المجموع : 43
المرءُ يمنى بالرجا والياسِ
المرءُ يمنى بالرجا والياسِ / ويضيعُ بينهما ضعيفُ الباسِ
فإذا عزمتَ فلا تكُن متردداً / فسدَ الهوى بتَردُدِ الأنْفاسِ
وإذا استعنتَ فبالتجاربِ إنها / للنفسِ كالأضراسِ للأضراسِ
وعلامَ ترجو الناسَ في الأمرِ الذي / يعنيكَ أنتَ وأنتَ بعضُ الناسِ
النفسُ قوسٌ والعزيمة سهمها / فارمِ الرجا من هذهِ الأقواسِ
وأضىءْ حياتكَ بالمعارفِ إنما / هي في ظلامِ العمرِ كالنبراسِ
واجعل أساسَ النفسِ حبَّ اللهِ إذ / لا خيرَ في بيتٍ بغيرِ أساسِ
إن المعارفَ للمعالي سلمٌ
إن المعارفَ للمعالي سلمٌ / وألو المعارفِ يجهدونَ لينعموا
والعلمُ زينةُ اهلهِ بين الورى / سيانَ فيه أخو الغنى والمعدمُ
فالشمسُ تطلعُ في نهارٍ مشرقٍ / والبدرُ لا يخفيهِ ليل مظلمُ
لا فخرَ في نَسبٍ لمن لم يفتخرْ / بالعلمِ لولا النابُ ذلَّ الضيغمُ
وأخو العلا يَسعى فيدركُ ما ابتغى / وسواهُ من أيامهِ يتظلمُ
والخاملونَ إذا غدوتَ تلومهم / حسبوكَ في أسماعهم تترنمُ
في الناسِ أحياءٌ كأمواتِ الوغى / وخز الأسنةِ فيهم لا يؤلمُ
فاصدمْ جهالتهم بعلكَ إنما / صدمُ الجهالةِ بالمعارفِ أحزمُ
واخدم بلاداً أنتَ من أبنائها / إن البلادَ بأهلها تتفدمُ
واملأ فؤادكَ رحمةً لذوي الأسى / لا يرحم الرحمنُ من لا يرحمُ
حملْ فؤادكَ ما يطيقُ ولا تكن
حملْ فؤادكَ ما يطيقُ ولا تكن / حزناً فإن الحزنَ ليس يطاقُ
كم مملقٍ أمسى الثراء ببابهِ / ولكم رماهُ على الثرى الإملاقُ
واقنع برزقكَ ما كفاكَ فإنما / زاد المسافرِ هذهِ الأرزاقُ
والناسُ كالركبِ الذين إذا سروا / ناموا ولكن المطيَ تساق
لا تسألِ الكذابَ عن نياتِهِ
لا تسألِ الكذابَ عن نياتِهِ / مادامَ كذاباً عليكَ لسانهُ
ينبيكَ ما في وجههِ عن قلبهِ / إن الكتابَ لسانهُ عنوانهُ
كل امرئٍ يسعى بما في وسعِهِ
كل امرئٍ يسعى بما في وسعِهِ / إما إلى السرَّا أو الضرَّاءِ
وأرى الحظوظَ ألفنَ كل مرفَّهٍ / ونأت بجانبها عن البؤساءِ
سبحانك اللهمَّ تعطي ذا الغنى / وتقترُ الأرزاقَ للفقراءِ
مرتْ لياليها ولما ترجعِ
مرتْ لياليها ولما ترجعِ / فالعينُ إن هجعَ السُّها لم تهجعِ
أيامَ تهتفُ بي المهى ويغرنَ إن / ذكروا حنيني للغزال الأتلع
وأرى تحيتهنَّ في جيب الصِّبا / وسلامهنَّ مع البروق اللمَّعِ
زمنٌ به كان الزمانُ يهابني / وحوادثُ الأيامِ ترهبُ موضعي
ينظرن مني قيصراً في قصره / ويخفنَ من همي عزيمةَ تبَّعِ
في حين لا العبرات تكلُم أعيني / حزناً ولا النيرانَ تكوي أضلعي
يجري الهوى طرباً على آثارها / مشيَ الجآذرِ للغدير المترعِ
ظمآن لا ترويه إلا عبرةٌ / أو مهجة هطلت بجنبي مولعِ
حسبوهُ غصناً في الثيابِ وزهرةً / تحت القميصِ ووردةً في البرقعِ
أمسيت من آماله في ليلةٍ / ضلَّ الصباحُ بها طريقَ المطلعِ
تشكو نجوم الليلِ أني رعتُها / ومتى تروعُ أنة المتوجعِ
وكأنها إذ أحدقتْ في جانبي / حسبتْ هلال سمائِها في مضجعي
غرٌ كمحمود السريرةِ إن دعا / زهراً كغرتهِ المضيئةِ إن دعِي
لو أنصفوها لاستبانوا أنها / حباتُ ذياكَ القريضِ المبدعِ
عرفوا بهِ شعرَ الفحولِ وأهلهُ / وسجيةُ المطبوعِ والمتطبعِ
فلو أن عَمْراً أسمعوهُ حماسةً / لحما بهِ الصمصامُ إن لم يقطعِ
أو أنشدوا المجنون بعضَ نسيبهِ / لنسي بهِ ليلى فلمْ يتفجعِ
لم أتلُ يوماً آيةً من آية / إلا حسبتُ الكون يتلوها معي
وأراهُ أحيا للبلاغةِ دولةً / مات ابن بردٍ دونها والأصمعي
وأبيكَ لولا مكرمات بيانهِ / ما كانَ في إحيائها من مطمعِ
لكَ أن تشا وعليَّ أن لا أجزعا
لكَ أن تشا وعليَّ أن لا أجزعا / وليَ الهوى وعليكَ أن تتمنعا
ما الحبُّ إلا أن تكونَ مملكاً / ونذلُ يا ملكَ القلوبِ ونخضعا
زعم الوشاةُ بأني لك صارمٌ / أوما رأيتَ لكل واشٍ مصرعا
ولو أن حبلَ هوايَ كان مقطعاً / ما باتَ قلبي في هواكَ مقطعا
غادرت عيني لو يفرقُ سهدُها / في الناسِ ما باتَ العواذلُ هُجَّعا
وأمنت أن هوى سواك فرعتني / حتى أمنت عليكَ أن تتوجعا
لا تمضِ في هذا الدلالِ فانما / أهوى دلالك أن يكونَ تصنعا
إني ليقتلني الصدودُ فكيفَ بي / وأرى صدودكَ والنوى اجتمعا معا
فسل الدجى عنيَ تنبئكَ الدجى / واسأل عن العينين هذي الأدمعا
وأصخ لشعري إن رحمتَ فلم يزلْ / شعري يحنُّ إليكَ حتى تسمعا
أمسى بحسنكَ مولعاً وخُلقتَ لا / تهوى الذي يمسي بحسنك مولعا
لو لم أزنهُ بمدحِ عبدِ المحسن / المولى لما باهى الدراري لمعا
ملكَ البيانَ ومن غدا في أهلهِ / فذُّ المشارقِ والمغاربِ أجمعا
نثروا على تاجِ الزمانِ قريضهُ / فغدا به تاجُ الزمانِ مرصَّعا
ولو أنَّ للعربِ الكرامِ عقودَهُ / ما عطلوا في البيتِ منها موضعا
يا كوكب الفلكِ الذي آياتهُ / تأبى على كل امرئ أن يطمعا
عدوا أكاسرة القريضِ ثلاثةً / ولقد أراهم أصبحوا بك أربعا
سلْ ذلكَ الغطريفَ ماذا يدعي / لو أدركتهُ مروِّعاتُكَ ما ادعى
أو ما تركتَ السابقينَ إذا جروا / ومشيتَ هوناً دونَ شأوكَ ظُلَّعا
ولقد أطاعتكَ الكواكبُ مثلما / كانت ذكاءُ وقد أطاعتْ يوشعا
وسطا على الشعرِ الزمانُ وغالهُ / فحفظتَ ما غالَ الزمانُ وضيعا
وأريتنا من سحرِ بابلَ أعيناً / تجري علينا البابلي مشعشعا
تركتُ فؤادَ الدهرِ يخفقُ صبوةً / وحنينُ أهلِ الخافقينِ مرجَّعا
فإذا تلوها أصغتِ الدنيا لها / حتى كأن لكل شيءٍ مسمعا
وسجعتَ في مصرٍ وملكُ الشعرِ في / مصرٍ إذا اشتقت العراقَ لتسجعا
ما زلتَ تذكرها الفراتَ ودجلةً / حتى بكى النيلُ السعيدُ وما وعى
فاجعلْ لمدحي من قبولكَ موضعاً / واجعل لشعري في بيانكَ منزعا
إني إذا أرهفتُ حدَّ يراعتي / لم تلقَ في الشعراءِ غيريَ مبدعا
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ / وكأنها لبستْ قميص زبرجدِ
والشمسُ عاصبةُ الجبينِ مريضةٌ / تصفرُ في منديلها المتورَّدِ
حسدتْ نظيرتها فأسقمها الأسى / إن السقامَ علامةٌ في الحسَّدِ
ورأت غبارَ الليلِ ينفضِ فوقها / في الأفقِ فانطبقتْ كعينِ الأرمدِ
ومضى النهارُ يشقُّ في أثوابهِ / حزناً وأقبلَ في رداءٍ أسودِ
فتهللتْ غررُ النجومِ كأنما / كانت لضاحيةِ السماءِ بمرصدِ
وكأنها عقدٌ تناثرَ درُّهُ / من جيدِ غانيةٍ ولم تتعمدِ
أو حلي رباتِ الدلالِ أذلنهُ / شتَّى يروحُ على النهودِ ويغتدي
والأفق بينَ مفضضٍ ومذهبٍ / كالجيدِ بينَ معطَّلٍ ومقلَّدِ
وكأن صفحةَ بدرهِ إذ أشرفتْ / مصقولةَ الخدينِ صفحةَ أمردِ
وكأنَّ ضوءَ الفجرِ رونقُ صارمٍ / نضيتْ صفيحتهُ ولما تغمدِ
والأرضُ في حللِ كُستْ أطرافها / إلا معاصمَ نهرها المتجردِ
حفتْ جوانبهُ الرياضُ كأنها / وشيُ الفرندِ على غرارِ مهندِ
وكأنهُ صدرُ المليحةِ عارياً / ما بينَ لبتها وبينَ المعقدِ
وكأنَّ أثواب الرياض من الصبا / عبقتْ بأنفاس الحسانِ الخُرَّدِ
يمشي النسيمُ خلالها مترنحاً / بينَ الغديرِ وبينَ ظلٍّ أبردِ
والطيرُ مائلةٌ على أوكارها / منها مغردةٌ وغيرُ مغرِّدِ
باتتْ تناغي لا تحاذرُ فاجعاً / مما نكابدُ في الزمانِ الأنكدِ
يا طيرُ ما في العيشِ إلا حسرةً / إن خلتها نقصتْ قليلاً تزددِ
لم يمنعِ القصرُ المشيدُ ملوكهُ / منها فكيفَ وفاكها الغصنُ الندي
تأبى على الأحرارِ إلا ذلَّةً / ولو أنهم صعدوا ومدارَ الفرقَدِ
فانعم بوكركَ إنه لكَ جنةٌ / كالخلدِ لولا أنت غيرُ مخلدِ
كم واجدٍ منها تقاذفَ قلبهُ / ذاتُ الدلالِ فإن دنا هو تبعدِ
فتاكةُ الألحاظِ أنى يممتْ / سمعتَ زفيرَ متيَّمٍ متنهدِ
كالبدرِ لولا أنها أنسيةٌ / والشمسِ لولا أنها لم تعبدِ
قالتْ عشقتَ وما قضيتَ كمن قضوا / هذا الطريقُ إلى الردى فتزودِ
دعْ عنكَ أمرَ غدٍ إذا ما خفتهُ / يوماً لعلكَ لا تعيش إلى غدِ
فلقد أراك اليومَ من أثرِ الهوى / كالشمسِ إن لم تحتجبْ فكأنّ قدِ
أترى زمانُكِ بالحمى سيعادُ
أترى زمانُكِ بالحمى سيعادُ / أم طولُ دهرٍ كما نوى وبعادُ
سارتْ فما لبثَ الفؤادُ كأنما / بينَ الفؤادِ وبينها ميعادُ
ودَرَتْ عيوني بعدها كيفَ البكا / ودرى بعيني بعدها التسهادُ
وحسدتُ واشيها إذا استمعتْ لهُ / فعرفتُ كيفَ توجعَ الحسادُ
للهِ أيُّ مدامعٍ من بعدها / تجري وأيُّ لوعةٍ تنقادُ
كدنا نُجَنُّ وقد تأهبَ أهلُها / وجننتُ لما ودَّعوا أو كادوا
لو أنهم زموا النياقَ لسلمتْ / عينٌ وودَّعَ جانبيهِ فؤادُ
لكن جرى بالبينِ فيما بيننا / برقٌ لهُ في مرِّهِ إرعادُ
يتخطفُ الأرواحَ والأجسادَ أنْ / عرضتْ لهُ الأرواحُ والأجسادُ
ويفرقُ الشمل الجميع فإن دها / لم يمهلِ الأحبابَ أن يتنادوا
متضرمُ الأحشاءِ لا من لوعةٍ / لكنما استعرتْ بهِ الأكبادُ
كالقصرِ فيهِ لكلِّ خودٍ حجرةٌ / ولكلِّ صبٍّ مضجعٌ ووسادُ
وانهُ إذ أشرقتْ منه المهى / فلكٌ تحففَ حولهُ الأرصادُ
وكأنهُ أبراجَ السما حجراتُها / في كلِّ برجٍ كوكبٌ وقادُ
لو لم يكن للبينِ فيهِ علامةٌ / ماكانَ فيهِ من الغرابِ سوادُ
يا سعدُ هذا عصرُنا فدعِ النيا / قَ يشفها الإتهامُ والإنجادُ
واهجرْ حديثَ الرقمتبنِ وأهلهُ / بادتْ ليالي الرقمتينِ وبادوا
واذكر أحبتنا الذينَ ترحلوا / ولو أنهم رحموا القلوبَ لعادوا
أني أراهمْ كلما طلعتْ ذُكا / أو مالَ غصنُ البانةِ الميادُ
أو لاحَ لي قمرُ السما أو أثلعتْ / بينَ الرياضِ من الظِّبا الأجيادُ
ولقد رأيتُ لحاظهم مسلولةً / يومَ انتضتْ أسيافَها الأجيادُ
تلكَ السيوفُ وما سواءٌ في الهوى / ما تحملُ الظبياتُ والآسادُ
أتراهمْ ذكروا هوايَ وقد جفا / ذاتَ الجناحِ على الغصونِ رقادُ
فبكتء على شجنٍ ورجَّعتِ البكا / وتمايلتْ جزعاً لها الأعوادُ
أم يذكرونَ هوايَ إن قيلَ انقضى / أجلُ المريضِ وخفتِ العوادُ
بخلوا وجدتُ كأنما خُلقَ الهوى / وعليهِ من ظلمِ الفراقِ حدادُ
واسألهُ هلْ لهمْ إليهِ مرجعٌ / ولذلكَ الزمنِ القديمِ معادُ
فعسى يجيبكَ أني أرعى لهُ / عهدَ الودادِ وللقصورِ ودادُ
ولعلهُ يحكي تنهدَها فقدْ / يحكي الجمادُ الصوتَ وهو جمادُ
خداكِ يا ذاتَ العيو
خداكِ يا ذاتَ العيو / نِ الغائراتِ النُّعَّسِ
كالوردِ إلا أنهُ / يحميهِ لحظُ النرجسِ
أما وقدُّكِ وهو من / تلكَ الغصونِ الميسِ
وشفاهكِ الحمراءُ والخم / رُ الذي لم احتسِ
إني إذا رقصَ القوا / مُ ومالَ تحتَ السندسِ
ونظرتُ ثغركِ ضاحكاً / وبقيتِ لي لم تعبسي
وسقيتني راحَ الهوى / من غيرِ تلكَ الأكؤسِ
لأرى الكواكبَ خادما / تي كالجواري الكنَّسِ
وأظنني بينَ الملو / كِ مليكَ كلِّ الأنفسِ
وأرى بحبكِ كلَّ آن / سٍ حاضراً في مجلسي
هذا الدُّجى والهمُّ في صدري
هذا الدُّجى والهمُّ في صدري / كالفحمِ زادَ توهجَ الجمرِ
وكأن أنفاسي بها شعلٌ / طفئتْ من الأجواءِ في بحرِ
وكأنَّ أحزاني بها شررٌ / زحمُ الكواكبِ فهيَ لا تسري
يا ليلُ قطعتَ القلوبَ أسى / فابعث لها بنسائمِ الفجرِ
حتى م تطويني وتنشرني / خلقَ الردا بالطيِّ والنشرِ
ما طالَ عمركَ يا دجى أبداً / غلا ليقصرَ دونهُ عمري
فإذا قضيتُ وأنتَ ذو نفسٍ / فاخبا صباحكَ لي إلى الحشرِ
وإذا دجا ليلُ الحياةِ فدع / يا ليلُ مصباحاً على قبري
أنا والسما خصمانِ في قمرٍ / من حينَ أخجلَ بدرها بدري
حجبوهُ في ظلمٍ كما سدلتْ / ذاتُ الدلالِ غدائرَ الشعرِ
يا بدرُ لا تكمدْ وفيكَ ضنى / لكَ أسوةٌ بالجفنِ والخصرِ
وإذا احتجبتَ ففي الحجابِ هوى / وجمالُ ذاتِ الخدرِ في الخدرِ
هل كنتَ شاهدَنا ونحنُ كما / قرنَ الضميرُ السرَّ بالسرِّ
إلفانِ منطلقانِ في جذلٍ / وهما من الأشواقِ في الأسرِ
هذا لذاكَ هوى وذاكَ بذا / صبٌ كحاسي الخمرِ والخمرِ
ثغراً على ثغرٍ وأحسنَ ما / تجدِ الهوى ثغراً على ثغرِ
يا بدرُ كانتْ ليلةً ومضتْ / وقعَ العصافيرِ على الغُدرِ
بتنا ومن شفةٍ على شفةٍ / حيناً ومن نحرٍ على نحرٍ
أشكو ولا شكوى ويعذرني / بالحبِّ والحبُّ من العذرِ
مثلَ الحمامِ تباكياً وهوى / أما التقى الإلفانُ في وكرِ
هيهاتَ أرسلُ بعدَها أملاً / ضاعَ الرشاءُ اليومَ في البئرِ
يا من شفا عينَ الزمانِ وما / بصرَ الهوى إلا عمى الدهرِ
هبني كتاباً أنتَ مالكهُ / واقرأ ولو حرفينِ من صدري
وعلامَ تهملني وأنتَ ترى / واو الهجا حسبت على عمرو
إن الذين هجرتهم خُلقوا / كالنحلِ لا تحيا بلا زهرِ
فلئنْ تكنْ قد سُؤْتني زمناً / فالحبُّ ذو يسرٍ وذو عسرِ
يرجى الغنى للفقرِ وهو شقا / أفليسَ يرجى الوصلُ للهجرِ
إن تبتعدْ تقربْ إلى أملي / والدهرُ منعكسٌ بما يجري
وإذا قسوتَ تزيدُني طمعاً / كم يخرجُ الماءُ من الصخرِ
وبأضلعي قلبٌ أعللهُ / بالوعدِ أحياناً وبالصبرِ
من كانَ يجني الحلوَ من ثمرٍ / وأمرَّ فليصبر على المرِّ
حُطي نقابكِ لحظةً
حُطي نقابكِ لحظةً / فالحسنُ أجمعُ في نقابِكْ
ظمأَ الفؤادُ إلى رضاك / ظمأ المحب إلى رضابكْ
مري علينا يا صبا نجدٍ
مري علينا يا صبا نجدٍ / تشكو إليكِ مدامعي وجدي
أمسيتُ والأشواقُ مضنيةٌ / عندي من الأشواقِ ما عندي
تجري عيوني في محاجرها / ومدامعي تجري على خدِي
ما أنسَ والأيامُ تجمعنا / وكأنني في جنةِ الخلدِ
تشكو كما اشكو الهوى وإذا / طارحتُها أبدتْ كما أبدي
وتراعُ من ذكرِ الصدودِ إذا / خطرتْ بقلبي لوعةُ الصدِّ
وإذا بكيتُ جرتْ مدامعها / جريَ الندى صبحاً على الوردِ
قلبي وما في العيشِ لي طمعٌ / ما دمتِ يا قلبي على وقدِ
هل كلُّ من يهوى يموتُ أسىً / أم قد بليتُ بذا الأسى وحدي
سل مسرحَ الآرامِ كا فعلتْ / تلكَ الظباء الغيدُ من بعدي
لهفي عليها كم وفيتُ لها / لو أن لهفي بعدها يجدي
ولكم حفظتُ لها الودادَ على / بُعْدِ المزارِ وضيعتْ ودِّي
ماذا أصابكَ بعدما نظرتْ / ورمتكَ عيناها على عمدِ
أوما نهيتكَ في الجزيرةِ عن / كنسِ المها ومصارعِ الأسْدِ
وأريتكَ الألحاظَ مغمدةً / كالسيفِ مسلولاً من الغمدِ
أعدى على كبدي هواكَ فلو / أعلمتني أن الهوى يعدي
يا قلبُ ما لي لا أضنُّ بهِ / من بعدِ ما فقدتُ سوى فقدي
حمل تحيتكَ الصبا فعسى / يوماً تعودُ إليكَ بالردِ
واجزع على قربِ الديارِ فقد / صبرتْ اوانسها على بعدي
يا غادةً أرعى العهودَ لها / هل أنتِ باقيةٌ على عهدي
أمسيتُ في قلبي وليتَ اذنْ / قلبي يساعدني على الوجدِ
جافيتني والذنبُ ذنبك
جافيتني والذنبُ ذنبك / وظلمتني فالله حسبُكْ
ما بال قلبكَ لا ير / قُّ أمن صميمِ الصخرِ قلبكْ
وبخلتَ حتى بالرسائ / لِ خوفَ أن تشفيهِ كتبكْ
وضننتَ حتى بالعتا / بِ وربما يكفيهِ عتبكْ
ومنعتَ ختى الطيفَ لا / يدنو وقربُ الطيفِ قربكْ
صلني أو اهجرْ إنني / في الوصلِ والهجرِ أحبكْ
ولقد ترى أن الوفا / دأبي فما للصدِّ دأبكْ
كلُّ الأنامِ عواذلي / صحبي يعنفني وصحبكْ
فاعجب وتِهْ ماذا علي / كَ إذا أذلَ الناسَ عجبكْ
إن تبتعدْ أو تقتربْ / فأنا على الحالينِ صبُّكْ
حجبوهُ عن عيني فباتتْ صبةٌ
حجبوهُ عن عيني فباتتْ صبةٌ / كيلا ترى في النومِ طيفَ خيالهِ
وبقيتُ يعذلني المنامُ بصدِّهِ / ويسومني التبريحُ في إذلالهِ
يا رحمتا للصبِّ فيما نابهُ / حتى كرى جفنيهِ من عذالِهِ
لم يألُ صبراً عليكَ حينَ هجرتهُ
لم يألُ صبراً عليكَ حينَ هجرتهُ / لو كانَ ينفعُ صبرهُ لسلاكا
تطوي الليالي في هواكَ حياتهُ / وأراهُ ينساها ولا ينساكا
رُحماكَ يا من أطالَ بليتي / يا من أطالَ بليتي رُحماكا
أعليَّ هذا الهجرُ طالَ عذابهُ / وعلى الذي يهواكَ صالَ هواكا
فلقد عرفتُ بكَ الشقا بعدَ الهنا / لما عضبتَ علي بعد رضاكا
نهنهْ دموعكَ يا حزينُ فإنها / دُوَلٌ سيضحكَ الذي أبكاكا
زارتْ وقد طافتْ بنا سنةٌ
زارتْ وقد طافتْ بنا سنةٌ / فطفقتُ أسمعها من العتبِ
وكأنما أشفي جوىً بجوى / وأتوبُ من ذنبٍ إلى ذنبِ
فبدا لها فتدللتْ ونأتْ / تدعو على الأحبابِ والحبِ
فنهضتُ مضطرباً أرى فإذا / بيديَّ من أسفي على قلبي
صدتْ فكانَ سلامُها نزرا
صدتْ فكانَ سلامُها نزرا / وغدتْ تضنُّ بذلكَ النزرِ
ومضتْ ليالٍ كنتُ أحسبُها / قبلَ التفرقِ آخر العمرِ
أيامَ نحنُ وعيشنا رغدٌ / يجري الزمانُ بنا ولا ندري
من عاشقٍ يشكو لعاشقةٍ / بثَّ الأسيرُ أخاهُ في الأسرِ
وتميسُ في أثوابها الحمرِ / كالغصنِ في أثوابهِ الخضرِ
وكأن ليلة إذ تقابلني / بعدَ التمنعِ ليلةُ القدرِ
كانتْ سلاماً لا نحاذرُِ في / ما كانَ إلا مطلعَ الفجرِ
وأرى الندى في الوردِ منحدراً / كالدمعِ فوقَ خدودها يجري
كلُّ امرئٍ لاق منيتهُ / والحبُّ جالبُها على الحرِّ
أمن الظبا ذاكَ الغريرُ المعجبُ
أمن الظبا ذاكَ الغريرُ المعجبُ / يلهو بحباتِ القلوبِ ويلعبُ
قد كنتُ أحسبني رأيتُ نظيرهُ / حتى بدا فرايتُ ما لا أحسبُ
قمر كأنَّ الشمسَ فوقَ جبينهِ / أضحتْ لو أنَّ الشمسَ ليستْ تغربُ
وكأنَّ طرتهُ طليعةُ ليلةٍ / حلكتْ فأشرقَ في دجاها كوكبُ
جمعَ المحاسنَ فهيَ تنسَ إن يغبْ / وإذا بدا فلهُ المحاسنُ تنسبُ
وعلقتهُ كالظبيِ أحورَ يُرتجى / وعشقتهُ كالليثَ أزورَ يرهبُ
يرنو فتنتزعُ القلوبَ لحاظُهُ / وتكادُ أنفسنا عليهِ تذهبُ
وإذا مشى الخيلاءَ في عشاقِهِ / خلتَ المليكَ مشى وقامَ الموكبُ
وبثغرهِ ظلمٌ يحرمُ رشفهُ / ظلماً وعهدي أن يحل الطيبُ
ولقد تحكمَّ في النفوسِ فبعضها / أودى العذابُ وبعضها يتعذبُ
وعجبتُ أن الحبَّ يقتلُ أهلهُ / ولأن أكونَ بهِ قتيلاً أعجبُ
هجروكَ بعدَ صبابةٍ وغرامِ
هجروكَ بعدَ صبابةٍ وغرامِ / وأراكَ لا تنسى هوى الآرامِ
أتبعتهمْ نفساً عليكَ عزيزةً / وطويتَ جنبيها على الآلامِ
كم تحتَ جنحِ الليلِ مثلكَ مدنفاً / أنسى الليالي عروةَ بن حزامِ
يجري مع الأوهامِ حتى أنهُ / لتكادُ تحسبهُ من الأوهامِ
يا قلبُ كم لكَ في الهوى من صبوةٍ / ضربتْ بكَ الأمثالَ في الأقوامِ
عدوا عليَّ مآثماً لم أجنِها / والحبُّ يا قلبي من الآثامِ
فدعِ الهوى يجري كما شاءَ الهوى / إن الحسانَ كثيرةُ اللوامِ
كم بتُّ أحلمُ بالمنامِ وما أرى / تجدي عليَّ لذاذةُ الأحلامِ
فادرأ همومَ العيشِ بالكأسِ التي / تحكي عجائزها عن الأقوامِ
صهباءُ إن مستْ فؤادي مرةً / غسلتْ بجنبي كلَّ جرحٍ دامي
سموا أباها الكرمَ حينَ تبذلتْ / في فتيةٍ شمِّ الأنوفِ كرامُ
وتراوحوا كاساتها فكأنما / عادتْ بها الأرواحُ للأجسامِ
يا رحمةَ العشاقِ من أحبابهمْ / ناموا وباتوا الليلَ غيرَ نيامِ
حتى إذا انطفأتْ مصابيحُ الدجى / وأضاءَ فودُ الليلِ ظلامِ
خبأوا الهوى بينَ القلوبِ وأصبحوا / وتوارتِ الأزهارُ في الأكمامِ