المجموع : 161
خَطَرَت وَفي قَلبي لِذاكَ خُفوقُ
خَطَرَت وَفي قَلبي لِذاكَ خُفوقُ / وَرَنَتْ فَكُلُّ الصاحِبين رَشيقُ
هَيفاءُ مالَ بصَبِّها سُكُر الهَوى / لَمَّا تَمايَلَ عِطفُها المَمشوقُ
قاَمت تُديرُ لَنا الرَّحيقَ وَلَيتَها / طَلَبَت مُجانَسَةً فَدارَ الرِّيقُ
وَشَدَت فَأَطرَبَتِ الجَمادَ وَهَيَّجَتْ / حَتَّى عَلِمنا كَيفَ يُحيِي البوقُ
ناظرتُها فَسكرتُ مِن لحَظاتِها / وَشَرِبتُ خَمرتَها فَكَيفَ أُفِيقُ
وَرَأَيتُ رِقَّةَ خَصرِها فَوَهَبتُها / قَلبي فَإِنَّ كِلَيهِما لَرَقيقُ
غَيداءُ آنِسةٌ نَفُورٌ عِندَها / يَحيا الرَّجاءُ وَيُقتَلُ التَوفيقُ
كَالآلِ يُطمِعُ لامِعاً مُتَقرِّباً / وَلِمَن أَتاهُ زُفرَةٌ وَشَهيقُ
قالتْ وَقَد غازَلتُها متصبِّباً / لَيسَ الصَّبابَةُ بِالمَشِيبِ تَليقُ
هَيهاتِ ما كِبَراً مَشِيبي إِنَّما / هَذا الدَّلالُ إِلى المَشيبِ يَسُوقُ
إِني أمرُوءٌ طَرِبٌ عَلى غَزَلِ المَهى / وَعلى مُناظَرَةِ الحِسانِ مَشُوقُ
حَجَّتْ إِلى قَلبي العُيونُ فَإِنَّهُ / بَيتٌ وَلَكنْ لا أَقولُ عَتيقُ
يا رَبَّةَ الحُسنِ العَزيزِ لَكِ الحَشا / مِصرٌ غَلا فَسَطا عَلَيهِ حَريقُ
نُعمانُ خَدِّكِ في الرِّياضِ وَمَدمَعي / هَذا لَها خالٌ وَذاكِ شَقيقُ
دَمعي حَدِيثٌ لا يَزالُ مُسَلسَلاً / أَبَداً وَقَلبي بِالغَرام خَليقُ
قَلبٌ كَخالكِ في المَحبَّةِ طَيِّبٌ / لَكنَّ ذا مسكٌ وَذاكِ فتيقُ
هُوَ شافِعِيٌّ عِندَهُ حُسنُ الوَفا / لابنِ الكَرامةِ سُنَّةٌ وَحُقُوقُ
وَمَتى الوَفاءُ وَكُلَّ يَومٍ بَرَّةٌ / لَكَ في المحاسنِ لِلوَفاءِ سَبُوقُ
تَأتي النَفائِسُ مِنكَ لا مَطروقَةً / مِن دُونِهِنَّ الدِّرهَمُ المَطروقُ
اللَهُ أَكبَرُ في الأَيمَّةِ فَردُها / وَلَفيفُها المَقرونُ وَالمَفروقُ
رَجلٌ وَماذا وَصفُهُ وَكَفى بِهِ / رَجُلٌ لَهُ المَفهومُ وَالمَنطوقُ
حَسَنُ المَعاني وَالبَيانِ كَلامُهُ / جَزلٌ وَمَعناهُ الرَّقيق دَقيقُ
فَإِذا تَكلَّمَ راحَ يَفعَلُ لَفظُهُ / ما راحَ يَفعَلُ بِالنُّهى الرَّاووقُ
حيِّ القَريضَ وَآخذِيهِ وَقُل لَهُ / قَد كانَ مُقتَرَضٌ وَأَنتَ طَليقُ
ها أَنتَ في يَدِهِ رَقيقٌ أَن تَحُل / عَنها فَإِنَّكَ آبقٌ مَسروقُ
لَكَ مِن قَريحَتِهِ السَّليمةِ صِحَّةٌ / وَطِرازُ وَشيٍ لا يَرِثُّ أَنيقُ
هِيَ ذَلِكَ الإِكسيرُ صُنعُ اللَهِ لا اُل / إِكسيرُ مِمَّا يَصنَعُ الإِنبيقُ
تُلقي الهِلالَ فَيَستَحيلُ بِها إِلى / شَمسٍ لَها عِندَ الأُفولِ شُروقُ
يا بُطرسُ الشَّهمُ الكَريمُ مَكانُهُ / وَبنانُهُ وَلِسانُهُ المِنطيقُ
أَنتَ الكَرامَةُ وَاِبنُها وَأَبٌ لَها / نَسَبٌ كَريمٌ في الكِرامِ عَريقُ
طُفتُ البِلادَ وَقَد جَلَستُ إِلَيكَ لا / سَفَرٌ وَلَم تَمنُنْ عَلَيَّ النُوقُ
ما فاتَني أَنَّ الأَوائلَ قَد مَضَوا / وَبَقِيتَ أَنتَ ولي اليكَ طَريقُ
صَدرٌ بِهِ سَعةٌ وَشَوقٌ أَوسَعُ
صَدرٌ بِهِ سَعةٌ وَشَوقٌ أَوسَعُ / فَالحِلمُ يُعطي والبلِيَّةُ تمنَعُ
وَحُشاشةٌ مَسلوبَةٌ وَلَعَلَّها / ذَهَبَت عَلى أَثَرِ الفُؤادِ تُودِّعُ
يا راحلاً رَحَلَت إِلَيهِ قُلوبُنا / وَأَظُنُّها مِن شَوقِها لا تَرجِعُ
مالي أَرى الدَّارَ الَّتي فارَقَتها / مَأهولةً وَكَأَنَّما هِيَ بَلقَعُ
قَد فَرَّقَ البينُ المُشتِّتُ شَملَنا / وَالشَّملُ لَفظٌ مُفردٌ لا يُجمَعُ
كانَ اللِّسانُ رَسولَ قَلبي فَاِنثَنى / قَلبي الرَسولَ عَنِ اللِّسانِ يُشيِّعُ
ما كانَ أَقصَرَ مُدَّةً لَكَ بَينَنا / كَالحُلمِ تُبصِرُهُ العُيون الهُجَّعُ
وَكَذا الزَّمانُ يَمُرُّ مُختَلِفاً بِنا / وَألسُّوءُ فيهِ وَالسُّرورُ يُضَيَّعُ
ما كُنتُ أَرضى بِالحَياةِ وَكُلُّها / عِلَلٌ وَلَكنْ صَرفُها لا يُمنَعُ
إِن لم يَكُنْ بَينُ النُّفوسِ مُروِّعاً / فَغُرابُ بَينٍ لِلنُفوسِ مروِّعُ
ما أَغفلَ الإِنسانَ عَن نُصَحائِهِ / وَأَشَدَّ صَبوَتهُ إِلى مَن يَخدَعُ
يَرعى الكَواكبَ في السَّماءِ ضَئيلَةً / وَالنَّفسُ أَقرَبُ مِنهُ لَو يَتَطَلَّعُ
أَخذ الطَّبيبُ بِأَن يُداويَ غَيرَهُ / وَنَسِي الطَّبيبُ فُؤادَهُ يَتَوَجَّعُ
وَالعِلمُ مَصلَحةُ النُّفوسِ فَإِن يَكُنْ / لا نفعَ فيهِ فَالجَهالةُ أَنفَعُ
بَأَبي الذي اُنحَنَتِ المَفارِقُ بَعدهُ / وَتَقوَّمَت وَجداً عَلَيهِ الأَضلُعُ
أَنتَ المنزَّهُ عَن مَظِنَّةِ جاهِلٍ / وَصِفاتِ مَن بِطِباعهِ يَتَطَبَّعُ
يا ساكِناً قَلبي المُتيَّمَ إنَّهُ / بَيتٌ وَلَكن في هَواكَ مُصرَّعُ
يا طالَما أَنشَدتُ فيكَ قَوافِياً / وَحَشاشَتي كَعُروضها تَتَقطَّعُ
نَفسي مُجرَّدَةٌ إِليكَ عَن الوَرى / وَلَعَلَّ ذَلِكَ في المَحَبَةِ يَرفَعُ
إِن كانَ قَد مُنِعَ التَقَرُّبُ بَينَنا / فَأَحَبُّ شَيءٍ عِندَنا ما يُمنَعُ
طالَ النَوى حتى تقطَّعتِ المُنى
طالَ النَوى حتى تقطَّعتِ المُنى / وضَنيتُ حتى رقَّ لي قلبُ الضَّنى
والقلبُ ضاقَ بوَجدِهِ عن صبرِهِ / حتى يَرُودُ ولا يُصادِفُ مَسكِنا
دُمْ والْقَنا كالبَدرِ يا شبهاً لهُ / في البُعدِ عنَّا والتَنَقُّلِ والسَّنَى
إني على الحالَينِ لا أنساكَ في / عُمري ولو أوشكْتُ أنسى مَن أنا
ولقد ذكرتُكَ فاضطربتُ مهابةً / وطَرِبتُ فاشتُقَّ النُواحُ من الغِنا
فبكيتُ حتَّى ما بكيتُ لِفاقةٍ / من أدمُعي والدَّمعُ يُدرِكُهُ الفَنا
وَوَدِدْتُ لو أبكي البُكاء لأنَّهُ / يشفي القلوبَ ولو أضرَّ الأعيُنا
ولقدْ رَكِبتُ الشِعرَ حتى مَلَّني / ومَلِلتُهُ فأسأْتُ فيهِ وأحسَنا
وخَلائقُ الرُّوح الأمينِ تقودُني / كَرْهاً وتَظلِمُني بإِنشادِ الثَّنا
صِفَةٌ يضيقُ بها الزَّمانُ وهِمَّةٌ / تَرَكتْ بها الأيامُ داءً مُزمِنا
ما كلُ من قالَ القصائدَ شاعرٌ / هيهاتِ يَطعنُ كلُّ من حَمَلَ القَنا
عَزمَ الشِهابُ على النزولِ بموطِنٍ / يوماً فكانَ البُرجُ يَصلُحُ مَوْطِنا
قد صارَ ساحلُ بحرِنا بحراً بهِ / ها مَجمَعُ البحرينِ أصبحَ عِندَنا
لا تحسُدوا مِصراً لفائِضِ نيلها / أَلنيلُ في مِصرٍ وراحتُهُ هُنا
تحيا البلادُ بهِ فلو هنَّأْتَهُ / يوماً بها قالَتْ لنا ولكَ الهنا
شهمٌ إذا أخنى الزَّمانُ بأهلهِ / عَصَمتْهُ نفسٌ لا يُراوِدها الخَنا
وإذا حَوَى الأموالَ كان كتاجرٍ / يبغي النَّفاقَ مُعجَّلاً ما أمكَنا
شَرَفٌ على كَبِدِ الوَدَاعةِ نازِلٌ / ذَهَبَتْ إليهِ مَذَهباً مُستحسنا
ولَطائِفٌ وُصِف النسيمُ بمِثلها / في ظِلِ بأْسٍ قد أرَدنَ تحَصُّنا
يا رُكنَ دَوْلةِ آلَ قيسصٍ قد صَبَت / قَيسٌ على يمنٍ إليكَ تَيَمُّنا
كانت تنُوخُ لها ذِرَاعاً أيسَراً / قِدَماً وكُنتَ لها الذّرَاعَ الأَيمنا
لاذَتْ بساحتِكَ الوُفودُ وأطبَقَتْ / مثلَ ازدِحامِ الحجِّ في وادي مِنَى
فيكَ الرَّجاءُ ومنكَ كلُّ كرامةٍ / وعليكَ كلُّ مُعَوَّلٍ وبكَ الغِنى
نارٌ وما ادراكَ ناري ما هيا
نارٌ وما ادراكَ ناري ما هيا / نارٌ يؤَجِّجُها هواكَ يمانيا
لا تُنكِروا أن ذابَ قلبي دُونَها / لو أنَّهُ جَبَلٌ لأصَبحَ وادِيا
طالَ الزمانُ وما ظَفِرتُ بطائلٍ / وصبَرتُ حتى ملَّ صبري عاصيا
ورَضيِتُ بالطَّيْفِ المُلِمِّ فخانني / نومي فصرْتُ بذِكرِ طيفِكَ رَاضيا
يا كوكباً قد غابَ عنا أولاً / وَيلاهُ هل يُرجىَ طُلوعُكَ ثانيا
أهوَى لوَجِهكَ كلَّ نجمٍ طالعٍ / ويبيتُ طَرْفي للكواكبِ راعيا
إن كانَ ما بُلّغِتَ عني كاذِباً / فغداً سيصدُقُ ليسَ حَيٌّ باقيا
وفِراقُ من أَحبَبْتَ موتٌ عاجلٌ / للعاشِقينَ فلا تكذِّبْ ناعيا
في فتح عكا بَرْدُ نارِ معَاطبٍ
في فتح عكا بَرْدُ نارِ معَاطبٍ / دارِ الخليل وللديارِ بهِ البُكا
رأسَ الثَمانِ وأربعينَ بِطيّهِ / مئتانِ مَعْ ألفٍ فبارَكَ ربُّكا
كلَّفتُ حَمْلَ تحيتي ريحَ الصَّبا
كلَّفتُ حَمْلَ تحيتي ريحَ الصَّبا / فكأنني حمَّلتُها بعضَ الرُبى
لا تَحمِلُ الريحُ الجبالَ ولَيتَني / كلفتُها حَمْلي فإنّي كالهَبا
بَعُدَ المزارُ فلا مزارَ وطالما / جَدَّ البِعادُ إذا رَجَوتُ تَقَرُّبا
دُونَ الأحبَّةِ بحرُ ماءٍ دُونَهُ / للدمعِ بحرُ دمٍ أبَى أنْ يُركبا
ولَقد مرَرتُ على الدِّيارِ فهاجَني / نَظَرٌ أطَلْتُ لهُ الوُقوفَ تَعَجُّبا
خاطَبتُها أرجو الجوابَ فإنها / قد مازَجَتْ مُهَجَ الرِجالِ تصَبُّبا
ما بالُ هذا الدَّهرِ دامَ على النَوى / وعلى الوِصالِ عَهِدتُهُ مُتَقلِّبا
هَيْهاتِ ما للِدهرِ عَهدٌ صادقٌ / فَتراهُ يُخلِفُ كاذباً ومُكَذّبا
غَلَبَ البلاءُ الصبرَ في غَزَواتهِ / وقدِ استَجاشَ من الصَبابةِ مَوْكبا
والصبرُ من هِممِ القلوبِ ولم يَدَعْ / خَطْبُ النَّوى للصبرِ قلباً طَيِّبا
قد أجمَدتْ نُوَبُ الزمانِ قريحتي / كَمَداً وأنْستْني الكَلامَ المُعرَبا
فنَسيتُ إنشاءَ الرسائل كاتباً / ونَسيتُ أني كاتبٌ مُنذُ الصِّبا
يا أيها الشُهُبُ التي قد أغرَبتْ / عنا تُرَى هل تَلزَمينَ المغرِبا
سيَّارةٌ لا تَثبُتينَ فما لنا / مُذ غِبْتِ لم نرَ منك يوماً كوكبا
لا بُدَّ من يومٍ يَجِدُّ لهُ بنا / رأيٌ ولو لَعِبتْ بنا أيدي سَبَا
هيهاتِ لم يَمُتِ الزَمانُ وإنما / قد نامَ ثمَّ يَهُبُّ معقودَ الحُبَى
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ / وعَرَفتُ عادَتها فلم أتَعتَّبِ
شِيَمُ الغواني إن تَدِلَّ إذا رأت / صبَّاً يَذِلُّ لها بقلبٍ طيِّبِ
أمَرَتْ لواحظُها الفَتَى فأطاعها / وَدَعَت فلبىَّ الشيخُ غيرَ مكذِبِّ
فَتَّانةُ العينينِ يَسكَرُ طَرْفُها / وأنا أُحَدُّ وها أنا لم أشرَبِ
سالَتْ ذوائِبُها ولاحَ جبينُها / فرأيتُ بدراً حلَّ بُرجَ العَقرَبِ
وتكلَّمتْ وتبسَّمَتْ لمَّا رأتْ / دمعي فتلكَ لآلئٌ لم تُثقَبِ
قد كُنتُ أطمَعُ في المَوَدَّةِ عِندَها / فإذا مَودَّتُها كبرْقٍ خُلَّبِ
ومَوَدَّةُ الحَسناءِ ضَيفٌ راحلٌ / مِيعادُهُ لثلاثةٍ أو أقرَبِ
ذُقتُ الصَّبابةَ في الشَبيبةِ أمرَداً / واليومَ شِبتُ فهل تليقُ بأشَيبِ
كلٌّ يعافُ العيبَ فيه فلو دَرَى / عيباً بهِ لم تَلقَ غيرَ مُهذَّبِ
ولقد عَرَكتُ الدَّهرَ أطلُبُ حِكمةً / فأفادَني والدَّهرُ خيرُ مؤدِّبِ
تُعطي التجاربُ حِكمةً لمجرِّبٍ / حَتَى تُرِّبي فوقَ تربيةِ الأبِ
ولقد تأمَّلتُ الزَمانَ وحُكمَهُ / فبُلِيتُ منهُ بعُجمةٍ لم تُعرَبِ
عارٌ عليَّ وشيخُنا المفتِي لهُ / رأيٌ يخلِّصُ بينَ بَكْرَ وتَغلبِ
هوَ كوكبٌ في الشرقِ يسطَعُ نُورُهُ / ويلوحُ فضلُ شُعاعِهِ في المَغربِ
يجلو الخُطوبَ وينجلي لكَ وَجهُهُ / فتَراهُ في الحالينِ أفضلَ كوكبِ
حَسَنُ الإصابةِ عِندَ كل مُلمَّةٍ / بادي البشاشةِ عندَ سُخطِ المغُضَبِ
مُتواضعٌ لجليسهِ من لُطفهِ / حتى كأنَّ جليسَهُ ذو المَنصبِ
رَيَّانُ من كأسِ الحقيقةِ لم يَدَعْ / إلا ثُمالَتَها التي لم تُطلَبِ
لم يَعشَقِ الدُنيا فلم يَجْزَعْ إذا / ولَّت وإنْ هيَ أقبَلَتْ لم يَطرَبِ
هانَ الزمانُ عليهِ لا مُتعَجِبٌ / مما يَرَى فيهِ وليسَ بمُعجَبِ
وَسِعَ العلومَ بجانبٍ من صَدرِهِ / رَحْبٍ وللعَمَلِ استَعَدَّ بأرحَبِ
أحصى من الكُتُبِ الذي كَتَبوا لنا / فيها وزادَ عليهِ ما لم يُكَتبِ
يجني فوائدَهُ الحكيمُ كغيرهِ / وتُفيدُ فَتْواهُ شُيوخَ المَذهبِ
يا مَن إذا اتَّسعَ القريضُ بذَكرِهِ / ضَغَطَ الأعاريضَ اقتحامُ الأضربِ
تزهو قوافينا لَدَيكَ سليمةً / ويُعابُ بالتقصيرِ قولُ المُطنِبِ
غَمَضَتْ صِفاتُكَ يا مُحمَّدُ دِقةً / فتحجَّبَتْ وبَرَزْتَ غيرَ محجَّبِ
إن كُنتَ تَبغِي من يَقومُ بحقِها / فاطلُبِ سِوايَ وقُل عذَرتُكَ فاذهَبِ
إن كانَ يلبَسُ ما أفادَ تَجَمُلاً
إن كانَ يلبَسُ ما أفادَ تَجَمُلاً / فبياضُ هذا الجِيدِ تَلبَسُهُ الحِلَى
وإذا تزيَّنتِ العُيونُ بكُحلها / فلقد نَراهُ بمُقلتَيكَ تكحَّلا
يا ناحِلَ الأعطافِ معشوقاً تُرَى / أتَلُومُ مِثلي عاشقاً أن يَنْحَلا
أعدَدتَ لي حربَ البَسُوسِ ولم أكُنْ / أعدَدتُ دُونَكَ في القتالِ مُهَلْهِلا
حاوَلتَ سفْكَ دمي بعينِكَ ثانياً / هيهاتِ قد سَفكَتْهُ عيني أوَّلا
ونَهَبتَ قلباً ليس فيهِ سوِىَ الهَوَى / وسَلَبتَ جسماً ما عليهِ سِوَى البلَى
خُذْ ما أرَدتَ سِوَى أغَرَّ مُحجَّلٍ / ألقى بهِ الشيخَ الأغرَّ مُعَّجلا
وأرَى لطائفَهُ التي نَهَبتْ بها الشْ / شُعَراءُ أبياتَ القريضِ تَغَزُّلا
العالِمُ الصَّدرُ الكبيرُ العاملُ ال / بدرُ المنيرُ اللامعُ السامي العُلى
أقوالُهُ دُرَرٌّ تُقلَّدُها النُهَى / وفِعالُهُ غُرَرٌ تُقلَّدُها الطُلَى
أجرَى من البحر العَرَمْرَمِ لُجَّةً / وألَذُّ من سَلسالِ دِجلةَ مَنْهَلا
وأشَدُّ من زَهرِ الحدائقِ نَضْرةً / وأجَلُّ من زُهرِ الكواكبِ مَنزِلا
يمشي وقد كثُرَ الوُقوفُ أمامَهُ / فَرْداً يَجُرُّ من المَهابةِ جَحْفَلا
وإذا أشارَ إلى الكَتيبةِ أَجفَلتْ / فكأنَّ من سُمرِ الذَوابلِ أُنْمُلا
هُوَ يَشغَلُ الأقلامَ وَهْيَ بوصفِهِ / في النّاسِ قد شُغِلَتْ فكانت أشغَلا
تتَنازَعُ الشّعراءُ فضلةَ شعرِهِ / في مدحِهِ وتَخافُ أنْ لا يَفضُلا
طَفَحَتْ عليَّ صفاتُ أحمدَ مَرَّةً / فَلحِقْتُ منها عارضاً مُستقبِلا
واخَتَرْتُ إجمالَ الثَّناءِ لأنَّني / ألفَيتُهُ لا يُستطاعُ مُفصَّلا
قِفْ بينَ رَيحانِ العَقيقِ وضالهِ
قِفْ بينَ رَيحانِ العَقيقِ وضالهِ / وقُلِ السَّلامُ على العَقيقِ وآلِهِ
وقُلِ السَّلامُ على المنازلِ من فَتىً / لم يبقَ غيرُ سلامِهِ وسؤَالهِ
رَبعٌ وَقَفتُ منادياً أطلالَهُ / فبَلِيتُ حتى صِرتُ من أطلالِهِ
قد كانَ لي صبرٌ كبعضِ سُهولهِ / واليومَ لي شَوقٌ كبعض جِبالهِ
لا تُنكِروُا سَلْبَ الحبيبِ حُشاشتي / ماذا على مُتَصرِّفٍ في مالِهِ
رَكِبَ النَّوَى فحُرِمتُ نَظرةَ وجهِهِ / ونَفَى الكَرَى فُحرِمتُ طيفَ خَيالِهِ
من كانَ يَهوَى الغانياتِ فإنَّني / أهوَى الذي لَيسَتْ تَمُرُّ ببالِهِ
الخائضَ الغَمَراتِ لم تَبلُلْ لهُ / قدَماً ولم تَقطعْ شِراكَ نعالهِ
سَبَّاقُ غاياتٍ ينالُ بفعلِهِ / ما لا يَنالُ سِواهُ في آمالهِ
البَرُّ بينَ لِسانِهِ وفُؤادِهِ / والبحرُ بينَ يمينهِ وشمالِهِ
مُتَأخِّرٌ في عصرِهِ مُتَقدِّمٌ / في فضلهِ مُتَفرِّدٌ في حالِهِ
ليسَ التفاوتُ في الزَمانِ وإنما / يقَعُ التَفاوتُ فيه بينَ رِجالِهِ
بيني وبينكَ بحرُ ماءٍ زاخرٌ / يا بحرَ عِلمٍ فاقَهُ بزُلالهِ
تبدو الجواهرُ منكَ بارزةً لنا / فوقَ الذي قد زُجَّ في أقفالهِ
عَجَباً لهُ لم يَحْلُ لَمَّا خُضتَهُ / إنَّ اللئيمَ مولَّعٌ بخِصالهِ
قد ضَمَّ منك الفُلكُ أفناناً كما / ضَمَّتْ سفينةُ نوحَ من أجيالِهِ
شِيَمُ الليالي أن تُباعِدَ صاحباً / حتى يكونَ زوالُها كزَوالهِ
هيَ كالهباءِ فماسكٌ بحبِالها / تحتَ الرَّجاءِ كماسكٍ بمثالِهِ
من كان يعرِفُ ما مَضَى من دهرِهِ / أغناهُ عن مُستقَبلٍ بمثالِهِ
يومٌ يمُرُّ كأمسِهِ بغُرورِهِ / وغَدٌ يمُرُّ كيومهِ بمِحالهِ
يا مَنْ يُودّعُ راحلاً لِفراقِهِ / أتُرى رَجَوتَ تحيَّةً لِوِصالِهِ
هذا اليسيرُ منَ الفِراقِ وإنما / ستَرَى فراقاً ليسَ من أشكالِهِ
يَبلى الحبيبُ وحُزنُهُ يَتَجدَّدُ
يَبلى الحبيبُ وحُزنُهُ يَتَجدَّدُ / فكأنَّهُ في كُلِّ يومٍ يُفقَدُ
إن كانَ قد أمسى بعيداً نازحاً / عني فإنَّ سُلوَّ قلبي أبعَدُ
هم يَذكرُونَ من الكريمِ فضيلةً / وأنا أعُدُّ النَجْمَ حينَ أُعدِّدُ
تلكَ السجايا البِيضُ عندَ مُحِبّها / مما يليقُ بهِ اللبِاسُ الأسوَدُ
وَيحي مَتَى أنسى الذي طَرَدَ الكَرَى / وخَيالُهُ عن مُقلتي لا يُطرَدُ
ناديتُهُ فأجابَ سائلُ أدمُعي / والدَمعُ أجرى بالجَوابِ وأجوَدُ
يا راحلاً رَحَلَ اصطِباري بعدَهُ / هل بينَنا قبلَ القيامةِ مَوِعدُ
إنْ كُنتَ لم تَسمَعْ نُواحِي في الحِمىَ / فَعَلى ضَرِيحكَ ألفُ دمعٍ يَشَهدُ
دَعْ ذِكرَ باناتِ العَلَمْ
دَعْ ذِكرَ باناتِ العَلَمْ / والنازلاتِ بذي سَلَمْ
جَدَّ المشيبُ فلا تَدَعْ / ذاك القديمَ على القِدَمْ
للدَّهرِ حُكمٌ في الوَرَى / فأطِعْهُ وارضَ بما حَكَمْ
واصبِرْ وإلا فالضَّنَى / وافكُرْ وإلاّ فالنَدَمْ
واعملْ بعلِمِكَ إنَّهُ / من دُونِ ذلكَ كالعَدَمْ
وإذا سكَتَّ فعن رِضَىً / وإذا نَطقتَ فبالحِكَمْ
وإذا سَألتَ فلا تَزِد / وإذا سُئلتَ فقُلْ نَعَمْ
وإذا أرَدتَ قصيدةً / نَبِّهْ لها عُمَراً وَنَمْ
الشاعرُ العربيُّ ذو ال / غَرَرِ التي سَبَتِ العَجَمْ
عَلَمٌ هُوَ الهادي الرفيعُ / فكيفَ شِئتَ هو العَلَمْ
في المَكرُماتِ لهُ يدٌ / وإلى الصَّوابِ لهُ قَدَمْ
ولهُ مَناقِبُ لا تُنا / لُ كأنَّها صيدُ الحَرَمْ
يا من شمائلُ لُطفِهِ / نَسَمٌ بها تحْيا النَسَمْ
آياتُ حَقٍٍّ أُنزِلَتْ / ما بينَ نُونِكَ والقَلَمْ
أعجَزْتَني عن حَصرِها / فأضَعتُ فَذلكَةَ الرَّقَمْ
شوقي إليكَ كما علِمْتَ طويلُ
شوقي إليكَ كما علِمْتَ طويلُ / ولَعلَّ صبري في هواكِ جميلُ
يا غائباً في القلبِ يحضُرُ شخصُهُ / فكأنَّهُ لي منكَ عنكَ بديلُ
بَعُدَ المزارُ على ضعيفٍ قاصرٍ / هذا الكتابُ إليكَ عنهُ وكيلُ
إن كُنتَ تُنكِرُ لوعةً بفُؤادهِ / فلهُ شُهودٌ من ضَناهُ عُدولُ
حالت موامي الأرضِ دُونكَ بالنَّوَى / ولطَالما دُونَ البُدورِ تَحُولُ
ورأيتُ شخصَكَ في البِعادِ فإنَّهُ / قَمَرٌ نراهُ وما إليهِ وُصولُ
يا دُرَّةَ الغَوَّاصِ دُونَ لِقائها / لُجَجٌ فَدَيتُكَ هل إليكَ سبيلُ
نَترتْ صُروفُ الدهرِ عِقدَ نِظامنا / فنَثَرتُ دمعي وهو فيكَ قليلُ
شَطرُ الفُؤادِ حبيبُهُ فإذا نأي / نُهِكَ الفُؤادُ فطُلَّ منه قتيلُ
طال انتِظاري والحَياةُ قصيرةٌ / وكلاهُما سببٌ عليَّ ثَقيلُ
ويلاهُ قد ضاعَ الزَمانُ فساقطٌ / يومٌ يَمُرُّ ولا يَراكَ خليلُ
رُكنُ الحياةِ نعيمُها إن لم يكُنْ / في العَيشِ طيبٌ فالحياةُ فضولُ
بأبي المريضُ السالمُ الشَرَفِ الذي / يَشتاقُ عَوْدَةَ مثلِهِ جبريلُ
مَن ليسَ يَرَغبُ في سلامةِ نفسهِ / إن كانَ لم يَسلَمْ لديهِ جميلُ
يا ناحِلَ البَدَنِ العليلِ بلُطفِهِ / لا صَحَّتِ الدُنيا وأنتَ عليلُ
يا ليتَ عندي صِحَّةً تُفدَى بها / لكن عليَّ منَ الفِراقِ نُحولُ
سَيَزُولُ سُقمٌ مثلَ عافيةٍ مَضَتْ / إذ كلُّ ما تحتَ السماءِ يزُولُ
هذا الخُسوفُ عراكَ يا بدرَ الدُجَى / ونَرَى خُسوفَ البدرِ ليس يطولُ
وَرَدَ الكتابُ فضاعَ طيّبُ نَشرِهِ
وَرَدَ الكتابُ فضاعَ طيّبُ نَشرِهِ / وطَرِبتُ قبلَ نظامهِ من نثرِهِ
أحيا بزَورتهِ الفُؤادَ كأنَّما / في كلِّ سَطرٍ وجهُ كاتبِ سطرِهِ
شخَصَتْ لهُ أبصارُ عينِ محبِّهِ / حتى كأنَّ سَوادَها من حِبرِهِ
وتذكَّرَ العهدَ القديمَ متيَّمٌ / لَقِيَ الجِنايةَ والجَنَى من ذِكرِهِ
يا مَن يطارحُني القريضَ فكاهةً / هيهاتِ قد ذَهَبَ القريضُ بعصرِهِ
والشعِرُ من أرَبِ الصَباءِ وأين لي / أسفاً ومَن لي بالصَباءِ وشعِرِهِ
غَلَبَ المشيبُ على الشَبابِ بأبيضٍ / ذَلِقٍ فصارَ سوادُهُ في أسْرِهِ
ضيفٌ على رأْسي حَمَلتُ ثقيلَهُ / وقَريتُهُ طِيبَ الحياةِ بأسرِهِ
ولقد عَجِبتُ لمادحٍ لم يَهْجُني / كَرَمُ الطبيعةِ كانَ آيةَ عُذرِهِ
أمسى يَشُقُّ عليَّ تسليمٌ لهُ / ويَشُقُّ إنكارٌ لِرِفعةِ قدرِهِ
خَبَرٌ تداوَلَهُ الرُواةُ فأكبروا / وهوَ الصغيرُ إذا هَمَمتَ بخُبْرِهِ
لا تُعطِ حُكمَكَ ما بدا لكَ أمرُهُ / حتى تقومَ على حقيقةِ أمرِهِ
خيرُ الكلامِ كلامُ صِدقٍ نافعٌ / وأجلُّهُ في الشِعرِ فَهْوَ كذُرخرِهِ
مَن ضاعَ أكثرُ شِعرِهِ في باطلٍ / فكأنما قد ضاعَ أكثرُ عُمرِهِ
مرَّتْ بناصيتي الخُطوبُ فراعَها / جَلَدي وروَّعني الزَمانُ بمكرِهِ
ولَرُبَّما سَلِمَ الفتى مِمَّا دَرَى / ورَمَتْهُ داهيةٌ بما لم يَدرِهِ
ولَرُبَّ أشْيبَ في الكُهولةِ غافلٌ / ولَرُبَّ أمرَدَ عاقلٌ في صِغْرِهِ
هيهاتِ ما قلبُ الفتَى في سنِّهِ / أبداً ولكنْ قلبُهُ في صَدرِهِ
يا مَن رَضعتَ الحِلمَ من أفواقِهِ / ورَبيتَ في مَهدِ الكمالِ وحَجْرِهِ
قد نِلتَ ما مُنِعَ الكثيرُ وطالما / فَضَلَتْ ليالي الدَهرِ ليلةُ قَدْرِهِ
والنَّاسُ منهم كاسبٌ قد غاصَ في / خيرِ الزَّمانِ وخاسرٌ في شرِّهِ
فإذا اعتبرتَ الجانبَينِ كِلَيْهما / أقصَرتَ عن شكوى الزَمانِ وشُكرِهِ
لا يَلزَمُ القَمرُ المُنيرُ المَشرِقا
لا يَلزَمُ القَمرُ المُنيرُ المَشرِقا / فأتى وكانَ يُضِئُ من قبلِ اللِّقا
قد رامَ جِلَّقَ في النُزُولِ فمن يُرِدْ / عَدَدَ البُروجِ يَعُدُّ منها جِلَّقا
يا طالما كُنَّا نَراهُ تَوَهُّماً / حتى رأينا شخصَهُ مُتحقّقِا
كِدْنا نَذوبُ تَشَوُّفاً لِجَلالِهِ / من بعدِ ما كِدْنا نَذوبُ تَشَوُّقا
فضحَ السَّماعَ بهِ العِيانُ بأنَّهُ / أوفَى ولكنْ لم نَجِدْهُ أصدَقا
قَصُرَ الرُواةُ بوَصفِهِ فعذَرتُهُمْ / كيلا يَقولوا صِفْهُ أنتَ مُدَقّقِا
أهلاً بأكرمِ قادمٍ قد رَدَّ لي / قلبي الذي قد كانَ معهُ مُوثَقا
مَلَكَ الفُؤادَ يسيرُ تحتَ لِوائهِ / فأنا لذاك أخافُ أن نَتَفرَّقا
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ / إلاَّ تَلاعُبَهُ بمُهجةِ صَبِّهِ
أغراهُ ذُلّي بالدَّلالِ وزادَهُ / عُجْباً فعلَّمني صِناعةَ عُجْبهِ
يا أيُّها الرَشأُ المُدِلُّ بعينهِ / لا تَفتِنِ الرَّجُلَ المُدِلَّ بقلبهِ
كَثُرتْ لَعَمْري في هَواكَ ذُنوبُهُ / لكنْ إليهِ كانَ أكثرُ ذَنْبهِ
من طالَ عن مَلَلِ الأحبَّةِ عَتْبُهُ / طالَ العِتابُ لنَفسهِ عن عَتْبهِ
داءٌ دخيلٌ ليسَ يُرجَى بُرْؤُهُ / لو أنَّ إسماعيلَ قامَ بطبِّهِ
من ذلكَ الشيخِ الرئيسِ ولفظِهِ / شيخٌ على الشيخِ الرئيسِ وكُتْبهِ
رَوَّى فخِلْنا عضْبَهُ من ذِهنهِ / ورَوى فخيِلَ لسانهُ من عَضْبهِ
هذا الحكيمُ الكاملُ الفرْدُ الذي / مُزِجَتْ بحكمتِهِ مَخافةُ ربِّهِ
لَزِمَ المدارِسَ في الدِّيارِ وذكرُهُ / قد سارَ في شرقِ الفضاءِ وغَرْبهِ
من دوحةِ الأتراكِ فَرْعٌ خِصْبهُ / يجري إلى فُرْس الزَّمانِ وعُرْبهِ
تُجنى فَوائِدُ قُربِهِ في بُعدِهِ / وتُخافُ وَحْشةُ بُعدِهِ في قُربِهِ
نَصَبَتْهُ دولةُ ذي السَريرِ فتَمَّمتْ / ألطافَها نحوَ العبادِ بنَصْبهِ
أحيَتْ مَواهبُها الأصِحَّةَ وابتَغَتْ / أنْ تَشمَلَ المَرْضَى فأحيْتهُم بهِ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ
للشوقِ عِندكَ مُقعِدٌ ومُقيمُ / ذاك الصِّحيحُ وأنتَ منهُ سقيمُ
إن كانَ هذا الشوقُ داءً حادثاً / فالحُبُّ داءٌ في الفُؤادِ قديمُ
في كُلِّ قلبٍ للصَّبابةِ مَنزِلٌ / ولكلِّ صَبٍّ مشرَبٌ معلومُ
والحُبُّ أشبَهُ بالحبيبِ كَرامةً / فكريمُهُ حيثُ الحبيبُ كريمُ
جَرَتِ القُلوبُ على الخِلافِ لحكمةٍ / إنَّ الذي خَلَقَ القُلوبَ حكيمُ
لولا التَّفاوتُ في البريَّةِ لم يكُنْ / وَجهٌ بمَصحلةِ العبادِ يقومُ
في كل عينٍ نُزهةٌ وطُلاوةٌ / ولكلِّ نفسٍ لَذةٌ ونعيمُ
ولَعلَّ بعضَ السيئاتِ بزَعمِهمْ / حَسَنٌ وبعضَ الطيباتِ ذميمُ
ولَرُبَّ عاذِرِ نفسِهِ في خَلَّةٍ / يَنْهاكَ عنها ناصحاً ويلومُ
وإذا انتهيتَ ظلمتَ نفسكَ مرَّةً / فلَعلَّ بعضَ الناصحينَ ظَلُومُ
أهلُ الزَّمانِ على خِلافٍ لازمٍ / مِثلَ الزَّمانِ وفي الخِلافِ لُزومُ
أحكامُ دَهرٍ ليسَ يَعلَمُ سِرَّها / إلا حكيمٌ بالإلهِ عليمُ
أنتَ المُشارُ إليه في ما نَدَّعي / يا مَن لهُ المنطوقُ والمفهومُ
يا بحرَ فيضٍ والبحارُ جداولٌ / يا بدرَ تمٍّ والبُدورُ نجومُ
يا سيّداً جادَ الزَّمانُ لنا بهِ / خَجَلاً لمن قال الزَّمانُ لئيمُ
لكَ في الكلامِ فوائدٌ منثورةٌ / حَكَمت بأن يُهدَى لكَ المنظومُ
تلك الحقائقُ في عُلاكَ تحجَّبت / وبَدَت لعين الناظرِينَ رُسومُ
اطعلتَ من سِحرِ البيانِ لطائفاً / سُحَراءُ بابلَ دُونَهُنَّ تَهيمُ
أحيا عُلومَ الأوَّلين بك الذي / يُحيِى عِظامَ المَيْتِ وَهْيَ رميمُ
هذا سلَيمانُ الوَرَى لكنَّهُ / في طاعةِ الرَّحمن إبراهيمُ
لا تُنكِرُ الإفرنجُ رِفعةَ شأنهِ / والتُركُ قد شَهِدت لهُ والرُّومُ
دَينٌ علينا حمدُهُ ومديحُهُ / ولكلِّ دَينٍ طالبٌ وغريمُ
ولعلَّ عُذرَ المَرْءِ وَهْوَ مُقصِّرٌ / أدنَى قَبُولاً منهُ وَهْوَ عقيمُ
ويلاهُ قد ضاعَ الزََّمانُ ورَكْبُنَا / في كلِّ وادٍ لا يزالُ يَهيمُ
يا طِيبَ أيَّامِ الصِّبا لو أنَّها / دامت وغيرُ الله ليسَ يدومُ
عَبِثَتْ بيَ الأيَّامُ وهيَ سفيهةٌ / فشكوتُها للصبرِ وهوَ حليمُ
وإذا شكوتَ لسامعٍ خفَّ البِلَى / فكأنما قُسِمَتْ عليهِ هُمومُ
يا أيُّها الحَبرُ الذي قُلنا لهُ / بحراً فقيلَ إذنْ لهُ المظلومُ
ما بالُنا ندعوكَ بحراً بيننا / والبحرُ يغرَقُ فيكَ وهو مُليِمُ
عَرَفتْ مُلوكُ العصرِ قَدْرَك حيثُما / ألقى عَصاك الحافظُ القَيُّومُ
فحُبِيتَ من زُهر النجوم بطالعٍ / يُنبِي بسعدِ طُلوعهِ التقويمُ
أُثني عليك بما علمتُ وفاتَني / ما فوقَ عِلمِي سِرُّهُ المكتومُ
فإذا عَفوتَ فقد وَفى حُسْنُ الرِّضى / وإذا اعتذرتُ فقد وَفَى التَّسليمُ
ما بين أعطاف القُدودِ الهِيفِ
ما بين أعطاف القُدودِ الهِيفِ / سَبَبٌ ثقيلٌ قامَ فوقَ خفيفِ
إن فرَّ من تلك الرِّماحِ طعينُها / لقِيَتْهُ أجفانُ المَهى بسُيُوفِ
سُبحانَ مَن خلقَ المحاسنَ وابتَلى / مُهَجَ القُلوبِ بحُبِّها المألوفِ
دَعتِ الخليَّ إلى الهوَى فأجابها / طَوعاً وعاصَي داعيَ التعنيفِ
أمسَى يَجُرُّ على القَتادِ ذُيولَهُ / من كان يعثُرُ في رمال الرِيفِ
وإذا الهَوَى مَلَكَ الفُؤادَ فإنَّهُ / مَلكَ الفَتَى من تالدٍ وطريفِ
أفدي عِذاراً خطَّ كاتبُهُ بلا / قلمٍ لنا سَطراً بغيرِ حُروفِ
شبَّبتُ فيهِ تصببُّاً حتَّى أتَت / عذراءُ من بَغدادَ تحتَ سُجوفِ
خَودٌ شُغِلتُ وقد شُغِفتُ بحُسنِها / عن حُسنِ كلِّ وصيفةٍ ووصيفِ
تختالُ تحت رقائقٍ وعَقائقٍ / ومناطقٍ وقَراطقٍ وشُنوفِ
عَرَبيةٌ ألفاظُها قد نُزِّهَتْ / عن شُبهةِ التصحيفِ والتحريفِ
نَسَجَ البديعُ لها طِرازاً مُعلَماً / من صَنْعةِ الأقلامِ في التفويفِ
أهلاً بزائرةٍ عليَّ كريمةٍ / حَلَّت فجلَّتْ عن مَحَلّ ضُيوفِ
إن لم يَصِحَّ المدحُ لي منها فقد / صحَّت بذلكَ آيةُالتشريفِ
جادَ الإمامُ بها عليَّ تفضُّلاً / كالبحر جادَ بدُرِّهِ المرصوفِ
رَجعَ الثَناءُ بها عليهِ بلُطفهِ / فكأنهُ رَجْعُ الصَدَى لَهَتُوفِ
عَلَمٌ قد اشتَهرَتْ مناقبُ فضلِهِ / في النَّاسِ فاستغنى عن التَّعريفِ
كَثُرتْ صِفاتُ الواصفيِهِ وطالما / لَذَّت فشاقَتْنا إلى الموصوفِ
صافي السريرةِ مُخلِصٌ يمشي على / قَدَمِ التُّقَى ويَجُرُّ ذيلَ عفيفِ
أفعالُهُ المتصرِّفاتُ صحيحةٌ / سَلِمتْ من الإعلال والتضعيفِ
هُوَ عارفٌ باللهِ قامَ بَنهْيِهِ / عن مُنكرٍ والأمرِ بالمعروفِ
سيماؤهُ في وَجهِهِ الوضَّاح من / أثَرِ السُّجودِ على أديمِ حنيفِ
لَهِجٌ بخُلقِ الزاهدِينَ أحَبُّ من / لُبس الشَّفُوفِ إليهِ لُبسُ الصوفِ
يهفو إلى زُهْر الفضائل عائفاً / من زَهرةِ الدُّنيا اجتِناءَ قُطُوفِ
ياقوتُ خَطٍّ من سَوادِ مِدادِهِ / كُحلٌ لطَرْفِ الناظرِ المطروفِ
أقلامهُ كالبيضِ في إمضائها / لكنها كالسُمر في التثقيفِ
قد صَرَّفَتْ في المُعرَباتِ بَنانُهُ / تلكَ العواملَ أحسنَ التصريفِ
تَسعى لديهِ على الرُؤُوس كأنَّما / تجري على فَرسٍ أغَرَّ قَطُوفِ
العالمُ الشَهْمُ الفؤادِ الشاعرُ ال / واري الزِنادِ الباهرُ التأليفِ
ثَمِلَ العِراقُ بشِعرِهِ حتى جَرَت / في الشامِ فضلةُ كأسهِ المرشوفِ
من كل قافيةٍ كزَهْر حديقةٍ / في كلِّ مَعْنىً كالنسيمِ لطيفِ
هي مُعجزِاتٌ في صُدور أُولي النُّهَى / ضَرَبَت عَرُوضاً ليسَ بالمحذوفِ
لا بدعَ في عبد الحميدِ فإنَّها / أُمُّ العِراقِ أتَتْ بكلِّ طريفِ
أمُّ العِراقِ مدينةُ الخُلفَاءِ وال / عُلَماءِ والشُعراءِ بِضعَ أُلوفِ
لا تُنكِروا خوفاً يَهُولُ رِسالتي / منها وإن تكُ أمْنَ كل مَخُوفِ
لولا الغُرورُ حَبَسْتُها لكنَّني / أطلقتُ عُذري خَلْفَها كرديفِ
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما
سَلْ مَطلِعَ القَمَرينِ من كَبِدِ السَّما / عن مَطلِعِ القمرينِ من كَبدِ الحِمَى
وانْظُرْ تَرَى شمساً تُسَمَّى حيدَراً / تُدلي إلى بدرٍ يُسَمَّى مُلحِما
رَبعٌ كَستْه كلُّ غاديةٍ كما / تُكْسَى الوُفودُ بهِ طِرازاً مُعلَما
فيَكادُ يخطِرُ لو أصابَ لهُ يداً / ويكادُ ينطِقُ لو أصابَ لهُ فما
قل للأميرَينِ اللذينِ تَرَى بهِ / مِن قابِ قَوسَينِ السَّلامُ عليكما
هَيَّجْتُما شَجَنَ القريضِ فطابَ لي / وأطَلْتُما أمَدَ الثَّناءِ فأفحَما
في الناسِ من يَقِفُ القريضُ ببابِهِ / خَجِلاً ومن يَلقَى القريضَ مُسلِّما
والشِّعرُ كم بيتٍ يُساوي بَدْرةً / منهُ وبيتٍ لا يُساوي دِرهَما
قد كُنتُ أرجُو ما أرى من طَلْعةٍ / غَرَّاءَ كانَ رَجاؤها يُرْوي الظَما
حتى ظَفِرتُ بحَضرةٍ هيَ كَعْبةٌ / للوَفدِ في شَهرٍ أراهُ مُحَرَّما
نادٍ تَرَى الشَيخَ الرئيسَ بصَدرِهِ / وتَرى بجانبِهِ الإمامَ الأعظَما
هُوَ مجمعُ البحرينِ في عِلمٍ وفي / كَرَمٍ ولا حَرَجٌ فحَدّثْ عنهما
تَركَتْ لهُ هِمَمُ العُلَى مُتأخِّراً / في المجدِ ما فَرَضَتْ لهُ مُتقدِّما
شَرَفٌ تُلاقيهِ النُّجومُ ضئيلةً / تَرنُو إليهِ كما نُلاقي الأنجُما
ما زال يغنَمُ بالأسِنَّةِ رَهطُهُ / حتَّى غدت لهُمُ الأسِنّةُ مغنَما
إنّ المعاليَ في الزَّمانِ عرائسٌ / لا تَنجلي حتى تُخَضَّبَ بالدِّما
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي / قد صِرتَ وَيحْكَ حاضراً كالغائِبِ
الحَقْ بأهلِكَ في العِراقِ وخَلِّني / بالشأمِ في أهلي فلستَ بصاحبي
فَتَنَتكَ أفئِدةُ الرِّجالِ فلم تكن / مِمَّنْ أُصيبَ بأعيُنٍ وحواجبِ
عاطيتَ لكنْ لا بكأسِ مُنادمٍ / فَسكِرتَ لكِنْ لا بخَمرةِ شاربِ
ذُقتَ الهَوَى صِرْفاً وما كُلُّ الهَوَى / يَجِدُ الفتى فيهِ السبيلَ لعائبِ
حُبُّ الكريمِ كَرامةٌ لمُحِبِّهِ / ونَباهةُ المطلوبِ مجدُ الطالبِ
قد شاقَكَ العُمَرِيُّ قُطبُ زَمانهِ / مُتباعداً في صُورةِ المُتقاربِ
مُتَواترُ الآثارِ أردَفَ كُتْبَهُ / فأتَتْ كتزكيةِ الشُّهودِ لكاتبِ
هذا إمامٌ في الأئمَّةِ ذِكرُهُ / قد شاعَ بينَ مَشارقٍ ومَغاربِ
ولَئنْ تأخَّرَ في الزَّمانِ فإنَّهُ / عَقْدٌ يلي الآحادَ عندَ الحاسبِ
نَجْني الفرائدَ من بحارِ قريضِهِ / منظومةً من صُنعِ فِكرٍ ثاقبِ
من كلِّ قافيةٍ شَرُودٍ بيتُها / ضُربَتْ لهُ الأوتادُ بينَ ترائبِ
أثْنى جميلاً مَن تَعوَّدَ سَمْعَهُ / فيهِ ولكن بالخَليقِ الواجبِ
أثْنى بما هُوَ أهلُهُ فكأنَّما / أهدَى لنا من نفسِهِ بمناقبِ
شَرَفٌ لَبِستُ طِرازَهُ فاهتزَّني / عُجباً إلى ما فوقَ فوقِ مراتبي
فإذا ادَّعيتُ جعلتُ ذلكَ شاهدي / وإذا افتخرتُ جعلتُ ذلكَ ناسبي
يا جابرَ القلبِ الكسيرِ بلُطفهِ / ماذا تَرَى في أمرِ قلبٍ ذائبِ
ما زالَ يقُعِدُهُ الهَوَى ويُقيمهُ / كالفعلِ بينَ جوازمٍ ونواصبِ
أُردُدْ فُؤاداً لي أراك غَصَبتَهُ / مني فإنَّ الرَدَّ حُكمُ الغاصبِ
ما كانَ أسمَحَني به لكنَّهُ / وَقفُ العِراقِ فلا يَصِحُّ لِواهبِ
شَوْقي إلى من لم تَراهُ نواظري / في قُطرِ أرضٍ لم تَطأهُ ركائبي
أحببتُ زَوراءَ العِراقِ لأجلِهِ / ولأجلِها أطرافَ ذاكَ الجانبِ
حَقُّ المحبَّةِ للقُلوبِ فقد أرَى / حُبَّ الوُجوهِ عليهِ لَمْحةُ كاذبِ
وإذا تَعرَّضَ دُونَ عينٍ حاجبٌ / فهُناكَ قلبٌ لا يُرَدُّ بحاجبِ
أفديكَ يا مَن ليسَ لي في حُبّهِ / فضلٌ فذاكَ علَيَّ ضَربةُ لازبِ
أحسنتَ في قَولٍ وفِعلٍ بارعاً / وكِلاهُما للنَّفسِ أكبرُ جاذبِ
أنتَ الذي نالَ الكمالَ موفَّقاً / مَن رازقٍ من شاءَ غيرَ مُحاسبِ
فإذا نظمتَ فأنتَ أبلغُ شاعرٍ / وإذا نثرتَ فأنتَ أفصحُ خاطبِ
وإذا نظرتَ فعن شِهابٍ ثاقبٍ / وإذا فَكَرْتَ فعن حُسامٍ قاضبِ
وإذا جَرَتْ لكَ في الطُروسِ يَراعةٌ / فسوادُ وَشمٍ في مَعاصِمِ كاعبِ
هذِهْ رَسولٌ لي إليكَ وليتني / كُنتُ الرَسولَ لها بَمعْرِضِ نائبِ
شاميَّةٌ من آلِ عيسى أقبلَتْ / في ذِمَّةِ العُمَريِّ تحتَ مَضاربِ
عذراءُ يَثْنيها الحَياءُ مهَابةً / وتَقُودُها الأشواقُ قَوْدَ جنائبِ
نَزَعتْ إلى ماءِ الفُراتِ وما دَرَتْ / كم أغْرَقَتْ صَهَواتُهُ من راكبِ
تلكَ البقيَّةُ من ذخائرِ أعجَمٍ / تَلقَى البقيَّةَ من كِرامِ أعاربِ
من كل نابغةٍ يُفيضُ كأنَّما / نُشِرَ الفَرَزْدَقُ في تميمَ لغالبِ
ماذا يقومُ ولو تَطاوَلَ قاصرٌ / بِمَدىً تُقصِّرُ فيهِ جُرْدُ سَلاهبِ
فلكَ الجميلُ إذا عَذَرتَ وإن تَلُمْ / فلقد أصَبْتَ وما المَلُومُ بعاتبِ
أسَفاً على أسَفٍ وليسَ بمُنكَرِ
أسَفاً على أسَفٍ وليسَ بمُنكَرِ / أسَفُ الكبير على الحبيبِ الأصغرِ
وأحَرُّ مَنْ فارَقتَ نارَ صبَابةٍ / من لم يُمَتِّعْ مُقلتيكَ بمنظرِ
هذا هلالٌ قد رَماهُ مُحاقُهُ / في صدرِ غُرَّتهِ كسَلخِ الأشُهرِ
جادَ الزَّمانُ بما استرَدَّ فما وَفى / جُودُ الكريمِ بلْهفةِ المتحسِّرِ
كُنّا نُحاذِرُ من عَدُوٍّ أزرَقٍ / حتى بُلينا بالعَدُوّ الأصفرِ
نَحِساتُ أيَّامٍ أثَرْنَ عَجاجةً / سَطَعَتْ ولكنْ لا بريحٍ صَرصَرِ
يَرِدُ الرَّدَى من كُلِّ بابٍ سالِكاً / كلَّ الفِجاجِ حَذِرتَ أم لم تَحذَرِ
وإذا ابتُليتَ بما بهِ نَفَذَ القَضا / فاصبرْ على بلواكَ أو لا تَصبِرِ
لا بُدَّ من يَومٍ سَيحضُرُ ذاكراً / مَنْ كانَ يَنساهُ وإن لم يذكُر
نجري إلى أجلٍ فكُلُّ مُقَدَّمٍ / منا يَجُرُّ عِنانَ كلِّ مؤَخَّرِ
يا سابقاً من دُونِ غايتِهِ المُنَى / أنتَ المقرَّبُ عِندَ رَبِّكَ فابشِرِ
قد ذُقتَ حُلوَ الطيّبات ولم تَذُقْ / مُرَّ الخبائثِ في الزَّمانِ الأغبرِ
خَلَّفتَ لي حُزناً عليكَ وفوقَهُ / حُزناً لثُكلِ أبيكَ ليسَ بمُقصِرِ
لو باتَ في عينيَّ دَمعٌ واحدٌ / رَفعاً لهُ عن سَقْيِ ماءِ العُنصُرِ
إن لم تكُنْ تُرْوِي ثَراهُ فإنَّها / تُروي فُؤادَ مُحبِّهِ المُستعبِرِ
يا مَن بَكيَتُ على صِباهُ مُقبِلاً / حَسْبي البُكاءُ على صِبايَ المُدبرِ
إنَّ الحياةَ هيَ الصِّبا فإذا انقضَى / عنّي فإني ميّتٌ لم يُقبَرِ
نَبغي بَلاغَ المُنذِرينَ وعِندنا / من كُلِّ مَيْتٍ قامَ أبلغُ مُنذِرِ
هذا الخطيبُ على الرُؤوس منادياً / جَهراً وذاك النَّعشُ عُودُ المِنْبَرِ
يا أيَّها النُوَّامُ هُبُّوا واخَلعوا / حُلماً تَغافَلَ عنهُ كلُّ مُعبِّرِ
المَيْتُ يَعرِفُ حالةً حَضَرَتْ لَهُ / والحَيُّ يَجَهلُ حالةً لم تَحضُرِ