القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 47
أَنْضَيْتُ خَيْلِي فِي الهوى وَرِكَابِي
أَنْضَيْتُ خَيْلِي فِي الهوى وَرِكَابِي / وَعَمَرْتُ كَأْسَ صِباً بِكَأْسِ نِصابِ
وَعُنيتُ مُغْرىً بالغواني وَالصِّبا / وَاللَّهْوِ وَاللَذَّاتُ قَدْ تُغْرى بي
فِي غَمرَةٍ لا تنقضي نَشَواتُها / من صَرْفِ كأْسٍ أَوْ جُفونِ كَعَابِ
أَيَّامَ لا تَرْتَاعُ من صَرْفِ النَّوَى / أَمْناً ولا نُصْغِي لِنَعْبِ غُرَابِ
أَيَّامَ وَجْهُ الدهر نحوي مُشْرِقٌ / وَمحاسِنُ الدُّنيا بَغَيْرِ نِقَابِ
ولقد أَضاءَ الشَّيْبُ لي سنَنَ الهُدَى / فَثَنَى سِنِي دَدَني عَلَى الأَعْقَابِ
ورأَيتُ أَرْدِيَةَ النُّهَى منشورةً / تسعى بِجَدَّتها إِلَى أَتْرَابِي
وَرَأْيتُ دارَ اللَّهوِ أَقْوَى ربعُها / وَخَلَتْ معاهِدُها منَ الأَحبابِ
وَخَلَتْ بِيَ النَّكَبَاتُ ترمِي ناظِري / وخواطري بنوافِذِ النُّشَابِ
وَلَكَمْ أَصابتْنِي الخطوبُ بِشَكَّةٍ / تُعْيِي التجلُّدَ واحْتَسَبْتُ مُصابِي
حِفْظاً لِعلمٍ حاز صَدْرِي حفظه / أَلَّا أَخِيسَ بحُرْمَةِ الآدابِ
حَتَّى تركتُ الدهر وَهْوَ لِمَا بِهِ / صَبْراً وغادرني السقامُ لِمَا بي
وصرفتُ عن صرفِ الزمان ملامتي / وَكففت عن سَعْيِ الحسودِ عتابي
علماً بأَن الحِرْصَ لَيْسَ بزائدٍ / حَظّاً وَأَنَّ الدهرَ غيرُ مُحَابِ
هِممُ الفتى نُكْبٌ تُبَرِّح بالمُنى / أَبداً إِذَا عَمَّ القضاءُ الآبي
فقطعتُ يَا منصورُ نحوَكَ نَازِعاً / خُدَعَ المنى وعلائقَ الأَسبابِ
فرِضَاكَ تأْميلي وقربُكَ هِمَّتِي / ونداكَ مَحْيائِي وحمدُكَ دَابِي
وقد احتلَلْتُ لديكَ أَمْنَعَ مَعْقِلٍ / وَحَطَطْتُ رحلي فِي أَعَزِّ جَنَابِ
في ذِمَّةِ المَلِكِ الَّذِي آمالُنَا / من راحَتَيْهِ تَحْتَ صَوْبِ سحابِ
قَمَرٌ توسَّطَ من مناسِبِ يَعْرُبٍ / قِمَمَ السَّنَاءِ وَذِرْوَةَ الأَنْسابِ
صَدَقَتْ بِهِ فِي اللهِ عزمةُ مُخْلِصٍ / تركَت ذَمَاءَ الشِّرْكِ رَهْنَ ذَهَابِ
بِكَتَائِبٍ عَزَّتْ بِهَا سُبُلُ الهُدَى / ومَحَتْ رُسُومَ الكفرِ مَحْوَ كِتَابِ
غادَرْنَ أَرْضَهُمُ كَأَنَّ فضاءهَا / أَغوالُ قَفْرٍ أَوْ سُهُوبُ يَبَابِ
تَحْتَثُّ سالِكَها بغيرِ هدايةٍ / وتجيبُ سائلَها بغَيرِ جَوَابِ
يا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي عَزَمَاتهُ / فِي الدِّينِ أَعظَمُ أَنْعُمِ الوَهَّابِ
وَصَلَ الإلهُ لديكَ عُمْراً يَقْتَضِي / أَمَدَ السنينَ وَمُدَّةَ الأحقابِ
ولك السرورُ مضاعِفاً أَيَّامَهُ / ولَكَ النعيمُ مُجدَّدَ الأَثْوابِ
وليَهْنِكَ الأَضحى الَّذِي أَضحى بِهِ / صُنْعُ الإِلهِ مُفَتَّحَ الأَبوابِ
واسْلَم لِسِبْطَيْك اللَّذِينِ تَمَلَّكَا / رِقَّ السناءِ تملُّكَ الأَرْبَابِ
السابِقِيْنِ إِلَى مَقَامَاتِ العُلاَ / ذا فِي الحروبِ وذاك فِي المِحْرَابِ
الحاجبُ الأَعلى الَّذِي زُهِيتْ بِهِ / رُتَبُ العُلا ومفاخرُ الأحسابِ
فَلَكَمْ تَدَانَى فِي مَكَرٍّ للوغى / كالشمس فِي كِسَفِ العَجَاجِ الهابي
وبِرَأْيِ عَيْنِي منه يومَ قُلُنْيَةٍ / منه شهابٌ خاطفٌ لشهابِ
سيفُ الإله وحزبُهُ المُفْنِي بِهِ / شِيَعَ الضَّلالِ وفِرْقَةَ الأَحزابِ
مِنَنٌ بِأَيْسَرِ شُكْرِهَا أَعْيَيْتَنِي
مِنَنٌ بِأَيْسَرِ شُكْرِهَا أَعْيَيْتَنِي / فمتى أَقومُ بشكرِ مَا أَوْليتَنِي
أَعطيتَنِي ذُخْرَ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا / شرفَ الحياةِ وَعِزَّها أَعطيتني
لَبَيْكَ شاكرَ نعمةٍ أَنت الَّذِي / لما دعوتُ غِياثَها لَبَّيْتَنِي
فَقتلْتَ هَمّاً ذُقْتُ حَدَّ سيوفِهِ / بسيوفِ إِنعامٍ بِهَا استحيَيتَنِي
وخَطَطْتَ بالكَفِّ الكريمةِ مُلحَقِي / والفخرُ فخري منك إِذ سمَّيْتَنِي
حَسْبِي فحين ذكرتَنِي كَرَّمْتَنِي / وكفى فحين نطقتَ بي أَعييتَني
ذكراك أعظمُ نِعمةٍ أَلبستني / ورضاك أعلى خُطَّةٍ وَلَّيتَني
ففداؤك الأَملاكُ يومَ سمعتَني / لهفانَ فِي أَسرِ الأَسى ففديتَني
وسُقيتَ غيثَ النصر حين بَصُرت بي / ظَمْآنَ ملتهبَ الحشا فسقيتَني
آواك ظِلُّ اللهِ فِي سلطانِهِ / ونعِيمِهِ بجزاءِ مَا آويتَني
ورَعى لَكَ الرحمن مَا اسْتَرْعاكَهُ / من دِينِهِ أَجْراً بما راعيتَني
وشَفى سُيُوفَكَ من عِدَاكَ وَقَدْ سَطَا / هَمٌّ أَموتُ بِدَائِهِ فَشَفَيْتَنِي
وكُفيتَ مَا اسْتُكْفيتَ يومَ أَلَمَّ بِي / هَمٌّ أَناخَ بكلكلي فكفيتَني
فكأنما استيقَنْتَ مَا لَكَ فِي الحشا / من طاعةٍ ونصيحةٍ فجزيتَني
وعلمتَ أَنِّي فِي وفائك سَابِقٌ / فَسَبَقْتَ بالنعم الَّتِي وَفَّيْتَنِي
فلوَ اَنَّ آمالي بقربِكَ أَسْعَفَتْ / مَا قُلتُ بعد بلوغها يَا ليتَني
حتى أُقَبِّلَ كُلَّما قابلتُها / كفّاً بجودِ عطائها أَحْيَيْتَنِي
كُلُّ الكواكِبِ مَا طَلَعْتَ سُعُودُ
كُلُّ الكواكِبِ مَا طَلَعْتَ سُعُودُ / وإِذا سَلِمْتَ فكلُّ يومٍ عِيدُ
وَافَاكَ يومُ المِهْرَجَانِ وَبَعْدَهُ / للفِطْرُ يومٌ بالسرورِ جَديدُ
فصلٌ يُعَاوِدُ كلَّ عامٍ والنَّدَى / فِي كُلِّ حِينٍ من يَدَيْكَ يَعُودُ
إِن أَقْلَعَتْ دِيَمُ السَّحابِ فلم تَجُدْ / فسحابُ كفِّكَ مَا يزال يَجُودُ
ولَئِنْ طوى عَنَّا الربيعُ ثيابَهُ / فَربيعُ جودِكَ شاهدٌ مَشْهُودُ
لا زالت الدنيا وأَنْتَ لأهلِهَا / مولىً ونحن لرَاحَتَيْكَ عبيدُ
الْيَوْمَ أَبْهَجَتِ المُنى إِبْهَاجَهَا
الْيَوْمَ أَبْهَجَتِ المُنى إِبْهَاجَهَا / وَتَوسَّطَتْ شَمْسُ الضُّحى أَبْرَاجَهَا
ما لِلْوزارَةِ لا تضِيءُ لَنَا وَقَدْ / أَضْحى سِرَاجُ العَالَمِينَ سِرَاجَهَا
شَمْسٌ تبدَّتْ فِي ذَوَائِبِ يَعْرُبٍ / رَكِبَتْ إِلَى الرُّتَبِ العُلى مِعْرَاجَهَا
لَمْ تَنْتَقِلْ قِدْماً لأَوَّلِ مَنْزِلٍ / فِي المجْدِ حَتَّى اسْتَقْبَلَتْ مِنْهَاجَهَا
أَنْجَبْتَهُ ذُخْرَ الخِلافَةِ إِنْ شَكَتْ / أَلَماً تَضَمَّنَ بُرْءَهَا وَعِلاجَهَا
وَسَلَلْتَهُ سيفاً لكلِّ مُلِمَّةٍ / يَفْرِي بِأَوَّلِ ضَرْبَةٍ أَوْدَاجَهَا
فَنَظَمْتَ فِي صَدرِ الوزارة عِقْدَها / وَعَقَدْتَ فِي رأسِ الرِّيَاسَةِ تاجَهَا
والخيلُ جَانِحَةٌ إِلَيْهِ كُلَّما / رُفِعَ اللِّوَاءُ وأَوْجَسَتْ إِسْرَاجَها
وكَأَنَّنِي بِجَبِينِهِ فِي لُجَّةٍ / للحَرْبِ يَخْرِقُ بالقَنَا أَموَاجَهَا
حَتَّى يُغيّبَ فِي النُّجُومِ دِماءَهَا / دَفْناً وَيَرْفَعَ فِي السَّمَاءِ عَجَاجهَا
ويَؤُوبَ بالفتحِ المُبِينِ وَقَدْ كَسَا / نَفَلُ العُداةِ شِعَابَها وَفِجاجَهَا
يا قِبْلَةً لِلآمِلينَ وَكَعْبَةً / تَدْعُو بِحَيّ عَلَى النَّدَى حُجَّاجَها
ومُبارِزَ الأُسْدِ الغِضابِ وَقَدْ غَلَتْ / حربٌ تُوَكِّلُ بالحتوفِ هِياجَهَا
أَنتَ الَّذِي فَرَّجْتَ عَنِّي كُرْبَةً / للدهر قَدْ سَدَّتْ عَلَيَّ رِتَاجَها
وجلوتَ لي فَلَقَ المُنى من ليلة / طاوَلْتَ فِي ظُلَمِ الأَسى إِدلاجَها
وسقيتَنِي من جودِ كَفِّكَ مُنعِماً / كأْساً وجدتُ من الحياةِ مِزاجَهَا
فَلأُلْبِسَنَّ الدهر فيك مَلابِساً / للحَمْدِ أحكمَ مَنْطِقي دِيباجَها
جُدُداً عَلَى طولِ الزمانِ أبى لَهُ / حُرُّ التيقُّظِ والنُّهى إِنْهاجَها
ما عاقَبَ الليلُ النهارَ ورَجَّعَتْ / وُرْقُ الحمائِمِ بالضُّحَى أَهْزاجَها
شُكْراً لمن أعطاك مَا أعطاكا
شُكْراً لمن أعطاك مَا أعطاكا / رَبٌّ أَذَلَّ لِمُلْكِكَ الأَملاكا
فَشَفَى الأَمانِي من يمينكَ مِثلَما / رَوّى سيوفَكَ من دماءِ عِداكا
شِيَمٌ بِعَدْلِ اللهِ فيك تقسَّمَتْ / فِي العَالَمِينَ معايشاً وهلاكا
والله أَشْقَى جَدَّ من عاداكا / صُنْعاً وأَسْعَدَ جَدَّ مَنْ والاكا
يا حَيْنَ مختارٍ لسُخْطِكَ بعدما / ضاءَتْ لَهُ الدنيا بنجمِ رِضاكا
جَدَّتْ مساعِيهِ ليَحْفِرَ هُوَّةً / فهوَى إليها من سماء عُلاكا
لَفَحَتْهُ نارٌ باتَ يقدحُ زَنْدَها / فِي روضةٍ ممطورةٍ بِنَداكا
أَمسى وأَصبحَ بَيْنَ ثَوْبَيْ غَدْرَةٍ / سَلَبَتْهُ ما ألبستَ من نُعْماكا
أَوَ مَا رأى المُغتَرُّ عُقْبَى مَنْ سَعى / فِي كُفْر مَا أَسْدَتْ لَهُ يُمْنَاكا
أَوَ مَا رآك قَد اسْتَعَنْتَ بذي العلا / فأعانَ واسْتَكْفَيْتَهُ فكَفاكا
أَوَ مَا رأى أَحكامَهُ وقضاءَهُ / يَجْرِي بمَهْلِكِ مَنْ يشُقُّ عَصاكا
أَوَ مَا رأى إِشراقَ تاجِكَ فِي الورى / والمكْرُمَاتِ الزُّهْرَ بعضَ حُلاكا
أَوَ مَا رأى مفتاحَ بابِ اليُمْنِ فِي / يُمْنَاكَ والميسورَ فِي يُسْراكا
ومتى رأى دَاءً جهِلْتَ دواءَهُ / أَوْ خطبَ دهرٍ قبْلهُ أَعْياكا
مَا كَانَ أَبْيَنَ فِي شواهِدِ عِلْمِهِ / أَنَّ الرياسة لا تُريدُ سِوَاكا
حتى هَوَتْ قَدَماهُ فِي ظُلَمِ الرَّدى / لما اهْتَدى فِيهَا بِغَيْرِ هُدَاكا
وأراك فِيهِ اللهُ منْ نِقْمَاتِهِ / عاداتِه فِي حَتْفِ مَن عاداكا
قُلْ للمُصَرَّعِ لا لَعاً من صَرْعَةٍ / وافَيْتَها بغياً عَلَى مَوْلاكا
تبّاً لسَعيِكَ إِذ تَسُلُّ مُعانِداً / لِخِلافِهِ السيف الَّذِي حلّاكا
وسقاك كأساً للحتوف وَكَمْ وَكَمْ / مِنْ قَبْلِها كأْسَ الحياةِ سقاكا
لا تَفْلُلِ الأَيَّامُ سيفاً ماضياً / فضَّ الإِلهُ بشفرتيه فاكا
حَيِيَتْ لموتكَ أَنْفُسٌ مظلومَةٌ / كانت مناياهُنَّ فِي مَحْياكا
فانْهَضْ بخِزْي الدينِ والدنيا بما / قَدْ قَدَّمَتْ فِي المُسلِمِينَ يَدَاكا
هذا جزاءُ الغَدْرِ لا عَدِمَ الهُدى / مولىً بسعيكَ فِي النفاق جزاكا
يا أَيُّهَا المولى الَّذِي نَصَرَ الهُدى / وحَمى الثغورَ وَذَلَّلَ الإِشرَاكا
لا يُبْعِدِ الرحمنُ إِلّا مُهْجَةً / ضلَّتْ وَفِي يدها سِرَاجُ هُدَاكا
تَعْساً لِمَنْ ناواك بل ذُلّاً لِمنْ / ساماك بَلْ خِزْياً لمن جاراك
فابلُغْ مُنَاكَ فإِنَّ غاياتِ المنى / للمسلمين بأَنْ تنالَ مُنَاكا
حتى ترى النَّجْلَ المُبارَكَ رافِعاً / عَلَمَ السيادة جَارياً لمداكا
ويُريكَ فِي شِبْلِ المكارِم والهُدى / والبِرِّ أَفضَلَ مَا أَرَيْتَ أَباكا
جَهِّزْ لَنَا فِي الأرض غزوةَ مُحْتَسِبْ
جَهِّزْ لَنَا فِي الأرض غزوةَ مُحْتَسِبْ / وانْدُبْ إليها من يُساعدُ وانْتَدِبْ
واحمِل عَلَى خيلِ الهوى شِيَمَ الصِّبا / واعقِد لجيشِ اللَّهو أَلوِيَةَ الطَّرَبْ
واهتِفْ بأجنادِ السرور وقُدْ بِهَا / نحوَ الرياضِ وأنت أَكرمُ مَنْ رَكِبْ
جيشاً تَكون طبولُهُ عِيْدَانَهُ / وقرونُهُ النَّاياتِ تُسْعِدُها القَصَبْ
واهزُزْ رِماحاً من تباشير المُنى / واسلُلْ سيوفاً من مُعَتَّقَةِ العِنَبْ
وانصِبْ مجانيقاً من النَّيَمِ الَّتِي / أَحجارُهُنَّ من الرَّواطِمِ وَالنَّخَبْ
لمعاقلٍ من سَوسَنٍ قَدْ شَيَّدَتْ / أَيدي الربيع بِنَاءها فَوْقَ القُضُبْ
شُرُفاتُها من فضَّةٍ وحُمَاتُهَا / حولَ الأَميرِ لهم سُيوفٌ من ذَهَبْ
مُتَرَقِّبينَ لأَمره وَقَدْ ارْتقى / خَلَلَ البناءِ ومَدَّ صَفْحَةَ مُرتقِبْ
كأَمير لُونَةَ قَدْ تطلَّعَ إِذْ دَنا / عبدُ الملِيكِ إِلَيْهِ فِي جَيشٍ لَجبْ
فلَئنْ غَنِمْتَ هناك أَمثالَ الدُّمى / فهُنا بيوتُ المِسكِ فاغنَمْ وانْتَهِبْ
تُحَفاً لشعبانٍ جلا لَكَ وَجْهَهُ / عِوَضاً مِنَ الوردِ الَّذِي أهدى رَجَبْ
فاقْبَلْ هدِيَّتَهُ فقد وافى بِهَا / قدراً إِلَى أَمد الصيام إذا وجبْ
واسْتَوفِ بهجتَها وطيبَ نسيمها / فإذا دَنا رمضانُ فاسْجُد واقترِبْ
وصلِ الجهادَ إِلَى الصِّيامِ بَعَزْمَةٍ / من ثائرٍ يُرْضي الإلهَ إِذَا غَضِبْ
فالنَّصْرُ مضمونٌ عَلَى برّ الهُدى / وعواقِبُ الرّاحَاتِ أثمارُ التَّعَبْ
وارفَعْ رغائِبَ مَا نَوَيْتَ إِلَى الَّذِي / ما زِلْتَ ترفعُها إِلَيْهِ فلم تَخِبْ
حتى تؤوبَ وَقَدْ نَظَمْتَ قلائداً / فَوْقَ المنابر لا تُغَيِّرُها الحِقَبْ
بجواهرٍ من فخر يومِك فِي العِدى / تبْأَى بِهَا فِي الدَّهْرِ تيجانُ العَرَبْ
فتح تكاد سطورُهُ من نورِها / تبدُو فتُقْرَأُ خلْفَ طَيَّاتِ الكُتُبْ
واقبَلْ هَدِيَّةَ عبدِكَ الراجي الَّذِي / أَهدى إليك الدُّرَّ من بحر الأدبْ
شكلانِ من راحٍ وروضةِ نَرجِسٍ
شكلانِ من راحٍ وروضةِ نَرجِسٍ / يَتَنَازَعَانِ الشِّبْهَ وَسْطَ المجلِسِ
مُتَبَاهِيَيْنِ تَلَوُّناً بِتَلَوُّنٍ / متبارِيَيْنِ تنفُّساً بتنفسِ
لكنَّ هَذِي بَيْنَ أحشاءِ الفتى / نارٌ وهَذَا جَنَّةٌ لِلأَنْفُسِ
فكأَنَّها من حَدِّ سيفِكَ تلْتظِي / وكأَنَّهُ من طِيبِ خُلْقِكَ يَكْتَسِي
يا مَنْ عَلا من رُتْبَةٍ فِي رُتْبَةٍ / حَتَّى غَدَا وَسْطَ النجومِ الخُنَّسِ
وابْنَ الذينَ هُداهُمُ ونُهاهُمُ / أدبُ الملوكِ وأُسْوَةٌ للمؤْتَسِي
ضَحِكَ الزمانُ لَنَا فَهاكَ وهاتِهِ
ضَحِكَ الزمانُ لَنَا فَهاكَ وهاتِهِ / أوَ مَا رأيتَ الوردَ فِي شجراتِهِ
قد جاءَ بِالنَّارِنْجِ من أَغصانِهِ / وبخَجلَةِ المعشوقِ من وَجَنَاتِهِ
وكساهُ مولانا غلائلَ سَيْفِهِ / يوماً يُسَرْبِلُهُ دماء عُدَاتهِ
مِنْ بَعْد مَا نَفَخَ الحيا منْ رُوحِهِ / فِيهِ وعرْفُ المِسْكِ من نَفَحَاتِهِ
إِنْ كَانَ أبدعَ واصفٌ فِي وصفِهِ / فلقد تقاصَرَ عن بديع صِفاتهِ
كمديحٍ سيفِ الدولة الأعلى الَّذِي / أَعْيا فأَعْيا فِي مدى غاياتِهِ
مَلِكٌ يُنيرُ الجودَ فِي لَحَظاتهِ / واليُمْنُ والإِيمانُ فِي عَزَمَاتِهِ
وحياتِه إِنْ كَانَ أَبقى حاجةً / لِمَن ارتجاه غيرَ طُولِ حياتهِ
قُل لِلخلافة قَدْ بلغْتِ مُناكِ
قُل لِلخلافة قَدْ بلغْتِ مُناكِ / ورَأَيتِ مَا قَرَّتْ بِهِ عَيْناكِ
مَهْديُّ أُمَّة أحمدٍ وكريمُها / وحليمُها يأْوي إِلَى مأواكِ
وسليلُ نفس إِمامها وشهيدها / قمَريْك فِي الدنيا وما قمراكِ
هذا تَعَجَّل من كَرامة رَبِّهِ / فِي الخلد مثوىً جَلَّ عن مثواك
ودعوتِ يا ثاراتهِ فمُحَمَّدٌ / بالسيف أَوَّلُ سامعٍ لَبَّاكِ
الخائضُ الغَمَرات غير مُروَّعٍ / بالموت زَاحَمَهُ إِلَى مَحْياكِ
فأضاءَت الدنيا لأوَّل وَهْلَةٍ / وصل الإله سناءه بسناكِ
ما كُنتِ قابلةً سواه وَلَمْ يكُنْ / يوماً يريد حياته لِسِواكِ
ولكم شجَاهُ منك فِي جنح الدجى / إِعوالُ محزونٍ وزفرةُ باكِ
حتى تلاقى مَا دهاك بعزمةٍ / لَمْ يُعْيِها الدَّاءُ الَّذِي أعياكِ
في كَفِّهِ السيفُ المقلَّدُ جَدُّهُ / بالمَرْجِ إِذ تَبَّتْ يدُ الضحَّاكِ
وسَعى فأَدْرَكَ بعد ثأرك ثأْرهُ / من كلِّ ممتنعٍ من الإدراكِ
وأَباح كُلَّ حمىً لكُلِّ مُضَلِّل / غَاوٍ أَباحَ حمى الهدى وحماكِ
فشفى نفوس المسلِمين ونفسَهُ / لمّا سقى الدنيا دماءَ عداكِ
بشهيد آل الله والمَلِك الَّذِي / لا كُفْءَ من دمه الكريم الزاكي
لَبِسَتْ عَلَيْهِ الأرضُ ثوبَ حِدَادِها / وبدت نجومُ الليلِ وَهْيَ بَوَاكِ
فَحَوى الخلافةَ والسناءَ وليُّهُ / رَغْماً لكلِّ مُعاندٍ أَفَّاكِ
حُكْماً من الحَكَمِ العَلِيِّ لطالبٍ / أَبداًَ دَمَ الخلفاءِ والأَمْلاكِ
حتى تَنَجَّزَ موعِدُ اللهِ الَّذِي / لَمْ تَخْفَ فِيهِ مَوَاعِدُ الإيشاكِ
يا لابِساً لعدوِّهِ ووليِّهِ / بطشَ الأُسودِ وعِفَّةَ النُسَّاكِ
ما أَبهجَ الدنيا لَدَيْكَ بِعِزَّة ال / دِينِ الحنيفِ وذِلَّةِ الإِشْراكِ
إن غَصَّ يومُ القوط منكَ بِرُسْلِهِمْ / فَغَداً بيوم الرُّومِ والأَتراكِ
سمعوا بدعوتِكَ الَّتِي نادَتْهُمُ / أَوْطانُهُمْ منها تَرَاكِ تَرَاكِ
فالرَّوْعُ مُنقطعٌ إليهم وَاصِلٌ / ليلَ البَيَاتِ لهم بيومِ عِراكِ
بمثالِ طعنٍ فِي الكُلى متتابعٍ / وخيالِ ضَرْبٍ فِي الرِّقَابِ دِرَاكِ
فتيمَّمُوكَ ومن أَشكِّ سلاحِهِمْ / سِيمى الخضوعِ وبزَّةُ الهُلَّاكِ
مُتَعَوِّذِينَ من الفَناءِ بصَفْحَتَيْ / سيفٍ لمثلِ دمائِهِم سَفَّاكِ
فكأَنَّما خاضتْ إليك وجوهُهُمْ / ناراً تَضَرَّمُ فِي غضاءِ أَرَاكِ
حتى اجتلَوْا قمر الخلافةِ حولَهُ / أَمثالَ زَهْرِ كَواكبِ الأَفلاكِ
فاغلِبْ ولا تَزَلِ الخلافةُ والهدى / من سعدِ جَدِّكَ فِي سلاحٍ شاكِ
واشرب بأَكواسِ السرور وسَقِّها / رِفْهاً مدى الأَيَّامِ هاتِ وَهاكِ
وأَنا الشريدُ وظلُّ عِزِّكَ مَوئلي / وأَنا الأَسيرُ وَفِي يديكَ فِكاكي
أَدَبٌ أَضَاءَ المشرقَيْن وتحتَهُ / حظٌّ يَئِنُّ إليك أَنَّةَ شاكِ
شَهِدَتْ لَكَ الأَعيادُ أَنَّكَ عيدُها
شَهِدَتْ لَكَ الأَعيادُ أَنَّكَ عيدُها / بكَ حَنَّ مُوحِشُها وآبَ بَعيدُها
وأَضاءَ مُظلِمُها وأَفرَخَ رَوْعُها / وأَطاعَ عاصِيها ولانَ شديدُها
وصَفَتْ لنا الدُّنيا فَشَبَّ كبيرُها / فِي إِثْرِ مَا قَدْ كَانَ شابَ وليدُها
ما كَانَ أجمدَ قَبلَ يَوْمِكَ بحرَها / فالآنَ فُجِّرَ بالنَّدى جُلْمُودُها
والرِّيحُ للإِقْبالِ تُزْجِي للمُنى / دِيَماً تَدَفَّقُ بِالحياةِ مُدُودُها
ولَقَدْ تَغِيمُ وَمَا لنا من وَدْقِها / إِلّا خواطفُ برقِها ورُعودُها
وارتاحَ بيتُكَ فِي أباطِحِ مَكَّةٍ / لمعادِ أَيامٍ دنا مَوْعُودُها
لِمواكِبٍ صَهَلَتْ إليكَ خُيولُها / وكتائِبٍ خَفَقَتْ عَلَيْكَ بُنودُها
شَغَفاً بدَعْوتِكَ الَّتِي قَدْ طالَما / عَمَرَتْ تهائِمُها بها ونُجُودُها
وأَهَلَّ مُحرِمُها ولَبَّى ركبُهَا / وتلاحَقَتْ حُجَّابُها ووفودُها
فالآنَ أنجَزَ مَوْعِدُ الدُّنيا لَنَا / ولَها وأَخْلَفَ رَوْعُها ووَعِيدُها
حينَ استَقَلَّ بكَ السَّريرُ وفَوْقَهُ / بأسُ الخلائِفِ مُنْجِبِيكَ وجُودُها
وبهاؤها وسَناؤها ووَفاؤها / وصُفُوفُها وسيوفُها وجُنودُها
وتلبَّسَتْ منك الخِلافةُ تاجَها / وتلألأتْ لَبَّاتُها وعُقودُها
أعظِم بِهَا نِعَماً وَفيتَ بشُكْرها / فَوَليُّ عهدِ المسلمينَ مزيدُها
تاليكَ تحْتازُ المدى فَيَحُوزُه / وتَؤودُ شاهِقَةَ الرُّبا فَيَؤودُها
إِنْ تَزرَع المعروفَ فهو غَمامَةٌ / أَوْ تَبدَأ النَّعْماءَ فَهوَ مُعيدُها
تستفتِحُ السَّرَّاءَ وَهْوَ يُسيرُها / وتُشَيِّدُ العَلياءَ وَهوَ يَشِيدُها
وإِذا ازدَهَتْكَ من المحامِدِ زَهْرَةٌ / فِي رَوْضَةٍ غَنَّاءَ فهو يَرُودُها
وإِذا تَقَحَّمَتِ العُداةُ مَوارِداً / فَلَنِعْمَ طَعَّانُ الكُماةِ يَذُودُها
فطَرَتْهُ من قُطْبِ النجومِ وِلادةٌ / وكَلَتْ إِلَيْهِ الخيلَ فهو يقودُها
واختصَّهُ بدْرُ السَّماءِ بنِسبَةٍ / حَكَمَتْ عَلَى السَّادَاتِ أنْ سَيسُودُها
وسَرَتْ إِلَيْهِ من يَدَيْكَ شَمَائِلٌ / أَغرَتْهُ بالآفاقِ فهوَ يَجُودُها
وكَسوْتَهُ ثَوْبَيْ وَغىً ورياسةٍ / زُهِيَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُها وبُرُودُها
أَيَّامَ أزهَرَتِ البلادُ كواكِباً / بقبابِ جُندِكَ والرَّجاءُ عَبيدُها
حِجَجاً ثلاثاً مَا تَأَنَّسَ حَضْرُها / شوقاً إليكَ ولا تَوَحَّشَ بيدُها
وسُرادِقُ النصرِ العزيز عَلَيْكُمَا / مرفوعُ أَرْوِقةِ الهُدى مَمْدُودُها
حَتَّى ارتقَيْتَ من المنابِرِ رُتْبَةً / غَرَّتْ بِهَا غُرُّ الرجال وَصِيدُها
فِي قُبَّةِ المُلك الَّذِي صِنْهَاجَةٌ / و زِنَانَةٌ أَطنابُها وعَمودُها
وسَراتُها ودُعاتُها ورُعاتُها / وبُناتُها وحُماتُها وأُسودُها
هُمْ نَوَّرُوا لَكَ ليلَ كلِّ مُضِلَّةٍ / سُمْراً وبيضاً مَا تَجفُّ غُمُودُها
نُورٌ لِمَنْ وَالاكَ فَهْيَ وَقِيدُهُ / أَوْ نارُ مَنْ عاداكَ فهوَ وَقُودُها
أَذْهَلْتَهَا بِعُلاكَ عَمَّا أَوْرَثَتْ / من مُلكِها آباؤُهَا وجدُودُها
وتَعوَّضَتْ بذَرَاكَ من أَوْطانِها / أُمْنيَّةً حَسْبُ النُّفُوسِ وُجُودُها
صَدَقَتْكَ أَيَّامَ النِّزَالِ سُيُوفُها / ضَرْباً وَفِي يوم النِّفارِ عُهودُها
في ساعَةٍ مقطوعةٍ أَرْحامُها / لا البِرُّ شاهِدُها ولا مَشْهُودُها
يومٌ أُذِلَّ كِرامُهُ لِلئامِهِ / وَسَطَت بأحرارِ الملوكِ عبيدُها
وتوَاكَلَتْ أَبطالُها فِي كُرْبةٍ / أعيَتْ بِهَا سادَاتُها ومَسودُها
لا يَهْتَدِي سَمْتَ النَّجاةِ دَليلُها / دَهَشاً ولا وجه السَّدادِ سديدُها
حَتَّى طَلَعْتَ لَهُم بأسعدِ غرَّةٍ / طَلَعَتْ عَلَيْهِم فِي السَّماء سُعودُها
فَتَنَسَّمُوا نَفَسَ الحياةِ لأَنْفُسٍ / قَدْ حانَ من حَوْضِ الحِمام وُرُودُها
وتبيَّنَ الغيَّ المُبيرَ غَوِيُّها / وارتاحَ للرُّشْدِ المبينِ رَشيدُها
وتبادَرُوا يُمْنى يَدَيْكَ ببَيعَةٍ / يَبلى الزمانُ ويَستجدُّ جديدُها
يَدُ رَبِّهِمْ فِيهَا عَلَى أيديهِمُ / والكاتِبُونَ الحافظونَ شُهُودُها
أَوْفَوْا بِهَا فوفَتْ بأُلْفَةِ شملِهِمْ / فِي دولةٍ مستقبَلٍ تأْييدُها
ضَمِنَتْ لَهُم أَلّا تُسَلَّ سُيُوفُها / فِي مَعْرَكٍ حَتَّى تُسَلَّ حُقودُها
وسَقَتْهُمُ بكُؤوسِ عَطفٍ أَخْمدَتْ / منهم ذُحُولاً لا يُرَامُ خُمودُها
فَبِسَلْمِها أَصْفى السلامَ أَبيُّها / وبأمنِها أَلِفَ العُيونَ هُجودُها
وتصافَحُوا بعْدَ السيوفِ بأوجُهٍ / مُتقارِضٍ مَوْدودها ووَدُودُها
هي دعوةٌ بسيوفِهِمْ تثبيتُها / فِي بَيعَةٍ أَيْمانُهُمْ توكيدُها
ومعالِمٌ لشريعةٍ بجِهادِهِمْ / وجيادِهم وجِلادِهم توطيدُها
أَن جاهدوا فِي الله حقَّ جهادِهِ / وَعَلَى النُّفُوسِ لِرَبِّها مجهودُها
لِيزيدَ عزَّاً بالجهادِ عزيزُها / ويزيدَ سَعداً باليقِينِ سَعيدُها
حَلَفُوا بربِّهِمُ لعقد خلافَةٍ / أَوْصَاهُمُ أَلّا تُحَلَّ عقودُها
وبها اسْتَقَادَ لهم مُلُوكَ عُدَاتِهِمْ / وعنَا لهم جَبَّارُها وَعنيدُها
واستَوْدَعُوا جنبَيْ شَرَنْبَةَ وَقعَةً / هدَّ الجبالَ الراسياتِ وَئيدُها
دلَفوا إِلَى شَهباءَ حان حَصادُها / بظُبىً رُؤوسُ الدَّارعين حَصيدُها
وشِعابُ قَنتيشٍ وَقَدْ حَشَرَتْ لَهُمْ / أُممٌ بُغاةٌ لا يُكتُّ عديدُها
فكأنَّمَا مَرِضَتْ قلوبُهُمُ لَهُمْ / غِلّاً فجاؤوا بالرِّماحِ تَعودُها
ترَكُوا بِهَا ظَهْرَ الصَّعيدِ وَقَدْ غَدا / بطناً وأَجسادُ الغُواةِ صعيدُها
وكَتائِبُ الإِفْرَنج إِذ كادَتْكَ فِي / أَشياعِها والله عنكَ يكِيدُها
بسوابحٍ فِي لُجِّ بحرِ سَوابِغٍ / فاضتْ عَلَى الأَرض الفضاءِ مُدُودُها
ولقد أَضافُوا نسرَها وغُرابَها / وقِراهُما طاغوتُها وعَميدُها
شِلْوٌ لأَرْمَنْقُورها حُشِرَتْ بِهِ / للزَّحفِ ثُمَّ إِلَى الجَحيمِ حُشُودُها
ودَنَتْ لَهَا فِي آرُ تَحْتَ صَوارِمٍ / وَرِيَتْ بعزِّ المسلمينَ زُنودُها
من بعْدِ مَا قَصفُوا الرِّماحَ وأصلَتُوا / بيضاً يُشيِّعُ حدَّها توحيدُها
فكأَنَّما رُفِعتْ لَهَا صُلبانُها / فِي ظِلِّ هَبوَتِها فَحَانَ سُجُودُها
وبِجانِب الغَرْبيِّ إِذْ أَقْدَمتَها / شَعثاءَ بُشِّرَ بالفُتُوحِ شهيدُها
ضَرَبُوا عَلَى الأُخدودِ هامَ حُماتِهِ / حَتَّى عَبَرْتَ وجِسرُهُنَ خُدودُها
في وَقعةٍ قامت بعُذرِ سيوفِهِمْ / لَوْ ذابَ من حَرِّ الجِلادِ حديدُها
ويضيقُ فِيهَا العُذْرُ عن خَطِيَّةٍ / سمراءَ لَمْ يُورِقْ بكفِّكَ عُودُها
فبِها رأَينا العزَّ حَيْثُ تودُّه / وسوابِغَ النَّعماءِ حَيْثُ تريدُها
إِلّا كرائِمَ من كرائِمكَ الَّتِي / بكَ كُرِّمَتْ أخطارُها وجُدُودُها
ذُعِرتْ بحُكمِ الجاهليَّةِ أَن ترى / قَدْ دُسَّ فِي تُرْبِ الثَّرى مَوْؤُودُها
أَن مَلَّكتْ مَنْ فِي يديهِ مَماتُها / ونأت عَلَى مَن فِي يَديهِ خُلودُها
فاقبلْ فقد ساقَتْ إليكَ مُهورَها / أَكْفاءُ حمدٍ لا يُذَمُّ حميدُها
بدْعاً من النظمِ النفيسِ تَشابَهَت / فِيهَا الجواهِرُ دُرُّها وفَريدُها
وَلتَهْنِنا أَيَّامُ عِزٍّ كُلُّها / عِيدٌ وأنتَ لِمن أَطاعكَ عِيدُها
ولقَد يَحولُ عَلَى وَلِيِّكَ حُوْلُها / فِي مُشفِقِ الأَهْلِينَ وَهْوَ فَقِيدُها
إِن يَطرُقِ الأَوطانَ فهو أَسِيرُها / أَوْ يُشعِرِ الأَعْدَاءَ فهو طريدُها
لا حُرْمَةُ الرحمنِ ناهيةٌ وَلا / معلومُ أَيَّامٍ ولا مَعدُودُها
عن مُسْلمٍ ضَحَّى بِهِ غاوٍ وَعَن / نَفْسٍ حرامٍ والعُداة تَصيدُها
قد عَانَدُوا الرَّحمنَ فِي حُرُمَاتِهِ / أن تُعتدى فِي المُسْلِمينَ حُدودُها
بيضُ السُّيوفِ عَليَّ فيكَ حِدَادُها / مُتَوَقِّدُ الأَكبادِ نحوِيَ سُودُها
هذا جَنايَ وغارَةٌ مشهودةٌ / عَدَلَتْ بِحُبِّ المُسْتَعينِ شُهُودُها
وكَفاكَ من نَفْسٍ كَفَيْتَ رَجاءها / ذُخراً فَهانَ طَريفُها وتَليدُها
كَانَتْ وَحيدةَ دَهرِها من نَكْبَةٍ / مَنْكوبُها فذُّ الدهورِ وحيدُها
وَلَئِنْ أَجَدَّ ليَ الحَسودُ نَفاسةً / أَن قَدْ دَعاكَ لِنِعمةٍ تَجديدُها
فأنا الَّذِي لَمْ تُغضِ عيْنُ الدَّهْرِ عن / نُعمى ولا نُقمى يَنامُ حَسودُها
وَلِذَاكَ فِي عُنُقي مُوَثَّقُ غُلِّها / باقٍ وَفِي القَدَمين بعدُ قُيُودُها
كَمْ أَستَطِيلُ تَضَلُّلِي وتَلَدُّدِي
كَمْ أَستَطِيلُ تَضَلُّلِي وتَلَدُّدِي / وأرُوحُ فِي ظُلْمِ الخطوبِ وأَغْتَدي
والأَرضُ مُشرِقَةٌ بنورَيْ ربِّها / والفجرُ مُنبَلِجٌ لِعَيْنِ المُهتدي
بأَغَرَّ من بيتِ النُّبوَّةِ والهُدى / كالبدرِ من وَلَدِ النَّبيِّ مُحَمَّدِ
القاسِمِ المقسومِ راحَةَ كَفِّهِ / فِي بَسطِ معروفٍ وقَبضِ مُهَنَّدِ
الهاشِمِيِّ الطَّالِبيِّ الفاطِمِي / يِ الوَارِثِ العَليا بأَعْلى قُعدُدِ
أَهْدى إِلَى الدنيا عَليٌّ هَدْيَهُ / فِي طَيِّ أَرْدِيَةِ النُّهى والسُّؤْدَدِ
حتى تَجَلَّى للمكارِمِ والعُلا / بَدْراً تَنَقَّلَ فِي بُرُوجِ الأَسْعُدِ
مُتَقَدِّماً من مَشرِقٍ فِي مَشرِقٍ / مُتَنَقِّلاً من سيِّدٍ فِي سَيِّدِ
من كُلِّ رُوحٍ بالعَفافِ مقدَّسٍ / فِي كُلِّ جِسمٍ بالسَّناءِ مُقلَّدُ
بَعُدُوا عنِ الرِّجْسِ الذَّمِيمِ وطُهِّرُوا / فِي مَنشَأٍ للمُنْجِبِينَ ومَوْلِدِ
ولَرُبَّ موجودٍ ولَمَّا يُوجَدِ / منهُمْ ومفقودٍ كَأَنْ لَمْ يُفْقَدِ
ما بُشِّرُوا بالفَوْزِ حَتَّى بُشِّرُوا / بِأَبَرِّ مَنْ خَلَفَ الجُدُودَ وأَمْجَدِ
لَهمُ زكِيُّ صَلاتِنا ودُعاؤُنا / فِي كلِّ خُطبةِ مِنبرٍ وتَشهُّدِ
ومكانُهُم من قلبِ كُلِّ كَتيبةٍ / كمكانِهِمْ من قلبِ كُلِّ مُوَحِّدِ
هُمْ أَنجبوكَ لسانَ صدقٍ عَنهُمُ / فَرعاً يطيبُ لنا بطيبِ المَحْتِدِ
وهُمُ رَضُوكَ لكلِّ خطبٍ فادحٍ / واستخلفوكَ لكلِّ غاوٍ مُعتَدِ
ولصوتِ داعٍ بالصَّرِيخِ مُثَوِّبٍ / ولِفَكِّ عانٍ بالخطوبِ مُقيَّدِ
مَلَكٌ تَشاكَهَ جُودُهُ وجَوادُهُ / إِن كَرَّ نحوَ مُبارِزٍ أَوْ مُجْتَدِ
أَعْيا عَليَّ أَهَادِياتُ جِيادِهِ / فِي الرَّوْعِ أَهْدى أَمْ نداه فِي النَّدي
لا الفارِسُ الأَقصى بمُعجِزِهِ ولا / جَدْواهُ للأَدنَيْن دونَ الأَبْعَدِ
سيفُ الخِلافَةِ فِي العِدى وأَمينُها / دونَ الغُيوبِ وزَيْنُها فِي المَشْهَدِ
يُبلي جَوَانِحَها بنفسِ مخاطِرٍ / ويُنيمُ أَعيُنَها بعَيْنِ مُسَهَّدِ
جَهِدَ الكرامُ وَمَا دَنَوْا من غايَةٍ / أَحرزْتَها متأَنِّياً لَمْ تَجهدِ
بِكَ أُخْمِدَتْ نيرانُها من فتنَةٍ / لولاكَ يَا ابْنَ نَبيِّنا لَمْ تُخْمَدِ
مَنْ ذا سِوَاكَ إِذَا الرجالُ تدافعوا / رَأْياً يُؤَلِّفُها برأْيٍ أَوْحَدِ
وإِذا الصَّوارِمُ جُرِّدَتْ فِي فتنةٍ / عَمْياءَ تُغْمِدُها بسيفٍ مُغمَدِ
ولرُبَّ مُشعَلةِ الرِّماحِ كَفَفْتها / عَفواً وَمَا زَعْزَعْتَ حَبوَةَ مُرتَدِ
يا مَنْ إِذَا عَلِقَتْ يَدِي بيَمينِهِ / فالكاشِحونَ أَقَلُّ مَا مَلَكتْ يَدي
وإِذا عَقَلْتُ رَواحِلي بفنائِهِ / فقد اقتَضَيْتُ ضَمانَ يومِي عن غدِ
وَعَدَتْنِيَ الدُّنيا شقيقَك مفزَعاً / من سُوءِ عادِيةِ الزَّمانِ الأَنكَدِ
وكَفى بِبِشرِكَ لي بَشيراً بالمُنى / وقبولِ وَجْهِك مُنجِزاً للمَوْعِدِ
يا ابْنَ الشفِيعِ بنا وأَكْرَمَ أُسْوَةٍ / لِلمُقتَدِينَ وأَنتَ أَجْدَرُ مُقتَدِ
امدُدْ يَمينكَ شافِعاً ومُشَفَّعاً / تَحُزِ الثَّناءَ مُخلَّداً بمُخلَّدِ
يا ابْنَ الوَصِيِّ عليَّ أَوْصِ سَمِيَّهُ / أَلّا يضيعَ سَمِيُّ جَدِّكَ أَحْمَدِ
يا صَفْوَةَ الحَسَنَيْنِ كَمْ قَدْ أَحْسَنا / إِصغاءَ وُدِّ النازِحِ المتَودِّدِ
يَا أَيُّهَا القَمرانِ أَيْنَ سَناكُمَا / عن مُطبِقٍ فِي ليلِ هَمٍّ أَسْوَدِ
يَا أَيُّهَا الغيثانِ هلْ لكما إِلَى / روضِ النُّهى والعِلْمِ فِي التُّرْبِ الصَّدِي
يا فرقَدَيْ قُطْبِ الخلافَةِ جَهِّزا / مُهْدِي السَّلامِ لفَرْقَدٍ من فَرْقَدِ
فَلأَجْعَلَنَّ ثناءَ مَا أَوْلَيْتُما / زاداً لكُلِّ مكَوِّفٍ أَوْ مُنجِدِ
حَتَّى يُسَمَّعَ طِيب مَا أُثني بِهِ / قَبْرٌ بطَيبةَ أَوْ بِصَحْنِ المَسجِدِ
وإِذا وردنا حوضَ جدِّك فاستمعْ / وأَبوكَ يَسقِي للرَّواءِ السَّرْمَدِ
شُكْر الَّذِي أَرْحَبتُما من منزِلي / وثناءَ مَا رَفَّهتُما من مَوْرِدِ
فِي سِتَّةٍ ضَعُفُوا وضُعِّفَ عَدُّهُمْ / حَمْلاً لمبهورِ الفُؤَادِ مُبَلَّدِ
شدَّ الجلاءُ رِحالُهُم فتَحَمَّلتْ / أَفلاذَ قلبٍ بالهُمُومِ مُبَدّدِ
وَحَدَتْ بِهِمْ صَعَقَاتُ رَوْعٍ شَرَّدَتْ / أَوْطانَهُمْ فِي الأرضِ كُلَّ مُشَرَّدِ
لا ذَاتُ خِدْرِهمُ يُرَامُ لِوَجْهِهَا / كِنٌّ ولا ذو مَهْدِهمْ بمُمَهَّدِ
عاذُوا بلَمْعِ الآلِ فِي مَدِّ الضُّحى / مِنْ بَعدِ ظِلٍّ فِي القُصورِ مُمَدَّدِ
ورَضُوا لباسَ الجُودِ يَنْهَكُ مِنهُمُ / بِالبُؤْسِ أَبشارَ النَّعِيمِ الأَرْغَدِ
واستَوْطَنُوا فَزَعاً إِلَى بَحرِ النَّدى / أَهْوَالَ بَحْرٍ ذي غَوَارِبَ مُزْبِدِ
من كُلِّ عارٍ بالتَّجَمُّلِ مُكتَسٍ / ومُزَوَّدٍ بالصَّبْر غيرِ مُزَوَّدِ
ولَنِعْمَ جَبْرُ الفَقْرِ من بَعدِ الغِنى / والذُّلِّ بَعدَ العِزّ آلُ مُحَمَّدِ
هل تَثنِيَنَّ غُرُوبَ دمع ساكِبِ
هل تَثنِيَنَّ غُرُوبَ دمع ساكِبِ / مَنْ شامَ بارِقَةَ الغمامِ الصَّائِبِ
أَبَتِ العزيمةُ من فؤادٍ جامِدٍ / أَنْ تستقيدَ لِماءِ جفنٍ ذائبِ
مَن تَرْمِهِ حَدَقُ المكارِمِ تُصْبِهِ / عن مُصبِياتِ أَحِبَّةٍ وَحَبائبِ
ففِراقُ رَبَّاتِ الخُدُورِ مُكفَّرٌ / بِلِقاءِ نجمِ المكرُماتِ الثَّاقِبِ
قالتْ وَقَدْ مَزَجَ الوداعُ مدامعاً / بمدامِعٍ وترائباً بترائِبِ
أَتَفَرُّقٌ حَتَّى بمنزلِ غُرْبَةٍ / كم نحنُ للأَيَّامِ نُهْبَةُ ناهِبِ
فِي كلِّ يومٍ مُنتوىً مُتباعِدٌ / يرمي حُشاشَةَ شملِنا المُتقارِبِ
وَثَنَتْ تُذَكِّرُ مُقرَباتِ سفائنٍ / عُذْنا بِهَا من مُقفِراتِ سباسِبِ
أَيامَ تؤْنِسُنا فَلاً وسواحِلٌ / عن آنساتِ مقاصِرٍ ومَلاعِبِ
نَعَبَ الغرابُ بِهَا فطارَ بأَهلِها / سِرْباً على مِثلِ الغرابِ النَّاعِبِ
خرِقُ الجَناحِ إِلَى الرِّياحِ مُضلَّلٌ / بشَمَائِلٍ لعِبتْ بِهِ وجنائبِ
يهوي بذي طِمْرَينِ مزَّقَ لبسَها / أَيدي لَوَاهِفَ للنفوس نوادِبِ
فِي غَوْلِ ذي لُجَجٍ لَبِسْنَ دياجياً / تركَ الحياةَ لنا كَأَمسِ الذَّاهِبِ
قاسيتُهُنَّ غوارباً كَغَياهبٍ / وَسريتُهُنَّ غياهباً كَغواربِ
نَجلُو ظلامَ اللِّيلِ قبلَ صباحِهِ / بلَظى زفيرٍ أَوْ برأْسٍ شائِبِ
يا هَذِهِ لله تِلْكَ حدائقاً / زهراتُهُنَّ مفارقي وذوائبي
مثلَ الرِّياضِ تفتَّحتْ أَكمامُها / عن مُحْكَماتِ بصائري وَتَجَارِبي
فذخَرْتُ للألبابِ كِفَّةَ حابلٍ / وَلأَشْطُرِ الأَيَّامِ كَفَّيْ حالِبِ
وَرَميْتُ آفاقَ العِراقِ بشُرَّدٍ / لَيْسَ العجائبُ عندها بعجائِبِ
من كل ساحِرةٍ كَأَنَّ روِيَّها / فِي أَلسُنِ الرَّاوينَ رِيقةُ كاعبِ
وَلَكَمْ وَصلتُ تنائِفاً بتنائِفٍ / حَتَّى وَصَلْتُ مشارِقاً بمَغارِبِ
فكأَنَّمَا قَفَّيتُ إِثْرَ بدائعي / فِي الأَرْضِ أَوْ ناوَيتُ شَأْوَ غرائبي
أَوْ رُمْتُ حظِّي فِي السماء وَقَدْ جرى / لمداهُ فِي فَلَكِ الفضاءِ الغائِبِ
وَلئِنْ دَجتْ لي الحادثاتُ فما أرى / نُورَ اليقينِ بطرفِ ظنٍّ كاذِبِ
صدقَتْنِيَ الأَنباءُ ضربةَ لازِمٍ / أن لَيْسَ همُّ الدهرِ ضربةَ لازِبِ
فشفيتُ فِي حُرِّ التجمُّلِ غُلَّتي / وقَضيتُ من حسنِ العزاءِ مآربي
وَحَرَسْتُ عِرضي بالتوكُّل من نأى / عنّي بجانِبِهِ نَأَيْتُ بجانبي
ولقد رأيتُ الجِدَّ لَيْسَ ببالغٍ / وَالعَجزَ لَيْسَ عن الصِّراطِ بناكِبِ
كم قَدْ سعدتُ بما تمنَّى حاسِدي / قدْراً وَخِبتُ بما تخيَّرَ صاحِبي
وَوَجدتُ طعمَ السُّمِّ فِي شهدِ الجَنى / وَأُجَاجَ شُرْبي فِي نمير مشَارِبي
ورَفلتُ فِي النِّعَمِ السوابغ مُلبِسي / أَثوابَها الدهرُ الَّذِي هوَ سالبي
يا رَبَّةَ الخِدْرِ اسْتَجِدِّي سَلْوةً / جَدَّ النَّجاءُ بهائمٍ بكِ لاعبِ
إِمَّا شجيتِ برحلتي فاستبشِري / بجميل ظنّي من جميلِ عواقبي
وَلئن جنيت عَلَيْكِ تَرْحَة راحِلٍ / فأَنا الزَّعيم لَهَا بفرْحَةِ آيب
هل أَبْصَرَتْ عيناكِ بدْراً طالِعاً / فِي الأُفقِ إِلّا من هلالٍ غاربِ
وَاللهُ من بعدِي عَلَيْكِ خليفتي / وخَليفةٌ هُديَتْ إِلَيْهِ مَذاهِبي
بَيْني وبَينكِ أَنْ يُلَبِّي دعوتي / داعي لَبيبٍ من مُناخِ ركائبي
وأُهِلَّ نحوَ فِنائِهِ وَعَطَائِهِ / فيُهِلَّ نحو وسائلي ورَغائبي
وَأُشِيم بَرْقَ يمينه وجبينِهِ / وَيشُمُّ ريحَ أَوَاصِري ومَطالبي
وَأَهُزُّهُ بشوافِعٍ من عامِرٍ / تُزْري بكلِّ قرابةٍ وَمَناسِبِ
فَهُناكَ جاءَتْكِ الخطوبُ خواضِعاً / وَمشى إليكِ الدهرُ مِشيَةَ تائِبِ
وأَنابَ سُلطانُ النوائِبِ وانْثنَت / ذُلَلاً وأعتبَ كلُّ مولىً عاتبِ
ملكٌ متى أَرْمِ الحوادِثَ باسمهِ / تقتُلْ أَفاعِيها سُمُومُ عقارِبي
الرَّافِعُ الأَعْلامَ فَوْقَ خوافِقٍ / والقائدُ الآسادَ فَوْقَ شَوازِبِ
مَلِكٌ تكرَّمَ عَنْ خلائِقِ غادِرٍ / فأثابهُ الرحمنُ قدرةَ غالِبِ
يقضي فَيُمْضي كُلَّ حقٍّ واجبٍ / إِلّا إِذَا أعطى ففوْقَ الواجِبِ
قُفلٌ عَلَى الإسلامِ ممنوعٌ لَهُ / عن قلبٍ كلّ مُعانِدٍ وَمُناصِبِ
لا يخلعُ الإِسلامُ حُلَّةَ آمِنٍ / منهُ وَلا الإِشراكُ رِبقَةَ هائِبِ
حَرَمُ الهُدى سُمُّ العِدى أُمنِيَّةٌ / لمُسالِمٍ وَمنِيَّةٌ لمُحارِبِ
وَقفٌ عَلَى عَلَمِ الثُّغُورِ مُقارِبٌ / لمباعِدٍ وَمُباعِدٌ لمُقاربِ
فَمُراقِبُ الإِسلامِ غَيْرُ مُراقبٍ / وَمُصاقِبُ الأَعداءِ غيرُ مُصاقِبِ
مُوفٍ بعَلياءِ الثُّغُورِ لِرَغْبةٍ / من راغِبٍ أَوْ رَهْبَةٍ منْ راهِبِ
تُضحي عطاياهُ تحِيَّةَ زائرٍ / وَتبيتُ روعتُهُ نَجِيَّةَ هارِبِ
يا من يُلاقي النَّازِلِين قِبابَهُ / بجبينِ مَوْهُوبٍ وَرَاحَةِ وَاهبِ
وإِذا التقى الجمعانِ أَوَّلُ طاعنٍ / وإِذا اسْتَحَرَّ الطَّعنُ أَوَّلُ ضاربِ
وَإِذا تَؤُوبُ الخيلُ آخِرُ نازِلٍ / وَإِذا دعا الداعي فأَوَّلُ راكِبِ
كَرُمَتْ أَيادِيكَ الَّتِي أَنشأْتَها / أترابَ كُلِّ مؤمِّلٍ أَوْ راغبِ
من كُلِّ بكْرٍ فِي يمينِكَ حُرَّةٍ / يرفُلْنَ بَيْنَ قلائدٍ وجَلاببِ
هذِي لأَوَّلِ خاطِبٍ وَلِدَاتُها / يهتِفنَ فِي الآفاقِ هلْ منْ خاطِبِ
وَيَجِلُّ قَدْرُكَ عن وِلادَةِ يافِث / أَوْ قَيصَرٍ أَوْ عن أَرُومِ صَقالِبِ
بَلْ أَنتَ بكْرُ غمامَةٍ من بارِقٍ / لَقِحَتْ بِهِ أَوْ صَعْدَةٍ من قاضِبِ
قَبِلَتكَ أَيْدِي هِمَّةٍ وَسِيادَةٍ / وَرَضَعْتَ دَرَّ مكارِمٍ وَمَواهِبِ
في عزِّ مَهدٍ مَا استَقَرَّ مكانُهُ / إِلّا بقربِ مَنابرٍ وَمَحارِبِ
وَفُطِمْتَ يوْمَ فُطِمتَ فِي رَهَجِ الوَغى / عند التفافِ كتائبٍ بكتائبِ
حَتَّى حَلَلْتَ من السماءِ مراتِباً / تركَت كَواكِبَها بغيرِ مَراتِبِ
فلَئِنْ طَلبتَ هُناكَ حقّاً صاعداً / فلأَنْتَ أَقرَبُ من وريدِ الطَّالِبِ
وَلئن وَهَبتَ لقد وَهبتَ مساعياً / أَصبحْنَ حَلْيَ مآثري وَمَناقِبي
شيَماً بِهَا حَلَّيْتُ غُرَّ قصائِدي / وجَعلْتُهُنَّ أَهِلَّةً لِكواكِبي
وَذَخَرْتُ للأَزْمانِ من حَسناتِهَا / مثْلَ القلائدِ فِي نحورِ كواعبِ
ولأَشفِيَنَّ بِهَا سَقامَ تَغَرُّبِي / ولآسُوَنَّ بِهَا جراحَ مَصائبي
ولأَجْعَلَنْ منها تمائِمَ خائفٍ / من طائِفٍ أَوْ مِنْ رجاءٍ خائبِ
ولأَتْرُكَنَّ ثناءها وجزاءها / قوتَ المُقيمِ غداً وزادَ الرَّاكبِ
وسرورَ محزونٍ وأُنْسَ مُغَرَّبٍ / وحُليَّ أَوْتارٍ وروضَةَ شاربِ
ولقد نَثَرْتُ عَلَيْكَ شَكلَكَ جَوْهَراً / لا مَا قمَشتُ وضمَّ حبلُ الحاطبِ
بُشراكَ من طُولِ التَّرَحُّلِ والسُّرى
بُشراكَ من طُولِ التَّرَحُّلِ والسُّرى / صبحٌ بِرَوْحِ السَّفْرِ لاحَ فأَسْفَرا
مِنْ حاجِبِ الشَّمس الَّذِي حَجبَ الدجى / فَجراً بأَنهارِ الندى مُتفجِّراً
نادى بِحَيَّ عَلَى النَّدى ثُمَّ اعتلى / سُبُلَ العُفاةِ مُهلِّلاً ومُكَبِّرا
لَبَّيكَ أَسْمعنا نِداكَ ودُونَنا / نَوْءُ الكواكِبِ مُخْوِياً أَوْ مُمْطِرا
مِنْ كُلِّ طارِقِ لَيلِ همِّي ينتحي / وَجْهي بوجهٍ من لقائِكَ أَزْهَرَا
سارٍ ليعِدَل عن سَمائكَ أنجُمِي / وَقَدِ ازْدَهاها عنْ سَناكَ مُحيِّرا
فكأَنَّما أَغْرَتْهُ أَسبابُ النَّوى / قدَراً لِبُعْدِيَ عن يَديكَ مُقدَّرا
أَوْ غارَ من هممي فأَنْحى شأْوَها / فَلَكَ البُرُوجِ مُغرِّباً ومُغَوِّرا
حَتَّى عَلِقتُ النَّيِّرَيْنِ فأَعْلقَا / مَثنى يَدِي مَلِكَ الملوكِ النَّيِّرا
فَسَريْتُ فِي حَرَمِ الأَهِلَّةِ مُظلِماً / وَرَفَلْتُ فِي خِلَعِ السّمومِ مُهجِّرا
وَشَعَبْتُ أَفلاذَ الفُؤَادِ وَلَمْ أَكَد / فحذَوْتُ من حَذْوِ الثُّريَّا مَنظرا
سِتٌّ تَسرَّاها الجَلاءُ مُغرِّباً / وحَدا بِهَا حادِي النَّجاءِ مُشْمِّرا
لا يَستفيقُ الصُّبحُ منها مَا بَدا / فَلَقاً ولا جَدْيُ الفراقِد مَا سرى
ظُعنٌ أَلِفْنَ القفرَ فِي غَوْلِ الدُّجى / وَتَرَكْنَ مأْلوفَ المعاهِدِ مُقفرا
يَطلُبْنَ لُجَّ البحر حَيْثُ تقاذَفتْ / أَموَاجُهُ والبَرَّ حَيْثُ تنكَّرَا
هِيمٌ وَمَا يَبْغِينَ دونكَ مَوْرِداً / أَبَداً وَلا عن بَحرِ جُودِكَ مَصدَرا
من كُلِّ نِضوِ الآلِ مَحبوكِ المُنى / يُزْجِيهِ نَحوَكَ كُلُّ مَحبوكِ القَرَا
بُدُنٌ فَدَتْ مِنَّا دِماءَ نُحورِها / بِبِغائِها فِي كُلِّ أُفقٍ مَنحرا
نَحرَتْ بنا صَدْرَ الدَّبورِ فأَنْبطَت / قَلَقَ المضاجِعِ تَحْتَ جوٍّ أَكدَرَا
وَصَبتْ إِلَى نَحوِ الصبا فاسْتخلَصتْ / سَكَنَ الليالي والنَّهارَ المُبصِرا
خُوصٌ نَفَخْنَ بنا البُرا حَتَّى انْثَنَتْ / أَشلاؤُهُنَّ كَمِثلِ أَنْصافِ البُرَا
نَذَرَتْ لَنَا أَلّا تلاقي رَاحَةً / مِمَّا تُلاقِي أَوْ تُلاقيَ مُنذِرَا
وَتَقاسَمَتْ ألَّا تُسيغَ حَياتَها / دونَ ابْنِ يَحيَى أَوْ تَموتَ فَتُعذَرا
للهِ أَيُّ أَهِلَّةٍ بَلَغَتْ بنا / يُمْناكَ يَا بَدْرَ السَّماءِ المُقمِرَا
بَلْ أَيُّ غُصنٍ فِي ذَرَاكَ هَصَرْتَهُ / نَخِرٍ فأوْرَقَ فِي يَدَيْكَ وأَثْمرا
فَلَئِنْ صَفَا ماءُ الحياةِ لَدَيْكَ لي / فَبما شرِقْتُ إِليكَ بالماءِ الصَّرى
ولئِنْ خَلَعْتَ عَليَّ بُرْداً أَخضَرا / فلَقَدْ لبستُ إِليْكَ عَيشاً أَغْبَرا
ولَئِنْ مَدَدْتَ عليَّ ظِلّاً بارِداً / فلكم صُلِيتُ إِليكَ جَوّاً مُسعرا
وكَفاكَ مَنْ جعلَ الحياةَ بضاعةً / ورأَى رِضَاكَ بِهَا رخيصاً فاشتَرى
فَمَنِ المُبَلِّغُ عن غريبٍ نازِحٍ / قَلباً يكادُ عَليَّ أَنْ يتفَطَّرا
لَهْفَانَ لا يَرْتَدُّ طَرْفُ جفونِهِ / إِلَّا تذكَّرَ عَبْرَتي فاسْتَعبَرا
أَبُنَيَّ لا تَذْهَبْ بنفسِكَ حَسرَةٌ / عن غَوْلِ رَحْلي مُنجِداً أَوْ مُغْوِرا
فلَئِنْ ترَكْتَ اللَّيلَ فَوْقيَ دَاجِياً / فلقد لقيتُ الصُّبحَ بعدَكَ أَزْهَرَا
ولَقدْ وردْتُ مياهَ مارِبَ حُفَّلاً / وأَسَمْتُ خيلي وسْطَ جنَّةِ عبقرا
وَنَظَمْتُ للغيدِ الحِسانِ قَلائِداً / من تاجِ كِسرى ذِي البهاءِ وقيصرا
وحللْتُ أَرْضاً بُدِّلت حَصباؤُها / ذَهَباً يَرِفُّ لناظِرَيَّ وجَوْهَرا
وليَعلمِ الأَمْلاكُ أَنِّيَ بَعدهُم / ألفيتُ كُلَّ الصَّيدِ فِي جَوْفِ الفرا
ورمى عَليَّ رِداءهُ منْ دُونِهِم / مَلِكٌ تُخُيِّر للعُلا فَتَخَيَّرا
ضَرَبُوا قِداحَهُمُ عَليَّ ففازَ بِي / مَنْ كَانَ بالقِدْحِ المُعلَّى أَجْدرا
مَنْ فكَّ طِرْفي من تكاليفِ الفَلاَ / وأجارَ طَرْفي من تبارِيحِ السُّرى
وكفى عِتابي من أَلامَ مُعذِّراً / وتَذَمُّمِي مِمَّنْ تَجَمَّلَ مُعذِرا
ومُسائِلٍ عنِّي الرِّفَاقَ ووُدُّهُ / لَوْ تنبذُ الساداتُ رحلي بالعرا
وبقيتُ فِي لُججِ الأَسى مُتضَلِّلاً / وَعَدَلْتُ عن سُبلِ الهُدى مُتحيِّرا
كَلّا وَقَدْ آنستُ من هُودٍ هُدىً / ولَقيتُ يعرُبَ فِي القُيُولِ و حِميَرا
وأَصَبتُ فِي سَبأٍ مُورَّث مُلكِهِ / يَسبي المُلوك ولا يَدُبُّ لَهَا الضَّرا
فكأنما تابَعتُ تُبَّعَ رافِعاً / أَعلامَهُ مَلكاً يدينُ لَهُ الورى
و الحارِثَ الجَفنيَّ ممنوعَ الحِمى / بالخيلِ والآسادِ مَبذولَ القِرى
وحَططْتُ رحْلي بَيْنَ نارَيْ حاتِمٍ / أيام يقري مُوسِراً أَوْ مُعسرا
ولَقيتُ زَيد الخَيلِ تَحْتَ عَجاجَةٍ / يكسو غلائِلُها الجِياد الضُّمَّرا
وعَقدْتُ فِي يَمنٍ مَواثِقَ ذِمَّةٍ / مشْدودةِ الأَسبابِ مُوثَقةِ العُرى
وأَتيت بَحدلَ وهو يَرفَع مِنبراً / للدِّينِ والدُّنيا ويخفضُ مِنبرا
وَخَطَطْتُ بَيْنَ جِفانِها وجفونها / حَرماً أَبَتْ حُرُماتُهُ أَن تُخفرا
تِلْكَ البحُورُ تتابعتْ وخلَفْتَها / سعياً فكنتَ الجوهر المُتَخَيِّرا
ولقد نمَوْكَ وِلادَةً وسِيادةً / وكسَوْك عزّاً وابتنوا لَكَ مَفخرا
فعَمَرْت بالإِقبالِ أكرمَ أَكرمٍ / مُلكاً ورِثتَ عُلاهُ أَكبر أَكبرا
وشمائِلٍ عَبِقت بِهَا سُبُلُ الهوى / وأَلذَّ فِي الأَجْفانِ من طَعمِ الكرى
ومَشاهِدٍ لَكَ لَمْ تكنْ أَيَّامُها / ظَنّاً يريبُ ولا حَديثاً يُفترَى
لاقَيتَ فِيهَا المَوتَ أَسْوَدَ أَدْهَماً / فَذَعَرْتَهُ بالسيفِ أَبيضَ أَحْمرا
ولَوِ اجتلى فِي زيِّ قِرْنِكَ مُعلَماً / لتركْتَهُ تَحْتَ العجاجِ مُعفَّرا
يا مَنْ تَكَبَّرَ بالتَّكَرُّمِ قَدْرُهُ / حَتَّى تكرَّمَ أن يُرى مُتكبِّرا
و المُنْذِرُ الأَعداءَ بالبُشرى لَنَا / صَدَقتْ صِفاتُكَ مُنذِراً ومُبشِّرا
ما صُوِّرَ الإِيمانُ فِي قلبِ امْرِئٍ / حَتَّى يراكَ اللهُ فِيهِ مُصوَّرا
فارْفَع لَهَا عَلَمَ الهُدى فَلِمِثْلِها / رَفَعتكَ أعلامُ السِّيادَةِ فِي الذرى
وانصُرْ نُصِرتَ من السماءِ فإِنما / ناسَبتَ أَنصارَ النَّبيِّ لِتُنصرا
واسْلَمْ ولا وَجدوا لِجوِّكَ مَنفساً / فِي النَّائِباتِ ولا لِبَحرِكَ مَعبرا
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ
عَمُرَتْ بطولِ بقائِكَ الأَعمارُ / وجرَتْ بِرِفعةِ قَدْرِكَ الأقدارُ
ودَنَتْ لَكَ الدُّنيا بِقاصِية المُنى / وَتَخَيَّرَتْ لَكَ فَوْقَ مَا تختارُ
فإِذَا النُّجومُ تطلَّعتْ لَكَ أَسعُداً / بَدَرَ البدُورُ بهنَّ والأقمارُ
وإِذا زَجَرْتَ ليُمنِ يَومِكَ طائراً / حُشرَتْ إِليكَ بِيُمنِها الأَطيارُ
وإِذا المُنى بدَأَتْكَ غَرْسَ رياضِها / حَيَّتكَ فِي أَغصانِها الأَثمارُ
سَبقاً كما سَبَقتْ فِعالُكَ كُلَّ مَا / أَعيتْ بِهِ الأَوْهامُ والأَفكارُ
وتَجلِّياً للدَّارِعينَ تَصيدُها / بطيورِ خَيلكَ والعقولُ تُطارُ
بشمائلٍ مشمولةٍ بمكارِمٍ / مَا للخطائرِ عندَها أَخطارُ
ومعالِمٍ لِندى يَديْكَ وإِنَّها / سُرُجٌ إِليكَ لحائرٍ ومَنارُ
فإِذا عوَانُ المَجدِ رَدَّ خطيبُها / فَلَكَ الأَيامى مِنهُ والأَبكارُ
وإِذا الحُروبُ تساجَلتْ أَيَّامُها / فقتيلُ سيفكَ فِي المُلوكِ جُبارُ
ولقد عَضضتَ عَلَى الخطوبِ بناجِذٍ / للدَّهرِ منه سكينةٌ وَوَقارُ
لكن شمائلُ فِي النَّدى وكَّلتها / بعفاةِ جُودِكَ فتيةٌ أَغمارُ
ما البحرُ فِي الأَرْضِ العريضةِ بعدَما / فاضتْ عليها من نَداكَ بحارُ
أَوْ مَا غَناءُ المِسك فِي الدُّنيا وَقَدْ / مُلِئَتْ بطيبِ ثنائكِ الأَمصارُ
فبهِ تأَنَّقَتِ الحدائِقُ وازْدَهى / زَهرُ الرُّبى وتفتَّحَ النُّوّارُ
وتنافَحتْ بنسيمها ريحُ الصَّبا / وتفاوَحَتْ برِياضها الأَسحارُ
وتعاطَتِ النُّدَماءُ كأْسَ مُدامِها / وسَرَتْ بِهَا الرُّكبانُ والسُّمَّارُ
فكأَنَّ للدُّنيا بحَمدِكَ أَلسُناً / تُصغِي لَهَا الآفاقُ والأَقطارُ
وكأَنَّما الأَيَّامُ فيكَ مدائحٌ / نُظِمَتْ كما نُظِمتْ لَكَ الأَشعارُ
واللهُ جارُكَ كم أَجَرْتَ عِبادَهُ / من كُلِّ خطبٍ لَيْسَ مِنه جارُ
وَضَرَبْتَ عنهمْ كُلَّ جبَّارٍ عتا / فحباكَ بيضةَ مُلكهِ الجبَّارُ
في جَحْفَلٍ كاللَّيلِ جرَّارٍ لَهُ / من عِزِّ نَصركَ جحفلٌ جَرَّارُ
أُمدِدْتَ فِيهِ بالملائكةِ الَّتِي / نُصرَتْ بِهَا أَعمامُكَ الأَنصارُ
وكَسوْتَ فِيهِ الشمسَ بُردَ عَجاجَةٍ / للموتِ تَحْتَ ظلامِها إِسفَارُ
والجوُّ يَحمى والدِّماءُ سواكِبٌ / والأَرْضُ رَيَّا والسَّماءُ غُبارُ
والمُقفِراتُ سوابقٌ وخوافقٌ / والشاهِقاتُ أَسِنَّةٌ وشِفارُ
كلٌّ رَفَعتَ صدورَهُنَّ لغارَةٍ / مَا إِنْ لَهَا قبلَ الصُّدورِ مُغارُ
وقد ادَّرَعَت لَهَا سوابقَ عَزمةٍ / البِرُّ والتقوى لهنَّ شِعارُ
بَهرَتْ فهنُّ عَلَى ابن يَحيى فِي الوغى / نورٌ لَهُ وَعَلَى ابن شنجٍ نارُ
تحمى فيودِعُها جوانِحَ صَدرِهِ / كي لا تُبَيِّنَهُ لَكَ النُّظَّارُ
أَسَدٌ حَطمْتَ سِلاحَهُ فتركْتَهُ / بالبيدِ لا ظَفَرٌ ولا أَظفارُ
رَهناً بإِلقاءِ اليدَيْنِ لقاهِرٍ / أَعلى يَدَيهِ الواحِدُ القهَّارُ
مَلِكٌ كَأَنَّكِ يَا مَحاسِنَ فِعلِهِ / من سَيِّئاتِ زمانِكَ استغفَارُ
خُصَّتْ بِهِ سَبأٌ وعُمَّ بنصْرِهِ / عُليا قُرَيشٍ فِي الهُدى ونِزارُ
رَبذُ القِداحِ من الرِّماحِ وَمَا لَهُ / إِلّا السِّباعَ وطيْرَها أيسارُ
ونديمُ بيض الهِندِ يومَ دَمُ العدى / خمرٌ لَهُ والمأْثراتُ خُمارُ
آياتُ نصْرٍ فِي الوَرى بسيوفِها / أَمِنَ الهُداةُ وآمَنَ الكُفَّارُ
جاهَرْتَ حُرَّ بلادِهِم بجهادِهِمْ / حَتَّى غَدَوْا وهُمُ لَهَا أَسرارُ
وسرَيتَ حَتَّى ظَنَّ من صبَّحتَهُ / أَن الظلامَ عَلَى سُراكَ نهارُ
ولكم أَطارَهُمُ لِسيفِكَ بارِقٌ / حَتَّى دَعَوْتَهُمُ إِليكَ فطاروا
وجنَحتَ للسَّلم الَّتِي جَنحوا لَهَا / وقضاءُ ربِّكَ فِي العِبادِ خِيارُ
فأَتوكَ مُستَبِقِينَ قَدْ قربَ المدى / منهمْ إِليكَ وذُلِّلَ المضمارُ
ودَنا ابنُ رُذْميرٍ يُزَلْزِلُ خَطوَهُ / أملٌ تقسَّم نفسَهُ وحِذارُ
ففُؤادُهُ من ذُعْرِ سيفكَ طائرٌ / طَوْراً ومن عَجلٍ إِليكَ مُطارُ
ولَقبلُ أَيْقنَ فِرْذِلَندٌ مَا لَهُ / إِلّا إِليكَ من الحِمامِ فِرار
كلٌّ يَخِرُّ لأَخْمَصَيْكَ وطالَما / سَامَوْكَ فِي رَهَجِ الخَميس فخَارُوا
فهناكَ أُخْلِصتِ النُّفُوسُ وأُكِّدَتْ / عُقَدُ العُهُودِ وشَدَّتِ الأَنْصارُ
وتَوَاصَلَ البُعَدَاءُ منكَ بطاعَةٍ / وُصِلتْ بِهَا الأَرْحامُ والأَصهارُ
فعقدْتَ فِي عُنقِ الضَّلالِ مَواثِقاً / دانَتْ بِهَا الرُّهبانُ والأَحبارُ
وكأنَّما كانتْ عُقودَ تمائِمٍ / سَكنتْ بِهَا الأَوْجَالُ والأَذْعارُ
أَحيَيتَ منها مُلكَ رُذْميرٍ وَقَدْ / مَشَتِ الدُّهور عَلَيْهِ والأَعصارُ
وأَقَمْتَ تاجَ جَبينِهِ منْ بعدِما / عفَتِ المعالِمُ منهُ والآثارُ
وبَسَطتَ من قَشتِلَّةٍ يَدَ آمِنٍ / لِرِضاكَ فِيهَا يارَقٌ وسِوارُ
ثم انثَنَوْا يَبأوْنَ منكَ بطاعَةٍ / رَفَعوا بِهَا أَعلامَهُمْ وأنارُوا
ولَهُمْ بذِكْرِكَ فِي العداةِ تَبجُّجٌ / وبقُبلِ كَفِّكَ فِي البلادِ فخارُ
ورفَعتَ أَجيادَ الجِيادِ لأَوْبَةٍ / رَفِعتْ لَهَا الآمالُ والأَبصارُ
فكأنما البُشرى بذلِكَ عندَنا / كأْسٌ علينا بالسُّرورِ تُدارُ
والأَرْضُ أَرْضُكَ كُلُّها لكَ رَوْضَةٌ / أُنُفٌ وأَنتَ سماؤها المِدْرارُ
حتى قَدِمْتَ وَمَا تَقَلَّبَ ناظِرٌ / إِلّا لَهُ بقدُومِكَ استِبشارُ
حُرَّ المكارِمِ حقُّ قَدْرِكَ أَنْ تُرى / وعبيدُكَ السَّاداتُ والأَحرارُ
ومُجَاهِداً فِي اللهِ حَقَّ جهادِهِ / واللهُ أَبْصَرَ فِيكَ مَا يَخْتارُ
واسْأَلْ بِضَيْفِكَ كيْفَ بَعْدَكَ حالُهُ / وقدِ اقْتَضَتْهُ بعدَ دارٍ دارُ
غَدَرَتْ بِهِ أَيَّامُ عامٍ قَدْ وَفى / أَنَّ الوفاءَ بِعَهْدِهِ غَدَّارُ
ودنا بِهِ أَجَلُ الرَّحِيلِ كَأَنَّهُ / أَجَلُ المماتِ دَنَا بِهِ المقدارُ
عامٌ كعُمْرِ الوَصْلِ ليلَةَ زائِرٍ / وأسىً تَقاصَرُ دُونَهُ الأَعمارُ
طالَتْ ليالِيهِ الزَّمانَ بِهَمِّهِ / وكأَنَّهُنَّ من السُّرورِ قِصَارُ
بِمُشَرَّدٍ قَلِقِ الثَّواءِ بِمَنْزِلٍ / لا يَنْثَنِي فِيهِ لَهُ الزُّوَّارُ
مثوايَ قيه تَقَلْقُلٌ وتَأَهُّبٌ / وَقِرَاي فِيهِ ذِلَّةٌ وصَغَارُ
وحسابُ أَيَّامٍ كَأَنَّ متاعَهَا / نَوْمٌ عَلَى وَجَلِ البَيَاتِ غِرَارُ
وطِلابُ مأْوىً قبلَ حِينِ أَوانِهِ / فَالدَّهْرُ أَجْمَعُهُ لِيَ اسْتِنْفارُ
للهِ من عامٍ جَرى عَنْي بِهِ / جَرْيُ الأَهِلَّةِ فِيهِ والأَقْمارُ
في أَهْلِ دَارٍ كالكَوَاكِبِ والنَّوى / بَعْدَ النَّوى فَلَكٌ بِهِمْ دَوَّارُ
كانوا جَمالاً للزَّمانِ فأَصْبَحُوا / وَهُمُ عَلَيْهِ بالتَّغَرُّبِ عَارُ
تَنْبُو الدِّيارُ بِهِمْ وَتِلْكَ ديارُهُمْ / غَرَضُ المصائِبِ مَا بِهَا دَيَّارُ
قد أَقْفَرُوا وَطَنَ الأَنيسِ وأُنِّسَتْ / بِهِمُ مفاوِزُ بالفَلا وقِفارُ
يتأَوَّهونَ إذَا رَمَتْ أَوْهَامُهُمْ / داراً لساكِنِها بِهَا اسْتِقْرارُ
ويَهِيجُهُمْ عِينٌ لَهُنَّ مرابِضٌ / ويَشُوقُهُمْ طَيرٌ لَهَا أَوْكارُ
وإِلَيْكَ يَا مَنصُورُ حَطُّوا أَرْحُلاً / لَعِبَتْ بِهِنَّ تَنَائِفٌ وبِحارُ
فَزَعاً إِلَيْكَ من الجَلاءِ بأَوْجُهٍ / فِي كُلِّ عامٍ للجَلاءِ تُثَارُ
ورأَوْا بقُرْبِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا النَّوى / فاسْتُحيِيَت ولها عَلَيْهِمْ ثارُ
قد طُيِّرَتْ غِرْبانُ كُلِّ مُغَرِّبٍ / وغُرَابُهُمْ للبَيْنِ لَيْسَ يُطَارُ
جُرةً عَلَيْكَ وَمَا رَأَتْ من قَبْلِها / خَطْباً لَهُ فِيمَنْ أَضَفْتَ خِيَارُ
وَعَلَى اللَّيَالي مِنْكَ عَهْدٌ ثابِتٌ / أَلّا يُبَاحَ لِمَنْ حَمَيْتَ ذِمَارُ
واللهُ قَدْ أَعْلَى مَحَلَّكَ أَنْ تُرى / مكشوفَةً فِي سِتْرِكَ الأَسْتارُ
وحباكَ بالمُلْكِ الَّذِي لَوْ شِئتَ لَمْ / تَضِقِ القُصُورُ بنا ولا الأَحيارُ
وَأَجَارَ قَدْرَكَ أَن يَسُوغَ لِقائِلٍ / جَارَ الزَّمَانُ وأَنْتَ مِنهُ جَارُ
ولَحَقُّ مَنْ أَبْقى ثَناءَكَ فِي الوَرى / أَنْ تَسْتَقِرَّ بِهِ لَدَيْكَ الدَّارُ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ
قُلْ للرَّبِيعِ اسْحَبْ مُلاءَ سحائِبِ / فَاجْرُرْ ذُيُولَكَ فِي مَجَرِّ ذَوائِبي
لا تُكْدِيَنَّ ومن ورائِكَ أَدْمُعِي / مَدَداً إِلَيْكَ بفَيْضِ دَمْعٍ ساكِبِ
وصبابَةٌ أَنفاسُها لَكَ أُسْوَةٌ / إِنْ ضاقَ ذَرْعُكَ بالغَمامِ الصَّائِبِ
وامزِجْ بِطيبِ تَحِيَّتِي غَدِقَ الحَيَا / فاجْعَلْهُ سَقْيَ أَحِبَّتِي وحَبائِبي
عهداً كَعَهْدِكَ من عِهادٍ طالما / كَسَتِ البُرُودَ معاهِدِي ومَلاعِبي
واجْنَحْ لِقُرْطُبَةٍ فَعانِقْ تُرْبَها / عَنِّي بِمِثْلِ جَوانِحي وتَرَائِبي
حَيْثُ اسْتَكانَتْ للعَفاءِ منازلي / وَهَوَتْ بأَفلاذِ الفؤادِ نَجَائِبي
ذُلُلاً تَعَسَّفْنَ الدُّجى بِأَذِلَّةٍ / ولواغِباً جُبْنَ الفَلا بِلَوَاغِبِ
وكواكِبٌ ناءَتْ بِقرْبَتِها النَّوى / فَقَضَتْ مدامِعُهَا بِنَوءِ الغارِبِ
من كُلِّ مَفْجُوعٍ بتَرْحَةِ راحِلٍ / لَمْ يُسْلِهِ طَمَعٌ بفَرْحَةِ آيبِ
كَذَبَتْهُ بارِقَةُ المُنى عن صادِقٍ / من ظَنِّهِ وصَدَقْتَهُ عن كاذبِ
ظُعُنٌ سَرَيْنَ الليلَ ضَرْبَةَ لازِمٍ / وسَرى إِليها الهَمُّ ضَرْبَةَ لازِبِ
جَمُدَتْ عَلَيْهِنَّ القُلوبُ فَأَسْبَلَتْ / فَوْقَ المحاجِرِ كُلَّ قَلْبٍ ذائِبِ
وتَخازَرتْ عنها العُيُونُ فأَبْرَزَتْ / عن أَعْيُنٍ بِدِمائِهِنَّ سَوَاكِبِ
وتَقَطَّعَتْ أَسبابُهُنَّ لِطِيَّةٍ / وَصَلَتْ بِهِنَّ سباسِباً بسباسِبِ
يَطْلُبْنَ شَأْوَ غرائبٍ ليَ كُلَّمَا / نَأَتِ البلادُ حَلَلْنَ غَيْرَ غَرَائِبِ
لَحِقَتْ بأَسْبابِ السَّمَاءِ فَأُعطِيَتْ / فِيهَا خُلُودَ أَهِلَّةٍ وكَواكِبِ
وَأَعَدَّتِ الأَزْمانُ مَاءَ شَبابِها / لِحُنُوِّ ظَهْرٍ أَوْ لِرَأْسٍ شائِبِ
وعَقَدْنَ بالأَبَدِ الأَبيدِ وإِنْ نَأَى / حِلْفَيْنِ حِلْفَ مُسَايِرٍ ومُعَاقِبِ
مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وتقاذَفَتْ / أَمْواجُهُ بشَمَائِلٍ وجَنَائِبِ
هَدَماً إِلَى هَدَمٍ وَحِفْظَ دَمٍ دَماً / حَدَبٌ بعَطْفِ مُشاكِهٍ ومُنَاسِبِ
زُهْرٌ طوالِعُها لِكُلِّ غَدٍ غَدٌ / وَجَزَاؤُها رَهْنٌ بأَمْسِ الذَّاهِبِ
تَشْدُو بِهَا خُضْرُ الحَمَامِ وَحَظُّها / عَنْقَاءُ رِيعَتْ بالغُرَابِ النَّاعِبِ
حَلَّيْتُها الأَرْضَ الَّتِي هِيَ فارِكِي / وكَسَوْتُها الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ سالِبي
ومَلأْتُ مِنْهُنَّ العُقُولَ عَجَائِباً / ولَنَقْصُ حَظِّي مِن تَمامِ عَجَائِبِي
مَيْتُ الرَّغائِبِ والمَسِيحُ مُوَرِّثِي / إِحياءَ آثاري وخُلْدَ مَناقِبي
بِشَوارِدٍ فِي الأَرْضِ غيرِ أَوابِدٍ / وطوالِعٍ فِي الجَوِّ غَيْرِ غَوارِبِ
ولقد قَضَيْتُ من الصَّبابَةِ حَقَّها / فَقَضتْ من الأَمَلِ البَعيدِ مآرَِبي
قَنَّعْتُها الصَّبْرَ الجَميلَ فأَسْفَرَتْ / فِي آلِ يَحْيى عن جميلِ عواقِبِ
وشَدَدْتُ عَقْدَ خِتامِها فاسْتَفْتَحَتْ / بِمكارِمِ المنصورِ ضِيقَ مَذَاهِبِي
فَهَلَ اَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُبَلِّغٌ / بالمَغْرِبَيْنِ أَحِبَّتِي وأَقارِبي
أَنَّ الربيعَ لَدَيَّ شِيمةُ قاطِنٍ / وحَيا الغمامِ عَلَيَّ دِيمَةُ دائِبِ
من بعدِ مَا غَمَّ الصَّباحُ لناظِرِي / واشْتفَّ مِنِّي البَحْرُ جَرْعَةَ شارِبِ
وأَنِسْتُ بالأَهوالِ حَتَّى لَمْ أُبَلْ / أَلِقاءُ أُسْدٍ أَمْ لِقاءُ ثَعالِبُ
كمْ أَنشَبَتْ فِيَّ الخطوبُ مخالِباً / حَتَّى انْثَنَتْ عنِّي بغيرِ مخالبِ
وشَفَيْتُ سُمَّ عَقارِبٍ بأَساوِدٍ / ودَفَعْتُ سُمَّ أَساوِدٍ بعقارِبِ
حتى نَزَفْنَ سُمومَهُنَّ فلَمْ يُرَع / من نافِثاتِ السُّمِّ ليلُ الحاطِبِ
وسُدِكْتُ بالغَمَرَاتِ حَتَّى بَلَّدَتْ / فَرَمَيْنَ حَبْلِي فَوْقَ ذِرْوَةِ غارِبِ
وتدارَكَتْنِي ذِمَّةٌ من يَعْرُبٍ / مَطَرَتْ عَليَّ ثِمارَ جَنَّةِ مأْرِبِ
فهناكَ أَنْصَلْتُ الأَسِنَّةَ وانْتَحى / سيفي بِهَا مَسْحاً بسُوقِ ركائِبي
ورفَعْتُ ناراً للعيونِ وقودُها / أَقْتابُ أَحْدَاجي وَوَقْرُ حقائِبي
نِعَمٌ تكاد تَرُدُّ أَيَّامَ الصِّبا / وتُعيدُ أَزْمانَ النَّعِيمِ الذَّاهِبِ
أَيَّامَ أَلْقى الصُّبْحَ تِرْبَ كواكبٍ / أَدَباً وأُحْيي اللَّيْلَ خِلْبَ كواعِبِ
والمَكْرُمَاتُ منازلي ومشاهِدِي / والمُقْرَباتُ مراكِبي ومَرَاقِبي
إِذْ أَنتَ يَا زَمَنَ الرَّبيعِ مُخَيِّمٌ / فِي ساحِلي ومُغَيِّمٌ من جانِبي
عَبِقُ الرَّوائِحِ من نَثِيرِ غدائِرِي / غَدِقُ السَّحائِبِ من فُضُولِ مشارِبي
وتَرُوحُ مُغْتَبِقاً شَمُولَ شمائِلي / وتعُودُ مُصْطَبِحاً ضَرِيبَ ضَرائِبي
تَغْدُو فَتَسْتَملِي بديعَ محاسِني / وترُوحُ تَسْتَقرِي نفيسَ غرائِبِي
وتبيتُ تنشُرُ فِي الأَباطِحِ والرُّبى / زَهْراً يُخَبِّرُ عنك أَنَّكَ كاتِبي
مِمَّا تَرِفُّ بِهِ رِياضُ حدائِقي / ويُفيضُ جَوْهَرَهُ عُبابُ غوارِبي
فَنَظَمْتُها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / وبَعَثْتُها مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثاقِبِ
وَنَظَمْتُ يَا مَنصورُ ذكرَكَ وَسْطَها / نَظْمَ العُقُودِ عَلَى تَرَائِبِ كاعِبِ
ذِكْرٌ عَلَى الأَلبابِ أَكْرَمُ نازِلٍ / وَعَلَى فِجاجِ الأَرْضِ أَوْضَحُ راكِبِ
سُورٌ لِمَجْدِكَ رَفَّعَتْ آياتِها / أَعْلامُ آدابي وذِكْرُ مناقِبي
بفواتِحٍ من كُلِّ مَدْحٍ سائِرٍ / وخواتِمٍ من كُلِّ حَمْدٍ ذاهِبِ
فاسْتَشْرَفَ الثَّقَلانِ أَخْطَبَ شَاعِرٍ / وأَصَاخَتِ الدُّنيا لأَشْعَرِ خاطِبِ
فَخَطَبْتُ والعَوَّاءُ بَعْضُ منابِرِي / وأَمَمتُ والجوزَاءُ بعض محَاربي
وكَتَبْتُ منها لِلَّيالي مُصْحَفاً / تتلُوهُ أَلسِنَةُ الزَّمانِ الدَّائِبِ
حَتَّى تركتُ سَناءَ مُلْكِكَ حاضِراً / فِي كُلِّ أُفْقٍ عن بلادِكَ غائِبِ
وجَلَوْتُ للدُّنيا مثالَكَ فِي الوَغى / تختالُ بَيْنَ ذوابِلٍ وقَواضِبِ
وأَرَيْتُكَ الأُمَمَ الخُلُوفَ مَتَوَّجاً / بخوافِقٍ ومُكَلَّلاً بكتائِبِ
ورَفَعْتُ سِتْرَ الليلِ عنكَ لِغَابِرٍ / ومُقَدَّمٍ ومُباعِدٍ ومُقارِبِ
حَتَّى أَرَيْتَهُمُ السَّنا تَحْتَ الدُّجى / وخيالَ سَارٍ فِي مَخِيلَةِ سارِبِ
طَيَّارَ بارِقَةِ الوغى بمَقادِمٍ / كَقوادِمٍ ومَوَاكِبٍ كمناكِبِ
حَتَّى ابْنُ شَنْجٍ يَوْمَ أَمَّكَ خاضِعاً / تَسعى إِلَيْكَ بِهِ نَدَامَةُ تائِبِ
منْ بَعْدِ مَا رَازَ البلادَ فَلَمْ يَجِدْ / فِي الأَرْضِ عن مأْواكَ مَهْرَبَ هارِبِ
ورأَى الضَّلالَ عَلَيْكَ أَضْعَفَ ناصِرٍ / ورأى الفِرَارَ إِلَيْكَ أَيْمَنَ صاحِبِ
ودعاكَ مُعْتَرِفاً بِذِلَّةٍ مُذْنِبٍ / وأَتاكَ مُشْتَمِلاً بِلِبْسَةٍ راهِبِ
ولقد تراءَتْ فِي ذَرَاكَ مطالِعِي / حينَ اسْتَبَدَّ تَغَرُّبي بِمغارِبي
فَخَتَمْتَ طُولَ تَقَلُّبي بتَقَبُّلِي / وجزَيْتَ غُرَّ غرائِبِي برَغائِبِ
وأًجَرْتَني من كُلِّ خَطْبٍ طارِقٍ / حَتَّى مُناجَاةِ الرَّجاءِ الخائِبِ
ووجَدْتُ عند يَدَيْكَ سَدَّ مفاقِري / وسُلُوَّ أَحزانِي وبُرْءَ مصائِبِي
ولقد تَجَلَّى العيدُ عَنْكَ بِغُرَّةٍ / جَلّاءةٍ لِفَوَادِحٍ وغَياهِبِ
يتلُوكَ حاجِبُكَ الَّذِي أَنْجَبْتَهُ / كالشَّمْسِ إِذْ ضَرَبَتْ إليكَ بِحاجِبِ
في مَشهدٍ بِسَنا جبينِكَ مشرِقٍ / شَرِقٍ بآسادٍ وجُرْدِ سَلاهِبِ
غُرٍّ تَواعَدُ للطِّعَانِ صَواهِلٍ / تختالُ بَيْنَ مُخاطِبٍ ومُجاوِبِ
حَتَّى ارْتَقَيْتَ سريرَ مُلْكِكَ حَفَّهُ / نُورُ السرورِ جوانِباً بِجوانِبِ
ومدَدْتَ للتقبيلِ راحَةَ مُنعِمٍ / تَنْهَلُّ أَنْمُلُها بُحُورَ مَواهِبِ
وتكادُ تهتِفُ عَنكَ هل من راغِبٍ / أَوْ راهبٍ أَوْ خائفٍ أَوْ طالِبِ
فاسْلَم وكُنْ للأَرْضِ آخِرَ عامِرٍ / ولغالِبِ الأَعْدَاءِ أَوَّلَ غَالِبِ
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي
أَوْجَفْتُ خَيْلِي فِي الهوى ورِكابي / وَقَذَفْتُ نَبْلي بالصِّبا وحِرَابي
وسَلَلْتُ فِي سُبُلِ الغِوايَةِ صارِماً / عَضْباً تَرَقْرَقَ فِيهِ مَاءُ شَبابِي
ورَفَعْتُ لِلشَّوْقِ المُبَرِّحِ رايَةً / خَفَّاقَةً بِهَوَائِجِ الأَطْرَابِ
ولَبِسْتُ لِلُّوَّامِ لأْمَةَ خالِعٍ / مَسْرُودَةً بِصَبابَةٍ وتَصابِ
وبَرَزْتُ لِلشَّكْوَى بِشِكَّةِ مُعْلَمٍ / نَكَصَ الملامُ بِهَا عَلَى الأَعقابِ
فاسْأَلْ كمِيَّ الوَجْدِ كيْفَ أَثَرْتُهُ / بِغُرُوبِ دَمْعٍ صائِبِ التَّسكابِ
واسْأَلْ جُنُودَ العَذْلِ كيْفَ لَقِيتُها / فِي جَحْفَلِ البُرَحاءِ والأَوْصابِ
ولَقَدْ كَرَرْتُ عَلَى الملامِ بِزَفْرَةٍ / ذَهَلَ العِتَابُ بِهَا عَنِ الإِعْتَابِ
حتى تركْتُ العاذِلِينَ لِما بِهِمْ / شَغْفاً بِحُبِّ التَّارِكيَّ لِما بِي
من كُلِّ مَمْنُوعِ اللِّقاءِ اغْتالَهُ / صَرْفُ النَّوى فَنأَى بِهِ وَدَنَا بي
في لَيْلَةٍ لُقِّيتُ من تِلْقائِهِ / دَعْوى مُجِيبٍ للمَزَارِ مُجابِ
سِرٌّ سَرى لِجَوانِحي فَسَرى بِهَا / وهَوىً هَوَيْتُ لطَوْعِهِ فَهَوى بِي
فكَسَوْتُ خَيْلَ الشَّوْقِ لَيْلَ مُخالِسٍ / مَا كاد يَشْعُرُ أَنَّهُ جِلْبابِي
وهَتَفْتُ فِي جُنْدِ الصَّبا فأَجَابَني / فِي كُلِّ صَبٍّ بالأَحِبَّةِ صَابِ
فَزَحَفْتُ والإِقْدَامُ يَحْمِلُ رَايَتِي / وخَوَاطِرُ الإِحْجَامِ تَحْتَ رِكابِي
وحَمائِلي تَهْفُو بِلُحْمَةٍ بارِقٍ / لولا الوفاءُ بِذِمَّتِي لَوَشى بي
وكِنَانَتي مَا شِئْتُ فِي إِكْنانِها / منْ مُلتَظى جَمْرٍ وحَرِّ شِهابِ
كُلٌّ يشاكِهُ مَا وَرَاءَ جوانِحِي / للشَّوْقِ من ضَرَمٍ ومن إِلْهَابِ
حَتَّى افْتَتَحْتُ عَنِ الأَحِبَّةِ مَعْقِلاً / وَعْر المسالِكِ مُبْهَم الأَبْوَابِ
ووقَفْتُ مَوْقِفَ عاشِقٍ حَلَّتْ لَهُ / فِيهِ غنيمةُ كاعِبٍ وكَعَابِ
بِحَدَائِقِ الحَدَقِ الَّتِي لاقَيْنَنِي / بأَحَدَّ من سيفي ومن نُشَّابِي
في تُرْبَةٍ جادَ النَّعِيمُ رِياضَها / فَتَفَتَّحَتْ بِنَوَاعِمٍ أَتْرَابِ
من كُلِّ مَغْنُومٍ لِقَلْبِيَ غانِمٍ / عِشْقاً ومَسْبيٍّ لِعَقْلِي سابِ
في جُنْحِ لَيْلٍ كالغُرَابِ أَطارَ لِي / عن مُلتَقى الأَحْبابِ كُلَّ غُرَابِ
وجَلا لِعَيْنيَ كُلَّ بَدْرٍ طالِعٍ / قَمِنٍ بِهَتْكِ حِجابِهِ وحِجابِي
جابَ الظَّلامَ فَلَمْ يَدَعْ من دَجْنِهِ / إِلّا غَدَائِرَ شَعْرِهِ المُنْجابِ
فَغَنِيتَ بَيْنَ ضِيائِهِ وظلامِهِ / مُغْرى الجفونِ بِطَرْفِهِ المُغْرى بِي
فإِذا كَتَبْتُ بناظِرِي في قَلبِهِ / أَخْفى فخطَّ بناظِرَيْهِ جَوَابِي
وإِذا سَقَاني من عُقارِ جُفُونِهِ / أَبْقى عليَّ فَشَجَّها بِرُضَابِ
وسُلافَةُ الأَعْنابِ تُشْعِلُ نارُها / تُهْدى إِلَيَّ بيانِعِ العُنَّابِ
فَسَكِرْتُ والأَيَّامُ تسلُبُ جِدَّتِي / والدَّهْرُ ينسِجُ لي ثِيابَ سِلابِي
سُكْرَيْنِ من خمْرَيْنِ كَانَ خُمارُها / فَقْدَ الشَّبابِ وفرْقَةَ الأَحبابِ
لِمَدىً تَنَاهى فِي الغِوَايَةِ فانْتَهى / فِينا إِلَى أَمَدٍ لَهُ وكِتَابِ
وهَوًى تقاصَرَ بالمُنى فأَطالَ بِي / هَمَّاً إِلَى قَلْبِي سَرى فَسَرى بي
في جاهِلِيَّةِ فِتْنَةٍ عُبِدَتْ بِهَا / دُونَ الإِلهِ مَضَلَّةُ الأَرْبابِ
تُسْتَقْسَمُ الأَزْلامُ فِي مُهَجَاتِنا / وتسيلُ أنْفُسُنا عَلَى الأَنْصابِ
غِيَراً من الأَيَّامِ أَصْبَحَ ماؤُها / غَوْراً وأُعْقِبَ صَفْوُها بِعِقابِ
وبوارِقاً للغَيِّ أُضْرِمَ نُورُها / ناراً وصابَ غَمَامُها بالصَّابِ
فلها فَقَدْتُ النَّفْسَ إِلّا قَدْرَ مَا / أَشْجى بِهِ لِحُلُولِ كُلِّ مُصابِ
وبها رَزَيْتُ الأَهْلَ إِلّا لابِساً / بُؤْساً يَزِيدُ بِهِ أَلِيمُ عَذَابِي
وبها رَفَعْتُ حِجابَ سِتْرِي عَنْ مَهاً / تَرَكَتْ شبا قلْبي بِغَيْرِ حِجابِ
وجَلَوْتُ فِي خَطْبِ الجَلاءِ عقائلاً / قَصَّرْتُ عَنْها هِمَّةَ الخُطَّابِ
سِرْبُ المُقاصِرِ والمَلاعِبِ صُنْتُهُ / فأَطَرْتُهُنَّ مع القَطَا الأَسْرابِ
ذُعِرَتْ بِحِسِّ الإِنْسِ تَحْتَ حِجالِها / واسْتَأْنَسَتْ بِضَرَاغِمٍ وذِئَابِ
وَنَزَتْ بِهِنَّ عن الآرائِكِ رَوْعَةٌ / مَهَدَتْ لَهُنَّ حُزُونَ كُلِّ يَبابِ
فَطَوَيْنَ آفاقَ البِلادِ لِطِيَّةٍ / تأْبى لَهَا الأَيَّامُ يَوْمَ إِيَابِ
وإِلَيْكَ يَا مَنْصُورُ حَطَّ رِحالَها / دَأْبُ السَّرى واليَعْمَلاتِ وَدَابِي
وبُحُورُ هَمٍّ كَمْ وَكَمْ دَاوَيْتُها / بِبحُورِ يَمٍّ أَوْ بُحُورِ سَرَابِ
وشبابُ لَيْلٍ طالَمَا بَلَّغْتُهُ / تَخْطِيطَ شَيْبٍ أَوْ نُصُولَ خِضَابِ
فَوَصَلْتَ يَا مَنْصُورُ مِنَّا غُرْبَةً / مَقْطُوعَةَ الأَنْسابِ والأَسْبابِ
ووَقَيْتَني رَيْبَ الخُطُوبِ بِمِنَّةٍ / جَلَتِ اليَقِينَ لِظَنِّيَ المُرْتابِ
وكَفَيْتَني لَوْمَ الزَّمَانِ بأَنْعُمٍ / كَفَتِ الزَّمَانَ ملامَتي وعِتابي
وشَمِلْتَني بشَمائِلٍ ذَكَّرْنَنِي / فِي طِيبِها طُوبى وحُسْنَ مآبِ
وأَقَمْتَ لي سُوقَ المكارِمِ مُغْلِياً / بِجَوَاهِرِ الإِبْداعِ والإِغْرابِ
ورِضَاكَ رَدَّ لِيَ الرِّضا فِي أَوْجُهٍ / من خُزْرِ أَيَّامٍ عَلَيَّ غِضابِ
وهُدَاكَ أَشْرَقَ لي ولَيْلِيَ مُظْلِمٌ / وسَناكَ أَبْرَقَ لي وَزَنْدِيَ كابِ
وَجَدَاكَ داوَاني وَدَائيَ مُعْضِلٌ / وذرَاكَ آوَانِي وَرَحْلِي نَابِ
فَحَلَلْتُ مِنْهُ خَيْرَ دارِ مُقامَةٍ / وَثَوَيْتُ مِنْهُ فِي أَعَزِّ جَنابِ
وأَسَمْتُ فِي أَزْكَى البِقاعِ صَوَافِني / وَضَرَبْتُ فِي أَعلى اليَفَاعِ قِبابي
وشَوَيْتُ للأَضْيافِ لَحْمَ رَكائِبي / فِي نارِ أَحْلاسِي وَفِي أَقْتابي
عِوَضاً مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي أَصْبَحْتُ مِنْ / أَسْلابِهِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْلابي
ولَقَدْ جَبَرْتَ بِرَغْمِ دَهْرٍ ضامَني / مَا أَخْلَقَتْ عَصْرَاهُ مِنْ أَثْوَابِي
خِلَعاً رَفَعْتَ بِفَخْرِها وسَنائِها / مَا ضاعَ من قَدْرِي ومِنْ آدابِي
كُلٌّ ينادي فِي البَرِيَّةِ مُعْلِناً / هَذِي مواهِبُ مُنْذِر الوَهَّابِ
فَلأَهْدِيَنْ مِن طِيبِ ذِكْرِكَ فِي الوَرى / وَقْرَ الرِّكَابِ وذُخرَةَ الرُّكَّابِ
ولأَكْتُبَنْ منها عَلَى صُحُفِ العُلا / غُرَرَ الكِتابِ وغُرَّةَ الكُتَّابِ
ولأَجْلُوَنْ منها لأَبصارِ النُّهى / حُرَّ الخِطابِ وحُرَّةَ الخُطَّابِ
ولأَجْعَلَنَّ ثناءها وجَزاءها / أَبَدَ الأَبِيدِ وعاقِبَ الأَعْقابِ
ولأَتْرُكَنَّ خُلُودَها ونَشِيدَها / دِينَ العَصُورِ ومِلَّةَ الأَحْقابِ
حَتَّى يَعُودَ الدَّهرُ بِدْعَ شَرِيعَةٍ / بِعُلاكَ والأَيَّامُ أَهْلَ كِتابِ
وتَرَاكَ بَعْدَكَ أمَّةٌ لَمْ تَلْقَها / عَيْنَ اليَقِينِ وجَهْرَةَ الأَلْبابِ
حَتَّى يَرَوْا كَرَّاتِ خَيْلِكَ فِي الوغَى / لِوَحى طِعانٍ أَوْ وَحِيِّ ضِرَابِ
ويَرَوا سُيُوفَكَ فِي الجَمَاجِمِ والطُّلى / وسَنا جَبينِكَ فِي العَجَاجِ الهابي
ويَرَوْا إِلَى الأَقْرانِ مِنْكَ مُنازِلاً / إِقْدَامَ لَيْثٍ وانْقِضَاضَ عُقابِ
ويَرَوْكَ حِزْبُ اللهِ حِزْبُكَ والعِدى / بِسُيُوفِهِ مَفْلُولَةُ الأَحْزَابِ
هَذَا وكَمْ أَعْزَزْتَ فِي دِينِ الهُدى / من مِنْبَرٍ وحَمَيْتَ من مِحْرَابِ
ومعادِ عيدٍ عُدْتَ فِي إِغْبابِهِ / بِمكارِمٍ كَرُمَتْ عنِ الإِغْبابِ
فكَسَوْتَ فِيهِ الأَرْضَ سابِغَ حُلَّةٍ / نُسِجَتْ بأُسْدِ شَرىً ومَأْشَبِ غابِ
وسوابِقٍ رَدَّ الجِهادُ جِيادَها / قُبَّ البُطُونِ لَوَاحِقَ الأَقْرابِ
ولوامِعٍ أَشْرَعْتَهُنَّ فأَشْرَقَتْ / إِشراقَ مُلْكِكَ فِي سَنا الأحْسابِ
وخَوافِقٍ حَفَّتْ بوجهِكَ فاحْتَذَتْ / شَمْسَ النهارِ تَجَلَّلَتْ بسحابِ
حَتَّى انْتَهَيْتَ إِلَى المُصَلَّى لابساً / عِزَّ المليكِ ورِقَّةَ الأَوَّابِ
في مَنْظَرٍ عَجَبٍ وأَعْجَبُ شَأْنِهِ / مَا ذُمَّ من كِبرٍ ومن إِعْجابِ
وهُدىً لِمَنْ صَلَّى وضَحّى واتَّقى / وزَكَا فَكُنْتَ لَهُ أَجَلَّ ثوابِ
فاللهُ يَرْزُقُنا بقاءَكَ سالِماً / رِزْقاً نُوَفَّاهُ بغيرِ حِسابِ
وانْصُرْ وَمَنْ والاكَ حِلْفُ كَرَامَةٍ / واقْهَرْ ومَنْ عَادَاكَ رَهْنُ تَبابِ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ
عَجَباً لِغَيِّ الحُبِّ لاح سَبِيلُهُ / ولِرُشْدِ حِلْمِكَ كَيْفَ ضَلَّ دَليلُهُ
ولِعَيْشِ صَبٍّ لا يَرِقُّ حَبِيبُهُ / مِمَّا شَجَاهُ ولا يُفيقُ عَذُولُهُ
ولِقَاتِلٍ بِالهَجْرِ غَيْرِ مُقَاتِلٍ / يَفْدِيهِ مِنْ مَضَضِ العِتَابِ قَتِيلُهُ
إِنْ خَطَّ فِي جَوِّ السَّماءِ مِثَالَهُ / بَدْراً فَبَيْنَ جَوَانِحِي تَمْثِيلُهُ
أَوْ شَرَّدَ التَّسْهِيدَ طَيْفُ خَيالِهِ / عَنْ ناظِرَيَّ فَفِيهِمَا تَخْيِيلُهُ
وَلَهَانَ فِيهِ مَا فَقَدْتُ مِنَ الْكَرى / لَوْ كَانَ من نَظَرِي إِلَيْهِ بَديلُهُ
أَوْ كَانَ حُكْمُ هَوَاهُ لا تَحْرِيمُهُ / وَصْلِي عَلَيْهِ وَلا دَمِي تَحْلِيلُهُ
غُصْنٌ يَمِيسُ بِهِ الصِّبَا فَيُقِيمُهُ / طَوْراً وتُوهِمُهُ الصَّبا فَتُمِيلُهُ
فَكَأَنَّهُ فِي لَمْحِ طَرْفِيَ عائِرٌ / وتَقيه تَفْدِيَتِي لَهُ فَتُقِيلُهُ
وتَكادُ أَنْفاسِي تُزَايِلُ مَتْنَهُ / لَوْلا كثيبٌ منهُ لَيْسَ يُزِيلُهُ
فكأَنَّما يُشْتَقُّ من حَرَكَاتِهِ / نَغَمُ الغِناءِ خفيفُهُ وثقيلُهُ
لَوْ أَنَّهُ يُشْتَقُّ مِنْ أَعْطَافِهِ / عَطْفٌ يُعَلِّلُ لَوْعَتي تَعْلِيلُهُ
وعَلِيلُ لَحْظِ الطَّرْفِ أَعدى طَرْفُهُ / قَلْبي بداءٍ لا يُفيقُ عليلُهُ
سَلَبَ المَلاحَةَ فِي الظِّباءِ وَفِي المَهَا / حَتَّى اسْتَبَدَّ بجِزْئِها تكميلُهُ
أَنَفاً لِمَنْ سَكَنَ التَّرَائِبَ أَنْ يُرى / يَطَأُ التُّرابَ شَبِيهُهُ ومَثيلُهُ
ولقد حَفِظْتُ لَهُ أَمانَةَ لاعِجٍ / بالشَّوْقِ يَغْلي فِي الفؤادِ غليلُهُ
وضَرَبْتُ من دَمْعِي عَلَى خَدِّي لَهُ / غُرْماً غرامِي بالقَضَاءِ كَفِيلُهُ
فَلَئِنْ صَبَوْتُ فَلسْتُ أَوَّلَ عاشِقٍ / تَبعَ الهَوى فَهَوى بِهِ تضليلُهُ
ولئِنْ صبرْتُ فلَسْتُ بِدعَ مُفَارِقٍ / غَالَتْ حَبِيبَ النَّفْسِ عَنْهُ غُولُهُ
ولئِنْ سَلَوْتُ فَأَيُّ أُسْوَةِ واعِظٍ / أَلْهاهُ عن قَمَرِ السَّمَاءِ أُفُولُهُ
فَسَما إِلَى الْمَلأِ الأَجَلِّ بِهِجْرَةٍ / وَافى بِهَا الرَّحْمنُ وَهْوَ خَلِيلُهُ
وهُناكَ يَا مَنْصُورُ هِمْتَ بِهِمَّةٍ / فِيهَا سُلُوُّ المُسْتَهامِ وَسُولُهُ
طَلَباً لِحَظٍّ لا يَذِلُّ عَزِيزُهُ / من حَظِّ غَيٍّ لا يَعِزُّ ذَلِيلُهُ
فَهَدى وَأَهْدَانِي إِلَيْكَ مُبَرِّزاً / شَهِدَتْ لَهُ فِي السَّابِقَاتِ عُدُولُهُ
وَجَلا عَلَيْكَ بِهِ الجَلاءُ مُهَنَّداً / صَدَقَتْكَ عَنْ قَرْعِ الحُرُوبِ فُلُولُهُ
وعَفَتْ مَحاسِنه العِدى فكأَنَّها / فِي مَعْهَدِ الْوَطَنِ الفَقيدِ طُلُولُهُ
إِنْ يُصْدِهِ رَهَجُ الوغى فَشُعاعُهُ / بالعِلْمِ لَمَّاعُ الجِلاءِ صَقِيلُهُ
أَوْ تُخْلِقِ البَلْوَى حَمائِلَ حَلْيِهِ / فَعَلَى التَّجَمُّلِ والمُنى تَجْمِيلُهُ
أَو تَقْطَعِ الأَيَّامُ عَهْدَ ذِمامِهِ / فالصَّبْرُ واصِلُ حبلِهِ مَوْصُولُهُ
فأَتاكَ يَا مَنْصُورُ فاقِدَ غِمْدِهِ / بِرَجَاءِ مَجْرُورٍ إِلَيْكَ ذُيُولُهُ
رَسْفَ المُقَيَّدِ فِي أَضاليلِ الدُّجى / والقَفْرُ والبَحرُ المُحِيطُ كُبُولُهُ
كُرَباً كَمَوْجِ البَحْرِ لا إِهْلالُهُ / إِلّا إِلَيْكَ بِهَا وَلا تَهْلِيلُهُ
فَلْيَهْنِ ذَا أَمَلٍ إِلَيْكَ مآلُهُ / وجَلاءَ مُرْتَحِلٍ إِلَيْكَ رَحِيلُهُ
وظلامَ لَيْلٍ فِي جَبِينِكَ صُبْحُهُ / وهَجيرَ قَيْظٍ فِي ذَرَاكَ مَقِيلُهُ
ولْيَهْنِنَا وَلْيَهْنِكَ العيدُ الَّذِي / بِسَنَاكَ أَشْرَقَ صُبْحُهُ وأَصِيلُهُ
عِيدٌ إِلَيْكَ سَلامُهُ وقِوامُهُ / ونظامُهُ وزِحامُهُ وحُفُولُهُ
وعلى الإِلهِ مَعَادُهُ وعَتادُهُ / وإِيابُهُ وثوابُهُ وقَبُولُهُ
ولْيَهْنِ كُلَّ مليكِ شِرْكٍ عِيدُهُ / يَوْمٌ إِلَيْكَ بُلُوغُهُ وَوُصُولُهُ
ضَلَّتْ بِهِ سُبُلُ الشَّرائِعِ واهْتَدَتْ / بشَرِيعَةِ الزُّلفى إِلَيْكَ سَبِيلُهُ
نَاشٍ عَلَى دِينِ السُّجُودِ وَمَا دَرى / قَبْلَ السُّجودِ إِلَيْكَ مَا تأْوِيلُهُ
أَنْسَاهُ قَدْرُكَ مَا أَضَلَّ صَلِيبُهُ / وأَراهُ سَيْفُكَ مَا حَوى إِنْجِيلُهُ
فأَجَازَ مَحْياهُ إِلَيْكَ نِزَاعُهُ / وأَغَرَّهُ بِكَ فِي الوَرى تَذْلِيلُهُ
ولَئِنْ حَمى عَنْكَ ابْنُ مِيرُ مَحَلَّةً / فِي شامِخٍ أَعْيا النُّجُومَ حُلُولُهُ
ونَماه مُلْكٌ لا يُضَعْضَعُ تاجُهُ / ووَقاهُ عِزٌّ لا يُخافُ خُمُولُهُ
فلقَد دَعَاكَ إِلَى رِضاكَ وَدُونَهُ / غَوْلُ الضَّلالِ حُزُونُهُ وسُهُولُهُ
أَصْبى إِلَيْكَ من الصَّبا وأَحنُّ مِنْ / أُفْقٍ وَنَتْ عَنْهُ إِلَيْكَ قَبُولُهُ
وأَجَلَّ قَدْرَكَ عن سِواهُ وقَدْرَ مَا / أَخْفى إِلَيْكَ نَجِيُّهُ ودَخِيلُهُ
عَنْ صِدْقِ غَيْبٍ بالكِتَابِ يَبُثُّهُ / أَوْ بَرْحِ شَوْقٍ بالرَّسُولِ يَقُولُهُ
فَهَوى وصَفْحَتُهُ إِلَيْكَ كِتابُهُ / وهَفا ومُهْجَتُهُ إِلَيْكَ رَسُولُهُ
عَجِلاً إِلَى أَمَلٍ دَنَا تَعْجِيلُهُ / وَجِلاً بِهِ أَجَلٌ نَأَى تَأْجِيلُهُ
للهِ مَا رَحَلَتْ إِلَيْكَ رِحَالُهُ / طَوْعاً وَمَا حَمَلتْ إِلَيْكَ حُمُولُهُ
غازٍ وناصِرُهُ عَلَيْكَ خُضُوعُهُ / سارٍ وَطَاعَتُهُ إِلَيْكَ دَلِيلُهُ
نَشَرَ اللِّواءَ زَمَاعُهُ وَنِزاعُهُ / فَطَوى المَهَامِهَ نَصُّهُ وذَمِيلُهُ
ولقد خَلَعْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ / بُرْداً تَفِيضُ عَلَى الفَضَاءِ فُضُولُهُ
لَجباً من الحَلَقِ المُضَاعَفِ نَسْجُهُ / أَشِباً من الأَسَلِ المُثَقَّفِ غِيلُهُ
شَرِقاً بِهِ لَوْحُ الْهَوَاءِ وَجَوُّهُ / غَرِقاً به عَرْضُ البِلادِ وطُولُهُ
مُسْتَقْبِلاً بِجُنُودِهِ وبُنُودِهِ / مَلِكاً يُهِلُّ إِلَيْكَ حِينَ تهُولُهُ
ولَشَدَّما مَاجَتْ بِهِ أَمْواجُهُ / حَتَّى أَسالَتْهُ إِلَيْكَ سُيُولُهُ
بصَوَارِمٍ فِي طَيِّهِنَّ تِرَاتُهُ / وذَوابِلٍ فِي لَمْعِهِنَّ ذُحُولُهُ
غابٌ تُساوِدُ ناظِرَيْهِ أُسُودُهُ / مِنْ بَعْدِ مَا اخْتَالَتْ عَلَيْهِ خُيُولُهُ
فَمشى إِلَيْكَ بِهِ الزِّحَامُ كَأَنَّهُ / عَانٍ يُقَصِّرُ خَطْوَهُ تَكْبِيلُهُ
مَبْهُورُ أَنْفَاسِ الحَياةِ كَظِيمُها / وغَضِيضُ لَحْظِ النَّاظِرِينَ كَلِيلُهُ
حَتَّى تَنَفَّسَ رُوحُهُ فِي رَاحَةٍ / عَلْياءَ مَقْبُولاً بِهَا تَقْبِيلُهُ
وَرَفَعْتَ ناظِرَهُ بِنَظْرَةِ باسِطٍ / لِلأَمْنِ مَبْلُوغاً بِهَا تَأْمِيلُهُ
فَأَرَيْتَهُ كيْفَ ارتِجَاعُ حَياتِهِ / ولَتِلْكَ أَيْسَرُ مَا بَدَأْتَ تُنِيلُهُ
من فَيْضِ عُرْفٍ تَسْتَقِلُّ كَثِيرَهُ / ولَقَدْ يزيدُ عَلَى الرَّجَاءِ قلِيلُهُ
نُزُلاً يُذَكِّرُهُ العِراقَ ومِصْرَهُ / مُلْكاً ودِجْلَتُهُ يَدَاكَ وَنِيلُهُ
وشُرُوقُ شَمْسٍ لا يَحينُ غُرُوبُها / فِي بَرْدِ ظِلٍّ لا يَحُورُ ظَلِيلُهُ
ورأى صَريعَ الخَطْبِ كيْفَ تُقِلُّهُ / ورَأَى عُثُورَ الجَدِّ كيْفَ تُقِيلُهُ
ورأى ذَليلَ الحَقِّ كيْفَ تُعِزُّهُ / ورأَى عَزِيزَ الشِّرْكِ كيْفَ تُدِيلُهُ
ورأَى صُدُوعَ الدِّينِ كيْفَ تَلمُّها / ورأى كَثِيبَ الكُفْرِ كيْفَ تُهِيلُهُ
ولَئِنْ تَقَدَّمَ فِي رِضَاكَ قُدُومُهُ / فَلَقَدْ تَزَوَّدَ من نَداكَ قُفُولُهُ
بِخَلائِقٍ من طِيبِهِنَّ خَلُوقُهُ / وشمائِلٍ من صَفْوِهِنَّ شَمُولُهُ
ومعالِمٍ لِعُلاكَ لا تَعْظِيمُهُ / لِسِوى مَشاهِدِها ولا تَبْجِيلُهُ
فَلَهَا بِقَدْرِ الرُّومِ وَهْيَ أَرُومُهُ / وزَرى بِمُلْكِ الصُّفْرِ وَهْيَ أُصُولُهُ
لِمَنِ اصْطَفى قَحْطَان عِزَّةَ مُلْكِهِ / ومنَ التَّبابِعِ جِذْمُهُ وقَبِيلُهُ
ولِمَنْ نمى سبأٌ بِسَبْيِ مُلُوكِها / واسْتَخْلَفَتْ أَذْوَاؤُهُ وقُيُولُهُ
ولِمَنْ تَتَوَّجَ بِالمَكَارِمِ تاجُهُ / عُلْواً وكُلِّلَ بالهُدى إِكْلِيلُهُ
سَطَعَتْ عَلَى الأَمْلاكِ غُرَّةُ وَجْهِهِ / نُوراً وأَشْرَقَ بالنَّدى تحْجِيلُهُ
فالله يُعْلِي قَدْرَهُ ويَزِيدُهُ / صُنعاً ويُنْسِئُ عُمْرَهُ ويُطِيلُهُ
في عِزِّ نَصْرٍ لا زَمَانَ يَخُونُهُ / وبقاءِ مُلْكٍ لا مُدِيلَ يُديلُهُ
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ
نِعَمٌ يُبَشِّرُ بَدْؤُها بِتَمامِ / فَتْحُ القُدُومِ ونُصْرَةُ الإِقْدَامِ
وُدِّعْتَ مَحْمُوداً وَصَلْتَ مُظَفَّراً / فاقدَمْ بِطِيبِ تحيَّةٍ وسَلامِ
والبَسْ بِعِزَّةِ مَنْ سَعَيْتَ لِنَصْرِهِ / تاجَ الجلالِ وحُلَّةَ الإِعْظَامِ
واسْعَدْ لِعِزِّ الدِّينِ والدُّنيا مَعاً / واسلَمْ لنَصْرِ اللهِ والإِسلامِ
وَعْداً عَلَيْهِ أَن يُتِمَّ عَلَى الورى / بكَ أَنعُماً موصولَةً بِدَوَامِ
قَرُبَتْ عَلَيْكَ منَ الأَعادِي غايَةٌ / قَدْ طالما بَعُدَتْ عَلَى الأَوْهامِ
وسَلَلْتَ سيفَ اللهِ طالِبَ ثأْرِهِ / من آلِ جالُوتٍ ونَثْرَةِ حامِ
ورَفَعْتَ أَعلامَ الهُدى فِي جَحْفَلٍ / كالليلِ تَحْتَ كواكِبِ الأَعْلامِ
بِسَوَابِقٍ رَفَعَتْ شِراعَ خوافِقٍ / كالفُلْكِ فِي آذِيّ بحرٍ طامِ
يَسْتَرْجِفُ الإِسراجُ عِزَّ نفوسِها / حَتَّى تَسَكِّنَهُنَّ بالإِلْجامِ
وأُسُودِ غابٍٍ مَا تَلَذُّ حَياتَها / حَتَّى تُدِيرَ بِهَا كؤوسَ حِمامِ
مُتَنازِعِي مُهَج العُدَاةِ كَأَنَّما / يَتَنَادَمُونَ عَلَى رَحيقِ مُدَامِ
مُسْتَقْدِمِينَ إِلَيْهِمُ بِأَسِنَّةٍ / أَوْلى من الأَرْوَاحِ بالأَجْسامِ
هَتَكُوا بِهَا حُجُبَ التَّرَائِبِ فاصْطَلَتْ / أَحشاؤُها جَمْرَ الوطيسِ الْحامِي
وقواضِبٍ نَبَذَتْ إِلَيْكَ لتَتْرُكَنْ / هامَ الأَعادِي لِلصَّدى والهامِ
سُرُجٍ لِدِينِ الحَقِّ إِلّا أَنَّها / كَسَتِ الضَّلالَ دياجِيَ الإِظْلامِ
بَرَقَتْ عَلَى الأَعْدَاءِ غَيْرَ خَوَالِبٍ / فِي عارِضٍ لِلْمَوْتِ غَيْرِ جَهامِ
فكأَنَّما اسْتَسْقَوْا حَياهُ وَقَدْ رَأَوْا / أَنَّ الصَّوَاعِقَ فِي مُتُونِ غَمامِ
حَمَلُوا قُلُوبَ الأُسْدِ نَحْوَكَ فانْثَنَوْا / مستبدِلينَ بِهَا قُلُوبَ نَعَامِ
من كُلِّ مُنْتَهِكِ المحَارِمِ بارِزٍ / بِدَمٍ عَلَى الإِسلامِ غيرِ حَرَامِ
لم يَعْبُدُوا الأَصْنامَ إِلّا أَنَّهُمْ / عَبَدُوا الغُرورَ عبادَةَ الأَصْنامِ
كم فِي بُرُودِ عَجاجِها من مُفَرَشٍ / ظَهْرَ الصَّعِيدِ مُوَسَّدٍ بِسَلامِ
أَشْمَسْتَهُ عَفَرَ التُّرَابِ ورُبَّما / حَطَّ الرَّوَاسِيَ من فُرُوعِ شِمامِ
وسَطَا الرَّغَامُ بأَنْفِهِ ولطالما / غَادى أُنوفَ الدينِ بالإِرْغَامِ
دامِي اللَّبانِ كَأَنَّ مَفْحَصَ نَحْرِهِ / وَجَناتُ مُعْوِلَةً عَلَيْهِ دَوَامِ
فَغَدا الثَّرى رَيَّانَ من دَمِهِ ومِنْ / دَمْعٍ عَلَيْهِ بالقَضَاءِ سِجَامِ
جَزَراً لأَيْسارٍ منَ البَيْدَاءِ لا / يَسْتَقْسِمُونَ عَلَيْهِ بالأَزْلامِ
حَتَّى إِذَا صابَتْ بِقُرٍّ وانْثَنَى / ثَمَرُ الغِوَايَةِ مُؤْذِناً بِصِرَامِ
ورَمَتْ أَكُفٌّ بالصَّوارِمِ والقَنا / كَيْما تَمُدَّ إِلَيْكَ بِاسْتِسْلامِ
وتَيَقَّنَ الإِسلامُ عَوْدَةَ رَحْمَةٍ / تُبْرِي من الأَوْصابِ والأَسْقامِ
وتنسَّمَ الظَّمْآنُ رَوْحَ مَشارِبٍ / يُشْفَى بِهِنَّ غليلُ كُلِّ أُوَامِ
نَفِسَ النَّجاحَ عَلَيْكَ مَنْ أَقْسامُهُ / من فَوْزِ قِدْحِكَ أَوْفَرُ الأَقْسامِ
وهَفَتْ بِهِ خُدَعُ الظُّنُونِ وَلَمْ يَزَلْ / حَسَدُ القرابَةِ طائِشَ الأَحْلامِ
فَدَنا لِغِرَّةِ مُنْتَواكَ وَقَدْ خَلَتْ / من أُسْدِهِنَّ مَرَابِضُ الآجَامِ
ودَعَا السَّوَامَ إِلَى حِماكَ وَلَمْ تَغِبْ / إلّا لِتُبلي دونها وتحامي
فبرى العداةُ لرميِ ظلِّك أسهُماً / خابَتْ وصائبُها لأَخْيَبِ رَامِ
هل يَنْقِمُونَ سِوى سَجِيَّةِ حافِظٍ / حقَّ الأَواصِرِ واصِلِ الأَرْحامِ
سَهِدِ الجفونِ طويلِ آناءِ السُّرَى / عن أَعْيُنٍ تَحْتَ السُّجُوفِ نِيامِ
أَوْ يَحْسُدُونَكَ رُتْبَةً فَليَرْتَقُوا / فَالشَّمْسُ فِي جَوِّ السماءِ السَّامِي
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً يَسُوؤُكَ ذِكْرُهُ / فاللهُ ناقِضُ ذَلِكَ الإِبْرَامِ
فاسْعَدْ بما اخْتارَ الَّذِي فِي أَمْرِهِ / خَيْرُ القضاءِ وأَيْمَنُ الأَحْكَامِ
ولَئِنْ وَنى قَدرٌ إِلَى أَجَلٍ فَلا / عَدَمُ الصَّوَابِ ولا نُبُوُّ حُسامِ
ونَبِيُّنا لَكَ أُسْوَةٌ فِي رَدِّهِ / عن أَرْضِ مَكَّةَ مُعْلِنَ الإِحْرامِ
فأَثَابَهُ الفتحَ القريبَ وبَعْدَهُ / تصدِيقُ رُؤْيَاهُ لأَوَّلِ عَامِ
والعَوْدُ أَحْمَدُ مَا لأَوَّلِ لَيْلَةٍ / يَبْدُو هِلالُ الأَفْقِ بَدْرَ تَمامِ
وكَفَاكَ مَنْ وَطِئَتْ خُيُولُكَ مِنْهُمُ / كِيوَانَ واصْطَلَمَتْ سَنَا بَهْرَامِ
وجَعَلْتَ سَيْفَكَ ماثِلاً لنفوسِهِمْ / يَحْتَثُّها بخَوَاطِرِ الأَوْهَامِ
وتَرَكْتَ هادِرَهُمْ بِغَيْرِ شقاشِقٍ / رَهْباً وغارِبَهُمْ بغَيْرِ سَنامِ
وتَرَكْتَ فَلَّ ذِئابِهِمْ وضِباعِهِمْ / مُتَرَقِّبِينَ لِكَرَّةِ الضِّرْغَامِ
هَلْ ينظُرُونَ سِوى تأَلُّقِ حاجِبٍ / لِلشَمْسِ يَصْدَعُ ثَوْبَ كُلِّ ظلامِ
أَوْ يُوجِسُ السَّمْعُ النَّذِيرَ بِمُنْذِرٍ / ضَرِمَ العَجَاجِ مُصَمِّمَ الصَّمْصامِ
مَلِكٌ إِذَا أَلْقى رواسِيَ بَأْسِهِ / كَفَلَتْ لَهُ بِزَلازِلِ الأَقْدَامِ
قادَ العُلا بِزِمَامِ كُلِّ فَضيلَةٍ / واقْتادَهُ الرَّاجِي بِغَيْرِ زِمَامِ
فَاَبْشِرْ فَقَدْ نَبَّهتَ نائِمَةَ المُنى / ونَظَمْتَ دِينَ اللهِ خَيْرَ نِظامِ
وقَرَرْتَ عَيْناً بِالَّذِي قرَّتْ بِهِ / عَيْنُ الزَّمَانِ وأَعْيُنُ الإِسْلامِ
قَمَرٌ يُنِيرُ عَلَى بَنانِ يَمِينِهِ / شهبُ القَنا وكواكِبُ الأَقْلامِ
وَرِثَ الجُدُودَ مَناقِباً ومساعياً / تَرَكتْ كِرامَ الأَرْضِ غَيْرَ كِرَامِ
وعُلاً تَحَلَّتْ بالسَّناءِ وتَوَّجَتْ / بالمَكْرُماتِ مَفارِقَ الأَيَّامِ
باهى بِهِ الأَمْلاكَ أَعْلى مُنْجِبٍ / ونَماهُ للآمالِ أَكْرَمُ نامِ
فاسْتَنَّ فِي الحُسْنى بأَهْدى مُرْشِدٍ / وائتَمَّ فِي العَلْيا بِخَيْرِ إِمامِ
فَهُوَ الجديرُ بأَنْ يُؤَكَّدَ عَقْدُهُ / فِي حِفْظِ عهدِ وسائِلِي وذِمامِي
وأنا الجديرُ بأَنْ أُشِيدَ بِحَمْدِهِ / نَغَماتِ أَوْتارٍ وشَدْوَ حَمامِ
وأُجَهِّزَ الرُّكْبانَ طَيِّبَ ذِكْرِهِ / زاداً إِلَى الإِنْجادِ والإِتهَامِ
حَتَّى تَفُوحَ لَكَ الجَنائِبُ والصَّبا / بِثَنائِها من مُعْرِقٍ وَشَآمِي
وجَزَاءُ مَا آوَيْتَ وَحْشَ تَغَرُّبِي / وفَسَحْتَ رَوْضَكَ لارْتِعاءِ سَوَامِي
وفَعَمْتَ لي بَحْرَ الحياةِ مُبادِراً / بحياةِ ذابِلَةِ الكُبُودِ ظَوَامِي
وبَسَطْتَ لي وَجْهاً كَسَفْتَ بِنُورِهِ / كُرَبَ الجَلاءِ وَخَلَّةَ الإِعْدَامِ
وَوَجَدْتُ ظِلَّكَ بَعْدَ يأْسِ تَقَلُّبِي / وَطَنَ الرَّجَاءِ ومَنْزِلَ الإِكْرَامِ
فكَأَنَّ وجهَكَ غُرَّةُ الفِطْرِ الَّذِي / وافى بِفِطْرِيَ بَعْدَ طُولِ صِيامِي
وكَأَنَّ ظِلَّكَ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي / كَفَلَتْ بأَجْرِ تَهَجُّدِي وقِيامِي
ولْتَعْلَمِ الآفاقُ أَنَّكَ مُنْعِمٌ / حقّاً وأَنِّيَ شاكِرُ الإِنْعامِ
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا
أَهلاً بِمَنْ قَهَرَ الملوكَ وَمَرْحَبا / وأَعَزِّ مَنْ حُلَّتْ لِرُؤْيَتِهِ الحُبى
وبحاجِبِ الشَّمْسِ الَّذِي حَجَبَ الأَسى / عنَّا وحاشَ لِجُودِهِ أَنْ تُحَجَبا
وَالمُسْتَطارِ لسَيْفِهِ فِرَقُ العِدى / فَرَقاً فكانَ هُوَ السَّنا وَهُمُ الْهَبا
مَلِكٌ نماهُ المُلْكُ يَتْبَعُ تُبَّعاً / فِيهِ ويُعرِبُ عَنْ مآثِرِ يَعْرُبا
قادَ الجنودَ مُكاثِراً بِرِماحِها / شُهُبَ الدُّجى وبأُسْدِها عَدَدَ الدَّبا
وسَما فَعادى بَيْنَ آفاقِ الْعدى / خَسَفَ الدَّبُورِ وكَرَّ يَعْتَامُ الصَّبا
بكَتائِبٍ تَرَكَتْ سَنا شَمْسِ الضُّحى / طَرْفاً سَجا للنَّوْمِ أَوْ بَرْقاً حَبا
تَبْني عَلَى الآفاقِ مِنْ جَعْدِ الثَّرى / فَلَكاً بِزُرْقِ السَّمْهَرِيّ مُكَوْكَبا
فِي هِمَّةٍ أَوْرَتْ زِنادَ وقَائِعٍ / غادَرْنَ رأْسَ الدَّهْرِ أَشْعَثَ أَشْيَبا
حَتَّى تَجَلَّى فِي عَجَاجَةِ أَوْبَةٍ / آبَتْ إِلَى الدُّنْيا بأَيَّامِ الصِّبا
من بَعْدِ مَا وَصَلَ الأَصائِلَ بالضُّحى / تَحْتَ العوالي مُسْئِداً وَمؤَوِّبا
حَتَّى تَوَهَّمَهُ الدُّجى بَدْرَ الدُّجى / يَسْرِي أَوِ ابْناً لِلْكَواكِبِ أَوْ أَبا
شَبَهاً بِهِ ناسَبْتَها مُتَعالِياً / ومُحَلِّقاً ومُشَرِّقاً ومُغَرِّبا
بِعَزَائِمٍ كَلَّفْتَها أَعلى العُلا / فتسابَقَتْ شَأْواً إِلَيْهِ مُغَرِّبا
مُسْتَحْيِيَاتٍ أَنْ يُعَرِّجَ لَحْظُها / لِقُبْولِ مَا أَدْنى الزمانُ وقَرَّبا
لا يَرْكَبُ المُلْكَ الذَّلُولَ رِكابُهُ / حَتَّى يُذِلَّ لَهُ الزمانَ المُصْعَبا
حَتَّى يَنالَ العِزَّ أَعْلى مُرْتَقَىً / ويفُوزَ بالآمالِ أَبْعَدَ مَطْلَبا
جاوَزْنَ بالخَيْلِ المَدى بَعْدَ المَدى / وأَطَلْنَ إِظْماءَ الأَسِنَّةِ والظُّبى
ما أَوْرَدَتْها من عُدَاتِكَ مَنْهَلاً / إِلّا ابْتَدَرْنَ أَمامَ ذَلِكَ مَشْرَبا
يطلُبْنَ فِي الأَفْلاكِ شاهِقَةَ العُلا / ويَدَعْنَ للأَوْعالِ شامِخَةَ الرُّبى
مُتَكَرِّماتٍ أَن يُناطِحَ كَبْكَباً / من كَانَ فِي فَلَكِ المعالِي كوْكبا
هَلْ مَنْ يُسامِيهِ وأَقْرَبُ مَا يُرى / مِنَّا إِذَا كَانَ الغَمامُ الصيِّبا
عُذْنا بِهِ مَنْ لا تَعَوَّذَ مَرْقَباً / مِنْهُ فأَصْبَحَ فِي ذَرَاهُ مَرْقَبا
فَابْشِرْ فما عَصَفَتْ رِياحُكَ حُسَّراً / فِيهِ ولا بَرَقَتْ سَحابُكَ خُلَّبا
وانظُرْ فإِنَّ عزيمَةً أَلقَحْتَها / بالنَّصْرِ قَدْ أَرْأَتْ بِفَتْحٍ مُقْرِبا
واعْلَمْ بأَنَّ أَسيرَ مُلْكِكَ مُوثَقاً / مَنْ لا يَرى فِي الأَرْضِ دُونَكَ مَهْرَبا
ولئِنْ حَمى منك الزَّمانُ مَكامِناً / فَبِهَا يَتُوبُ إِلَيْكَ مِمَّا أَذْنَبَا
وَغَداً يَجِيئُكَ مُنْشِداً مُتَذَمِّماً / لَيْسَ المُسِيءُ إِلَيْكَ عَبْداً أَعْتَبا
ولئِنْ دنا أَمَدٌ فلا عَزْمٌ رَنى / ولَئِنْ نبا قَدَرٌ فلا سَيْفٌ نَبا
واللهُ مُختارُ القَضاءِ وإِنْ أبى / فَعَسى لِخَيْرٍ مَا تَعَجَّلَ أَوْ أَبى
ولَكَمْ أَرَاكَ النَّصْرَ لَمْحاً باصِراً / ولَعَلَّ أَعْظَمَ منهُ فِيما غَيَّبا
رَبّاً بنصرِكَ عائداً ومُوَالِياً / ولِطُولِ عُمْرِكَ واهِباً مُسْتَوْهَبا
وكَفى بِمَنْ آوى إِلَيْكَ مُشَرَّداً / قَلِقَ الرَّكائِبِ فِي البِلادِ مُغَرَّبَا
حَتَّى يَرى البُؤْسى غُرَاباً أَعْصَماً / بَنَدَاكَ والضَّرَّاءَ عَنْقا مُغْرِبا
الشمسُ شاهِدَةٌ وإِنْ تَكُ وَاحِدَهُ
الشمسُ شاهِدَةٌ وإِنْ تَكُ وَاحِدَهُ / فشهادَةُ الإِقْرارِ أَعدلُ شاهِدَهْ
عَرَفَتْكَ فاعترفَتْ بأَنَّكَ واحِدٌ / فينا كَمَا هِيَ في الكواكِبِ واحِدَهْ
فَغَدَوْتُمَا صِنْوَيْنِ إِنْ يُبْعِدْهُما / نأْيُ الدِّيارِ فما الصِّفَاتُ مُبَاعِدَهْ
متناسِبَيْنِ إِلَى أُخُوَّةِ فِطْرَةٍ / لَيْسَتْ لَهَا فِطَرُ العقولِ بجاحِدَهْ
متقاسِمَيْ خُطَطِ العُلا لا حاسِداً / فَضْلاً عَلَيْهِ لَهَا ولا هِيَ حاسِدَهْ
إِن راقَ حاجِبُها فَيَحْيى حاجِبٌ / وَرِثَ الحجابَةَ والرِّياسَةَ والِدَهْ
أَوْ تَجْلُ راكِدَةَ الدُّجى فلكَمْ جَلا / يَحْيَى بِهَا ظُلَمَ الخطوبِ الرَّاكِدَهْ
أَوْ تَمْحُ نورَ النَّيِّراتِ فكم عفا / نُورَ الضَّلالِ رُسُومَهُ ومَعاهِدَهْ
أَوْ تَهْوِ في فَلَكِ البروجِ فكمْ هَوى / بالسَّيْفِ يضربُ قِرْنَهُ ومُعانِدَهْ
أَوْ تَشْفِ فِي كَبِدِ السَّماءِ فكم شفى / كَبِداً لأَوجالِ الهمومِ مُكابِدَهْ
ولَربما احْتَجَبَتْ لَنَا شمسُ الضُّحى / فِي دَجْنِ بارِقَةِ السَّحابِ الرَّاعِدهْ
فَسَحابُكَ الرَّهَجُ المثارُ من الوغى / وبروقُكَ الهنديَّةُ المتجالِدَهْ
وإِذَا تناهَتْ فِي عُلُوِّ بروجِها / بالسَّعْدِ بادِئَةً إِلَيْكَ وعائِدَهْ
فلَكَ العوالي يَا مُظَفَّرُ أَسعُدٌ / ولكَ المراتِبُ فِي العُلُوِّ الصَّاعِدَهْ
والشمس زائِلَةٌ وعهدُكَ ثابتٌ / وتغيبُ عنكَ ومأَثُرَاتُكَ شاهِدَهْ
تتَناسَخُ الأَزْمانُ من آياتِها / سُوَراً تخلِّدُها القرونُ الخالدَهْ
وورِثْتَ عنها يَا مُظَفَّرُ دَوْلَةً / دانَتْ لِعِزَّتِها الملوكُ العانِدَهْ
مُلْكاً رفعْتَ عَلَى القَنا شُرُفاتِهِ / وجعَلْتَ حِلْمَكَ أُسَّهُ وقواعِدَهْ
فَمَلأْتَ أَحناءَ الصُّدورِ محبَّةً / وسَلَلْتَ أَحقادَ القلوبِ الحاقِدَهْ
ووفَيْتَ للدُّنيا بعهدِ مكارِمٍ / سَقَتِ البلادَ عِهادُها المتعاهِدَهْ
شِيَماً عَمِدْتَ بِهَا عُلاكَ فَأَصْبَحَتْ / عَمَداً لَهَا فَوْقَ الخلائِقِ عامِدَهْ
وتركْتَها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / موجودَةً ولكُلِّ حَمْدٍ واجِدَهْ
فبِها وسِعْتَ الأَمْنَ أُمَّةَ فِتْنَةٍ / نَعِمَتْ بعَطْفِكَ فِي الظِّلالِ البارِدَهْ
وبها أَنَمْتَ جفونَ عينٍ ساهِدَهْ / وبها ذَعَرْتَ جفونَ عَيْنٍ هاجِدَهْ
وبها أَهَلَّ إِلَيْكَ أملاكُ العِدى / تدعوكَ من أَقطارِها المُتباعِدَهْ
من عائِذٍ بِكَ منكَ باتَ يَؤُزُّهُ / رَوْعٌ تذوبُ لَهُ الصَّخُورُ الجامِدَهْ
أَوْ نازِعٍ فزِعٍ إِلَيْكَ حياتهُ / من حَيَّةٍ فِي قَلْبِهِ لكَ راصِدَهْ
أَو غُرَّةٍ جُعِلَتْ لِسَيْفِكَ غرَّةً / إِن لَمْ تَخِرَّ إِلَى جَبينِكَ ساجدَهْ
ولِمِثْلِها قادَ ابنُ شَنْجٍ نَفَسَهُ / وجُنودَهُ فِي طاعَةٍ لَكَ قائِدَهْ
يرتادُ روضاً من رِضاكَ وَلَمْ يَجِدْ / إِلّا هداياهُ إِليها رائدَهْ
فَغَدا يُكايِدُ عن كَرَائِمِ ذُخْرِهِ / نفساً لَهُ عن بَذْلِهِنَّ مُكايِدَهْ
حَتَّى اصطفى لَكَ من صَوَافِنِ خَيْلِهِ / عِلْقاً لَهُ لَمْ يَدَّخِرْكَ فوائِدَهْ
خيلاً تُصادُ بِهَا الظِّباءُ وفَوْقَها / فرسانُها أَشْباهُ مَا هِيَ صائدَهْ
حَتَّى إِذَا أَدْناهُ إِذْنُكَ أَقبلَتْ / تهفُو بِهِ أَنفاسُهُ المُتَصَاعِدَهْ
سَمْحاً بأَنْ أَعطى يَدَيْكَ قيادَهُ / لَهِجاً بأَنْ أَلقى إِلَيْكَ مقالِدَهْ
وَرَأَى فرائِصَهُ لِسيفِكَ فُرْصَةً / وفؤادَهُ لسنانِ رُمْحِكَ فائِدَهْ
فَدَنا بِهِ زَمَعُ الرَّجاءِ كَأَنَّما / أَحشاؤهُ عَزَماتُهُ المُتفاقِدَهْ
لا ثَغْرَ دُونَكَ غَيْرَ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ / إِلّا رجاءَ عوائِدٍ لَكَ عائِدَهْ
ولقد لَبِسْتَ إِلَيْهِ من حُللِ الهُدى / نوراً ثَنى نارَ الضَّلالَةِ خامِدَهْ
ومَلأْتَ عينَيْهِ بما مَلأَ المَلا / أُسْداً لأَقرانِ الحُتوفِ مُساوِدَهْ
رَمَقُوا صفوفَ جنودِهِ من فَرْسَخٍ / فأَرَتْكَ إِجفالَ النَّعامِ الشَّارِدَهْ
حَتَّى بَسَطْتَ لخاضِعٍ ومُقَبِّلٍ / كفّاً لسيفِ البأْسِ عنهُمْ غامِدَهْ
فَدَنَوْا يَرَوْنَ الأرضَ مائِدَةً بِهِمْ / ذُعْراً وَوَشْكاً مَا رأَوْها مائِدَهْ
خِصْباً لَهُمْ بالنُّزْلِ أُرغِدَ أُكْلُها / للمعتَفِينَ وللجنودِ الوافِدَهْ
وموارِدٌ حَطَّ ابْنُ شَنْجَ رِحالَهُ / ورجالَهُ فِيهَا مَحَطَّ الوارِدَهْ
صُنْعاً لمن أَحْيا بدولَتِكَ الورى / فَسَقى بيُمْنِكَ كُلَّ أرضٍ هامِدَهْ
فاسْلَمْ ولا زالَتْ قُصورُكَ للمُنى / مقصودَةً وسِهامُ عزمِكَ قاصِدَهْ
تُصْمِي بِسَعْيِكَ كُلَّ أَنْفٍ شامِخٍ / قَهْراً وتَفْقَأُ كُلَّ عينٍ حاسِدَهْ
واسْلَمْ وَلا نَقَصَتْ لِدَهْرِكَ ساعَةٌ / إِلّا وكانت فِي بقائِكَ زَائِدَهْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025