القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعْتوق المُوسَوِيّ الكل
المجموع : 23
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ / فاِمزُجْ لُجينَ الدّمعِ منْ عِقْيانِهِ
واِنزِل فثَمَّ مُعرَّسٌ أبداً ترى / فيهِ قُلوب العِشقِ مِن رُكْبانِهِ
وَاِشمُمْ عَبيرَ تُرابِهِ واِلْثِمْ حَصىً / في سَفحِهِ اِنتثَرتْ عُقودُ جُمانِهِ
واِعدِل بنا نحوَ المُحصَّبِ مِنْ مِنىً / واِحْذَرْ رُماةَ الغُنجِ مِن غِزلانِهِ
وتوَقَّ فيه الطّعنَ إمّا مِن قَنا / فُرسانِهِ أو مِن قُدودِ حِسانِهِ
أكرِمْ بهِ من مَربَعٍ منْ وَردِهِ ال / وَجَناتُ والقاماتُ من أغصانِهِ
مَغنىً إذا غنّى حَمامُ أرَاكِهِ / رَقَصَتْ به طَرباً معاطِفُ بانهِ
فلكٌ تنزّلَ فهوَ يُحسَبُ بُقعةً / أوَ مَا ترى الأقمارَ منْ سُكّانِهِ
خَضَبَ النّجيعُ غَزالَهُ وهِزَبْرَهُ / هذا بِوَجنَتهِ وذا بِبَبانِهِ
فلَئنْ جَهلْتَ الحَتْفَ أين مقرُّهُ / سَلني فإنّي عارفٌ بمكانهِ
هو في الجفونِ السّودِ من فَتياتهِ / أو في الجفونِ البيضِ منْ فِتيانهِ
مَنْ لي برُؤيةِ أوجُهٍ في أوجِه / حجبَ البِعادُ شُموسَها بعَنانهِ
بيضٌ إذا لعبتْ صَباً بذُيولِها / حملَ النّسيمُ المِسْكَ في أرْدانهِ
عمدَتْ إلى قَبسِ الضُحى فتبرْقَعتْ / فيه وقنّعَها الدّجى بدُخانهِ
من كلِّ نيّرةٍ بتاجِ شَقيقِها / قمرٌ تحفُّ به نجومُ لِدانهِ
وَهبتْ لهُ الجوزاءُ شُهبَ نِطاقِها / حَلْياً وسوّرَها الهِلالُ بحانهِ
هذي بأنْصُل جَفْنِها تسطو على / مُهَجِ الأُسودِ وذاكَ منْ مُرّانهِ
يفترُّ ثَغرُ البرقِ تحتَ لِثامِها / ويَسيرُ منها الغَيْثُ في قُمصانهِ
كمَنَ النُحولُ بخَصْرِها وبسيْفِه / والموتُ من وَسْنانِها وسِنانِهِ
في الخِدرِ منها العِيسُ تحملُ جُؤذراً / ويُقلُّ منه الليثُ سَرْجَ حِصانهِ
قَسَماً بسَلْعٍ وهْيَ حِلفةُ وامِقٍ / أقصاهُ صَرْفُ البَيْنِ عنْ جيرانِهِ
ما اِشْتاقَ سمْعي ذِكرَ منزلِ طَيْبةٍ / إلّا وهِمْتُ بِساكِني ودْيانهِ
بلدٌ إذا شاهَدْتَه أيْقَنتَ أن / نَ اللّهَ ثمّن فيهِ سبعَ جِنانهِ
ثغرٌ حمَتْهُ صِفاحُ أجفانِ المَهى / وتكلّفَتْهُ رِماحُ أُسْدِ طِعانهِ
تُمسي فراشُ قُلوبِ أرْبابِ الهَوى / تُلْقي بأنفُسِها على نيرانهِ
لوْلا رِواياتُ الهَوى عن أهلِه / لمْ يَروِ طَرفي الدّمعَ عن إنسانهِ
لا تُنكِروا بحَديثهِمْ ثَملي إذا / فضّ المُحدّثُ عن سُلافةِ حانهِ
همْ أقرَضوا سَمعي الجُمانَ وطالبوا / فيهِ مَسيلَ الدّمعِ منْ مُرجانهِ
فإلامَ يَفجعُني الزّمانُ بفَقْدِهمْ / ولقد رأى جَلَدي على حِدْثانهِ
عَتبي على هذا الزّمان مُطوَّلٌ / يُفضي إلى الإطْنابِ شرحُ بَيانهِ
هَيهاتِ أنْ ألقاهُ وهْوَ مُسالِمي / إنّ الأديبَ الحُرَّ حَرْبُ زَمانهِ
يا قَلبُ لا تَشْكُ الصّبابةَ بَعْدَما / أوْقعتَ نَفسَكَ في الهوى وهَوانهِ
تَهوى وتَطمَعُ أن تفِرَّ من الهَوى / كيف الفِرارُ وأنت رهنُ ضَمانهِ
يا للرِّفاقِ ومَن لمُهجةِ مُدْنَفٍ / نِيرانُها نزَعَتْ شوى سلوانهِ
لم ألْقَ قبلَ العِشْقِ ناراً أحرَقَتْ / بَشَراً وحُبُّ المُصْطفى بجَنانهِ
خيْرِ النّبِيّينَ الّذي نَطَقَتْ بهِ الت / توراةُ والإنجيلُ قبلَ أوانِهِ
كهفُ الوَرى غيثُ الصّريخِ مَعاذُهُ / وكَفيلُ نجدَتِهِ وحِصْنُ أمانهِ
المُنْطِقُ الصّخْرَ الأصمَّ بكفّهِ / والمُخْرسُ البُلَغاءَ في تِبيانهِ
لُطفُ الإلهِ وسرُّ حكمَتهِ الّذي / قد ضاقَ صدْرُ الغيْثِ عنْ كِتْمانهِ
قِرْنٌ بهِ التّوحيدُ أصبحَ ضاحِكاً / والشِّركُ مُنتحباً على أوْثانهِ
نسخَتْ شرائعُ دينهِ الصُّحفَ الأُلى / في مُحكَمِ الآياتِ منْ فُرقانهِ
تُمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سَطا / وخُدودُها مخضوبةٌ بدِهانهِ
ما زال يَرقُبُ شخصُهُ الآفاقَ في / طَرْفٍ تحامى النّومُ عنْ أجفانهِ
وجِلاً يظنّ النومَ لَمْعَ سُيوفهِ / ويرى نُجومَ الليلِ منْ خِرْصانهِ
قلبُ الكَميّ إذا رآهُ وقدْ نَضا / سيفاً كقُرطِ الخوْدِ في حُلْقانهِ
ولَرُبَّ مُعترَكٍ زَها روضُ الظُّبى / فيهِ وسُمْرُ القُضْبِ منْ قُضْبانهِ
خضَبَ النّجيعُ قَتيرَ سَردِ حَديدهِ / فشَقيقُهُ يَزهو على غُدْرانهِ
تبكي الجِراحُ النُجلُ فيه والرّدى / مُتبسّمٌ والبيضُ منْ أسنانهِ
فتَكَتْ عوامِلُهُ وهُنّ ثَعالبٌ / بجوارحِ الآسادِ منْ فُرسانهِ
جِبريلُ منْ أعوانهِ مِيكالُ مِنْ / أخدانهِ عِزريلُ منْ أعوانهِ
نُورٌ بَدا فأبانَ عنْ فلَقِ الهُدى / وجَلا الضّلالةَ في سَنى بُرهانهِ
شهِدَتْ حَواميمُ الكِتابِ بفضْلهِ / وكفى بهِ فخراً على أقرانهِ
سلْ عنهُ ياسينا وطهَ والضُحى / إنْ كُنتَ لم تَعلَمْ حَقيقةَ شانهِ
وسَلِ المَشاعرَ والحَطيمَ وزَمزَماً / عن فخرِ هاشمِهِ وعن عِمرانهِ
يَسمو الذّراعُ بأخْمَصَيْه ويهبِطُ ال / إكليلُ يَستجدي على تِيجانهِ
لو تَستجيرُ الشمسُ فيه منَ الدُجى / لَغدا الدُجى والفجرُ منْ أكفانهِ
أوْ شاءَ منعَ البدرِ في أفلاكهِ / عن سيرِهِ لم يَسْرِ في حُسبانهِ
أو رامَ منْ أفُقِ المجرّةِ مَسْلكاً / لجَرَتْ بحَلْبَتهِ خُيولُ رِهانهِ
لا تَنفُذُ الأقدارُ في الأقطارِ في / شيءٍ بغَيرِ الإذْن من سُلطانِهِ
اللّهُ سخّرَها لهُ فجَموحُها / سَلِسُ القِيادِ لديهِ طوْعُ عِنانهِ
فهو الّذي لولاهُ نوحٌ ما نَجا / في فُلكِهِ المَشحونِ منْ طُوفانهِ
كَلّا ولا مُوسى الكَليمُ سَقى الرّدى / فِرعَونَهُ وسَما على هامانهِ
إنْ قِيلَ عرشٌ فهوَ حاملُ ساقهِ / أو قيلَ لوحٌ فهْوَ في عُنوانهِ
رَوْحُ النّعيمِ ورُوحُ طُوباهُ الّذي / تُجنى ثِمارُ الجودِ منْ أفنانهِ
يا سَيّدَ الكَونينِ بل يا أرْجَحَ الث / ثقلينِ عندَ اللَّه في أوزانهِ
والمُخْجِلَ القَمرَ المُنيرَ بتِمّهِ / في حُسنهِ والغيثَ من إحسانهِ
والفارسَ الشّهْمَ الّذي غَبراتُهُ / من ندّهِ والسُمرُ من رَيْحانهِ
عُذراً فإنّ المدْحَ فيكَ مُقَصِّرٌ / والعبدُ مُعتَرفٌ بعجزِ لِسانهِ
ما قَدرُهُ ما شِعرهُ بمَديحِ مَنْ / يُثني عليهِ اللّهُ في قُرآنهِ
لَولاكَ ما قطعَتْ بيَ العِيسُ الفَلا / وطَوَيْتُ فَدْفَدَهُ إلى غِيطانهِ
أمّلْتُ فيكَ وزُرتُ قبرَكَ مادحاً / لأفوزَ عندَ اللَّهِ في رِضوانهِ
عبدٌ أتاكَ يقودُهُ حُسنُ الرّجا / حاشا نَداكَ يعودُ في حِرمانهِ
فاِقبَلْ إنابَتَهُ إليكَ فإنّهُ / بكَ يستقيلُ اللَّهَ في عِصيانهِ
فاِشفَعْ لهُ ولآلهِ يومَ الجَزا / ولوالِدَيْهِ وصالحي إخوانهِ
صلّى الإلهُ عليكَ يا مَوْلى الوَرى / ما حنّ مُغتَرِبٌ إلى أوطانهِ
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري / وفَرَتْ برُمح القدِّ دِرعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مِسكةِ خالِها / كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنْبرِ
وغدَتْ تذُبُّ عن الرُضابِ لِحاظها / فحمَتْ علينا الحورُ وِردَ الكوثرِ
ودنتْ إلى فمِها أراقِمُ فرعِها / فتكلّفتْ بحِفاظِ كَنزِ الجوهري
يا حاملَ السيفِ الصّحيح إذا رَنَتْ / إياكَ ضربةَ جفنِها المُتكسِّرِ
وتَوقَّ يا ربَّ القناةِ الطّعنَ إنْ / حملَتْ عليكَ من القَوامِ بأسْمَرِ
برزَتْ فشِمْنا البرقَ لاحَ ملثّماً / والبدرَ بين تقَرطُقٍ وتخمُّرِ
وسعَتْ فمرّ بنا الغزالُ مطوّقاً / والغُصنُ بين موشّحٍ ومؤزّرِ
بأبي مَراشِفها الّتي قد لُثِّمتْ / فوق الأقاحي بالشّقيقِ الأحمرِ
وبمُهجَتي الروضُ المُقيمُ بمُقلةٍ / ذهبَ النُعاسُ بها ذهابَ تحيّري
تاللَّهِ ما ذُكرَ العقيقُ وأهلُه / إلّا وأجراهُ الغرامُ بمِحجَري
لولاهُ ما ذابتْ فرائدُ عَبرَتي / بعدَ الجمودِ بحرِّ نارِ تذكّري
كم قد صَحِبْتُ به منَ اِبْناءِ الظبا / سِرباً ومن أسُدِ الشّرى من معشَرِ
وضَللتُ من غسَقِ الشعورِ بغيهبٍ / وهُديتُ من تلك الوجوهِ بنيّرِ
يا لَلعشيرةِ مَنْ لمهجةِ ضَيغمٍ / كمنَتْ منيّتُه بمقلةِ جُؤذرِ
روحي الفِداءُ لظبيةِ الخِدرِ الّتي / بُنِيَ الكِناسُ لها بغابِ القَسْوَرِ
لم أنسَ زَورَتَها ووجناتُ الدُجى / تنباعُ ذِفْراها بمسكٍ أذْفرِ
أمّتْ وقد هزّ السِماكُ قناتَه / وسَطا الضياءُ على الظلامِ بخنجرِ
والقوسُ معترضٌ أراشَتْ سَهمَه / بقوادِم النَسرَينِ أيدي المُشتري
وغدَتْ تُشنّف مسمعيَّ بلُؤلؤٍ / لولاهُ ناظمُ عَبرَتي لم ينثُرِ
وتضمُّ منّي في القميص مهنّداً / وأضمّ منها بالنصيفِ السّمهري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً / منها أرى الكفّ الخضيبَ بمِسْوَرِ
حتّى بَدا كِسرى الصّباح وأدبرَتْ / قومُ النّجاشي عن عَساكر قيصَرِ
لمّا رأتْ روضَ البنفسجِ قد ذوى / من ليلِنا وزهَتْ رياضُ العُصفُرِ
والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ / والفجرُ أقبل فوقَ صهوةِ أشقرِ
فزعَتْ فضرّسَتِ العقيقَ بلؤلؤٍ / سكنَتْ فرائِدُه غديرَ السُّكّرِ
وتنهّدتْ جزَعاً فأثّرَ كفُّها / في صَدرِها فنظرْتُ ما لم أنظُرِ
أقلامَ مَرجانٍ كتَبْن بعنبَرٍ / بصحيفةِ البِلّورِ خمسةَ أسطُرِ
ومضَتْ وحُمرةُ خدِّها من أدْمِها / لبسَتْ رَمادَ المِسكِ بعد تستُّرِ
للّهِ دَرُّ جَمالِها من زائرٍ / رسمَ الخيالُ مثالَها بتصوّري
لم ألقَ أطيبَ بهجةً من نَشرِها / إلّا البشارةَ في إيابِ الحَيدَري
ابنُ الهُمامِ أخو الغَمامِ أبو النّدى / بركاتُ شمس نهارنا المَولى السّري
الخاطبُ المعروف قبلَ فِطامِه / والطالبُ العلياء غيرَ مُقدّرِ
مِصباحُ أهلِ الجود والصُبحُ الّذي / ما اِنجابَ لَيلُ البُخلِ لو لمْ يُسفِرِ
قِرنٌ إذا سلَّ الحُسام حسِبتَهُ / نهراً جرى من لُجّ خمسةِ أبحُرِ
قرَن البراعةَ بالشجاعةِ والنّدى / والرأيَ في عَفوٍ وحُسنِ تدبّرِ
آباؤهُ الغُرُّ الكِرامُ وجدّهُ / خيرُ الأنام أبو شُبيرَ وشَيْبرِ
لو أنّ موسى قد أتى فرعَونَه / في آي ذاتِ فقاره لم يَكفُرِ
أو لو دَعا إبليسَ آدمُ باِسْمهِ / عندَ السُجودِ لديه لم يستكْبِرِ
أو كان بالبَدرِ المُنير كمالُه / ما غار أو بالشمسِ لم تتكوّرِ
أو في السماء تكون قوّةُ بأسهِ / في الروعِ يومَ البعثِ لم تتفطّرِ
سمحٌ أذلَّ الدرَّ حتّى أنّه / خَشيَتْ ثُغورُ البيضِ فيها يزدري
ومَحا سَوادَ الجَورِ أبيض عدلِه / حتّى تخوّف كلُّ طَرفٍ أحوَرِ
يجدُ الظِباءَ البيضَ كالبيضِ الظُبا / وصَليلها بالكَعْمِ نغمةَ مِزْمَرِ
بعد المشقّة نال لذّاتِ العُلى / لا يستلذّ الغُمضَ مَنْ لم يَسْهَرِ
قُلْ للّذي في الجودِ يطلبُ شأوَه / أربيْتَ في الغُلواءِ ويحكَ فاِقصِرِ
بُدِئَ النّدى منه فأفعالُ السّخا / عن غيرِ مصدرِ ذاته لم تَصْدُرِ
فالناسُ من ماءٍ مَهينٍ وهوَ من / ماءٍ مَعينٍ طاهِرٍ ومُطَهِّرِ
يا مَنْ بكُنيتهِ نريدُ تيمُّناً / وبه يُزالُ تشاؤُمُ المتطيّرِ
إنْ عُدَّ قبلَك في المكارم ماجدٌ / قد كان دونَك في قديم الأعْصُرِ
فكذلك الإبهامُ فهوَ مقدَّمٌ / عند الحِساب يُعدُّ بعد الخِنصرِ
بالفخرِ ساد أبوكَ سادات الورى / وأبوك لولاكَ ابنُه لم يفخَرِ
كالعين بالبصرِ المُنير تفضّلتْ / والعينُ لولا نَجلُها لم تُبصِرِ
قسَماً ببارقِ مُرهفٍ قُلِّدتَهُ / وبعارِضٍ من مُزنِ جودِك مُمطِرِ
لولا إيابُك للجزيرة ما صفَتْ / منها مشارِعُ أمنِها المتكدِّرِ
أسكَنْتَ أهليها النّعيمَ وطالما / شهدوا الجحيمَ بها وهَولَ المَحْشَرِ
وكسَوْتَها حُلَلَ الأمان وإنّها / لولاك أضحتْ عَورةً لم تُسْتَرِ
بوركْتَ من شهمٍ قدِمتَ مشمّراً / نحو العُلى إذ يُحجِم الليثُ الشّري
وقطعْتَ أنوار الفَخار بأنمُل ال / فِتيان من روضِ الجديد الأخضرِ
فليَهْنِكَ المجدُ التّليد وعادكَ الْ / عيدُ الجديد بنبلِ سعدٍ أكبرِ
واِلبَس قميصَ المُلكِ يا طالوتَه / واِسحبْ ذيولَ الفضل فخراً وأجْرُرِ
واِستَجل بِكرَ ثَنا فصاحةِ لفظها / عبثَتْ بحِكمتِها بسِحرِ البُحتُري
لو يعلمُ الكوفي بها لم يزدَري / أو يشعرُ الطائي بها لم يشعرِ
لا زِلتَ تاجَ عُلىً وحِليةَ مَنصِب / وطرازَ مَكرُمةٍ وزينةَ منبَرِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ / فكسَا زمُرُّدُها عَقيقةَ خدِّهِ
وبَدا فَلاحَ لنا الهِلالُ بتاجِه / وسعى فمرّ بنا القضيبُ ببُردِهِ
واِستلَّ مرهفَ جفنِه أوَ ما ترى / بصفاءِ وجنتهِ خيالَ فرِنْدِهِ
وسرَتْ أساورُ طرَّتَيْهِ فغوّرَتْ / في الخصرِ منه وأنْجدَتْ في نَهدهِ
واِفْترّ مَبسِمُهُ فشوّفنا سَنا / برْقِ العقيقِ إلى العُذَيب ووِردِهِ
رُوحي فدا الرّشأ الّذي بِكناسِهِ / أَبداً تظلِّلُه أسنّةُ أُسْدِهِ
ظبيٌ تكسّبَتِ النِصالُ بطَرفِه / شَرَفاً إذا اِنتسبتْ لِفتكةِ جدِّهِ
حازَتْ نضارةُ خدّه روضَ الرُبا / فثنَتْ شقائِقَها أعنّةُ رندِهِ
وسطَتْ على حربِ الرِماح مَعاشِرُ الْ / أغصانِ فاِنتصرَتْ بدولةِ قدِّهِ
قِرنٌ أشدُّ لدى الوغى من لحظهِ / نَبلاً وأفتكُ صارمٍ من صدِّهِ
فالشُّهْبُ تغرُبُ في كنانةِ نَبلهِ / والفجرُ يَشرُقُ في دجُنّةِ غِمدِهِ
تهوى مهنّدَهُ النُفوسُ كأنّه / برقٌ تألّق من مَباسِم رَعدِهِ
وتودُّ أسهُمه القُلوبُ كأنّما / صيغَتْ نِصالُ نِباله من وِرْدهِ
يَسطو فيُشهِدُنا السِماكَ بسرجِه / والبدرَ مكتملاً بنثرة سردهِ
فإلى مَ يطمعُ في جِنانِ وِصالِه / خلَدٌ تخلّد في جهنّمِ بُعدِهِ
ومتى يؤمِّلُ راحةً من حُبّهِ / دَنِفٌ يكلّفُهُ مشقّةَ وَجدِهِ
ومُقَرطَقٍ كافورُ فجرِ جَبينه / ينشقُّ عنه ظلامُ عنبرِ جَعدِهِ
متمنّعٍ للفتكِ جرّد ناظراً / حُرِسَتْ قلائِدُهُ بصارِمِ هندِهِ
بادَرْتُه والغَربُ قد ألقى على / وَردِ الأصيل رمادَ مِجمَر ندِّهِ
واللّيلُ قد سحبَتْ فُضولَ خِمارِها / ليلاهُ واِنسدلَتْ ذَوائِبُ هِندِهِ
لمّا ولَجْتُ إليهِ خِدراً ضمّ في / جَنَباته صنَماً فُتِنْتُ بوردِهِ
ونظرْتُ وجهاً راقَ منظرُ وردهِ / وشهدْتُ ثغراً طاب مَوردُ شهدِهِ
نهضَ الغزالُ إليّ منه مُسلّماً / فزعاً وطوّقَني الهِلالُ بزَندِهِ
وغَدا يزُفُّ إليّ كأسَ مُدامةٍ / تهدي الحَليمَ إلى ضلالةِ رُشدِهِ
نارٌ يَزيدُ الماءُ حرَّ لَهيبِها / لمّا يُخالطُها المِزاجُ ببرْدِهِ
شمطاءُ قد رأتِ الخليلَ وخاطبتْ / موسى وكلّمتِ المسيحَ بمهدِهِ
روحٌ فلو ولجَتْ بأحشاءِ الدُجى / لتلقّبَتْ بالفجرِ طلعةَ عَبدهِ
فظلَلْتُ طوراً من خلاعةِ هَزلِه / أجني العُقودَ وتارةً من جدِّهِ
حتّى جلَتْ شفقَ الدُجى وتوقّدتْ / في أبنُسيّ الليلِ شُعلةُ زَندِهِ
يا حبّذا عيشٌ تقلّص ظِلُّه / هَيهاتَ أن سمح الزمانُ بردِّهِ
للّهِ مغنىً باليمامةِ عاطلٌ / خلعَ الغَمامُ عليه حِليةَ عِقدهِ
وسَقى الحَيا حيَّ العقيقِ وباعدَتْ / بعَروضها الأعراضُ جوهرَ قدِّهِ
وغدا المحصَّبُ حاصِبَ البَلوى ولا / خفرَتْ عِهادَ العزّ ذمّةَ عهدِهِ
رَعياً لمألَفِها القديم وجادَها / كفُّ ابنِ منصورَ الكريمِ برَفدِهِ
برَكاتُ لا برِحَ العُلا بوجودهِ / فرِحاً ولا فجِع الزّمانُ بفَقْدهِ
بحرٌ تدفّق بالنُضارِ فأغرقَ الس / سَبعَ البِحارَ بلجِّ زاخرِ مدّهِ
أسدٌ تشيّعُه النُسورُ إذا غَزا / حتّى وَثِقْنا أنّها من جُندِهِ
لو رامَ ذو القَرنين بعضَ سَدادِه / لم يَمضِ ياجوجٌ غَداً من سَدِّهِ
أو حازَ قوّتَه الكَليمُ لما دَعا / هارونَه يوماً لشدّةِ عَضْدِهِ
ملِكٌ يريك نَدى مَبارِك عمِّه / وعَفافَ والدِه وغيرةَ جدِّهِ
لولاه ما عُرِف النوالُ ولا اِهتدى / أهلُ السؤالِ إِلى معالِم نَجدهِ
قد خصّنا الرحمنُ منه بماجدٍ / ودَّ الهِلالُ حُلولَ هامةِ مجدهِ
أَفنى وأغنى بالشجاعةِ وَالندى / فمماتُنا وحياتُنا من عِندهِ
الرّزْقُ يُرجى من مَخايل سُحبِه / والموتُ يُخشى من صواعِقِ رَعدِهِ
يَجزي الّذي يُهدي المَديحَ ببرّه / كرَماً فيعطي وَسْقَهُ من مدِّهِ
بَغيُ العدوِّ عليه مصلحةٌ له / والمِسكُ تُصلحُه مَفاسِدُ ضدِّهِ
هجَمَتْ على الأمم الخُطوبُ وما نَشا / ذهبتْ كما ذهبَ الأسيرُ بقَيدِهِ
فالحتْفُ يهجُم فوقَ قائم سَيفه / والنصرُ يخدِم تحت صَعدَة بَندِهِ
قنَصَتْ ثَعالِبُه البُزاةَ وصادتِ الْ / أُسْدَ الكُماةَ قَشاعِمٌ من جُرْدِهِ
ما زال يُعطي الدُرَّ حتّى خافتِ الش / شُهبُ الدّراري من مَسائِلِ وَفدِهِ
ويسيرُ نحو المَجدِ حتّى ظنّهُ / نهرُ المَجرّةِ طامِعاً في عَدّهِ
هل من فَريسةِ مَفخرٍ إلّا وقد / نشبَتْ حُشاشَتُها بمخلَبِ ورْدِهِ
فضحَ العُقودَ نِظامُ ناظِم فَضلِه / وسَما النُضارَ نِثارُ ناثِرِ نَقدِهِ
سارا إلى مُهَجِ العِدا فتَسابَقا / في الفتكِ أسمَرُهُ وأبيَضُ جدِّهِ
قمرٌ به صُغْتُ القريضَ فزُيّنَتْ / آفاقُ نَظمي في أهلّة حَمدِهِ
حسُنَتْ به حالي فواصلَ ناظري / طيبُ الكرى وجَفَتْهُ زَورةُ سُهدِهِ
فهو الّذي بِنَداهُ أكْبَتَ حاسِدي / وأذابَ مهجتَهُ بجَذوةِ حِقدِهِ
يا أيّها الرُكنُ الّذي قد شُرِّفَتْ / كلُّ البريّة من تيمُّنِ قَصدِهِ
والماجدُ البطلُ الّذي طلبَ العُلا / فسَرى إليه فوقَ صهوةِ جَدِّهِ
المُلكُ جيدٌ أنتَ حِليةُ نَحرِه / والمجدُ جسمٌ أنت جنّةُ خُلدِهِ
هُنِّئتَ في عيدِ الصّيامِ وفِطرِه / أبداً وقابلَك الهِلالُ بسَعدِهِ
العيدُ يومٌ في الزمان وأنت للْ / إسلامِ عيدٌ لم تزَلْ من بَعدِهِ
لو تُنصِفُ الدُنيا وقَتْكَ بنفسِها / وفداكَ آدمُ في بقيّة وُلْدِهِ
لا زالتِ الأقدارُ نافذةً بما / تَنوي ومتّعَك الزمانُ بخُلدِهِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ / فأزِلْ بخَمْرَتِها خُمارَ البينِ
واِستَجْلِها مثلَ العَروس توقّدَتْ / بعُقودِها وتخلْخَلَتْ بِبُرينِ
واِقْطِفْ بثغرِك وَرْدَ وَجنَتِها على / خدِّ الشقيقِ ومَبسمِ النِسرينِ
واِلثِم عَقيقةَ مِرشَفَيْها راشِفاً / منها ثَنايا اللؤلُؤِ المَكنونِ
روحٌ إذا في فيكَ غابَتْ شمسُها / بزَغَتْ منَ الخدّينِ والعَينينِ
قبَسٌ يُغالِطُنا الدُجى رأدَ الضُحى / فيها ويَصدقُ كاذِبُ الفَجْرَينِ
ما زفّها السّاقي بطائرِ فضّةٍ / إلّا وحلّقَ واقِعَ النّسْرَيْنِ
حاكَتْ زُجاجةُ كأسِها القنديلَ إذ / مِشكاتُها اِتّقدَتْ بلا زَيتونِ
تبدو فيبدو الأفْقُ خدَّ عشيقةٍ / واللّيل لمّة عاشقٍ مَفتونِ
مبنيّةٌ بفَمِ النّزيفِ مَذاقُها / كرُضابِ لَيلى في فم المجنونِ
بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهبَ بَرْدَها / صاغَ الحُبابُ لها سِوارَ لُجينِ
لو كان في حوضِ الغمام محلُّها / لجرى العقيقُ من السحابِ الجونِ
أو لو أُريقَتْ فوقَ يَذبُلَ جرعةٌ / منها لأصبحَ معدِنَ الراهونِ
ومُضارِعٍ للبَدرِ ماضٍ لحظُه / متستّرٌ فيه ضَميرُ فُنونِ
رشأٌ غدَتْ حركاتُ كَسرِ جُفونِه / تَبني على فتحِ السُهادِ جُفوني
روحي له وقْفٌ وألْفُ يَمينِه الْ / مَمْدود مَقصورٌ عليه حَنيني
مهموزُ صُدغٍ كم صحيحِ جوىً غدا / بلَفيفِه يَشكو اِعتِلال العينِ
متفقّهٌ بوِصالِه متوقّفٌ / ويرى القطيعةَ من أصولِ الدينِ
رُؤياهُ مِفتاحُ الجمال وخَصرُهُ / تلخيصُ شرحِ مطوّلِ التّحسينِ
حيّا بزَورَتِه خُلاصةَ صُحبةٍ / وبَدا فأبرزَ مَشرِقَ الشمسينِ
واِفتَرَّ مُحتسياً لها فأبانَ عن / بَرقَينِ مُبتسمين عن سِمطينِ
وشَدا وطافَ بها فأحيا ميّتَ الْ / عُشاقِ في راحَين بل روحَينِ
مَنْ لي بوصلِ مَهاةِ خِدرٍ فارَقَتْ / عيني وظبيٍ أفْلَتَتْهُ يَميني
للّهِ أيّامُ الوِصالِ وحبّذا / ساعاتُ لهوٍ في رُبى يَبرينِ
مَغنىً بحبِّ الساكنين يَسوغُ لي / نظْمُ النسيبِ ونثرُ دُرّ شُؤوني
لا زال يبتسمُ الأقاحُ به ولا / برِحَ الشقيقُ مضرَّجَ الخدّينِ
أحوى كأنّ مياههُ ريقُ الدُمى / وهَواهُ أنفاسُ الحِسانِ العِينِ
ضاهى عُيونَ الغانياتِ بنَرْجِسٍ / وسَما على قاماتِها بغُصونِ
فلكَمْ رشَفْتُ على زُمُرُّدِ رَوضِهِ / زمَنَ الشّبابِ عقيقةَ الزّرجونِ
وأمِنْتُ بأسَ النّائِباتِ كأنّما / برَكاتُ أمسى كافلِي وضَميني
سامي الحقيقة لا يحسُّ نزيلُه / بحوادثِ التّقديرِ والتّكوينِ
بَشَرٌ يريكَ البحرَ تحت رِدائِه / والبدرَ فوقَ سريرهِ المَوضونِ
غيثٌ بنوّارِ الشقيق إذا سَما / تزهو رياضُ المُقتِر المَديونِ
قاضٍ بأحكام الشريعة عالِمٌ / بقواعدِ الإرشادِ والتبيينِ
عدلٌ تحكّم في البلاد فقامَ في / مَفروضِ دينِ اللَّه والمَسنونِ
بلغَ الكمالَ وما تجاوزَ عُمرُه / عشراً وحاز المُلْكَ بالعِشرينِ
خطبَ المعالي بالرِّماحِ فزُوّجَتْ / بكرُ العُلا منه بلَيثِ عرينِ
تلْقى العِدا والوفْدُ منه إذا بدا / تِيهَ العزيزِ وذلّةَ المِسكينِ
سمْحٌ لمن طلبَ الإفادة باسطٌ / ببنانِه وبيانهِ كنزَيْنِ
ما مدَّ راحتَهُ وجادَ بعِلمِه / إلّا اِلتقَطنا لُؤلُؤَ البَحرينِ
لو بالبلاغةِ للنبوّةِ يدّعي / لَغدا وما قُرآنُه بعِضينِ
من مَعشرٍ لهمُ على كلِّ الوَرى / شرَفُ النجومِ على حصى الأرضينِ
سامٍ لمُنصُلِه وشِسْعَيْ نَعلِه / فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشّرطينِ
همسَتْ بأصوات الطُغاة فكاد أنْ / لا يستهلَّ بهم لِسانُ جَنينِ
وتيقّنتْ بالثُّكلِ بيضُهمُ فلو / قدرَتْ لما سمَحَتْ لهم ببَنينِ
غضّتْ جلالتُه العيونَ وربّما / نظرتْ إليه فحِرْنَ في أمرَينِ
قبَسٌ جرى بيَدَيْهِ جدولُ صارمٍ / وغَمامةٌ حملَتْ شِهابَ رُدَيْني
عفُّ المآزِر كم ذُكورُ نِصالِه / فيه اِستباحتْ من فُروجِ حُصونِ
قَيلٌ يُصان لديه جوهرُ عِرضِه / والجوهرُ العِرضيُّ غيرُ مَصونِ
لو أنّ كعباً جاءَ يطلبُ ثأرَهُ / لكَبا بسابقةٍ عِثارَ حَرونِ
يُمسي الفقيرُ إذا أتاه كأنّما / غَصَبَ الغِنى من راحتَيْ قارونِ
مَولىً يلوذُ المُذنِبونَ بعَفوِه / ويفُكُّ قيدَ المُجْرمِ المَسجونِ
يا حاديَ العَشرِ العُقولِ وثاني الد / دهرِ المَهولِ وثالث القمَرَينِ
والثابتَ المِغوارَ والقِرْنَ الّذي / لا تستقرّ سُيوفُه بجُفونِ
فلقد أنارَ اللَّه فيكَ نهارَنا / وجَلا الظلامَ بوجهِك المَيمونِ
وكَسا بك الدنيا الجمالَ وزيّن ال / أيّامَ من علياكَ في عِقدَيْنِ
وأبانَ رُشدَ عِبادِه بك فاِهتدَوا / بعد الضّلالِ بأوضحِ النّجدَينِ
فتهنَّ بالعيدِ المُبارك واِغتَنِمْ / أجرَ الصيام وبهجةَ الفِطرَينِ
واِلبَس جَلابيبَ العُلا وتدرّعِ الن / نصْرَ العزيزَ وحلّةَ التّمكينِ
واِستجلِ من فكري عَروساً ما لَها / كُفُؤٌ سواكَ بسائِرِ الثَّقَلَيْنِ
وأبيكَ يا مَنْ حُكِّمَتْ بيَمينه / بيضُ العَطايا في رِقابِ العينِ
لولا حيا كفّيكَ ما حيّا الحَيا / رَوضي ولا ساحَتْ بطاحُ مَعيني
كلّا ولا نِلتُ النّعيمَ ولا نجَتْ / روحي العزيزةُ من عذابِ الهُونِ
بلغَتْ مدى الأقصى لديكَ مطالبي / وأصابتِ الغرَضَ البَعيدَ ظُنوني
لي في معانيكَ اِعتقادُ وِلاً فلَو / كُشِفَ الغِطا ما اِزدادَ فيك يَقيني
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ / واِحْذَرْ ظُبا لَفَتاتِ عِينِ ظِبائِهِ
واِنشُدْ به قلباً أضاعَتْه النّوى / من أضلُعي فعَساهُ في وَعْسائِهِ
وسَلِ الأراكَ الغضَّ عن روحٍ شكَتْ / حَرَّ الجَوى فلجَتْ إلى أفيائِهِ
واِقصِد لُباناتِ الهَوى فلعلّنا / نَقضي لُباناتِ الفؤادِ التّائِهِ
واِضمُم إليكَ خُدودَ أغصانِ النّقا / واِلثِمْ ثُغورَ الدُرِّ من حَصبائِهِ
واِسْفَحْ بذاكَ السّفْحِ حول غَديرِه / دمعاً يعسجِدُ ذَوبَ فضّةِ مائِهِ
سَقياً له من ملعبٍ بعُقولِنا / وقُلوبِنا لعِبتْ يَدا أهوائِهِ
مغنىً به تهوى القُلوبُ كأنّما / بالطّبعِ يجذبُها حصى مَغنائِهِ
أرجٌ حكى نفَسَ الحَبيبِ نَسيمُهُ / يُذكي الهَوى في الصّبِّ بَردُ هَوائِهِ
نفَحاتُهُ تُبري الضّريرَ كأنّما / ريحُ القميص تهبّ من تلقائِهِ
فلتحْذَرِ الجَرحى به أن يسلكوا / يوماً فيشتاقوا ثَرى أرجائِهِ
عهدي به ونُجومُ أطرافِ القَنا / والبِيضُ مشرقَةٌ على أحيائِهِ
والأُسْدُ تزأرُ في سُروجِ جِيادِه / والعِينُ تبغَمُ في حِجالِ نِسائِهِ
والطّيفُ يَطرقُه فيعثُرُ بالرّدى / تحت الدُجى فيصدُّ عن إسرائِهِ
والظلُّ تقصرُه الصَّبا وتمدُّهُ / والطيرُ يعرِبُ فيه لحن غِنائِهِ
لا زالَ يَسقي الغَيثُ غُرَّ مَعاشرٍ / تَسقي صوارِمُهم ثَرى بَطحائِهِ
لا تُنكِرَنْ يا قلبُ أجرَك فيهِمِ / هُمْ أهل بَدرٍ أنت من شُهدائِهِ
لولا جُمودُ الدُرِّ بين شِفاهِهم / ما ذابَ في طَرْفي عقيقُ بُكائِهِ
للَّهِ نفسُ أسىً يصعِّدها الأسى / ويردّها في العَيْنِ كفُّ قَذائِهِ
حُبِسَتْ بمُقلتِه فلا من عَينه / تجري ولم تَرجعْ إلى أحشائِهِ
مَنْ لي بخِشفِ كِناسِ خِدرٍ دونَه / ما يُحجِمُ الضرغامُ دون لِقائهِ
أحوى حوى إلْفَ الجآذِر في الفَلا / والشيءُ منجذبٌ إلى نُظرائِهِ
حسنٌ إذا في ظُلمةِ اللّيلِ اِنْجلى / تعشو الفراشُ إلى ضياءِ بَهائِهِ
يُلقي شعاعُ الخدِّ منه على الدُجى / شفقاً يعصفِرُ طيْلَسانَ سمائِهِ
فالبرقُ منه يلوحُ تحت لِثامِه / والغصنُ منه يَميلُ تحت ردائِهِ
لا غَرْوَ إن زارَ الهلالُ محلّهُ / فشقيقُهُ الأسنى برُحْبِ سنائِهِ
أو نحوَهُ نسرُ النجومِ هَوى فلا / عجباً فبَيضتُهُ بخِدرِ خِبائهِ
أنيابُ لَيثِ الغابِ من حُجّابهِ / ولواحظُ الحرباءِ من رُقَبائِهِ
كم قد خلوْتُ به وصِدقُ عَفافِنا / يجلو دُجى الفحشاءِ فجرُ ضِيائهِ
ما لي وما للدّهرِ ليسَ ذُنوبُه / تفْنى ولا عُتبى على آنائهِ
يجني على فضلي الجَسيمِ بفضلِه / وكذا الجَهولُ الفضلُ من أعدائهِ
فكأنّما هو طالبي بقِصاصِ ما / صنعَتْهُ آبائي إلى أرْزائهِ
شِيَمُ الزّمانِ الغدرُ وهو أبو الوَرى / فمتى الوفاءُ يُرام من أبنائهِ
لحِقوهُ في كلِّ الصفاتِ لأنّهم / ظُرِفوا به والماءُ لونُ إنائِهِ
فعَلامَ قلبي اليومَ يجرَحُه النّوى / ولقد عهِدْتُ الصّبرَ من حُلَفائهِ
وإلى مَ نَدبي للديارِ كأنّه / فرضٌ عليّ أخافُ فَوْتَ أدائِهِ
يا حبّذا عيشٌ على السّفحِ اِنقضى / والدّهرُ يلحظُنا بعَينِ وفائِهِ
والشملُ منتظِمٌ كما اِنتظمَ العُلا / بِندى عليٍّ أو عُقودِ ثنائهِ
وليالياً بيضاً كأنّ وجوهَها / من فوقِها سحّت أكفُّ عطائِهِ
بحرٌ إذا ما مدّ فاِبنُ سحابِنا / يدري بأنّ أباهُ لجُّ سخائهِ
ذو فتكَةٍ إن كان باللّيثِ الفَتى / يُدعى مجازاً فهو من أسمائِهِ
وأنامِلٍ إن كان يُعرَفُ بالحَيا / فيضُ النّوالِ فهنّ من أنوائِهِ
ملكٌ يعوذُ الدينُ فيه من العِدى / فيَصونُ بيضتَهُ جناحُ لِوائِهِ
كالزَّنْدِ يُلهِبُه الحديدُ بقَرْعِهِ / فيكادُ يوري البأس من أعضائِهِ
يسطو بعزْمَتِه الجبانُ على العِدى / كالسّهمِ يحمِلُه جناحُ سوائِهِ
بالفضلِ قلّد فيه جِيدَ متوّجٍ / تُمسي الثُريّا وهْي قُرطُ علائهِ
مَنْ للهِلالِ بأن يَصوغَ سِوارَهُ / نَعْلاً فيمشي وهْو تحت حِذائِهِ
بل مَنْ لنعْشٍ أن تكونَ بناتُه / تُضحي لديه وهْيَ بعضُ إمائهِ
فطنٌ تكادُ العُميُ تُبصرُ في الدُجى / لو أنّها اِكتحلَتْ بنورِ ذكائِهِ
يرمي العيوبَ بذهنِ قلبٍ قُلَّبٍ / فتلوحُ أوجهُها له بصفائهِ
لو أنّ عينَ الشمسِ عن إنسانِها / سُئِلتْ لأهدَتْنا إلى سَودائِهِ
أو قِيلَ للمِقدارِ أين سهامُه / كانت إشارتُه إلى آرائهِ
يا طالبَ الدُرِّ الثّمينِ لحَلْيِهِ / لا تشتريه من سوى شُعرائهِ
أينَ اللآلي من لآلئ مَدحِه / ظفِرَتْ بها الأفكارُ من دأمائهِ
إنْ كُنتَ تجهلُ يا سَؤل صِفاتِه / فعليكَ نحنُ نقصُّ من أنْبائهِ
العدلُ والرأيُ المسدَّدُ والتُقى / والبأسُ والمعروفُ من قُرَنائِهِ
ذاتٌ مجرّدةٌ على كلّ الورى / صدقَتْ كصدقِ الكُلّ في أجزائهِ
انظُرْ مَغاضَتَهُ تَرى عجباً فقدْ / شملَ الغديرَ البحرُ في أثنائِهِ
فهْو ابنُ مَنْ سادَ الأنامَ بفضلِه / خلَفُ الكِرامِ الغُرِّ من أبنائهِ
صلّى ووالدُه المُجلّي قبلَه / فأتى المدى فخراً على أكفائِهِ
سِيّانِ في الشرفِ الرفيع فنَفْسُه / من نفسِه وعُلاهُ من عَليائِهِ
من آل حيدرةَ الألى ورثوا العُلا / من هاشمٍ والضّربَ في هيجائهِ
آلُ الرسولِ ورهطُه أسباطُه / أرحامُه الأدْنَوْنَ أهلُ عبائهِ
نسبٌ إذا ما خُطَّ خِلْتَ مِدادَهُ / ماءَ الحياةِ يفيضُ في ظَلْمائِهِ
نسبٌ يَضوعُ إذا فضَضْتَ خِتامَه / فيُعطِّرُ الأكوانَ نَشرُ كِبائِهِ
أينَ الكرامُ الطالبونَ لحاقَهُ / منهُ وأين ثَنايَ من نَعمائِهِ
يا أيّها المَولى الّذي بيمينِه / في المال قد فتكَتْ ظُبى آلائِهِ
سَمعاً فدَيْتُك من حَليفِ مودّةٍ / مدْحاً يَلوحُ عليهِ صِدقُ ولائِهِ
مدحاً تَميلُ له الطِباعُ كأنّني / أتلو عليهِ السحرَ في إنشائِهِ
بصفاتِك اللّاتي بهرْنَ مزَجتُه / فعبِقْن كالأفواهِ في صَهبائِهِ
فاِستَجلِه نظماً كأنّ عروضَه / زهَرُ الرُبا ورويّهُ كرُوائِهِ
واِسْرُرْ هِلالَ العيدِ منكَ بنظرةٍ / تكفيهِ نقْصَ التِمِّ من لألائِهِ
فجبينُك المَيمونُ يمنحُه السّنا / وعُلاكَ يرفعُه لأوجِ سنائِهِ
طلب الكمالَ وليس أوّلَ طالبٍ / وأتى إلى جَدواكَ باستجدائِهِ
واِظْهَرْ لهُ حتّى يراكَ فإنّه / صبٌّ كساهُ الشوقُ ثوبَ خَفائِهِ
ولَيَهْنِكَ الصّومُ المُباركُ فِطرُهُ / واللَّهُ يختِمُه بحُسنِ جزائِهِ
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا / حيثُ الهوى منه فثمّ المَطلَبُ
أُمّوا بنا أُمَّ القُرى فلعلّنا / ندنو إلى لَيلى الغَداةَ ونقرُبُ
وَصِفوا لسُكّانِ الصّفا كدَري عسى / أن يُنصِفوا يوماً فيَصفو المشرَبُ
وذَروا القُلوبَ الواجباتِ برَبْعِه / تقضي الحُقوقَ الواجبات وتندُبُ
وقِفوا على الجمَراتِ نسألُ مَنْ بها / عمّن لها بصُدورِنا قد ألهَبوا
واِرْعوا الجوارِحَ أن تصيّدَها المَها / فمنَ العُيونِ لها شِراكٌ تُنصَبُ
وتجسّسوا قلبي فإنْ لم تظفَروا / فيهِ بها وأنا الضّمينُ فحَصِّبوا
واِنحوا يَمينَ منىً فثمَّ منَ المُنى / سرٌّ بأحشاءِ المَنونِ محجَّبُ
واِهْوُوا سُجوداً في ثَراهُ وصدّقوا الر / رُؤيا بنحرِكُمُ القلوبَ وقرّبوا
يا ساكني جمعٍ وحقِّ جميعكُم / لَهوايَ بين شِعابِكم متشعِّبُ
أظَنَنْتُم أنّي أمَلُّ عذابَكُم / وعذابكُم يحلو لديّ ويعذُبُ
وجّهْتُمُ تِلقاءَ مَدْيَنِ حبّكم / قلبي فأصبحَ خائِفاً يترقّبُ
وأخذتُموهُ في قِصاص خُدودِكم / وهو البَريُّ وطَرفُ عَيني المُذنِبُ
إنّي لأعجَبُ من كِلام ظِبائِكُم / وطلوعُ أنجُمِكم ضُحىً هو أعجَبُ
أستغربُ الأسنان تُنبتُ لؤلؤاً / وتصوّرُ الألفاظَ دُرّاً أغرَبُ
والقلبُ تحرُسُهُ مَعاصمُ ريمِكُم / ويزيدُ في نُطقِ الوشاحِ الرَبرَبُ
يبدو بحبّكُمُ الغزالُ مبرقعاً / ويميلُ غصنُ البان وهو معصَّبُ
أقمارُكم فوقَ الأهلّةِ طُلَّعٌ / وشُموسُكُمْ تحت الأكِلّة تَغرُبُ
صُنتُم ثُغورَ الحُسنِ عن جُندِ الهَوى / فحميتُموها في جُفونٍ تضربُ
للَّه مغنىً في الحِمى بخدورِه / يكفُلْنَ بيضاتِ النّعامِ الأعقُبُ
مغنىً تُشاهَدُ في مواقف حيّه ال / آسادُ تمرَحُ والجآذِرُ تلعبُ
نُزُلاً يُضيءُ كأنّ ملعَبَ سربِه / فلَكٌ بأقمارِ الظّلامِ مُكَوكَبُ
أفدي بُدورَ سَراةِ حيٍّ فوقَه / ضربوا القِبابَ على الشموسِ وطنّبوا
ونُجومَ حُسنٍ تحتمي بأهلّةٍ / أجرَتْ ضِياها في الشّبيبةِ أقضُبُ
ومعاشِرٍ فضلاتُ قصدِ رماحِهم / يومَ القِرى تكفيهِم أن يخطُبوا
نصبوا السّحابَ الصاعِقاتِ فقلّدوا / منها ومن فوقِ البُروقِ تنقّبوا
يا حبّذا عصرٌ مضى لا عَيبَ في / عُقباهُ إلّا أنّه لا يُعقبُ
أزكى وألطَفُ من رسائِل عاشقٍ / آصالُه وأرقُّ ممّا يُنسَبُ
فإلى مَ يمطُلُني الزّمانُ بعَوْدِه / هيهاتَ ليس بعائِدٍ ما يذهَبُ
وعْدُ الزّمانِ إذا تحقّق صِدْقُه / فعساهُ من فلَقِ الدُّجنّة أكذَبُ
عجباً لهذا الدّهرِ يغدُر بالفتى / ويَسوءُ نفسَ المرءِ وهْو محبَّبُ
لم يُرْوِ منتجِعاً رَشاشُ سحابةٍ / لولا نوالُ أبي الحُسينِ الصيّبُ
ملكٌ تَزينُ الدّهرَ حِليةُ فضلِه / ويفوزُ بالشّرفِ الرفيعِ المنصبُ
حرٌّ إذا نسبوا الكِرامَ يَفوحُ من / أنسابِه عبَقُ النّبيّ الأطيَبُ
نسبٌ لوَ اِنّ الفجرَ حاز ضياءَهُ / عاش الضُحى أبداً ومات الغَيهَبُ
أو في الدُجى عن نورِه كُشِفَ الغطا / قامت له الحِرباءُ ليلاً ترقُبُ
من آلِ حيدرَةَ الغطارفةِ الأُلى / فرضوا على الذِمَمِ النّوالَ وأوجَبوا
قومٌ همُ الأمطارُ إن فُقِدَ الحَيا / وهمُ الصّواعقُ في الورى إن حُوربوا
الناثرو عِقدَ الطُلى إن قوتِلوا / والناظِمو دُرَّ العُلا إن خُوطِبوا
بشرٌ تكوّن من ندىً وسماحةٍ / فلِذا جوانبُه تَلينُ وتصعُبُ
ليثٌ يهزُّ يَداهُ شُعلةَ صارِمٍ / ماءُ المَنونِ يكادُ منها يشربُ
نهرٌ من الفولاذ أصبح جارياً / منهُ الفرِندُ وشبّ منه المضرِبُ
عدلٌ له صفةُ الزّمانِ إذا قضى / بالسيف يخفِضُ من يَشاءُ وينصِبُ
يقضي بصرْفِ الجمعِ عادلُ رُمحِه / ولدَيه يَبني المجدَ ماضٍ مُعرَبُ
هذا وحيدُ العصر فاضلُه فإن / شكّكْتُمُ فاِبْلوا الأنام وجرّبوا
لا يُشكَرُ النادي ويعبَقُ طيبُه / إلّا إذا غنّى ثناهُ المُطرِبُ
بحرٌ إذا سُئِلَ النّوالَ فدُرُّه / يطفو ودُرُّ البحرِ فيه يَرسُبُ
تَقفوهُ من فتحِ العقابِ عِصابةٌ / ويحفّ فيه من الضّراغِم موكِبُ
غازٍ إذا في اللّيل صلّتْ قُضبُه / غنّى الحمامُ به وصاح الحُندَبُ
يفترّ مُبتسماً فيُصبحُ مالُه / يبكي ويرضى السيفُ لمّا يغضبُ
فطنٌ لفكرتِه بكلّ بديعةٍ / لفٌّ ونشْرٌ في الأمورِ مرتّبُ
يصفرُّ وجهُ التّبرِ خيفةَ بذلِه / فيكادُ جامدُه يسيلُ ويذهَبُ
لو كان شمساً لم يسعْهُ مشرقٌ / ولَضاقَ عن كتمِ الشُعاعِ المَغرِبُ
أو حازَ وجهُ الدّهْر أدنى بشْرِهِ / ما بان فيه من الخُطوبِ تقَطُّبُ
يا اِبْنَ الّذي في عِلمِه وحُسامِه / عُرِفَ الإله وبان فيه المذهبُ
لم تتّخذْ غيرَ المهنّدِ في الوغى / إلْفاً ولا غيرَ المثقَّفِ تَصحَبُ
ولَرُبَّ معترَكٍ كأنّ قَتامَهُ / والبيضُ تلمعُ فيه نورٌ أشيَبُ
تبكي بموقفِه الطُلى وفمُ الرّدى / بالضّربِ يبسِمُ منه ثغرٌ أشنَبُ
صامَتْ صوارمُه وصلّتْ قُضبُه / فالهامُ تسجدُ والمنايا تخطُبُ
كم فيه ألقى من غديرِ مُفاضةٍ / يبدو عليه من صَداها الطّحْلُبُ
أورَدْتَ فيه السيفَ وهْو حديدةٌ / وصدرْتَ وهْو من النّجيع مذهّبُ
وتركْتَ فيه من الرؤوس صوامِعاً / صلّى عليها القشْعَمُ المترهِّبُ
وركبْتَ تلحقُك النسورُ وإنّما / يسري وراها في حشاها المقنَبُ
للّه دَرُّك من فتىً لم تترُكَنْ / شيئاً من المجدِ المؤثّلِ يُطلَبُ
صيّرْتَ سيفَك يا عليُّ إلى العُلا / فركِبْتَ منه غضنْفَراً لا يُركَبُ
ما فوّق المِقدارُ سهماً صائِباً / فرمى به إلّا ورأيُكَ أصوَبُ
مولايَ سَمعاً من رقيقٍ مُخلصٍ / مدْحاً له الودُّ الصحيحُ يهذِّبُ
مدحاً غَدا هاروتُ عندَ نشيدِه / للسّحرِ من ألفاظِه يتكسّبُ
تَحكي فرائِدُه العُقودَ وإنّما / أبكارُها مكنونةٌ لا تُثقَبُ
فأجِلْ بها فِكراً ولا تغترَّ في / برقٍ سواهُ فإنّ ذلك خُلَّبُ
وتَهَنَّ بالعيد الّذي لولاكَ ما / عادَ الأنامُ فكرّروه ورحّبوا
وتوفَّ أجْرَ صيامِه وفِطارِه / قلبَ العِدا واِلْبَسْ عَلالاً يُسلَبُ
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه / وصحا فحيّاهُ النسيمُ بخمرِهِ
وصغى إلى رجعِ الحمام بسجعِهِ / فأهاجَتِ البَلوى بلابِلُ صدرِهِ
وسقَتْهُ ممرَضَةُ الجُفونِ فقلبُه / صاحٍ يرقّصُهُ الخُفوقُ لسُكرِهِ
ونسجْنَ ديباجَ السّقامِ لجسمِه / بيضُ الخُصورِ فسربَلَتْهُ بصُفْرِهِ
ووشَتْ له سُودُ العيونِ بهديها / وشيَ الحَمامِ فقمّصَتْهُ بحُمْرِهِ
وحَلا له في الحبِّ خلعُ عِذارِه / فجَلا ظلامَ العدل نيّرُ عُذرِهِ
ودنا الفِراقُ وكان يبخلُ قبلَهُ / بلُجَين مدمَعِه فجادَ بتِبرِهِ
وبَدا له برقُ العَقيق فظنّه / بيضَ الثّنايا وهْيَ لمعةُ تِبرِهِ
ورأى بها شِبهَ النجومِ فخالَها / قبَساتِ نارٍ وهْي أوجُهُ غُرِّهِ
للَّه أيّامُ العقيقِ وحبّذا / أوقاتُ لذّاتٍ مضَتْ في عصرِهِ
ثغرٌ يُجابُ صهيلُه بصهيلِه / ويُجيبُ باغِمَهُ الهزَبرُ بزأرِهِ
تَحمي أسودُ الغاب خِشفَ كِناسِه / ويضُمُّ ريشُ النّبْلِ بيضةَ خِدرِهِ
لا فرقَ بين وصولِ طوقِ قَناتِه / للطّالبين وبينَ هالةِ بَدْرِهِ
أقمارُه حملَتْ أهلّةَ بِيضِه / وشُموسُه حُرِسَتْ بأنجُم سُمرِهِ
حرمٌ مَنيعُ الحيّ قد كمن الرّدى / بجُفونِ شادِنه ونابِ هِزَبْرِهِ
هو ملعبُ البيضِ الحوالي فاِلتقِطْ / منه اللآلي واِنتشِقْ من عِطرهِ
إيّاكَ تقربُ ورْدَ منهلِ حيّه / فالموتُ ممزوجٌ بجرعةِ خُصْرهِ
تهَبُ الظُماةُ به لطالوت الرّدى / بحرَ النّجيع بغرفةٍ من نهرهِ
سلْ يا حَماكَ اللَّهُ عن خبَر الحِمى / نفَسَ الشِّمالِ فقد طَواهُ بنَشْرِهِ
واِستَخبِر البَرْقَ الضحوكَ إذا اِنْبرى / شطرَ اللّوى عمّن حكاه بثغرِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإنّهُم / سلَبوا فؤادَ الصّبِّ ملبَسَ صبرِهِ
لولا اِنتظامُ الدُرِّ بين شفاهِهم / ما جادَ ناظمُ عَبرَتي في نثرِهِ
وبمهجَتي الرَّكْبُ المعرَّضُ للحِمى / وبُدورُ تِمٍّ في أكلّةِ سِفرِهِ
جعلوا عليَّ بقاءَ روحي منّةً / أوَ ما رآها ركبُهمْ في إثرِهِ
كيفَ البَقاءُ وفي غفائِر بيضِهم / ساروا عن المُضنى بألْيَلِ عُمرهِ
لا تطلبنّ القلبَ بعد رحيلهم / منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسْرهِ
قالوا الفِراقُ غداً فلاح لناظري / صُوَرُ المَنايا في سُحيّرِ فَجرِهِ
يا ليتَ يوم البينِ من قبلِ النّوى / لم تسمحِ الدُنيا بمولِدِ شهرِهِ
يوماً علينا بالكآبةِ والأسى / شهدَتْ جَوارحُنا بموقفِ حَشرِهِ
كيف السُّلوُّ وليس صبرُ أخي الهَوى / إلّا كحظِّ أخي النُهى في دهرِهِ
فإلى مَ أرجو الدّهرَ يُنجزُ بالوَفا / وعدي فتعرِضُ لي مكايِدُ غَدرِهِ
لا شيءَ أوهى من مواعِدِه سوى / دعوى شريكِ أبي الحُسين بفخرِهِ
ملكٌ إذا حدَثُ الزّمان لنا قَضى / أمضى مُضارعَهُ بصيغةِ أمرِهِ
فرعٌ إلى نحوِ العُلا يسمو به / أصلٌ رَسا بين النبيّ وصهرِهِ
نورٌ إذا ما بالوصيّ قرَنتَه / أيقَنْتَ أنّ ظُهورَه من ظهرِهِ
حرٌّ لو اِنتظَمَتْ مفاخِرُ هاشمٍ / بقِلادةٍ لرأيتَها في نحرِهِ
لا يُدركنَّ مديحَهُ لسِنٌ ولو / نظمَ الكواكبِ في قلائِدِ شِعرِهِ
للّه بينَ بيانهِ وبنانِه / كنزٌ أفادَ السائِلينَ بدُرّهِ
لو كان للبحرِ الخضَمِّ سماحُه / لم يخزُنِ الدُرَّ اليتيمَ بقَعرِهِ
سمحٌ لو اِنّ النيّراتِ جواهرٌ / قذفَتْ بها للوَفدِ لجّةُ بحرِهِ
يعطي ويحتقر النّوالَ وإنْ سَما / فيرى الثُريّا في أصاغِرِ صِرِّهِ
خطب العُلا فتطلّقَتْ أموالُه / منه وزوّجَه النّوالُ ببِكرهِ
تاللَّهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القَضا / يوماً بأفتَكَ من نَداهُ بوَفرِهِ
لو تلمِسُ الصّخرَ الأصمّ يَمينُه / لتفجّرَتْ بالعَذْبِ أعيُنُ صخرِهِ
قتلَتْ مهابتُه العدوَّ مخافةً / فكفَتْ صوارِمَهُ أسنّةُ ذُعرِهِ
بطلٌ إذا في الضّربِ ألهبَ مارِقاً / خِلْتَ الكواكبَ من تَطايُر جَمرهِ
فسلاحُ ليلِ الحتْفِ مِخلَبُ سيفِه / وجَناحُ طيرِ النُّجْحِ رايةُ نصرِهِ
بحرٌ إذا خاضَتْهُ أفكارُ الوَرى / غرِقَتْ به قبلَ البلوغُ لعِبْرِهِ
فطِنٌ يكادُ الليلُ يُشرِقُ كالضُحى / لو أنّ فكرَتَه تمرُّ بفِكرِهِ
آيُ الفَصاحةِ إن يخُطَّ يَراعُهُ / لم تَبدُ أنجمُها بظُلمةِ حِبرِهِ
ترك المواكبَ كالكواكِبِ فاِهتدى / فيهنّ مَنْ يَسْري لمَشرِقِ يُسْرِهِ
غيثٌ يكادُ التِّبرُ ينبُتُ بالرُبى / كالنورِ لو وُسِمَتْ بلؤلؤِ قَطْرِهِ
لو أنّ للأعناقِ منها ألسُناً / نطَقَتْ بأفواهِ الجُيوبِ بشُكرِهِ
لم يغشَ وجهَ الأفْقِ حتّى ينطوي / كلَفُ الدُجى لو حاز رونَق بِشرِهِ
سامٍ يمُدُّ إلى العُلا باعاً طوتْ / مجرى الدّراري السبْعِ خُطوةُ بِشرهِ
من آلِ حيدرَةَ الأُلى اِزدانَ العُلا / فيهم كما اِزْدانَ الرّبيعُ بزَهرِهِ
غُرٌّ إذا منهم تولّدَ كوكَبٌ / حسدَتْ شُموسُ الأفْقِ مفخَرَ ظِئْرِهِ
قفرٌ لوَ اِنّهُمُ جلَوْا أحسابَهم / في اللّيل لاشتبَهَتْ بأضوإِ زَهرِهِ
من كلِّ أبلَجَ في ذُيولِ قِماطِه / علقَ العُلا ونَشا السّماحُ بحِجْرِهِ
لم يبكِ وهْوَ على حَشيّةِ مهدِه / إلّا لحُبِّ ركوبِ صهوَة مُهرِهِ
للَّه دَرُّك يا عليُّ ففضلُهُم / بك فُصِّلَتْ آياتُ مُحكَمِ ذِكرِهِ
اللّهُ حَسبُك كيف سِرْتَ إلى العُلا / ما بينَ أنيابِ الحِمامِ وظُفْرِهِ
لولاكَ قُدْسُ المجدِ أصبحَ طورُه / دكّاً يموجُ وخرَّ موسى قدْرِهِ
قامت بنجدتِه سيوفُك فاِغْتدَتْ / بالنّصرِ تبسِمُ كالثّغورِ بثغرِهِ
جرّدْتَها فرجَمْتَ شيطانِ العِدا / بنُجومِها ودحَرْتَ ماردَ شرِّهِ
قُضُبٌ إذا رأتِ الأسودُ فرِنْدَها / شهِدَتْ مَناياها بأيدي ذرِّهِ
مولايَ سمعاً من رَقيقِك مِدحةً / هي بنتُ فكرتِه ودُميةُ قَصْرِهِ
بِكرٌ يحجِّبُها الجَمالُ وإنْ بدَتْ / ويصونُها خفرُ الدّلالِ بسَتْرِهِ
لو كان تخطِبُها النُجومُ لبَدرِها / حاشاكَ لم تُعْطِ القَبولَ لمَهْرِهِ
فاِستجلِها عذراءَ هذّبَ لفظَها / طبعٌ أرقُّ من النّسيمِ بمرّهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ المباركُ صومُه / وجزاكَ ربُّك عنه أفضلَ أجرِهِ
شهرٌ لوَ اِنّ من الوَرى أوقاتُه / عُدّتْ لرُحْتَ وأنت ليلَةُ قَدْرِهِ
واِسْعَدْ بعِيدٍ أنت فينا مِثلُه / واِفْطُرْ قُلوبَ المعتَدين بفِطرِهِ
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا / فمَحَوا بأنجُمِها مصابيحَ المُنا
وبَنوا الحِجالَ على الشّموسِ فوكّلوا / شُهْبَ السُّهاءِ برَجْمِ زوّارِ البِنا
وجلَوْا بتيجانِ التّرائِبِ أوجُهاً / لو قابلَتْ جيشَ الدُّجنّةِ لاِنْثَنا
وجرَوْا إلى الغايات فوقَ سوابِقٍ / لو خاضَ عِثيَرَها النهارُ لأوهَنا
للّهِ قومٌ في حبائِلِ حُسنِهم / قنصوا الكَرى لجفونِهم من عِندنا
غُرٌّ رَبارِبُهُم وأُسْدُ عرينِهم / سلّوا المَنونَ وأغمدوها الأجفُنا
إن زارَهُم خصْمٌ عليه نضوا الظُّبا / أو مُدنفٌ سلّوا عليهِ الأعيُنا
لم تلقَهُم إلّا وفاجاكَ الرّدى / من جَفنِ غُصْنٍ هُزَّ أو ريمٍ رَنا
تُثْنى الظُّبا تحتَ السّوابِغِ منهُمُ / سُمرَ الرِّماحِ وفي الغلائِلِ أغصُنا
من كلِّ محتجِبٍ تبرّجَ في العُلا / أو كُلِّ سافِرةٍ يحجِّبُها السّنا
نُهدى بلَمعِ نُصولِهم لوصولِهم / ونرى ضِياءَ وجوهِهم فتصُدَّنا
قسَماً بقُضْبِ قُدودِهم لخُدودِهم / كالوردِ إلّا أنّها لا تُجتَنى
كم مات خارجَ حيّهم من مُدنَفٍ / والروحُ منه لها وجودٌ في الفَنا
أسكنْتُهُم بأضالِعي فبُيوتُهم / بطُوَيلعٍ وشُموسُهُم بالمُنْحَنا
يا صاحِ إن جِئتَ الحجازَ فمِلْ بِنا / نحو الصّفا فهَوايَ أجمعُهُ هُنا
فتّشْ عَبيرَ ثَراهُ إن شِئتَ الثّرى / فالدُّرُّ حيثُ به نثَرْنا عتْبَنا
واِنشُدْ به قلبي فإنّ مُقامَه / حيثُ المَقامُ به الحجونُ إلى مِنى
وسلِ المضاجِعَ إن شكَكْتَ فإنّها / منّا لَتَعْلَمُ عفّةً وتديُّنا
يا أهلَ مكّةَ ليت مَنْ فلَقَ النّوى / قسمَ المحبّةَ بالسّويّةِ بينَنا
أطلقْتُمُ الأجسامَ منّا للشّقا / ولديكُمُ الأرواحُ في أسرِ العَنا
أجفانُكُمْ غَصَبَتْ سَوادَ قُلوبِنا / وخُصورُكم عنهُ تعوِّضُنا الضّنا
عن رِيّ غُلَّتِنا منعتُم زمزَماً / ورمَيتُمُ جَمَراتِ وجدِكمُ بِنا
ظبياتُكُم أظمأنَنا وأُسودُكم / بجداوِلِ الفولاذِ تمنعُ وِرْدَنا
ما بالُ فجرِ وصالِكُم لا ينجلي / وقُرونُكم سلبتْ ليالي بُعدِنا
أبِزَعْمِكُم أنّا يغيّرُنا النّوى / فوَحقِّكُم ما زالَ عنكمُ عهدُنا
أنخونُكُم بالعَهدِ وهْو أمانةٌ / قبضَتْ خَواطِرُنا عليهِ أرهُنا
أُخفي مودَّتَكُم فيظهَرُ سرُّها / والرّاحُ لا تَخفى إذا لَطُفَ الإنا
بِكُمُ اتّحدْتُ هَوىً ولو حيَّيْتُكُمْ / قلتُ السلامُ عليّ إذ أنتمْ أنا
للّه أيّامٌ على الخَيْفِ اِنقضَتْ / يا حبّذا لو أنّها رجعَتْ لنا
أيّامُ لهْوٍ طالما بوُجوهِها / وضَحَتْ لنا غُرَرُ المحبّةِ والهَنا
وسَقى الحيا غدَواتِ لذّاتٍ غدَتْ / فيها غُصونُ الأُنسِ طيّبةَ الجَنا
وظِلالَ آصالٍ كأنّ نسيمَها / لأبي الحسينِ يهُبُّ في أرَجِ الثَنا
ملِكٌ جلالتُه كَفَتْهُ وشأنُه / عن زينةِ الألقابِ أو حَلْيِ الكنى
سمْحٌ إِذا أثنى النّباتُ على الحيا / قصدَ المَجازَ بلفظِهِ ولهُ عَنا
قِرْنٌ لديه قِرى الجُيوشِ إذا به / نزلوا فُرادى الظّعنِ أو حِزبٍ ثُنا
للفخرِ جَرْحاهُ تلَذُّ بضَرْبه / والبُرُّ يُرضي الجُرْبَ في ألَم الهَنا
تُمسي بأفواهِ الجِراحِ حرابُه / تُثْني عليه تظنُّهُنَّ الألسُنا
سجدَتْ لعزْمتِه النِصالُ أمَا تَرى / فيهنّ من أثَرِ السُجودِ الإنحِنا
وهوَتْ عواليه الطِعانَ فأوشَكَتْ / قبلَ الصّدورِ زجاجُها أن تطعَنا
بيتُ القصيد من المُلوكِ وإّما / يأبى عُلاه بوزنِهم أن يُوزَنا
يَصبو إلى نُجُبِ الوفودِ بسَمْعِه / طَرَباً كما يَصبو التّريفُ إلى الغِنا
متسرِّعٌ نحو الصّريخِ إذا دعا / مترفِّقٌ فيه عن الجاني وَنا
فالوُرْقُ تُشفِقُ منه يُغرِقُها النّدى / فلِذاكَ نلجأُ في الغُصونِ لتأمَنا
والنارُ من فزَعِ الخُمودِ بصوبِه / فزِعَتْ إلى جوفِ الصخورِ لتكْمُنا
والمُزْنُ من حسدٍ لجودِ يَمينه / تَبكي أسىً وتظنُّها لن تَهتِنا
بطلٌ تكادُ الصّاعِقاتُ بأرضِه / حذَراً لصوتِ الرّعدِ أن لا تُعلِنا
لو أكرَمَ البحرُ السّحابَ كوَفدِه / للدُّرِّ عنّا كادَ أن لا يخْزُنا
أو يَقتَفيهِ البدرُ في سعي العُلا / لم يرضَ في شرفِ الثُريّا مَسكنا
أو بِعْنَ أنفُسَها الأهلّةُ صفقةً / منه بنعلِ حذائِه لن تُغبَنا
حُرِسَتْ عُلاهُ بالظُّبا ففُروجُها / تحكي البُروجَ تحصُّناً وتزيُّنا
لا يُنكِرَنّ الأفْقُ غبطَتَهُ لها / أوَ ليسَ قد لَبسَ السّوادَ تحزُّنا
تقفُ المنيّةُ في الزّحامِ لديه لا / تسعى إلى المهجاتِ حتّى يأذَنا
نفذَتْ إرادَتُه وألقَتْ نحوَهُ الد / دُنيا مقاليدَ العُلا فتمكّنا
فإذا اِقتضى إحداثَ أمرٍ رأيُه / لو كان ممتنِعَ الوجودِ لأمكَنا
يا مَنْ بطَلعَتِهِ يَلوحُ لنا الهُدى / وبيُمنِ رؤيتِه نَزيدُ تيمُّنا
ما الروحُ منذُ رحلْتَ إلّا مُهجةٌ / بكَ تُيِّمَتْ فخُفوقُها لن يَسْكُنا
أضناهُ طولُ نَواكَ حتّى أنّه / دلّ النحولُ على هَواهُ وبرهَنا
أخفى الهُدى لمّا اِرتحَلْتَ منارُه / فحلَلْتَ فيه فلاحَ نوراً بيّنا
قد كنتَ فيه وكان صُبحاً مشرِقاً / حتّى اِرتحلْتَ فعاد ليلاً أدكَنا
سلبَ البلا مُذ غِبْتَ ملبَسَ أرضِه / فكسَتْهُ أوبَتُكَ الحريرَ ملوَّنا
فارَقْتَه فأباحَ بعدَك للعِدى / منهُ الفُروجَ وجِئتَه فتحصّنا
أمسى لبُعدِكَ للصّبابةِ مَحزَناً / والآن أصبحَ للمسرّةِ مَعْدِنا
لا أوحشَ الرحمنُ منكَ رُبوعَهُ / أبداً ولا برحَتْ لمجدِكَ موطِنا
مولاي لا برِحَ العِدى لكَ خُضَّعاً / رَهَباً ودانَ لك الزّمانُ فأذْعنا
هبْ أنّهم سألوكَ فاِحسِنْ فيهم / لِرِضا الإلهِ فإنّه بكَ أحسَنا
لا تعجبنّ إذا اِمتُحِنْتَ بكَيدِهم / فالحُرُّ ممتَحَنٌ بأولادِ الزِّنا
فاِغضُضْ بحِلمِكَ ناظراً متيقّظاً / واِجْمَعْ لرأيكِ خاطِراً متفطِّنا
واِغفِرْ خطيئَةَ مَنْ إذا عُذْراً بَغى / وهْو الفَصيحُ غَدا جباناً ألْكَنا
إنّي لأعْلَمُ أنّ عنكَ تخلُّفي / ذَنْبٌ ولكنّي أقولُ مُضمِّنا
أضحى فراقُك لي علَيْهِ عُقوبةً / ليس الّذي قاسَيْتُ منه هيّنا
لا زالَ فيكَ المجدُ مبتهِجاً ولا / فَجعَتْ بفُرقَتِكَ العُلا نُوَبُ الدُّنا
حتّامَ أسألُها الدُّنوَّ فتنزَحُ
حتّامَ أسألُها الدُّنوَّ فتنزَحُ / وأروضُ قلبي بالسّلُوِّ فيجْنَحُ
وإلامَ لا أنفكُّ أُصرَعُ للهوى / وتَتيهُ في عزّ الجمالِ وتمرَحُ
وعلامَ تمطُلُني فيحسُنُ مطلُها / وتَسومُني الصّبرَ الجميلَ فيقبُحُ
تَجفو وما حُنِيَتْ عليه أضالعي / يحنو علَيْها والجوانحُ تجنَحُ
قلبي يضنُّ بها عليّ ومنطِقي / عنها يُكنّي والجفونُ تصرّحُ
يا لائِمي فيها وعُذريُّ الهَوى / من وجهِها الوضّاحِ عُذري أوضحُ
خُنتُ التُّقى وقطعتُ أرحامَ العُلا / إن لمْ أَعُقْ في حبِّها مَنْ ينصَحُ
لا تعذُلوا الدَّنِفَ المَشوقَ فقلبُه / كالزَّندِ يقرَعُه المَلامُ فيقدَحُ
ما بالُ تَضعُف عن ملامِك طاقَتي / وأنا الحَمول لكلِّ خطبٍ يَفدَحُ
لا يسنَحُ الأجَلُ المُتاحُ بفِكرَتي / إلّا إذا إجْلُ الجآذِرِ يسنَحُ
يا ساكِني الجرْعاءِ لا أقوى الغَضا / منكُم ولا فقدَتْ مَهاكُم توضَحُ
هل في الزّيارةِ للنّسيمِ أذِنتُمُ / فلقد أشمُّ المِسكَ منه ينفَحُ
لم تَحْسُنِ الأقمارُ بعدَ وجوهِكُم / عندي ولا نظَري إلَيها يطمَحُ
لا تُنكِروا قتلَ الرُّقادِ ببَينِكم / أوَ لَيسَ ذا دمُه بخدّي يسفَحُ
عُذراً فكم قلبي بلَيلى حيِّكُم / قد ماتَ عُذريٌّ وجُنَّ ملوَّحُ
للّه كم في سربِكُم من مُقلةٍ / تمضي وبيضُ صِفاحِها لا تجرَحُ
ولكُم بزندِكُمُ سِوارٌ أخرَسٌ / أوحى الكلامَ إلى وِشاحٍ يُفصِحُ
أبصارُنا مخطوفةٌ وعُقولُنا / بثُغورِكُم وبُروقُها لا تُلمَحُ
يُرْدى بحيِّكُمُ الهزَبْرُ مسَربَلاً / ويمرّ فيه الظّبيُ وهْو موشّحُ
لم يخشَ لولا مُهلِكاتُ صُدودِكم / بيضاً تُسَلُّ وعادياتٍ تضبَحُ
رِفقاً بمُنتَزِحٍ إليكُم رُوحه / تغدو بها ريحُ الصَّبا وترَوِّحُ
يصبو إلى برقِ الحجونِ فتَلتَظي / ويصوّبُ الدّمعَ الهَتونَ فتسبَحُ
رَعياً لأيّامِ الحِمى ورَعى الحِمى / وسقَتْ معاهدَهُ العِهادُ الرُوَّحُ
وعَدا البِلادَ الرَّوْحَ من مغنًى فلا الْ / أرواحُ فيها والقُلوبُ تروَّحُ
كلُّ المواردِ بعدَ زمزَمَ حُلوُها / بفَمي يُمَجُّ وكلُّ عَذْبٍ يَملَحُ
يا جِيرةً غلِطَ الزّمانُ بوصلِهم / فمحَوْهُ إذ وطَنوا إليه وصحّحوا
لا تطلُبوا عندي الفؤادَ فدارُه / إمّا رُبوعُ مِنىً وإمّا الأبطَحُ
يا لَيتَنا بمنى حَوانا موسِمٌ / ولكُم به نُهدي القلوبَ ونذبَحُ
خلّفتُمُ الوَجْدَ المبرِّحَ بعدَكُم / عِندي فروحي عندَكم لا تبرَحُ
ما لي وما للدّهْرِ بمُنجِزٍ / وعْدي ولا أمَلي لديْكُم ينجَحُ
أشكو الزّمانَ إلى بَنيهِ وإنّما / فسدَ الزّمانُ وليسَ فيهم مُصلِحُ
ساءَتْ خلائِقُهم فساءَ فلا أرى / شيئاً به إلّا عليّاً يُمدَحُ
الماجدُ العذْبُ الّذي في نفسِه / وبمالِه يَشْري الثّناءَ ويسمَحُ
حُرٌّ يُريكَ البِشرُ منه لدى النّدى / شِيَماً كأزهارِ الرِّياضِ تفتّحُ
شِيمٌ تصرّحُ آيةُ التّطهيرِ عن / أنسابِها وبفضلِهنَّ تُلوّحُ
قِرنٌ إذا أجرى جداوِلَ قُطبِه / أذْكَتْ على الهاماتِ ناراً تلفَحُ
طلْقُ المحيّا والجيادُ سَواهِمٌ / والبيضُ تَبسِمُ في الوجوهِ فتكْلَحُ
فطِنٌ له علمٌ يَفيضُ ومنسَبٌ / من ضرعِه دَرُّ النّبوّةِ يرشَحُ
فرعٌ ذَكا من دوحةِ الشّرفِ الّتي / من فوقِها وُرْقُ الإمامةِ تصدَحُ
علَمٌ على جعْلِ البريّةِ واحداً / للجاحدين هو الدّليلُ الأرجَحُ
هو فوقَ علمِكُمُ به فتأمّلوا / فيه فللأنظارِ فيه مَطرَحُ
هذا ملخّصُ نُسخةِ السّاداتِ من / آلِ النّبيّ ففضلُه لا يُشرَحُ
صَغُرَ المديحُ وجلّ عنه فكلُّ مَنْ / يُثني عليه فكأنّما هو يقدَحُ
إن شِئْتَ إدراكَ الفَلاحِ فوالِه / ولَكُلُّ مَنْ والى عليّاً يُفلِحُ
تَهوي الجِبالُ الرّاسياتُ وحِلمُه / في الصّدرِ لا يهوي ولا يتزحزَحُ
لا مُبدياً جزَعاً لأعظَمِ فائِتٍ / منه ولا بحُصولِ ذلك يَفرَحُ
كم بينَ شِدّةِ خوفِه ورجائِه / عينٌ تسيلُ دماً وصدرٌ يُشرَحُ
أسدٌ لديه دمُ الأسودِ من الطِّلا / أحلى ومن ريقِ الغَواني أملَحُ
تهوي مذاكِيه الصّباحَ كأنّه / لبَنٌ بخالِصِه تُعَلُّ وتُصبحُ
سبقَ الأنامَ وما تجاوزَ عُمرُه / حولاً ولم تَبلُغْ نَداهُ القُرَّحُ
كم من دُجىً أنضى أداهِمَها سُرىً / حتّى حميمُ الفجرِ منها يَنضَحُ
يستصْحِبُ النّصرَ العزيزَ بسيفِه / وبرأيهِ فدُجى الوغى يستصْبحُ
لو تُنكَحُ الريحُ العَقيمُ برِفقِه / يوماً لَبِالبَرَكاتِ كادَتْ تُلقَحُ
وافى وقد نضَبَ النّوالُ وأصبحَتْ / غُدْرُ المَطالبِ وهْيَ ملأَى تطفَحُ
وسقى العُلا عزّاً فأصبحَ روضُهُ / خِصباً ولولاهُ لكادَ يصوِّحُ
يُخفي النّدى فينمُّ عرْفُ ثنائِهِ / فيه وريحُ المِسكِ ممّا يفضحُ
أندى المُلوكِ يداً وأشرفُهُم أباً / وأبرُّهُم للمُذنِبين وأصفحُ
قُلْ للّذي حسداً يَعيبُ صِفاته / أعلِمْتَ أيَّ ضياء بدرٍ يقبُحُ
اِنظُرْ جَميعَ خِصالِه وفِعالِه / فجميعُها عِبَرٌ لمنْ يتصفّحُ
عجباً لقومٍ يكفُرونَ بها ولو / عقَلوا وما غفَلوا الصّوابَ لسبّحوا
يا اِبْنَ الأُلى لولا جِبالُ حُلومِهم / لم يَرْسُ ظهرُ الأرضِ وهْو مسطَّحُ
والكاسِب المِدَح الّتي لا تنتهي / والواهِبَ المنَحَ الّتي لا تُمنَحُ
والثّابتَ الرأي المُسدَّدِ حيثُ لا / أسَدٌ يقرُّ ولا جَوادٌ يُكبَحُ
فُزْ بالعُلا واِنْعَمْ فإنّك أهلُها / ولَها سِواكَ من الورى لا يصلُحُ
واِستَجلِ من نَظمي بدائِعَ فكرةٍ / بسِواكَ بكرُ ثنائِها لا تُنكَحُ
واِسعَد بعيدٍ مثلِ وجهِك بهجةً / تروى برؤيتِه القُلوحُ اللُّوَّحُ
عيدٌ تكمّل بالسّعودِ هِلالُه / فبَدا وأنتَ أتمُّ منه وألْوَحُ
لا زالَ شهرُ الصّومِ يُختَمُ بالهَنا / لكَ والثّوابِ وفيهِما يُستَفْتَحُ
عُجْ بالعقيقِ ونادِ أُسْدَ سَراتهِ
عُجْ بالعقيقِ ونادِ أُسْدَ سَراتهِ / أسْرى قُلوبٍ في يَدَي ظَبَياتِهِ
واِبذُلْ به نقدَ الدموعِ عساهُمُ / أن يُطلِقوها رشوةً لقُضاتِهِ
واِسألهُم عمّا بهم صنعَ الهَوى / لشقائِهِنّ به وجَورِ وُلاتهِ
هامَت بواديه القُلوبُ فأصبحتْ / منّا النّفوسُ تَسيحُ في ساحاتِهِ
إن لم تُذِقْنا الموتَ أعيُنُ عِينِه / كمَداً فأصْحانا لَفي سَكَراتِهِ
نقضي ويَنشُرُنا هَواهُ كأنّما / نفَسُ المَسيحِ يهُبُّ في نفَحاتِهِ
وادٍ إذا دارِينُ سافرَ طِيبُها / عنها غَدا متوطّناً بجِهاتهِ
إن لم تكُن بالحظِّ تعرفُ أرضَهُ / فلقد زَهَتْ أكنافُها بنباتِهِ
كمنَتْ بأكناف الرَّبارِبِ أُسْدُها / فيه الكِناسُ تُعدّ من غاباتهِ
للّهِ حيٌّ أشبهَتْ بصفاحِها / فِتيانُه اللفتاتِ من فتياتِهِ
ومحلِّ طعنٍ شاكَكَتْ برِماحها / خُفراؤُهُ القاماتِ من خَفراتِهِ
فلكٌ مشارقُه الجُيوبُ أما تَرى ال / أطواقَ في الأعناق من هالاتِهِ
تَهوي بُدورُ التِمِّ تحت قِبابِه / وتَلوحُ أنجمُه على قنواتِهِ
أسدُ النّجومِ وإن تعذّر نَيلُه / أدنى وصولٍ من وُصولِ مَهاتِهِ
دون الأماني البيض خلفَ سُتورِه / حُمرُ المَنايا في عَمود حُماتهِ
حرمٌ بأجنحةِ النّسورِ صيانةً / عضّتْ كَواسرُهُ على بَيضاتِهِ
وحمى به نصَبَ الهَوى طاغوتَهُ / فاِحْذَرْ به إن جُزْتَ فِتنةَ لاتِهِ
لم نَدْرِ أيّهُما أشدُّ إصابةً / مُقلُ الغَواني أم سِهامُ رُماتِهِ
تُغنيكَ وَجناتُ الدُمى عن ورْدِهِ / ومَراشفُ الغِزلانِ عن حاناتِهِ
سلْ عن أوانِسِ بَيضِهِ قمرَ الدُجى / فعساهُ يُرشدُنا إلى أخَواتِهِ
واِنشُدْ به إن جئتَ يانِعَ بانِه / قلبي فطائِرُهُ على عذَباتِهِ
ما بالُهُ من بَعدِ عِزِّ جَوانبي / يختارُ ذُلَّ الأسْرِ في جنَباتِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإن همُ / حكَموا على جَمعِ الكَرى بشَتاتِهِ
أمّوا العَقيقَ وخلّفوا خَلفَ الغَضا / جِسمي الفَنا وتعوّضوا بحياتِهِ
غابوا عن الدّنِفِ المفدّى طيفُهم / إن صدّقَ الرؤيا بذَبح سِناتِهِ
نسخَوا زَبورَ عَزاهُ منذُ بهَجرِهم / نسَجوا سُطورَ الدّمع في وَجَناتهِ
لولا غَوالي الدُرِّ بين شِفاهِهِم / لم يرخُصِ الياقوتُ من عَبَراتِهِ
أحيا الدُجى كمداً فخرّ صباحُهُ / ميْتاً فأوقعَهُ القَضا بِشواتِهِ
ولَجَ الهَوى فيه فأخرَجَ كِبده / فلِذا بَذيُّ الدّمعِ من حدَقاتِهِ
يُخفي صبابتَهُ ومَصدور الهَوى / نطقَ الدُموعَ الحُمرَ من نَفثاتِهِ
سيّانِ فيضُ دُموعِه يومَ النّوى / وندى عليِّ المَجدِ يومَ هِباتِهِ
فخرُ السيادة والعُلى المَلِكُ الّذي / سجدَتْ وُجوهُ الدّهرِ في عَتَباتِهِ
صِمصامَةُ الحقِّ المُبينِ وعاملُ الد / دينِ القَويمِ سِنانُ مَسنوناتِهِ
الكوكبُ الدُرّيُّ نورُ زُجاجةِ ال / مُختارِ بل مِصباحُ ذُرّياتِهِ
حرٌّ يدلُّ على كريمِ نِجادِه / طيبُ النّبوّةِ من جُيوبِ صِفاتِهِ
سمْحٌ يدُ التّصويرِ خطّتْ للوَرى / سُبُلاً إلى الأرزاقِ في راحاتِهِ
فطِنٌ له ذهنٌ إذا حقّقْتَه / أبصرْتَ نورَ اللَّهِ في مِشكاتِهِ
يَقفو ظُهورَ الكائِناتِ بحَدسِه / فيَرى وُجوهَ الغَيبِ في مِرآتِهِ
عيسى الزّمانِ طَبيبُ أمراضِ العُلا / مُحيي رُفاتِ الجودِ بعد مَماتِهِ
للَّهِ كم في عِلمِه من دُرّةٍ / مخزونةٍ كمنَتْ بِلُخِّ فُراتِهِ
إن يَعبُقِ النّادي بحُسنِ حديثِه / فلِطيبِ ما تَرويهِ لُسْنُ رُواتِهِ
متورّعٌ عفُّ المآزِر طائِعٌ / يعصي الهَوى للّهِ في خلَواتِهِ
ما أشغلَتْهُ طاعةٌ عن طاعةٍ / فصلاتُه مشفوعةٌ بصِلاتِهِ
فسلِ المضاجِعَ عن تجافِيه الكَرى / واِستخْبِرِ المحرابَ عن نغَماتِهِ
يتقرّبُ الجاني إليه لعَفْوهِ ال / مأمولِ عند السُخْطِ في زلّاتهِ
كلُّ المطالِبِ دونَه فلوَ اِنّهُ / طلبَ السِماكَ لحطّ من درجاتِهِ
لسِنٌ يُواري باللسانِ مهنّداً / تُشفى صدورُ الحقِّ في ضرباتِهِ
ما قال لا يوماً ولا عثرَ الهوى / كلّا ولا التأثيمُ في لهَواتِهِ
لو أنّ أصدافَ اللآلي أُوتيَتْ / سَمْعاً عليها آثرَتْ كَلِماتِهِ
أو للنُجومِ يُباعُ حُسنُ بَيانِه / أعطَتْ دَراريها بُدورَ بِناتِهِ
يوحي الكلامَ إلى جَمادِ يَراعِه / سرّاً فيُفصحُ عن بَديعِ لُغاتِهِ
فالدّرُّ يَدري أنّ أكرَم رَهْطِه ال / مَنثورُ والمنظوم من لفَظاتِهِ
والسحرُ يعلم أنّما هاروتُه / قلمٌ تنكّرَ في قَليبِ دَواتِهِ
قِرنٌ قَضى من تَيْمِ أبناءِ العِدى / وأذاقَ قلبَ الدّهرِ ثُكْلَ بناتِهِ
شمسٌ إذا ركِبَ الدُجنّةَ غازياً / طلعَتْ نُجومُ القَذْفِ من هَفَواتِهِ
أوَ ما تَرى وجهَ الصّباحِ قد اِكْتَسى / أثَر اِصْفِرارِ الخَوفِ من غاراتِهِ
كلُّ النجومِ تَغورُ خِيفةَ بأسِه ال / مَشهورِ حين يمرُّ نهرُ سُراتِهِ
طال اِغترابُ سُيوفِه فتوطّنَتْ / بدلَ الغُمودِ جُسومَ أُسْدِ عُداتِهِ
يَبكي اللُّهامُ دماً ويضحكُ عَضبُه / بيمينِه هُزؤاً على هاماتِهِ
وتَميلُ من طرَبٍ قَناهُ لعِلْمِها / ستبُلُّ غُلَّتَهنّ عن مُهجَاتِهِ
كاللّيثِ في وثَباتِه يومَ الوغى / والطّودِ في تمكينِه وثَباتِهِ
أيّامُه في العصرِ كالتّوريدِ في / خدّيْهِ أو كالبحرِ في لحَظاتِهِ
قد ألْبسَ الدُنيا ثِيابَ مفاخرٍ / ستَرَ الزّمانُ بها على عَوْراتِهِ
هذي ثِمارُ نَوالِه فليَقْتَطِفْ / ما يَبتغي المُحتاجُ من حاجاتِهِ
قُسِمَ الحَيا فبكفّهِ المَقصورُ وال / مَمْدودُ مقصورٌ على قسَماتِهِ
حسنٌ له وجهٌ يُريكَ إذا اِنْجلى / ماءُ السّماحِ يَجولُ في صفَحاتِهِ
وشمائِلٌ لو في السّماءِ تجسّمَتْ / كانت بُدورَ التِمِّ في ظُلُماتِهِ
يا اِبْنَ الّذين بيَومِ بَدر أزهقوا / بحُدودِ أنصُلِهم نُفوسَ طُغاتِهِ
واِبْنَ المَيامين الّذين توارثوا / عِلمَ الكِتابِ وبيّنوا آياتِهِ
من كلِّ محرابٍ يحلُّ حرامه / أو يُؤنِسُ المحرابَ في دَعَواتِهِ
سلفٌ دعَتْكَ إلى العُلا فنهضْتَ في / أعبائه وحلَلْتَ في شُرُفاتِهِ
سمعاً فدَيْتُك مِدحةً ما شانَها / ملَقُ الرِّياءِ بغشِّ تَمويهاتِهِ
لولاكَ ما صُغتُ القَريضَ لغايةٍ / ولصُنْتُ منّي النَفْسَ عن شُبُهاتِهِ
لكنّني النحْلُ الّذي أرعيتَه الن / نُعمى لديكَ فحجّ شهدةَ ذاتِهِ
ويراعُ شُكرِيكَ الّذي أسقيتَه / ماءَ النّدى فسقاكَ ماءَ نَباتِهِ
علّمتَني بنَداكَ نَسجَ حَريرِه / فكسَوْتُ عِرضَكَ خيرَ ديباجاتِهِ
واِستجْلِ بِكراً رصّعَتْ أيدي الحِجا / منها الحُلى بفُصوصِ مُبتكَراتِهِ
عذراءُ حجّبَها الجمالُ وصانَها / عمّنْ سِواكَ الفكرُ في حُجُراتِهِ
خطَبَ الزّمانُ وصالَها لمُلوكِه / فأبَتْ قَبولَ سِواكَ من ساداتِهِ
حلّت محلَّ العِقدِ منك فأشبَهَتْ / كَلِماتُها المنظومَ من حبّاتِهِ
نقَشَتْ خواتِمَها بكُم فلأجْلِ ذا / ختَمَ الزّمانُ بها على جَبهاتِهِ
مولايَ لا برِحَ الزّمانُ بجيدِه / مغلولةً عنكمْ يَدا نَكَباتِهِ
وبقيتَ تَلقى العيدَ في نهجِ العُلا / أبداً وعادَ عليك في برَكاتِهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ الشريفُ وصومُه / وثوابُ واجِبه ومندوباتِهِ
فرّغْتَ فيه القلبَ عن شُغلِ الهَوى / وعصَيْتَ ما يُلهيكَ عن طاعاتِهِ
وعليكَ رِضوانُ المُهيمنِ دائِماً / وصلاتُه وأجلُّ تَسليماتِهِ
ما بالُ وِتْرِ صلاتِكُم لا يُشْفَعُ
ما بالُ وِتْرِ صلاتِكُم لا يُشْفَعُ / وعلامَ فيكمُ مُفرَدي لا يُجمَعُ
وإلامَ أرجو قُربَكم وشُموسُكم / عن رَدِّهنّ إليّ يعجِزُ يوشَعُ
غِبْتُم وصيّرتُ الحَمائمَ بعدَكُم / إلْفاً ولكنّي أنوحُ وتَسجَعُ
وشقَقْتُ بعدَكمُ الجيوبَ ففصّلَتْ / منهنّ لي حُمرَ الثّنايا الأدمعُ
حتّام أطلبُ سَلسبيلَ وصالِكم / وأُرَدَّ عنهُ وعِلّتي لا تَقنَعُ
إنّي لأعجَبُ من حِفاظِ عُهودِكم / عندي وجِسمي في الرّسومِ مُضيّعُ
هجرَ الضّنى جَسَدي لوَصْلِكُمُ النّوى / إذ للضّنى لم يَبْقَ فيهِ مَوضِعُ
وتشارَكَتْ في قَتْلِ نَومي خمسةٌ / سهَرُ اللّيالي والدّموعُ الأربَعُ
للّهِ من رَشَقاتِ نَبْلِ جُفونِكُم / فلهُنّ وَقْعٌ في القلوبِ وموقِعُ
وبمُهجَتي نارٌ على وَجَناتِكُم / تُوري وماءُ الحُسنِ منها يَنبَعُ
باللّهِ يا لُعْسَ الشِّفاهِ لصَبِّكُم / أدّوا زكاةَ كُنوزِها لا تَمنَعوا
منطَقْتُمُ خَصْري بخاتَمِ خِنصري / حيثُ اِسْتَوى جِسمي بكُم والإصبَعُ
وإفاقةَ المُضنى بكُم ونِطاقُه / بنَفيسِ ياقوتِ الدُموعِ مرصَّعُ
جحدَتْ جُفونُكم دَمي وخُدودُكم / فيهنّ منهُ شُبهةٌ لا تُدفَعُ
وعذَلْتُموني إذ خلَعْتُ بحُبِّكُم / عُذري فعُذري عندَكُم لا يُسمَعُ
لو تَعزِمونَ بواسِعاتِ عُيونِكم / لعلِمتُموني أنّ عُذري أوسَعُ
كم يا سَراةَ الحيِّ فوقَ صُدورِكم / من حيّةٍ تَسعى لقَلبي تلسَعُ
ولكَمْ بكُم قمرٌ تبرْقَع بالسّنا / وجَبينُ شمسٍ بالظّلامِ مقنَّعُ
للّهِ كم بعيونِ عينِ كِناسِكمْ / من ضَيغَمٍ يسطو وآخرَ يصرَعُ
غَصَبَتْ غُصونَ قُدودِكُم دُوَلُ القَنا / فغدَتْ لعزّتها تَلينُ وتَضرَعُ
واِستخدَمَتْ أجفانُكُم بيضَ الظُّبا / فعصيُّهُنّ لها مُجيبٌ طيّعُ
كلُّ العَوارضِ دُونَكم يومَ النّوى / عند الوَداعِ تَزولُ إلّا البُرْقُعُ
يا لَيتَهُ أضحى لنَبْلِ لِحاظِهم / هدَفاً فخَرْقُ سِهامِها لا يُدفَعُ
كيف المَزارُ ودارُكم من دونِها / سُمرٌ مشرّعةٌ وبيضٌ تلمعُ
منعَ النّسيمُ بها عِناقَ غُصونِها / فيدُ الصَّبا لو صافحَتْها تُقطَعُ
يا جيرَةً جاروا عليّ فزلزَلوا / منّي الفؤادَ ورُكْنَ صَبري زَعْزَعوا
ما حِيلَتي بعدَ المَشيبِ لوصلِكُم / وصِبايَ عندَ حِسانِكُم لا يَنفَعُ
أشكو إلى زَمني جفاكُم وهْو من / إحدى نوائِبهِ ومنها أفظَعُ
يا قلبُ لا تَلقى ولا تَكُ واثِقاً / بالبِشْرِ منهُ فإنّه متصنّعُ
وببرّهِ لا تَسْتَعزَّ فإنّه / فخٌّ بحبّتِهِ يَكيدُ ويخدَعُ
كم في بَنيه ظالِمٍ متظلّمٍ / كالذئبِ يَقتَنِصُ الغَزالَ ويطلُعُ
لم يبقَ فيه كريمُ كُفؤٍ يُرتجى / إلّا عليٌّ والسّحابُ الهُمّعُ
نجْلُ الكِرامِ أخو الغَمامِ وصاحب ال / فَضلِ التّمامِ أخو الحُسينِ الأروَعُ
سمحٌ تفرّد بالنّوالِ وإنْ غَدا / وَكْفُ السّحابِ لكفّهِ يتتبّعُ
يَهمي وتَهمي المُعصِراتُ وإنّما / هذا لهُ طَبْعٌ وتِلكَ تطبُّعُ
للّهِ شُعلةُ بارِقٍ لا تَنطَفي / في راحتَيْهِ وديمةٌ لا تُقلِعُ
بحرٌ بيومِ السِّلْمِ يَعذُبُ وِرْدُه / ويعودُ يومَ الحرْبِ ناراً تسفَعُ
لو تَسْبَحُ الأقمارُ في فلَكٍ به / لم تستطعْ في العامِ يوماً تطلُعُ
ولوَ اِنَّ حوتَ الأفْقِ يَسْكُنُ لُجّةً / كادَتْ لعَنبرِهِ الدُّجُنّةُ تُقلِعُ
أنشا من العدمِ المكارمَ فاِغْتَدى / منها يصوّرُ ما يشاءُ ويُبدِعُ
فطِنٌ تنوّر قلبُه من ذِهنِه / فظِباؤُه بضَميرِه تتشعْشَعُ
فكأنّ عينَ الشمسِ كانت ضرّةً / تَسقيهِ من لبَنِ الصّباحِ وتُرضِعُ
راجي نَداهُ لَدَيْهِ يَعذُبُ بأسُهُ / فيكادُ في دُرِّ الكَواكِبِ يَطمَعُ
وجيادُه في الغَزْوِ يُعطِشُها السُّرى / فتكادُ في نَهْرِ المجرّةِ تَكرَعُ
فضلَ المُلوكَ وطينُهُ من طينِهم / ومنَ الحجارةِ جوهرٌ واليَرْمَعُ
يرنو إلى درَقِ الحَديد هوىً كما / يَرنو إلى ورَقِ اللُجَيْنِ المُدْقِعُ
ويَميلُ صبّاً للرّماحِ كأنّهُ / صبٌّ بقاماتِ المِلاحِ مولَّعُ
كالقلبِ في صدرِ الخَميسِ تظنّه / في جانِبَيْهِ من الصّوارِمِ أضلُعُ
يَسطو وأفواهُ الجِراحِ فواغِرٌ / تَشكو وألسِنةُ الأسنّةِ تلذَعُ
لم يرْوَ من ماءِ الفُراتِ حُسامُه / كالنّارِ من إضرامِها لا تَشبَعُ
لو أريَحيّتُه تهزُّ لدى النّدى / جَذْعاً لأوشَكَ باللآلئ يَطلُعُ
بثَناهُ يَلهَجُ كلُّ ذي روحٍ فلو / نطقَ الجَمادُ لكانَ فيه يصْدَعُ
تهوي لعزّتِه الرؤوسُ مَهابةً / ولوَجهِه تَعنو الوُجوهُ وتخضَعُ
يَبدو فكم من دَعوةٍ مشفوعةٍ / في حاجةٍ تُهدى إليه وتُرفَعُ
لمعادِنِ الأرزاقِ من أكْمامِه / طُرُقٌ وللبحرَيْنِ فيها مَجمَعُ
عجباً له يسَعُ القَميصَ وإنّه / لو كان شمساً لم تَسَعْهُ بَلْقَعُ
لا يَبلُغَنّ إليه سهمُ مُعانِدٍ / لو كان في قَوسِ الكَواكِبِ ينزِعُ
دانَتْ له الأيّامُ حتّى لو يشا / عَوْداً لماضِيها لكانتْ تَرجِعُ
نظرَ العُفاةُ نوالَهُ فاِستَبْشَروا / ورأى العُداةُ نِزالَهُ فاِستَرجَعوا
يا اِبْنَ المَيامِينِ الّذين على الوَرى / بالفَضْلِ قد أخذوا العُهودَ وبُويِعوا
حازوا العُلا إرْثاً ومن آبائِهم / عرفوا أصولَ المَكرُماتِ وفرّعوا
ما الحَوْزُ بعد نَداكَ إلّا مُقلةٌ / مطروفةٌ فدُموعُها لا تهجَعُ
لبِسَتْ مشارِقُها الظّلامَ فشَمْسُها / لا تنجَلي حتّى جَبينُك يَطلُعُ
أحيَيْتَها بالعَوْدِ بعد مَماتِها / وكذا بعَوْدِ الغَيثِ تحْيا الأربُعُ
فارَقْتَها فكَأُمِّ موسى قلبُها / يُبدي الصّبابةَ فارغاً يتوجّعُ
ورجَعْتَ مَسروراً فقرّتْ باللِّقا / عَيناً وقرّ فؤادُها المتفزّعُ
ناداكَ من نورٍ علَيْها دوحةٌ / صَفوٌ به أزكى الأصول وأينَعُ
فوطأْتَ أشرفَ بُقعةٍ قد قُدِّسَتْ / ولبِسْتَ خِلعةَ إنّ نعلَك يُخلَعُ
وخُصِصْتَ بالرّؤيا هناك وفُزْتَ في / شرفِ الخِطابِ ولذّ منكَ المسمَعُ
فليَهنِكَ الشّرفُ الممَجّدُ وليَفُزْ / في عودِك المَجدُ التليدُ الأرفعُ
مولايَ لم أُهْد القَريضَ إليكَ من / طمَعٍ ولا بي عن عَطاكَ ترفُّعُ
لكنّني قد خِفْتُ يسرِقُ دُرَّه ال / متشاعِرونَ وفي سِواكَ يضيَّعُ
وهواكَ ألجاني لذلك والهَوى / سحرٌ به يُنشا القريضُ ويُصْنَعُ
فاِستَجلِها بِكراً يقلّدُها الثّنا / بالدُرِّ منهُ وبالحَرير يلَفَّعُ
عذراءَ قد زُفَّتْ إليكَ وإنّما / منها الوصالُ على سِواكَ ممنّعُ
قد طرّزَتْ بسنيّ مدحِك بُرْدَها / فكأنّما هوَ بالحَرير مجزَّعُ
وتمسّكَتْ بذُيولكُم فتمسّكَتْ / أردانُها من طيبِكُم والأذرُعُ
محبوبةٌ سفرَتْ إليك ووجهُها / منّي بحُسنِ الإعتذارِ مبرقَعُ
خشيتْ مُشاركتي بذَنبِ تخلّفي / عنكم فكان لها لديكَ تسرُّعُ
سبقَتْ لتشفعَ لي إليك وإنّما الْ / وجهُ الجَميلُ لدى الكِرامِ يُشفَّعُ
زهراءُ مطلَعُها بأفْقِ ثنائِكُم / وخِتامُها مِسكٌ بكُم يتضوّعُ
سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ
سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ / فهَوَتْ نُجومُ مَدامِعي بخُدودي
وتلاعَبَتْ فرَحاً بهِم فتَياتُهم / فطَفِقْتُ أرسُفُ في الهوى بقُيودي
وعلى الحِمى ضرَبوا الخيامَ فليتَهُم / جعلوا من الأطْنابِ حَبلَ وريدي
عهدي بهم تحيا الرّسومُ وإن عفَتْ / فعلامَ أحشائي ذَواتُ هُمودِ
وحياتِهم لولاهُمُ ما لذّ لي / شهدُ الهَوى المَسمومُ بالتّفْنيدِ
كلّا ولا اِستعذَبتُ سائِلَ عَبرةٍ / لولا مُلوحَتُها لأوْرَقَ عودي
تفدي القنا ما في مناطقِهم وإنْ / هي أشبهَتْ شَدّاتِها بعُقودِ
نفرٌ تكادُ لِطيبِهم بأكفّهم / تَحكي ذوابلُهم رَطيبَ العودِ
لا زالَ في وَجَناتِهم ماءُ الصّبا / يَسقي رياضَ شقائقِ التّوريدِ
وسقَتْهُمُ مُقَلُ الغَمامِ منَ الحَيا / دَمْعاً يخدِّدُ وجْنةَ الجُلْمودِ
للّهِ فيهِم أسرةٌ لا تُفتَدى / أسْرى الهَوى من سجنِهم بنُقودِ
كم من قُلوبٍ بينهُم فوقَ الثّرى / وجَبَتْ وأيْدٍ أُلصِقَتْ بكُبودِ
تَلقى المنيّةَ بين بيضِ خُدودِهم / بسطَتْ ذراعَيْها بكلِّ وَصيدِ
تحت المغافِرِ والغفائِرِ تنجلي / منهم بُدورُ أسرّةٍ وسُعودِ
ضربوا القِبابَ من الحرير وزرّروا ال / أبوابَ منها في نُصولِ حَديدِ
رقّتْ خُدودُهُمُ فرقّ تغزُّلي / وقَسَتْ قلوبُهمُ فلانَ شَديدي
طلبوا حِفاظَ رِهانِ أربابِ الهوى / فاِستودَعوها في حِقاقِ نُهودِ
وحموا الثّغورَ فطاعَنوا من دونِها / برِماحِ خطٍّ أو رِماحِ قُدودِ
ما خِلْتُ قبلَ ثُغورهم أن يُنبِتَ ال / ياقوتُ بيضَ اللّؤلؤِ المَنضودِ
ولوِ اِستطَعْتُ بأن أُجَسِّمَ لفظَهُم / لنظَمْتُ منه قلائِدي وعُقودي
في الكَرْمِ معنىً سرُّه لشفاهِهم / نمّتْ عليه معاصرُ العُنقودِ
بعثوا إليّ الطّيفَ في طلبِ الكرى / فأتى وردّ إليهم بهُجودي
يا صاحِ هذا حيّهُم فاِنزِلْ به / واِنشُدْ هنالكَ مُهجةَ المَعمودِ
بمعارجِ الأقمارِ من تَلَعاتِه / عرّجْ فثمّ مهابِطُ المَقصودِ
وأطِلْ بعَرصَتِهِ السّجودَ فإنّما / مسعاكَ منه في محلِّ سُجودِ
واِلثِمْ حَشاهُ مفتّشاً في تُربِه / فهناك ضيّعتِ الحِسانُ عُهودي
وهناك ألقيتُ العصا وأناخَ بي / حادي الهَوى ووضعْتُ ثمّ قُتودي
يا حبّذا عصرٌ على السّفحِ اِنقضى / ولذيذُ عيشٍ بالعقيقِ رَغيدِ
عصرٌ بسَمعي إذ يمرُّ حديثُهُ / يحلو لديّ به فناءُ وُجودي
ما لي وما للدّهرِ لا أصحو به / من سُكرِ بَيْنٍ أو خمارِ صُدودِ
أوَ ما كَفَتْهُ نائِباتُ خُطوبِه / حتّى رَماني في صُدودِ الغِيدِ
ما بالُ أهوى البيضَ منها وهْي في / فَوْدَيَّ تُنكِرُها وتعشَقُ سُودي
لا تُنكِري يا بيضُ بيضَ مَفارِقي / فلرُبَّ شانٍ ذمّ شأنَ حَميدِ
أنا مِجْمَرٌ والشيْبُ نارُ تسَعُّري / وسوادُ فَوْدي مثلُ لونِ خُمودي
ليس الحُسامُ إذا تجرّد متنُه / في الضّرْبِ مثل الصّارمِ المَغمودِ
حتّام تجرَعُ يا فؤادُ من المَهى / ومن الزّمانِ مرارةَ التّنكيدِ
وتَميلُ للبيضِ الحِسانِ تطرُّباً / مَيلَ العَليّ إلى خِصالِ الجودِ
خيرُ الملوكِ سَليلُ أكرَمِ والدٍ / خلَف الغطارِفةِ الكِرامِ الصيدِ
حرٌّ أتى بعد النبيّ وآله ال / أطهارِ للتأسيسِ والتأكيدِ
سمْحٌ إذا اِنتجَعَ العُفاةُ بنانَهُ / هطلَتْ سحائِبُها بغيرِ رُعودِ
عَضْبٌ إذا ما العَزْمُ جرّد حدَّهُ / ضربَتْ بشعْرَتِه يدُ التأييدِ
رامٍ إذا اِشتدّ النِصالُ تنصّلَتْ / منه سِهامُ الرأيِ بالتّسديدِ
قاضٍ إذا اِختلفَ الخُصومُ كأنّما / فصْلُ الخِطابِ رواهُ عن داودِ
بطلٌ أساوِدُ لُدنِه يومَ الوغى / تذَرُ الأسودَ فرائِساً للسِّيدِ
ذو راحةٍ مَزبورةٌ بخطوطِها / آياتُ وعدٍ بُيّنَتْ ووَعيدِ
وعزائِمٍ يومَ الكفاحِ لدى اللّقا / قامَتْ مَقامَ الجَحْفَلِ المَحشودِ
تتنفّسُ الصّعَداءَ خوفَ صِعادِه / مُهَجُ العِدا فتذوبُ بالتّصعيدِ
عدَمُ الشّريكِ له بكلِّ فضيلةٍ / يقضي لهُ بمزيّةِ التّوحيدِ
طلبَ العُلا بسُيوفِه فاِستخرَجَتْ / بالفتْكِ جوهرَ كنزِها المرصودِ
حظُّ العدوّ لديه بيضُ حديدِه / والوفد حُمرُ نُضارِه المَفقودِ
وافى العُلا من بعدِ طولِ تأوّدٍ / فأقامَ ما فيها منَ التأويدِ
وتعطّلَتْ بئرُ النوالِ وإنْ نَشا / ظفَرَ العُفاة بعذبِها المَورودِ
ملكٌ كأنّي إن نطَقْتُ بمدحِه / شتّتُّ في الأسْماعِ سِمْطَ فَريدِ
فكأنّني للناشِقينَ أفُضُّ عن / مختومِ مِسْكٍ فيه عند نَشيدي
لو تشعُرُ الدُنيا لقالَتْ إنّ ذا / مضمونُ أشعاري وبيتُ قَصيدي
لو تُنصِفُ الأيّامُ لاِعترَفتْ له / بفضيلةِ المَولى وذُلِّ عَبيدِ
لو لم تُنافِسهُ النجومُ على العُلا / خدمَتْ رَفيعَ جنابِه المَحسودِ
تَلقى برؤيتِه المُنى أوَ ما تَرى / عُنوانَه بجبينِه المَسعودِ
تجري بأجمعِهِ المحبّةُ للنّدى / جرْيَ الصّبابةِ في عُروقِ عَميدِ
وأشدُّ فَتْكاً في الكُماةِ بنَصلِهِ / من لحظِ مودودٍ بقلبِ وَدودِ
قبَسٌ يكادُ إذا تسعّرَ بأسُهُ / عنهُ تسيلُ الدِّرْعُ بعدَ جُمودِ
لو تَرتَمي في اليمِّ منه شرارةٌ / لغدَتْ به الأمواجُ ذاتَ وُقودِ
تأوي أسنّتُه الصّدورَ كأنّما / خلطَ القُيون حديدَها بحُقودِ
والبيضُ حيث بُدورُها اِعترفَتْ له / بالفَضْلِ أكرمَها بكلِّ جُحودِ
ما فاتَهُ فخرٌ ولا ذمُّ الوَرى / يَرْقى لِكُنْهِ مقامِهِ المَحمودِ
بِنداهُ يخضرُّ الحصى فكأنّما / أثَرُ الصّعيدِ له بكلِّ صَعيدِ
فالمَجْدُ مَقصورٌ عليه أثيلُهُ / والعزُّ تحتَ ظِلالِه المَمْدودِ
موْلىً شوارِدُ فضلِهِ ونوالِه / فينا تَفوتُ ضوابِطَ التّحديدِ
كلُّ المَفاخِرِ والمناقِبِ جُمِّعَتْ / فيه على الإطْلاقِ والتقْييدِ
يا اِبنَ المَصاليتِ الّذين بسَعْيِهمْ / حازوا العُلا منْ طارِفٍ وتَليدِ
ورَوَوْا أسانيدَ المفاخرِ والتُقى / في عزِّ آباءٍ لهُم وجُدودِ
رهْطٌ بهم شرَفُ الأنامِ وعنهُمُ / نُقِلَتْ أصولُ الذِّكرِ والتّحميدِ
وضعوا لكَ المجدَ الأثيلَ وأسّسوا / فرفَعْتَهُ بقواعِدِ التّمْهيدِ
زخْرَفْتَهُ ونقشْتَ فيه لمنْ يَرى / صوراً من التّعظيمِ والتّمجيدِ
لولا وُرودُك للجزيرةِ ما زَهَتْ / وَجناتُ جنّاتٍ لها بورودِ
كلّا ولا سحَبَتْ على ساحاتِها / أغصانُ قاماتٍ ذُيولَ بُرودِ
فارَقْتَها فخشيتُ بعدَك أنّها / تُضحي كما أضحتْ ديارُ ثَمودِ
كانت بطوفانِ المهالك فاِغتَدَتْ / لمّا رَجَعْتَ على نجاة الجودي
أنقَذْتَ أهليها ولو لم تأتِهم / ما قومُ لوطٍ منهمُ بسَعيدِ
اللّهُ حسبُك كم غفَرْتَ لمُذنِبٍ / منهم وكم أطلَقْتَ من مَصفودِ
فليهنها الرحمنُ منك برجعةٍ / فيها رُجوعُ سُرورِها المَفقودِ
واِلبَس ثِيابَ الأجرِ صافيةً فقدْ / بعثَ الصّيامُ بها رسولَ العِيدِ
لا زِلْتَ للإسلامِ أشرفَ كعبةٍ / لم تَخْلُ يوماً من طَوافِ وُفودِ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ / لا ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
فلَقَ الدُجى بعَمودِه الفجرُ / وبكى النّدى وتبسّمَ الزّهرُ
وتنفّسَ النّسرينُ عن عبقٍ / منهُ بأذيالِ الصَّبا عِطْرُ
والوقتُ قد لطُفَتْ شمائِلُهُ / فصَفا ورقَّ وراقَتِ الخَمْرُ
فاِنهَضْ على قدمِ السّرورِ إلى / شمسٍ يَطوفُ بكأسِها بَدْرُ
بِكْرٌ إذا ما الماءُ خالَطَها / منها تولّدَ لؤلؤٌ نَثْرُ
عَذراءُ ما لبَني الخلاعةِ عنْ / خَلْعِ العِذارِ بحبُّها عُذْرُ
نفسٌ من الياقوتِ سائِلةٌ / روحٌ ولكنْ جِسمُها تِبْرُ
تَبدو براقِعُها فتحسَبُها / برداً تلظّى تحتَهُ جَمْرُ
نورٌ يكادُ فؤادُ شارِبِها / للعَينِ منها ينجَلي السّرُّ
لطُفَتْ فخِلنا ذات جوهرِها / فنِيَتْ وقامَ بنفْسِها السُّكْرُ
تذَرُ الزُّجاجَ بلَونِها ذهَباً / فلها بعِلْمِ الكيميا خبَرُ
وكأنّ سرَّ المومياءِ لها / فيها لكَسْرِ قُلوبِنا جَبْرُ
وكأنّما راوُوقُها دَنِفٌ / أجرى عَقيقَ دموعِهِ الهَجْرُ
ومُهَفهَفٍ كالشمسِ طلعَتُه / بالجيدِ منهُ كواكبٌ زُهْرُ
شُغِفَتْ بقامَتِه القَنا فلِذا / ألوانُها لشحوبِها سُمْرُ
ورأى البهار شَقيق وجْنَتِها / فخُدودُها كَلَفاً بهِ صُفْرُ
بوِشاحِه معنى عِبارتِه / رقّتْ ودقّقْ شرْحَها الخَضْرُ
وبلحظِه وفؤادِ وامقِه / سُكْرٌ له بكِلَيْهِما كَسْرُ
باتَتْ تُضاحِكُني براحتِه / راحٌ كأنّ حَبابَها ثَغْرُ
فأرضته بعدَ الجِماحِ بها / حتّى تسهّلَ خُلقُه الوَعْرُ
نظمَ الهوى عقدَ العِناقِ لنا / ومنَ العَفافِ تضمّنا أُزْرُ
رفعَ الشّبابُ حِجابَ أوجهنا / ومن الفتوّةِ بينَنا سِتْرُ
ولكم عرجتُ إلى محلِّ عُلاً / فوقَ السِّماكِ وتحتَهُ الغَفْرُ
بمطهَّمٍ مثلِ الظّليمِ إذا / ما شدّ قُلْتُ بأنّهُ صَقْرُ
تَدري المَها أن لا نَجاةَ لها / منهُ ويعلَمُ ذلكَ العُفْرُ
فإذا له آجالُها عرضَتْ / عرضَتْ لها آجالُها الحُمرُ
مثلُ الرّياحِ رواحُ أربعةٍ / شهرٌ وسَيرُ غُدوّها شَهْرُ
كمُلَتْ صِفاتُ الصّافِناتِ به / فبذاتِه لجميعِها حَصْرُ
يجري ويجري الفِكرُ يتبَعُهُ / فيَفوتُ ثمّ ويحسَرُ الفِكرُ
ويكاد أن يرِدَ السّماءَ إذا / ظنّ المجرّةَ أنّها نَهْرُ
أطلَعتُ منه سَهمَ حادثةٍ / يرمي به عن قوسِه الدّهْرُ
حتّى بلغْتُ أبا الحُسين به / فبلغْتُ حيث يُرَفرِفُ النّسرُ
حيث العُلا ضربَتْ سُرادقه / فيه وحلّ المجدُ والفخرُ
حيث التُّقى والفضلُ أجمعُهُ / تأوي إليه ويأمَنُ البرُّ
فوثِقْتُ منذُ حلَلْتُ ساحتَهُ / أن لا يحِلَّ بساحَتي فَقْرُ
ما زالَ يقذِفُ لي جواهرَهُ / حتّى علِمْتُ بأنّه بحرُ
يُجدي ندىً ويُفيدُ مسألةً / فنوالُه وكلامُه دُرُّ
فوقَ الخصيبِ محلُّ رِفعتِهِ / وبهِ الخَويزةُ دونَها مِصْرُ
كم من أيادِيه لديّ يدٌ / ما ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
أُمّوا بنا نحوَ العقيقِ وأدْلِجوا
أُمّوا بنا نحوَ العقيقِ وأدْلِجوا / وقِفوا على تلكَ الرّبوعِ وعرّجوا
واثْنوا الأعنّةَ نحو سكّانِ اللّوى / واِلوُوا بأعناقِ المطيّ وعوّجوا
فإذا لكم بدتِ الرّسومُ فأمْسِكوا / أكبادَكُم حتّى يدَيكُم تنضجُ
فهُناكَ حيٌّ للعُيونِ تنزّهٌ / فيهِ وللقَلبِ الشجيّ تبَهّجُ
حيٌّ على الوادي كأنّ قِبابَه / كُثُبٌ ينوّعُها الحَيا ويُزَبْرِجُ
حرمٌ تَرى من دونِ بيضةِ خِدرِه / كم فيهِ بيضةُ خادِرٍ تتدَحْرَجُ
عذْبُ المناهِلِ غيرَ أنّ وُرودَها / نارُ المَنايا دونَه تتأجّجُ
يُمسي بأربُعهِ لنيرانِ القِرى / وفْدٌ وللبيضِ الرِّقاقِ تموُّجُ
لكواكِبِ الفِتيانِ فيه تحجّبٌ / ولأنجُمِ الفَتَياتِ فيه تبرُّجُ
أوراقُهُ تُشْجي ورَجْعُ قيانِهِ / أشْجى وأوقَعُ في النّفوسِ وأوهَجُ
كم فيهِ ظبيٌ بالحَرير مسَرْبَلٌ / وهِزَبْرُ حربٍ بالحَديدِ مدَجَّجُ
ورفيعُ مجدٍ بالنّجيعِ مخضّبٌ / وصريعُ وجدٍ بالدّموعِ مضرّجُ
ولكَمْ به شمسٌ تقلّد جيدُها / شُهُباً وبدرٌ بالهِلالِ مدَمْلَجُ
بصعيدِه تشفى العُيونُ وتنْجَلي / فكأنّ كلَّ حصىً عليه دهنَجُ
للّهِ أيّامٌ لنا سلفَتْ به / ولَيالُ وَصْلٍ صفوُها لا يُمزَجُ
أوقاتُ أنسٍ كالعرائِسِ بهجةً / يا ليتَها بالبَيْنِ لا تتزوّجُ
كالعِقْدِ كان نظامُها فتفرّقَتْ / فحكَتْ ثَنايا الغُرّ وهْو مفلَّجُ
حيّا الحَيا العَرَبَ الألى لضيوفِهِم / نسجوا به بُسْطَ الحرير ودبّجوا
وبمُهجَتي منهم عليّ أعزّةٌ / دخلوا الفؤادَ ومنه صبري أخرجوا
صُبْحُ الوجوه ترى على جبَهاتِهم / تزهو مصابيحُ الجمالِ وتُسرَجُ
أخذوا جِيادَهُمُ أهلّةَ عسْجَدٍ / وبأنْجُمِ البيضِ الحديدِ تتوّجوا
لم أنْسَ موقفَهُم وقد أرِقَ النّوى / والريحُ تُحدى للرّحيلِ وتُحدَجُ
ساروا فكم قمرٍ على فرسٍ بَدا / فيهِم وكم شمسٍ زَواها هودَجُ
ولَرُبّ سافرةٍ غَداةَ رحيلِهم / ذهلَتْ وأفزَعَها الفِراقُ المُزعِجُ
تبكي وتذري كحلَها بدمُوعِها / فيعودُ وردُ الخدِّ وهوَ بنفسَجُ
لم أدرِ قبل أرى الدموعَ بجَفنِها / أنّ اللآلي البيض قد تتنسّجُ
حتّامَ أطلبُ للنجومِ فأرتَقي / وأهِمُّ في وصلِ النجومِ فأعرُجُ
وأضلَّ في لَيلِ الغوايةِ والهوى / وبياضُ شَيبي فجرُهُ يتبلّجُ
ما كُنتُ أوّلَ مُدْنَفٍ بفؤادِه / لعِبَ الهَوى وسَباهُ طَرْفٌ أدْعَجُ
وإلامَ تُطمِعُني الحِسانُ بوصلِها / وعُهودُهنّ قضيةٌ لا تُنتَجُ
وأقولُ إنّ الدهرَ يسْمحُ باللِّقا / ونَوى الأحبّةِ كُربةٌ لا تُفرَجُ
تعِسَ الزّمانُ وليسَ فيه منظرٌ / حسنٌ إذا جرّبْتَهُ لا يسمُجُ
هل فيه للظّنِّ الجميلِ معرَّسٌ / أو للقوافي السائِراتِ معرَّجُ
همدَتْ مرابعُه فليس به سوى / مَغنى عليٍّ روضةٌ تتأرّجُ
غيثٌ إذا ما النّبْتُ صوّحَ والكَلا / أولى ووجهُ الأرضِ لا يتدجّجُ
أنّى أتيتَ ربوعَهُم فرِياضُها / خُضْرٌ ووُرْقُ المَكرُماتِ تثجّجُ
قاسَ الأنامُ به الغمامَ وما يروا / أنّ الغَمامَ بجُودِه يتسرّجُ
لو في سِباخِ الأرضِ يمطُرُ كفُّهُ / بالتِبْرِ فيها نوّرَ الفَيروزَجُ
خُلِقَ النّدى خُلُقاً له فإنِ اِدّعى / فيهِ سواهُ فأحْولٌ يتغنّجُ
أفديهِ بالمتصنّعينَ فإنّهم / ماءٌ عليهِ طُحلُبٌ يتفَلْذَجُ
يا منْ أظلَّ الرّزْقُ ملكَ بَنانِه / فيها إليه بكلِّ حظٍّ منهَجُ
جُمِعَتْ به مِيمُ الكِرامِ فأصبحَتْ / لُجَجاً بعَشْرِ بنانِه يتخلّجُ
سمْحٌ إذا ما الدّهرُ أصبحَ كالحاً / منهُ تبلّجَ فيه وجهٌ أبْلجُ
هو للعُلا زنْدٌ وللدنيا إذا / ما اِسودّتْ الأيّامُ خدٌّ أنعَجُ
دعْ عنكَ أخبارَ الكِرامِ فإنّه / هو زُبدةٌ يَكفيكَها ونَموذَجُ
عَذُبَتْ مواردُه وطاب فمَنُّه / بالمَنِّ عندَ الوِردِ لا يتأجّجُ
بصفاتِه كم ضلّ عقلٌ واِهتدى / بضيائِه في الليلِ سارٍ مُدلِجُ
قبَسٌ يهزُّ خليجَ فولاذٍ به / غَرْقى النّفوسِ الخائِناتِ تلجّجُ
يجتازُ ريحُ السُخطِ فيه فيلْتَظي / ويمرّ برْدُ العَفوِ فيه فيثلُجُ
رضعَ الرّدى حتّى ترشّح جسمُه / لبَناً فأصبح فوقَهُ يترجْرَجُ
تُمسي الأسودُ على الثّرى صرعى إذا / شهِدَتْ نِمالَ الموتِ فيه تَدْرُجُ
بطلٌ أسنّتُهُ تنضْنَضُ بالسَّنا / منهنّ ألسنةُ الرّدى وتلجْلَجُ
فيه تثقّفتِ الرّماحُ فأوشكَتْ / تنسابُ من يدِه القَناةُ فتخْلجُ
وتَشحّذَتْ بيضُ السيوفِ بعزمِه / فمضَتْ وكادَ كَهامُها يتسرّجُ
تلقى عوامِلُها الجُموعَ إذا سَطا / فكأنّها ألِفاتُ وَصْلٍ تُدْرَجُ
آباؤهُ حُجَجُ الإله وحَجّهُ / فرضٌ على ذي حاجةٍ يتحوّجُ
من عِترةٍ في جودِهم ووجودِهم / أمِنَ الوَرى نُوَبَ الزّمانِ وأبلَجوا
رهْطٌ بهِم طابَتْ وزادَتْ يثرِبٌ / شرَفاً وعزّتْ أوسُها والخزرَجُ
لو يُقسمُ الدّاعي بهم يوماً على / صُمّ الجِبالِ لأقبلَتْ تتخزلَجُ
ركبوا الخُطوبَ وألجموها بالظُّبا / فلهُم جوامحُها تُراضُ وتُسْرَجُ
قرنوا السّماحةَ بالشجاعةِ مثلَ ما / بالعفوِ قد خلطوا العَفافَ وأدمَجوا
وتفرّدوا بالحَمْدِ إلّا أنّهُمْ / شفَعوا فُرادى المَكرُماتِ وزوّجوا
يا منْ إذا حدّثْتُ عنهُ بأنّه / بحرٌ فلا أخشى ولا أتحرّجُ
إن قيلَ مِشكاةٌ فرأيُكَ نيّرٌ / أو قيلَ مرآةٌ فذِهنُك أسرَجُ
أنّى تُجارى في الكمال وإنّما / لُقمانُ في المِضمارِ خلفَك أعرَجُ
فرّجْتَ ضيقَ المُشكلاتِ بفكرةٍ / في السُّمِّ يُمكِنُها لرَضْوى تولِجُ
لا زِلْتَ خيرَ أبٍ لأبناءِ الرّجا / وطريقَ رزقٍ بابُه لا يُرتَجُ
فاِنعَم بأجرِ الصّومِ واِبقَ بنعمةٍ / تُغلي صُدورَ الحاسدينَ وتوهِجُ
واِبهَج بعيدٍ أنت أسنى غُرّة / منه وأبهى في القلوبِ وأبهَجُ
واِرْفُلْ مدى الأيّامِ في حُلَلِ الثّنا / فنَداكَ يُسديها وفِكري ينسُجُ
سفرَتْ فبَرْقَعَها حِجابُ جَمالِ
سفرَتْ فبَرْقَعَها حِجابُ جَمالِ / وصحَتْ فرنّحَها سُلافُ دَلالِ
وجَلَتْ بظُلمةِ فرعِها شمسَ الضُحى / فمَحا نهارُ الشّيبِ ليلَ قَذالِ
وتبسّمَتْ خلفَ اللّثامِ فخِلتُها / غيماً تخلّلَهُ وميضُ لآلي
ورنَتْ فشدّ على القُلوبِ بأسرِها / أسدُ المنيّةِ من جُفونِ غَزالِ
ما كُنتُ أدري قبلَ سودِ جُفونِها / أنّ الجُفونَ مكامِنُ الآجالِ
بِكرٌ تقوّم تحت حُمرِ ثيابِها / عرَضُ الجمالِ كجوهَرٍ سيّالِ
ريّانةٌ وهَبَ الشّبابُ أديمَها / لُطْفَ النّسيمِ ورقّةَ الجِريالِ
عذُبَتْ مراشِفُها فأصبحَ ثغرُها / كالأُقحوانِ على غَديرِ زُلالِ
وسَرى بوجنَتِها الحياةُ فأشبَهَتْ / ورْداً تفتّحَ في نَسيمِ شَمالِ
وسخا الشقيقُ لها بحبّةِ قلبِه / فاِستعمَلَتْها في مكان الخالِ
حتّام يطمعُ في نَمير وصالِها / قلبي فتورِدُه سَرابَ مِطالِ
عُلّتْ بخمرِ رُضابِها فمِزاجُها / لم يصْحُ يوماً من خُمارِ مَلالِ
هي مُنيَتي وبها حُصولُ منيّتي / وضياءُ عَيني وهْي عينُ ضَلالي
أدنو إليها والمنيّةُ دونَها / فأرى مَماتي والحياةُ حِيالي
تخفى فيُخفيني النُحولُ وينجَلي / فيقومُ في الليلِ التّمامِ ظِلالي
علِقَتْ بها روحي فجرّدَها الضّنى / من جِسمِها وتملّقَتْ بمِثالِ
فلوَ اِنّني من غيرِ نومٍ زُرْتُها / لتوهّمَتْني زُرتُها بخيالِ
لم يُبقِ منّي حُبُّها شيئاً سوى / شوقٍ ينازعُني وجذبةِ حالِ
من لم يصِلْ في الحبّ مرتبةَ الفَنا / فوجودُه عدمٌ وفرضُ مُحالِ
فكري يصوّرُها ولم ترَ غيرَها / عَيني ورسْمُ جَمالِها بخَيالي
فوقي وقدّامي وعكسُهُما أرى / منها المِثالَ ويَمنَتي وشمالي
بانت فلا سجَعَتْ بلابلُ بانةٍ / إلّا أبانتْ بعدَها بَلبالي
أنا في غديرِ الكرختَيْن ومُهجَتي / معها بنجدٍ في ظِلالِ الضّالِ
حيّا الحَيا حيّاً بأكنافِ الحِمى / تحميهِ بيضُ ظُباً وسُمرُ عَوالي
حيّاً حَوى الأضدادَ فيه فنَقْعُهُ / ليلٌ يقابلُهُ نَهارُ نِصالِ
تلْقى بكلٍّ من خُدودِ سَراتِه / شمساً قدِ اِعْتَنَقَتْ ببَدْرِ كَمالِ
جمعَ الضّراغِمَ والمَهى فخيامُه / كُنُسُ الغَزالِ وغابةُ الرّئبالِ
وسَقى زَماناً مرّ في ظَهْرِ النّقا / وليالِياً سلَفَتْ بعينِ أثالِ
لَيْلاتِ لذّاتٍ كأنّ ظلامَها / خالٌ على وجهِ الزّمانِ الخالي
نُظِمَتْ على نسَقِ العُقودِ فأشبَهَتْ / بيضَ اللآلي وهْيَ بيضُ لَيالي
خيرُ الليالي ما تقدّم في الصّبا / كم بين منْ جلّى وبين التّالي
للَّهِ كم لكَ يا زَماني فيَّ منْ / جُرحٍ بجارحةٍ وسَهْمِ وَبالِ
صيّرتَني هدَفاً فلو يسْقي الحيا / جدَثي لأرْبَتْ تُربَتي بنِبالِ
ألِفَتْ خُطوبَك مُهجَتي فتوطّنَتْ / نفسي على الإقدامِ في الأهوالِ
وترفّعَتْ بي همّتي عن مِدحةٍ / لسِوى جَنابِ أبي الحُسينِ العالي
وقطعْتُ من كلِّ الأنامِ علائِقي / ووصَلْتُ فيه وفي بَنيه حِبالي
حُرٌّ تولّد طاهِرٌ من طاهِرٍ / فأتى بكلِّ مطهّرٍ مِفضالِ
هو نيّرٌ كم قد أتى من صُلبِه / قمرٌ وكم من كوكبٍ مِفصالِ
من كلّ وضّاحِ الجبينِ كأنّما / مسحَتْ عليهِ راحةُ الإقبالِ
أو كلِّ مأمونِ النجيبةِ ماجدٍ / نَجِسِ الصّوارمِ طاهرِ الأذيالِ
صورٌ علينا بالنّجومِ تشابهَتْ / لتَناسُبِ الآثارِ والأشكالِ
همْ عشرةٌ مثلُ الأصابعِ للعُلا / خُلِقَتْ لضرْبِ طُلىً وبَذْلِ نَوالِ
تَدري الليالي العَشْرُ أنّ بُدورَها / لوجوهِ تلك العَشرةِ الأقيالِ
فدعِ اليَمينَ بها وأقسِمْ فيهم / فلقد تحوّل فضلُها برجالِ
في العالم العُلوي عُقولٌ رُتّبتْ / وهمُ لها في الأرض كالأمثالِ
ساوَتْهُمُ عدداً وساوَوْها عُلاً / فالفرقُ لا يخلو من الإشكالِ
هي ثمَّ أشكالُ السّعادةِ والشّقا / وهمُ نتائجُ تلكُمُ الأشكالِ
جمْعٌ همُ عند الحقيقةِ واحدٌ / كاللّجِّ فُرِّقَ موجُهُ المتوالي
نفرٌ إذا سُئلوا فأبحارٌ وإنْ / حفّ الكُماةُ فراسياتُ جِبالِ
ركبوا الجيادَ فقلتُ رُبْدٌ فوقَها ال / عِقبانُ أو تحتَ الأسودِ سَعالي
ونَضوا السّيوفَ فقلتُ غُرُّ مَلائِكٍ / هزّتْ يَدَيْها أنيبُ الأغوالِ
عزلوا عنِ السّمعِ المَلامَ وحكّموا / بيضَ العَطايا في رِقابِ المالِ
أُسدٌ لحبّهمِ الصوارمَ والقَنا / قطعوا بأنّ النّقْعَ ليلُ وِصالِ
قبلَ البُلوغِ لقوا العِدا وتقمّصوا / بالزّغفِ وهْيَ طويلةُ الأذيالِ
وتراضَعوا لبنَ الفصاحةِ والنُهى / فتكلّموا بالفصلِ قبل فِصالِ
نُتِجوا نِتاجَ الصّاعقاتِ على العِدا / من صُلبِ ذاكَ العارضِ الجَلْجالِ
فتخلّقوا في خُلقِه فتخلّقوا / بدمِ الأسودِ وأنفُسِ الأبطالِ
وتتبّعوا الآثارَ منهُ فحاولوا / فوقَ النّجومِ مداركَ الآمالِ
ما زالَ يُرسلُهُمْ سَحائِبَ رحمةٍ / طوراً وطوراً بارِقاتِ نَكالِ
فيه على الإجمالِ كلُّ فضيلةٍ / وهمُ مفصّلُ ذلك الإجمالِ
أسرارُ لُطفِ اللَّه قد ظهرَتْ بهم / ومظاهِرُ الأسرارِ في الأفعالِ
من عِترةٍ عندي أعُدُّ ولاءَهم / وثناءَهُم من أعظمِ الأعمالِ
في آية التطهير قد دخلوا ولو / سبقوا لضمَّهُم العَبا في الآلِ
واليتُ والدَهم عليّاً فهو لي / مولىً ولا أحداً سواهُ أوالي
قلبي وكلُّ جوارحي ومفاصلي / تُثْني عليه وما حوى سِربالي
فطِنٌ كأنّي إذ له أُهدي الثّنا / أضعُ اللآلي في يديّ لآلي
سمْحٌ به اِنفرجَتْ عُيونُ قريحَتي / فجرَتْ وحلَّ به الزّمانُ عِقالي
بنداهُ علّمني القريضَ فصُغتُه / فأتيتُ فيه مرصَّعَ الأقوالِ
ولَهجْتُ فيه وكان دهراً عاطِلاً / فأزَنْتُهُ منه بحَلي خِصالِ
ولفظْتُ بعضاً من فرائِدِ لفظِه / فجعلْتُه وسَطاً لعقدِ مَقالي
أتلو مدائحَهُ فيعْبَقُ طيبُها / وكذا القوافي العالياتُ غَوالي
يا زينةَ الدُنيا ولستُ مبالِغاً / وأجلَّ أهليها ولستُ أُغالي
هُنّيتَ بالأفراحِ يا أسدَ الشّرى / بخِتانِ سِبْطٍ أكرمِ الأشبالِ
سِبطٍ تشرّفَ في أبيه وجدّه / ونَجابةِ الأعمامِ والأخوالِ
ما في أبيه السيّدِ اللاوي به / من فتكةٍ وسماحةٍ ومَعالي
منذُ اِستهلّ به تبيّن ذا ولم / تلدِ الأفاعي الرُقْمُ غيرَ صِلالِ
بالمَهْدِ قد أوتي الكَمالَ وإنّما / غلبَتْ عليه عادةُ الأطفالِ
نورٌ أتى من نَيّرَينِ كلاهُما / منكَ اِستفادا أيّ نُورِ جَلالِ
سَعداهُما اِقترَنا معاً فتثلّثا / بجبينِ أيّ فتىً سعيدِ الفالِ
يَجري الصِّبا في عُودِه فتظنُّهُ / نَصْلاً ترقْرَقَ فيهِ ماءُ صِقالِ
ويلوحُ نورُ المَجْدِ وهْوَ بمَهْدِه / فيهِ فتَحْسَبُهُ شُعاعَ ذَبالِ
فعساكَ تختُنُ بعدَه أولادَه / في أحسنِ الأوقاتِ والأعمالِ
وعسى لك الرحمنُ يقبَلُ دعوتي / ويُجيبُ فيكَ وفي بَنيكَ سؤالي
أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى
أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى / فلقد حَوتْ منه المَلاعبُ أنجُما
مغنىً توهّمَتِ الحِسانُ بأرضِهِ / أنّ الهُبوطَ به العُروجُ إلى السّما
أكرِم بها من أوجُهٍ في أوجِه / طلعَتْ على جيشِ الدُجى فتصرّما
فلكٌ تدلّى أطلَساً وإذا اِستوى / هبطَتْ به مصرٌ فصارَ منجّما
في كلِّ سِربٍ من فرائِدِ سربِه / وضعَ الجمالُ من الفراقِدِ توأَما
حسدَ الهِلالُ به السِّوارَ فودّ أنْ / لو حالَ من بدَلِ الذِراعِ المِعصَما
حتّى إذا سطَعَتْ مجامرُ ندِّهِ / لبِسَ النّهارُ عليهِ ليلاً مُظلِما
إن كان ما بينَ الدِيارِ قرابةٌ / فله إلى دارِينَ أطيبُ مُنتَمى
حرَمٌ به يُمسي المهنّدُ مُحرِماً / وترى به الماءَ المُباحَ محرَّما
أروَتْهُ ضاحكةُ السّيوفِ بدَمْعِها / حتّى نهَتْ عن تُربِه المتيمّما
سقياً له من منزلٍ نزلَ الهَوى / بربوعِه وبنى الخِيامَ وخيّما
وبمُهجَتي العرَبُ الألى لولاهُمُ / لم تُعرِبِ الأجفانُ سرّاً مُعجَما
عربٌ إذا ما البرقُ ضاحكَ بينَهم / خجَلاً بأذيالِ السّحابِ تلثّما
يا قلبُ أينَكَ من بُلوغ بُدورِهم / ولو اتّخَذْتَ حِبالَ شمسِكَ سُلَّما
غُرٌّ تغانَوا بالقُدودِ عنِ القَنا / وكفاهُمُ حورُ العيونِ الأسهُما
لبِسَتْ أسودُهمُ الحَديدَ مُسرّداً / وظباؤهُم وشْيَ الحريرِ مسهَّما
تبدو بحيّهِم الغزالةُ في الدُجى / والبدرُ يطلُعُ بالنّهارِ مغَمِّما
من كُلّ ضِرغامٍ بظهرِ نعامةٍ / للطّعن يُمسِك في الأناملِ أرقُما
مَحَتِ السّوادَ خُدودُهُم فتورّدت / وجِفانهُم ممّا سفكْنَ من الدِّما
تجري لَطافتُه بشدّةِ بأسِه / فيَلينُ خَطّيّاً ويَبْسِمُ مِخْذَما
عشِقوا الرّدى فتطلّبوا أسبابَه / فلِذاكَ هاموا في العُيونِ تتيُّما
وترشَّفوا شَهْدَ الشِفاهِ لأنّها / تحكي اِسْمِرارَ اللُدْنِ في لَونِ اللَّمى
ولحبّهم سفكَ الدماءِ وشُربها / شربوا لخَمرَتِها المُدامَ توهُّما
سجنوا العذارى في الخِيامِ فأشبهَتْ / خَفِراتُها بقبابِهم صُوَرَ الدُمى
سدّوا الكَرى من دونِهنّ على الصِّبا / كيْلا يمرَّ بها النّسيمُ مُسلِّما
بوجوهِ فِتيتِهم مَلاحةُ يوسُفٍ / ومآزِرِ الفَتَياتِ عِفّةُ مَريَما
ظهرَ الجمالُ وكان معنىً ناقِصاً / حتّى ألمّ بحيّهمْ فتتمّما
والدُرُّ في الدُنيا تفرّق شملُه / حتّى حوَتْهُ شِفاهُهُم فتنظّما
عذَلوا السُلوَّ عنِ القُلوبِ وحكّموا / فيهنّ سُلطانَ الهَوى فتحكّما
للّهِ كم في حيّهمْ من جُؤذرٍ / يَسطو بمُهجتِه فيصرَعُ ضَيْغما
ولكَمْ بهِم خدٌّ تورّد لونُه / جَدِلاً وخدٌّ بالدُموعِ تعَنْدَما
نظراتُهم تُردي القُلوبَ كما غدَتْ / يدُ مُحْسِنٍ تروي العِطاشَ الهُوَّما
غيثٌ لديهِ رياضُ طُلّابِ النّدى / تَزهو بنُوّارِ النُضار إذا هَمى
سمْحٌ أيادِيه لنا كم أوضحَتْ / من غُرّةٍ بجَبينِ خَطْبٍ أدْهَما
حسَنٌ أزيدَ به الزمانُ مَلاحةً / فحلَتْ مَلاحتُه وكانت عَلقَما
تلقاهُ في الأيّامِ إمّا ضارِباً / أو طاعِناً أو مُعطِياً أو مُطْعِما
طَوراً تَراهُ لجّةً مَورودةً / عذُبَتْ وأونَةً شِهاباً مُضْرَما
لبِسَ العُلا قبل القِماطِ وقبل ما / خلعَ التّمائِمَ بالسّلاحِ تختَّما
في وجهِه نورُ الهُدى وبغِمدِه / نارُ الرّدى وبكفِّه بَحرٌ طَمى
لو أنّ بعضاً من سَماحةِ كفِّه / بيَمينِ قارونٍ لأصبحَ مُعدِما
علَمٌ على ظهرِ الجَوادِ تظنّهُ / علَماً تعرّضَ للكتائِبِ مُعلَما
يهتزّ من طرَبٍ مهنّدُهُ فلَوْ / غنّى الجمادُ لكادَ أن يترنّما
ويكادُ ينطِقُ في البنانِ يراعُهُ / لو أنّ مقطوعَ اللّسانِ تكلّما
وافى وطَرْفُ المجدِ غُضَّ على القَذى / دهراً فأبصرَ فيه من بعدِ العَمى
وأتى الزّمانَ وقد تقطّب وجهُه / غضَباً على أبنائِه فتبسّما
قمرٌ تَلوحُ بوجهِه سِمةُ العُلا / فترسّما آثارها وتوسّما
وتأمّلاهُ فتمّ نورُ سعادةٍ / وسيادةٍ يأبى العُلا أن يُكتَما
تَهمي براحتِه السيوفُ على العِدا / نِقَماً تعودُ على الأحبّةِ أنعُما
نارُ الحديدِ لديهِ في حَرِّ الوغى / أشهى من الماءِ الزُلالِ على الظّما
ليسَ الحَيا طَبعاً خليقَتُهُ السّخا / بل علّمَتْهُ أكُفُّه فتعلّما
لولا فصاحتُه ونسبةُ حَيدَرٍ / لظنَنْتُه يومَ الكريهةِ رُستما
ولدٌ لأكرَمِ والدٍ من معشَرٍ / ورِثوا المكارمَ أكرَماً عن أكرَما
عن جدِّه يروي أبوهُ مآثِراً / لأبيه وهوَ اليومَ يروي عنهُما
وكذاكَ إخوتُهُ الكِرامُ جميعُهم / نقلوا رواياتِ المحامِدِ منهُما
من كلِّ أبلج طلعةٍ من حقِّها / شرَفاً على الأقمارِ أن تستخدِما
مَنْ شئتَ منهُم تلقَهُ في حربِه / والسِّلْم ليثَ وغىً وبحراً مُنعَما
غُرٌّ بأخلاقِ الكِرامِ تشابَهوا / حتّى رأينا الفرْقَ أمراً مُبهَما
فهُمُ البُدورُ السّاطعاتُ وإنّما / بالعدلِ بينَهم الكمالُ تقسّما
مولايَ أنتم سادَتي وسيادتي / منكم وقَدْري في مدائِحِكُم سَما
قرّبتُموني من رفيعِ جَنابِكُم / فغدَوْتُ مرفوعَ الجَنابِ معظَّما
لو لم تُكلّفْني السّجودَ لشُكرِها / نَعماؤُكُم عندي بلغْتُ المِرْزَما
للَّهِ دَرُّك من لَبيبٍ رأيُهُ / لم يُخطِ أغراضَ الزّمانِ إذا رَمى
هُنّيتَ بالوَلَدِ السّعيدِ وخَتْنِه / ورَعاهُ خالقُه الحفيظُ وسلّما
ولدٌ تصوّر يومَ مولدِه النّدى / والمجدُ عادَ إلى الشبيبةِ بعدَما
حملَتْهُ من قمرِ الدُجى شمسُ الضُحى / نالَتْ به نَجلاً تخيّلهُ هُما
طهّرْتُهُ بالخَتْن وهو مطهَّرٌ / قبل الخِتانِ تشرُّعاً وتكرّما
أنّى يطَهّرُ بالخِتان صبيّكُم / أو تنجُسونَ وأنتمُ ماءُ السّما
شهدَتْ لكم آيُ الكِتابِ بأنّكُم / منذُ الوِلادةِ طامِرونَ وقبلَ ما
أنتم بَنو المختارِ أشرفُ عِترةٍ / فعليكمُ صلّى الإلهُ وسلّما
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ / فجلَتْ لنا فلقَ الصّباحِ الثّاني
وتزحْزَحَتْ ظُلَمُ البراقِعِ عن سَنى / وجَناتِها فتثلّثَ القَمَرانِ
وتحدّثَتْ فسمِعْتُ لفظاً نُطْقُه / سحرٌ ومعناهُ سُلافةُ حانِ
ورنَتْ فجرّحَتِ القُلوبَ بمُقلةً / طرْفُ السِّنانِ وطرفُها سِيّانِ
وترنّمَتْ فشدَتْ حمائِمُ حَليِها / وكذاكَ دأبُ حَمائِمِ الأغصانِ
لم تلْقَ غُصْناً قبلَها من فِضّةٍ / يهتزُّ في ورَقٍ من العِقْيانِ
عربيّةٌ سعدُ العشيرةِ أصلُها / والفَرْعُ منها من بَني السّودانِ
خودٌ تُصوَّبُ عندَ رؤيةِ خدِّها / آراءُ مَنْ عكَفوا على النّيرانِ
يبدو محيّاها فلولا نُطْقُها / لحَسِبْتُها وثَناً من الأوثانِ
لم تصلِبِ القُرْطَ البريَّ لغايةٍ / إلّا لتنصُرَ دولةَ الصُّلبانِ
وكذاك لم تضْعُفْ جُفونُ عُيونِها / إلّا لتَقوى فِتنةُ الشيطانِ
خلخالُها يُخفي الأنينَ وقرطُها / قلِقٌ كقَلْبِ الصّبِّ في الخَفقانِ
تهوى الأهلّةُ أن تُصاغَ أساوِراً / لتحِلَّ منها في محلِّ الجاني
بخِمارِها غسَقٌ وتحت لِثامِها / شفَقٌ وفي أكمامِها الفَجرانِ
سُبحانَ مَنْ بالخدِّ صوّر خالَها / فأزانَ عينَ الشّمسِ بالإنسانِ
أمرَ الهَوى قلبي يَهيمُ بحبُّها / فأطاعَهُ ونَهَيْتُه فعَصاني
هيَ في غَديرِ الشّهْدِ تخزِنُ لؤلؤاً / وأُجاجُ دَمْعي مخرَجُ المرجانِ
كثُرَتْ عليَّ العاذِلونَ بها فلَو / عدّدْتُهم ساوَوْا ذُنوبَ زَماني
يا قلبُ دعْ قولَ الوُشاةِ فإنّهُم / لو أنصَفوكَ لكُنتَ أعذرَ جانِ
أصحابُ موسى بعدَه في عِجْلِهم / فُتِنوا وأنتَ بأملَحِ الغِزلانِ
عذُبَ العَذابُ بها لديّ فصحّتي / سُقْمي وعِزّي في الهَوى بهَواني
للّهِ نُعمانُ الأراكِ فطالَما / نعِمَتْ به روحي على نُعْمانِ
وسَقى الحَيا بمنىً كِرامَ عشيرةٍ / كفَلوا صيانتَها بكُلِّ أمانِ
أهلُ الحميّةِ لا تزالُ بُدورُهم / تحمي الشّموسَ بأنْجُمِ الخِرصانِ
أُسْدٌ تخوضُ السّابِغات رماحُهُم / خوضَ الأفاعي راكِدَ الغُدْرانِ
تَروى بهم رُبْدٌ كأنّ سِهامَهم / وهَبَتْ لهنّ قوادِمَ العِقْبانِ
كم من مطوّقةٍ بهم تَشدو على / رَطْبِ الغُصونِ ويابِسِ العِيدانِ
لانَتْ معاطِفُهم وطابَ أريجُهم / فكأنّهم قُضُبٌ من الرّيْحانِ
من كلِّ واضحةٍ كأنّ جَبينَها / قبَسٌ تقنّع في خِمارِ دُخانِ
ويْلاهُ كم أشقى بهِم وإلى متى / فيهِم يخلَّدُ بالجَحيمِ جَناني
ولقد تصفَّحْتُ الزّمانَ وأهلَهُ / ونقَدْتُ أهلَ الحُسْنِ والإحسانِ
فقَصَرْتُ تَشبيبي على ظَبَياتِهم / وحصَرْتُ مَدْحي في عليِّ الشّانِ
فهُمُ دَعوني للنّسيبِ فصُغْتُه / وأبو الحُسَيْنِ إلى المَديحِ دَعاني
ملِكٌ عليّ إذا همَمْتُ بمَدْحِه / تُملي شمائِلُه بَديعَ مَعاني
جارَيْتُ أهلَ النّظْمِ تحتَ ثَنائِه / فتَلَوْا وحلْبَتُهُم خُيولُ رِهانِ
مضمونُ ما نثرَتْ عليّ بنانُه / ولِسانُه أبرَزْتُه ببَيانِ
ناجَيْتُه فتشرّفَتْ بكلامِه / أُذُنُ الكَليمِ وحُلَّ عَقْدُ لِساني
سَمْحٌ إذا ما شِئْتَ وصفَ نَوالِه / حدِّثْ ولا حرَجٌ عن الطّوفانِ
بالبحرِ كَنِّ وبالغَمامِ عن اِسمِه / والبدرِ والضِّرغامِ لا بفلانِ
صرعَتْ ثعالبُه الأسودَ فأصبحَتْ / محشوّةً بحواصلِ الغِربانِ
بطلٌ يُريكَ إذا تحلّل دِرعُه / أسدَ العرين بحلّةِ الثّعبانِ
رشفُ النّجيعِ من الأسنّة عندَه / رشَفاتُ حُمرِ بوارِقِ الأسنانِ
يرتاحُ من وقْعِ السّيوفِ على الطُلا / حتّى كأنّ صليلَهُنّ أغاني
ويرى كُعوبَ السُّمرِ سُمرَ كَواعبٍ / وذُكور بيضِ الهِند بيضَ غَواني
لم يستطِعْ وتَراً يلَذُّ له سوى / أوتارِ كلِّ حَنيّةٍ مِرنانِ
قِرْنٌ يقارنُ حظَّهُ بحُسامِه / فيعودُ سعداً ذابحَ الأقرانِ
صاحٍ تدبُّ الأريحيّةُ للنّدى / فيهِ دَبيبَ السُّكْرِ بالنّشوانِ
ذو راحةٍ هي للعِدى جرّاحةٌ / أعيَتْ وأيّةُ راحةٍ للعاني
أقوَتْ بُيوتُ المالِ منذُ تعمّرتْ / فيها رُبوعٌ للنّدى ومَغانِ
للدّهرِ أفلاكٌ تدورُ بكفِّه / والنّاسُ تحسَبُها خُطوطَ بَنانِ
دارَتْ فعندَك ليلُها ونهارُها / نقْعٌ ولمْعُ مهنّدٍ وسِنانِ
أطواقُ فضلٍ كالخواتمِ أصبحتْ / بيَدَيْهِ وهْي طوارقُ الحِدْثانِ
بالنّحسِ تقضي والسعادةِ فالورى / منهنّ بين تخوّفٍ وأمانِ
في سِلمِها تهَبُ البُدورَ وفي الوغى / بالشُّهْبِ تقذفُ ماردَ الفُرسانِ
قد أضحكَ الدُنيا سُروراً مثلَ ما / أبكى السّيوفَ وأعيُنَ الغِزلانِ
حُرٌّ تولّد من سُلالةِ مطلَبٍ / خلَف الأيمّةِ من بني عَدنانِ
من هاشمٍ أهلِ المَفاخرِ والتُقى / والأمرِ بالمعروفِ والإيمانِ
بيتِ النبوّةِ والرسالةِ والهُدى / والوحيِ والتّنزيل والفُرقانِ
قَومٌ تقوّمَ فيهم أودُ العُلا / وَالدّينُ أصبحَ آبدَ الأركانِ
قد حالَفوا سهرَ العيون وخالَفوا / أمرَ الهَوى في طاعةِ الرّحمنِ
من كلّ مَنْ كالبَدرِ كلّفَ وجهَهُ / أثرَ السّجودِ فزادَ في اللّمعانِ
أشباحُ نورٍ في الزّمانِ وجودُهم / روحٌ لهذا العالَمِ الجِسماني
أقرانُ حربٍ كلّما اِقترَنوا لدى ال / هَيجاءِ تحسَبُهم لُيوثَ قِرانِ
لبِسوا سوابغَهُم لأجل سلامةِ ال / أعراضِ لا لسلامةِ الأبْدانِ
وتحمّلوا طعنَ الرِّماحِ لأنّهم / لا يحملون مطاعِنَ الشّنآنِ
بوركْتَ من ولدٍ جرَيْتَ بإثرِهم / فبلَغْتَ غايتَهُم بكلِّ مَكانِ
جدّدْتَ آثارَ المآثرِ منهمُ / ووَرِثْتَ ما حفِظوا منَ القُرآنِ
مولايَ لا برحَتْ تُهنّيكَ العُلا / بخِتانِ غُرٍّ أكرمِ الفتيانِ
نُطَفٌ مطهّرةُ الذواتِ أزَدْتَهم / نوراً على نورٍ بطُهر خِتانِ
خُلَفاءُ مجدٍ من بَنيكَ كأنّهم / للأرضِ قد هبَطوا من الرُّضوانِ
أقمارُ تِمٍّ لا يُوَقّى نقصها / إلّا بلَيلِ عجاجَةِ المَيدانِ
وفِراخُ فتح قبلَ ينبُتُ ريشُها / همّتْ بصيدِ جوارحِ الشُجعانِ
مثل اللآلي لم تزلْ محمولةً / فوقَ التّراقي أو على التّيجانِ
بلغوا وما بلغوا الكلامَ فأدرَكوا / رُشْدَ الكُهولِ بغرّةِ الصِّبيانِ
ما جاوَزوا قدرَ السِّهامِ بطولِهم / فتطوّلوا وسمَوْا على المُرّانِ
شررٌ توارَتْ في زِنادِك إذ وَرَتْ / أمسَتْ شُموسَ مسرّةٍ وتَهانِ
قبَساتُ أنوارٍ تعودُ إلى اللِّقا / شُعَلاً تُذيبُ مواضِعَ الأضغانِ
ستردُّ عنكَ المشرفيّةَ والقَنا / ولدَيْكَ تشهَدُ كلَّ يومِ طِعانِ
وستضْحَكُ البيضُ الظُّبا بأكفّهم / ضحك البُروقِ بعارضٍ هتّانِ
وتَميلُ من خَمر النّجيعِ رماحُهم / مثلَ السُّكارى في سُلافِ دِنانِ
فاِسْلَمْ ودُمْ معهم بأسبغِ نعمةٍ / وألذِّ عيشٍ في أتمِّ تَدانِ
خطرَتْ فمالَ الغُصْنُ وهو مُمَنطَقُ
خطرَتْ فمالَ الغُصْنُ وهو مُمَنطَقُ / وبدتْ فلاحَ البدرُ وهو مطوّقُ
وتبسّمَتْ فجلَتْ عَقيقاً نثرُه / كالعِقدِ في خَيطِ الصّباحِ منسَّقُ
وتحدّبَتْ فحسِبْتُ أنّ بمرْطِها / صَنماً يُخاطبُني وظبياً ينطِقُ
ورنَتْ ففوّقَ لحظُها نَبلاً له / عندَ الرُماةِ على السِّهامِ تفوُّقُ
وتدرّعَتْ حُمرَ الثِّيابِ فأشبهَتْ / شَمساً تورّد من سَناها المَشرِقُ
مصقولةٌ صقلَ الحُسامِ كأنّما / بعجينِ طينتِها أُديفَ الزِّئبَقُ
لم ندرِ قبل قوامِها أنّ القَنا / ممّا ينوّرُ في النُضارِ ويورِقُ
سَكْرى إذا اِنفتلَتْ للِين عِظامِها / أخشى على أوصالها تتفرّقُ
وأغضُّ طَرفي عن تموّجِ خدِّها / حذَرَاً يُراهُ فلا يعودُ فيغرَقُ
هي آيةُ الحُسنِ الّتي قد بيّنتْ / كُفْرَ العَذولِ وغيَّ من لا يعشَقُ
تهوى زيارتَها وتحذَرُ قومَها / ريحُ الصَّبا فلِذا ترِقُّ وتصفُقُ
بَيضاءُ منها الخِدْرُ يكنُفُ بيضةً / حُضِنَتْ لريشِ سِهامِ حتفٍ يُرشَقُ
لا الرّيحُ يُمكنُها تُبلّغُ نحوَها / منّي السّلامَ ولا خَيالٌ يطرُقُ
لم تخلُ كعبةُ خِدرِها من طائِفٍ / إمّا غَيورٌ أو محبٌّ شَيّقُ
وكذاك لم تبرَحْ تُرفرِفُ حولَها / إمّا بُنودٌ أو قُلوبٌ تخفُقُ
تُمسي قُلوبُ العاشقين لنارِها / تَعشو كما يعشو الفَراشُ فتُحرِقُ
كم في هواها مهجة من مُقلةٍ / تجري أسىً ويدٍ بكبدٍ تلصقُ
ولكَمْ ترى من ليثِ غابٍ دونَها / شاكي السِّلاحِ بلحظِ ريم ترمُقُ
جمعَ الشهامةَ والجَمالَ فتارةً / تخشى لقاهُ وتارةً تتشوّقُ
من كلِّ أبلجَ قدُّهُ من رُمحِه / أمضى وأوقعُ في النفوسِ وأرشقُ
حسَنٌ تشاكَلَ خدُّه وحُسامُه / فكِلاهُما بدَمِ القُلوبِ مخلَّقُ
يلقاكَ إمّا بالنُّضارِ مقرَّطاً / أو بالحديدِ يميلُ وهو مقَرْطَقُ
يفترُّ عن شنبِ الحبيبِ وإن رأى / خصماً فعن أنيابِ حتفٍ يصْلُقُ
بيدَيهِ من نارِ المنيّة مارجٌ / وبخدِّه ماءُ الشّبابِ مرَقرَقُ
ولَرُبَّ ليلٍ زُرْتُ فيه كِناسَها / والموتُ يرقُبُني وحولي يُحدِقُ
بادَرْتُها أسعى على شوكِ القَنا / وأدوسُ هاماتِ الصِّلالِ وأسحَقُ
حتّى ظَفِرْتُ بدُرّةٍ مكنونةٍ / عنها محارةُ خِدْرِها لا تُفلَقُ
فكفَفْتُ عنها عفّةً وتورّعاً / عن وصمةٍ منها لعرضيَ تلحَقُ
لولا النّقى عن وصلِها لم ينثني / حُمرُ المَنايا والحديدُ الأزرقُ
للَّهِ أيّامٌ تجمّعنا على / جَمعٍ وطرْفُ البينِ عنّا مُطرِقُ
والدّهرُ يعكِسُ ما تحاولُه النّوى / منّا فيجمَعُ بيننا ويوفّقُ
إذ عودُنا رطْبٌ وموردُ لهوِنا / عذبٌ وروضُ العيش خِصبٌ مؤْنِقُ
وبمُهجَتي أقمارُ حيٍّ بالحِمى / ضرَبوا القِبابَ على الشّموسِ وسَرْدَقوا
غُرُّ الوجوهِ كأنّهم من أنجُمٍ / أو من خِصالِ أبي الحُسينِ تلفّقوا
اِبنُ الوَصيِّ المرتَضى وسميّهُ / خلَفُ الكِرامِ السّابقينَ لمن بَقوا
غيثُ النّدى فلّاقُ هاماتِ العِدا / ربُّ المواهبِ والفصيحُ المُفلقُ
حُرٌّ لهُ شِيمٌ يُريكَ إذا اِنجلَتْ / في ليلِ حادثةٍ شُموساً تشرقُ
ومكارمٌ فيه تدلُّك أنّها / خُلُقٌ وفي طبعِ الغَمامِ تخلُّقُ
أندى الملوكِ يَداً وأكرمُهُم أباً / وأبرُّهُم للمُسلمينَ وأرفَقُ
روحُ الزّمان وقلبُه ويمينُه / كفُّ السّماحِ وزَندُه والمرفَقُ
سمْحٌ إذا مطَلَ الزّمانُ فوعدُه / أوفى من الفجرِ الأخيرِ وأصدَقُ
بحرٌ يُشَبُّ من الحَديدِ بكفّه / نارٌ يخِرُّ لها الكَليمُ ويصْعَقُ
هو في النّديِّ على السّريرِ مسرّةٌ / وإذا اِستوى بالسّرْجِ خطبٌ مُونِقُ
سبقَ الكِرامَ وقد تأخّرَ عصرُه / عن عصرهِم فهو الأخيرُ الأسبَقُ
قُل للأُلى جحدوا عُلاهُ وشكّكوا / فيهِ ألا فتأمّلوهُ وحقّقوا
وتصفّحوا صُحُفَ المعالي فهو في / صفَحاتِها المَعنى الأدقُّ فدقّقوا
لا تُدرِكُ الساداتُ سُؤدده ولو / طاروا بأجنحةِ النّسورِ وحلّقوا
كم يطلبونَ تشبُّهاً بخِصالهِ / أوَ يُشبِهُ الروضَ الأنيقَ الغلْفَقُ
ما في الكواكبِ منه أرفعُ رِفعةً / كلّا ولا في الأرض منه أحذَقُ
لفظُ الجَوادِ على كريمٍ غيرِه / إلّا أباهُ حقيقةً لا يُطلَقُ
رَيحانُهُ سُمْرُ الرّماحِ ووردُه / حُمرُ الصّوارمِ والبُنودُ الزّنبَقُ
عشِقَ المكارمَ فاِستهامَ فقلبُه / ولِعٌ بغيرِ حِسانِها لا يعْلَقُ
يلهو بنجدٍ في الحديث وقصدُه / نجْدُ المعالي لا النّقا والأبرَقُ
لولا اِشتباهُ البرقِ في ضحِكِ الظُّبا / ما شاقَهُ إيماضُهُ المتألّقُ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بلابِلُ نَصْرِها / تشدو وأغرِبةُ المَنايا تنعَقُ
عقدَتْ عليها السّابحاتُ سحائِباً / تهمي بوارِقُها النّجيعَ وتُغْدِقُ
تَحمي سوابقُها ضغائِنَ أُسْدِها / فيكادُ جامدُها يذوبُ فيدفُقُ
عذراءُ منذ بحِجرِها وُلِد الرّدى / شبَّ الحديدُ وشابَ منها المفرِقُ
دهماءُ بيضاءُ الثّيابِ كأنّها / من بعضِها في العينِ عبدٌ أبهَقُ
ضاقَتْ فوسّعَها وإنّ فضاءَها / لولاهُ من سُمّ الخِياطِ لأضيَقُ
وعَلا غياهِبَها ولولا سَيفُه / لوثِقْتُ أنّ صباحَها لا يُفلَقُ
فرْدٌ ترى في كلِّ جارحةٍ به / يجري خضمُّ ندىً ويَسْطو فيلَقُ
ما حازَ صدرٌ قبلَهُ الدُنيا له / في جوفِه جمْعُ البريّةِ يُلحقُ
ربُّ الندى وأبو الغطارِفةِ الأُلى / فكّوا وِثاقَ المَكرُماتِ وأطلَقوا
خيرُ البَنينَ نُجومُ آفاقِ الهُدى / أقمارُ ليلِ النّقع لمّا يَغسقُ
خُلَفا ندىً للسائلين عطاؤهُم / لا ينتهي عدداً ولا يتعوّقُ
شُمُّ الأنوفِ على قساوتِهم بهم / شِيَمٌ أرقُّ من النّسيمِ وأرْوَقُ
حمَلوا الأهلّةَ بالأكفِّ وجاوَلوا / فيها النّجومَ وبالبدورِ تدرّقوا
صِيدٌ إذا رَكِبوا الجيادَ حسِبْتَها / عِقْبانَ جوٍّ بالأسودِ ترنِّقُ
لو كَلّفوا الخيلَ العُروجَ إلى السّما / كادَتْ بهم فوقَ المجرّةِ تُعنِقُ
قَسماً بِهِم وَبِمجدهم إنّي لَهَم / لسليم قلبٍ ودّهُ لا يمرقُ
إحسانُ والدِهم تملّك عاتِقي / فأنا له الرِّقُّ الّذي لا يُعتَقُ
مولىً بخدمته تشرّف عبدُه / وتهذّبَتْ أخلاقُه والمنطِقُ
منها اِكتسَبْتُ فصاحَتي فخلعتُها / مِلكاً له وأمانةً لا تُسرَقُ
فإذا بِهم قلتُ المديحَ فإنّهم / من مالِ والدِهم عليهِم أُنفِقُ
مولايَ لا برِحَتْ تهنّيكَ الوَرى / ولكَ الإلهُ بما تُريدُ يوفِّقُ
بختانِ سِبطِكَ أحمدٍ وشقيقِه ال / محمودِ فاضَ على البريّة رونَقُ
والوُرْقُ تصدَحُ بهجةً وتطرُّباً / والدّوحُ في ورقِ الغصونِ يصفِّقُ
سبطَينِ كالسِّمطَيْنِ في جيدِ العُلا / كُلٌّ مُناطٌ فوقَه ومعلّقُ
للمجد كالقُرطَينِ لا بل مرفَعُ ال / عَينَينِ أمْسى فيهِما يتحدّقُ
قبَسَيْنِ من نورَين مشتقّينِ كالن / نسرينِ بين سناهُما لا يُفرَقُ
كالفرقدَينِ تلابَسا فكلاهُما / أسنى من القمرِ المُنيرِ وأفوَقُ
درّينِ من بحرينِ كلٌّ منهما / لججٌ يتيهُ بخوْضه المتعمّقُ
شهمينِ كالسّهمين عن كثبٍ ترى / كُلّاً به تُصمى العُداةُ وتُحرَقُ
ولَدَيْ حُسينٍ ذي المفاخِر والتّقى / قمر العُلا يا لَيتهُ لا يُمحَقُ
حرٌّ له من بعدِ إحياءِ الثّنا / ذكرٌ جميلٌ يُستطابُ ويُنشَقُ
أبقى لنا منه بُدوراً خمسةً / تمّوا وأوسطُهم أتمُّ وأليَقُ
فعليهِ ما شدَتِ الحمائِمُ رحمةً / تسقيهِ ديمتُها الصّبوحَ وتعبُقُ
ملكَ السّلامةَ والأمانَ من الرّدى / وكفاكَ ربُّك ما يسوءُ ويُقلِقُ
واِنشَق رياحينَ المكارم والعُلا / واِشمَم بجَيبكِ أيَّ فخر يعْبَقُ
واِرشف هنيّاً أيَّ شهدِ مسرّةٍ / شيمٌ تغصُّ بها العُداةُ وتشرقُ
واِلبَس من الإجلالِ أشرفَ حُلّةٍ / يَبلى بجدَّتِها الزّمانُ ويخلُقُ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ / درّتْ عليهِ مراضِعُ الأنواءِ
وسقَتْ ثراهُ عُيونُ أربابِ الهوى / دمعاً يورّدُ وجنةَ البطحاءِ
واِستخرجَتْ أيدي الرّبيعِ كُنوزه / فحبَاهُ بالبيضاءِ والصّفراءِ
أكرِمْ به من منزلٍ أكنافُه / جمعَتْ أُسودَ شرىً وعينَ ظِباءِ
مغنىً إذا سفرَتْ وجوهُ حِسانِه / ليلاً يَطولُ تلفُّتُ الحِرباءِ
بهِجٌ يكلّفُكَ السّجودَ صَعيدُه / شوقاً للَثْمِ مباسِمِ الحصباءِ
حتّى توهّمْنا ملاعِبَ بيضِه / فتظنّها ليلاً بُروجَ سَماءِ
دارَتْ كهالاتِ البُدورِ حُصونُه / فهُما سَواءٌ في سنىً وسناءِ
تهوى الكواكبُ أن تَصوغَ سِوارَها / طوقاً لجيدِ مَهاتِه الجوزاءِ
ويودُّ ضوءُ الفجرِ يُصبحُ خيطُه / سِلكاً لعِقدِ فَتاتِه العَذراءِ
رُفِعَتْ على عُمُدِ الصّباحِ بُيوتُه / فحبالُهنّ ذوائِبُ الظّلْماءِ
قِطعٌ من اللّيلِ البهيمِ إلى الثّرى / هبطَتْ وفيها أنجُمُ الجوزاءِ
ليلاتُ قدرٍ كلَّ حُسنٍ أنزلَتْ / آياتُه فيها وكلَّ بَهاءِ
كم فيه من حِقْفٍ يَمورُ بمِئزَرٍ / وقضيبِ بان ينثَني بقباءِ
سَقياً لها من روضةٍ لم تَخلُ من / وِردَيْنِ وِرْدِ حَياً وورْدِ حَياءِ
لا صحّتِ النّسَماتُ فيه ولا صحَتْ / سَكْرى عُيونِ رجالِه ونِساءِ
يا صاحِ إن شارَفْتَ مكّةَ سالِماً / فاِعدِل يَمينَ منىً فثَمَّ مُنائي
واِسألْ بجانبِ طُورِه الغربيّ عنْ / قلبٍ غريبٍ ضاعَ من أحشائي
اطلُبهُ ثمّ تجدهُ في جمَراتِه / أبداً تعذّبُه مدى بُرَحائي
لا تعدلَنّ إلى سواهُ فمنزلُ الن / نجوى به ومعرَّسُ الأهواءِ
حرمٌ له حقٌّ لديّ وحُرمةٌ / وضعتْ له خدّي مكانَ حِذائي
ما حلّهُ دنِفٌ فأصبحَ مُحرِماً / إلّا أحلّ مقَمّصاً بضَناءِ
قرّبْ به قلبي فإن لم تلقَه / فاِنحر بهِ نومي وضحِّ عَزائي
واِمزُج لُجَينَ الدّمعِ في عرَصاتِه / بنُضارِ جاري العَبرةِ الحمراءِ
هو مرتعٌ للعاشقين ومصرعٌ / فليَسْقِ دمعُكَ روضةَ الشّهداءِ
كم فيه من بيتٍ تقفّى بالظُّبا / مضمونُه كالدُرّةِ البيضاءِ
تتوهّمُ الأطنابَ منه لِما تَرى / من ضوءِ دُميَنِه حِبالَ ذُكاءِ
أفدي بُدورَ دُجىً به قد زرّروا / ظُلَمَ السّتورِ على شُموسِ ضُحاءِ
ورُماةَ أحداقٍ سِهامُ فُتورِها / صاغَ السّقامُ لها نُصولَ بَلاءِ
وسَراةَ حيٍّ لم تزل تشتاقُهم / شوقَ العِطاشِ إلى زُلالِ الماءِ
بسوادِ قلبي من طريقةِ مُقلَتي / دخلوا ومنها أخرجوا حَوبائي
غُرٌّ حوَوا كلَّ الجمالِ كما حوَتْ / راحاتُ عبدِ اللَّه كلَّ سَخاءِ
بشرٌ يُريك لدى السّماحِ جَبينَهُ / بِشراً يُحاكي الزّهرَ غِبَّ سَماءِ
ولدٌ لأكرمِ والدٍ ورِثَ النّدى / والبأسَ عن آبائِه الكُرماءِ
أعني عليّاً صاحبَ الفضل الّذي / هو زينةُ الأيّام والآناءِ
السيّدَ الورعَ التقيَّ أخا النّدى / علمَ الهُدى علّامةَ العُلَماءِ
مولىً سعى مسعى أبيه إلى العُلا / فاِعتادَ بسْطَ يدٍ وقبضَ ثَناءِ
هو صدرُ أسمرِه وقبضةُ قوسِه / وعِذارُ أبيضِه لدى الهَيجاءِ
ويمينُ دولَتِه وآيةُ مُلكِه / ودليلُ نُصرتِه على الخُصَماءِ
غيثُ النّدى غوثُ الصّريخ إذا دَعا / قوت النّفوسِ وقوّةُ الضُعَفاءِ
يتعاقَبانِ على الدّوامِ تعاقُبَ ال / مَلَوَينِ بالسّرّاءِ والضّرّاءِ
تلقاهُ إمّا واهياً أو ضارِباً / فزمانُه يوما ندىً ووغاءِ
تَدري ذُكورُ البيض حين تسُلُّها / يدُه سينكِحُها طُلا الأعداءِ
والتِّبْرُ يعلَمُ إذ يحُلُّ وِثاقَه / أن لا يزالَ يَسيرُ في الأحياءِ
تهوى البُدورُ بأن تكونَ بمُلْكِه / بدَراً يفرِّقُها على الفقراءِ
وكذا اللّيالي البيضُ تهوى أنّها / تُمسي لديه وهْيَ سُودُ إماءِ
حسدَتْ مدائِحَهُ النّجومُ فأوشكَتْ / تهوي لتَسْكُنَ ألسُنَ الشّعراءِ
يجدُ اِزديارَ الوافدينَ ألذّ من / وصلِ الأحبّةِ بعدَ طولِ جَفاءِ
ويرى بأنّ البيضَ من بيضِ الدُمى / وصليلَها بالبيضِ رَجْعُ غِناءِ
لو أنّ هذا الدّهرَ أدركَ شيمةً / منه لبدّلَ غدرَهُ بوفاءِ
ذو راحةٍ نفخَ النّدى من روحها / في مَيّتِ الآمالِ روحَ رَجاءِ
مِشكاةُ نادي المجدِ كوكبُ أُفقِه / مِصباحُ ليلِ الكُربةِ الدّهماءِ
سرٌّ بذات أبيه كان محجَّباً / فبَدا به للّهِ في الإفشاءِ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بنارِ جحيمِها / تغلي القُلوبُ مراجِلُ الشّحناءِ
نارٌ مقامعُها الحديدُ وإنّما / يجري الصّديدُ بها على الرُخَصاءِ
يَشفي الحُمامُ بها الحَميمَ فظلُّها / يحمومُ ليلِ مجاجةٍ دَكْناءِ
نزّاعةٌ لشوى الضّراغمِ ترتمي / شَرَراً حكَتْ قدْراً هِضابَ أجاءِ
نضجَتْ بمارِجِها النّجومُ فأكرمُ ال / بيضِ السّواغبِ في صفيفِ شِواءِ
وجرَتْ عليه من ظُباهُ جداولٌ / فخبَتْ وفاضتْ في دمِ الأشلاءِ
علمٌ تفرّدَ وهو أوسطُ إخوةٍ / شَرِكوهُ في شرفٍ وصِدْقِ إخاءِ
من كلِّ أبلجَ تستضيءُ بوجهه / وبرأيه في الليلةِ الظّلماءِ
مَنْ شِئْتَ منهم فهو رامٍ معرِضٌ / بالجزْمِ نصلاً أسهُمَ الآراءِ
جمَراتُ هيجاءٍ إذا ما سالَموا / كانوا جِناناً طيّباتِ جَناءِ
كُهَناءُ غَيبٍ يعلمونَ فراسةً / قبلَ الوُقوعِ حقائقَ الأشياءِ
زهْرٌ بوالدِهم إذا ما قِستَهُم / فهُمُ لآلي ذلك الدأماءِ
وجِبالُ حِلمٍ إن إليهِ نسَبْتَهم / فهمُ هِضابُ القدسِ حولَ حِراءِ
فإذا بَدا وبدَوْا علِمْتَ بأنّهم / قبَساتُ ساطِعِ ذلك اللألاءِ
للّهِ في تقسيمِ جوهرِ فردِه / حكَمٌ بدَتْ في هذه الأجزاءِ
ووَفَوْا فكانوا في محلِّ بنانِه / من راحتَيْهِ وأكمَلِ الأعضاءِ
فهمُ مواعِدُهُ وزينةُ مجدِه / وجَمالُ وجهِ الدولةِ الغرّاءِ
نُطَفٌ مطهّرةٌ أتَتْ من طاهِر / فصفَتْ من الأرجاسِ والأكداءِ
مولاي سَمعاً إنّ غُرّ مدائِحي / فيكُم لَتَشْهَدُ لي بصِدقِ ولائي
ولئن شكَكْتَ بما اِدّعيتُ من الوِلا / أوَ ليسَ هذا المدحُ نُصحَ ولاءِ
أوَ ما تَروني كلّما بصُدودِكُم / أحرقْتُمُ عودي يَطيبُ شَذائي
جارَتْنيَ الفُصَحاءُ نحو مَديحكُم / فتلَوْا وكُنتُ مُلجّأَ البُلَغاءِ
أنا غرْسُ والدِك الّذي ثمرَ الثّنا / منهُ جنَتْهُ لكم يدُ النّعْماءِ
أرضَعْتُكُم دَرَّ الفصاحةِ طيّباً / إذ كان طيّبُ روضِه مرعائي
يا مَنْ أصولُ على الزّمانِ ببأسِه / ويُجيبُ عند الحادثاتِ نِدائي
بخِتانِ نصرِ اللّه قرّتْ أعيُنُ الد / دُنيا وسُرّت مهجةُ العَلياءِ
والوقتُ راقَ ورقّ حتّى صفّقتْ / ورقُ الغصونِ على غِنا الوَرْقاءِ
فتهنّ بالولدِ السّعيدِ وخَتْنِه / واِرْشُفْ هَنيئاً شهدَةَ السّرّاءِ
ولدٌ به ما فيك من شرفٍ ومِن / فخرٍ ومن بأسٍ ومن إعطاءِ
في بيتِك المعمورِ منذُ ولادِه / نشأ السّرورُ به وكلُّ هناءِ
نجمٌ أتى من نيّرينِ كِلاهُما / وهَباهُ أيَّ سعادةٍ وضياءِ
خلعَ القِماطَ ففاز في خِلعِ العُلى / وسعى فأدركَ غايةَ العُقَلاءِ
للّه طينَتُه أكانَتْ نُقطةً / نقطَتْ ببسمِ اللّه تحت الباءِ
للّه خاتَمُك الّذي في نَقشه / كتبَ المصوّرُ أعظمَ الأسماءِ
ريحانةُ النّادي وشمعةُ أُنسِه / سُلوانةُ الجُلَساءِ والنُدَماءِ
اللّه يحرُسُه ويحرُسُكم معاً / من سائِر الأسواءِ والأرزاءِ
وعسى يُمدُّكم الإلهُ جميعَكم / بزيادةِ الأعمار والأبناءِ
ويُمِدُّ والدَكم ودولةَ مجدِكم / بدوامِ إقبالٍ وطولِ بَقاءِ
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه / فبَكى فخِلْتُ بُكاهُ من أوداجِهِ
ودعَتْهُ غِزلانُ العَقيقِ إلى السُّرى / فغدا يُساري النّجمَ في إدلاجهِ
ودعَتْهُ ناحلةُ الخُصورِ إلى الضّنى / فكسَتْهُ صُفْرَ الوشي من دِيباجِهِ
تُملي عُيونُ الغانياتِ عليه ما / يُملي النّديمُ به كؤوسَ زُجاجِهِ
يا مَنْ لقلبٍ يَستضيءُ بقلبِه / فكأنّ جنّتهُ ذُبالُ سِراجِهِ
دنِفٌ أعارَتْهُ الخُصورُ سَقامَها / أينَ الأطِبّا من عَزيزِ عِلاجِهِ
قد ظنّ سكْبَ الدّمْعِ يُخمِدُ نارَه / سَفَهاً به فتأجّجَتْ بأُجاجِهِ
من لي بوصلِ غَزال خِدرٍ صادَني / في صادِ لحظٍ تحت نُونِ حَجاجِهِ
وبياضِ ساعدِه المُساعدِ لوعَتي / للّه ما صنعَتْ يَدا اِعوِجاجهِ
قرُبَتْ محاسنُه وعزّ وُصولُه / فبدا بُدوَّ البدرِ في أبراجِهِ
كم من ظلامٍ فيه قد نادَمْتُه / حتّى بدَتْ نارُ الصّباحِ بساجِهِ
ولَرُبّ زائِر أيكَةٍ لو أنّه / يدعو الجَمادَ لزادَ في إبهاجِهِ
ولقد تأمّلْتُ الزّمانَ وأهلَه / وأجَلْتُ عينَ النّقدِ في أفواجِهِ
فرأيتُ عربدةَ الزّمانِ عزيزةً / في حالِ سَكرتِه وصحوِ مِزاجِهِ
ولرُبّما ظنّ السّفيهُ بأنّه / يصحو بلى لكنّ لاستدراجِهِ
ويُسِرُّ قلبُ الدّهرِ كلَّ عجيبةٍ / لم يُفشِها إلّا بَنو أزواجِهِ
ورأيتُ أغلى ما عليهِ من الحُلى / أربابَه وعليَّ درّةَ تاجِهِ
قَيْلٌ تواخى بالمكارمِ والتُقى / والجودِ والمعروفِ منذ نِتاجِهِ
سمْحٌ إذا فقدَ الثّرى صوبَ الحَيا / وشكا الظّما يَسقيهِ من ثجّاجِهِ
بطلٌ إذا هزّ القَنا بأكُفِّه / تُضحي القُلوبُ مَراجِزاً لزُجاجِهِ
أسدٌ إذا لقيَ الخميسَ فعندَهُ / كبشُ الكثيبةِ من أذلِّ نِعاجِهِ
جمْعُ الأسودِ إذا لَقيه لدى الوَغى / حذَراً يبدّلُ زأرَه بثؤاجِهِ
لجَبُ الجيوشِ إذا يمرُّ بسمعِه / لجَبُ الذُبابِ يطنُّ في أهزاجِهِ
يَقري بلحمِ الشّوسِ شاغبةَ الظُّبا / ويزيدُ حرُّ الضّربِ في إنضاجِهِ
تُرجى منافعُه ويُحذَرُ ضُرُّه / في يومِ نائِله ويومِ هَياجِهِ
كسدَ المديحُ وأكدَحوا نُظامه / حتّى أتى فأقامَ سوقَ زواجِهِ
يا اِبْنَ الّذي ساد الأنامَ ونجلَ مَنْ / فاقَ الملائِكَ في عُلا أدراجِهِ
إنّ المديحَ إذا أردْتُ ثناءَكُم / تَهوي النّجومُ إليّ من أبراجِهِ
وإذا قصدْتُ سواكُمُ فيه فلم / تظفَرْ يَدي إلّا ببيضِ دَجاجِهِ
أيّدْتَ دينَ الحقِّ بعد تأوّدٍ / وسدَدْتَ بالإحكامِ كلَّ فِجاجِهِ
وشفَيْتَ علّتَهُ بكُتبٍ قد غدَتْ / مثلَ الطّبائِعُ لاِعتدالِ مِزاجهِ
أسفارُ صِدْقٍ كلُّ خصمٍ مبطِلٍ / منها سيعلَمُ كاذِباتِ حِجاجِهِ
نورٌ مُبينٌ قد أنار دُجى الهَوى / ظلم الضّلالة في ضياءِ سِراجهِ
وغديرُ ختمٍ بعدَما لعبَتْ به / ريحُ الشّكوكِ وآضَ من لجّاجِهِ
أمطَرْتَهُ بسحابةٍ سمّيْتَها / خيرَ المَقالِ وضاقَ في أمواجِهِ
وأبَنْتَ في نُكَتِ البيانِ عن الهُدى / فأرَيْتَنا المَطموسَ من مِنْهاجِهِ
وكذاكَ منتَخَبٌ من التفْسيرِ لم / تنسِجْ يدا أحدٍ على مِنساجِهِ
للأعرَجينِ وإن بدَتْ شُرُفاتُه / لن يَبلُغا المِعشارَ من مِعراجِهِ
مولاي قد ذهبَ الصيامُ مودِّعاً / وأتاكَ شهرُ الفِطرِ باِستِبهاجِهِ
شهرٌ نوى قتلَ الصيامِ هِزبرُه / فاِغتالَ مهجتَهُ بمِخلَبِ عاجِهِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025