجمَّعتْ / زَفَراتُه لتَفرُّقِ الأترابِ
إنَّ الظِّباءَ حَمتْ مراتِعَها الظُّبا / ورَعَتْ سوائمُها أُسودَ الغابِ
من كلِّ سكرَى اللَّحظِ أثمرَ غصنُها / نوعين من وردٍ ومن عُنَّابِ
ريَّا أخَاضَتْنا على ظمإِ الهوى / من وعدِها الممطولِ لَمْعَ سَرابِ
للهِ أعرابيّةٌ غدرَتْ بنا / إنَّ النِّفاقَ سَجِيَّةُ الأعرابِ
حَجَبَت محاسنَها الخيامُ ولو بَدَتْ / كانَ العَفافُ لها أتمَّ حِجابِ
وأحلَّها من قلبِ عاشِقِها الهوى / من وعدِها الممطولِ لَمْعَ سَرابِ
هيهاتَ ما صدَرَتْ عقودُ نسيبِه / عن لوعةٍ كمَنَتْ ولا أوصابِ
لكنَّها فِكَرٌ إذا ما سُومِرَتْ / باتتْ تُفَتِّحُ زَهرَةَ الآدابِ
يَهْنى العواذلَ أنَّه هَجَرَ الصِّبا / أُنف الشَّبابِ مُعَذَّلَ الأصحابِ
لحْظُ الكواعبِ سرَّه فوَجَدْتَه / عَفَّ السَّريرَةِ طاهرَ الأثوابِ
كم قُلْنَ لمَّا قامَ في مِحرابِه / سِيَّانِ أنتَ ودُميةُ المِحرابِ
يا حُسْنَ ما خَلَعَتْ على أعطافِه / أيدي الصِّبا وأو زانَه بتصابي
إنَّ الوعيدَ ثَناه عن آرائِه / حتى تجنَّبَ مُونِقَ الآدابِ
الآنَ قَصَّرَتِ النَّوائبُ فاغتدَتْ / بِنَدى الأميرِ كليلةَ الأنيابِ
سَفَرَتْ لنا من رأيه وحُسامِه / عن ضوْءِ صُبْحٍ مُسْفرٍ وشِهابِ
مَلِكٌ عُقودُ الحمدِ مِلْءُ يمينِه / ونَداه ملءُ حقائبِ الطُّلاَّبِ
شفَعَ النَّدى لعُفاتِه بنَدىً كما / شفَعَ الرَّبيعُ سَحابةً بسَحابِ
وعَفا فردَّ البِيضَ في أغمادِها / وسَطا فَعلَّ متونَها بخِضابِ
وجَرى فبينَ مقصِّرٍ عن شأوِه / متخلِّفٍ عنه وآخرَ كابي
شيَّدتَ مجدَكَ فاعْمَلَنْ بمهذَّبٍ / بينَ القبائلِ والشُّعوبِ لُبابِ
وَنَصَبَتْ نفسَك للنبيِّ وآلِه / حتى شَفَيْتَهُمُ من الطُّلاُّبِ
فأعزَّ نصرَكَ منهمُ باقي الهُدَى / وأذلَّ عنه بقيَّةَ الأحزابِ
نَزَلوا فِناكَ مُخضبَّينَ أَعِزَّةً / ما بين رَحبِ خلائقٍ ورِحابِ
فكأنما حَلُّوا بيثربَ منه أو / نَزَلوا بمكةَ في رُبىً وهِضابِ
فَاسْلَمْ أبا حَسَنٍ ليومِ مَكارمٍ / وُطْفٍ سحائبُها ويومِ عِقابِ
لم تَنْضُ أثوابَ الصيِّامِ مُودّشعاً / حتى كساكَ الفِطْرُ ثَوبَ ثَوابِ
فَاسْعَدْ بعيدٍ عادَ كوكبُ سَعْدِه / طَلْقَ الضِّياءِ مؤكَّدَ الأسبابِ
وتَحلَّها نظْمَ اللسانِ وإنما / نَظْمُ اللّسانِ فرائدُ الألبابِ
لو صافَحَت سَمْعَ الوليدِ جَثَا لَها / أرسومُ دارٍ أم سُطورُ كتابِ
بل لو تأمَّلَها ابنُ أوسٍ لم يَقُلْ / لو أنَّ دهراً رَدَّ رَجْعَ جوابي
وقريبةٍ من كلِّ قلبٍ إن بدَتْ
وقريبةٍ من كلِّ قلبٍ إن بدَتْ / للمَرءِ أدناها إليه وقرَّبَا
روَّى القلوبَ نسيمُها وتلهَّبَتْ / حُسْناً فأذكَت في القلوبِ تلهُّبا
صفراءُ ما عنَّتْ لِعَيْنيْ ناظرٍ / إلا تَوهَّمَها سِناناً مُذْهَبا
فَكَأنَّها ذَهَبٌ حَوى كافورةً / فغدا بِرَيَّاها وراحَ مُطَيَّبَا
وأَغنَّ كالَّرشإ الغَري
وأَغنَّ كالَّرشإ الغَري / رِ نَشا خِلالَ الرَّبربِ
في خَدِّه وردٌ حَما / ةُ من القِطافِ بعَقرَبِ
لما سَقاه قهوةً / في الكاسِ ذاتَ تلهُّبِ
حيَّا بدِسْتَنْبُويَّةٍ / مثلِ السِّنانِ المُذْهَبِ
لَبِسَت مُصَندَلةَ الثِّيابِ فَمن رأى
لَبِسَت مُصَندَلةَ الثِّيابِ فَمن رأى / قمراً تَسربَلَ بعدَها أثوابا
وحَكَت من الرَّشإ الرَّبيبِ ثلاثةً / عيْناً وجِيداً مُفتِناً وإهابا
فلقَد حَدا برقُ الغلي
فلقَد حَدا برقُ الغلي / لِ سحائبَ الدمعِ السَّكوبِ
لولاه لم يكُ للمنا / زلِ في دُموعي من نصيبِ
وردَتْ عليه صوالجٌ / لَعِبَت بحبّاتِ القلوبِ
لَمَّا خطبتُ نَدى الحُسي / نِ أَمِنْتُ غائلةَ الخُطوبِ
قَمرُ النَّدى بل ضيغمُ ال / هيجاءِ في اليومِ العَصيبِ
فعُفاتُه في مَرتَعٍ / من سَيْبِ راحتِه خَصيبِ
شِيَمٌ حَليِنَ من الثنا / ءِ كما عَطَلْنَ من العُيوبِ
بغرائبٍ تَهْدي اللُّبا / بَ من الثَّناءِ إلى اللَّبيبِ
لو صافحَتْ سَمَعَ المُحِبْ / بِ لأذهلْتهُ عن الحبيبِ
وسألتُ عنه فقيلَ مَاتَ لِمَا به
وسألتُ عنه فقيلَ مَاتَ لِمَا به / قلبُ النَّدى لا شكَّ ماتَ لِما به
وكأنَّما بَخُلَ الزَّمانُ على الوَرى / ببقائِه أو هابَه فبدا به
فلِمَن أصونُ مَدامعي من بعدِه / ولأيِّما أبكيهِ من أسبابِه
لخِطابِه لجوابِه لِصوابِه / لِحفاظِه لِثوابِه لِعقابِه
للحَملِ عن مُنتابِه للنُّصْحِ عن / أسبابِه للصَّفْحِ عن مُغتابِه
لِلبيضِ من أثوابِه للزُّهرِ من / آرائِهِ للغُرِّ من آدابِه
لِحجاه أم لِنُهاهُ أم لِقراه أم / لعُلاه أم لنَداه في أصحابِه
أم من يُرَجِّي بعدَه صرَفَ الرَّدى / عن نفسِه بجِلادِه وضِرابِه
هيهاتَ لا يُغني البُكاءُ إذا سَطا / أَسَدُ الزمانِ بمِخلَبيْهِ ونابِه
ولَئِنْ سَقاهُ الموتُ كأساً مُرَّةً / فلْيَشربنَّ الموتُ مثلَ شَرابِه
أهدتْ على نأيِ المحلِّ وقد
أهدتْ على نأيِ المحلِّ وقد / أنأى التصبُّرَ طولُ هِجْرتِها
نَارَنْجَةً منها استُعِيرَ لها / ما أُلبِسَت من حُسنِ بَهجتِها
فشُعاعُها من نارِ وجنتِها / ونسيمُها من عِطرِ نكهتِها
وكأن ما يُخفيه باطُنها / ما أضمرَتْ من سُوءِ غَدرتِها
وحكى اخضرارٌ شابَ حُمْرَتَها / قَرصَ الأكفِّ أديمَ وجنَتِها
وأتتكَ مُكْمَلةً محاسنُها / تختالُ في أثوابِ زينتِها
فشَعارُها صُفْرُ اللُّجَيْنِ ومن / ذَهَبٍ مَصوغٍ ثوبُ بِذْلَتِها
تُهدي إلى الأرواحِ من بُعْدٍ / تُحَفَ السُّرورِ بطيبِ نَشْرتِها
ويصونُها مسرَى روائِحِها / من أن تباشَرها بشمَّتِها
فاشربْ عليها من شقيقتِها / في نعتِ ريّاها وصيغتِها
واعطِفْ عِنانَ النفسِ عن فِكَرٍ / راحتْ معذَّبةً بصحبتِها