المجموع : 149
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل / يَكفيكَ من أشواقها ما تَحمِلُ
طالَ التّلَوُّمُ والقلوبُ خوافقٌ / يهفو إليكَ بها الحنينُ الأطولُ
القومُ مُذ فارقتَ مكّةَ أعينٌ / تأبى الكرَى وجَوانحٌ تَتململُ
يَتطلّعون إلى الفجاج وقولُهُمْ / أفما يُطالِعُنا النبيُّ المُرسَلُ
أقبلتَ في بِيضِ الثّيابِ مُباركاً / يُزجي البشائرَ وجهُكَ المتهلِّلُ
يا طِيبَ ما صَنَعَ الزُّبيرُ وَطَلحةٌ / ولَصَنعُكَ الأوفى أجلُّ وأفضلُ
خفَّ الرِجالُ إليكَ يَهتفُ جمعهُم / وقلوبُهم فَرَحاً أخفُّ وأعجلُ
هي في رِكَابِكَ ما بها من حاجةٍ / إلا إليكَ وما لها مُتحوَّلُ
هَجرتْ مَنازِلَها بِيثربِ وَانْتَحتْ / أُخرى بِمكةَ دُورُها ما تُؤهَلُ
وفدان هذا من ورائِكَ يرتَمي / عَجِلاً وهذا من أمامِكَ يَنسِلُ
انْظُر بني النّجَارِ حَولك عُكّفاً / يَرِدُونَ نُورَك حِينَ فَاضَ المنهلُ
لم يُنزِلوكَ على الخُؤولةِ وحدَها / كلُّ المواطنِ للنّبوّةِ مَنزلُ
نزلوا على الإسلام عندَك إنّه / نَسَبٌ يَعُمُّ المُسلِمينَ ويَشملُ
ما للديارِ تَهزُّها نَشَواتُها / أهي الأناشيدُ الحِسانُ تُرتَّلُ
رفَّتْ نَضارتُها وطابَ أريجُها / وتردّدتْ أنفاسُها تَتسلسَلُ
فكأنّما في كلِّ مَغنىً رَوضةٌ / وكأنّما في كلِّ دارٍ بُلبُلُ
هُنَّ العذارَى المؤمناتُ أقمنَهُ / عِيداً تُحيّيهِ الملائِك من عَلُ
في مُوكبٍ للهِ أشرقَ نورهُ / فيه وقام جلالهُ يَتمثَّلُ
جَمعَ النَبيِّينَ الكِرَام فآخذٌ / بيدِ الإمامِ وعائذٌ يتَوسَّلُ
يَمشِي به الرُّوحُ الأمينُ مُسلِّماً / وجبينُه بفمِ النبيِّ مُقَبَّلُ
إيهٍ بني النجَّارِ إنَّ محمَّداً / لأَشدُّ حُبّاً لِلَّتي هي أجْمَلُ
خلُّوا سبيلَ اللهِ ما لرسولِه / عمَّا أعدَّ من المنازلِ مَعْدِلُ
ذَهبتْ مَطيّتُه فقيل لها قِفي / هذا مَناخُكِ لستِ ممّن يَجهلُ
النَّاسُ في طَلَبِ الحياةِ وها هنا / سِرٌّ لها خافٍ وكنزٌ مُقفَلُ
أعطِي أبا أيّوب رَحْلَكِ وَاحْمَدِي / من أمرِ ربّكِ ما يجيءُ ويَفعلُ
ودَعِي الزّمامَ لأسعدِ بن زُرارةٍ / فإليهِ بعد اللهِ أَمْرُكِ يُوكَلُ
لمَّا حملتِ الحقَّ أجمعَ والهدى / أمسى بحبلِ اللهِ حَبلُكِ يُوصَلُ
يتنافسُ الأنصارُ فِيك وما دروا / لِمنِ المفازُ وأيُّهُمْ هو أوّلُ
هِيَ كيمياءُ الحقِّ لولا أنّها / تَهدِي العقولَ لَخِلتُها لا تُعقَلُ
دُنيا من العجبِ العجابِ ودولةٌ / يَهوِي النُّضارُ بها ويعلو الجَندلُ
أرأيت أهل الكهف لولا سرها / هل كان يكرم كلبهم ويُبجَّلُ
شكراً أبا أيوب فُزتَ بنعمةٍ / فيها لنفسِكَ ما تُريدُ وتسأَلُ
ما مِثلُ رِفْدِكَ في المواطنِ كلِّها / رِفدٌ يُضاعَفُ أو عطَاءٌ يُجزَلُ
للهِ دارُكَ من مَحلَّةِ مُؤْمِنٍ / نَزلَ الحِمَى فيها وحَلَّ المعقلُ
نَزَلَ النبيُّ بها فحلَّ فِناءَها / مَجدٌ يُقيمُ وسؤددٌ ما يرحلُ
مجدُ النُّبوَّةِ في ضيافةِ ماجِدٍ / سَمحِ القِرى يُسدِي الجزيلَ ويبذلُ
وَسِعَتْ جِفانَ المُطعمين جفانُه / كرماً فما يأبى ولا هِيَ تبخلُ
أضفى على السَّعدينِ بُرْدَ سماحةٍ / فاهتزَّ جُودُهُما وأقبلَ يرفلُ
جذلانَ مُحتفلاً يقرّب منهما / للهِ ما يرضَى وما يتقبَّلُ
جَعلَ القِرَى سَبباً إلى رضوانِه / والبِرُّ والإيمانُ فيما يَجعَلُ
يا زيدُ من صنع الثَّريدَ وما عسى / ترجو بما حَملتْ يداك وتأمُل
بعثتك أمُّك تبتغي في دينها / ما يبتغي ذو الهمَّةِ المتعمِّلُ
شكر النّبيُّ لها وأطلق دعوةً / صعدت كما شقَّ الفضاءَ مُجلجِلُ
أطيب بتلك هديّةً يسعى بها / في اللّهِ ساعٍ بالجلال مُظلَّلُ
لو أنَّها وُزِنَتْ بدنيا قيصرٍ / رَجحتْ وأين من الخِضَمِّ الجدولُ
هي إن عييت بوصفها ما يُجْتنَى / من نعمةِ الإسلامِ لا ما يُؤكلُ
ما في جهادكِ أمَّ زيدٍ ريبةٌ / نار الوغى احتدمت وأنتِ الجحفلُ
شَرَعٌ سرابيلُ الحروب وما اكتسى / من سابغاتِ الخيرِ من يتسربلُ
يا معشر الأنصارِ هل لي عندكم / نادٍ يَضُمُّ النابغين ومحفلُ
عندي لشاعركم تحيةُ شاعرٍ / يَسِمُ القوافِيَ وسمه يَتنخَّلُ
تنميهِ في دُنيا البيانِ رَوائعٌ / منها رواكدُ ما تَرِيمُ وجُفَّلُ
الثّاوياتُ على هُدىً من ربّها / والسّابحاتُ السّائحاتُ الجُوَّلُ
شُغِلَتْ بها الدُّنيا وما هي بالتّي / تُعْنَى بدنيا الجاهلين وتُشغَلُ
تأبى القرارَ بكلّ وادٍ مُمحِلٍ / وتحلُّ بالوادي الذي لا يُمحلُ
حسّانُ أبلغُ من يقول وليس لي / منه إذا ادّعَتِ المصاقعُ مِقْوَلُ
أنتم قضيتم للنَّبيِّ ذمامه / ونصرتُمُ الحقَّ الذي لا يُخذلُ
وصنعتُمُ الصّنعَ الجميل كرامةً / لمهاجرين همُ الفريقُ الأمثلُ
فعرفتُ موضعكم وكيف سما بكم / مجدٌ لكم في المسلمين مؤثَّلُ
وأذعتُه نبأً لكم ما مثله / نبأٌ يُذاعُ ولا حديثٌ يُنقلُ
القومُ قومُ اللهِ ملء دياركم / وكأنهم بديارهم لم يرحلوا
الدينُ يعطفُ والسماحةُ تحتفِي / والحبُّ يرعَى والمروءةُ تكفلُ
والله يشكرُ والنّبيُّ بغبطةٍ / والشركُ يصعقُ والضلالةُ تذهلُ
دِينُ الهدى والحقِّ في أعراسِه / والجاهليَّةُ في المآتم تُعوِلُ
إن هالها الحَدثُ الذي نُكِبَتْ به / فلسوف تُنكَبُ بالذي هو أهولُ
زُولي مُعطِّلةَ العقولِ فمنَ قَضى / أنّ البصائرَ والعقولَ تُعطَّلُ
ألقِي السِّلاحَ فما لخصمكِ دافعٌ / ودَعِي الكِفاحَ فما لجندِكِ موئِلُ
أزرَى بكِ الفشلُ المبرّحُ وارتمى / بِحُماتكِ القَدرُ الذي لا يفشَلُ
السَّهلُ يصعبُ إن تواكلتِ القُوى / والصعبُ إن مَضتِ العزائمُ يسهلُ
أرسى المعاقلِ مؤمنٌ لا نفسُه / تهفو ولا إيمانُه يتزلزلُ
هذا النْذيرُ فإن أبيتِ سوى الأذى / فالأرضُ بالدّمِ لا محالةَ تُغسلُ
علقت بِمَقْتَلِكِ السّهامُ وما عسى / يَبقَى الرَّمِيُّ إذا أُصِيبَ المَقتَلُ
الله أكبرُ كلُّ زُورٍ يَنقضِي / مَرَّ السَّحاب وكلُّ إفكٍ يبطُلُ
المسجد الثَّاني يُقامُ بيثربٍ / ومحمدُ الباني يَجِدُّ ويَعملُ
عَمّارُ أنتَ لها وليس ببالغٍ / عُليا المراتبِ مَن يَكِلُّ وَيَكْسَلُ
إن يَثْقُلِ العِبءُ الذي حُمِّلتَهُ / فَلما يُحمَّلُ ذو التَّباعةِ أثقلُ
ماذا بَلغت من السَّناءِ على يدٍ / أدنَى أنامِلها السِّماكُ الأعزلُ
مَسَحتْه ظهراً مِنكَ طالَ مُنيفهُ / حتَّى تَمنَّى لو يكونكَ يذبُلُ
هذا رسولُ الله ِ في أصحابِه / لا يَشتكِي نَصَباً ولا يَتمهَّلُ
يَأتِي ويذهبُ بينهم فَمُلَثَّمٌ / بالتُّربِ يَغْشَى وَجْهَهُ ومُكَلَّلُ
مِن كلِّ قَوّامٍ على أثقالِه / سامٍ له ظهرٌ أشمُّ وكَلْكَلُ
ما كان أحسنَها مقَالةَ راجزٍ / لو كان يَعرفُ حُكمَها المُتَمثِّلُ
هَتفَ الإمامُ بها فَراحَ يُعيدها / ثُمَّ انْثَنى مُتَلَطِّفَاً يَتَنصَّلُ
عمّارُ يا لكَ إذ تُلامُ ويا لَهُ / مِن ذِي مُحافظةٍ يَلومُ ويَعذِلُ
هِجْتَ ابنَ مَظعونٍ فأقبلَ غاضباً / حَنِقاً يجيش كما يَجيشُ المِرْجَلُ
ولقد يَحيدُ عن التُّرابِ إناقةً / مَن لا يَحيدُ عن الضِّرابِ ويَنْكُلُ
مَهْلاً أبا اليقظانِ قِرنُكَ باسلٌ / وأخوكَ في جِدِّ الوغَى لا يَهْزِلُ
ولئن أهابَ اللُّه يَالَ مُحمّدٍ / صُونوا الحِمَى لَهْوَ الأشدُّ الأبسلُ
السَّيفُ يَعْجَزُ أن يَنالَ غِرارُه / ما ليس يَعجزُ أن ينالَ المِعْوَلُ
إيهٍ أبا بكرٍ ظَفِرتَ بصفقةٍ / شَتَّى مَغانِمُها لمن يَتأَمَّلُ
القومُ عند إبائهم وسَخَائِهم / لو يبذلونَ نفوسَهُم لم يَحفِلوا
لا يقبلون لحائِطٍ ثمناً ولا / يَبغونَها دُنيا تُذَمُّ وتُرذَلُ
اللّهُ يَطلُبُهُ لِنُصرةِ دينِهِ / والدّينُ هُم أنصارُه ما بّدلوا
قالوا أَمِنَّا يا محمدُ يُبتغَى / ما ليس يَخلقُ بالأُباةِ ويجملُ
إنّا لعمرِ اللَّهِ نَعرِفُ حَقَّهُ / ونُعِزُّ مِلَّته التي نتملَّلُ
نُعطِي اليتيمين الكِفَاءَ وإن هما / أَبيا ونَتَّبِعُ التي هي أنبلُ
خُذْ ما أردتَ فلن نبيعكَ مسجداً / يَدعوهُ فيه مُكَبّرٌ ومهلِّلُ
هو رَبُّنا إن نالنا رِضوانُه / فلنا المثوبةُ والجزاءُ الأكملُ
إيهٍ أبا بكرٍ خَليلُكَ مُطرِقٌ / يأبى وأنتَ بما يُريدُ مُوَكَّلُ
لابدَّ من ثمنٍ يَكونُ أداؤُهُ / حَكَماً يُطاعُ وشِرعة ما تُهمَلُ
لولا الرسولُ وما يُعلِّمُ قومَه / جَهل المحجّةَ ظالمٌ لا يَعدِلُ
وإذا قَضَى أمراً فما لقضائهِ / رَدٌّ ولا في غيرِهِ مُتعلَّلُ
الحقُّ ما شَرَعَ النبيُّ وباطلٌ / ما يدَّعِي المرتابُ والمتأوّلُ
لا بدّ من ثمنٍ ولستَ بواجدٍ / في القومِ من يَضِحُ الصّوابُ فَيَغفلُ
أمر الرسولُ به فدونك أدّهِ / ولأنت صاحبُهُ الكريمُ المفضلُ
يا باذِلَ الأموالِ نِلتَ ببذلِها / ما لم يَنَلْ في المسلمين مُموِّلُ
أتبعتَ نفسَكَ ما ملكتَ فمهجةٌ / تَنهالُ طيّعةً وكَفُّ تَهطلُ
أَذِّنْ بِلاَلُ لكَ الوَلاَيةُ لم تُتَحْ / لِسوَاكَ إذ تدعو الجموع فَتُقبِلُ
اللَّهُ أَلبَسَكَ الكرامَةَ وَاصْطَفَى / لك ما يُحبُّ المؤمنُ المتوكِّلُ
يا طولَ ما عُذِّبتَ فيه فلم تَمِلْ / تَبغِي الّتي اتَّبعَ الغُواةُ المُيَّلُ
أَحَدٌ إلهُكَ ما كَذبتَ وما لمن / يرجو النّجاةَ على سواهُ مُعَوَّلُ
أرِني يَدَيْكَ أفِيهما لِأُمَيَّةٍ / وِردٌ من الموتِ الذُّعافِ مُثمَّلُ
لَلسَّيفُ سَيفُ اللَّهِ أَهْوَلُ موقعاً / من صَخرةٍ تُلقَى وحبلٍ يُفتَلُ
لك في غدٍ دَمُه إذا التقتِ الظُّبى / تحتَ العَجاجةِ والرِّماحُ الذُّبَّلُ
أذِّنْ فإنَّ الدِّينَ قامَ عَمُودُه / وَرَستْ جَوانبُهُ فما يَتَقَلقَلُ
هَبَطَ الجزيرةَ فاحتوى أطرافَها / وَانْسَابَ في أحشائِها يَتَغَلْغَلُ
فكأنما طردَ السوائمَ ضيغمٌ / وكأنما ذعرَ الحمائمَ أجدلُ
خَفَّ الرجالُ إلى الصَّلَاةِ وإِنَّها / لأَجلُّ ما تَصِفُ الصّفوفُ المُثَّلُ
عَنَتِ الوجوهُ فراكِعٌ متخشعٌ / يخشى الإلهَ وساجِدٌ مُتَبَتِّلُ
صَلُّوا بني الإسلامِ خَلفَ نبيِّكم / وخُذوا بما شَرَعَ الكتابُ المنزَلُ
اللَّهُ أيَّدكم به وأمدَّكم / منه بنورٍ ساطعٍ ما يأفلُ
آثرتُمُ السَّننَ السويَّ فجدُّكم / يَعلو وجَدُّ ذوي العَمايةِ يَسفُلُ
هل يَستوِي الجمعانِ هذا صاعدٌ / يبني وهذا ساقطٌ يَتهيَّلُ
يتَألّفون على الهَوى وقلوبُهم / شَتَّى يَظلُّ شَعاعُها يتزيّلُ
نَصرٌ على نصرٍ وفتحٌ بعده / فتحٌ يَغيظُ المشركينَ مُحجَّلُ
إنَّ امرأً جمحتْ به أهواؤُه / من بعدِ ما وضَح الهُدى لَمُضلَّلُ
الحقُّ بابُ اللَّهِ هل من داخلٍ / طُوبَى لمن يَبغِي الفَلاحَ فيدخلُ
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ
ما للنفوس إلى العَمايةِ تجنحُ / أتظنُّ أنّ السيفَ عنها يَصفحُ
داويتَ بالحسنَى فلجَّ فسادُها / ولديك إن شِئْتَ الدواءُ الأصلحُ
الإذنُ جاءَ فقل لقومِكَ أقبلوا / بالبيضِ تَبرقُ والصّوافنِ تَضبحُ
أفيطمعُ الكُفّارُ ألا يُؤخذوا / بل غرّهم حِلمٌ يُمَدُّ ويُفسَحُ
أَمِنُوا نَكالكَ فاستبدَّ طُغاتُهم / أفكنتَ إذ تُزجِي الزواجرَ تَمزحُ
لا يستحون ولو تأذن ربهم / عرفوا اليقين وأوشكوا أن يستحوا
أملى لهم حتّى إذا بلغوا المدَى / ألْوَى بهم خَطبٌ يجلُّ ويَفدحُ
مِن ناقضٍ عَهداً ومن مُتمرّدٍ / يُمسِي على دِينِ الغُواةِ ويُصبِحُ
لمّا استقامَ الأمرُ لاحَ بشيرُها / غُرٌّ سوافِرُ من جَبينِكَ تُلمحُ
ظَمِئْتَ سيوفُكَ يا مُحمّدُ فَاسْقِها / من خيرِ ما تُسقَى السُّيوفُ وتُنضَحُ
فَجِّرْ يَنابيعَ الفُتوحِ فَرِيُّها / ما تَستبيحُ من البلادِ وتَفتحُ
الظلمُ أوردَها الغليلَ وإنَّهُ / لأشدُّ ما تَجِدُ السُّيوفُ وأبْرَحُ
اليومَ تُورِدُها الدّماءَ فترتوي / وتردُّها نَشَوى المُتونِ فتفرحُ
المشركونَ عَمُوا وأنتَ مُوكَّلٌ / بالشّركِ يُمحَى والعَمايَةِ تُمسَحُ
خُذهم ببأسِكَ لا تَرُعْكَ جُموعهُم / فَلأنتَ إن وزنوا الكتائِبَ أرجَحُ
ضَلّوا السَّبيلَ وفي يمينِكَ ساطعٌ / يَهدِي النفوسَ إلى التي هي أوضَحُ
هَفتِ العَشيرَةُ إذ نَهَضتَ تُريدها / والعِيرُ دائبةٌ تَشُطُّ وتنزَحُ
تَمشِي مَواقِرَ في غَواربِها العُلى / أموالُ مكّةَ فَهْيَ مِيلٌ جُنَّحُ
عُدْ باللواءِ وَقُلْ لِحمزةَ إنّهم / رَهْنٌ بِمُرْزِمَةٍ تَسُحُّ وتَدْلَحُ
تَهوِي غَداةَ الرَّوعِ في طُوفانِها / مُهجُ الفوارسِ والمنايا تَسبَحُ
هذا الفتى الفِهريُّ أقبلَ جامحاً / يغزو المدينةَ والمضلَّلُ يَجمحُ
ولَّى يَسوقُ السَّرْحَ لو لم تُولِهِ / سَعةً لضَاقَ به الفضاءُ الأفيحُ
دعه فإنّ له بمكةَ مشهداً / يُرضيكَ والشهداءُ حولكَ تُطرَحُ
ذَهَبَ ابنُ حربٍ في تجارةِ قومهِ / ولَسوفَ يَعْلَمُ من يَفوزُ ويَربحُ
نَسرٌ مضى مُتصيِّداً ووراءه / يومٌ تُصادُ به النُّسورُ وتُذبَحُ
بَيْنا يَحِيدُ عن السّهامِ أصابَهُ / نَبأٌ تُصابُ به السّهامُ فَتُجرَحُ
بَعثَ ابن عمروٍ ما لكم من قُوّةٍ / إنْ مالكُم أمسىَ يُلمُّ ويُكسَحُ
تَرِدونَ بَرْدَ الأمنِ والنّارُ التي / أنتم لها حَطبٌ تُشَبُّ وتُقدَحُ
إن كنتُ لم أُفصِحْ لخطبٍ هالَني / فسلوا بَعيري إنّه هو أفصَحُ
وخُذُوا النصيحَةَ عن قَميصِي إنّه / لأَجَلُّ من يَعِظُ النّيامَ ويَنصحُ
إنّي صَدقتكمُ البلاغَ لِتعلموا / وجبالُ مَكّةَ شُهّدٌ والأبطُحُ
جَفلتْ نفوسُ القومِ حتى ما لها / لُجُمٌ تَرُدُّ ولا مقاوِدُ تَكْبَحُ
وأبَى أبو لَهَبٍ مَخافةَ ما رأتْ / في النّومِ عاتكةٌ فما يتزحزحُ
وأرى أُميَّةَ لو تأخَّرَ حَيْنُهُ / لرآه عُقْبَةُ ثاوياً ما يبرَحُ
يَرميهِ بالهّذَرِ القبيحِ يَلومُهُ / وَيَسُومُهُ الخُلُقَ الذي هو أقبَحُ
غَشَّاهُ سَعدٌ رَوعةً ما بعدها / لِذَوي المخافةِ في السّلامةِ مَطمحُ
نَفروا يُريدونَ القِتالَ وغرَّهم / عَبثُ اللواتي في الهوادج تَنبحُ
غّنَّتْ بهجوِ المسلِمينَ وإنّها / لأَضلُّ من يَهجو الرجالَ ويمدحُ
الضّارباتُ على الدُّفوفِ فإن هُمُ / ضَربوا الطُّلى فالنّادباتُ النُّوَّحُ
تلك المآتم ما تزال ثقالها / تمشي الوئيد بها المطايا الطلَّحُ
أخذوا السّلاحَ وقد أغار لأخذهم / جُندٌ بآياتِ الكتابِ مُسلَّحُ
فيهم من الأنصارِ كلُّ مُشيَّعٍ / يَمضي إذا نَكصَ اليرَاعُ الزُّمَّحُ
كانوا على عهدٍ مضى فأتمّهُ / لإلهِهِمْ عهدٌ أبرُّ وأسمحُ
سَعدٌ يُهيبُ بهم وسعدٌ قائمٌ / تحت اللواءِ بسيفهِ يتوشَّحُ
ما أصدقَ المِقدادَ حين يَقولُها / حَرَّى وبعضُ القول نارٌ تَلْفَحُ
إنّا وراءكَ يا مُحَمَّدُ نَبتَغِي / ما اللّهُ يُعطِي المتَّقِينَ وَيَمنَحُ
لسنا بقومِ أخيكَ مُوسى إذ أبَوْا / إلا القُعودَ وسُبَّةً ما تُضرَحُ
هذا عليٌّ في اللّواءِ ومُصعبٌ / والنّصرُ في عِطْفَيْهما يَترنَّحُ
حَمَلا لِوَائَيْهِ فلو صدحَ الهُدى / في مَشهدٍ جَللٍ لأقبلَ يَصدحُ
هذا رسولُ اللّهِ مَن يكُ مُؤمناً / فإليهِ إنّ طريدَه لا يُفلِحُ
الموتُ في يدهِ وعند لوائِه / رِيحُ الجِنانِ لِمَنْ دَنا يَسْتَرْوِحُ
إن يَملكِ الماءَ العدوُّ فقد هَمَى / سَيْلٌ جرى شُؤبوبُهُ يتبطَّحُ
هِيَ دعوةُ الهادِي الأمينِ ونفحةٌ / ممَّن يَسوقُ الغيثَ فيما يَنفحُ
مَكَر الحُبَابُ بهم فغوّرَ ماءَهم / والمكْرُ في بعضِ المواطنِ أنجحُ
نبِّئ عُمَيْرُ سَراةَ قومِكَ إنّهم / زَعموا المزاعمَ والحقائِقُ أرْوَحُ
نبّئهمُ الخبرَ اليقينَ وصِفْ لهم / بَأْسَ الأُلى جَمعوا لهم وتبجَّحوا
وَاذْكُرْ سَمِيِّكَ إذ يقولُ محمَّدٌ / ارجعْ عُمَيْرُ فدمعُه يتسحَّحُ
أذن النبيُّ له فأشرقَ وجههُ / ولقد يُرى وهو الأحمُّ الأكفحُ
بَطلٌ من الفتيانِ يَحمِلُ في الوغى / ما يَحملُ البطلُ الضّليعُ فيرزحُ
قُلْ يا حَكيمُ فما بعُتْبَة رِيبةٌ / مولى العشيرةِ للمُهِمّ يُرشَّحُ
نَصحَ الرجالَ فَردَّهم عن نصحهِ / نَشوانُ يملأهُ الغرورُ فيطفحُ
رَبِّ اسْقهِ بيدِ النّبيِّ مَنِيَّةً / بعذابِكَ الأوفى تُشابُ وتُجدَحُ
إيهٍ أبا جهلٍ نُصِرتَ بفارسٍ / يَلقى المنيَّةَ منه أغلبُ شيَّحُ
أرداهُ حَمزةُ عِندَ حوضِ محمّدٍ / فانظر أتُقْدِمُ أم تَحيِدُ وَتَكفَحُ
رامَ الورود فما انثنى حتّى ارتوت / من حوضِ مُهجته المنايا القُمَّحُ
جدّ البلاءُ وهب إعصارُ الردى / يرمي بأبطال الوغى ويطوّحُ
نظر النبيُّ فضجَّ يدعو ربَّه / لا هُمَّ نصركَ إنّنا لك نكدحُ
تلك العصابةُ ما لدينك غيرها / إن شدّ عادٍ أو أغارَ مُجلِّحُ
لولا تُقيمُ بناءَهُ وتحوطُهُ / لعفا كما تعفو الطُّلُولُ وتَمصَحُ
لا هُمَّ إن تَهلكْ فما لك عابدٌ / يغدو على الغبراء أو يَتروَّحُ
جاشت حَمِيّتُه وقام خليلُهُ / دُونَ العريشِ يَذودُ عنه وَينضَحُ
وتَغولَّتْ صُوَرُ القتالِ فأقبلا / والأرضُ من حَوْلَيْهما تَترجَّحُ
في غَمرةٍ ضَمِنَ الحِفاظُ لِقاحَها / فالحربُ تَسدحُ بالكُماةِ وترْدَحُ
استَبْقِ نفسَك يا أبا بكرٍ وقِفْ / إن ضَجَّ من دمِك الزَّكيِّ مُصيِّحُ
أعرِضْ عن ابنك إنّ موتكَ لِلّذي / حمل الحياةَ إلى الشعوبِ لَمُتْرِحُ
صلّى عليهِ اللّهُ حين يقولُها / والحربُ تَعصِفُ والفوارسُ تَكلَحُ
اللّهُ لا وَلدٌ أحبُّ ولا أبٌ / منه فأين المُنتأَى والمنزحُ
أفما رأيتَ أبا عُبيدةَ ثائراً / وأبوه في يدهِ يُتَلُّ ويُسْطَحُ
بَطلٌ تخطَّر أم تخطّرَ مُصعَبٌ / صُلْبُ القرا ضَخمُ السَّنام مُكبَّحُ
أرأيتَ إذ هزمَ النبيُّ جُموعَهم / فكأنّما هَزمَ البغاثَ المَضْرَحُ
هي حِفنةٌ للمشركينَ من الحَصى / خَفَّ الوقورُ لها وطاشَ المِرْجَحُ
مِثلُ الثَّميلةِ من مُجاجةِ نافثٍ / وكأنّما هي صَيِّبٌ يَتبذَّحُ
اللّهُ أرسلَ في السّحابِ كتيبةً / تهفو كما هَفَتِ البروقُ اللُمَّحُ
تَهوِي مُجلجِلَةً تَلَهَّبُ أعينٌ / منها وتَقذِفُ بالعواصِف أجْنُحُ
للخيلِ حَمحمةٌ تُراعُ لهولها / صِيدُ الفوارسِ والعِتاقُ القُرَّحُ
حَيزومُ أقدِمْ إنّما هي كرّةٌ / عَجْلَى تُجاذبك العِنَانَ فتمرحُ
جِبريلُ يضربُ والملائكُ حوله / صَفٌّ تُرَضُّ به الصّفوفُ وتُرْضَحُ
تَلك الحصونُ المانعاتُ بمثلها / تُذْرَى المعاقلُ والحصونُ وتُذْرَحُ
للقومِ من أعناقِهم وبَنانِهم / نارٌ تُرِيكَ الدّاءَ كيف يُبرَّحُ
جفّتْ جُذورُ الجاهليةِ والتوَى / هذا النباتُ الناضرُ المُسترشِحُ
طفِقَ الثرى من حولها لمّا ارتوى / من ذَوْبِ مهجتها يجفُّ ويَبلحُ
ومن الدمِ المسفوحِ رِجسٌ مُوبِقٌ / ومُطهَّرٌ يَلِدُ الحياةَ وَيَلقَحُ
أودَى بِعتُبَةِ والوليدِ وشَيْبةٍ / وأميّةَ القدَرُ الذي لا يُدْرَح
وهَوى أبو جهلٍ ونَوفَلُ وارْعَوى / بعدَ اللَّجاج الفاحشُ المتوقِّح
لمّا رأى الغازي المُظَّفرُ رأسه / أهوى يُكبِّرُ ساجداً ويسبِّحُ
في جلدهِ من رجزِ ربّكَ آيةٌ / عَجَبٌ تُفسَّرُ للبيبِ وتُشْرَحُ
تلك السّطورُ السُّودُ ضَمَّ كتابُها / أبهى وأجملَ ما يَرى المُتصفِّحُ
إن لم يُغيَّبْ في جهنّمَ بعدها / فَلَمنْ سِواهُ في جهنّمَ يُضْرَحُ
أدركتَ حقَّك يا بِلال فَبُورِكتْ / يَدُكَ التي تركتْ أُميّةَ يُشبَحُ
وَافِ المطارَ ووالِ يا ابنَ رُواحةٍ / زَجَل الحمامِ إذا يطيرُ ويسجَحُ
هذا ابنُ حارثةٍ يَطوفُ مُبشّراً / بالنّصر يُخزِي الكافِرينَ ويفضَحُ
لمّا تردّدَ في البلادِ صَداكما / أمستْ قُلوبُ المسلِمينَ تُروَّحُ
فكأنَّ كُلّاً مُعرِسٌ وكأنَّما / منه ومِنك مُهنِّئٌ ومُرفِّحُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ غيرَ مُلَوِّحٍ / فالنصرُ يَخطبُ والسّيوفُ تُصرِّحُ
بِيضٌ على بُلْقٍ تَساقَطُ حولها / سُودٌ مُذمَّمةٌ تُسافُ وتُرمَحُ
ذَهبوا وأخلَفَهُمْ رَجاءٌ زُلزِلُوا / فيهِ فزالَ كما يَزولُ الضَّحْضَحُ
أكذاكَ تَختلفُ الزُّروعُ فناضرٌ / ضَافِي الظّلالِ وذابلٌ يَتصوَّحُ
القومُ غَاظهم الصَّحيحُ فَزَيَّفُوا / ومن الأمورِ مُزَيَّفٌ ومُصحَّحُ
خَطأُ الزمانِ فَشا فَلُذْ بصوابِه / وَانْظُرْ كِتابَ الخلقِ كيف يُنقَّحُ
جاءَ الإمامُ العبقريُّ يُقيمُها / سُنَناً مُبيَّنةً لِمن يَستوضِحُ
وَضَحَ اليقينُ لمن يَرى أو يَسمعُ
وَضَحَ اليقينُ لمن يَرى أو يَسمعُ / ولَقلَّما تُجدِي الظُّنونُ وتَنفعُ
النَّصرُ حَقٌّ والمُنَبِّئُ صادقٌ / والويلُ للمغرور ماذا يَصنعُ
اخشَعْ أبا لهبٍ فإنْ تَكُ ذا عَمىً / فجبالُ مَكّةَ والأباطحُ خُشَّعُ
مولى رسولِ اللّهِ يُضرَبُ ما جنى / ذَنباً ولم يك كاذباً يَتَشَيَّعُ
هِيَ يا أبا لَهَبٍ كَتائِبُ رَبّهُ / نَزلتْ تُذِلُّ الكافرين وتقمعُ
أخذتْ لُبابةُ للضّعيفِ بحقّهِ / ومَضَى الجَزَاءُ فأنت عانٍ مُوجَعُ
وشَفَتْهُ مِنكَ بضربةٍ ما أقلعتْ / حتَّى رمتكَ بِعلَّةٍ ما تُقلِعُ
قَالتْ بَغَيْتَ عليه واسْتَضعفتَهُ / أن غابَ سَيِّدُهُ وَعزَّ المفزَعُ
ما بالعمودِ ولا بِرأسِكَ رِيبةٌ / إنَّ الغوِيَّ بمثلِ ذلك يُردَعُ
حُييتِ أمَّ الفضلِ تلك فضيلةٌ / فيها لك الشَّرفُ الأعزُّ الأمنعُ
اللّهُ أهلكَهُ بداءٍ ماله / شافٍ ولا فيه لآسٍ مَطْمَعُ
تمضي البشائرُ جُوّلاً وتجولُ في / دمهِ السُّمومُ فجِلدُهُ يَتمزَّعُ
أمسى المُكاثِرُ بالرجالِ مُبغَّضاً / يُجْفَى على قُربِ المزارِ ويُقطعُ
أكلته صاعِقَةُ العمودِ وإنّما / أكلته سَبْعٌ بعد ذلكَ جُوَّعُ
هم غادروه ثلاثةً في دارِهِ / لا الدّارُ تَلفظهُ ولا هُوَ يَنزعُ
تَتَجَنّبُ الأيدي غَوائِلَ دائِه / فَيُدَعُّ بالخُشُب الطوالِ ويُدفَعُ
رجموه لو كَرِهَ السَّفاهةَ فارْعَوى / ما ساءَ مَهلكُه وهالَ المصرَعُ
ما أكثرَ الباكِينَ مِلءَ جُفونهم / للجمعِ بالبيضِ البَواتر يُصدَعُ
جَزَّ النِّساءُ شُعورَهنَّ وغُودِرَتْ / والبيتُ يَشدو والحَطيمُ يُرجِّعُ
والمُسلِمونَ بنعمةٍ من ربِّهمْ / فيها لِكُلِّ مُوَحِّدٍ مُسْتَمتَعُ
اللّهُ أكبرُ لا مَردَّ لحكمِه / هُوَ ربُّنا وإليهِ منّا المرجعُ
طُفْ بالمصارعِ وَاسْتَمِعْ نَجواها
طُفْ بالمصارعِ وَاسْتَمِعْ نَجواها / وَالْثِمْ بأفياءِ الجِنانِ ثَراها
ضَاعَ الشَّذَى القُدسِيُّ في جَنَباتها / فَانْشَقْ وَصِفْ لِلمُؤمنين شذاها
حِلَلٌ يَروعُ جَلالُها ومنازلٌ / مِن نُورِ ربِّ العالَمِينَ سَناها
ضَمّتْ حُماةَ الحقِّ ما عَرَف امْرُؤٌ / عِزّاً لهم من دُونِهِ أو جاها
الطّالِعينَ بهِ على أعدائهِ / مَوْتاً إذا نشروا الجُنودَ طَواها
الخائِضينَ من الخُطوبِ غِمَارها / المُصْطَلِينَ مِنَ الحُروبِ لَظاها
الباذِلَين لَدَى الفِدَاءِ نُفوسَهُمْ / يَبغونَ عِند إلهِهمْ مَحياها
ما آثروا في الأرضِ إلا دِينَهُ / دِيناً ولا عَبدوا سِواهُ إلها
سَلكوا السَّبيلَ مُسدَّدين تُضيئهُ / آيُ المُفصَّل يَتبعونَ هُداها
قَومٌ هُم اتّخذوا الشَّهادةَ بُغيةً / لا يبتغونَ لَدَى الجِهادِ سِوَاها
هُمْ في حِمَى الإيمانِ أوّلُ صخرةٍ / فَسَلِ الصخورَ أما عرفن قُواها
حَملتْ جِبالَ الحقِّ في دنيا الهُدَى / بيضاً شواهقَ ما تُنالُ ذُراها
تُؤْتِي الممالكَ والشُّعوبَ حيَاتَها / وتُقيمُ من أمجادِها وعُلاها
ذَهبتْ تُرفرِفُ في مَسابحِ عزِّها / ومَضَتْ يَفوتُ مدَى النُّسورِ مَداها
تَجرِي الرياحُ الهُوجُ طَوْعَ قَضائِها / وتَخافُها فَتحيدُ عن مَجراها
طافَ الغمامُ مُهلِّلاً بظلالِها / فَسقتْهُ مِن بَركاتِها وسقَاها
شُهداءَ بدرٍ أنتمُ المثلُ الذي / بَلغَ المدى بعد المدى فتناهَى
عَلَّمتُمُ الناسَ الكفاحَ فأقبلوا / مِلْءَ الحوادثِ يَدفعونَ أذاها
أمّا الفِداءُ فقد قَضيتُمْ حَقَّهُ / وجَعلتموهُ شَريعةً نَرضاها
مَن رامَ تفسيرَ الحياةِ لقومِهِ / فَدمُ الشّهيدِ يُبينُ عن مَعناها
لولا الدِّماءُ تُراقُ لم نرَ أمّةً / بلغَتْ من المجدِ العَريضِ مُناها
أدنى الرجالِ من المهالك مَن إذا / عَرضتْ منايا الخالدينَ أباها
وأَجْلُّ من رفعَ الممالكَ مظهراً / بانٍ من المُهَجِ السِّماحِ بناها
كم أُمّةٍ لم تُوقَ عادِيةَ الرَّدى / لولا الذي اقْتَحَمَ الرَّدى فوقاها
تَسمو الشُّعوبُ بكلِّ حرٍّ ماجدٍ / وجَبتْ عليه حقوقُها فقضاها
ما أكرمَ الأبطالَ يَومَ تَفيَّأوا / ظُلَل المنايا يبتغون جَناها
راحوا من الدّمِ في مَطارِفَ أشرقتْ / حُمْرُ الجراح بها فكنَّ حِلاها
لو أنّهم نُشِرُوا رَأيتَ كُلومَهم / تَدْمَى كأنّكَ في القتالِ تراها
ليسوا وإن وَرَدُوا المنيَّةَ لِلأُلى / غَمَر البِلَى وُرّادَهَم أشباها
هُمْ عِندَ ربِّك يُرزَقون فَحيِّهم / وَصِفِ الحياةَ لأنْفُسٍ تَهواها
اللهُ باركَها بِبَدْرٍ وقعةً / كلُّ الفُتوحِ الغُرِّ مِن جَدْواها
مَنعتْ ذِمارَ الحقِّ حِينَ أثارَها / وحَمتْ لِواءَ اللهِ حين دَعاها
بَخِلَ الزمانُ فكنت من شُعرائها / لو شاءَ رَبِّي كنتُ من قَتلاها
كم دولةٍ للشّركِ زُلزِلَ عَرْشها / بدماءِ بَدْرٍ واسْتُبِيحَ حماها
في دولةٍ للمسلمين تشوقُهم / أيّامُها وتهَزُّهم ذِكراها
يا ويحَ لِلأممِ الضِّعافِ اتَنْقَضِي / دُنيا الشُّعوبِ وما انْقَضتْ بلواها
أُممٌ هَوالِكُ ما لَمستُ جِراحَها / إلا بكتْ وبكيتُ من جَرّاها
لم أدرِ إذ ذهبَ الزَّمانُ بريحِها / ماذا من القَدَرِ المُتَاحِ دَهاها
إنّ الذي خَلَقَ السّهامَ لِمثلِها / جَمعَ المصائبَ كُلَّها فَرماها
هو مُرتمَى الأبطالِ مالك دُونه
هو مُرتمَى الأبطالِ مالك دُونه / مُتزحزَحٌ فاصبر له يا مُصعَبُ
ولقد صبرتَ تخوضُ من أهوالهِ / ما لا يخوضُ الفارسُ المُتلبِّبُ
تَرمِي بِنفسِكَ دُون نفسِ مُحمدٍ / وتقيه من بأسِ العِدَى ما تَرهب
تبغي الفِداءَ وتلك سُنّةُ من يرى / أنّ الفداءَ هو الذمامُ الأوجب
دعْ من يَعَضُّ على الحياةِ فإنّه / غاوٍ يُضلَّل أو دَعِيٌّ يكذب
ما اختارَ نُصرةَ دينِه أو رأيهِ / من لا يرى أن الفداءَ المذهب
ما هذه المُثُلُ التي لا تَنتهِي / هذا هو المَثلُ الأبَرُّ الأطيب
طاحَ الجهادُ به شهيداً صادقاً / أوفى بعهدِ إلههِ يتقرَّب
إيمانُ حُرٍّ لا يُبالي كلّما / ركبَ العظائِمَ أن يهولَ المركب
يرسو وأهوالُ الوقائعِ عُصَّفٌ / تذرو الفوارسَ والمنايا وُثَّب
إن يضربوه ففارسٌ ذو نجدةٍ / ما انفكَّ يطعنُ في النُّحورِ وَيضرب
كم هاربٍ يخشى بَوادِرَ بأسِهِ / ويخافُ منه مُشيَّعاً ما يَهرب
الموتُ في وثباتِه يَجرِي دماً / والموتُ في نَظَراتهِ يتلهّب
سقطت يَداهُ وما يزالُ لواؤُه / في صَدْرهِ يحنو عليه ويَحدِبُ
لو يَستطيعُ لَمدَّ من أهدابِهِ / سَبباً يُشَدُّ به إليهِ ويُجذَبُ
يُمناه أم يُسراه أعظمُ حرمةً / أم ساعداه وصدرُه والمنكب
جارَى مَنِيَّته فكلٌّ يرتمي / في شأنه جَللاً وكلٌّ يدأب
حتّى دعاهُ اللّهُ يرحَمُ نفسَه / فأجاب يلتمسُ القرارَ ويطلب
إن كان ذلك من أعاجيبِ الوغَى / فالبخلُ بالدَّمِ في المحارمِ أعجب
إنَّ امرأً كَرِهَ الجِهادَ فلم يَفُزْ / بالموتِ في غَمراتِه لَمُخيَّب
أَبشِرْ فذلك ما سألتَ قضاهُ
أَبشِرْ فذلك ما سألتَ قضاهُ / رَبٌّ هداك فكنتَ عند هداهُ
آثرتَهُ وَرَضِيتَ بين عبادِه / من صالِحِ الأعمالِ ما يرضاهُ
قتلوكَ فيه تَردُّهم عن دينِهِ / صَرْعَى وتمنعُ أن يُبَاحَ حِماهُ
وَبَغَوْا عليكَ فعذَّبوا الجسدَ الذي / ما للكرامةِ والنّعِيمِ سواهُ
هِيَ دعوةٌ لك ما بسطتَ بها يداً / حتّى تَقبّلَ واستجابَ اللّهُ
ولقد رأيتَ حِمَى الجهادِ فَصِفْ لنا / ذاك الحمى القُدسِيَّ كيف تراهُ
ماذا جَزَاكَ اللَّهُ من رِضوانِه / وحَبَاكَ في الفردوسِ من نُعماهُ
ماذا أعدَّ لكلِّ بَرٍّ مُتَّقٍ / غَوَتِ النُّفُوسُ فما أطاعَ هَواهُ
أَرأيتَ عبدَ اللَّهِ كيف بَلَغتَهُ / شَرَفاً مَدَى الجوزاءِ دُونَ مداهُ
دَمُكَ المطهَّرُ لو أُتيحَ لهالكٍ / أعيا الأُساةَ شفاؤُه لَشَفاهُ
صَوتٌ يُهيبُ بِكلِّ شعبٍ غافلٍ / طوبى لمن رُزِقَ الهُدَى فوَعاهُ
مَعْنَى التفوّقِ في الحياةِ فَمَن أبى / إلا الصُّدودَ فما درى مَعناهُ
الأمرُ رَهنُ الجِدِّ ليس بنافعٍ / قَولُ الضّعيفِ لعلّه وَعَساهُ
تَشقَى النُّفوسُ ولا كشِقْوَةِ خاسرٍ / لا دِينَهُ اسْتَبْقى ولا دُنياهُ
والمرءُ يَرغبُ في الحياةِ وَطُولِها / حتّى يكونَ الموتُ جُلَّ مُناهُ
أُوتِيتَ نصراً يا محمدُ سَاطعاً / يبقَى على ظُلَمِ العصورِ سَناهُ
لَكَ من دمِ الشُّهداءِ بأسٌ لم يَقُمْ / في الأرضِ ديِنُكَ عالياً لولاهُ
ما تَنقَضِي لإِمامِ حقٍّ قُوّةٌ / إلا تَزيدُ على الزّمانِ قُواهُ
هذا إمامُ الدينِ في أعلامهِ
هذا إمامُ الدينِ في أعلامهِ / والدّينُ مُعتصِمٌ ببأسِ إمامهِ
يَحمِي حَقيقَتَهُ بِقوَّةِ بطشهِ / ويصونُ بَيْضَتَهُ بحدِّ حُسَامِهِ
شيخُ الجهادِ يَودُّ كلُّ مجاهدٍ / لو كان يُدْعى في الوَغَى بِغُلاَمِهِ
عالي اللّواءِ يُقيمُهُ بِحُدُودِهِ / ويُبَيِّنُ المأثورَ من أحكامهِ
المُصلحونَ على الزّمانِ سُيُوفُهُ / وجنودُه في حربِهِ وسلامهِ
عَرِفُوا الجِهَادَ به ومنه تَعَلَّمُوا / ما صَحَّ من دُستُورِهِ ونظامِهِ
غَضِبَتْ قُرَيْشٌ أن جَفَا أصنامَها / ووَفَى بعهدِ إلههِ وذِمَامِه
يغزو فوارِسَهم ويَقتُلُ جمعَهم / حتّى يَدينَ مَرامُهم لمرامِهِ
ويرى المحجَّةَ كلُّ غاوٍ مِنهمُ / فَيكفَّ عن طُغيانِهِ وعُرامِهِ
ويثوبَ جاهلُهُم إلى دينِ الهُدَى / والنّورِ من دينِ العَمى وظلامِهِ
دلَفوا إليه وظَنَّ أكذبُهُم مُنىً / أنْ قد سَقَتْهُ يداه كأسَ حِمامِهِ
أَكذاكَ ينخدِعُ الغبيُّ وهكذا / يَتَخَبَّطُ المفتونُ في أوهامِهِ
مَهْلاً أبيُّ لقد ركبتَ عظيمةً / وأردتَ صرحاً لستَ من هُدَّامِهِ
صَرْحٌ بناه اللَّهُ أوَّلَ ما بنى / وأطالَ من عِرْنِينِهِ وَسَنامِهِ
لا يبلُغُ الباني ذُراه ولا يُرى / في الدّاعِمِينَ بِناؤُه كدِعامِهِ
مَهلاً أبيُّ فإن جَهلتَ مكانَه / فانْهضْ إليه إن استطعتَ وَسَامِهِ
أقدِمْ فخذها يا أبيُّ سُقِيتَها / فانظرْ إلى السّاقِي ورَوعةِ جامِهِ
خَدشٌ كوقعِ الظُّفْرِ أو هُوَ دونه / لِمَ تشتكِي وتَضِجُّ من آلامِهِ
أأُبيُّ أين العودُ والعَلَفُ الذي / أعددتَهُ وجعلته لطعامِهِ
إذهبْ لكَ الويلاتُ من مُتَمَرِّدٍ / عادَى الإِلهَ ولجَّ في آثامه
لكَ من قتيلِ الكبشِ أشأمُ صاحبٍ / يُلْقِي إلى غُولِ الرَّدى بزمامِهِ
أخذ النبيَّ بضربةٍ كانت له / حَتْفَاً يُمَزِّقُ لحمَهُ بعظامِهِ
ولمَن تقدَّمَ فوقَ صهوةِ عاثرٍ / أشقَى وأخيبُ آخد بلجامهِ
هو في الحفيرةِ دُونَ حِصنِ مُحمدٍ / جَثَمَ الحِمامُ عليه قبل قيامهِ
ألقى القضاءُ عليه من أَثقاله / مترامياً ينصبُّ في أجرامِهِ
أرداه بابنِ الصِّمَّةِ البطلِ الذي / أعيا الرَّدى المحتالَ فضُّ صِمامِهِ
يغشاهُ سيفُ العامريِّ فينثني / ودَمُ الجريحِ يَبُلُّ حرَّ أُوامِهِ
سَلمتْ يداك أبا دُجانةَ من فتىً / وَسْمُ المنيَّةِ من حِلَى صَمْصَامِهِ
أحسنتَ ذبحَ المشركينَ فأشبهوا / ما يذبحُ الجزَّارُ من أنعامهِ
يا ويلهم إذ يقذفون نبيَّهم / بحجارةٍ تهوِي هُوِيَّ سهامِهِ
كسروا عَوَارضَهُ وشجُّوا وجهَهُ / من كلِّ غاوٍ جَدَّ في إجرامِهِ
يجري الدَّمُ المدرار من مُتهلّلٍ / طلقِ المحيَّا في الوغَى بَسَّامِهِ
لا يعجبِ الكفارُ من مَسفوحِهِ / فلقد جَرَى من قبلُ في إلهامِهِ
ما ظَنُّهم باللَّهِ يُؤثِرُ عَبْدَهُ / بالبالغِ الموفورِ من إنعامهِ
لن يستطيعِ سِوَى الضلالةِ مذهباً / مَن ليس بالمصروفِ عن أصنامِهِ
لم يخذلُوهُ ولم تَفُتْهُ كرامةٌ / هم عند نُصرتِهِ وفي إكرامِهِ
صَبْرُ المشمِّرِ للجهادِ على الأذَى / خُلُقٌ يتمُّ المجدُ عِندَ تمامِهِ
هذا مَقَامُ محمدٍ في قومِهِ / هل لامرئٍ في الدهرِ مِثلُ مَقامِهِ
القادةُ الهادونَ من أتباعِهِ / والسّادةُ البانونَ من خُدَّامهِ
اللَّهُ أرسله طبيباً شافياً / للعالَمِ الوَحشيِّ من أسقامِهِ
الأمرُ بانَ فأين يلتمسُ الهدى / مَن ضلَّ بينَ حَلالِهِ وحرامِهِ
ركبُ النبيِّ إلى المدينةِ عائدٌ / يَمشِي به جبريلُ في أعلامهِ
يتوسّطُ الجرحَى تَسيلُ دماؤُهم / فوقَ الحصَى من خَلفِهِ وأمامِهِ
ويَمُدُّ فوق المؤمناتِ جَناحَهُ / يقضِي لهنَّ الحقَّ من إعظامِهِ
أَدَّيْنَ مَسنونَ الجهادِ وذُقْنَ في / وَهَجِ الجِلادِ الحقِّ حَرَّ ضرامهِ
شَمتَ اليهودُ وأرجفَ النفَرُ الأُلَى / طَبعَ النِّفاقُ قلوبَهم بختامهِ
قالوا أُصيبَ مُحمدٌ في نفسِهِ / ورجالِهِ وأُصيبَ في أحلامِهِ
ما تلك مَنزلةُ النبيِّ فإنما / يُؤتَى النبيُّ النَّصرَ عِندَ صِدَامِهِ
جَلّتْ مَطالبهُ فراحَ يُريدُهُ / مُلكاً يَدومُ جَلالُهُ بدوامهِ
لو أنّ قتلى الحربِ كانوا عندنا / ما هدَّ هالكُهُم ذَوِي أرحامِهِ
هاجوا مِن الفاروقِ غَضْبةَ واثِقٍ / باللَّهِ لا يُصغِي إلى لُوَّامهِ
فدعا أَيُتْرَكُ رأسُ كلِّ مُنافقٍ / في القومِ يُؤذينا بسوءِ كلامِهِ
قال النَّبيُّ وكيف تَقتلُ مُسْلِماً / أفما تخافُ اللَّهَ في إسلامِهِ
صلَّى عليكَ اللَّهُ من مُتحرِّجٍ / جَمِّ الأناةِ يعفُّ عن ظَلَّامِهِ
سمحِ الشَّريعةِ والخلالِ مُسَدَّدٍ / في نَقضِهِ للأمرِ أو إبرامِهِ
جويريةُ احمدي عُقبَى البناءِ
جويريةُ احمدي عُقبَى البناءِ / بَنَى بكِ خيرُ مَن تحت السّماءِ
بلغتِ به ذؤابة كل عالٍ / من الشرف الممنّع والسّناء
وكنتِ لقومك الأدنين يمناً / يريهم يُمن خير الأنبياء
فكم أسرى فككتِ وكم سبايا / رددتِ إلى الخدورِ بلا فداء
محرِّرةَ الرقاب كفاك فضلاً / صنيعك بالرجال وبالنساء
كشفت الضرّ عنهم بعد يأسٍ / وأحييت الرميم من الرجاء
توالى المسلمون على سبيل / من الكرمِ المحبّب والسّخاء
لأجلك آثروا البُقْيا وقالوا / علينا العهدُ عهدُ الأوفياء
أمَنْ وصل النَّبيُّ فكان صهراً / كمنقطعٍ من الأقوامِ ناء
خذوا يا قوم أنفسكم وعودوا / إلى أوطانكم بعد الجلاء
سَمَوْا بنفوسهم وبني أبيهم / إلى دين المروءة والإباء
ورَدَّ اللَّه غُربتَهم وفازوا / بنعمته فنعمَ ذوو العلاء
هو الإسلامُ ما للنفس عنه / إذا ابتغتِ السّلامةَ من غناءِ
نظامُ الأرضِ يدفع كلَّ شرٍّ / وَطِبُّ القومِ ينزع كلّ داء
إذا انصرفت شعوب الأرض عنه / فبشّرْ كلَّ شعبٍ بالشقاء
ما للسُّيوفِ أما تَثوبُ فَتعطِفُ
ما للسُّيوفِ أما تَثوبُ فَتعطِفُ / وَلِمَنْ قُوىً في غيرِ حقٍّ تَزْحَفُ
جَهجاهُ مالك هِجتهَا مذمومةً / هوجاءَ لولا اللَّهُ ظلّتْ تَعصفُ
الخزرجُ انطلقوا لنصرِ حليفهِم / ومضى لنصرتك الكُماةُ الدُّلَّفُ
لَسِنانُ إذ تُؤذيهِ منكَ بضربةٍ / أولى وأخلقُ من تحبُّ وتألفُ
هَفَتِ السُّيوفُ إلى السُّيوفِ وأوشكت / صُمُّ الرماح على الرماحِ تقَصَّفُ
ومشى النبيُّ يقول يا قومُ اسكنوا / أكذاكَ تضطربُ الجبالُ وترجف
تدعون دعوى الجاهليّة جهرةً / فَمن الدُّعاةُ من الهُداةِ الهُتَّف
أوَ لستُمُ النفر الذين بنورهم / يجد السَّبيلَ الحائرُ المتعسّف
رُدّوا السُّيوفَ إلى جماجمِ معشرٍ / فيهم مَرَدٌّ للسُّيوفِ ومصرف
هدأ الرجالُ وراح ظالمُ نفسِهِ / يَهْذي فَيُمْعِنُ أو يظنُّ فيسرف
لجَّ النفاقُ فقائلٌ لا يستحي / ممّا يقولُ وسامعٌ لا يأنف
ما بالُ من جمحت به أهواؤُه / أفما يزالُ على الغَوايةِ يعكف
يُؤذِي رسولَ اللهِ يزعمُ أنّه / في قومِهِ منه أعزُّ وأشرف
ويقول موعدُنا المدينةُ إذ يُرَى / أيُّ الفريقينِ الأذلُّ الأضعف
فَلنُخرجَنَّ مُحمداً منها غَداً / وليعلمنَّ الأمرَ ساعةَ يأزف
سمع ابنُ أرقمَ ما يقول فهاجه / غَضبٌ يضيق به التّقيُّ الأحنف
ومضى يقصّ على النبيِّ حديثَهُ / فيكاد عنه من الكراهةِ يصدف
قال اتّئد فلقد يُغانُ على الفتى / فيزلُّ منه السَّمعُ أو يتحرّف
فمضى على أسفٍ يلوذُ بعمّهِ / فُيلامُ غيرَ مكذَّبٍ ويُعنَّف
قال اقتصد يا عمّ ما أنا بالذي / يُغضي إذا اغتابَ الرسولَ مُجَدِّفُ
ثَقُلَتْ عليَّ من الغبيِّ مقالةٌ / جَلَلٌ تُهَدُّ بها الجبالُ وتُنْسَفُ
واللّهِ لو ألقَى صَواعِقَها أبي / لحملتُها وذهبتُ لا أتخفَّف
رُوِيَ الحديثُ وَغِيظَ من مكروهه / عُمَرٌ فَغِيظَ المشرفيُّ المُرهَفُ
أغرى بقائِلهِ مخوفَ غرارِهِ / ما كان يَعلمُ من أذاه ويعرف
سأل الرسولَ الإذنَ فيه لعلَّه / يَشفيه من دمِه بما يترشَّف
فأبى وقال أليس من أصحابنا / دعه فتلك أشدُّ ما أتخوَّفُ
وأتى ابنُه فدعا أبي أنا خصمه / فدعوه لي إنّي به لَمُكلَّف
مُرْنِي رسولَ اللَّهِ أكْفِكَ أمرَه / فلقد عَهدتُكَ راحماً تتلطّف
إنّي أحِبُّ أبي وأعرف حقَّه / ولأنتَ بي وبه أبرُّ وأرأف
سيفي أحقُّ بهِ فإن يك غيره / عَظُمَ الأسى فيه وهالَ الموقف
إنّي لأخشى أن أرى دَمَ مُؤمنٍ / بيدي لأجلِ أبي يُراقُ وينزف
قال النبيُّ ارفِقْ بشيخكَ وارْعَهُ / إنّ العُقوقَ من البنينَ لَمَتْلَفُ
القاذفُ الجبّارُ زُلزِلَ قلبُه / بالرُّعبِ يُلقَى والمخافةِ تُقذفُ
ضَاقتْ مذاهبُه فأقبل ضارعاً / وأخو الهوانِ الضَّارعُ المستعطف
جَحَدَ الحديثَ وراح يَحلفُ ما جرى / صَدَقَ المُنَبِّئُ وافترى من يحلف
إنّ ابن أرقمَ لم تكن لتخونه / أُذُنٌ تَعِي وتصونُ ما تتلقّفُ
يبقى بها نقشُ الكلامِ كأنّما / نُقِشَتْ على الصّخرِ الأصَمِّ الأحرف
صُوَرٌ إذا وَلِيَ اللِّسَانُ أداءَها / فالزُّورُ من أعدائها والزخرف
ما رُمْتُ وصفاً حَسْبُ زيدٍ أنّه / بفرائِدِ الوحْيِ المنظَّم يُوصف
اللَّهُ أنزله بياناً صادعاً / كبَتَ الألى قلبوا الأمورَ وزيَّفوا
كشفَ الغطاءَ عن النِّفاقِ بسورةٍ / نزلتْ وكان غطاؤُه لا يُكشَف
جُرْمٌ إذا استخفى مَخافةَ ذاكرٍ / نادى الزمانُ به وضَجَّ المصحف
اذهبْ حُيَيُّ مُذمماً مشؤوما
اذهبْ حُيَيُّ مُذمماً مشؤوما / أَحَشَدْتَ إلا جمعَكَ المهزوما
إن تغضبوا لبني النضيرِ فإنّه / خَطبٌ يراه بنو أبيكَ عظيما
القوّةُ انصدعت فكيف بكم إذا / ترك الهداةُ بناءكم مهدوما
سرتم تحكّون الجراحَ ولا أرى / مثل الجراحِ إذا امتلأنَ سُموما
رحِّبْ أبا سُفيانَ إنّ لمثلهم / من مثلك الترحيبَ والتسليما
جمع الهوى بعد التفرُّقِ بينكم / بئس الهوى يُصلِي النفوس جحيما
تُذكي سيوفُ اللَّهِ من أضغانكم / ناراً تُصيب من القلوب هشيما
ضُمُّوا القبائلَ واجمعوا أحزانكم / سترون بأس محمدٍ مضموما
قال ابنُ حربٍ لليهودِ مقالةً / لم تلقَ إلا فاسقاً وأثيما
إن كان حقَّاً ما زعمتم فاعبدوا / ما نحن نَعبدُ وانبذوا التحريما
خَرُّوا لآلهة ابن حربٍ سُجَّداً / لا ينكرونَ صنيعه المذموما
كُفرٌ على كُفرٍ رمُوا بركامه / والكفرُ أقبحُ ما يُرى مركوما
سُئِلُوا عن العلمِ القديمِ فزوَّروا / وأذى المزَوِّرِ أن يكونَ عليما
قالوا شَهِدنا دينُكم خيرٌ لكم / من دينِ صاحِبكم وأصدقُ سيما
خَفَّ الرجالُ إلى البَنيَّةِ إنهم / كانوا أخفَّ من اليهودِ حلوما
عقدوا لهم حِلفاً على أستارها / واللَّهُ يعقد أمره المحتوما
هل ألصقوا الأكبادَ من سفه بها / أم ألصقوا إحَناً بها وكلوما
غطفانُ هُبِّي للكريهةِ واغنمي / من تمرِ خيبرَ حظَّكِ المقسوما
كذب اليهودُ وخاب ظنُّكِ إنهم / لم يبلغوا أن يرزقوا المحروما
لن يُطعموكِ سوى سيوفِ محمدٍ / وستعلمين ذُعافَها المطعوما
ما أكذَبَ الأحزابَ يوم تعاهدوا / أن لا يبالوا الصادقَ المعصوما
جعلوا أبا سفيانَ صاحبَ أمرهم / كن يا ابن حربٍ قائداً وزعيما
كن كيف شِئتَ فلن ترى لك ناصراً / ما دمت للَّهِ العليِّ خصيما
جمعوا الجنودَ وجاء ركبُ خزاعةٍ / يُبدي الخفيَّ ويُظِهرُ المكتوما
حمل الحديثَ إلى الرسولِ فزاده / بأساً وزاد المسلمينَ عزيما
نزلوا على الشورى بأمر نبيّهم / يبغي لأُمَّتهِ السبيلَ قويما
قال انظروا أَنُقِيمُ أم نمضي معاً / نلقى العدوَّ إذا أراد هجوما
فأجابه سلمانُ نحفرُ خندقاً / كصنيعِ فارِسَ في الحروبِ قديما
حملوا المساحِيَ والمكاتِلَ ما بهم / أن يحملوها أنفُساً وجُسوما
هي عندهم للَّهِ أو هم عندها / خُدّامُهُ سبحانه مخدوما
دلفت قرومُ محمدٍ في شأنها / تلقى بِيَثْرِبَ من ذويه قروما
يسعى ويعمل بين عَيْنَي رَبِّهِ / طلقَ الجلالةِ بالهدى موسوما
دَأبَ الإمامُ فما ترى من رَائثٍ / إنّ الإمامَ يُصَرِّفُ المأموما
حَمَلَ التُّرابَ فَظَلَّ يُثقِلُ ظَهرَهُ / ويُقَلقِلُ الأحشاءَ والحيزوما
وإذا رأيتَ خليفتيه رأيتَه / للَّهِ في ثوبيهما ملموما
ومضت بعمَّارٍ وزيدٍ هِمَّةٌ / لم تُبْقِ من هِمَمِ الجهادِ مروما
سلمانُ أحسنتَ الصَّنيعَ ونِلتَهُ / نَسباً مضى فقضى لك التقديما
لمّا تنافَسَ فيك أعلامُ الهدى / حكم النَّبيُّ فأنصف المظلوما
سلمانُ منّا آلَ بيتِ محمدٍ / ولقد نُسبتَ فما نسبتَ زنيما
الدين يجمعُ ليس منّا من يرى / في أهله عَرَباً ويعرفُ روما
والأكرمُ الأتقى تبارك ربُّنا / إنّا نطيعُ كتابه المرقوما
اللَّهُ مولاكم وأنتم شعبُهُ / لا تذكروا شعباً ولا إقليما
سلمانُ دعها كُدْيَةً تُوهِي القُوَى / وتردُّ كلَّ مُحدَّدٍ مثلوما
اضربْ رسولَ اللهِ كم من صخرةٍ / لم تألُها صدعاً ولا تحطيما
من ليس يبلغُ من جبابرةِ القوى / ما أنت بالغه فليس ملوما
بَشِّرْ جُنودَكَ بالفتوحِ ثلاثةً / تدع العزيزَ من العروشِ مَضيما
وصِفِ المدائنَ والقصورَ لمعشرٍ / مَثّلتها صُوراً لهم ورسوما
أبصرتَها في نُورِ ربّك ما رأت / عيناك آفاقاً لها وتخوما
ما زلت تُحدثُ كلَّ أمرٍ مُعجِزٍ / لولا النُّبوَّةُ لم يكن مفهوما
جَهِلَ العجائِبَ مَعشرٌ لم يعرفوا / منهنَّ إلا السِّحرَ والتنويما
للَّهِ أسرارٌ تُرِيكَ جلاله / إن شاء فَضَّ كتابها المختوما
والعلمُ إن ضلَّ السَّبيلَ ولم يلد / ما يُرشِدُ الجهلاءَ كان عقيما
بلوى ذوي الأسقامِ أكثرها أذىً / بَلْوَى أخي عقلٍ تراه سقيما
بلغ الطَّوى بالقومِ غايةَ جُهدهِ / وكأنّما طُعمُوا الصفايا الكوما
جيشٌ يصومُ على الدؤُوبِ ولم يكن / لولا أمانةُ ربِّهِ ليصوما
مِن كلِّ مبتهلٍ يضجُّ مُكبِّراً / في الحربِ يدعو الواحد القيّوما
كانت فتاتُكَ يا ابنَ سعدٍ إذ أتت / غَوْثَاً وخيراً للغُزاةِ عميما
جاءت ببعض التَّمرِ تُطعِمُ والداً / بَرّاً وخالاً في الرجالِ كريما
ألقى عليه اللَّهُ من بركاتِهِ / فكفى برحمتِهِ وكان رحيما
أخذ النبيُّ قَليلَهُ فدعا الطوى / داعي الرحيلِ وما يزالُ مقيما
جمع الجنودَ وقال هذا رزقُكم / فكلوا هنيئاً واشكروه نعيما
فرحوا بنعمةِ ربِّهم وتبدّلوا / حالاً تزيد الكافرين وجوما
هذا الذي صنع الشُّوَيهَةَ قادمٌ / أحببْ بذلك مشهداً وقدوما
حيَّا النبيَّ وقال جِئْتُكَ داعياً / ولقد أراني في الرجالِ عديما
مالي رعاك اللَّهُ غير شُوَيهةٍ / لو زادها ربِّي بذلتُ جسيما
أعددْتُها لك يا محمدُ مطعماً / يَشفيكَ من سَغَبٍ أراه أليما
يكفيك من ألم الطوى وعذابِهِ / حَجَرٌ يظلُّ على الحشا محزوما
سار الرسولُ بجندِهِ ومشى الذي / صَنَعَ الشويهَةَ حائراً مهموما
يا ربِّ صاعٌ واحدٌ وشويهةٌ / دَبِّرْ وداوِ فقد دَعوتُ حكيما
وُضِعَ الطعامُ فَظَلَّ يُشْرِقُ وجهُهُ / بِشْراً وكان من الحياءِ كظيما
وضع النبيُّ يديه فيه فزادهُ / ربٌّ يَزيد رسولَهُ تكريما
تلك الموائدُ لو يُقَالُ لها انظمى / شَمْلَ الشُّعوبِ رأيتَهُ منظوما
كَرَمٌ صميمٌ راح يُورِثُ جابراً / شرفاً يفوت الوارثين صميما
والأشهليّةُ إذ يجيءُ رسولُها / يمشي بِجَفْنَتِها أغَرَّ وسيما
اللَّهُ علّمها مَناقِبَ دينهِ / فشفى الخبالَ وأحسن التعليما
لولا مَرَاشِدُهُ تُقَوِّمُ خَلْقَهُ / لم يعرفوا الإصلاحَ والتقويما
نهض الحماةُ به ولو لم يهتدوا / لم يبرحوا في القاعدين جُثوما
مَضَتِ السُّيُوفُ وولَّتِ الأربَابُ
مَضَتِ السُّيُوفُ وولَّتِ الأربَابُ / فإلى الهزيمةِ أيّها الأحزابُ
لا اللاتُ نافعةٌ ولا أَخَوَاتُها / كلُّ بلاءٌ واقعٌ وعذابُ
في السّفحِ من سَلعٍ قضاءٌ رابضٌ / والويلُ حين يَثُورُ أو يَنسابُ
يَبْغِي الفريسةَ والمنيَّةُ مخلبٌ / وَيَصُولُ والأجلُ المعجَّلُ نابُ
هو يا ابن حربٍ ما عَلِمتَ وجَرَّبوا / الغِيلُ بَسْلٌ واللّيوثُ غِضَابُ
أَشْفَى سليطٌ وابنُ عَوفٍ ضِغنَكم / أم ثَمَّ ضِغْنٌ وَاغِرٌ وضبابُ
لا بُورِكتْ تلك السُّيوفُ فإنّها / لَتُصيبُ من أعدائِها فَتُصابُ
كلُّ الذي نِلتم ونالتْ من دمٍ / عَطَبٌ يُتَاحُ لكم معاً وتَبابُ
زَيدٌ وَسَعدٌ في الفوارسِ فانظُروا / إن كان يَصدقُ نفسَه المُرتابُ
اللَّهُ أكبرُ كلُّ شيءٍ دونه / صَدَقَ الذين دعاهُمُ فأجابوا
ثُوبوا جُموعَ المشركينَ فإنّما / غَرَّتكمُ الأوثانُ والأنصابُ
لا يُعجبنَّ بَني قريظَةَ غَدرُهم / فَمُحَمَّدٌ لِلغادرِينَ عُقابُ
هبَّ ابن أخطب فاستزل بمكره / كعباً وأمر الجاهلين عجاب
يا للصحيفةِ إذ يُمزِّقُها أما / ينهاه عن خطأ الغُواة صَوَابُ
خَطَرَ الفحولُ فأين تذهبُ فِتيةٌ / مُلْدُ السواعِدِ والسُّيوفِ رِطَابُ
قال النبيُّ دعوا القِتَالَ لمعشرٍ / بَلغوا النِّصَابَ فللقتالِ نِصابُ
إن تذهبوا نَاجينَ من غَمَراتِهِ / فَلَكُمْ إليه مَرجِعٌ ومآبُ
لن تُحرَموا في اللَّهِ أجْرَ جهادكم / إذ تَعملونَ ويَعملُ الأصحابُ
عُنُقُ المجاهدِ ليس يُغمَطُ حَقُّه / سِيَّانِ سَيْفٌ قاطِعٌ وتُرابُ
الخَندقُ الهيجا حملتم عِبْئَها / والأمرُ جِدٌّ والخطوبُ صِعابُ
هَاتِيكَ خيلُ ابنِ الوليدِ وَصَحْبِهِ / تدنو فَتطمعُ تارةً وتَهابُ
بابٌ من الهيجاءِ لم تَرَ مِثلَهُ / فيما تُسَدُّ وتُفتحُ الأبوابُ
ذُعِرَ الفوارسُ في مُتونِ جيادِهم / لمَّا تردَّى الفارسُ الوثّابُ
نظروا فكان لهم بمصرعِ نوفلٍ / خَطبٌ تطيشُ لهولِهِ الألبابُ
الجوُّ مُستعِرٌ يَشُبُّ أُوارُهُ / وَيَعُبُّ فيه من اللَهِيبِ عُبابُ
جَرَتِ النِّبالُ بِهِ يُذيبُ وَطيسُها / بأسَ الأُلى لولا الرجاءُ لذابوا
ماذا لهم بعد الغُرورِ وما لَقُوا / في الحربِ إن كذبَ الرجاءُ وخابوا
دَفَعُوا الجيادَ وصاح عمروٌ صَيحةً / هَاجَ الهزبرُ لها ومَاجَ الغابُ
شيخٌ قَضَى في الغالِبينَ لنفسهِ / فَقَضى عليه الأشوسُ الغلابُ
يا عمرو خُذها من عليٍّ ضربةً / هِيَ إن سألتَ عن الجحيمِ جوابُ
حِبَّان لا سَلِمَتْ يَدَاكَ ولا سَقَى / أحياءَ قومكَ ما حَييتَ سَحابُ
أرسلتَهُ سهماً تَضجُّ لِهَوْلِهِ / أُمَمُ الكتابِ وتَفزعُ الأحقابُ
مَن ذا رَميتَ رَماكَ ربُّكَ بالتي / تَنهدُّ مِن صَدَمَاتِهَا الأصلابُ
أخزيتَ أُمَّكَ لا تُحَدِّثْ بَعدَها / عن طِيبِ أُمِّكَ ها هنا الأطيابُ
دَمُ مَن جَرحتَ وإِنْ جَهِلتَ مَكَانَهُ / في القومِ مِسكٌ ساطِعٌ ومَلابُ
سَعدُ العشيرةِ والكتيبةُ حوله / أُسْدُ العرينِ تَزِيْنُها الأحسابُ
الفارسُ المرجوُّ يَقْدِمُ قومَهُ / عِندَ الوغَى والسَّيِّدُ المنتابُ
إن جدَّ جِدُّ الضربِ فهو مُهَنَّدٌ / أو جَنَّ ليلُ الخطبِ فهو شِهابُ
أغرى عُيينةَ وَابْنَ عَوفٍ مَطمعٌ / يَعْيَا بأَيْسَرِ أمرِهِ الطُّلابُ
تَرَكا أبا سُفيانَ في غَفَلاَتِهِ / وكأنّما يُلقَى عليه حِجابُ
لم يُبصرِ الذئبينِ حين تَسلّلا / ومن الرجالِ ثعالبٌ وذئابُ
قالا رَضينا السّلمَ يُشبعُ قَومَنا / تمراً ورَاضِي السّلمِ ليس يُعابُ
تَمْرٌ المدينةِ إن أصبنا نِصفَهُ / فلكم علينا ذِمَّةٌ وكتابُ
نَدَعُ القتالَ وإن أبَى حُلفَاؤُنا / فَاشْتَدَّ لَوْمٌ واستحرَّ عِتابُ
لهمُ الكَرِيهةُ يُطعَمونَ سُمُومَها / ولنا طعامٌ سائِغٌ وشَرابُ
هَاجَا من السَّعْدَيْنِ سَوْرَةَ غضبةٍ / هِيَ للضراغِمِ شِيمَةٌ أوْ دابُ
أَبَيَا اصطناعَ الرأي في وَهَجِ الوَغَى / لم تصطنعه قواضبٌ وحراب
وتنازعا نظراً يهول ومنطقاً / يُوهِي القُلُوبَ الصُّمَّ وَهْيَ صِلابُ
مَنْ هُمْ أيجملُ أن يقالَ تَحكَّموا / فينا ونحن السَّادَةُ الأقطابُ
نَحمِي مَدِينَتَنَا ونَمنعُ نخلَها / مِن أن يَحُومَ على جَنَاهُ ذُبَابُ
قال النَّبيُّ بَدَا المُغيَّبُ فارجعا / ولكلِّ نفسٍ مَوعِدٌ وحِسابُ
النّصرُ عِندَ اللَّهِ يَجعلُهُ لنا / إن شاءَ وهو المُنعمُ الوهّابُ
صبراً على حَرِّ القتالِ فإنه / خَطبٌ يَزولُ وَغَمرةٌ تَنجابُ
شَغَلَ القتالُ عن الصلاةِ وإنّها / سَكَنٌ لنا من ربِّنا وثوابُ
قُمْ يا بِلالُ مُؤَذِّناً لِنُقِيمَها / سَكَنَ القِتالُ وزالتِ الأسبابُ
رَبِّ ارْمِهِمْ بالنَّارِ مِلءَ بُيوتهم / وقُبورِهم فلو اتَّقوكَ لتابوا
وببأسك انْصُرْنا وزَلْزِلْ جَمْعَهم / تَزُلِ الهمومُ وتَذهبِ الأوصابُ
أقبلْ نُعَيْمُ هَداك ربُّكَ ساريا
أقبلْ نُعَيْمُ هَداك ربُّكَ ساريا / وكفى بربّك ذي الجلالةِ هاديا
جِئتَ النبيَّ فقلتَ إنّي مُسلمٌ / من أشْجَعٍ لم يَدْرِ قومي ما بيا
مُرْني بما أحببتَ في القومِ الأُلَى / كَرِهوا الرشادَ أكن لأمرِكَ واعيا
قال ارمهم بالرأيِ يَصدعُ بأسَهم / عنّا ويتركُه ضعيفاً واهيا
عُدْ يا ابنَ مسعودٍ إليهم راشداً / وَاصْنَعْ صَنيعَكَ آمراً أو ناهيا
قال استعنتُ بمن هَداكَ بِنُورِه / ومَحا بِملّتِكَ الظلامَ الداجيا
ومضى فهزَّ بَني قَريظَة هِزّةً / يَغتالُ رَاجفُها الأشمَّ الراسيا
قال اتبعوا يا قومُ رأيَ نَدِيمكم / إنّي مَحضتُكمُ الودادَ الصافيا
أفما رأيتم ما أصابَ مُحمّدٌ / مِن قومِكم لمّا أطاعوا الغاويا
جَهلوا فعاجلهم ببأسٍ عاصفٍ / لم يُبقِ منهم في الجزيرة ثاويا
فَدَعُوا قُريشاً لا تظنّوا أمرَها / من أمركم أمَماً ولا مُتدانِيا
إنّ البلادَ بلادُكم فإذا انثنت / ومَضى البلاءُ فلن تُصيبوا واقيا
إن تأخذَوا سَبعين من أبطالهم / رَهناً يَكُنْ حَزماً ورأياً شافيا
وأتى قريشاً في مَخِيلَةِ ناصحٍ / يُبدِي الهَوى ويُذيعُ سِرّاً خافيا
يا قومُ إنّ بني قُريظةَ أحدثوا / أمراً طَفقتُ له أعضُّ بنانيا
قال المنبِّئُ إنّهم نَدموا على / ما كان مِنهم إذ أجابوا الداعيا
بعثوا فقالوا يا محمدُ ما ترى / إن نحن أحْسَنّا أتُصبحُ راضيا
نُعطِي سُيوفَك من قريشٍ ثُلَّةً / ونَسوقُ من غَطفانَ جَمعاً رابيا
من هؤلاءِ وهؤلاءِ نَعدُّهم / سَبعينَ تقتلُهم جزَاءً وافيا
وتردُّ إخوتَنا إلى أوطانهم / بعد الجلاءِ وكان حُكمُكَ ماضيا
كانوا على حَدَثِ الزّمانِ جَناحَنا / فتركتَ ناهِضَهُ كسيراً داميا
ومَشَى إلى غَطفان يُنبئُهم بما / سَمعتْ قريشٌ أو يَزيدُ مُحابيا
أهلي مَنحتُ نَصيحَتي وعَشِيرَتِي / نَبَّهْتُ أخشى أن يَجلَّ مُصابيا
هَفَتِ المخاوفُ بالنّفوسِ فزُلزِلتْ / ومَضتْ بها هُوجُ الظّنونِ سَوافيا
لم يُبقِ منها الأشجعيُّ بمكرِهِ / ودهَائِهِ غيرَ الهواجِسِ باقيا
جَلَس ابنُ حربٍ في سَرَاةِ رجالهِ / هَمّاً يُطالِعُهم وخطباً جاثيا
والرّهطُ من غَطفان يَنظُر واجماً / حِيناً ويهدرُ عاتِباً أو لاحِيا
لبثوا يُديرُ الرأيَ كلُّ مُجرِّبٍ / منهم فيا لكِ حَيْرَةً هِيَ ماهيا
بعثوا فقالوا لليهودِ تأهَّبوا / للحربِ نَطوِي شرَّها المتماديا
لم يَبْقَ من خُفٍّ ولا من حافرٍ / إلا سيُصبحُ هالكاً أو فانيا
طال المقامُ ولا مُقامَ لمعشرٍ / نزلوا من الأرضِ البعيدَ النائيا
أمستْ منازلُهم بأرضِ عَدُوِّهمِ / والموتُ يَخْطِرُ رَائحاً أو غاديا
قالوا أيومَ السَّبْتِ نبرزُ للوغَى / ولَقَدْ عَلِمْنا ما أصابَ الباغيا
لسنا نُقاتِلُ أو تُؤدُّوا رَهْنَكم / إنّا نرى الدّاءَ المُكتَّمَ باديا
سَبْعِينَ إن خُنتم قَضينا أمرَنا / فيهم ولن يَجدوا هُنالِكَ فاديا
غَضِبَ ابنُ حربٍ ثم قال لقومه / صَدَقَ ابنُ مسعودٍ وخابَ رجائيا
غَدَرَ اليهودُ وتلك من عاداتِهم / يا قومِ ما للغادِرينَ وماليا
ما كنتُ أَحْسَبُ والخطوبُ كثيرةٌ / أنَّ الأحبَّةَ يُصبحونَ أعاديا
هذا بِناءُ القومِ مَالَ عَمودُه / فَوهَى وأصبحَ رُكنهُ مُتداعيا
هَدَمَ الإمامُ العبقريُّ أساسَهُ / وَسما بدينِ العبقريَّةِ بانيا
شَيخُ السِّياسةِ ليس يَبعثُ غارةً / أو يبعثَ الرأيَ المظفَّرَ غازيا
الله عَلَّمَهُ فليس كَفَنِّهِ / فَنٌّ وإن بَهَر العقولَ معانيا
اللَّهُ أرسلهُ عليهم عاصفاً / مُتمرِّداً يَدَعُ الجِبالَ نوازيا
شَرِسَ القُوى عَجْلانَ أهوجَ يرتمِي / يُزجي الغوائلَ مُستبِدّاً عاتيا
ما لامرئٍ عَهدٌ يُظنُّ بمثلِهِ / من بعدِ عادٍ رائياً أو راويا
قلب المنازِلَ والبيوتَ فلم يَدَعْ / إلا مَصائِبَ مُثَّلاً ودواهيا
ألقَى على القومِ العذابَ فما يُرَى / مُتزحزِحاً عنهم ولا مُتجافيا
الأرضُ واسعةُ الجوانبِ حولهم / ما مسَّ منها عامراً أو خاليا
نزلتْ جُنودُ اللَّهِ رُعباً بالغاً / ملأَ القُلوبَ فما بَرِحْنَ هوافيا
وأتى حُذيفة في مَدارِع غَيْهَبٍ / ألْقَى على الدنيا حِجاباً ضافيا
يَتَلمَّسُ الأخبارَ ماذا عِندهم / أأفاقَ غاويهم فَيُصبِحُ صاحيا
جاء الرجالَ يَدُسُّ فيهم نَفْسَهُ / والحتفُ يَرْقُبُه مخوفاً عاديا
بِيَدَي معاويةٍ وعمروٍ أمسكت / كلتا يَدَيْهٍ مُوارباً ومُداجِيا
لولا الرسولُ ودَعوةٌ منه مضت / لَقِيَ الأسِنَّةَ والسُّيوفَ مواضيا
بَلَغَ البلاءُ بهم مَداهُ فلم يَجِدْ / منهم سِوَى شاكٍ يُطارِحُ شاكيا
يدعو أبو سُفيانَ يا قومِ انظروا / إنّا وجدنا الأمرَ صَعْباً قاسيا
فِيمَ المقامُ كفى التعلُّلُ بالمنى / هُبّوا فإنّي قد مَللتُ مُقاميا
حَسْبي على ألمِ الرحيلِ وحَسْبُكم / أن يرجعَ الجيشُ العرمرمُ ناجيا
ثم اعتلى ظَهْرَ البعيرِ وقال سِرْ / لا كانَ ذا الوادي المُروِّعُ واديا
فاهتاجَ عكرمةٌ وقال أهكذا / يَهِنُ الزعيمُ ألا تُقيم لياليا
إنزلْ وَسِرْ في القومِ سِيرةَ ماجدٍ / لا تُشْمِتَنَّ بك العدوَّ ولا بيا
نزل الزعيمُ يَجرُّ حبلَ بَعيرهِ / ويقولُ سِيروا مُسرِعينَ ورائيا
ساروا وقال ابنُ الوليدِ أمالنا / يا عمروُ أن نَلقى اللُّيوثَ ضواريا
إن كنتَ صاحبَ نجدةٍ فأقِمْ معي / وَلْيَبْقَ مَن رُزقوا النُّفوسَ أوابيا
أبيا الرحيلَ حَمِيَّةٌ فَتخلَّفا / وأباهُ قومٌ يتّقونَ الزاريا
ثم استبدَّ بهم قضاءٌ غالبٌ / فمضوا وأدبرَ جمعُهُم مُتراميا
ومضى حُذيفةُ بالبَشارةِ يبتغِي / عِندَ النبيِّ بها المحلَّ العاليا
وافاه في حَرَمِ الصَّلاةِ وقُدْسِها / والنُّورُ نورُ اللَّهِ يَسْطَعُ زاهيا
حتى قضاها سَمحةً مقبولةً / مُتهجّداً يتلو الكتابَ مُناجيا
رَكَعاتُ ميمونِ النَّقيبَةِ مُشرِقٍ / تَرِدُ السَّماءَ أهِلّةً ودراريا
سَمِعَ الحديثَ فراحَ يَحمدُ رَبَّه / فَرحاً ويشكُر فَضلَه المتواليا
إن يجمعِ القومُ الجنودَ فإنّما / جمعوا مَزاعِمَ تُفتَرى ودعاويا
جمعوا لأغوالٍ يَطولُ غليلُها / ممّا تَحاماها المنونُ تحاميا
من كُلِّ مُقتحِمٍ سَواء عنده / وَرَد المنيَّة شارباً أو ساقيا
سِرْ في عبيدِكَ يا ابنَ حربٍ إنّما / لاقيتَ منهم سادةً ومَواليا
لن تبلغَ النَّصرَ المرومَ ولن ترى / إلا ظُبىً مهزومةً وعواليا
ذهبت لِطيَّتها الكتائبُ خُيَّباً / وذهبتَ تبعثُ بالكتابِ مُناويا
بئسَ الكتابُ عَوَيْتَ فيه ولن ترى / ضِرغامَة الوادي يخاف العاويا
ورفعتَ للأصنامِ فيه لواءها / وهيَ التي تركتْ لِواءكَ هاويا
أتعِيبُها أن لم تكن عربيَّةً / أفما رأيتَ جَمالَها المتناهيا
أنكرتَ حُسْنَ الفارسيَّةِ غَيْرَةً / وحَسَدْتَها فجعلت نفسَكَ واشيا
زِدْهَا من الوصفِ البديعِ وغنِّنا / للَّهِ دَرُّكَ يا ابنَ حربٍ شاديا
ماذا أصابك من كتابِ مُحمدٍ / لا تُخْفِ ما بك إن أردت مُواسيا
أفما صعقتَ له وبِتَّ بليلةٍ / تَسْرِي أراقمُها فَتُعِيي الراقيا
انهض أبا سُفيانَ نهضةَ مُهتَدٍ / أفما تزالُ القاعِدَ المُتوانيا
هدأ المخيَّمُ واطمأنَّ المضجعُ
هدأ المخيَّمُ واطمأنَّ المضجعُ / وأبى الهدوءَ الصَّارِخُ المتوجِّعُ
الحقُّ جَنْبٌ بالجراحةِ مُثْخَنٌ / وَحُشَاشَةٌ تهفو وقلبٌ يَفزَعُ
يا سعدُ خطبُكَ عند كلِّ مُوَحِّدٍ / خَطبٌ يجيءُ بهِ الزَّمانُ ويرجِعُ
السَّهمُ حيثُ تَراهُ لا آلامُهُ / تُرجَى عَوَاقِبُها ولا هُو يُنزَعُ
ما أنتَ حَيْثُ يكونُ سَيِّدُ قومِهِ / أين الولائدُ والفِناءُ الأوسعُ
لكَ من رُفَيْدَةَ خَيْمَةٌ في مَسْجِدٍ / للمعشرِ الجَفَلَى تُقَامُ وترفَعُ
بل تلك منزلةُ الصَّفِيِّ بَلَغتَها / فَوَفَى الرجاءُ وصَحَّ مِنكَ المَطمعُ
حَدِبَ الرسولُ عليكَ يَكرهُ أن يَرى / مَثواكَ مطَّرَحَ الجِوارِ ويَجزعُ
جارَ الرسولِ وما بُليتَ بحاسدٍ / الخيرُ والرضوانُ عِندَكَ أجمعُ
قال اجعلوا البطلَ المنوَّهَ باسمِهِ / منِّي على كَثَبٍ أراهُ وأسمعُ
وَأَعُودُهُ ما شئتُ أَقضِي حَقَّهُ / وأرى قَضَاءَ اللَّهِ ماذا يَصنعُ
حَسْبُ المجاهدِ أن يكونَ بمسجدي / فَلَذَلكَ الحَرَمُ الأعزُّ الأمنعُ
اللَّهُ خَصْمُكَ يا ابن قيسٍ إنّه / سَهْمٌ أُصيبَ به التَقِّيُّ الأروَعُ
لا أخطأتكَ من الجحيمِ وَحرِّها / مشبوبةٌ فيها تُدَعُّ وتُدفَعُ
لِمَنِ الدمُ الجاري يَظَلُّ هَدِيرُهُ / مِلءَ المسامعِ دائباً ما يُقلِعُ
أفما تَرَوْنَ بَني غِفَارٍ أنَّه / من عندِ خيمتكم يفيضُ ويَنْبُعُ
ماذا بِسَعْدٍ يا رُفَيْدَةُ خَبِّري / إنّ القلوبَ من الجنُوبِ تَطَلَّعُ
يا حَسْرَتَا هو جُرْحُه يجرِي دَماً / بعد الشِّفَاءِ ونَفسُهُ تَتَمزَّعُ
حَضرتْ منيّتُهُ وحُمَّ قَضَاؤُه / ولكلِّ نَفسٍ يَومُها والمصرعُ
ضَجَّ النُّعاةُ فهزَّ يثربَ وَجدُها / وهفا بِمَكَّةَ شَجُوها المتنوِّعُ
رُكنٌ من الإسلامِ زَالَ وما انتهى / بانيهِ ذَلكمُ المُهمُّ المُفظِعُ
خَطبٌ أصابَ المسلمينَ فذاهلٌ / ما يَستفيقُ وجازعٌ يَتَفَجَّعُ
صَبراً رسولَ اللهِ إن تكُ شِدَّةٌ / نَزَلَتْ فإِنَّكَ لَلأشَدُّ الأَضلَعُ
أنت المعلِّمُ لا شريعةَ للهُدى / إلا تُسَنُّ على يَدَيْكَ وتُشْرَعُ
تَمضي على المُثْلَى وكلٌّ يَقتَفِي / وَتَجِيءُ بالفُضلَى وكُلٌّ يَتْبَعُ
أقِمِ الصَّلاَةَ على الشَّهيدِ وسِرْ بِهِ / في ظِلِّ رَبِّكَ والملائكُ خُشَّعُ
يمشونَ حولَ سريره عَدَدَ الحصى / فالأرضُ ما فيها لِرِجلكَ مَوْضِعُ
تمشي بأطرافِ الأصابِعِ تَتَّقِي / ولقد تكون وما تُوقَّى الإصبعُ
العرشُ مُهتزُّ الجوانبِ يَحتَفِي / واللَّهُ يضحِكُ والسَّماءُ تُرجِّعُ
يا ناهضاً بالدينِ يَحملُ عِبْأَهُ / والبأسُ يعثرُ والسَّوابِقُ تَظْلَعُ
اهنأ بها حُلَلاً حملت حِسانَها / نُوراً على نُورٍ يُضيءُ وَيَسْطَعُ
هذا مكانُكَ لا العطاءُ مُقَتَّرٌ / عِندَ الإلهِ ولا الجزاءُ مُضَيَّعُ
لك يومَ بدرٍ عند ربّكَ مَشهدٌ / هُوَ للهُدَى والحقِّ عُرسٌ مُمتِعُ
نُصِرَ النبيُّ به على أعدائِهِ / والجوُّ يُظْلِمُ والمنايا تَلمعُ
كانت مقالةَ مُؤمنٍ صَدَعَتْ قُوَىً / زعمتْ قُريشٌ أنّها لا تُصدَعُ
بعثَتْ من الأنصارِ كلَّ مُدرَّبٍ / يَقِظَ المضارِبِ والقواضِبُ هُجَّعُ
يا سعدُ ما نَسِيَ العريشَ مُقيمُه / يحمي غِياثَ العالمين ويمنعُ
لمّا تَوالَى الزَّحفُ جِئتَ تَحُوطُهُ / وتَرُدُّ عنه المشركِينَ وتَردعُ
في عُصبةٍ ممّن يَليكَ دَعَوْتَهَا / فالبأسُ يَدلفُ والحميَّةُ تُسرِعُ
قمتم صفوفاً كالهضابِ يشدُّها / راسٍ على الأهوالِ ما يتزعزعُ
ولقد رَميتَ بني قريظةَ بالتي / سَمِعَ المجيبُ فهالكٌ ومُروَّعُ
أحببْ بها من دعوةٍ لك لم تَمُتْ / حتى أصابك خَيَرُها المتوقَّعُ
نقعَ الإلهُ غَليلَ صَدرِك إنّه / يَشفِي صدور المؤمنين وينقعُ
إن شيعوك فلم تجدني بينهم / فالخطبُ خطبي والبيانُ مُشيِّعُ
الدهرُ معمورٌ بذكرِكَ آهلٌ / ما في جوانبِهِ مكانٌ بلقعُ
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ / لو يَستطيعُ أتاكَ لا يتلوَّمُ
البيتُ أنتَ به أحق وإن أبَى / من أهلِ مَكةَ جاهلٌ لا يعلمُ
ما أصدقَ الرُؤيا وأقربَ حِينَها / فاصبِرْ على ثقةٍ وربُّكَ أكرم
إن يَخْلُ منها اليومُ فالغدُ بعده / بالخيرِ والرضوانِ منها مُفعَمُ
سِرْ يا رسولَ اللَّهِ جُندُكَ باسلٌ / وقُواكَ مُحْصَدَةٌ ورَأْيُكَ مُحكم
آثرتَ رَبَّكَ وحده لا تَشتكِي / فيهِ من الأهوالِ ما تَتجشم
وَمضيتَ مُعتمِراً بِصحبِكَ مُحرماً / والهَدْيُ حالٍ بالقلائدِ مُعْلَمُ
والمؤمناتُ الصَّالحاتُ كأَنَّما / فيهن سَارَةُ والرضيَّةُ مَريَم
من كلِّ أُمٍّ بَرَّةٍ لم يُلهِهَا / بَعْلٌ ولم يَغْلِبْ نوازعها ابْنَمُ
يا طِيْبَ ما لَبَّيتَ رَبَّكَ إنّه / لَلحقُّ يُزلِفُهُ فُؤادُكَ والفم
أين الشَّريكُ لمن تَصرَّفَ وحده / في مُلكِهِ أَمَّنْ سِواهُ المُنعِم
لَبَّيْكَ رَبِّي إن قَضيتَ لنا الهدى / فَكِتابُكَ الهادي وأنتَ المُلْهِم
تلكم قُريشٌ أقبلتْ في غَضبةٍ / مَشبوبةٍ وحميَّةٍ تَتضرّم
قالت أيدخلُها علينا عَنْوَةً / السَّيفُ أولَى أن يُحكَّمَ والدَّم
وَرَوى ابنُ سُفيانَ الحديثَ فلو دَرى / لُغةَ السُّيوفِ لَخَالها تَتَكلّم
أَصغتْ إليه فلم يَقِرَّ بغمدِه / منها على طولِ التحلّمِ مِخْذَم
يَجِدُ التقاةُ المحرمونَ ولا كما / يَجِدُ التقيُّ من السُّيوفِ المُحْرِمُ
أبدتْ تَباريحَ الهُمُومِ شديدةً / وأَشدُّ منها ما تُجِنُّ وتَكْتُمُ
وَدَّتْ لَو اَنَّ اللَّهَ قالَ لها اضرِبي / فَمضتْ تُظلِّلها النسورُ الحُوَّمُ
قال النبيُّ أَنَتَّقيها خُطَّةً / هي ما علمتم أم نَجِدُّ وَنُقدِمُ
فأجابه الصِّدِّيقُ بل نمضي إلى / ما كنتَ تنوِي بالخروجِ وتعزم
وَرَمَى بها المقدادُ خُطبةَ مُؤمنٍ / يَرمي الخطوبَ بنفسِهِ لا يُحجِم
ومضوا يرون المشركين بذي طوى / والخيلُ شتَّى والخميسُ عَرَمْرم
أَبِلالُ أَذِّنْ للصّلاةِ فإنّها / أسنى وأشرفُ ما يُحبُّ المسلم
نَهَضَ النبيُّ يُقيمها في صحبهِ / للَّهِ تُبْدأُ بالخشوعِ وَتُختَم
وأعدَّ طائفةً تقومُ فتتَّقي / كيدَ العدوِّ إذا يَكرُّ ويهجم
حتى إذا سَجَدَ الرفاقُ تخلَّفوا / عنهم فَضُوعِفَ أجرُهم والمغنم
جيشُ الهدى واليُمنِ عند جلالِهِ / بِيَمينِ قائدِهِ يُصَفُّ وَيُنظَمُ
جَعَلَ ابنَ بِشرٍ في الجهادِ لخالدٍ / يَلقاهُ إن جَمعَ الفوارسَ مَأزِمُ
سلكوا الطريقَ الوعرَ يَسطعُ نُوره / وأضلَّ غيرَهم الطريقُ المُظلِمُ
يمضي الدليلُ بهم ويذهبُ مُوقِناً / ثَبْتاً فما يرتابُ أو يتوهّم
بُوركتَ ناجِيةَ بن جندبَ من فتىً / جَلْدٍ على الضراءِ لا يتبرّم
وَجَب الثناءُ لأسلميٍّ ماجدٍ / شَرفتْ به نَسباً وعزّتْ أَسلَمُ
تلك الحُدَيبِيةُ المحبَّبُ ذِكْرُها / للحقِّ فيها منزلٌ وَمُخيَّم
نَزَلَ الهداةُ بأرضِها فكأنَّما / طلعت لأهل الأرضِ فيها الأنجمُ
يا مَبركَ القُصوَى أتلك رسالةٌ / جاءتكَ أم هي من كَلالٍ ترْزمُ
أَبتِ المُضِيَّ ولم يكن ليعوقها / لو شاءَ ربُّكَ مَبركٌ أو مجثَمُ
لو شاءَ أرسلَها فزلزلَ مكّةً / خَطبٌ يَضِجُّ له الحطيمُ وزمزم
أبديلُ أقبِلْ في رِجالِكَ والتمسْ / عِلم اليقينِ لمن يَظنُّ وَيَزعُم
قال النبيُّ أتيتُ غير مُحاربٍ / وانظرْ فإنّ الحربَ لا تتَلثم
الهَدْيُ حولك والسُّيوفُ كما ترى / مَقروبةٌ وكأنّما هِيَ نُوَّم
ما جئتُ إلا لِلْبَنِيَّةِ زائراً / أَقضِي لربِّي حقَّها وأُعَظّمُ
ارجَعْ إلى القومِ الغضابِ وقل لهم / ردُّوا النّفوسَ إلى التي هي أقوم
إن تمنعوا البيتَ العتيقَ يَكُنْ لكم / يَومٌ من الحِدثانِ أَربدُ أقتم
البيتُ بيتُ اللَّهِ جلَّ جَلالُه / ولَنحنُ أولى بالمناسكِ مِنهمُ
نَصَحَ ابنُ ورقاءَ الرجالَ فيا له / من ذي مُناصَحةٍ يُسَبُّ وَيُشتم
قالوا أَنذعِنُ صاغِرينَ وأقسموا / أن ينبذوا المثلى فبئس المَقْسم
وتتابعتْ رُسُلٌ فمنهم غادِرٌ / يَبغي الفسادَ وحَاذِرٌ يتأثّم
ومُقَسَّمُ الأخلاقِ يُحسِنُ مَرّةً / وَيُسِيءُ أخرى في الحوارِ فَيعرم
أهوى عَلى يدهِ المغيرةُ ضارباً / لولا الأَناةُ لطار منه المِعْصَمُ
ما انفكَّ يضربُه بِمقبضِ سَيْفِهِ / والسَّيفُ يُغضِي والمنيّةُ تَحلم
أسرفتَ عُروَةُ فاقتصِدْ واقبضْ يَداً / رِيعَ السِّماكُ لها وَغِيظَ المرزمُ
كيف ارتقيتَ إلى محلٍّ ماله / راقٍ ولو أنّ الكواكبَ سُلّم
أبِلحْيَةِ المختارِ تُمسك إنّها / لَتُصانُ في حَرَمِ الجلالِ وَتُعصَم
أحسنتَ قولَكَ في الذين ذَممتَهم / وأَبَى الذين طَغَوْا فأنتَ مُذمَّم
عَابوكَ إذ قُلتَ الصَّوابَ جَهالةً / أَيُعابُ مَن يأبى النِّفاقَ ويُوصَمُ
صَدَقَ الحُلَيْسُ فأوجعوه ملامةً / والقومُ لِليَقِظِ المُسَدَّدِ لُوَّم
بَعثَ الهُداةُ الهَدْيَ ثُمَّتَ أقبلوا / يلقونه فعناه هَمٌّ مؤلم
جاءوه شُعْثاً يرفعون لربّهم / صوتاً يُردِّدُه الأصمُّ الأبكم
فَهَفَتْ جَوانِحُه وقال على أسىً / سُبحانَ ربِّي ما لنا نَتجرَّم
سُبحانه أنصدُّهم عن بيتِهِ / إنّا إذاً قومٌ نَجورُ ونظلم
مولى الأحابيشِ الذينَ تألّهوا / لا يتبعون سبيلَ أقوامٍ عَمُوا
نبذتْ قريشٌ رأيَهُ واستكبرتْ / والغَيُّ أنكدُ ما علمتُ وأشأمُ
اذهب خراشُ إلى قريشٍ ناصحاً / فلعلّها تبغي الصَّوابَ فتفهم
عقروا بَعيرَكَ ناقِمِيْنَ وأوشكوا / أن يقتلوك فليتهم لم يَنقِموا
لولا الأحابيشُ استُحِلَّ بظلمهم / منه دَمٌ ما يُستحَلُّ مُحرَّم
ذَهَبَ ابنُ عفّانٍ إليهم يَبتغِي / أن يؤثروا الرأيَ الذي هو أحزم
فأبوا وقالوا لا فكاكَ لكم وما / نحن الألى نأبى الهوانَ فَنُرْغَمُ
هُمْ أمسكوه ثلاثةً في صحبه / ورموا بها مَلمومةً تتقحَّم
أفلا رَعَوْا رُسُلَ النبيِّ وَصِهْرَهُ / إن العقولَ على المراسِ لتعقم
دَبَّ ابنُ حصنٍ في الظلامِ فراعه / يقظانُ مثل الصلِّ ليس يُهوِّم
حمل ابنُ مُسلمةٍ فغادرَ صحبَه / ومضَى فلا رَجَعَ الجبانُ الأيهم
جاؤوا المعسكرَ أربعينَ يقودُهم / أَسْرَى عليهم للمذلّةِ ميسَمُ
وأتى الرّماةُ فجال في أحشائهم / سَهمٌ تظلُّ به السهامُ تُحطَّم
مَنعَ الأسَى وشَفى كُلومَ قتيلهِم / شكوى قلوبٍ من قريشٍ تُكْلَم
أشقَى الأَذى والغَدرُ جَدَّ رجالِهم / وَجَرَى لهم بالأسرِ طَيْرٌ أسحم
سقطوا فحسبُ القومِ ما يجدونه / وكفى شهيدَ الحقِّ ما يَتَسنَّمُ
بَعَثَتْ قُريشٌ أطلِقوا أصحابنَا / وخذوا الرهائنَ والأُسارَى مِنكمُ
صُدموا بقارعةٍ تَفاقَم صَدعُها / لولا سفاهةُ رأيهم لم يُصدَموا
لولا الضّراعةُ من سُهَيْلٍ هَدَّهُمْ / بأسٌ تُهَدُّ به الجنودُ وَتُهدَمُ
بئس المآبُ لعصبةٍ تأبى الهُدَى / بِيضاً مَعالمُه ونعمَ المقدم
يا تاركَ الطغيانِ يَعبسُ جَدُّه / أقبلْ فَجدُّكَ مُقْبِلٌ يتبسَّم
من حقِّ ذي النُّوريْنِ أن يَدَعَ الدُّجَى / خَزْيانَ يُلْطَمُ وَجهُه المُتجهِّمُ
أإليكَ مَدَّ ذوو العَمَى أظفارَهم / فانظرْ إلى الأظفارِ كيف تُقلَّم
هي بَيْعَةُ الرضوانِ لم تتركْ لهم / ليلاً يُنامُ ولا صَبَاحاً ينعمُ
سُهْدٌ يَشُقُّ على العُيونِ مُبرّحٌ / وأسىً يعَضُّ على القلوبِ مُسمَّم
فكأنما في كلِّ عينٍ مِبرَدٌ / وكأنّما في كلِّ قلبٍ أَرقَم
المسلمون يُبايعونَ نبيَّهم / يَستمسكونَ بعُروةٍ ما تُفصَم
لا يحسبون دمَ المُجَاهدِ مَغرماً / هو عندهم إنْ لم يُرِقْهُ المغرم
إن ضمَّهم عند الشَهادةِ مَورِدٌ / لَذَّ المذاقُ لهم وطابَ المطعم
اللَّهُ مولاهم ونصرُ رسولِهِ / حَقٌّ عليهم في الكتابِ مُحتَّم
نهضوا خَفافاً لو رأيتَ جُموعَهم / لَعَلِمتَ أيَّ النّاسِ إيماناً هُمُ
ما مِنهمُ إلا على يَدِهِ يَدٌ / للَّهِ ينظرُ نورها المتوسّم
لُثِمَتْ بإيمانِ القلوبِ وإنّها / لَتُرَى على مَرِّ الزَّمانِ فتُلثَم
نعم العطاءُ لمعشرٍ ما بينهم / نَكِدٌ يُرَدُّ ولا شَقِيٌّ يُحرمُ
ما جلَّ مُدَّخرٌ فَخِيمٌ شأنُهُ / إلا الذي ادَّخروا أَجَلُّ وأفخم
هذا سُهَيْلٌ جاءَ يحملُ سُؤْلَهم / وَيَعيبُ ما صَنَعَ الرُّماةُ وَيندم
ويقولُ دَعْهَا يا مُحَمَّدُ خُطّةً / يُرمَى بها الشّرفُ الرفيعُ فيُثلَمُ
إنّا نخافُ العارَ فَلْيَكُ بيننا / صُلْحٌ نَدِيْنُ بهِ وعهدٌ مُبْرَمُ
الحربُ تُوضَع بيننا أوزارُها / وَتَعودُ إن جَمعَ الحجيجَ الموسمُ
لكَ من سلاحِكَ ما تَقَلَّدَ مُنجِدٌ / يَبغِي السلامَةَ أو تَزوَّدَ مُتهِم
واجعل سُيوفَكَ في الغُمودِ ولا تَضِقْ / بالشرِّ يُدرَأُ والمضَّرةِ تُحسَم
حدُّ المُقامِ ثلاثةٌ فإذا انقضتْ / فَدعوا منازِلَنا وَيثربَ يَمِّموا
من جاءَ منكم لا يُرَدُّ ومن يَجيءْ / مِنّا فمردودٌ إلينا مُسْلَم
هذا الذي نَرضى فهل من كاتبٍ / يَشفِي الصُّدورَ بما يَخُطُّ ويَرقُم
رَضِيَ النبيُّ يُريدُ رَحمةَ رَبِّهِ / هُوَ عبدُه وهو الأبرُّ الأرحَمُ
صَاحَ الرجالُ وَرَاحَ فاروقُ الهدى / يَهتاجُ في بُرْدَيْهِ فَحلٌ مُقْرِمُ
ويقول للصدِّيقِ مَن هو يا أبا / بكرٍ وَأَيَّةَ مِلّةٍ نَترسَّمُ
أهُوَ الرسولُ ونحنُ نتبعُ دِينَهُ / فَلِمَ الهوانُ وما لنا نَسْتَسْلِمُ
اللينُ من خُلُقِ الضَّعيفِ وَدَأْبهِ / وَمِنَ العجائِبِ أن يَلينَ الضَّيغمُ
مَهْلاً هداكَ اللَّهُ وَالْزَمْ غَرْزَهُ / إن كنتَ تطلبُ خيرَ غَرزٍ يُلزَم
إهنأ أبا بكرٍ قَضيتَ بحُجَّةٍ / صَدَع اليقينُ بها وأنتَ مُتَرْجِم
وأبو عُبيدَةَ إذ يَعوذُ بربّهِ / يَخشى بَوادرَ صَدْعُها لا يُلأم
يَرقى من الفاروقِ نَفْساً صعبةً / تأبى عَوارِمُها إذا ما تُعْجَم
قالَ النبيُّ كفاكَ يا عُمَرُ اتَّئِدْ / فالحقُّ في سُلطانِهِ لا يُهزَمُ
أَرْضَى وتأبى أنتَ إنّ وراءَنا / لو كنتَ تعلمُ ما نُحِبُّ ونرأم
إني رسولُ اللَّهِ ليس بِخاذِلي / واللَّهُ يَقْدِرُ ما يشاءُ وَيَقْسِمُ
الأمرُ غَيْبٌ ما لمثلِكَ مطمعٌ / في علمِهِ والغيبُ بابٌ مُبْهَم
اكتُبْ عَليُّ فلن ترى من جامحٍ / إلا يُزَمُّ على الزّمانِ وَيُخطَم
وَأبَى سُهَيْلٌ أن يكونَ كتابُه / سَمْحاً عليه من النبوّةِ رَوْشَمُ
قالَ امْحُ باسمِ اللَّهِ وامْحُ رَسُولَهُ / أَتُريدُها صاباً بِسُمٍّ تُؤدَم
الدّينُ مختلفٌ وليس لنا سِوَى / ما كان أورثَنا الزمانُ الأقدم
فأبَى عليٌّ ما أرادَ وهاجَهُ / حَرَدُ الأبيِّ فَغيظُه ما يُكظَم
قال النبيُّ افعلْ وسوفَ بمثلها / تُسْقَى فَتُغْضِي الطَّرْفَ وَهْيَ العلقم
نظر ابنُ عمروٍ نظرةً فرأى ابْنَهُ / يَبغِي الخُطَى عَجْلَى ويَأبَى الأدهم
قال ارجعوه فذاك أوّلُ عهدكم / فلئن أبيتم لَهْوَ عَهدٌ أَجْذَمُ
وانقضَّ يضربُهُ فيا لكَ مُسلِماً / في اللَّهِ يُضربُ من أبيهِ ويُلْطَمُ
رقَّتْ قلوبُ المسلِميْنَ لخطبه / فجوانحٌ تَهفو وَدَمعٌ يَسجُم
أَخَذَ النَبيُّ بثوبِهِ فأعادَهُ / يَبْنِي لِأُمَّتِهِ البِنَاءَ وَيَدْعَمُ
قال انقلبْ وكَفَى بربِّكَ حافظاً / إنَّ التوكُّلَ للسلامَةِ تَوْأَمُ
فمضى يقولُ ألا ذِمَامٌ لامرئٍ / يَبْغِي الفِرارَ بدينهِ يَستَعْصِمُ
عُدْ في قُيُودِكَ واصطَبِرْ إنّ الأذى / لأضرُّ ما انتجعَ الرجالُ وأوخمُ
كم للأُلَى اتَّبعُوا الهُدَى مِن مَغنَمٍ / في حُرمَةٍ تُلغَى وحقٍّ يُهْضَمُ
خيرٌ على خيرٍ يَضُمُّ رُكَامَهُ / شرٌّ على شَرٍّ يُضَمُّ وَيُرْكَمُ
يَتَرَنَّمُ الباكي وإن بَلَغَ الأَسى / مِنه ويبكِي النَّاعِمُ المُتَرَنِّمُ
أخذوا الصحيفةَ فَهْيَ في أوهَامِهم / كالكنزِ يأخذُهُ الفقيرُ المُعْدِمُ
طاروا بها فَرَحاً وبين سُطُورِها / دهياءُ بارزَةُ النَّواجذِ صَيْلَمُ
نصرٌ مَضَى لمظفَّرينَ أعزَّةٍ / لم يَمْضِ منهم مَخْذَمٌ أو لَهذَم
ليس التَّصَرُّفُ للقواضِبِ إنّها / بالرأيِ تَحكمُ في الرقابِ وتُحكم
للبغيِ حِينٌ ثم يُقصَمُ صُلبُهُ / والعَدْلُ صُلْبٌ قائمٌ ما يُقْصَم
ولقد يُقامُ العرسُ من سَفَهِ الألى / فَرِحُوا وأولى أن يقامَ المأتمُ
من مَكْرُماتِ الحقِّ أنّ وَلِيَّهُ / بأشدِّ ما يُرمَى يُعانُ ويُخدَمُ
وأحقُّ مَن حَمَلَ اللّواءَ مجاهدٌ / ماضٍ على هَوْلِ الخُطُوبِ مُصَمِّمُ
وَفِّ المطالبَ حَقَّها واصبِرْ تَفُزْ / ما خابَ إلا من يَملُّ وَيَسأمُ
هذا نِظامٌ للشعوبِ ومَنهجٌ / حقٌّ يراه فَصِيحُها والأعجم
نزل الكتابُ بِهِ فأيقَنَ مُهتَدٍ / وَارْتابَ ضِلِّيلٌ ولَجَّ مُرَجِّمُ
طِبُّ الهُدى الشّافِي وأعجبُ ما أرى / طِبٌّ تَصِحُّ به النُّفوسُ وتَسْقُمُ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ / فَلَما غَنِمْتِ أجلُّ منه وأكبرُ
اللَّهُ أكبرُ يا عروسَ مُحمّدٍ / هذا هو الشّرفُ الأعمُّ الأوفرُ
هذا مكانكِ عالياً ما مِثلُه / في السُّؤدُدِ العالي مَكانٌ يُؤثَرُ
يا دُرّةً صِينَتْ لِتاجِ جَلالةٍ / الدُّرُّ مِن لَمحاتِهِ والجوهرُ
الشَّأنُ شأنُكِ أنتِ خيرُ صَفِيَّةٍ / والتَّاجُ أنتِ به أحقُّ وأجدرُ
أدركتِ بالإسلامِ في حَرَمِ الهُدَى / جُهْدَ المنى مما يُتاحُ ويُقدَرُ
أدركتِ دُنيا الصالحينَ ودِينَهمْ / فظفرتِ بالحُسنى ومِثلُكِ يَظْفَرُ
ولقد غَنيتِ وَدُونَ ما تَجدِينَهُ / دُنيا مُذمَّمةٌ وَدِينٌ مُنْكَرُ
ذُعِرَ الوطيحُ فأسلمتكِ حُماتُه / وحَللتِ بالحصنِ الذي لا يُذعَرُ
ما مِثلُ رُؤياكِ التي كانت أذىً / رُؤيا تُفسَّرُ للنِّيامِ وَتُعْبَرُ
أَفَكنتِ ناسيةً فجدَّدَ ذِكرَها / أثرٌ بِعينكِ يا صفيّةُ أخضرُ
يا وَيلتَا لابنِ الربيعِ يغيظُه / هذا المقامُ الصَّعبُ كيف يُيَسَّرُ
لَطمتكِ من سَفهٍ وسُوءِ خَلِيقَةٍ / يَدُهُ وتلكَ جنايةٌ ما تُغْفَرُ
ماذا رَأيتِ من الذي أبغضتِهِ / ونَقمتِ ما يَرضى وما يَتخيَّرُ
أردَى أباكِ وهَدَّ زوجَكِ بأسُهُ / وأصابَ قومَكِ منه موتٌ أحمرُ
ماذا رأيتِ أما عَذرتِ سُيوفَهُ / وَعَلِمتِ أنَّ عدوَّه لا يُعذَرُ
ولقد بَلوتِ خِلالَهُ فوجدته / نِعمَ الخليلُ إذا يَسوءُ المَعشرُ
أحببتهِ الحبَّ الكثيرَ على القِلَى / ولَحُبُّ ربِّكِ ذي الجلالةِ أكثَرُ
ذَهَب الرُّعاةُ فما يَسُرُّكِ صاحبٌ / ورعاكِ صاحبُكِ الأبرُّ الأطهرُ
آثرتِهِ ورَضيتِ رَبَّكِ إنّها / للَّهِ عِندكَ نِعمةٌ لا تُكْفَرُ
أعْلَى مَحَلَّكِ فانعمي وتقدّمي / بأجلِّ ما يُثْنَى عليه وَيُشْكَرُ
ولأنتِ إن عظُمتْ فوائدُ خيبرٍ / أسْنَى وأعظمُ ما أفادتْ خَيبرُ
يا قُبَّةَ المُختارِ دُونَكِ ما بَنَى / في مُلكِهِ كِسْرَى وشيَّدَ قيصرُ
مَثوىً يهولُ الناظرين ومنظرٌ / عَجَبٌ يروعُ مقامُه والمظهرُ
فيهِ الجلالُ الضَّخمُ ترتدُّ المنى / من دُونِهِ مذعورةً تتعثّرُ
فيهِ السَّلامُ لكلِّ جِيلٍ يُبتغَى / فيه النظامُ لكلِّ عصرٍ يُذخَرُ
فيه الحياةُ تُسَلُّ من أكفانِها / هَلْكَى الشُّعوبِ إذا تموتُ وتُقبَرُ
إيهٍ أبا أيوبَ ما بِكَ رِيبةٌ / إنّ المحبَّ على الحبيبِ لَيسهرُ
تَأبَى الكرَى وتطوفُ حول مُحمّدٍ / والسَّيفُ يَقظانُ المضاربِ يَنظرُ
ماذا تخافُ على حبيبِكَ من أذىً / واللَّهُ كافٍ ما تخافُ وتَحذرُ
اهْنَأْ بدعوتِهِ فتِلكَ وقايةٌ / من كلِّ ذِي جَبرِيَّةٍ يتنَّمرُ
تِلكَ الولائمُ في رِحابِ مُحمّدٍ / شَتَّى تُسَرُّ بها النُّفُوسُ وتُحْبَرُ
الصَّحبُ من فرحٍ عليها عُكَّفٌ / والرُّسْلُ أجمعُ والملائكُ حُضَّرُ
عُرْسُ النبيِّ وأيُّ عُرسٍ مِثلُه / هَيهاتَ تلك فضيلةٌ لا تُنْكَرُ
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ / تَمَّتْ لكِ النُّعمى فَفوزِي وَاسْعَدِي
هَذا بَشيرُ الخيرِ أيُّ طَلاقةٍ / تَحكِي طلاقَةَ وجههِ الغَضِّ النَّدِ
حَمَلَ الرِّسالَةَ مَشرعاً من رَحمةٍ / فيهِ الشِّفاءُ لِغُلَّةِ القَلْبِ الصَّدِ
بُشراكِ أُمَّ المؤمنينَ فهذهِ / رؤياكِ عِندَ أوانِها والموعدِ
بَعثَ النَجَاشِيُّ الوليدةَ فاسمعي / أشهَى الحديثِ إلى الكرائمِ واشْهَدي
هَذا عَطَاؤُكِ لو يكونُ مَكانَهُ / أغلى الكُنوزِ خَشيْتُ أن لا تُحْمَدِي
نِعمَ العطاءُ بَذَلْتِهِ مَرْضِيَّةً / في اللَّهِ راضيةً وَيَالكِ من يَدِ
قلّدتِ أمرَكِ خالداً فمضَى بهِ / شرفاً على شَرَفٍ أشمَّ مُخَلَّدِ
هَتَفَ الرسولُ أَجِبْ وكيلَ مُحَمَّدٍ / فمشَى إلى المَلِكِ الأعزِّ الأصيَدِ
يَلقاهُ في تَاجِ الهُدى وسريرِه / بين الأَرائكِ والجُموعِ الحُشَّدِ
في مشهدٍ زانته غُرَّةُ جَعفرٍ / زَيْنَ النَّدِيِّ ونُورِ عينِ المنتدي
جَمَعَ الأحبَّةَ والرفاقَ فأقبلوا / من كلِّ عالٍ في الرجالِ مُمَجَّدِ
أدَّى النجاشيُّ الصَداقَ مُبارَكاً / مِلءَ اليدينِ يَسوقُه من عَسْجَدِ
وأقامَ للَّهِ الولائمَ كلّما / زَادتْ وفودُ القومِ قال لها ازْدَدِي
مَضَتِ الوليدةُ بالصّداقِ فَصادفتْ / كَرَماً يُجاوِزُ مَطْمَعَ المُسْتَرْفِدِ
نَالتْ ولم تَسألْ وَلِمَ تمدُدْ يداً / خَمسِينَ دِيناراً عطاءً كالدَّدِ
فضلٌ لأُمِّ المؤمنِينَ تَفَجَّرَتْ / عنه فَرَاحَ يَفِيْضُ غَيْرَ مُصَرَّدِ
تِلْكَ الوليدةُ قال سيّدُها ارجِعي / أَنَسِيتِ حَقَّ الضّيفِ عِنْدَ السَّيِّدِ
رُدِّي العَطِيَّةَ والهَدِيَّةَ واذكرِي / آلاءَ رَبِّكِ ذي الجلالِ الأَوْحَدِ
لا تَرْزَئِي زوجَ النبيِّ بأرضِنا / شَيئاً فَبِئسَ الزّادُ للمتزوّدِ
قالت إليكِ المالَ والحلْي الذي / أعْطَيتِنيهِ فليس أمري في يَدِي
أَمرَ المليكُ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / وَلَكِ الكرامةُ في الفريقِ الأرشدِ
لي في ذمامِكِ حاجةٌ مَنْشُودَةٌ / لولا الهُدَى وَسَبيلُهُ لم تُنْشَدِ
هل تحملينَ إلى الرَّسولِ تَحِيَّةً / منّي إذا انطلقتْ رِكابُكِ في غَدِ
حَيّيهِ مُنْعِمةً وَقولِي إنّني / أحببتُه حُبَّ التَّقِيِّ المُهْتَدِي
وَرَضِيْتُ مِلَّتَهُ لنفسي إنَّه / لعلى طريقٍ للسدادِ مُعَبَّدِ
رَضِيَ المليكُ وراحَ يَحمدُ رَبَّه / حَمْدَ امرئٍ للصالحاتِ مُسدَّدِ
وَدَعا إلى الصُّنعِ الجميلِ نِساءَهُ / فالطيبُ ذو عَبَقٍ يروحُ وَيَغتدِي
تَمشِي الولائدُ خلفَهُ يَحْمِلْنَهُ / في مُلْتقىً بَهِجٍ وَحُسنِ تَودُّدِ
يَأتينَ أمَّ المؤمنينَ يَزِدْنَها / وَيَقُلْنَ مَهْلاً كلّما قالت قَدِي
سِيري هَداكِ اللَّهُ شَطْرَ نَبيِّهِ / في موكبٍ مِن نُورِهِ المتوقِّدِ
إلا يكنْ من هاشمٍ وَفْدٌ فكم / للَّهِ حَولَكِ من رَسولٍ مُوفَدِ
جِبريْلُ يَمشِي في رِكابِكِ خَاشعاً / بَيْنَ الملائِكِ فَاشْهَدي وَتَفَقَّدِي
اللَّهُ بَوَّأكِ الكرامَةَ مَنزلاً / وأعزَّ جَدَّكِ بالنبيِّ مُحَمَّدِ
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما / أفما تَرى بُرهانَ رَبِّكَ قاما
يا خالدُ اعمدْ للتي هي عِصمةٌ / لِذَوِي البصائرِ وانبذِ الأوهاما
اللَّهُ ربُّ العالمينَ ودينُهُ / دِينُ السّلامِ لمن أراد سلاما
اقرأ كِتابَ أخيكَ مالك مصرفٌ / عمّا يُريدُ ولن ترى الإحجاما
أقْبِلْ رَعاكَ اللهُ إنّك لن ترى / كسبيلِ رَبِّكَ مَطلباً ومَراما
سَألَ النبيُّ بأيِّ حالٍ خالدٌ / أفما يَزالُ يُجانِبُ الإسلاما
إنّي رأيتُ لخالدٍ من عقلِهِ / فيما يُمارسُ مُرشداً وإماما
ما مِثلهُ يرتابُ في دينِ الهُدى / فَيرى الضّياءَ المستفيضَ ظلاما
إنّا لنَعرفُهُ رشيداً حازماً / ونراه شَهماً في الرجالِ هُماما
لو أنّه جَعلَ المضرَّة والأذى / للمشرِكينَ لما استحقَّ مَلاما
ولكان عِنديَ يا وليدُ مُقَدَّماً / يَلْقَى لَدَيَّ البرَّ والإكراما
أقبِلْ أخي وتَلافَ أمرَكَ لا تكن / مِمَّنْ إذا وَضَحَ السّبيلُ تَعامَى
كم مَوطنٍ جَلَلٍ لو اَنّك لم تَغِبْ / عنه لكنتَ إذاً أجلَّ مَقاما
يَكفيكَ ما ضيَّعت ليس بحازمٍ / من لا يزالُ يُضيِّعُ الأياما
نشط الهمامُ وراحَ يُدرِكُ نفسَه / يبغِي لها عِندَ النبيِّ ذِماما
ألقَى إلى الوادي الخصيبِ بِرَحْلِهِ / فأصابَ فيه مَرْتعاً ومَساما
أيُقيمُ بالوادي الجديبِ فلا يرى / إلا سَراباً كاذباً وجَهاما
لاقى بعكرمةٍ وبابنِ أُميَّةٍ / شَرّاً يَعُبُّ عُبَابَهُ وعُراما
قالَ ائْتِيَا نَبغِي النجاةَ فأعرضا / وتَنازعا قولاً يشبُّ ضِراما
وأجابها عثمانُ دعوةَ ناصحٍ / يأبى الهوى ويُجانِبُ الآثاما
مَضَيا على سَنَنِ الطريقِ فصادفا / عَمْراً فقالا ما لنا وإلى ما
يا عَمْرو دِينَ اللَّهِ لسنا كالأُلَى / جعلوا الحلالَ من الأمورِ حَراما
قال اهتديتُ ولن أكونَ كمن يُرى / طُولَ الحياةِ لنفسهِ ظَلّاما
وَمَشَوْا فما بَلَغَ الرسولَ حَدِيثُهُم / حتّى بدا متهلّلاً بَسّاما
سرَّته مَكَّةُ إذ رَمَتْ أفلاذَها / كَبِداً تُكِنُّ الحُبَّ والإعظاما
بعثَتْ إليهِ من الجبالِ ثلاثةً / رَضوَى يُصاحِبُ يَذْبُلاً وشِماما
خَفَّ الوليدُ يقولُ لا تتمهّلوا / إنّ الحديثَ إلى النبيِّ تَرامى
حُثُّوا المَطِيَّ فإنّه مُتَرقِّبٌ / وأرى جوانحكم تَرِفُّ أُواما
وَفَدوا كِراماً يؤمنون بربّهم / ورسولِهِ بيضَ الوجوهِ وِساما
نَفَضُوا الهوانَ عن الجباهِ فأصبحوا / شُمَّ المعاطسِ يرفعونَ الهاما
أفيعبدونَ مع الغُواةِ حِجارةً / أم يَعبدونَ الواحدَ العلاَّما
كُشِفَ اللِثامُ عن اليقينِ ولن تَرى / كالجهلِ سِتراً والغرورِ لِثاما
لو طَاوعَ النَّاسُ الطبيبَ لما اشتكى / مَن يَحملُ الأدواءَ والآلاما
اعرفْ لربّكَ حقَّهُ فَلِحكمةٍ / خَلَقَ العُقولَ وأنشأَ الأحلاما
أرأيتَ كالإسلامِ دِيناً قَيّماً / سَاسَ الأُمورَ ودبَّرَ الأحكاما
اللهُ أحكمَ أمرَهُ وأقامَهُ / للعالمينَ شريعةً ونِظاما
نادَى النبيُّ به فأفزعَ صوتُه / أُمماً بآفاقِ البلادِ نِياما
ودَعَا إليه وسَيْفُه بِيَمينِهِ / يمضِي حياةً مَرَّةً وحِماما
تَمضِي أباطيلُ الحياةِ ولن ترى / لِسوَى الحقائقِ في الزّمانِ دَواما
صُعقتْ نُفوسُ المشركينَ وهالهم / هَمٌّ إذا انجلتِ الهمومُ أقاما
قالوا فقدناهم ثلاثةَ قادةٍ / ما مِثلُهمُ بأساً ولا إقداما
ما أعظمَ البلوى ويا لكِ نَكبةً / ملَكتْ علينا النقضَ والإبراما
نزل البلاءُ بنا فكانَ مُضاعفاً / وجَرَى العذابُ معاً فكانَ غَراما
إني إخالُ البَيْتَ يُشرقُ جَوُّهُ / وإخالُ مَكّةَ ترفَعُ الأعلاما
يا ابن الوليدِ لك الأعِنَّةُ كلّها / فَالْقَ المقانِبَ وادفعِ الأقواما
سترى المشاهِدَ تَرجُفُ الدنيا لها / وترى الحصونَ تَميدُ والآطاما
بَشِّرْ حُماةَ الشِّركِ منك بوقعةٍ / تُوهِي القُوَى وتُزلزِلُ الأقداما
يا هندُ حسبكِ مغنماً وكَفاكِ
يا هندُ حسبكِ مغنماً وكَفاكِ / إنّ الذي يَهدِي النُّفوسَ هَداكِ
أقبلتِ تُرخِينَ القناعَ حَيِيَّةً / تُخفينَ نفسَكَ والنبيُّ يَراكِ
أوَ لَستِ هِنداً قلتِ في خَجَلٍ بَلَى / لا تخجلي فاللّهُ قد عَافاكِ
داويتِ بالإسلامِ قلبكِ فاشتَفَى / وغَسَلْتِ من تلكِ الجريمَةِ فَاكِ
لا تَذكُرِي الكَبِدَ التي مَارَسْتِها / فَأَبَتْ عَليكِ لعلّها تَنساكِ
وَدَعِي قلائِدَ يومِ بَدرٍ وَالْبَسِي / في بَهْجَةِ الفتحِ المُبينِ حِلاكِ
أَخَذَ الهُدَى بكِ في سبيلِ مُحَمَّدٍ / فَخُذِي عنِ الشَّيخِ الجليلِ أذَاكِ
ما كان بالمفتونِ حِينَ شَتَمْتِهِ / وبَلَغْتِ في سُوءِ الصّنيعِ مَدَاكِ
قُلْتِ اقتلُوهُ ولو أطاعَكِ جَمعُهُم / لَجَرى الدَّمُ المسفوكُ من جَرَّاكِ
يا هندُ إنّ الحقَّ أعظمُ صَوْلَةً / مِن أَنْ يَهابَكِ أو يَهابَ أباكِ
ما مِثلهُ إن رُمْتِ في الدّنيا أباً / يا بنتَ عُتبةَ مِن أبٍ يَرعاكِ
مَنْ قَدَّمَ الدُّنيا فليس ببالِغٍ / ما قدَّمَتْ عِندَ الرسولِ يَدَاكِ
فِيمَ اعتذارُكِ والهديَّةُ سَمحةٌ / وهَواكِ في تَقْوَى الإلهِ هَواكِ
بايعتِ أهدَى العالمينَ طريقةً / ورَضِيتِ منه مُهَذَّباً يَرضَاكِ
يَنْسَى الإساءَةَ وَهْيَ جُرحٌ بالغٌ / ويعوذُ بالخُلُقِ الكريمِ الزّاكِي
مهما تَنَلْهُ المُحفِظاتُ مِنَ الأُلَى / جَهِلوا فليس بعاتبٍ أو شاكِ
أَعَجِبْتِ إذ ذَكَرَ الفواحِشَ هادياً / فَنَهَى اللّواتِي جِئْنَهُ وَنَهاكِ
إن تَعْجَبِي لِلعِرضِ يُبذلُ هَيِّناً / وهو الحياةُ بأسرها فَكَذاكِ
عِرضُ الحرائِرِ ما عَلمتِ وإنّما / يَرضَى سِواهُنَّ الزِّنَا وَسِواكِ
يَحْفَظْنَهُ ويَذُدْنَ عن مَمنوعِهِ / شَهواتِ كلِّ مُخادِعٍ فَتَّاكِ
تَأْبَى التي منهنّ يَقتلُها الطوى / أن يشترى بذخائر الأملاكِ
وتصدُّ معرضةً تضنُّ بنفسِها / ولو اَنّ مَضجَعَها ذُرَى الأفلاكِ
عارُ الزِّنَا يُخزِي الوُجوهَ وشَرُّه / يَرمِي البلادَ وأهلَهَا بِهَلاكِ
يا هِنْدُ إنّ اللَّهَ أمضى حُكْمَهُ / فَكفَاكِ سُوءَ عذابِهِ وَوَقاكِ
أُوتيتِ زَادَكِ مِن تُقىً وهدايةٍ / فَتَزوَّدِي سُبحانَ مَن نَجَّاكِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ / هِيَ للنَّبيِّ إذا رَمَى أعلى يَدِ
هذا أبو بكرٍ يُقَدِّمُ شَيْخَهُ / يهديه إنّ الألمعيَّ لَيَهْتَدِي
قال النَّبي ألا رَثِيتَ لِضَعْفِهِ / وتركتَهُ في دارِهِ لم يُجهَدِ
لو لم يَجِئْ لَمَشِيْتُ أشهدُ أمرَهُ / وأُجِلُّهُ شَيْخاً كريمَ المَشْهَدِ
يا والِدَ الصِّدِّيقِ خُذْهَا نِعمةً / سِيقَتْ إليكَ من النبيِّ مُحمَّدِ
ما كنتَ بالمصروفِ عن دينِ الأُلَى / كفروا بآلهةٍ كأنْ لم تُعبَدِ
العاكفينَ على شرائِعِ ربِّهم / من رُكَّعٍ بيضِ الجباهِ وسُجَّدِ
الظامئينَ إلى الجهادِ فإن دُعُوا / وَردوا حِياضَ الموتِ عَذْبَ المَوْرِدِ
يتهَافَتونَ على جوانِبِها إذا / نَادَى رسولُ اللّهِ أيُّكُمُ الصَّدِي
مَن كان يسعدُ في الرجالِ بوالدٍ / فَبِمَنْ وَلَدتَ أبا قحافَةَ فاسْعَدِ
من سُؤدُدِ الصِّدِّيقِ أنّ زمانَهُ / لو لم يَلِدْهُ لكانَ خَصْمَ السُّؤْدُدِ
الحاضِنِ الإسلامَ يجعلُ صَدرَهُ / كَهفاً يقيهِ أذَى العَدُوِّ المُفسِدِ
يُعطيهِ مُهجَتَهُ وَصَفْوَةَ مالِهِ / وَيكُونُ للحَدَثِ الجليلِ بِمرصَدِ
قال النبيُّ اهْنَأْ فقال وَددتُها / كانت لِعَمِّكَ ذي الفِعالِ الأمجَدِ
هذا هو الإيثارُ فاعجَبْ وَاعْتَبِرْ / وأَعِدْ على الدَّهرِ الحديثَ ورَدِّدِ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ / مَهْلاً هوازنُ أينَ أينَ المذهبُ
مَهْلاً ثَقِيفُ رَكِبْتِ من غِيِّ الهَوَى / وَعَمايَةِ الأوهامِ ما لا يُركَبُ
مَهْلاً بُغاةَ السُّوءِ ما لِمُحَمّدٍ / كُفْؤٌ ولا مِنه لِباغٍ مَهْرَبُ
قلتم قَضَى حاجاتِهِ وخَلاَ لنا / فَبَدَارِ إنّا معشرٌ لا نُغلبُ
وَبعثتموها ظالِمينَ تَهزُّكُمْ / نَشواتُها فَرِدوا الموارِدَ وَاشْرَبُوا
حَمَلَ ابنُ عوفِ في الكريهَةِ أَمرَكُمْ / فَانْهَارَ كاهلُهُ وَخَرَّ المَنْكِبُ
ولقد دهاكمُ من دُرَيْدٍ أنّه / شَيخٌ تُساسُ به الأمورُ مُجرَّبُ
فسألتموه الرأيَ يَعصمُ مالكاً / وَيُرِيهِ ما يأتِي وما يَتَجَنَّبُ
هَيهاتَ كلُّ الرأيِ إن غَضِبَ الأُلَى / لا يرتضونَ سِوَى الجِهادِ مُخَيَّبُ
سُوقوا النِّساءَ وَجَنِّدوا أنعامَكم / وَدَعُوا البَنينَ بكلِّ أرضٍ تَدأبُ
وإذا الحديثُ الحقُّ جاءَ كَبِيركُمْ / فالزُّورُ أَوْلَى والحماقةُ أوْجَبُ
شَتَمَ الأُلَى صدقوه ألا يَدَّعوا / ما لم يَرَوْا شَطَطاً وألا يَكذبوا
وَرَمَى بهم في الحبسِ خَوْفَ حَديِثهِم / فالأمرُ فَوضَى والصّوابُ مُغَيَّبُ
اغْضَبْ دُرَيْدُ أوِ ارْضَ لستَ كمالكٍ / في القومِ إذ يَرضَى وإذ يَتَغَضَّبُ
مَلَكَ القِيادَ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / ولسوفَ يُهلكُ مَن يقودُ وَيَجْنُبُ
أَكَذاكَ زَعمُكَ يا ابنَ عَوفٍ إنّها / لكبيرةٌ بل أنتَ وَيْحَكَ تَلعبُ
أزعمْتَ أنّ مُحمّداً لم يَلْقَهُ / مِن قبلِ قَومِكَ مَن يُخَافُ ويُرهَبُ
وَظَننتَ أنَكَ إن لَقيتَ جُنودَهُ / لم تُغْنِ عنه كَتيبَةٌ أو مِقْنَبُ
إنّ الذي حَدَّثتَ قَومَكَ جَاءَهُ / فَلَئِنْ عَجِبْتَ لَمَا أَصَابَكَ أَعْجَبُ
هُوَ مُلتقَى الجيشَيْنِ فَانْظُرْ هل تَرَى / قَوماً تَظَلُّ عُيُونُهُم تَتلهَّبُ
وَلِع الرُّماةُ بهم فِتلكَ سِهامُهُم / مِلءَ القسيِّ إلى النُّحورِ تُصَوَّبُ
غَفلتْ مَواقِعُها عَنِ الدّمِ إذ جَرَى / فكأنّها بِدَمِ الرُّماةِ تُخَضَّبُ
كَرِهُوا السُّيوفَ ولِلوَغَى أبطالُها / تُدْعَى فَتَستَلُّ السُّيوفَ وتَضْرِبُ
حِيدُوا جُنودَ اللّهِ ثمّ تَقَدَّمُوا / فالحربُ في أطوارِهَا تَتقلَّبُ
آناً تَرُدُّ عنِ الفَرِيسةِ نَابَها / تَبغِي مَقاتِلَها وآناً تَنْشَبُ
تُزْجِي رَواعِدُها البروقَ فصادقٌ / يَنْهَلُّ صَيِّبُهُ وآخرُ خُلَّبُ
غَرَّارةٌ يَشْقَى الغَبِيُّ بِكَيْدِها / إنْ بانَ من غَيْبِ الأمورِ مُحَجَّبُ
تُبدِي من الحاجاتِ ما لا تَبتَغِي / حَذَراً وتَكتُمُ ما تُريدُ وتَطلُبُ
عِلمٌ تَوَارَثَهُ الثِّقاتُ وَزَادَهُ / شَيْخُ الوغَى وأبو الثقاتِ المُنجِبُ
حَمِيَ الوطيسُ أجلْ تَبَاركَ ربُّنا / فَافْزَعْ إليهِ هو الغياثُ الأقربُ
هَذِي كَتائِبُهُ عَلَيكَ تَنَزَّلَتْ / وَمَضتْ إلى أعدائِهِ تتوثَّبُ
بَصُرُوا بها فتزايلت أوصالُهُم / رُعْباً وضَاقَ سَبيلُهُم والمَذهَبُ
هُمْ في حُنَيْنٍ يا مُحَمَّدُ مِثلُهُم / في يومِ بدرٍ صَدْعُهُم ما يُرْأَبُ
مَدَدُ السّماءِ أعدَّهُ لكَ مُنجِدٌ / لا جُنْدُهُ يَفنَى ولا هُوَ يَتْعَبُ
سُبحانهُ ما مِن إلهٍ غيرهُ / لو يَستقيمُ الجاهلُ المتنكّبُ
يا مُولَعَاً بالحربِ يَستقصِي المَدَى / في وصفها منه البيانُ المُسْهَبُ
سَلْ بَغْلَةً حَملتْ رَسولَ اللَّهِ هل / حَمدتْ فَوارِسَهَا العتاقُ الشُّزَّبُ
طَارُوا عليها مُدبِرِيْنَ ولم يَطِرْ / وَمَضَوْا فُلولاً وَهْوَ راسٍ يَرقُبُ
بَطَلٌ يَرَى مَوْجَ المنايا حَوْلَهُ / فَعَزِيمَةٌ تَطفوا وقَلْبٌ يَرْسُبُ
تَجري ظُنونُ القومِ في حَرَكاتِهِ / فَيَفوتُ غايةَ من يَظُنُّ وَيَحْسَبُ
كُلُّ امرئٍ يأتي الأمورَ عظيمةً / فإليهِ في الدُّنيا العريضةِ يُنْسَبُ
ما العبقَرِيَّةُ في مَراتِبها العُلَى / هُوَ في سَماءِ العبقريّةِ كَوْكَبُ
مُتَألِّقٌ مَنْ لم يَسِرْ في نُورِهِ / أَوْدَى الظَّلامُ بِهِ وطَاحَ الغَيْهَبُ
أينَ الأُلَى مَلأَ الفضاءَ سَوادُهُم / وأضلَّهُم ساداتُهُم فتحزَّبوا
غَنِمُوا الفِرارَ فما يُرَى مِن بعدِهِم / إلا المغانِمُ تُستباحُ وتُنْهَبُ
خَيرٌ أُتيحَ ونعمةٌ مَشكورةٌ / سِيقَتْ على قَدَرٍ ورِزقٌ طَيِّبُ
رَاحَتْ بأيدِي المُسْلِمينَ وإنّهم / لأحقُّ من يُعطَى الجزيلَ ويُوهبُ
تُقضَى الدّيونُ بها فلا ابنُ أميّةٍ / يشكو المَطَالَ ولا حُوَيْطِبُ يَعْتِبُ
وَيُقامُ دِينُ اللّهِ في القومِ الأُلَى / فُتِنُوا بأصنامٍ تُقامُ وتُنْصَبُ
قَتْلَى هَوازِنَ هل تَفَجَّعَ مالِكٌ / ومضَى لِمَصرَعِكُم يَنوحُ وَيندُبُ
قُمْ يا دُرَيْدُ فقل لِقومكَ خُطبةً / تجلو الهمومَ فقد عَهِدْتُكَ تَخْطُبُ
انظُرْ إلى الأسرَى وَسَلْهُم ما لهم / نُكِبُوا وكانَ الظنُّ ألا يُنْكَبوا
وَيحَ النِّساءِ وَمَن وَلَدْنَ ألا فَتىً / يَحمِي الذّمارَ ألا كَمِيٌّ مِحرَبُ
اسمعْ دُرَيْدُ فقد أهابَ محمدٌ / يحنو على النشءِ الضّعيفِ ويَحدِبُ
لا تقتلوا الأولادَ ما فيهم لنا / خَصْمٌ ولا مِنهم أثيمٌ مُذنِبُ
أَسَخِرْتَ بالبطلِ الصّغيرِ فهل نَجَا / مِنه بِمُهجَتِهِ الكبيرُ الأَشْيَبُ
أعطاكَ سُؤْلَكَ ما تردَّدَ سَيْفُهُ / وَلأنتَ سُؤْلُ غِرارِهِ والمأرَبُ
إن ضاق صَدْرُكَ حِينَ تُذكرُ أُمُّهُ / فلصدرها لو كنت تعلم أرحبُ
قالت أتقتله ربيعة إنه / شَيْخٌ له فَضلٌ يُعَدُّ وَمَنْصِبُ
ما بالُ سَيْفِ اللّهِ أين مكانُه / أيغيبُ عن نَظَرِ النبيِّ وَيَعْزُبُ
سأل النبيُّ فَقيلَ عِندَ جِراحِهِ / لو يَستَطيعُ أتى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ
فمشى إليه يَعُودُه في مَوكِبٍ / للّهِ فيهِ من الملائكِ مَوكبُ
بُورِكْتَ خالدُ ما رَأَتْ عَينٌ دَماً / كَدَمٍ جَرَى من خالدٍ يَتَصَبَّبُ
قُمْ في جِراحِكَ إنّها لك قوةٌ / تَدَعُ القواضِبَ وَهْيَ حَيْرَى هُيَّبُ
قُمْ للشدَائِدِ ما تَلِينُ صِلابُها / فَلأنْتَ صاحِبُها الأشدُّ الأَصْلَبُ
لَكَ هِمَّةٌ ما تُستطَاعُ ونَجدةٌ / مَذخورةٌ للأمرِ سَاعَةَ يَحْزُبُ
مَن يَجهل الرِئبالَ يَنفُذ نابُهُ / في كلِّ مُقتنَصٍ وَيَمْضِي المِخلَبُ
اشهَدْ حُنَيْنُ بما رأيتَ ولا تَخَفْ / خَصماً يُنازِعُ أو عَدُوّاً يَشْغَبُ
حَدَّثْتُ عنكَ وقلتُ يا أرضُ اسمعِي / فاهتزَّ مَشرِقُها وماجَ المغربُ
ماذا أقولُ أنا العَيِيُّ وإن جَرَى / قَلَمِي بأبلغِ ما يُقالُ ويُكتَبُ