المجموع : 23
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ / فاِمزُجْ لُجينَ الدّمعِ منْ عِقْيانِهِ
واِنزِل فثَمَّ مُعرَّسٌ أبداً ترى / فيهِ قُلوب العِشقِ مِن رُكْبانِهِ
وَاِشمُمْ عَبيرَ تُرابِهِ واِلْثِمْ حَصىً / في سَفحِهِ اِنتثَرتْ عُقودُ جُمانِهِ
واِعدِل بنا نحوَ المُحصَّبِ مِنْ مِنىً / واِحْذَرْ رُماةَ الغُنجِ مِن غِزلانِهِ
وتوَقَّ فيه الطّعنَ إمّا مِن قَنا / فُرسانِهِ أو مِن قُدودِ حِسانِهِ
أكرِمْ بهِ من مَربَعٍ منْ وَردِهِ ال / وَجَناتُ والقاماتُ من أغصانِهِ
مَغنىً إذا غنّى حَمامُ أرَاكِهِ / رَقَصَتْ به طَرباً معاطِفُ بانهِ
فلكٌ تنزّلَ فهوَ يُحسَبُ بُقعةً / أوَ مَا ترى الأقمارَ منْ سُكّانِهِ
خَضَبَ النّجيعُ غَزالَهُ وهِزَبْرَهُ / هذا بِوَجنَتهِ وذا بِبَبانِهِ
فلَئنْ جَهلْتَ الحَتْفَ أين مقرُّهُ / سَلني فإنّي عارفٌ بمكانهِ
هو في الجفونِ السّودِ من فَتياتهِ / أو في الجفونِ البيضِ منْ فِتيانهِ
مَنْ لي برُؤيةِ أوجُهٍ في أوجِه / حجبَ البِعادُ شُموسَها بعَنانهِ
بيضٌ إذا لعبتْ صَباً بذُيولِها / حملَ النّسيمُ المِسْكَ في أرْدانهِ
عمدَتْ إلى قَبسِ الضُحى فتبرْقَعتْ / فيه وقنّعَها الدّجى بدُخانهِ
من كلِّ نيّرةٍ بتاجِ شَقيقِها / قمرٌ تحفُّ به نجومُ لِدانهِ
وَهبتْ لهُ الجوزاءُ شُهبَ نِطاقِها / حَلْياً وسوّرَها الهِلالُ بحانهِ
هذي بأنْصُل جَفْنِها تسطو على / مُهَجِ الأُسودِ وذاكَ منْ مُرّانهِ
يفترُّ ثَغرُ البرقِ تحتَ لِثامِها / ويَسيرُ منها الغَيْثُ في قُمصانهِ
كمَنَ النُحولُ بخَصْرِها وبسيْفِه / والموتُ من وَسْنانِها وسِنانِهِ
في الخِدرِ منها العِيسُ تحملُ جُؤذراً / ويُقلُّ منه الليثُ سَرْجَ حِصانهِ
قَسَماً بسَلْعٍ وهْيَ حِلفةُ وامِقٍ / أقصاهُ صَرْفُ البَيْنِ عنْ جيرانِهِ
ما اِشْتاقَ سمْعي ذِكرَ منزلِ طَيْبةٍ / إلّا وهِمْتُ بِساكِني ودْيانهِ
بلدٌ إذا شاهَدْتَه أيْقَنتَ أن / نَ اللّهَ ثمّن فيهِ سبعَ جِنانهِ
ثغرٌ حمَتْهُ صِفاحُ أجفانِ المَهى / وتكلّفَتْهُ رِماحُ أُسْدِ طِعانهِ
تُمسي فراشُ قُلوبِ أرْبابِ الهَوى / تُلْقي بأنفُسِها على نيرانهِ
لوْلا رِواياتُ الهَوى عن أهلِه / لمْ يَروِ طَرفي الدّمعَ عن إنسانهِ
لا تُنكِروا بحَديثهِمْ ثَملي إذا / فضّ المُحدّثُ عن سُلافةِ حانهِ
همْ أقرَضوا سَمعي الجُمانَ وطالبوا / فيهِ مَسيلَ الدّمعِ منْ مُرجانهِ
فإلامَ يَفجعُني الزّمانُ بفَقْدِهمْ / ولقد رأى جَلَدي على حِدْثانهِ
عَتبي على هذا الزّمان مُطوَّلٌ / يُفضي إلى الإطْنابِ شرحُ بَيانهِ
هَيهاتِ أنْ ألقاهُ وهْوَ مُسالِمي / إنّ الأديبَ الحُرَّ حَرْبُ زَمانهِ
يا قَلبُ لا تَشْكُ الصّبابةَ بَعْدَما / أوْقعتَ نَفسَكَ في الهوى وهَوانهِ
تَهوى وتَطمَعُ أن تفِرَّ من الهَوى / كيف الفِرارُ وأنت رهنُ ضَمانهِ
يا للرِّفاقِ ومَن لمُهجةِ مُدْنَفٍ / نِيرانُها نزَعَتْ شوى سلوانهِ
لم ألْقَ قبلَ العِشْقِ ناراً أحرَقَتْ / بَشَراً وحُبُّ المُصْطفى بجَنانهِ
خيْرِ النّبِيّينَ الّذي نَطَقَتْ بهِ الت / توراةُ والإنجيلُ قبلَ أوانِهِ
كهفُ الوَرى غيثُ الصّريخِ مَعاذُهُ / وكَفيلُ نجدَتِهِ وحِصْنُ أمانهِ
المُنْطِقُ الصّخْرَ الأصمَّ بكفّهِ / والمُخْرسُ البُلَغاءَ في تِبيانهِ
لُطفُ الإلهِ وسرُّ حكمَتهِ الّذي / قد ضاقَ صدْرُ الغيْثِ عنْ كِتْمانهِ
قِرْنٌ بهِ التّوحيدُ أصبحَ ضاحِكاً / والشِّركُ مُنتحباً على أوْثانهِ
نسخَتْ شرائعُ دينهِ الصُّحفَ الأُلى / في مُحكَمِ الآياتِ منْ فُرقانهِ
تُمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سَطا / وخُدودُها مخضوبةٌ بدِهانهِ
ما زال يَرقُبُ شخصُهُ الآفاقَ في / طَرْفٍ تحامى النّومُ عنْ أجفانهِ
وجِلاً يظنّ النومَ لَمْعَ سُيوفهِ / ويرى نُجومَ الليلِ منْ خِرْصانهِ
قلبُ الكَميّ إذا رآهُ وقدْ نَضا / سيفاً كقُرطِ الخوْدِ في حُلْقانهِ
ولَرُبَّ مُعترَكٍ زَها روضُ الظُّبى / فيهِ وسُمْرُ القُضْبِ منْ قُضْبانهِ
خضَبَ النّجيعُ قَتيرَ سَردِ حَديدهِ / فشَقيقُهُ يَزهو على غُدْرانهِ
تبكي الجِراحُ النُجلُ فيه والرّدى / مُتبسّمٌ والبيضُ منْ أسنانهِ
فتَكَتْ عوامِلُهُ وهُنّ ثَعالبٌ / بجوارحِ الآسادِ منْ فُرسانهِ
جِبريلُ منْ أعوانهِ مِيكالُ مِنْ / أخدانهِ عِزريلُ منْ أعوانهِ
نُورٌ بَدا فأبانَ عنْ فلَقِ الهُدى / وجَلا الضّلالةَ في سَنى بُرهانهِ
شهِدَتْ حَواميمُ الكِتابِ بفضْلهِ / وكفى بهِ فخراً على أقرانهِ
سلْ عنهُ ياسينا وطهَ والضُحى / إنْ كُنتَ لم تَعلَمْ حَقيقةَ شانهِ
وسَلِ المَشاعرَ والحَطيمَ وزَمزَماً / عن فخرِ هاشمِهِ وعن عِمرانهِ
يَسمو الذّراعُ بأخْمَصَيْه ويهبِطُ ال / إكليلُ يَستجدي على تِيجانهِ
لو تَستجيرُ الشمسُ فيه منَ الدُجى / لَغدا الدُجى والفجرُ منْ أكفانهِ
أوْ شاءَ منعَ البدرِ في أفلاكهِ / عن سيرِهِ لم يَسْرِ في حُسبانهِ
أو رامَ منْ أفُقِ المجرّةِ مَسْلكاً / لجَرَتْ بحَلْبَتهِ خُيولُ رِهانهِ
لا تَنفُذُ الأقدارُ في الأقطارِ في / شيءٍ بغَيرِ الإذْن من سُلطانِهِ
اللّهُ سخّرَها لهُ فجَموحُها / سَلِسُ القِيادِ لديهِ طوْعُ عِنانهِ
فهو الّذي لولاهُ نوحٌ ما نَجا / في فُلكِهِ المَشحونِ منْ طُوفانهِ
كَلّا ولا مُوسى الكَليمُ سَقى الرّدى / فِرعَونَهُ وسَما على هامانهِ
إنْ قِيلَ عرشٌ فهوَ حاملُ ساقهِ / أو قيلَ لوحٌ فهْوَ في عُنوانهِ
رَوْحُ النّعيمِ ورُوحُ طُوباهُ الّذي / تُجنى ثِمارُ الجودِ منْ أفنانهِ
يا سَيّدَ الكَونينِ بل يا أرْجَحَ الث / ثقلينِ عندَ اللَّه في أوزانهِ
والمُخْجِلَ القَمرَ المُنيرَ بتِمّهِ / في حُسنهِ والغيثَ من إحسانهِ
والفارسَ الشّهْمَ الّذي غَبراتُهُ / من ندّهِ والسُمرُ من رَيْحانهِ
عُذراً فإنّ المدْحَ فيكَ مُقَصِّرٌ / والعبدُ مُعتَرفٌ بعجزِ لِسانهِ
ما قَدرُهُ ما شِعرهُ بمَديحِ مَنْ / يُثني عليهِ اللّهُ في قُرآنهِ
لَولاكَ ما قطعَتْ بيَ العِيسُ الفَلا / وطَوَيْتُ فَدْفَدَهُ إلى غِيطانهِ
أمّلْتُ فيكَ وزُرتُ قبرَكَ مادحاً / لأفوزَ عندَ اللَّهِ في رِضوانهِ
عبدٌ أتاكَ يقودُهُ حُسنُ الرّجا / حاشا نَداكَ يعودُ في حِرمانهِ
فاِقبَلْ إنابَتَهُ إليكَ فإنّهُ / بكَ يستقيلُ اللَّهَ في عِصيانهِ
فاِشفَعْ لهُ ولآلهِ يومَ الجَزا / ولوالِدَيْهِ وصالحي إخوانهِ
صلّى الإلهُ عليكَ يا مَوْلى الوَرى / ما حنّ مُغتَرِبٌ إلى أوطانهِ
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري / وفَرَتْ برُمح القدِّ دِرعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مِسكةِ خالِها / كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنْبرِ
وغدَتْ تذُبُّ عن الرُضابِ لِحاظها / فحمَتْ علينا الحورُ وِردَ الكوثرِ
ودنتْ إلى فمِها أراقِمُ فرعِها / فتكلّفتْ بحِفاظِ كَنزِ الجوهري
يا حاملَ السيفِ الصّحيح إذا رَنَتْ / إياكَ ضربةَ جفنِها المُتكسِّرِ
وتَوقَّ يا ربَّ القناةِ الطّعنَ إنْ / حملَتْ عليكَ من القَوامِ بأسْمَرِ
برزَتْ فشِمْنا البرقَ لاحَ ملثّماً / والبدرَ بين تقَرطُقٍ وتخمُّرِ
وسعَتْ فمرّ بنا الغزالُ مطوّقاً / والغُصنُ بين موشّحٍ ومؤزّرِ
بأبي مَراشِفها الّتي قد لُثِّمتْ / فوق الأقاحي بالشّقيقِ الأحمرِ
وبمُهجَتي الروضُ المُقيمُ بمُقلةٍ / ذهبَ النُعاسُ بها ذهابَ تحيّري
تاللَّهِ ما ذُكرَ العقيقُ وأهلُه / إلّا وأجراهُ الغرامُ بمِحجَري
لولاهُ ما ذابتْ فرائدُ عَبرَتي / بعدَ الجمودِ بحرِّ نارِ تذكّري
كم قد صَحِبْتُ به منَ اِبْناءِ الظبا / سِرباً ومن أسُدِ الشّرى من معشَرِ
وضَللتُ من غسَقِ الشعورِ بغيهبٍ / وهُديتُ من تلك الوجوهِ بنيّرِ
يا لَلعشيرةِ مَنْ لمهجةِ ضَيغمٍ / كمنَتْ منيّتُه بمقلةِ جُؤذرِ
روحي الفِداءُ لظبيةِ الخِدرِ الّتي / بُنِيَ الكِناسُ لها بغابِ القَسْوَرِ
لم أنسَ زَورَتَها ووجناتُ الدُجى / تنباعُ ذِفْراها بمسكٍ أذْفرِ
أمّتْ وقد هزّ السِماكُ قناتَه / وسَطا الضياءُ على الظلامِ بخنجرِ
والقوسُ معترضٌ أراشَتْ سَهمَه / بقوادِم النَسرَينِ أيدي المُشتري
وغدَتْ تُشنّف مسمعيَّ بلُؤلؤٍ / لولاهُ ناظمُ عَبرَتي لم ينثُرِ
وتضمُّ منّي في القميص مهنّداً / وأضمّ منها بالنصيفِ السّمهري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً / منها أرى الكفّ الخضيبَ بمِسْوَرِ
حتّى بَدا كِسرى الصّباح وأدبرَتْ / قومُ النّجاشي عن عَساكر قيصَرِ
لمّا رأتْ روضَ البنفسجِ قد ذوى / من ليلِنا وزهَتْ رياضُ العُصفُرِ
والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ / والفجرُ أقبل فوقَ صهوةِ أشقرِ
فزعَتْ فضرّسَتِ العقيقَ بلؤلؤٍ / سكنَتْ فرائِدُه غديرَ السُّكّرِ
وتنهّدتْ جزَعاً فأثّرَ كفُّها / في صَدرِها فنظرْتُ ما لم أنظُرِ
أقلامَ مَرجانٍ كتَبْن بعنبَرٍ / بصحيفةِ البِلّورِ خمسةَ أسطُرِ
ومضَتْ وحُمرةُ خدِّها من أدْمِها / لبسَتْ رَمادَ المِسكِ بعد تستُّرِ
للّهِ دَرُّ جَمالِها من زائرٍ / رسمَ الخيالُ مثالَها بتصوّري
لم ألقَ أطيبَ بهجةً من نَشرِها / إلّا البشارةَ في إيابِ الحَيدَري
ابنُ الهُمامِ أخو الغَمامِ أبو النّدى / بركاتُ شمس نهارنا المَولى السّري
الخاطبُ المعروف قبلَ فِطامِه / والطالبُ العلياء غيرَ مُقدّرِ
مِصباحُ أهلِ الجود والصُبحُ الّذي / ما اِنجابَ لَيلُ البُخلِ لو لمْ يُسفِرِ
قِرنٌ إذا سلَّ الحُسام حسِبتَهُ / نهراً جرى من لُجّ خمسةِ أبحُرِ
قرَن البراعةَ بالشجاعةِ والنّدى / والرأيَ في عَفوٍ وحُسنِ تدبّرِ
آباؤهُ الغُرُّ الكِرامُ وجدّهُ / خيرُ الأنام أبو شُبيرَ وشَيْبرِ
لو أنّ موسى قد أتى فرعَونَه / في آي ذاتِ فقاره لم يَكفُرِ
أو لو دَعا إبليسَ آدمُ باِسْمهِ / عندَ السُجودِ لديه لم يستكْبِرِ
أو كان بالبَدرِ المُنير كمالُه / ما غار أو بالشمسِ لم تتكوّرِ
أو في السماء تكون قوّةُ بأسهِ / في الروعِ يومَ البعثِ لم تتفطّرِ
سمحٌ أذلَّ الدرَّ حتّى أنّه / خَشيَتْ ثُغورُ البيضِ فيها يزدري
ومَحا سَوادَ الجَورِ أبيض عدلِه / حتّى تخوّف كلُّ طَرفٍ أحوَرِ
يجدُ الظِباءَ البيضَ كالبيضِ الظُبا / وصَليلها بالكَعْمِ نغمةَ مِزْمَرِ
بعد المشقّة نال لذّاتِ العُلى / لا يستلذّ الغُمضَ مَنْ لم يَسْهَرِ
قُلْ للّذي في الجودِ يطلبُ شأوَه / أربيْتَ في الغُلواءِ ويحكَ فاِقصِرِ
بُدِئَ النّدى منه فأفعالُ السّخا / عن غيرِ مصدرِ ذاته لم تَصْدُرِ
فالناسُ من ماءٍ مَهينٍ وهوَ من / ماءٍ مَعينٍ طاهِرٍ ومُطَهِّرِ
يا مَنْ بكُنيتهِ نريدُ تيمُّناً / وبه يُزالُ تشاؤُمُ المتطيّرِ
إنْ عُدَّ قبلَك في المكارم ماجدٌ / قد كان دونَك في قديم الأعْصُرِ
فكذلك الإبهامُ فهوَ مقدَّمٌ / عند الحِساب يُعدُّ بعد الخِنصرِ
بالفخرِ ساد أبوكَ سادات الورى / وأبوك لولاكَ ابنُه لم يفخَرِ
كالعين بالبصرِ المُنير تفضّلتْ / والعينُ لولا نَجلُها لم تُبصِرِ
قسَماً ببارقِ مُرهفٍ قُلِّدتَهُ / وبعارِضٍ من مُزنِ جودِك مُمطِرِ
لولا إيابُك للجزيرة ما صفَتْ / منها مشارِعُ أمنِها المتكدِّرِ
أسكَنْتَ أهليها النّعيمَ وطالما / شهدوا الجحيمَ بها وهَولَ المَحْشَرِ
وكسَوْتَها حُلَلَ الأمان وإنّها / لولاك أضحتْ عَورةً لم تُسْتَرِ
بوركْتَ من شهمٍ قدِمتَ مشمّراً / نحو العُلى إذ يُحجِم الليثُ الشّري
وقطعْتَ أنوار الفَخار بأنمُل ال / فِتيان من روضِ الجديد الأخضرِ
فليَهْنِكَ المجدُ التّليد وعادكَ الْ / عيدُ الجديد بنبلِ سعدٍ أكبرِ
واِلبَس قميصَ المُلكِ يا طالوتَه / واِسحبْ ذيولَ الفضل فخراً وأجْرُرِ
واِستَجل بِكرَ ثَنا فصاحةِ لفظها / عبثَتْ بحِكمتِها بسِحرِ البُحتُري
لو يعلمُ الكوفي بها لم يزدَري / أو يشعرُ الطائي بها لم يشعرِ
لا زِلتَ تاجَ عُلىً وحِليةَ مَنصِب / وطرازَ مَكرُمةٍ وزينةَ منبَرِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ / فكسَا زمُرُّدُها عَقيقةَ خدِّهِ
وبَدا فَلاحَ لنا الهِلالُ بتاجِه / وسعى فمرّ بنا القضيبُ ببُردِهِ
واِستلَّ مرهفَ جفنِه أوَ ما ترى / بصفاءِ وجنتهِ خيالَ فرِنْدِهِ
وسرَتْ أساورُ طرَّتَيْهِ فغوّرَتْ / في الخصرِ منه وأنْجدَتْ في نَهدهِ
واِفْترّ مَبسِمُهُ فشوّفنا سَنا / برْقِ العقيقِ إلى العُذَيب ووِردِهِ
رُوحي فدا الرّشأ الّذي بِكناسِهِ / أَبداً تظلِّلُه أسنّةُ أُسْدِهِ
ظبيٌ تكسّبَتِ النِصالُ بطَرفِه / شَرَفاً إذا اِنتسبتْ لِفتكةِ جدِّهِ
حازَتْ نضارةُ خدّه روضَ الرُبا / فثنَتْ شقائِقَها أعنّةُ رندِهِ
وسطَتْ على حربِ الرِماح مَعاشِرُ الْ / أغصانِ فاِنتصرَتْ بدولةِ قدِّهِ
قِرنٌ أشدُّ لدى الوغى من لحظهِ / نَبلاً وأفتكُ صارمٍ من صدِّهِ
فالشُّهْبُ تغرُبُ في كنانةِ نَبلهِ / والفجرُ يَشرُقُ في دجُنّةِ غِمدِهِ
تهوى مهنّدَهُ النُفوسُ كأنّه / برقٌ تألّق من مَباسِم رَعدِهِ
وتودُّ أسهُمه القُلوبُ كأنّما / صيغَتْ نِصالُ نِباله من وِرْدهِ
يَسطو فيُشهِدُنا السِماكَ بسرجِه / والبدرَ مكتملاً بنثرة سردهِ
فإلى مَ يطمعُ في جِنانِ وِصالِه / خلَدٌ تخلّد في جهنّمِ بُعدِهِ
ومتى يؤمِّلُ راحةً من حُبّهِ / دَنِفٌ يكلّفُهُ مشقّةَ وَجدِهِ
ومُقَرطَقٍ كافورُ فجرِ جَبينه / ينشقُّ عنه ظلامُ عنبرِ جَعدِهِ
متمنّعٍ للفتكِ جرّد ناظراً / حُرِسَتْ قلائِدُهُ بصارِمِ هندِهِ
بادَرْتُه والغَربُ قد ألقى على / وَردِ الأصيل رمادَ مِجمَر ندِّهِ
واللّيلُ قد سحبَتْ فُضولَ خِمارِها / ليلاهُ واِنسدلَتْ ذَوائِبُ هِندِهِ
لمّا ولَجْتُ إليهِ خِدراً ضمّ في / جَنَباته صنَماً فُتِنْتُ بوردِهِ
ونظرْتُ وجهاً راقَ منظرُ وردهِ / وشهدْتُ ثغراً طاب مَوردُ شهدِهِ
نهضَ الغزالُ إليّ منه مُسلّماً / فزعاً وطوّقَني الهِلالُ بزَندِهِ
وغَدا يزُفُّ إليّ كأسَ مُدامةٍ / تهدي الحَليمَ إلى ضلالةِ رُشدِهِ
نارٌ يَزيدُ الماءُ حرَّ لَهيبِها / لمّا يُخالطُها المِزاجُ ببرْدِهِ
شمطاءُ قد رأتِ الخليلَ وخاطبتْ / موسى وكلّمتِ المسيحَ بمهدِهِ
روحٌ فلو ولجَتْ بأحشاءِ الدُجى / لتلقّبَتْ بالفجرِ طلعةَ عَبدهِ
فظلَلْتُ طوراً من خلاعةِ هَزلِه / أجني العُقودَ وتارةً من جدِّهِ
حتّى جلَتْ شفقَ الدُجى وتوقّدتْ / في أبنُسيّ الليلِ شُعلةُ زَندِهِ
يا حبّذا عيشٌ تقلّص ظِلُّه / هَيهاتَ أن سمح الزمانُ بردِّهِ
للّهِ مغنىً باليمامةِ عاطلٌ / خلعَ الغَمامُ عليه حِليةَ عِقدهِ
وسَقى الحَيا حيَّ العقيقِ وباعدَتْ / بعَروضها الأعراضُ جوهرَ قدِّهِ
وغدا المحصَّبُ حاصِبَ البَلوى ولا / خفرَتْ عِهادَ العزّ ذمّةَ عهدِهِ
رَعياً لمألَفِها القديم وجادَها / كفُّ ابنِ منصورَ الكريمِ برَفدِهِ
برَكاتُ لا برِحَ العُلا بوجودهِ / فرِحاً ولا فجِع الزّمانُ بفَقْدهِ
بحرٌ تدفّق بالنُضارِ فأغرقَ الس / سَبعَ البِحارَ بلجِّ زاخرِ مدّهِ
أسدٌ تشيّعُه النُسورُ إذا غَزا / حتّى وَثِقْنا أنّها من جُندِهِ
لو رامَ ذو القَرنين بعضَ سَدادِه / لم يَمضِ ياجوجٌ غَداً من سَدِّهِ
أو حازَ قوّتَه الكَليمُ لما دَعا / هارونَه يوماً لشدّةِ عَضْدِهِ
ملِكٌ يريك نَدى مَبارِك عمِّه / وعَفافَ والدِه وغيرةَ جدِّهِ
لولاه ما عُرِف النوالُ ولا اِهتدى / أهلُ السؤالِ إِلى معالِم نَجدهِ
قد خصّنا الرحمنُ منه بماجدٍ / ودَّ الهِلالُ حُلولَ هامةِ مجدهِ
أَفنى وأغنى بالشجاعةِ وَالندى / فمماتُنا وحياتُنا من عِندهِ
الرّزْقُ يُرجى من مَخايل سُحبِه / والموتُ يُخشى من صواعِقِ رَعدِهِ
يَجزي الّذي يُهدي المَديحَ ببرّه / كرَماً فيعطي وَسْقَهُ من مدِّهِ
بَغيُ العدوِّ عليه مصلحةٌ له / والمِسكُ تُصلحُه مَفاسِدُ ضدِّهِ
هجَمَتْ على الأمم الخُطوبُ وما نَشا / ذهبتْ كما ذهبَ الأسيرُ بقَيدِهِ
فالحتْفُ يهجُم فوقَ قائم سَيفه / والنصرُ يخدِم تحت صَعدَة بَندِهِ
قنَصَتْ ثَعالِبُه البُزاةَ وصادتِ الْ / أُسْدَ الكُماةَ قَشاعِمٌ من جُرْدِهِ
ما زال يُعطي الدُرَّ حتّى خافتِ الش / شُهبُ الدّراري من مَسائِلِ وَفدِهِ
ويسيرُ نحو المَجدِ حتّى ظنّهُ / نهرُ المَجرّةِ طامِعاً في عَدّهِ
هل من فَريسةِ مَفخرٍ إلّا وقد / نشبَتْ حُشاشَتُها بمخلَبِ ورْدِهِ
فضحَ العُقودَ نِظامُ ناظِم فَضلِه / وسَما النُضارَ نِثارُ ناثِرِ نَقدِهِ
سارا إلى مُهَجِ العِدا فتَسابَقا / في الفتكِ أسمَرُهُ وأبيَضُ جدِّهِ
قمرٌ به صُغْتُ القريضَ فزُيّنَتْ / آفاقُ نَظمي في أهلّة حَمدِهِ
حسُنَتْ به حالي فواصلَ ناظري / طيبُ الكرى وجَفَتْهُ زَورةُ سُهدِهِ
فهو الّذي بِنَداهُ أكْبَتَ حاسِدي / وأذابَ مهجتَهُ بجَذوةِ حِقدِهِ
يا أيّها الرُكنُ الّذي قد شُرِّفَتْ / كلُّ البريّة من تيمُّنِ قَصدِهِ
والماجدُ البطلُ الّذي طلبَ العُلا / فسَرى إليه فوقَ صهوةِ جَدِّهِ
المُلكُ جيدٌ أنتَ حِليةُ نَحرِه / والمجدُ جسمٌ أنت جنّةُ خُلدِهِ
هُنِّئتَ في عيدِ الصّيامِ وفِطرِه / أبداً وقابلَك الهِلالُ بسَعدِهِ
العيدُ يومٌ في الزمان وأنت للْ / إسلامِ عيدٌ لم تزَلْ من بَعدِهِ
لو تُنصِفُ الدُنيا وقَتْكَ بنفسِها / وفداكَ آدمُ في بقيّة وُلْدِهِ
لا زالتِ الأقدارُ نافذةً بما / تَنوي ومتّعَك الزمانُ بخُلدِهِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ / فأزِلْ بخَمْرَتِها خُمارَ البينِ
واِستَجْلِها مثلَ العَروس توقّدَتْ / بعُقودِها وتخلْخَلَتْ بِبُرينِ
واِقْطِفْ بثغرِك وَرْدَ وَجنَتِها على / خدِّ الشقيقِ ومَبسمِ النِسرينِ
واِلثِم عَقيقةَ مِرشَفَيْها راشِفاً / منها ثَنايا اللؤلُؤِ المَكنونِ
روحٌ إذا في فيكَ غابَتْ شمسُها / بزَغَتْ منَ الخدّينِ والعَينينِ
قبَسٌ يُغالِطُنا الدُجى رأدَ الضُحى / فيها ويَصدقُ كاذِبُ الفَجْرَينِ
ما زفّها السّاقي بطائرِ فضّةٍ / إلّا وحلّقَ واقِعَ النّسْرَيْنِ
حاكَتْ زُجاجةُ كأسِها القنديلَ إذ / مِشكاتُها اِتّقدَتْ بلا زَيتونِ
تبدو فيبدو الأفْقُ خدَّ عشيقةٍ / واللّيل لمّة عاشقٍ مَفتونِ
مبنيّةٌ بفَمِ النّزيفِ مَذاقُها / كرُضابِ لَيلى في فم المجنونِ
بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهبَ بَرْدَها / صاغَ الحُبابُ لها سِوارَ لُجينِ
لو كان في حوضِ الغمام محلُّها / لجرى العقيقُ من السحابِ الجونِ
أو لو أُريقَتْ فوقَ يَذبُلَ جرعةٌ / منها لأصبحَ معدِنَ الراهونِ
ومُضارِعٍ للبَدرِ ماضٍ لحظُه / متستّرٌ فيه ضَميرُ فُنونِ
رشأٌ غدَتْ حركاتُ كَسرِ جُفونِه / تَبني على فتحِ السُهادِ جُفوني
روحي له وقْفٌ وألْفُ يَمينِه الْ / مَمْدود مَقصورٌ عليه حَنيني
مهموزُ صُدغٍ كم صحيحِ جوىً غدا / بلَفيفِه يَشكو اِعتِلال العينِ
متفقّهٌ بوِصالِه متوقّفٌ / ويرى القطيعةَ من أصولِ الدينِ
رُؤياهُ مِفتاحُ الجمال وخَصرُهُ / تلخيصُ شرحِ مطوّلِ التّحسينِ
حيّا بزَورَتِه خُلاصةَ صُحبةٍ / وبَدا فأبرزَ مَشرِقَ الشمسينِ
واِفتَرَّ مُحتسياً لها فأبانَ عن / بَرقَينِ مُبتسمين عن سِمطينِ
وشَدا وطافَ بها فأحيا ميّتَ الْ / عُشاقِ في راحَين بل روحَينِ
مَنْ لي بوصلِ مَهاةِ خِدرٍ فارَقَتْ / عيني وظبيٍ أفْلَتَتْهُ يَميني
للّهِ أيّامُ الوِصالِ وحبّذا / ساعاتُ لهوٍ في رُبى يَبرينِ
مَغنىً بحبِّ الساكنين يَسوغُ لي / نظْمُ النسيبِ ونثرُ دُرّ شُؤوني
لا زال يبتسمُ الأقاحُ به ولا / برِحَ الشقيقُ مضرَّجَ الخدّينِ
أحوى كأنّ مياههُ ريقُ الدُمى / وهَواهُ أنفاسُ الحِسانِ العِينِ
ضاهى عُيونَ الغانياتِ بنَرْجِسٍ / وسَما على قاماتِها بغُصونِ
فلكَمْ رشَفْتُ على زُمُرُّدِ رَوضِهِ / زمَنَ الشّبابِ عقيقةَ الزّرجونِ
وأمِنْتُ بأسَ النّائِباتِ كأنّما / برَكاتُ أمسى كافلِي وضَميني
سامي الحقيقة لا يحسُّ نزيلُه / بحوادثِ التّقديرِ والتّكوينِ
بَشَرٌ يريكَ البحرَ تحت رِدائِه / والبدرَ فوقَ سريرهِ المَوضونِ
غيثٌ بنوّارِ الشقيق إذا سَما / تزهو رياضُ المُقتِر المَديونِ
قاضٍ بأحكام الشريعة عالِمٌ / بقواعدِ الإرشادِ والتبيينِ
عدلٌ تحكّم في البلاد فقامَ في / مَفروضِ دينِ اللَّه والمَسنونِ
بلغَ الكمالَ وما تجاوزَ عُمرُه / عشراً وحاز المُلْكَ بالعِشرينِ
خطبَ المعالي بالرِّماحِ فزُوّجَتْ / بكرُ العُلا منه بلَيثِ عرينِ
تلْقى العِدا والوفْدُ منه إذا بدا / تِيهَ العزيزِ وذلّةَ المِسكينِ
سمْحٌ لمن طلبَ الإفادة باسطٌ / ببنانِه وبيانهِ كنزَيْنِ
ما مدَّ راحتَهُ وجادَ بعِلمِه / إلّا اِلتقَطنا لُؤلُؤَ البَحرينِ
لو بالبلاغةِ للنبوّةِ يدّعي / لَغدا وما قُرآنُه بعِضينِ
من مَعشرٍ لهمُ على كلِّ الوَرى / شرَفُ النجومِ على حصى الأرضينِ
سامٍ لمُنصُلِه وشِسْعَيْ نَعلِه / فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشّرطينِ
همسَتْ بأصوات الطُغاة فكاد أنْ / لا يستهلَّ بهم لِسانُ جَنينِ
وتيقّنتْ بالثُّكلِ بيضُهمُ فلو / قدرَتْ لما سمَحَتْ لهم ببَنينِ
غضّتْ جلالتُه العيونَ وربّما / نظرتْ إليه فحِرْنَ في أمرَينِ
قبَسٌ جرى بيَدَيْهِ جدولُ صارمٍ / وغَمامةٌ حملَتْ شِهابَ رُدَيْني
عفُّ المآزِر كم ذُكورُ نِصالِه / فيه اِستباحتْ من فُروجِ حُصونِ
قَيلٌ يُصان لديه جوهرُ عِرضِه / والجوهرُ العِرضيُّ غيرُ مَصونِ
لو أنّ كعباً جاءَ يطلبُ ثأرَهُ / لكَبا بسابقةٍ عِثارَ حَرونِ
يُمسي الفقيرُ إذا أتاه كأنّما / غَصَبَ الغِنى من راحتَيْ قارونِ
مَولىً يلوذُ المُذنِبونَ بعَفوِه / ويفُكُّ قيدَ المُجْرمِ المَسجونِ
يا حاديَ العَشرِ العُقولِ وثاني الد / دهرِ المَهولِ وثالث القمَرَينِ
والثابتَ المِغوارَ والقِرْنَ الّذي / لا تستقرّ سُيوفُه بجُفونِ
فلقد أنارَ اللَّه فيكَ نهارَنا / وجَلا الظلامَ بوجهِك المَيمونِ
وكَسا بك الدنيا الجمالَ وزيّن ال / أيّامَ من علياكَ في عِقدَيْنِ
وأبانَ رُشدَ عِبادِه بك فاِهتدَوا / بعد الضّلالِ بأوضحِ النّجدَينِ
فتهنَّ بالعيدِ المُبارك واِغتَنِمْ / أجرَ الصيام وبهجةَ الفِطرَينِ
واِلبَس جَلابيبَ العُلا وتدرّعِ الن / نصْرَ العزيزَ وحلّةَ التّمكينِ
واِستجلِ من فكري عَروساً ما لَها / كُفُؤٌ سواكَ بسائِرِ الثَّقَلَيْنِ
وأبيكَ يا مَنْ حُكِّمَتْ بيَمينه / بيضُ العَطايا في رِقابِ العينِ
لولا حيا كفّيكَ ما حيّا الحَيا / رَوضي ولا ساحَتْ بطاحُ مَعيني
كلّا ولا نِلتُ النّعيمَ ولا نجَتْ / روحي العزيزةُ من عذابِ الهُونِ
بلغَتْ مدى الأقصى لديكَ مطالبي / وأصابتِ الغرَضَ البَعيدَ ظُنوني
لي في معانيكَ اِعتقادُ وِلاً فلَو / كُشِفَ الغِطا ما اِزدادَ فيك يَقيني
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ / واِحْذَرْ ظُبا لَفَتاتِ عِينِ ظِبائِهِ
واِنشُدْ به قلباً أضاعَتْه النّوى / من أضلُعي فعَساهُ في وَعْسائِهِ
وسَلِ الأراكَ الغضَّ عن روحٍ شكَتْ / حَرَّ الجَوى فلجَتْ إلى أفيائِهِ
واِقصِد لُباناتِ الهَوى فلعلّنا / نَقضي لُباناتِ الفؤادِ التّائِهِ
واِضمُم إليكَ خُدودَ أغصانِ النّقا / واِلثِمْ ثُغورَ الدُرِّ من حَصبائِهِ
واِسْفَحْ بذاكَ السّفْحِ حول غَديرِه / دمعاً يعسجِدُ ذَوبَ فضّةِ مائِهِ
سَقياً له من ملعبٍ بعُقولِنا / وقُلوبِنا لعِبتْ يَدا أهوائِهِ
مغنىً به تهوى القُلوبُ كأنّما / بالطّبعِ يجذبُها حصى مَغنائِهِ
أرجٌ حكى نفَسَ الحَبيبِ نَسيمُهُ / يُذكي الهَوى في الصّبِّ بَردُ هَوائِهِ
نفَحاتُهُ تُبري الضّريرَ كأنّما / ريحُ القميص تهبّ من تلقائِهِ
فلتحْذَرِ الجَرحى به أن يسلكوا / يوماً فيشتاقوا ثَرى أرجائِهِ
عهدي به ونُجومُ أطرافِ القَنا / والبِيضُ مشرقَةٌ على أحيائِهِ
والأُسْدُ تزأرُ في سُروجِ جِيادِه / والعِينُ تبغَمُ في حِجالِ نِسائِهِ
والطّيفُ يَطرقُه فيعثُرُ بالرّدى / تحت الدُجى فيصدُّ عن إسرائِهِ
والظلُّ تقصرُه الصَّبا وتمدُّهُ / والطيرُ يعرِبُ فيه لحن غِنائِهِ
لا زالَ يَسقي الغَيثُ غُرَّ مَعاشرٍ / تَسقي صوارِمُهم ثَرى بَطحائِهِ
لا تُنكِرَنْ يا قلبُ أجرَك فيهِمِ / هُمْ أهل بَدرٍ أنت من شُهدائِهِ
لولا جُمودُ الدُرِّ بين شِفاهِهم / ما ذابَ في طَرْفي عقيقُ بُكائِهِ
للَّهِ نفسُ أسىً يصعِّدها الأسى / ويردّها في العَيْنِ كفُّ قَذائِهِ
حُبِسَتْ بمُقلتِه فلا من عَينه / تجري ولم تَرجعْ إلى أحشائِهِ
مَنْ لي بخِشفِ كِناسِ خِدرٍ دونَه / ما يُحجِمُ الضرغامُ دون لِقائهِ
أحوى حوى إلْفَ الجآذِر في الفَلا / والشيءُ منجذبٌ إلى نُظرائِهِ
حسنٌ إذا في ظُلمةِ اللّيلِ اِنْجلى / تعشو الفراشُ إلى ضياءِ بَهائِهِ
يُلقي شعاعُ الخدِّ منه على الدُجى / شفقاً يعصفِرُ طيْلَسانَ سمائِهِ
فالبرقُ منه يلوحُ تحت لِثامِه / والغصنُ منه يَميلُ تحت ردائِهِ
لا غَرْوَ إن زارَ الهلالُ محلّهُ / فشقيقُهُ الأسنى برُحْبِ سنائِهِ
أو نحوَهُ نسرُ النجومِ هَوى فلا / عجباً فبَيضتُهُ بخِدرِ خِبائهِ
أنيابُ لَيثِ الغابِ من حُجّابهِ / ولواحظُ الحرباءِ من رُقَبائِهِ
كم قد خلوْتُ به وصِدقُ عَفافِنا / يجلو دُجى الفحشاءِ فجرُ ضِيائهِ
ما لي وما للدّهرِ ليسَ ذُنوبُه / تفْنى ولا عُتبى على آنائهِ
يجني على فضلي الجَسيمِ بفضلِه / وكذا الجَهولُ الفضلُ من أعدائهِ
فكأنّما هو طالبي بقِصاصِ ما / صنعَتْهُ آبائي إلى أرْزائهِ
شِيَمُ الزّمانِ الغدرُ وهو أبو الوَرى / فمتى الوفاءُ يُرام من أبنائهِ
لحِقوهُ في كلِّ الصفاتِ لأنّهم / ظُرِفوا به والماءُ لونُ إنائِهِ
فعَلامَ قلبي اليومَ يجرَحُه النّوى / ولقد عهِدْتُ الصّبرَ من حُلَفائهِ
وإلى مَ نَدبي للديارِ كأنّه / فرضٌ عليّ أخافُ فَوْتَ أدائِهِ
يا حبّذا عيشٌ على السّفحِ اِنقضى / والدّهرُ يلحظُنا بعَينِ وفائِهِ
والشملُ منتظِمٌ كما اِنتظمَ العُلا / بِندى عليٍّ أو عُقودِ ثنائهِ
وليالياً بيضاً كأنّ وجوهَها / من فوقِها سحّت أكفُّ عطائِهِ
بحرٌ إذا ما مدّ فاِبنُ سحابِنا / يدري بأنّ أباهُ لجُّ سخائهِ
ذو فتكَةٍ إن كان باللّيثِ الفَتى / يُدعى مجازاً فهو من أسمائِهِ
وأنامِلٍ إن كان يُعرَفُ بالحَيا / فيضُ النّوالِ فهنّ من أنوائِهِ
ملكٌ يعوذُ الدينُ فيه من العِدى / فيَصونُ بيضتَهُ جناحُ لِوائِهِ
كالزَّنْدِ يُلهِبُه الحديدُ بقَرْعِهِ / فيكادُ يوري البأس من أعضائِهِ
يسطو بعزْمَتِه الجبانُ على العِدى / كالسّهمِ يحمِلُه جناحُ سوائِهِ
بالفضلِ قلّد فيه جِيدَ متوّجٍ / تُمسي الثُريّا وهْي قُرطُ علائهِ
مَنْ للهِلالِ بأن يَصوغَ سِوارَهُ / نَعْلاً فيمشي وهْو تحت حِذائِهِ
بل مَنْ لنعْشٍ أن تكونَ بناتُه / تُضحي لديه وهْيَ بعضُ إمائهِ
فطنٌ تكادُ العُميُ تُبصرُ في الدُجى / لو أنّها اِكتحلَتْ بنورِ ذكائِهِ
يرمي العيوبَ بذهنِ قلبٍ قُلَّبٍ / فتلوحُ أوجهُها له بصفائهِ
لو أنّ عينَ الشمسِ عن إنسانِها / سُئِلتْ لأهدَتْنا إلى سَودائِهِ
أو قِيلَ للمِقدارِ أين سهامُه / كانت إشارتُه إلى آرائهِ
يا طالبَ الدُرِّ الثّمينِ لحَلْيِهِ / لا تشتريه من سوى شُعرائهِ
أينَ اللآلي من لآلئ مَدحِه / ظفِرَتْ بها الأفكارُ من دأمائهِ
إنْ كُنتَ تجهلُ يا سَؤل صِفاتِه / فعليكَ نحنُ نقصُّ من أنْبائهِ
العدلُ والرأيُ المسدَّدُ والتُقى / والبأسُ والمعروفُ من قُرَنائِهِ
ذاتٌ مجرّدةٌ على كلّ الورى / صدقَتْ كصدقِ الكُلّ في أجزائهِ
انظُرْ مَغاضَتَهُ تَرى عجباً فقدْ / شملَ الغديرَ البحرُ في أثنائِهِ
فهْو ابنُ مَنْ سادَ الأنامَ بفضلِه / خلَفُ الكِرامِ الغُرِّ من أبنائهِ
صلّى ووالدُه المُجلّي قبلَه / فأتى المدى فخراً على أكفائِهِ
سِيّانِ في الشرفِ الرفيع فنَفْسُه / من نفسِه وعُلاهُ من عَليائِهِ
من آل حيدرةَ الألى ورثوا العُلا / من هاشمٍ والضّربَ في هيجائهِ
آلُ الرسولِ ورهطُه أسباطُه / أرحامُه الأدْنَوْنَ أهلُ عبائهِ
نسبٌ إذا ما خُطَّ خِلْتَ مِدادَهُ / ماءَ الحياةِ يفيضُ في ظَلْمائِهِ
نسبٌ يَضوعُ إذا فضَضْتَ خِتامَه / فيُعطِّرُ الأكوانَ نَشرُ كِبائِهِ
أينَ الكرامُ الطالبونَ لحاقَهُ / منهُ وأين ثَنايَ من نَعمائِهِ
يا أيّها المَولى الّذي بيمينِه / في المال قد فتكَتْ ظُبى آلائِهِ
سَمعاً فدَيْتُك من حَليفِ مودّةٍ / مدْحاً يَلوحُ عليهِ صِدقُ ولائِهِ
مدحاً تَميلُ له الطِباعُ كأنّني / أتلو عليهِ السحرَ في إنشائِهِ
بصفاتِك اللّاتي بهرْنَ مزَجتُه / فعبِقْن كالأفواهِ في صَهبائِهِ
فاِستَجلِه نظماً كأنّ عروضَه / زهَرُ الرُبا ورويّهُ كرُوائِهِ
واِسْرُرْ هِلالَ العيدِ منكَ بنظرةٍ / تكفيهِ نقْصَ التِمِّ من لألائِهِ
فجبينُك المَيمونُ يمنحُه السّنا / وعُلاكَ يرفعُه لأوجِ سنائِهِ
طلب الكمالَ وليس أوّلَ طالبٍ / وأتى إلى جَدواكَ باستجدائِهِ
واِظْهَرْ لهُ حتّى يراكَ فإنّه / صبٌّ كساهُ الشوقُ ثوبَ خَفائِهِ
ولَيَهْنِكَ الصّومُ المُباركُ فِطرُهُ / واللَّهُ يختِمُه بحُسنِ جزائِهِ
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا / حيثُ الهوى منه فثمّ المَطلَبُ
أُمّوا بنا أُمَّ القُرى فلعلّنا / ندنو إلى لَيلى الغَداةَ ونقرُبُ
وَصِفوا لسُكّانِ الصّفا كدَري عسى / أن يُنصِفوا يوماً فيَصفو المشرَبُ
وذَروا القُلوبَ الواجباتِ برَبْعِه / تقضي الحُقوقَ الواجبات وتندُبُ
وقِفوا على الجمَراتِ نسألُ مَنْ بها / عمّن لها بصُدورِنا قد ألهَبوا
واِرْعوا الجوارِحَ أن تصيّدَها المَها / فمنَ العُيونِ لها شِراكٌ تُنصَبُ
وتجسّسوا قلبي فإنْ لم تظفَروا / فيهِ بها وأنا الضّمينُ فحَصِّبوا
واِنحوا يَمينَ منىً فثمَّ منَ المُنى / سرٌّ بأحشاءِ المَنونِ محجَّبُ
واِهْوُوا سُجوداً في ثَراهُ وصدّقوا الر / رُؤيا بنحرِكُمُ القلوبَ وقرّبوا
يا ساكني جمعٍ وحقِّ جميعكُم / لَهوايَ بين شِعابِكم متشعِّبُ
أظَنَنْتُم أنّي أمَلُّ عذابَكُم / وعذابكُم يحلو لديّ ويعذُبُ
وجّهْتُمُ تِلقاءَ مَدْيَنِ حبّكم / قلبي فأصبحَ خائِفاً يترقّبُ
وأخذتُموهُ في قِصاص خُدودِكم / وهو البَريُّ وطَرفُ عَيني المُذنِبُ
إنّي لأعجَبُ من كِلام ظِبائِكُم / وطلوعُ أنجُمِكم ضُحىً هو أعجَبُ
أستغربُ الأسنان تُنبتُ لؤلؤاً / وتصوّرُ الألفاظَ دُرّاً أغرَبُ
والقلبُ تحرُسُهُ مَعاصمُ ريمِكُم / ويزيدُ في نُطقِ الوشاحِ الرَبرَبُ
يبدو بحبّكُمُ الغزالُ مبرقعاً / ويميلُ غصنُ البان وهو معصَّبُ
أقمارُكم فوقَ الأهلّةِ طُلَّعٌ / وشُموسُكُمْ تحت الأكِلّة تَغرُبُ
صُنتُم ثُغورَ الحُسنِ عن جُندِ الهَوى / فحميتُموها في جُفونٍ تضربُ
للَّه مغنىً في الحِمى بخدورِه / يكفُلْنَ بيضاتِ النّعامِ الأعقُبُ
مغنىً تُشاهَدُ في مواقف حيّه ال / آسادُ تمرَحُ والجآذِرُ تلعبُ
نُزُلاً يُضيءُ كأنّ ملعَبَ سربِه / فلَكٌ بأقمارِ الظّلامِ مُكَوكَبُ
أفدي بُدورَ سَراةِ حيٍّ فوقَه / ضربوا القِبابَ على الشموسِ وطنّبوا
ونُجومَ حُسنٍ تحتمي بأهلّةٍ / أجرَتْ ضِياها في الشّبيبةِ أقضُبُ
ومعاشِرٍ فضلاتُ قصدِ رماحِهم / يومَ القِرى تكفيهِم أن يخطُبوا
نصبوا السّحابَ الصاعِقاتِ فقلّدوا / منها ومن فوقِ البُروقِ تنقّبوا
يا حبّذا عصرٌ مضى لا عَيبَ في / عُقباهُ إلّا أنّه لا يُعقبُ
أزكى وألطَفُ من رسائِل عاشقٍ / آصالُه وأرقُّ ممّا يُنسَبُ
فإلى مَ يمطُلُني الزّمانُ بعَوْدِه / هيهاتَ ليس بعائِدٍ ما يذهَبُ
وعْدُ الزّمانِ إذا تحقّق صِدْقُه / فعساهُ من فلَقِ الدُّجنّة أكذَبُ
عجباً لهذا الدّهرِ يغدُر بالفتى / ويَسوءُ نفسَ المرءِ وهْو محبَّبُ
لم يُرْوِ منتجِعاً رَشاشُ سحابةٍ / لولا نوالُ أبي الحُسينِ الصيّبُ
ملكٌ تَزينُ الدّهرَ حِليةُ فضلِه / ويفوزُ بالشّرفِ الرفيعِ المنصبُ
حرٌّ إذا نسبوا الكِرامَ يَفوحُ من / أنسابِه عبَقُ النّبيّ الأطيَبُ
نسبٌ لوَ اِنّ الفجرَ حاز ضياءَهُ / عاش الضُحى أبداً ومات الغَيهَبُ
أو في الدُجى عن نورِه كُشِفَ الغطا / قامت له الحِرباءُ ليلاً ترقُبُ
من آلِ حيدرَةَ الغطارفةِ الأُلى / فرضوا على الذِمَمِ النّوالَ وأوجَبوا
قومٌ همُ الأمطارُ إن فُقِدَ الحَيا / وهمُ الصّواعقُ في الورى إن حُوربوا
الناثرو عِقدَ الطُلى إن قوتِلوا / والناظِمو دُرَّ العُلا إن خُوطِبوا
بشرٌ تكوّن من ندىً وسماحةٍ / فلِذا جوانبُه تَلينُ وتصعُبُ
ليثٌ يهزُّ يَداهُ شُعلةَ صارِمٍ / ماءُ المَنونِ يكادُ منها يشربُ
نهرٌ من الفولاذ أصبح جارياً / منهُ الفرِندُ وشبّ منه المضرِبُ
عدلٌ له صفةُ الزّمانِ إذا قضى / بالسيف يخفِضُ من يَشاءُ وينصِبُ
يقضي بصرْفِ الجمعِ عادلُ رُمحِه / ولدَيه يَبني المجدَ ماضٍ مُعرَبُ
هذا وحيدُ العصر فاضلُه فإن / شكّكْتُمُ فاِبْلوا الأنام وجرّبوا
لا يُشكَرُ النادي ويعبَقُ طيبُه / إلّا إذا غنّى ثناهُ المُطرِبُ
بحرٌ إذا سُئِلَ النّوالَ فدُرُّه / يطفو ودُرُّ البحرِ فيه يَرسُبُ
تَقفوهُ من فتحِ العقابِ عِصابةٌ / ويحفّ فيه من الضّراغِم موكِبُ
غازٍ إذا في اللّيل صلّتْ قُضبُه / غنّى الحمامُ به وصاح الحُندَبُ
يفترّ مُبتسماً فيُصبحُ مالُه / يبكي ويرضى السيفُ لمّا يغضبُ
فطنٌ لفكرتِه بكلّ بديعةٍ / لفٌّ ونشْرٌ في الأمورِ مرتّبُ
يصفرُّ وجهُ التّبرِ خيفةَ بذلِه / فيكادُ جامدُه يسيلُ ويذهَبُ
لو كان شمساً لم يسعْهُ مشرقٌ / ولَضاقَ عن كتمِ الشُعاعِ المَغرِبُ
أو حازَ وجهُ الدّهْر أدنى بشْرِهِ / ما بان فيه من الخُطوبِ تقَطُّبُ
يا اِبْنَ الّذي في عِلمِه وحُسامِه / عُرِفَ الإله وبان فيه المذهبُ
لم تتّخذْ غيرَ المهنّدِ في الوغى / إلْفاً ولا غيرَ المثقَّفِ تَصحَبُ
ولَرُبَّ معترَكٍ كأنّ قَتامَهُ / والبيضُ تلمعُ فيه نورٌ أشيَبُ
تبكي بموقفِه الطُلى وفمُ الرّدى / بالضّربِ يبسِمُ منه ثغرٌ أشنَبُ
صامَتْ صوارمُه وصلّتْ قُضبُه / فالهامُ تسجدُ والمنايا تخطُبُ
كم فيه ألقى من غديرِ مُفاضةٍ / يبدو عليه من صَداها الطّحْلُبُ
أورَدْتَ فيه السيفَ وهْو حديدةٌ / وصدرْتَ وهْو من النّجيع مذهّبُ
وتركْتَ فيه من الرؤوس صوامِعاً / صلّى عليها القشْعَمُ المترهِّبُ
وركبْتَ تلحقُك النسورُ وإنّما / يسري وراها في حشاها المقنَبُ
للّه دَرُّك من فتىً لم تترُكَنْ / شيئاً من المجدِ المؤثّلِ يُطلَبُ
صيّرْتَ سيفَك يا عليُّ إلى العُلا / فركِبْتَ منه غضنْفَراً لا يُركَبُ
ما فوّق المِقدارُ سهماً صائِباً / فرمى به إلّا ورأيُكَ أصوَبُ
مولايَ سَمعاً من رقيقٍ مُخلصٍ / مدْحاً له الودُّ الصحيحُ يهذِّبُ
مدحاً غَدا هاروتُ عندَ نشيدِه / للسّحرِ من ألفاظِه يتكسّبُ
تَحكي فرائِدُه العُقودَ وإنّما / أبكارُها مكنونةٌ لا تُثقَبُ
فأجِلْ بها فِكراً ولا تغترَّ في / برقٍ سواهُ فإنّ ذلك خُلَّبُ
وتَهَنَّ بالعيد الّذي لولاكَ ما / عادَ الأنامُ فكرّروه ورحّبوا
وتوفَّ أجْرَ صيامِه وفِطارِه / قلبَ العِدا واِلْبَسْ عَلالاً يُسلَبُ
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه / وصحا فحيّاهُ النسيمُ بخمرِهِ
وصغى إلى رجعِ الحمام بسجعِهِ / فأهاجَتِ البَلوى بلابِلُ صدرِهِ
وسقَتْهُ ممرَضَةُ الجُفونِ فقلبُه / صاحٍ يرقّصُهُ الخُفوقُ لسُكرِهِ
ونسجْنَ ديباجَ السّقامِ لجسمِه / بيضُ الخُصورِ فسربَلَتْهُ بصُفْرِهِ
ووشَتْ له سُودُ العيونِ بهديها / وشيَ الحَمامِ فقمّصَتْهُ بحُمْرِهِ
وحَلا له في الحبِّ خلعُ عِذارِه / فجَلا ظلامَ العدل نيّرُ عُذرِهِ
ودنا الفِراقُ وكان يبخلُ قبلَهُ / بلُجَين مدمَعِه فجادَ بتِبرِهِ
وبَدا له برقُ العَقيق فظنّه / بيضَ الثّنايا وهْيَ لمعةُ تِبرِهِ
ورأى بها شِبهَ النجومِ فخالَها / قبَساتِ نارٍ وهْي أوجُهُ غُرِّهِ
للَّه أيّامُ العقيقِ وحبّذا / أوقاتُ لذّاتٍ مضَتْ في عصرِهِ
ثغرٌ يُجابُ صهيلُه بصهيلِه / ويُجيبُ باغِمَهُ الهزَبرُ بزأرِهِ
تَحمي أسودُ الغاب خِشفَ كِناسِه / ويضُمُّ ريشُ النّبْلِ بيضةَ خِدرِهِ
لا فرقَ بين وصولِ طوقِ قَناتِه / للطّالبين وبينَ هالةِ بَدْرِهِ
أقمارُه حملَتْ أهلّةَ بِيضِه / وشُموسُه حُرِسَتْ بأنجُم سُمرِهِ
حرمٌ مَنيعُ الحيّ قد كمن الرّدى / بجُفونِ شادِنه ونابِ هِزَبْرِهِ
هو ملعبُ البيضِ الحوالي فاِلتقِطْ / منه اللآلي واِنتشِقْ من عِطرهِ
إيّاكَ تقربُ ورْدَ منهلِ حيّه / فالموتُ ممزوجٌ بجرعةِ خُصْرهِ
تهَبُ الظُماةُ به لطالوت الرّدى / بحرَ النّجيع بغرفةٍ من نهرهِ
سلْ يا حَماكَ اللَّهُ عن خبَر الحِمى / نفَسَ الشِّمالِ فقد طَواهُ بنَشْرِهِ
واِستَخبِر البَرْقَ الضحوكَ إذا اِنْبرى / شطرَ اللّوى عمّن حكاه بثغرِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإنّهُم / سلَبوا فؤادَ الصّبِّ ملبَسَ صبرِهِ
لولا اِنتظامُ الدُرِّ بين شفاهِهم / ما جادَ ناظمُ عَبرَتي في نثرِهِ
وبمهجَتي الرَّكْبُ المعرَّضُ للحِمى / وبُدورُ تِمٍّ في أكلّةِ سِفرِهِ
جعلوا عليَّ بقاءَ روحي منّةً / أوَ ما رآها ركبُهمْ في إثرِهِ
كيفَ البَقاءُ وفي غفائِر بيضِهم / ساروا عن المُضنى بألْيَلِ عُمرهِ
لا تطلبنّ القلبَ بعد رحيلهم / منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسْرهِ
قالوا الفِراقُ غداً فلاح لناظري / صُوَرُ المَنايا في سُحيّرِ فَجرِهِ
يا ليتَ يوم البينِ من قبلِ النّوى / لم تسمحِ الدُنيا بمولِدِ شهرِهِ
يوماً علينا بالكآبةِ والأسى / شهدَتْ جَوارحُنا بموقفِ حَشرِهِ
كيف السُّلوُّ وليس صبرُ أخي الهَوى / إلّا كحظِّ أخي النُهى في دهرِهِ
فإلى مَ أرجو الدّهرَ يُنجزُ بالوَفا / وعدي فتعرِضُ لي مكايِدُ غَدرِهِ
لا شيءَ أوهى من مواعِدِه سوى / دعوى شريكِ أبي الحُسين بفخرِهِ
ملكٌ إذا حدَثُ الزّمان لنا قَضى / أمضى مُضارعَهُ بصيغةِ أمرِهِ
فرعٌ إلى نحوِ العُلا يسمو به / أصلٌ رَسا بين النبيّ وصهرِهِ
نورٌ إذا ما بالوصيّ قرَنتَه / أيقَنْتَ أنّ ظُهورَه من ظهرِهِ
حرٌّ لو اِنتظَمَتْ مفاخِرُ هاشمٍ / بقِلادةٍ لرأيتَها في نحرِهِ
لا يُدركنَّ مديحَهُ لسِنٌ ولو / نظمَ الكواكبِ في قلائِدِ شِعرِهِ
للّه بينَ بيانهِ وبنانِه / كنزٌ أفادَ السائِلينَ بدُرّهِ
لو كان للبحرِ الخضَمِّ سماحُه / لم يخزُنِ الدُرَّ اليتيمَ بقَعرِهِ
سمحٌ لو اِنّ النيّراتِ جواهرٌ / قذفَتْ بها للوَفدِ لجّةُ بحرِهِ
يعطي ويحتقر النّوالَ وإنْ سَما / فيرى الثُريّا في أصاغِرِ صِرِّهِ
خطب العُلا فتطلّقَتْ أموالُه / منه وزوّجَه النّوالُ ببِكرهِ
تاللَّهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القَضا / يوماً بأفتَكَ من نَداهُ بوَفرِهِ
لو تلمِسُ الصّخرَ الأصمّ يَمينُه / لتفجّرَتْ بالعَذْبِ أعيُنُ صخرِهِ
قتلَتْ مهابتُه العدوَّ مخافةً / فكفَتْ صوارِمَهُ أسنّةُ ذُعرِهِ
بطلٌ إذا في الضّربِ ألهبَ مارِقاً / خِلْتَ الكواكبَ من تَطايُر جَمرهِ
فسلاحُ ليلِ الحتْفِ مِخلَبُ سيفِه / وجَناحُ طيرِ النُّجْحِ رايةُ نصرِهِ
بحرٌ إذا خاضَتْهُ أفكارُ الوَرى / غرِقَتْ به قبلَ البلوغُ لعِبْرِهِ
فطِنٌ يكادُ الليلُ يُشرِقُ كالضُحى / لو أنّ فكرَتَه تمرُّ بفِكرِهِ
آيُ الفَصاحةِ إن يخُطَّ يَراعُهُ / لم تَبدُ أنجمُها بظُلمةِ حِبرِهِ
ترك المواكبَ كالكواكِبِ فاِهتدى / فيهنّ مَنْ يَسْري لمَشرِقِ يُسْرِهِ
غيثٌ يكادُ التِّبرُ ينبُتُ بالرُبى / كالنورِ لو وُسِمَتْ بلؤلؤِ قَطْرِهِ
لو أنّ للأعناقِ منها ألسُناً / نطَقَتْ بأفواهِ الجُيوبِ بشُكرِهِ
لم يغشَ وجهَ الأفْقِ حتّى ينطوي / كلَفُ الدُجى لو حاز رونَق بِشرِهِ
سامٍ يمُدُّ إلى العُلا باعاً طوتْ / مجرى الدّراري السبْعِ خُطوةُ بِشرهِ
من آلِ حيدرَةَ الأُلى اِزدانَ العُلا / فيهم كما اِزْدانَ الرّبيعُ بزَهرِهِ
غُرٌّ إذا منهم تولّدَ كوكَبٌ / حسدَتْ شُموسُ الأفْقِ مفخَرَ ظِئْرِهِ
قفرٌ لوَ اِنّهُمُ جلَوْا أحسابَهم / في اللّيل لاشتبَهَتْ بأضوإِ زَهرِهِ
من كلِّ أبلَجَ في ذُيولِ قِماطِه / علقَ العُلا ونَشا السّماحُ بحِجْرِهِ
لم يبكِ وهْوَ على حَشيّةِ مهدِه / إلّا لحُبِّ ركوبِ صهوَة مُهرِهِ
للَّه دَرُّك يا عليُّ ففضلُهُم / بك فُصِّلَتْ آياتُ مُحكَمِ ذِكرِهِ
اللّهُ حَسبُك كيف سِرْتَ إلى العُلا / ما بينَ أنيابِ الحِمامِ وظُفْرِهِ
لولاكَ قُدْسُ المجدِ أصبحَ طورُه / دكّاً يموجُ وخرَّ موسى قدْرِهِ
قامت بنجدتِه سيوفُك فاِغْتدَتْ / بالنّصرِ تبسِمُ كالثّغورِ بثغرِهِ
جرّدْتَها فرجَمْتَ شيطانِ العِدا / بنُجومِها ودحَرْتَ ماردَ شرِّهِ
قُضُبٌ إذا رأتِ الأسودُ فرِنْدَها / شهِدَتْ مَناياها بأيدي ذرِّهِ
مولايَ سمعاً من رَقيقِك مِدحةً / هي بنتُ فكرتِه ودُميةُ قَصْرِهِ
بِكرٌ يحجِّبُها الجَمالُ وإنْ بدَتْ / ويصونُها خفرُ الدّلالِ بسَتْرِهِ
لو كان تخطِبُها النُجومُ لبَدرِها / حاشاكَ لم تُعْطِ القَبولَ لمَهْرِهِ
فاِستجلِها عذراءَ هذّبَ لفظَها / طبعٌ أرقُّ من النّسيمِ بمرّهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ المباركُ صومُه / وجزاكَ ربُّك عنه أفضلَ أجرِهِ
شهرٌ لوَ اِنّ من الوَرى أوقاتُه / عُدّتْ لرُحْتَ وأنت ليلَةُ قَدْرِهِ
واِسْعَدْ بعِيدٍ أنت فينا مِثلُه / واِفْطُرْ قُلوبَ المعتَدين بفِطرِهِ
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا / فمَحَوا بأنجُمِها مصابيحَ المُنا
وبَنوا الحِجالَ على الشّموسِ فوكّلوا / شُهْبَ السُّهاءِ برَجْمِ زوّارِ البِنا
وجلَوْا بتيجانِ التّرائِبِ أوجُهاً / لو قابلَتْ جيشَ الدُّجنّةِ لاِنْثَنا
وجرَوْا إلى الغايات فوقَ سوابِقٍ / لو خاضَ عِثيَرَها النهارُ لأوهَنا
للّهِ قومٌ في حبائِلِ حُسنِهم / قنصوا الكَرى لجفونِهم من عِندنا
غُرٌّ رَبارِبُهُم وأُسْدُ عرينِهم / سلّوا المَنونَ وأغمدوها الأجفُنا
إن زارَهُم خصْمٌ عليه نضوا الظُّبا / أو مُدنفٌ سلّوا عليهِ الأعيُنا
لم تلقَهُم إلّا وفاجاكَ الرّدى / من جَفنِ غُصْنٍ هُزَّ أو ريمٍ رَنا
تُثْنى الظُّبا تحتَ السّوابِغِ منهُمُ / سُمرَ الرِّماحِ وفي الغلائِلِ أغصُنا
من كلِّ محتجِبٍ تبرّجَ في العُلا / أو كُلِّ سافِرةٍ يحجِّبُها السّنا
نُهدى بلَمعِ نُصولِهم لوصولِهم / ونرى ضِياءَ وجوهِهم فتصُدَّنا
قسَماً بقُضْبِ قُدودِهم لخُدودِهم / كالوردِ إلّا أنّها لا تُجتَنى
كم مات خارجَ حيّهم من مُدنَفٍ / والروحُ منه لها وجودٌ في الفَنا
أسكنْتُهُم بأضالِعي فبُيوتُهم / بطُوَيلعٍ وشُموسُهُم بالمُنْحَنا
يا صاحِ إن جِئتَ الحجازَ فمِلْ بِنا / نحو الصّفا فهَوايَ أجمعُهُ هُنا
فتّشْ عَبيرَ ثَراهُ إن شِئتَ الثّرى / فالدُّرُّ حيثُ به نثَرْنا عتْبَنا
واِنشُدْ به قلبي فإنّ مُقامَه / حيثُ المَقامُ به الحجونُ إلى مِنى
وسلِ المضاجِعَ إن شكَكْتَ فإنّها / منّا لَتَعْلَمُ عفّةً وتديُّنا
يا أهلَ مكّةَ ليت مَنْ فلَقَ النّوى / قسمَ المحبّةَ بالسّويّةِ بينَنا
أطلقْتُمُ الأجسامَ منّا للشّقا / ولديكُمُ الأرواحُ في أسرِ العَنا
أجفانُكُمْ غَصَبَتْ سَوادَ قُلوبِنا / وخُصورُكم عنهُ تعوِّضُنا الضّنا
عن رِيّ غُلَّتِنا منعتُم زمزَماً / ورمَيتُمُ جَمَراتِ وجدِكمُ بِنا
ظبياتُكُم أظمأنَنا وأُسودُكم / بجداوِلِ الفولاذِ تمنعُ وِرْدَنا
ما بالُ فجرِ وصالِكُم لا ينجلي / وقُرونُكم سلبتْ ليالي بُعدِنا
أبِزَعْمِكُم أنّا يغيّرُنا النّوى / فوَحقِّكُم ما زالَ عنكمُ عهدُنا
أنخونُكُم بالعَهدِ وهْو أمانةٌ / قبضَتْ خَواطِرُنا عليهِ أرهُنا
أُخفي مودَّتَكُم فيظهَرُ سرُّها / والرّاحُ لا تَخفى إذا لَطُفَ الإنا
بِكُمُ اتّحدْتُ هَوىً ولو حيَّيْتُكُمْ / قلتُ السلامُ عليّ إذ أنتمْ أنا
للّه أيّامٌ على الخَيْفِ اِنقضَتْ / يا حبّذا لو أنّها رجعَتْ لنا
أيّامُ لهْوٍ طالما بوُجوهِها / وضَحَتْ لنا غُرَرُ المحبّةِ والهَنا
وسَقى الحيا غدَواتِ لذّاتٍ غدَتْ / فيها غُصونُ الأُنسِ طيّبةَ الجَنا
وظِلالَ آصالٍ كأنّ نسيمَها / لأبي الحسينِ يهُبُّ في أرَجِ الثَنا
ملِكٌ جلالتُه كَفَتْهُ وشأنُه / عن زينةِ الألقابِ أو حَلْيِ الكنى
سمْحٌ إِذا أثنى النّباتُ على الحيا / قصدَ المَجازَ بلفظِهِ ولهُ عَنا
قِرْنٌ لديه قِرى الجُيوشِ إذا به / نزلوا فُرادى الظّعنِ أو حِزبٍ ثُنا
للفخرِ جَرْحاهُ تلَذُّ بضَرْبه / والبُرُّ يُرضي الجُرْبَ في ألَم الهَنا
تُمسي بأفواهِ الجِراحِ حرابُه / تُثْني عليه تظنُّهُنَّ الألسُنا
سجدَتْ لعزْمتِه النِصالُ أمَا تَرى / فيهنّ من أثَرِ السُجودِ الإنحِنا
وهوَتْ عواليه الطِعانَ فأوشَكَتْ / قبلَ الصّدورِ زجاجُها أن تطعَنا
بيتُ القصيد من المُلوكِ وإّما / يأبى عُلاه بوزنِهم أن يُوزَنا
يَصبو إلى نُجُبِ الوفودِ بسَمْعِه / طَرَباً كما يَصبو التّريفُ إلى الغِنا
متسرِّعٌ نحو الصّريخِ إذا دعا / مترفِّقٌ فيه عن الجاني وَنا
فالوُرْقُ تُشفِقُ منه يُغرِقُها النّدى / فلِذاكَ نلجأُ في الغُصونِ لتأمَنا
والنارُ من فزَعِ الخُمودِ بصوبِه / فزِعَتْ إلى جوفِ الصخورِ لتكْمُنا
والمُزْنُ من حسدٍ لجودِ يَمينه / تَبكي أسىً وتظنُّها لن تَهتِنا
بطلٌ تكادُ الصّاعِقاتُ بأرضِه / حذَراً لصوتِ الرّعدِ أن لا تُعلِنا
لو أكرَمَ البحرُ السّحابَ كوَفدِه / للدُّرِّ عنّا كادَ أن لا يخْزُنا
أو يَقتَفيهِ البدرُ في سعي العُلا / لم يرضَ في شرفِ الثُريّا مَسكنا
أو بِعْنَ أنفُسَها الأهلّةُ صفقةً / منه بنعلِ حذائِه لن تُغبَنا
حُرِسَتْ عُلاهُ بالظُّبا ففُروجُها / تحكي البُروجَ تحصُّناً وتزيُّنا
لا يُنكِرَنّ الأفْقُ غبطَتَهُ لها / أوَ ليسَ قد لَبسَ السّوادَ تحزُّنا
تقفُ المنيّةُ في الزّحامِ لديه لا / تسعى إلى المهجاتِ حتّى يأذَنا
نفذَتْ إرادَتُه وألقَتْ نحوَهُ الد / دُنيا مقاليدَ العُلا فتمكّنا
فإذا اِقتضى إحداثَ أمرٍ رأيُه / لو كان ممتنِعَ الوجودِ لأمكَنا
يا مَنْ بطَلعَتِهِ يَلوحُ لنا الهُدى / وبيُمنِ رؤيتِه نَزيدُ تيمُّنا
ما الروحُ منذُ رحلْتَ إلّا مُهجةٌ / بكَ تُيِّمَتْ فخُفوقُها لن يَسْكُنا
أضناهُ طولُ نَواكَ حتّى أنّه / دلّ النحولُ على هَواهُ وبرهَنا
أخفى الهُدى لمّا اِرتحَلْتَ منارُه / فحلَلْتَ فيه فلاحَ نوراً بيّنا
قد كنتَ فيه وكان صُبحاً مشرِقاً / حتّى اِرتحلْتَ فعاد ليلاً أدكَنا
سلبَ البلا مُذ غِبْتَ ملبَسَ أرضِه / فكسَتْهُ أوبَتُكَ الحريرَ ملوَّنا
فارَقْتَه فأباحَ بعدَك للعِدى / منهُ الفُروجَ وجِئتَه فتحصّنا
أمسى لبُعدِكَ للصّبابةِ مَحزَناً / والآن أصبحَ للمسرّةِ مَعْدِنا
لا أوحشَ الرحمنُ منكَ رُبوعَهُ / أبداً ولا برحَتْ لمجدِكَ موطِنا
مولاي لا برِحَ العِدى لكَ خُضَّعاً / رَهَباً ودانَ لك الزّمانُ فأذْعنا
هبْ أنّهم سألوكَ فاِحسِنْ فيهم / لِرِضا الإلهِ فإنّه بكَ أحسَنا
لا تعجبنّ إذا اِمتُحِنْتَ بكَيدِهم / فالحُرُّ ممتَحَنٌ بأولادِ الزِّنا
فاِغضُضْ بحِلمِكَ ناظراً متيقّظاً / واِجْمَعْ لرأيكِ خاطِراً متفطِّنا
واِغفِرْ خطيئَةَ مَنْ إذا عُذْراً بَغى / وهْو الفَصيحُ غَدا جباناً ألْكَنا
إنّي لأعْلَمُ أنّ عنكَ تخلُّفي / ذَنْبٌ ولكنّي أقولُ مُضمِّنا
أضحى فراقُك لي علَيْهِ عُقوبةً / ليس الّذي قاسَيْتُ منه هيّنا
لا زالَ فيكَ المجدُ مبتهِجاً ولا / فَجعَتْ بفُرقَتِكَ العُلا نُوَبُ الدُّنا
حتّامَ أسألُها الدُّنوَّ فتنزَحُ
حتّامَ أسألُها الدُّنوَّ فتنزَحُ / وأروضُ قلبي بالسّلُوِّ فيجْنَحُ
وإلامَ لا أنفكُّ أُصرَعُ للهوى / وتَتيهُ في عزّ الجمالِ وتمرَحُ
وعلامَ تمطُلُني فيحسُنُ مطلُها / وتَسومُني الصّبرَ الجميلَ فيقبُحُ
تَجفو وما حُنِيَتْ عليه أضالعي / يحنو علَيْها والجوانحُ تجنَحُ
قلبي يضنُّ بها عليّ ومنطِقي / عنها يُكنّي والجفونُ تصرّحُ
يا لائِمي فيها وعُذريُّ الهَوى / من وجهِها الوضّاحِ عُذري أوضحُ
خُنتُ التُّقى وقطعتُ أرحامَ العُلا / إن لمْ أَعُقْ في حبِّها مَنْ ينصَحُ
لا تعذُلوا الدَّنِفَ المَشوقَ فقلبُه / كالزَّندِ يقرَعُه المَلامُ فيقدَحُ
ما بالُ تَضعُف عن ملامِك طاقَتي / وأنا الحَمول لكلِّ خطبٍ يَفدَحُ
لا يسنَحُ الأجَلُ المُتاحُ بفِكرَتي / إلّا إذا إجْلُ الجآذِرِ يسنَحُ
يا ساكِني الجرْعاءِ لا أقوى الغَضا / منكُم ولا فقدَتْ مَهاكُم توضَحُ
هل في الزّيارةِ للنّسيمِ أذِنتُمُ / فلقد أشمُّ المِسكَ منه ينفَحُ
لم تَحْسُنِ الأقمارُ بعدَ وجوهِكُم / عندي ولا نظَري إلَيها يطمَحُ
لا تُنكِروا قتلَ الرُّقادِ ببَينِكم / أوَ لَيسَ ذا دمُه بخدّي يسفَحُ
عُذراً فكم قلبي بلَيلى حيِّكُم / قد ماتَ عُذريٌّ وجُنَّ ملوَّحُ
للّه كم في سربِكُم من مُقلةٍ / تمضي وبيضُ صِفاحِها لا تجرَحُ
ولكُم بزندِكُمُ سِوارٌ أخرَسٌ / أوحى الكلامَ إلى وِشاحٍ يُفصِحُ
أبصارُنا مخطوفةٌ وعُقولُنا / بثُغورِكُم وبُروقُها لا تُلمَحُ
يُرْدى بحيِّكُمُ الهزَبْرُ مسَربَلاً / ويمرّ فيه الظّبيُ وهْو موشّحُ
لم يخشَ لولا مُهلِكاتُ صُدودِكم / بيضاً تُسَلُّ وعادياتٍ تضبَحُ
رِفقاً بمُنتَزِحٍ إليكُم رُوحه / تغدو بها ريحُ الصَّبا وترَوِّحُ
يصبو إلى برقِ الحجونِ فتَلتَظي / ويصوّبُ الدّمعَ الهَتونَ فتسبَحُ
رَعياً لأيّامِ الحِمى ورَعى الحِمى / وسقَتْ معاهدَهُ العِهادُ الرُوَّحُ
وعَدا البِلادَ الرَّوْحَ من مغنًى فلا الْ / أرواحُ فيها والقُلوبُ تروَّحُ
كلُّ المواردِ بعدَ زمزَمَ حُلوُها / بفَمي يُمَجُّ وكلُّ عَذْبٍ يَملَحُ
يا جِيرةً غلِطَ الزّمانُ بوصلِهم / فمحَوْهُ إذ وطَنوا إليه وصحّحوا
لا تطلُبوا عندي الفؤادَ فدارُه / إمّا رُبوعُ مِنىً وإمّا الأبطَحُ
يا لَيتَنا بمنى حَوانا موسِمٌ / ولكُم به نُهدي القلوبَ ونذبَحُ
خلّفتُمُ الوَجْدَ المبرِّحَ بعدَكُم / عِندي فروحي عندَكم لا تبرَحُ
ما لي وما للدّهْرِ بمُنجِزٍ / وعْدي ولا أمَلي لديْكُم ينجَحُ
أشكو الزّمانَ إلى بَنيهِ وإنّما / فسدَ الزّمانُ وليسَ فيهم مُصلِحُ
ساءَتْ خلائِقُهم فساءَ فلا أرى / شيئاً به إلّا عليّاً يُمدَحُ
الماجدُ العذْبُ الّذي في نفسِه / وبمالِه يَشْري الثّناءَ ويسمَحُ
حُرٌّ يُريكَ البِشرُ منه لدى النّدى / شِيَماً كأزهارِ الرِّياضِ تفتّحُ
شِيمٌ تصرّحُ آيةُ التّطهيرِ عن / أنسابِها وبفضلِهنَّ تُلوّحُ
قِرنٌ إذا أجرى جداوِلَ قُطبِه / أذْكَتْ على الهاماتِ ناراً تلفَحُ
طلْقُ المحيّا والجيادُ سَواهِمٌ / والبيضُ تَبسِمُ في الوجوهِ فتكْلَحُ
فطِنٌ له علمٌ يَفيضُ ومنسَبٌ / من ضرعِه دَرُّ النّبوّةِ يرشَحُ
فرعٌ ذَكا من دوحةِ الشّرفِ الّتي / من فوقِها وُرْقُ الإمامةِ تصدَحُ
علَمٌ على جعْلِ البريّةِ واحداً / للجاحدين هو الدّليلُ الأرجَحُ
هو فوقَ علمِكُمُ به فتأمّلوا / فيه فللأنظارِ فيه مَطرَحُ
هذا ملخّصُ نُسخةِ السّاداتِ من / آلِ النّبيّ ففضلُه لا يُشرَحُ
صَغُرَ المديحُ وجلّ عنه فكلُّ مَنْ / يُثني عليه فكأنّما هو يقدَحُ
إن شِئْتَ إدراكَ الفَلاحِ فوالِه / ولَكُلُّ مَنْ والى عليّاً يُفلِحُ
تَهوي الجِبالُ الرّاسياتُ وحِلمُه / في الصّدرِ لا يهوي ولا يتزحزَحُ
لا مُبدياً جزَعاً لأعظَمِ فائِتٍ / منه ولا بحُصولِ ذلك يَفرَحُ
كم بينَ شِدّةِ خوفِه ورجائِه / عينٌ تسيلُ دماً وصدرٌ يُشرَحُ
أسدٌ لديه دمُ الأسودِ من الطِّلا / أحلى ومن ريقِ الغَواني أملَحُ
تهوي مذاكِيه الصّباحَ كأنّه / لبَنٌ بخالِصِه تُعَلُّ وتُصبحُ
سبقَ الأنامَ وما تجاوزَ عُمرُه / حولاً ولم تَبلُغْ نَداهُ القُرَّحُ
كم من دُجىً أنضى أداهِمَها سُرىً / حتّى حميمُ الفجرِ منها يَنضَحُ
يستصْحِبُ النّصرَ العزيزَ بسيفِه / وبرأيهِ فدُجى الوغى يستصْبحُ
لو تُنكَحُ الريحُ العَقيمُ برِفقِه / يوماً لَبِالبَرَكاتِ كادَتْ تُلقَحُ
وافى وقد نضَبَ النّوالُ وأصبحَتْ / غُدْرُ المَطالبِ وهْيَ ملأَى تطفَحُ
وسقى العُلا عزّاً فأصبحَ روضُهُ / خِصباً ولولاهُ لكادَ يصوِّحُ
يُخفي النّدى فينمُّ عرْفُ ثنائِهِ / فيه وريحُ المِسكِ ممّا يفضحُ
أندى المُلوكِ يداً وأشرفُهُم أباً / وأبرُّهُم للمُذنِبين وأصفحُ
قُلْ للّذي حسداً يَعيبُ صِفاته / أعلِمْتَ أيَّ ضياء بدرٍ يقبُحُ
اِنظُرْ جَميعَ خِصالِه وفِعالِه / فجميعُها عِبَرٌ لمنْ يتصفّحُ
عجباً لقومٍ يكفُرونَ بها ولو / عقَلوا وما غفَلوا الصّوابَ لسبّحوا
يا اِبْنَ الأُلى لولا جِبالُ حُلومِهم / لم يَرْسُ ظهرُ الأرضِ وهْو مسطَّحُ
والكاسِب المِدَح الّتي لا تنتهي / والواهِبَ المنَحَ الّتي لا تُمنَحُ
والثّابتَ الرأي المُسدَّدِ حيثُ لا / أسَدٌ يقرُّ ولا جَوادٌ يُكبَحُ
فُزْ بالعُلا واِنْعَمْ فإنّك أهلُها / ولَها سِواكَ من الورى لا يصلُحُ
واِستَجلِ من نَظمي بدائِعَ فكرةٍ / بسِواكَ بكرُ ثنائِها لا تُنكَحُ
واِسعَد بعيدٍ مثلِ وجهِك بهجةً / تروى برؤيتِه القُلوحُ اللُّوَّحُ
عيدٌ تكمّل بالسّعودِ هِلالُه / فبَدا وأنتَ أتمُّ منه وألْوَحُ
لا زالَ شهرُ الصّومِ يُختَمُ بالهَنا / لكَ والثّوابِ وفيهِما يُستَفْتَحُ
عُجْ بالعقيقِ ونادِ أُسْدَ سَراتهِ
عُجْ بالعقيقِ ونادِ أُسْدَ سَراتهِ / أسْرى قُلوبٍ في يَدَي ظَبَياتِهِ
واِبذُلْ به نقدَ الدموعِ عساهُمُ / أن يُطلِقوها رشوةً لقُضاتِهِ
واِسألهُم عمّا بهم صنعَ الهَوى / لشقائِهِنّ به وجَورِ وُلاتهِ
هامَت بواديه القُلوبُ فأصبحتْ / منّا النّفوسُ تَسيحُ في ساحاتِهِ
إن لم تُذِقْنا الموتَ أعيُنُ عِينِه / كمَداً فأصْحانا لَفي سَكَراتِهِ
نقضي ويَنشُرُنا هَواهُ كأنّما / نفَسُ المَسيحِ يهُبُّ في نفَحاتِهِ
وادٍ إذا دارِينُ سافرَ طِيبُها / عنها غَدا متوطّناً بجِهاتهِ
إن لم تكُن بالحظِّ تعرفُ أرضَهُ / فلقد زَهَتْ أكنافُها بنباتِهِ
كمنَتْ بأكناف الرَّبارِبِ أُسْدُها / فيه الكِناسُ تُعدّ من غاباتهِ
للّهِ حيٌّ أشبهَتْ بصفاحِها / فِتيانُه اللفتاتِ من فتياتِهِ
ومحلِّ طعنٍ شاكَكَتْ برِماحها / خُفراؤُهُ القاماتِ من خَفراتِهِ
فلكٌ مشارقُه الجُيوبُ أما تَرى ال / أطواقَ في الأعناق من هالاتِهِ
تَهوي بُدورُ التِمِّ تحت قِبابِه / وتَلوحُ أنجمُه على قنواتِهِ
أسدُ النّجومِ وإن تعذّر نَيلُه / أدنى وصولٍ من وُصولِ مَهاتِهِ
دون الأماني البيض خلفَ سُتورِه / حُمرُ المَنايا في عَمود حُماتهِ
حرمٌ بأجنحةِ النّسورِ صيانةً / عضّتْ كَواسرُهُ على بَيضاتِهِ
وحمى به نصَبَ الهَوى طاغوتَهُ / فاِحْذَرْ به إن جُزْتَ فِتنةَ لاتِهِ
لم نَدْرِ أيّهُما أشدُّ إصابةً / مُقلُ الغَواني أم سِهامُ رُماتِهِ
تُغنيكَ وَجناتُ الدُمى عن ورْدِهِ / ومَراشفُ الغِزلانِ عن حاناتِهِ
سلْ عن أوانِسِ بَيضِهِ قمرَ الدُجى / فعساهُ يُرشدُنا إلى أخَواتِهِ
واِنشُدْ به إن جئتَ يانِعَ بانِه / قلبي فطائِرُهُ على عذَباتِهِ
ما بالُهُ من بَعدِ عِزِّ جَوانبي / يختارُ ذُلَّ الأسْرِ في جنَباتِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإن همُ / حكَموا على جَمعِ الكَرى بشَتاتِهِ
أمّوا العَقيقَ وخلّفوا خَلفَ الغَضا / جِسمي الفَنا وتعوّضوا بحياتِهِ
غابوا عن الدّنِفِ المفدّى طيفُهم / إن صدّقَ الرؤيا بذَبح سِناتِهِ
نسخَوا زَبورَ عَزاهُ منذُ بهَجرِهم / نسَجوا سُطورَ الدّمع في وَجَناتهِ
لولا غَوالي الدُرِّ بين شِفاهِهِم / لم يرخُصِ الياقوتُ من عَبَراتِهِ
أحيا الدُجى كمداً فخرّ صباحُهُ / ميْتاً فأوقعَهُ القَضا بِشواتِهِ
ولَجَ الهَوى فيه فأخرَجَ كِبده / فلِذا بَذيُّ الدّمعِ من حدَقاتِهِ
يُخفي صبابتَهُ ومَصدور الهَوى / نطقَ الدُموعَ الحُمرَ من نَفثاتِهِ
سيّانِ فيضُ دُموعِه يومَ النّوى / وندى عليِّ المَجدِ يومَ هِباتِهِ
فخرُ السيادة والعُلى المَلِكُ الّذي / سجدَتْ وُجوهُ الدّهرِ في عَتَباتِهِ
صِمصامَةُ الحقِّ المُبينِ وعاملُ الد / دينِ القَويمِ سِنانُ مَسنوناتِهِ
الكوكبُ الدُرّيُّ نورُ زُجاجةِ ال / مُختارِ بل مِصباحُ ذُرّياتِهِ
حرٌّ يدلُّ على كريمِ نِجادِه / طيبُ النّبوّةِ من جُيوبِ صِفاتِهِ
سمْحٌ يدُ التّصويرِ خطّتْ للوَرى / سُبُلاً إلى الأرزاقِ في راحاتِهِ
فطِنٌ له ذهنٌ إذا حقّقْتَه / أبصرْتَ نورَ اللَّهِ في مِشكاتِهِ
يَقفو ظُهورَ الكائِناتِ بحَدسِه / فيَرى وُجوهَ الغَيبِ في مِرآتِهِ
عيسى الزّمانِ طَبيبُ أمراضِ العُلا / مُحيي رُفاتِ الجودِ بعد مَماتِهِ
للَّهِ كم في عِلمِه من دُرّةٍ / مخزونةٍ كمنَتْ بِلُخِّ فُراتِهِ
إن يَعبُقِ النّادي بحُسنِ حديثِه / فلِطيبِ ما تَرويهِ لُسْنُ رُواتِهِ
متورّعٌ عفُّ المآزِر طائِعٌ / يعصي الهَوى للّهِ في خلَواتِهِ
ما أشغلَتْهُ طاعةٌ عن طاعةٍ / فصلاتُه مشفوعةٌ بصِلاتِهِ
فسلِ المضاجِعَ عن تجافِيه الكَرى / واِستخْبِرِ المحرابَ عن نغَماتِهِ
يتقرّبُ الجاني إليه لعَفْوهِ ال / مأمولِ عند السُخْطِ في زلّاتهِ
كلُّ المطالِبِ دونَه فلوَ اِنّهُ / طلبَ السِماكَ لحطّ من درجاتِهِ
لسِنٌ يُواري باللسانِ مهنّداً / تُشفى صدورُ الحقِّ في ضرباتِهِ
ما قال لا يوماً ولا عثرَ الهوى / كلّا ولا التأثيمُ في لهَواتِهِ
لو أنّ أصدافَ اللآلي أُوتيَتْ / سَمْعاً عليها آثرَتْ كَلِماتِهِ
أو للنُجومِ يُباعُ حُسنُ بَيانِه / أعطَتْ دَراريها بُدورَ بِناتِهِ
يوحي الكلامَ إلى جَمادِ يَراعِه / سرّاً فيُفصحُ عن بَديعِ لُغاتِهِ
فالدّرُّ يَدري أنّ أكرَم رَهْطِه ال / مَنثورُ والمنظوم من لفَظاتِهِ
والسحرُ يعلم أنّما هاروتُه / قلمٌ تنكّرَ في قَليبِ دَواتِهِ
قِرنٌ قَضى من تَيْمِ أبناءِ العِدى / وأذاقَ قلبَ الدّهرِ ثُكْلَ بناتِهِ
شمسٌ إذا ركِبَ الدُجنّةَ غازياً / طلعَتْ نُجومُ القَذْفِ من هَفَواتِهِ
أوَ ما تَرى وجهَ الصّباحِ قد اِكْتَسى / أثَر اِصْفِرارِ الخَوفِ من غاراتِهِ
كلُّ النجومِ تَغورُ خِيفةَ بأسِه ال / مَشهورِ حين يمرُّ نهرُ سُراتِهِ
طال اِغترابُ سُيوفِه فتوطّنَتْ / بدلَ الغُمودِ جُسومَ أُسْدِ عُداتِهِ
يَبكي اللُّهامُ دماً ويضحكُ عَضبُه / بيمينِه هُزؤاً على هاماتِهِ
وتَميلُ من طرَبٍ قَناهُ لعِلْمِها / ستبُلُّ غُلَّتَهنّ عن مُهجَاتِهِ
كاللّيثِ في وثَباتِه يومَ الوغى / والطّودِ في تمكينِه وثَباتِهِ
أيّامُه في العصرِ كالتّوريدِ في / خدّيْهِ أو كالبحرِ في لحَظاتِهِ
قد ألْبسَ الدُنيا ثِيابَ مفاخرٍ / ستَرَ الزّمانُ بها على عَوْراتِهِ
هذي ثِمارُ نَوالِه فليَقْتَطِفْ / ما يَبتغي المُحتاجُ من حاجاتِهِ
قُسِمَ الحَيا فبكفّهِ المَقصورُ وال / مَمْدودُ مقصورٌ على قسَماتِهِ
حسنٌ له وجهٌ يُريكَ إذا اِنْجلى / ماءُ السّماحِ يَجولُ في صفَحاتِهِ
وشمائِلٌ لو في السّماءِ تجسّمَتْ / كانت بُدورَ التِمِّ في ظُلُماتِهِ
يا اِبْنَ الّذين بيَومِ بَدر أزهقوا / بحُدودِ أنصُلِهم نُفوسَ طُغاتِهِ
واِبْنَ المَيامين الّذين توارثوا / عِلمَ الكِتابِ وبيّنوا آياتِهِ
من كلِّ محرابٍ يحلُّ حرامه / أو يُؤنِسُ المحرابَ في دَعَواتِهِ
سلفٌ دعَتْكَ إلى العُلا فنهضْتَ في / أعبائه وحلَلْتَ في شُرُفاتِهِ
سمعاً فدَيْتُك مِدحةً ما شانَها / ملَقُ الرِّياءِ بغشِّ تَمويهاتِهِ
لولاكَ ما صُغتُ القَريضَ لغايةٍ / ولصُنْتُ منّي النَفْسَ عن شُبُهاتِهِ
لكنّني النحْلُ الّذي أرعيتَه الن / نُعمى لديكَ فحجّ شهدةَ ذاتِهِ
ويراعُ شُكرِيكَ الّذي أسقيتَه / ماءَ النّدى فسقاكَ ماءَ نَباتِهِ
علّمتَني بنَداكَ نَسجَ حَريرِه / فكسَوْتُ عِرضَكَ خيرَ ديباجاتِهِ
واِستجْلِ بِكراً رصّعَتْ أيدي الحِجا / منها الحُلى بفُصوصِ مُبتكَراتِهِ
عذراءُ حجّبَها الجمالُ وصانَها / عمّنْ سِواكَ الفكرُ في حُجُراتِهِ
خطَبَ الزّمانُ وصالَها لمُلوكِه / فأبَتْ قَبولَ سِواكَ من ساداتِهِ
حلّت محلَّ العِقدِ منك فأشبَهَتْ / كَلِماتُها المنظومَ من حبّاتِهِ
نقَشَتْ خواتِمَها بكُم فلأجْلِ ذا / ختَمَ الزّمانُ بها على جَبهاتِهِ
مولايَ لا برِحَ الزّمانُ بجيدِه / مغلولةً عنكمْ يَدا نَكَباتِهِ
وبقيتَ تَلقى العيدَ في نهجِ العُلا / أبداً وعادَ عليك في برَكاتِهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ الشريفُ وصومُه / وثوابُ واجِبه ومندوباتِهِ
فرّغْتَ فيه القلبَ عن شُغلِ الهَوى / وعصَيْتَ ما يُلهيكَ عن طاعاتِهِ
وعليكَ رِضوانُ المُهيمنِ دائِماً / وصلاتُه وأجلُّ تَسليماتِهِ
ما بالُ وِتْرِ صلاتِكُم لا يُشْفَعُ
ما بالُ وِتْرِ صلاتِكُم لا يُشْفَعُ / وعلامَ فيكمُ مُفرَدي لا يُجمَعُ
وإلامَ أرجو قُربَكم وشُموسُكم / عن رَدِّهنّ إليّ يعجِزُ يوشَعُ
غِبْتُم وصيّرتُ الحَمائمَ بعدَكُم / إلْفاً ولكنّي أنوحُ وتَسجَعُ
وشقَقْتُ بعدَكمُ الجيوبَ ففصّلَتْ / منهنّ لي حُمرَ الثّنايا الأدمعُ
حتّام أطلبُ سَلسبيلَ وصالِكم / وأُرَدَّ عنهُ وعِلّتي لا تَقنَعُ
إنّي لأعجَبُ من حِفاظِ عُهودِكم / عندي وجِسمي في الرّسومِ مُضيّعُ
هجرَ الضّنى جَسَدي لوَصْلِكُمُ النّوى / إذ للضّنى لم يَبْقَ فيهِ مَوضِعُ
وتشارَكَتْ في قَتْلِ نَومي خمسةٌ / سهَرُ اللّيالي والدّموعُ الأربَعُ
للّهِ من رَشَقاتِ نَبْلِ جُفونِكُم / فلهُنّ وَقْعٌ في القلوبِ وموقِعُ
وبمُهجَتي نارٌ على وَجَناتِكُم / تُوري وماءُ الحُسنِ منها يَنبَعُ
باللّهِ يا لُعْسَ الشِّفاهِ لصَبِّكُم / أدّوا زكاةَ كُنوزِها لا تَمنَعوا
منطَقْتُمُ خَصْري بخاتَمِ خِنصري / حيثُ اِسْتَوى جِسمي بكُم والإصبَعُ
وإفاقةَ المُضنى بكُم ونِطاقُه / بنَفيسِ ياقوتِ الدُموعِ مرصَّعُ
جحدَتْ جُفونُكم دَمي وخُدودُكم / فيهنّ منهُ شُبهةٌ لا تُدفَعُ
وعذَلْتُموني إذ خلَعْتُ بحُبِّكُم / عُذري فعُذري عندَكُم لا يُسمَعُ
لو تَعزِمونَ بواسِعاتِ عُيونِكم / لعلِمتُموني أنّ عُذري أوسَعُ
كم يا سَراةَ الحيِّ فوقَ صُدورِكم / من حيّةٍ تَسعى لقَلبي تلسَعُ
ولكَمْ بكُم قمرٌ تبرْقَع بالسّنا / وجَبينُ شمسٍ بالظّلامِ مقنَّعُ
للّهِ كم بعيونِ عينِ كِناسِكمْ / من ضَيغَمٍ يسطو وآخرَ يصرَعُ
غَصَبَتْ غُصونَ قُدودِكُم دُوَلُ القَنا / فغدَتْ لعزّتها تَلينُ وتَضرَعُ
واِستخدَمَتْ أجفانُكُم بيضَ الظُّبا / فعصيُّهُنّ لها مُجيبٌ طيّعُ
كلُّ العَوارضِ دُونَكم يومَ النّوى / عند الوَداعِ تَزولُ إلّا البُرْقُعُ
يا لَيتَهُ أضحى لنَبْلِ لِحاظِهم / هدَفاً فخَرْقُ سِهامِها لا يُدفَعُ
كيف المَزارُ ودارُكم من دونِها / سُمرٌ مشرّعةٌ وبيضٌ تلمعُ
منعَ النّسيمُ بها عِناقَ غُصونِها / فيدُ الصَّبا لو صافحَتْها تُقطَعُ
يا جيرَةً جاروا عليّ فزلزَلوا / منّي الفؤادَ ورُكْنَ صَبري زَعْزَعوا
ما حِيلَتي بعدَ المَشيبِ لوصلِكُم / وصِبايَ عندَ حِسانِكُم لا يَنفَعُ
أشكو إلى زَمني جفاكُم وهْو من / إحدى نوائِبهِ ومنها أفظَعُ
يا قلبُ لا تَلقى ولا تَكُ واثِقاً / بالبِشْرِ منهُ فإنّه متصنّعُ
وببرّهِ لا تَسْتَعزَّ فإنّه / فخٌّ بحبّتِهِ يَكيدُ ويخدَعُ
كم في بَنيه ظالِمٍ متظلّمٍ / كالذئبِ يَقتَنِصُ الغَزالَ ويطلُعُ
لم يبقَ فيه كريمُ كُفؤٍ يُرتجى / إلّا عليٌّ والسّحابُ الهُمّعُ
نجْلُ الكِرامِ أخو الغَمامِ وصاحب ال / فَضلِ التّمامِ أخو الحُسينِ الأروَعُ
سمحٌ تفرّد بالنّوالِ وإنْ غَدا / وَكْفُ السّحابِ لكفّهِ يتتبّعُ
يَهمي وتَهمي المُعصِراتُ وإنّما / هذا لهُ طَبْعٌ وتِلكَ تطبُّعُ
للّهِ شُعلةُ بارِقٍ لا تَنطَفي / في راحتَيْهِ وديمةٌ لا تُقلِعُ
بحرٌ بيومِ السِّلْمِ يَعذُبُ وِرْدُه / ويعودُ يومَ الحرْبِ ناراً تسفَعُ
لو تَسْبَحُ الأقمارُ في فلَكٍ به / لم تستطعْ في العامِ يوماً تطلُعُ
ولوَ اِنَّ حوتَ الأفْقِ يَسْكُنُ لُجّةً / كادَتْ لعَنبرِهِ الدُّجُنّةُ تُقلِعُ
أنشا من العدمِ المكارمَ فاِغْتَدى / منها يصوّرُ ما يشاءُ ويُبدِعُ
فطِنٌ تنوّر قلبُه من ذِهنِه / فظِباؤُه بضَميرِه تتشعْشَعُ
فكأنّ عينَ الشمسِ كانت ضرّةً / تَسقيهِ من لبَنِ الصّباحِ وتُرضِعُ
راجي نَداهُ لَدَيْهِ يَعذُبُ بأسُهُ / فيكادُ في دُرِّ الكَواكِبِ يَطمَعُ
وجيادُه في الغَزْوِ يُعطِشُها السُّرى / فتكادُ في نَهْرِ المجرّةِ تَكرَعُ
فضلَ المُلوكَ وطينُهُ من طينِهم / ومنَ الحجارةِ جوهرٌ واليَرْمَعُ
يرنو إلى درَقِ الحَديد هوىً كما / يَرنو إلى ورَقِ اللُجَيْنِ المُدْقِعُ
ويَميلُ صبّاً للرّماحِ كأنّهُ / صبٌّ بقاماتِ المِلاحِ مولَّعُ
كالقلبِ في صدرِ الخَميسِ تظنّه / في جانِبَيْهِ من الصّوارِمِ أضلُعُ
يَسطو وأفواهُ الجِراحِ فواغِرٌ / تَشكو وألسِنةُ الأسنّةِ تلذَعُ
لم يرْوَ من ماءِ الفُراتِ حُسامُه / كالنّارِ من إضرامِها لا تَشبَعُ
لو أريَحيّتُه تهزُّ لدى النّدى / جَذْعاً لأوشَكَ باللآلئ يَطلُعُ
بثَناهُ يَلهَجُ كلُّ ذي روحٍ فلو / نطقَ الجَمادُ لكانَ فيه يصْدَعُ
تهوي لعزّتِه الرؤوسُ مَهابةً / ولوَجهِه تَعنو الوُجوهُ وتخضَعُ
يَبدو فكم من دَعوةٍ مشفوعةٍ / في حاجةٍ تُهدى إليه وتُرفَعُ
لمعادِنِ الأرزاقِ من أكْمامِه / طُرُقٌ وللبحرَيْنِ فيها مَجمَعُ
عجباً له يسَعُ القَميصَ وإنّه / لو كان شمساً لم تَسَعْهُ بَلْقَعُ
لا يَبلُغَنّ إليه سهمُ مُعانِدٍ / لو كان في قَوسِ الكَواكِبِ ينزِعُ
دانَتْ له الأيّامُ حتّى لو يشا / عَوْداً لماضِيها لكانتْ تَرجِعُ
نظرَ العُفاةُ نوالَهُ فاِستَبْشَروا / ورأى العُداةُ نِزالَهُ فاِستَرجَعوا
يا اِبْنَ المَيامِينِ الّذين على الوَرى / بالفَضْلِ قد أخذوا العُهودَ وبُويِعوا
حازوا العُلا إرْثاً ومن آبائِهم / عرفوا أصولَ المَكرُماتِ وفرّعوا
ما الحَوْزُ بعد نَداكَ إلّا مُقلةٌ / مطروفةٌ فدُموعُها لا تهجَعُ
لبِسَتْ مشارِقُها الظّلامَ فشَمْسُها / لا تنجَلي حتّى جَبينُك يَطلُعُ
أحيَيْتَها بالعَوْدِ بعد مَماتِها / وكذا بعَوْدِ الغَيثِ تحْيا الأربُعُ
فارَقْتَها فكَأُمِّ موسى قلبُها / يُبدي الصّبابةَ فارغاً يتوجّعُ
ورجَعْتَ مَسروراً فقرّتْ باللِّقا / عَيناً وقرّ فؤادُها المتفزّعُ
ناداكَ من نورٍ علَيْها دوحةٌ / صَفوٌ به أزكى الأصول وأينَعُ
فوطأْتَ أشرفَ بُقعةٍ قد قُدِّسَتْ / ولبِسْتَ خِلعةَ إنّ نعلَك يُخلَعُ
وخُصِصْتَ بالرّؤيا هناك وفُزْتَ في / شرفِ الخِطابِ ولذّ منكَ المسمَعُ
فليَهنِكَ الشّرفُ الممَجّدُ وليَفُزْ / في عودِك المَجدُ التليدُ الأرفعُ
مولايَ لم أُهْد القَريضَ إليكَ من / طمَعٍ ولا بي عن عَطاكَ ترفُّعُ
لكنّني قد خِفْتُ يسرِقُ دُرَّه ال / متشاعِرونَ وفي سِواكَ يضيَّعُ
وهواكَ ألجاني لذلك والهَوى / سحرٌ به يُنشا القريضُ ويُصْنَعُ
فاِستَجلِها بِكراً يقلّدُها الثّنا / بالدُرِّ منهُ وبالحَرير يلَفَّعُ
عذراءَ قد زُفَّتْ إليكَ وإنّما / منها الوصالُ على سِواكَ ممنّعُ
قد طرّزَتْ بسنيّ مدحِك بُرْدَها / فكأنّما هوَ بالحَرير مجزَّعُ
وتمسّكَتْ بذُيولكُم فتمسّكَتْ / أردانُها من طيبِكُم والأذرُعُ
محبوبةٌ سفرَتْ إليك ووجهُها / منّي بحُسنِ الإعتذارِ مبرقَعُ
خشيتْ مُشاركتي بذَنبِ تخلّفي / عنكم فكان لها لديكَ تسرُّعُ
سبقَتْ لتشفعَ لي إليك وإنّما الْ / وجهُ الجَميلُ لدى الكِرامِ يُشفَّعُ
زهراءُ مطلَعُها بأفْقِ ثنائِكُم / وخِتامُها مِسكٌ بكُم يتضوّعُ
سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ
سطَعَتْ شُموسُ قِبابِهم بزَرُودِ / فهَوَتْ نُجومُ مَدامِعي بخُدودي
وتلاعَبَتْ فرَحاً بهِم فتَياتُهم / فطَفِقْتُ أرسُفُ في الهوى بقُيودي
وعلى الحِمى ضرَبوا الخيامَ فليتَهُم / جعلوا من الأطْنابِ حَبلَ وريدي
عهدي بهم تحيا الرّسومُ وإن عفَتْ / فعلامَ أحشائي ذَواتُ هُمودِ
وحياتِهم لولاهُمُ ما لذّ لي / شهدُ الهَوى المَسمومُ بالتّفْنيدِ
كلّا ولا اِستعذَبتُ سائِلَ عَبرةٍ / لولا مُلوحَتُها لأوْرَقَ عودي
تفدي القنا ما في مناطقِهم وإنْ / هي أشبهَتْ شَدّاتِها بعُقودِ
نفرٌ تكادُ لِطيبِهم بأكفّهم / تَحكي ذوابلُهم رَطيبَ العودِ
لا زالَ في وَجَناتِهم ماءُ الصّبا / يَسقي رياضَ شقائقِ التّوريدِ
وسقَتْهُمُ مُقَلُ الغَمامِ منَ الحَيا / دَمْعاً يخدِّدُ وجْنةَ الجُلْمودِ
للّهِ فيهِم أسرةٌ لا تُفتَدى / أسْرى الهَوى من سجنِهم بنُقودِ
كم من قُلوبٍ بينهُم فوقَ الثّرى / وجَبَتْ وأيْدٍ أُلصِقَتْ بكُبودِ
تَلقى المنيّةَ بين بيضِ خُدودِهم / بسطَتْ ذراعَيْها بكلِّ وَصيدِ
تحت المغافِرِ والغفائِرِ تنجلي / منهم بُدورُ أسرّةٍ وسُعودِ
ضربوا القِبابَ من الحرير وزرّروا ال / أبوابَ منها في نُصولِ حَديدِ
رقّتْ خُدودُهُمُ فرقّ تغزُّلي / وقَسَتْ قلوبُهمُ فلانَ شَديدي
طلبوا حِفاظَ رِهانِ أربابِ الهوى / فاِستودَعوها في حِقاقِ نُهودِ
وحموا الثّغورَ فطاعَنوا من دونِها / برِماحِ خطٍّ أو رِماحِ قُدودِ
ما خِلْتُ قبلَ ثُغورهم أن يُنبِتَ ال / ياقوتُ بيضَ اللّؤلؤِ المَنضودِ
ولوِ اِستطَعْتُ بأن أُجَسِّمَ لفظَهُم / لنظَمْتُ منه قلائِدي وعُقودي
في الكَرْمِ معنىً سرُّه لشفاهِهم / نمّتْ عليه معاصرُ العُنقودِ
بعثوا إليّ الطّيفَ في طلبِ الكرى / فأتى وردّ إليهم بهُجودي
يا صاحِ هذا حيّهُم فاِنزِلْ به / واِنشُدْ هنالكَ مُهجةَ المَعمودِ
بمعارجِ الأقمارِ من تَلَعاتِه / عرّجْ فثمّ مهابِطُ المَقصودِ
وأطِلْ بعَرصَتِهِ السّجودَ فإنّما / مسعاكَ منه في محلِّ سُجودِ
واِلثِمْ حَشاهُ مفتّشاً في تُربِه / فهناك ضيّعتِ الحِسانُ عُهودي
وهناك ألقيتُ العصا وأناخَ بي / حادي الهَوى ووضعْتُ ثمّ قُتودي
يا حبّذا عصرٌ على السّفحِ اِنقضى / ولذيذُ عيشٍ بالعقيقِ رَغيدِ
عصرٌ بسَمعي إذ يمرُّ حديثُهُ / يحلو لديّ به فناءُ وُجودي
ما لي وما للدّهرِ لا أصحو به / من سُكرِ بَيْنٍ أو خمارِ صُدودِ
أوَ ما كَفَتْهُ نائِباتُ خُطوبِه / حتّى رَماني في صُدودِ الغِيدِ
ما بالُ أهوى البيضَ منها وهْي في / فَوْدَيَّ تُنكِرُها وتعشَقُ سُودي
لا تُنكِري يا بيضُ بيضَ مَفارِقي / فلرُبَّ شانٍ ذمّ شأنَ حَميدِ
أنا مِجْمَرٌ والشيْبُ نارُ تسَعُّري / وسوادُ فَوْدي مثلُ لونِ خُمودي
ليس الحُسامُ إذا تجرّد متنُه / في الضّرْبِ مثل الصّارمِ المَغمودِ
حتّام تجرَعُ يا فؤادُ من المَهى / ومن الزّمانِ مرارةَ التّنكيدِ
وتَميلُ للبيضِ الحِسانِ تطرُّباً / مَيلَ العَليّ إلى خِصالِ الجودِ
خيرُ الملوكِ سَليلُ أكرَمِ والدٍ / خلَف الغطارِفةِ الكِرامِ الصيدِ
حرٌّ أتى بعد النبيّ وآله ال / أطهارِ للتأسيسِ والتأكيدِ
سمْحٌ إذا اِنتجَعَ العُفاةُ بنانَهُ / هطلَتْ سحائِبُها بغيرِ رُعودِ
عَضْبٌ إذا ما العَزْمُ جرّد حدَّهُ / ضربَتْ بشعْرَتِه يدُ التأييدِ
رامٍ إذا اِشتدّ النِصالُ تنصّلَتْ / منه سِهامُ الرأيِ بالتّسديدِ
قاضٍ إذا اِختلفَ الخُصومُ كأنّما / فصْلُ الخِطابِ رواهُ عن داودِ
بطلٌ أساوِدُ لُدنِه يومَ الوغى / تذَرُ الأسودَ فرائِساً للسِّيدِ
ذو راحةٍ مَزبورةٌ بخطوطِها / آياتُ وعدٍ بُيّنَتْ ووَعيدِ
وعزائِمٍ يومَ الكفاحِ لدى اللّقا / قامَتْ مَقامَ الجَحْفَلِ المَحشودِ
تتنفّسُ الصّعَداءَ خوفَ صِعادِه / مُهَجُ العِدا فتذوبُ بالتّصعيدِ
عدَمُ الشّريكِ له بكلِّ فضيلةٍ / يقضي لهُ بمزيّةِ التّوحيدِ
طلبَ العُلا بسُيوفِه فاِستخرَجَتْ / بالفتْكِ جوهرَ كنزِها المرصودِ
حظُّ العدوّ لديه بيضُ حديدِه / والوفد حُمرُ نُضارِه المَفقودِ
وافى العُلا من بعدِ طولِ تأوّدٍ / فأقامَ ما فيها منَ التأويدِ
وتعطّلَتْ بئرُ النوالِ وإنْ نَشا / ظفَرَ العُفاة بعذبِها المَورودِ
ملكٌ كأنّي إن نطَقْتُ بمدحِه / شتّتُّ في الأسْماعِ سِمْطَ فَريدِ
فكأنّني للناشِقينَ أفُضُّ عن / مختومِ مِسْكٍ فيه عند نَشيدي
لو تشعُرُ الدُنيا لقالَتْ إنّ ذا / مضمونُ أشعاري وبيتُ قَصيدي
لو تُنصِفُ الأيّامُ لاِعترَفتْ له / بفضيلةِ المَولى وذُلِّ عَبيدِ
لو لم تُنافِسهُ النجومُ على العُلا / خدمَتْ رَفيعَ جنابِه المَحسودِ
تَلقى برؤيتِه المُنى أوَ ما تَرى / عُنوانَه بجبينِه المَسعودِ
تجري بأجمعِهِ المحبّةُ للنّدى / جرْيَ الصّبابةِ في عُروقِ عَميدِ
وأشدُّ فَتْكاً في الكُماةِ بنَصلِهِ / من لحظِ مودودٍ بقلبِ وَدودِ
قبَسٌ يكادُ إذا تسعّرَ بأسُهُ / عنهُ تسيلُ الدِّرْعُ بعدَ جُمودِ
لو تَرتَمي في اليمِّ منه شرارةٌ / لغدَتْ به الأمواجُ ذاتَ وُقودِ
تأوي أسنّتُه الصّدورَ كأنّما / خلطَ القُيون حديدَها بحُقودِ
والبيضُ حيث بُدورُها اِعترفَتْ له / بالفَضْلِ أكرمَها بكلِّ جُحودِ
ما فاتَهُ فخرٌ ولا ذمُّ الوَرى / يَرْقى لِكُنْهِ مقامِهِ المَحمودِ
بِنداهُ يخضرُّ الحصى فكأنّما / أثَرُ الصّعيدِ له بكلِّ صَعيدِ
فالمَجْدُ مَقصورٌ عليه أثيلُهُ / والعزُّ تحتَ ظِلالِه المَمْدودِ
موْلىً شوارِدُ فضلِهِ ونوالِه / فينا تَفوتُ ضوابِطَ التّحديدِ
كلُّ المَفاخِرِ والمناقِبِ جُمِّعَتْ / فيه على الإطْلاقِ والتقْييدِ
يا اِبنَ المَصاليتِ الّذين بسَعْيِهمْ / حازوا العُلا منْ طارِفٍ وتَليدِ
ورَوَوْا أسانيدَ المفاخرِ والتُقى / في عزِّ آباءٍ لهُم وجُدودِ
رهْطٌ بهم شرَفُ الأنامِ وعنهُمُ / نُقِلَتْ أصولُ الذِّكرِ والتّحميدِ
وضعوا لكَ المجدَ الأثيلَ وأسّسوا / فرفَعْتَهُ بقواعِدِ التّمْهيدِ
زخْرَفْتَهُ ونقشْتَ فيه لمنْ يَرى / صوراً من التّعظيمِ والتّمجيدِ
لولا وُرودُك للجزيرةِ ما زَهَتْ / وَجناتُ جنّاتٍ لها بورودِ
كلّا ولا سحَبَتْ على ساحاتِها / أغصانُ قاماتٍ ذُيولَ بُرودِ
فارَقْتَها فخشيتُ بعدَك أنّها / تُضحي كما أضحتْ ديارُ ثَمودِ
كانت بطوفانِ المهالك فاِغتَدَتْ / لمّا رَجَعْتَ على نجاة الجودي
أنقَذْتَ أهليها ولو لم تأتِهم / ما قومُ لوطٍ منهمُ بسَعيدِ
اللّهُ حسبُك كم غفَرْتَ لمُذنِبٍ / منهم وكم أطلَقْتَ من مَصفودِ
فليهنها الرحمنُ منك برجعةٍ / فيها رُجوعُ سُرورِها المَفقودِ
واِلبَس ثِيابَ الأجرِ صافيةً فقدْ / بعثَ الصّيامُ بها رسولَ العِيدِ
لا زِلْتَ للإسلامِ أشرفَ كعبةٍ / لم تَخْلُ يوماً من طَوافِ وُفودِ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ / لا ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
فلَقَ الدُجى بعَمودِه الفجرُ / وبكى النّدى وتبسّمَ الزّهرُ
وتنفّسَ النّسرينُ عن عبقٍ / منهُ بأذيالِ الصَّبا عِطْرُ
والوقتُ قد لطُفَتْ شمائِلُهُ / فصَفا ورقَّ وراقَتِ الخَمْرُ
فاِنهَضْ على قدمِ السّرورِ إلى / شمسٍ يَطوفُ بكأسِها بَدْرُ
بِكْرٌ إذا ما الماءُ خالَطَها / منها تولّدَ لؤلؤٌ نَثْرُ
عَذراءُ ما لبَني الخلاعةِ عنْ / خَلْعِ العِذارِ بحبُّها عُذْرُ
نفسٌ من الياقوتِ سائِلةٌ / روحٌ ولكنْ جِسمُها تِبْرُ
تَبدو براقِعُها فتحسَبُها / برداً تلظّى تحتَهُ جَمْرُ
نورٌ يكادُ فؤادُ شارِبِها / للعَينِ منها ينجَلي السّرُّ
لطُفَتْ فخِلنا ذات جوهرِها / فنِيَتْ وقامَ بنفْسِها السُّكْرُ
تذَرُ الزُّجاجَ بلَونِها ذهَباً / فلها بعِلْمِ الكيميا خبَرُ
وكأنّ سرَّ المومياءِ لها / فيها لكَسْرِ قُلوبِنا جَبْرُ
وكأنّما راوُوقُها دَنِفٌ / أجرى عَقيقَ دموعِهِ الهَجْرُ
ومُهَفهَفٍ كالشمسِ طلعَتُه / بالجيدِ منهُ كواكبٌ زُهْرُ
شُغِفَتْ بقامَتِه القَنا فلِذا / ألوانُها لشحوبِها سُمْرُ
ورأى البهار شَقيق وجْنَتِها / فخُدودُها كَلَفاً بهِ صُفْرُ
بوِشاحِه معنى عِبارتِه / رقّتْ ودقّقْ شرْحَها الخَضْرُ
وبلحظِه وفؤادِ وامقِه / سُكْرٌ له بكِلَيْهِما كَسْرُ
باتَتْ تُضاحِكُني براحتِه / راحٌ كأنّ حَبابَها ثَغْرُ
فأرضته بعدَ الجِماحِ بها / حتّى تسهّلَ خُلقُه الوَعْرُ
نظمَ الهوى عقدَ العِناقِ لنا / ومنَ العَفافِ تضمّنا أُزْرُ
رفعَ الشّبابُ حِجابَ أوجهنا / ومن الفتوّةِ بينَنا سِتْرُ
ولكم عرجتُ إلى محلِّ عُلاً / فوقَ السِّماكِ وتحتَهُ الغَفْرُ
بمطهَّمٍ مثلِ الظّليمِ إذا / ما شدّ قُلْتُ بأنّهُ صَقْرُ
تَدري المَها أن لا نَجاةَ لها / منهُ ويعلَمُ ذلكَ العُفْرُ
فإذا له آجالُها عرضَتْ / عرضَتْ لها آجالُها الحُمرُ
مثلُ الرّياحِ رواحُ أربعةٍ / شهرٌ وسَيرُ غُدوّها شَهْرُ
كمُلَتْ صِفاتُ الصّافِناتِ به / فبذاتِه لجميعِها حَصْرُ
يجري ويجري الفِكرُ يتبَعُهُ / فيَفوتُ ثمّ ويحسَرُ الفِكرُ
ويكاد أن يرِدَ السّماءَ إذا / ظنّ المجرّةَ أنّها نَهْرُ
أطلَعتُ منه سَهمَ حادثةٍ / يرمي به عن قوسِه الدّهْرُ
حتّى بلغْتُ أبا الحُسين به / فبلغْتُ حيث يُرَفرِفُ النّسرُ
حيث العُلا ضربَتْ سُرادقه / فيه وحلّ المجدُ والفخرُ
حيث التُّقى والفضلُ أجمعُهُ / تأوي إليه ويأمَنُ البرُّ
فوثِقْتُ منذُ حلَلْتُ ساحتَهُ / أن لا يحِلَّ بساحَتي فَقْرُ
ما زالَ يقذِفُ لي جواهرَهُ / حتّى علِمْتُ بأنّه بحرُ
يُجدي ندىً ويُفيدُ مسألةً / فنوالُه وكلامُه دُرُّ
فوقَ الخصيبِ محلُّ رِفعتِهِ / وبهِ الخَويزةُ دونَها مِصْرُ
كم من أيادِيه لديّ يدٌ / ما ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
أُمّوا بنا نحوَ العقيقِ وأدْلِجوا
أُمّوا بنا نحوَ العقيقِ وأدْلِجوا / وقِفوا على تلكَ الرّبوعِ وعرّجوا
واثْنوا الأعنّةَ نحو سكّانِ اللّوى / واِلوُوا بأعناقِ المطيّ وعوّجوا
فإذا لكم بدتِ الرّسومُ فأمْسِكوا / أكبادَكُم حتّى يدَيكُم تنضجُ
فهُناكَ حيٌّ للعُيونِ تنزّهٌ / فيهِ وللقَلبِ الشجيّ تبَهّجُ
حيٌّ على الوادي كأنّ قِبابَه / كُثُبٌ ينوّعُها الحَيا ويُزَبْرِجُ
حرمٌ تَرى من دونِ بيضةِ خِدرِه / كم فيهِ بيضةُ خادِرٍ تتدَحْرَجُ
عذْبُ المناهِلِ غيرَ أنّ وُرودَها / نارُ المَنايا دونَه تتأجّجُ
يُمسي بأربُعهِ لنيرانِ القِرى / وفْدٌ وللبيضِ الرِّقاقِ تموُّجُ
لكواكِبِ الفِتيانِ فيه تحجّبٌ / ولأنجُمِ الفَتَياتِ فيه تبرُّجُ
أوراقُهُ تُشْجي ورَجْعُ قيانِهِ / أشْجى وأوقَعُ في النّفوسِ وأوهَجُ
كم فيهِ ظبيٌ بالحَرير مسَرْبَلٌ / وهِزَبْرُ حربٍ بالحَديدِ مدَجَّجُ
ورفيعُ مجدٍ بالنّجيعِ مخضّبٌ / وصريعُ وجدٍ بالدّموعِ مضرّجُ
ولكَمْ به شمسٌ تقلّد جيدُها / شُهُباً وبدرٌ بالهِلالِ مدَمْلَجُ
بصعيدِه تشفى العُيونُ وتنْجَلي / فكأنّ كلَّ حصىً عليه دهنَجُ
للّهِ أيّامٌ لنا سلفَتْ به / ولَيالُ وَصْلٍ صفوُها لا يُمزَجُ
أوقاتُ أنسٍ كالعرائِسِ بهجةً / يا ليتَها بالبَيْنِ لا تتزوّجُ
كالعِقْدِ كان نظامُها فتفرّقَتْ / فحكَتْ ثَنايا الغُرّ وهْو مفلَّجُ
حيّا الحَيا العَرَبَ الألى لضيوفِهِم / نسجوا به بُسْطَ الحرير ودبّجوا
وبمُهجَتي منهم عليّ أعزّةٌ / دخلوا الفؤادَ ومنه صبري أخرجوا
صُبْحُ الوجوه ترى على جبَهاتِهم / تزهو مصابيحُ الجمالِ وتُسرَجُ
أخذوا جِيادَهُمُ أهلّةَ عسْجَدٍ / وبأنْجُمِ البيضِ الحديدِ تتوّجوا
لم أنْسَ موقفَهُم وقد أرِقَ النّوى / والريحُ تُحدى للرّحيلِ وتُحدَجُ
ساروا فكم قمرٍ على فرسٍ بَدا / فيهِم وكم شمسٍ زَواها هودَجُ
ولَرُبّ سافرةٍ غَداةَ رحيلِهم / ذهلَتْ وأفزَعَها الفِراقُ المُزعِجُ
تبكي وتذري كحلَها بدمُوعِها / فيعودُ وردُ الخدِّ وهوَ بنفسَجُ
لم أدرِ قبل أرى الدموعَ بجَفنِها / أنّ اللآلي البيض قد تتنسّجُ
حتّامَ أطلبُ للنجومِ فأرتَقي / وأهِمُّ في وصلِ النجومِ فأعرُجُ
وأضلَّ في لَيلِ الغوايةِ والهوى / وبياضُ شَيبي فجرُهُ يتبلّجُ
ما كُنتُ أوّلَ مُدْنَفٍ بفؤادِه / لعِبَ الهَوى وسَباهُ طَرْفٌ أدْعَجُ
وإلامَ تُطمِعُني الحِسانُ بوصلِها / وعُهودُهنّ قضيةٌ لا تُنتَجُ
وأقولُ إنّ الدهرَ يسْمحُ باللِّقا / ونَوى الأحبّةِ كُربةٌ لا تُفرَجُ
تعِسَ الزّمانُ وليسَ فيه منظرٌ / حسنٌ إذا جرّبْتَهُ لا يسمُجُ
هل فيه للظّنِّ الجميلِ معرَّسٌ / أو للقوافي السائِراتِ معرَّجُ
همدَتْ مرابعُه فليس به سوى / مَغنى عليٍّ روضةٌ تتأرّجُ
غيثٌ إذا ما النّبْتُ صوّحَ والكَلا / أولى ووجهُ الأرضِ لا يتدجّجُ
أنّى أتيتَ ربوعَهُم فرِياضُها / خُضْرٌ ووُرْقُ المَكرُماتِ تثجّجُ
قاسَ الأنامُ به الغمامَ وما يروا / أنّ الغَمامَ بجُودِه يتسرّجُ
لو في سِباخِ الأرضِ يمطُرُ كفُّهُ / بالتِبْرِ فيها نوّرَ الفَيروزَجُ
خُلِقَ النّدى خُلُقاً له فإنِ اِدّعى / فيهِ سواهُ فأحْولٌ يتغنّجُ
أفديهِ بالمتصنّعينَ فإنّهم / ماءٌ عليهِ طُحلُبٌ يتفَلْذَجُ
يا منْ أظلَّ الرّزْقُ ملكَ بَنانِه / فيها إليه بكلِّ حظٍّ منهَجُ
جُمِعَتْ به مِيمُ الكِرامِ فأصبحَتْ / لُجَجاً بعَشْرِ بنانِه يتخلّجُ
سمْحٌ إذا ما الدّهرُ أصبحَ كالحاً / منهُ تبلّجَ فيه وجهٌ أبْلجُ
هو للعُلا زنْدٌ وللدنيا إذا / ما اِسودّتْ الأيّامُ خدٌّ أنعَجُ
دعْ عنكَ أخبارَ الكِرامِ فإنّه / هو زُبدةٌ يَكفيكَها ونَموذَجُ
عَذُبَتْ مواردُه وطاب فمَنُّه / بالمَنِّ عندَ الوِردِ لا يتأجّجُ
بصفاتِه كم ضلّ عقلٌ واِهتدى / بضيائِه في الليلِ سارٍ مُدلِجُ
قبَسٌ يهزُّ خليجَ فولاذٍ به / غَرْقى النّفوسِ الخائِناتِ تلجّجُ
يجتازُ ريحُ السُخطِ فيه فيلْتَظي / ويمرّ برْدُ العَفوِ فيه فيثلُجُ
رضعَ الرّدى حتّى ترشّح جسمُه / لبَناً فأصبح فوقَهُ يترجْرَجُ
تُمسي الأسودُ على الثّرى صرعى إذا / شهِدَتْ نِمالَ الموتِ فيه تَدْرُجُ
بطلٌ أسنّتُهُ تنضْنَضُ بالسَّنا / منهنّ ألسنةُ الرّدى وتلجْلَجُ
فيه تثقّفتِ الرّماحُ فأوشكَتْ / تنسابُ من يدِه القَناةُ فتخْلجُ
وتَشحّذَتْ بيضُ السيوفِ بعزمِه / فمضَتْ وكادَ كَهامُها يتسرّجُ
تلقى عوامِلُها الجُموعَ إذا سَطا / فكأنّها ألِفاتُ وَصْلٍ تُدْرَجُ
آباؤهُ حُجَجُ الإله وحَجّهُ / فرضٌ على ذي حاجةٍ يتحوّجُ
من عِترةٍ في جودِهم ووجودِهم / أمِنَ الوَرى نُوَبَ الزّمانِ وأبلَجوا
رهْطٌ بهِم طابَتْ وزادَتْ يثرِبٌ / شرَفاً وعزّتْ أوسُها والخزرَجُ
لو يُقسمُ الدّاعي بهم يوماً على / صُمّ الجِبالِ لأقبلَتْ تتخزلَجُ
ركبوا الخُطوبَ وألجموها بالظُّبا / فلهُم جوامحُها تُراضُ وتُسْرَجُ
قرنوا السّماحةَ بالشجاعةِ مثلَ ما / بالعفوِ قد خلطوا العَفافَ وأدمَجوا
وتفرّدوا بالحَمْدِ إلّا أنّهُمْ / شفَعوا فُرادى المَكرُماتِ وزوّجوا
يا منْ إذا حدّثْتُ عنهُ بأنّه / بحرٌ فلا أخشى ولا أتحرّجُ
إن قيلَ مِشكاةٌ فرأيُكَ نيّرٌ / أو قيلَ مرآةٌ فذِهنُك أسرَجُ
أنّى تُجارى في الكمال وإنّما / لُقمانُ في المِضمارِ خلفَك أعرَجُ
فرّجْتَ ضيقَ المُشكلاتِ بفكرةٍ / في السُّمِّ يُمكِنُها لرَضْوى تولِجُ
لا زِلْتَ خيرَ أبٍ لأبناءِ الرّجا / وطريقَ رزقٍ بابُه لا يُرتَجُ
فاِنعَم بأجرِ الصّومِ واِبقَ بنعمةٍ / تُغلي صُدورَ الحاسدينَ وتوهِجُ
واِبهَج بعيدٍ أنت أسنى غُرّة / منه وأبهى في القلوبِ وأبهَجُ
واِرْفُلْ مدى الأيّامِ في حُلَلِ الثّنا / فنَداكَ يُسديها وفِكري ينسُجُ
سفرَتْ فبَرْقَعَها حِجابُ جَمالِ
سفرَتْ فبَرْقَعَها حِجابُ جَمالِ / وصحَتْ فرنّحَها سُلافُ دَلالِ
وجَلَتْ بظُلمةِ فرعِها شمسَ الضُحى / فمَحا نهارُ الشّيبِ ليلَ قَذالِ
وتبسّمَتْ خلفَ اللّثامِ فخِلتُها / غيماً تخلّلَهُ وميضُ لآلي
ورنَتْ فشدّ على القُلوبِ بأسرِها / أسدُ المنيّةِ من جُفونِ غَزالِ
ما كُنتُ أدري قبلَ سودِ جُفونِها / أنّ الجُفونَ مكامِنُ الآجالِ
بِكرٌ تقوّم تحت حُمرِ ثيابِها / عرَضُ الجمالِ كجوهَرٍ سيّالِ
ريّانةٌ وهَبَ الشّبابُ أديمَها / لُطْفَ النّسيمِ ورقّةَ الجِريالِ
عذُبَتْ مراشِفُها فأصبحَ ثغرُها / كالأُقحوانِ على غَديرِ زُلالِ
وسَرى بوجنَتِها الحياةُ فأشبَهَتْ / ورْداً تفتّحَ في نَسيمِ شَمالِ
وسخا الشقيقُ لها بحبّةِ قلبِه / فاِستعمَلَتْها في مكان الخالِ
حتّام يطمعُ في نَمير وصالِها / قلبي فتورِدُه سَرابَ مِطالِ
عُلّتْ بخمرِ رُضابِها فمِزاجُها / لم يصْحُ يوماً من خُمارِ مَلالِ
هي مُنيَتي وبها حُصولُ منيّتي / وضياءُ عَيني وهْي عينُ ضَلالي
أدنو إليها والمنيّةُ دونَها / فأرى مَماتي والحياةُ حِيالي
تخفى فيُخفيني النُحولُ وينجَلي / فيقومُ في الليلِ التّمامِ ظِلالي
علِقَتْ بها روحي فجرّدَها الضّنى / من جِسمِها وتملّقَتْ بمِثالِ
فلوَ اِنّني من غيرِ نومٍ زُرْتُها / لتوهّمَتْني زُرتُها بخيالِ
لم يُبقِ منّي حُبُّها شيئاً سوى / شوقٍ ينازعُني وجذبةِ حالِ
من لم يصِلْ في الحبّ مرتبةَ الفَنا / فوجودُه عدمٌ وفرضُ مُحالِ
فكري يصوّرُها ولم ترَ غيرَها / عَيني ورسْمُ جَمالِها بخَيالي
فوقي وقدّامي وعكسُهُما أرى / منها المِثالَ ويَمنَتي وشمالي
بانت فلا سجَعَتْ بلابلُ بانةٍ / إلّا أبانتْ بعدَها بَلبالي
أنا في غديرِ الكرختَيْن ومُهجَتي / معها بنجدٍ في ظِلالِ الضّالِ
حيّا الحَيا حيّاً بأكنافِ الحِمى / تحميهِ بيضُ ظُباً وسُمرُ عَوالي
حيّاً حَوى الأضدادَ فيه فنَقْعُهُ / ليلٌ يقابلُهُ نَهارُ نِصالِ
تلْقى بكلٍّ من خُدودِ سَراتِه / شمساً قدِ اِعْتَنَقَتْ ببَدْرِ كَمالِ
جمعَ الضّراغِمَ والمَهى فخيامُه / كُنُسُ الغَزالِ وغابةُ الرّئبالِ
وسَقى زَماناً مرّ في ظَهْرِ النّقا / وليالِياً سلَفَتْ بعينِ أثالِ
لَيْلاتِ لذّاتٍ كأنّ ظلامَها / خالٌ على وجهِ الزّمانِ الخالي
نُظِمَتْ على نسَقِ العُقودِ فأشبَهَتْ / بيضَ اللآلي وهْيَ بيضُ لَيالي
خيرُ الليالي ما تقدّم في الصّبا / كم بين منْ جلّى وبين التّالي
للَّهِ كم لكَ يا زَماني فيَّ منْ / جُرحٍ بجارحةٍ وسَهْمِ وَبالِ
صيّرتَني هدَفاً فلو يسْقي الحيا / جدَثي لأرْبَتْ تُربَتي بنِبالِ
ألِفَتْ خُطوبَك مُهجَتي فتوطّنَتْ / نفسي على الإقدامِ في الأهوالِ
وترفّعَتْ بي همّتي عن مِدحةٍ / لسِوى جَنابِ أبي الحُسينِ العالي
وقطعْتُ من كلِّ الأنامِ علائِقي / ووصَلْتُ فيه وفي بَنيه حِبالي
حُرٌّ تولّد طاهِرٌ من طاهِرٍ / فأتى بكلِّ مطهّرٍ مِفضالِ
هو نيّرٌ كم قد أتى من صُلبِه / قمرٌ وكم من كوكبٍ مِفصالِ
من كلّ وضّاحِ الجبينِ كأنّما / مسحَتْ عليهِ راحةُ الإقبالِ
أو كلِّ مأمونِ النجيبةِ ماجدٍ / نَجِسِ الصّوارمِ طاهرِ الأذيالِ
صورٌ علينا بالنّجومِ تشابهَتْ / لتَناسُبِ الآثارِ والأشكالِ
همْ عشرةٌ مثلُ الأصابعِ للعُلا / خُلِقَتْ لضرْبِ طُلىً وبَذْلِ نَوالِ
تَدري الليالي العَشْرُ أنّ بُدورَها / لوجوهِ تلك العَشرةِ الأقيالِ
فدعِ اليَمينَ بها وأقسِمْ فيهم / فلقد تحوّل فضلُها برجالِ
في العالم العُلوي عُقولٌ رُتّبتْ / وهمُ لها في الأرض كالأمثالِ
ساوَتْهُمُ عدداً وساوَوْها عُلاً / فالفرقُ لا يخلو من الإشكالِ
هي ثمَّ أشكالُ السّعادةِ والشّقا / وهمُ نتائجُ تلكُمُ الأشكالِ
جمْعٌ همُ عند الحقيقةِ واحدٌ / كاللّجِّ فُرِّقَ موجُهُ المتوالي
نفرٌ إذا سُئلوا فأبحارٌ وإنْ / حفّ الكُماةُ فراسياتُ جِبالِ
ركبوا الجيادَ فقلتُ رُبْدٌ فوقَها ال / عِقبانُ أو تحتَ الأسودِ سَعالي
ونَضوا السّيوفَ فقلتُ غُرُّ مَلائِكٍ / هزّتْ يَدَيْها أنيبُ الأغوالِ
عزلوا عنِ السّمعِ المَلامَ وحكّموا / بيضَ العَطايا في رِقابِ المالِ
أُسدٌ لحبّهمِ الصوارمَ والقَنا / قطعوا بأنّ النّقْعَ ليلُ وِصالِ
قبلَ البُلوغِ لقوا العِدا وتقمّصوا / بالزّغفِ وهْيَ طويلةُ الأذيالِ
وتراضَعوا لبنَ الفصاحةِ والنُهى / فتكلّموا بالفصلِ قبل فِصالِ
نُتِجوا نِتاجَ الصّاعقاتِ على العِدا / من صُلبِ ذاكَ العارضِ الجَلْجالِ
فتخلّقوا في خُلقِه فتخلّقوا / بدمِ الأسودِ وأنفُسِ الأبطالِ
وتتبّعوا الآثارَ منهُ فحاولوا / فوقَ النّجومِ مداركَ الآمالِ
ما زالَ يُرسلُهُمْ سَحائِبَ رحمةٍ / طوراً وطوراً بارِقاتِ نَكالِ
فيه على الإجمالِ كلُّ فضيلةٍ / وهمُ مفصّلُ ذلك الإجمالِ
أسرارُ لُطفِ اللَّه قد ظهرَتْ بهم / ومظاهِرُ الأسرارِ في الأفعالِ
من عِترةٍ عندي أعُدُّ ولاءَهم / وثناءَهُم من أعظمِ الأعمالِ
في آية التطهير قد دخلوا ولو / سبقوا لضمَّهُم العَبا في الآلِ
واليتُ والدَهم عليّاً فهو لي / مولىً ولا أحداً سواهُ أوالي
قلبي وكلُّ جوارحي ومفاصلي / تُثْني عليه وما حوى سِربالي
فطِنٌ كأنّي إذ له أُهدي الثّنا / أضعُ اللآلي في يديّ لآلي
سمْحٌ به اِنفرجَتْ عُيونُ قريحَتي / فجرَتْ وحلَّ به الزّمانُ عِقالي
بنداهُ علّمني القريضَ فصُغتُه / فأتيتُ فيه مرصَّعَ الأقوالِ
ولَهجْتُ فيه وكان دهراً عاطِلاً / فأزَنْتُهُ منه بحَلي خِصالِ
ولفظْتُ بعضاً من فرائِدِ لفظِه / فجعلْتُه وسَطاً لعقدِ مَقالي
أتلو مدائحَهُ فيعْبَقُ طيبُها / وكذا القوافي العالياتُ غَوالي
يا زينةَ الدُنيا ولستُ مبالِغاً / وأجلَّ أهليها ولستُ أُغالي
هُنّيتَ بالأفراحِ يا أسدَ الشّرى / بخِتانِ سِبْطٍ أكرمِ الأشبالِ
سِبطٍ تشرّفَ في أبيه وجدّه / ونَجابةِ الأعمامِ والأخوالِ
ما في أبيه السيّدِ اللاوي به / من فتكةٍ وسماحةٍ ومَعالي
منذُ اِستهلّ به تبيّن ذا ولم / تلدِ الأفاعي الرُقْمُ غيرَ صِلالِ
بالمَهْدِ قد أوتي الكَمالَ وإنّما / غلبَتْ عليه عادةُ الأطفالِ
نورٌ أتى من نَيّرَينِ كلاهُما / منكَ اِستفادا أيّ نُورِ جَلالِ
سَعداهُما اِقترَنا معاً فتثلّثا / بجبينِ أيّ فتىً سعيدِ الفالِ
يَجري الصِّبا في عُودِه فتظنُّهُ / نَصْلاً ترقْرَقَ فيهِ ماءُ صِقالِ
ويلوحُ نورُ المَجْدِ وهْوَ بمَهْدِه / فيهِ فتَحْسَبُهُ شُعاعَ ذَبالِ
فعساكَ تختُنُ بعدَه أولادَه / في أحسنِ الأوقاتِ والأعمالِ
وعسى لك الرحمنُ يقبَلُ دعوتي / ويُجيبُ فيكَ وفي بَنيكَ سؤالي
أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى
أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى / فلقد حَوتْ منه المَلاعبُ أنجُما
مغنىً توهّمَتِ الحِسانُ بأرضِهِ / أنّ الهُبوطَ به العُروجُ إلى السّما
أكرِم بها من أوجُهٍ في أوجِه / طلعَتْ على جيشِ الدُجى فتصرّما
فلكٌ تدلّى أطلَساً وإذا اِستوى / هبطَتْ به مصرٌ فصارَ منجّما
في كلِّ سِربٍ من فرائِدِ سربِه / وضعَ الجمالُ من الفراقِدِ توأَما
حسدَ الهِلالُ به السِّوارَ فودّ أنْ / لو حالَ من بدَلِ الذِراعِ المِعصَما
حتّى إذا سطَعَتْ مجامرُ ندِّهِ / لبِسَ النّهارُ عليهِ ليلاً مُظلِما
إن كان ما بينَ الدِيارِ قرابةٌ / فله إلى دارِينَ أطيبُ مُنتَمى
حرَمٌ به يُمسي المهنّدُ مُحرِماً / وترى به الماءَ المُباحَ محرَّما
أروَتْهُ ضاحكةُ السّيوفِ بدَمْعِها / حتّى نهَتْ عن تُربِه المتيمّما
سقياً له من منزلٍ نزلَ الهَوى / بربوعِه وبنى الخِيامَ وخيّما
وبمُهجَتي العرَبُ الألى لولاهُمُ / لم تُعرِبِ الأجفانُ سرّاً مُعجَما
عربٌ إذا ما البرقُ ضاحكَ بينَهم / خجَلاً بأذيالِ السّحابِ تلثّما
يا قلبُ أينَكَ من بُلوغ بُدورِهم / ولو اتّخَذْتَ حِبالَ شمسِكَ سُلَّما
غُرٌّ تغانَوا بالقُدودِ عنِ القَنا / وكفاهُمُ حورُ العيونِ الأسهُما
لبِسَتْ أسودُهمُ الحَديدَ مُسرّداً / وظباؤهُم وشْيَ الحريرِ مسهَّما
تبدو بحيّهِم الغزالةُ في الدُجى / والبدرُ يطلُعُ بالنّهارِ مغَمِّما
من كُلّ ضِرغامٍ بظهرِ نعامةٍ / للطّعن يُمسِك في الأناملِ أرقُما
مَحَتِ السّوادَ خُدودُهُم فتورّدت / وجِفانهُم ممّا سفكْنَ من الدِّما
تجري لَطافتُه بشدّةِ بأسِه / فيَلينُ خَطّيّاً ويَبْسِمُ مِخْذَما
عشِقوا الرّدى فتطلّبوا أسبابَه / فلِذاكَ هاموا في العُيونِ تتيُّما
وترشَّفوا شَهْدَ الشِفاهِ لأنّها / تحكي اِسْمِرارَ اللُدْنِ في لَونِ اللَّمى
ولحبّهم سفكَ الدماءِ وشُربها / شربوا لخَمرَتِها المُدامَ توهُّما
سجنوا العذارى في الخِيامِ فأشبهَتْ / خَفِراتُها بقبابِهم صُوَرَ الدُمى
سدّوا الكَرى من دونِهنّ على الصِّبا / كيْلا يمرَّ بها النّسيمُ مُسلِّما
بوجوهِ فِتيتِهم مَلاحةُ يوسُفٍ / ومآزِرِ الفَتَياتِ عِفّةُ مَريَما
ظهرَ الجمالُ وكان معنىً ناقِصاً / حتّى ألمّ بحيّهمْ فتتمّما
والدُرُّ في الدُنيا تفرّق شملُه / حتّى حوَتْهُ شِفاهُهُم فتنظّما
عذَلوا السُلوَّ عنِ القُلوبِ وحكّموا / فيهنّ سُلطانَ الهَوى فتحكّما
للّهِ كم في حيّهمْ من جُؤذرٍ / يَسطو بمُهجتِه فيصرَعُ ضَيْغما
ولكَمْ بهِم خدٌّ تورّد لونُه / جَدِلاً وخدٌّ بالدُموعِ تعَنْدَما
نظراتُهم تُردي القُلوبَ كما غدَتْ / يدُ مُحْسِنٍ تروي العِطاشَ الهُوَّما
غيثٌ لديهِ رياضُ طُلّابِ النّدى / تَزهو بنُوّارِ النُضار إذا هَمى
سمْحٌ أيادِيه لنا كم أوضحَتْ / من غُرّةٍ بجَبينِ خَطْبٍ أدْهَما
حسَنٌ أزيدَ به الزمانُ مَلاحةً / فحلَتْ مَلاحتُه وكانت عَلقَما
تلقاهُ في الأيّامِ إمّا ضارِباً / أو طاعِناً أو مُعطِياً أو مُطْعِما
طَوراً تَراهُ لجّةً مَورودةً / عذُبَتْ وأونَةً شِهاباً مُضْرَما
لبِسَ العُلا قبل القِماطِ وقبل ما / خلعَ التّمائِمَ بالسّلاحِ تختَّما
في وجهِه نورُ الهُدى وبغِمدِه / نارُ الرّدى وبكفِّه بَحرٌ طَمى
لو أنّ بعضاً من سَماحةِ كفِّه / بيَمينِ قارونٍ لأصبحَ مُعدِما
علَمٌ على ظهرِ الجَوادِ تظنّهُ / علَماً تعرّضَ للكتائِبِ مُعلَما
يهتزّ من طرَبٍ مهنّدُهُ فلَوْ / غنّى الجمادُ لكادَ أن يترنّما
ويكادُ ينطِقُ في البنانِ يراعُهُ / لو أنّ مقطوعَ اللّسانِ تكلّما
وافى وطَرْفُ المجدِ غُضَّ على القَذى / دهراً فأبصرَ فيه من بعدِ العَمى
وأتى الزّمانَ وقد تقطّب وجهُه / غضَباً على أبنائِه فتبسّما
قمرٌ تَلوحُ بوجهِه سِمةُ العُلا / فترسّما آثارها وتوسّما
وتأمّلاهُ فتمّ نورُ سعادةٍ / وسيادةٍ يأبى العُلا أن يُكتَما
تَهمي براحتِه السيوفُ على العِدا / نِقَماً تعودُ على الأحبّةِ أنعُما
نارُ الحديدِ لديهِ في حَرِّ الوغى / أشهى من الماءِ الزُلالِ على الظّما
ليسَ الحَيا طَبعاً خليقَتُهُ السّخا / بل علّمَتْهُ أكُفُّه فتعلّما
لولا فصاحتُه ونسبةُ حَيدَرٍ / لظنَنْتُه يومَ الكريهةِ رُستما
ولدٌ لأكرَمِ والدٍ من معشَرٍ / ورِثوا المكارمَ أكرَماً عن أكرَما
عن جدِّه يروي أبوهُ مآثِراً / لأبيه وهوَ اليومَ يروي عنهُما
وكذاكَ إخوتُهُ الكِرامُ جميعُهم / نقلوا رواياتِ المحامِدِ منهُما
من كلِّ أبلج طلعةٍ من حقِّها / شرَفاً على الأقمارِ أن تستخدِما
مَنْ شئتَ منهُم تلقَهُ في حربِه / والسِّلْم ليثَ وغىً وبحراً مُنعَما
غُرٌّ بأخلاقِ الكِرامِ تشابَهوا / حتّى رأينا الفرْقَ أمراً مُبهَما
فهُمُ البُدورُ السّاطعاتُ وإنّما / بالعدلِ بينَهم الكمالُ تقسّما
مولايَ أنتم سادَتي وسيادتي / منكم وقَدْري في مدائِحِكُم سَما
قرّبتُموني من رفيعِ جَنابِكُم / فغدَوْتُ مرفوعَ الجَنابِ معظَّما
لو لم تُكلّفْني السّجودَ لشُكرِها / نَعماؤُكُم عندي بلغْتُ المِرْزَما
للَّهِ دَرُّك من لَبيبٍ رأيُهُ / لم يُخطِ أغراضَ الزّمانِ إذا رَمى
هُنّيتَ بالوَلَدِ السّعيدِ وخَتْنِه / ورَعاهُ خالقُه الحفيظُ وسلّما
ولدٌ تصوّر يومَ مولدِه النّدى / والمجدُ عادَ إلى الشبيبةِ بعدَما
حملَتْهُ من قمرِ الدُجى شمسُ الضُحى / نالَتْ به نَجلاً تخيّلهُ هُما
طهّرْتُهُ بالخَتْن وهو مطهَّرٌ / قبل الخِتانِ تشرُّعاً وتكرّما
أنّى يطَهّرُ بالخِتان صبيّكُم / أو تنجُسونَ وأنتمُ ماءُ السّما
شهدَتْ لكم آيُ الكِتابِ بأنّكُم / منذُ الوِلادةِ طامِرونَ وقبلَ ما
أنتم بَنو المختارِ أشرفُ عِترةٍ / فعليكمُ صلّى الإلهُ وسلّما
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ / فجلَتْ لنا فلقَ الصّباحِ الثّاني
وتزحْزَحَتْ ظُلَمُ البراقِعِ عن سَنى / وجَناتِها فتثلّثَ القَمَرانِ
وتحدّثَتْ فسمِعْتُ لفظاً نُطْقُه / سحرٌ ومعناهُ سُلافةُ حانِ
ورنَتْ فجرّحَتِ القُلوبَ بمُقلةً / طرْفُ السِّنانِ وطرفُها سِيّانِ
وترنّمَتْ فشدَتْ حمائِمُ حَليِها / وكذاكَ دأبُ حَمائِمِ الأغصانِ
لم تلْقَ غُصْناً قبلَها من فِضّةٍ / يهتزُّ في ورَقٍ من العِقْيانِ
عربيّةٌ سعدُ العشيرةِ أصلُها / والفَرْعُ منها من بَني السّودانِ
خودٌ تُصوَّبُ عندَ رؤيةِ خدِّها / آراءُ مَنْ عكَفوا على النّيرانِ
يبدو محيّاها فلولا نُطْقُها / لحَسِبْتُها وثَناً من الأوثانِ
لم تصلِبِ القُرْطَ البريَّ لغايةٍ / إلّا لتنصُرَ دولةَ الصُّلبانِ
وكذاك لم تضْعُفْ جُفونُ عُيونِها / إلّا لتَقوى فِتنةُ الشيطانِ
خلخالُها يُخفي الأنينَ وقرطُها / قلِقٌ كقَلْبِ الصّبِّ في الخَفقانِ
تهوى الأهلّةُ أن تُصاغَ أساوِراً / لتحِلَّ منها في محلِّ الجاني
بخِمارِها غسَقٌ وتحت لِثامِها / شفَقٌ وفي أكمامِها الفَجرانِ
سُبحانَ مَنْ بالخدِّ صوّر خالَها / فأزانَ عينَ الشّمسِ بالإنسانِ
أمرَ الهَوى قلبي يَهيمُ بحبُّها / فأطاعَهُ ونَهَيْتُه فعَصاني
هيَ في غَديرِ الشّهْدِ تخزِنُ لؤلؤاً / وأُجاجُ دَمْعي مخرَجُ المرجانِ
كثُرَتْ عليَّ العاذِلونَ بها فلَو / عدّدْتُهم ساوَوْا ذُنوبَ زَماني
يا قلبُ دعْ قولَ الوُشاةِ فإنّهُم / لو أنصَفوكَ لكُنتَ أعذرَ جانِ
أصحابُ موسى بعدَه في عِجْلِهم / فُتِنوا وأنتَ بأملَحِ الغِزلانِ
عذُبَ العَذابُ بها لديّ فصحّتي / سُقْمي وعِزّي في الهَوى بهَواني
للّهِ نُعمانُ الأراكِ فطالَما / نعِمَتْ به روحي على نُعْمانِ
وسَقى الحَيا بمنىً كِرامَ عشيرةٍ / كفَلوا صيانتَها بكُلِّ أمانِ
أهلُ الحميّةِ لا تزالُ بُدورُهم / تحمي الشّموسَ بأنْجُمِ الخِرصانِ
أُسْدٌ تخوضُ السّابِغات رماحُهُم / خوضَ الأفاعي راكِدَ الغُدْرانِ
تَروى بهم رُبْدٌ كأنّ سِهامَهم / وهَبَتْ لهنّ قوادِمَ العِقْبانِ
كم من مطوّقةٍ بهم تَشدو على / رَطْبِ الغُصونِ ويابِسِ العِيدانِ
لانَتْ معاطِفُهم وطابَ أريجُهم / فكأنّهم قُضُبٌ من الرّيْحانِ
من كلِّ واضحةٍ كأنّ جَبينَها / قبَسٌ تقنّع في خِمارِ دُخانِ
ويْلاهُ كم أشقى بهِم وإلى متى / فيهِم يخلَّدُ بالجَحيمِ جَناني
ولقد تصفَّحْتُ الزّمانَ وأهلَهُ / ونقَدْتُ أهلَ الحُسْنِ والإحسانِ
فقَصَرْتُ تَشبيبي على ظَبَياتِهم / وحصَرْتُ مَدْحي في عليِّ الشّانِ
فهُمُ دَعوني للنّسيبِ فصُغْتُه / وأبو الحُسَيْنِ إلى المَديحِ دَعاني
ملِكٌ عليّ إذا همَمْتُ بمَدْحِه / تُملي شمائِلُه بَديعَ مَعاني
جارَيْتُ أهلَ النّظْمِ تحتَ ثَنائِه / فتَلَوْا وحلْبَتُهُم خُيولُ رِهانِ
مضمونُ ما نثرَتْ عليّ بنانُه / ولِسانُه أبرَزْتُه ببَيانِ
ناجَيْتُه فتشرّفَتْ بكلامِه / أُذُنُ الكَليمِ وحُلَّ عَقْدُ لِساني
سَمْحٌ إذا ما شِئْتَ وصفَ نَوالِه / حدِّثْ ولا حرَجٌ عن الطّوفانِ
بالبحرِ كَنِّ وبالغَمامِ عن اِسمِه / والبدرِ والضِّرغامِ لا بفلانِ
صرعَتْ ثعالبُه الأسودَ فأصبحَتْ / محشوّةً بحواصلِ الغِربانِ
بطلٌ يُريكَ إذا تحلّل دِرعُه / أسدَ العرين بحلّةِ الثّعبانِ
رشفُ النّجيعِ من الأسنّة عندَه / رشَفاتُ حُمرِ بوارِقِ الأسنانِ
يرتاحُ من وقْعِ السّيوفِ على الطُلا / حتّى كأنّ صليلَهُنّ أغاني
ويرى كُعوبَ السُّمرِ سُمرَ كَواعبٍ / وذُكور بيضِ الهِند بيضَ غَواني
لم يستطِعْ وتَراً يلَذُّ له سوى / أوتارِ كلِّ حَنيّةٍ مِرنانِ
قِرْنٌ يقارنُ حظَّهُ بحُسامِه / فيعودُ سعداً ذابحَ الأقرانِ
صاحٍ تدبُّ الأريحيّةُ للنّدى / فيهِ دَبيبَ السُّكْرِ بالنّشوانِ
ذو راحةٍ هي للعِدى جرّاحةٌ / أعيَتْ وأيّةُ راحةٍ للعاني
أقوَتْ بُيوتُ المالِ منذُ تعمّرتْ / فيها رُبوعٌ للنّدى ومَغانِ
للدّهرِ أفلاكٌ تدورُ بكفِّه / والنّاسُ تحسَبُها خُطوطَ بَنانِ
دارَتْ فعندَك ليلُها ونهارُها / نقْعٌ ولمْعُ مهنّدٍ وسِنانِ
أطواقُ فضلٍ كالخواتمِ أصبحتْ / بيَدَيْهِ وهْي طوارقُ الحِدْثانِ
بالنّحسِ تقضي والسعادةِ فالورى / منهنّ بين تخوّفٍ وأمانِ
في سِلمِها تهَبُ البُدورَ وفي الوغى / بالشُّهْبِ تقذفُ ماردَ الفُرسانِ
قد أضحكَ الدُنيا سُروراً مثلَ ما / أبكى السّيوفَ وأعيُنَ الغِزلانِ
حُرٌّ تولّد من سُلالةِ مطلَبٍ / خلَف الأيمّةِ من بني عَدنانِ
من هاشمٍ أهلِ المَفاخرِ والتُقى / والأمرِ بالمعروفِ والإيمانِ
بيتِ النبوّةِ والرسالةِ والهُدى / والوحيِ والتّنزيل والفُرقانِ
قَومٌ تقوّمَ فيهم أودُ العُلا / وَالدّينُ أصبحَ آبدَ الأركانِ
قد حالَفوا سهرَ العيون وخالَفوا / أمرَ الهَوى في طاعةِ الرّحمنِ
من كلّ مَنْ كالبَدرِ كلّفَ وجهَهُ / أثرَ السّجودِ فزادَ في اللّمعانِ
أشباحُ نورٍ في الزّمانِ وجودُهم / روحٌ لهذا العالَمِ الجِسماني
أقرانُ حربٍ كلّما اِقترَنوا لدى ال / هَيجاءِ تحسَبُهم لُيوثَ قِرانِ
لبِسوا سوابغَهُم لأجل سلامةِ ال / أعراضِ لا لسلامةِ الأبْدانِ
وتحمّلوا طعنَ الرِّماحِ لأنّهم / لا يحملون مطاعِنَ الشّنآنِ
بوركْتَ من ولدٍ جرَيْتَ بإثرِهم / فبلَغْتَ غايتَهُم بكلِّ مَكانِ
جدّدْتَ آثارَ المآثرِ منهمُ / ووَرِثْتَ ما حفِظوا منَ القُرآنِ
مولايَ لا برحَتْ تُهنّيكَ العُلا / بخِتانِ غُرٍّ أكرمِ الفتيانِ
نُطَفٌ مطهّرةُ الذواتِ أزَدْتَهم / نوراً على نورٍ بطُهر خِتانِ
خُلَفاءُ مجدٍ من بَنيكَ كأنّهم / للأرضِ قد هبَطوا من الرُّضوانِ
أقمارُ تِمٍّ لا يُوَقّى نقصها / إلّا بلَيلِ عجاجَةِ المَيدانِ
وفِراخُ فتح قبلَ ينبُتُ ريشُها / همّتْ بصيدِ جوارحِ الشُجعانِ
مثل اللآلي لم تزلْ محمولةً / فوقَ التّراقي أو على التّيجانِ
بلغوا وما بلغوا الكلامَ فأدرَكوا / رُشْدَ الكُهولِ بغرّةِ الصِّبيانِ
ما جاوَزوا قدرَ السِّهامِ بطولِهم / فتطوّلوا وسمَوْا على المُرّانِ
شررٌ توارَتْ في زِنادِك إذ وَرَتْ / أمسَتْ شُموسَ مسرّةٍ وتَهانِ
قبَساتُ أنوارٍ تعودُ إلى اللِّقا / شُعَلاً تُذيبُ مواضِعَ الأضغانِ
ستردُّ عنكَ المشرفيّةَ والقَنا / ولدَيْكَ تشهَدُ كلَّ يومِ طِعانِ
وستضْحَكُ البيضُ الظُّبا بأكفّهم / ضحك البُروقِ بعارضٍ هتّانِ
وتَميلُ من خَمر النّجيعِ رماحُهم / مثلَ السُّكارى في سُلافِ دِنانِ
فاِسْلَمْ ودُمْ معهم بأسبغِ نعمةٍ / وألذِّ عيشٍ في أتمِّ تَدانِ
خطرَتْ فمالَ الغُصْنُ وهو مُمَنطَقُ
خطرَتْ فمالَ الغُصْنُ وهو مُمَنطَقُ / وبدتْ فلاحَ البدرُ وهو مطوّقُ
وتبسّمَتْ فجلَتْ عَقيقاً نثرُه / كالعِقدِ في خَيطِ الصّباحِ منسَّقُ
وتحدّبَتْ فحسِبْتُ أنّ بمرْطِها / صَنماً يُخاطبُني وظبياً ينطِقُ
ورنَتْ ففوّقَ لحظُها نَبلاً له / عندَ الرُماةِ على السِّهامِ تفوُّقُ
وتدرّعَتْ حُمرَ الثِّيابِ فأشبهَتْ / شَمساً تورّد من سَناها المَشرِقُ
مصقولةٌ صقلَ الحُسامِ كأنّما / بعجينِ طينتِها أُديفَ الزِّئبَقُ
لم ندرِ قبل قوامِها أنّ القَنا / ممّا ينوّرُ في النُضارِ ويورِقُ
سَكْرى إذا اِنفتلَتْ للِين عِظامِها / أخشى على أوصالها تتفرّقُ
وأغضُّ طَرفي عن تموّجِ خدِّها / حذَرَاً يُراهُ فلا يعودُ فيغرَقُ
هي آيةُ الحُسنِ الّتي قد بيّنتْ / كُفْرَ العَذولِ وغيَّ من لا يعشَقُ
تهوى زيارتَها وتحذَرُ قومَها / ريحُ الصَّبا فلِذا ترِقُّ وتصفُقُ
بَيضاءُ منها الخِدْرُ يكنُفُ بيضةً / حُضِنَتْ لريشِ سِهامِ حتفٍ يُرشَقُ
لا الرّيحُ يُمكنُها تُبلّغُ نحوَها / منّي السّلامَ ولا خَيالٌ يطرُقُ
لم تخلُ كعبةُ خِدرِها من طائِفٍ / إمّا غَيورٌ أو محبٌّ شَيّقُ
وكذاك لم تبرَحْ تُرفرِفُ حولَها / إمّا بُنودٌ أو قُلوبٌ تخفُقُ
تُمسي قُلوبُ العاشقين لنارِها / تَعشو كما يعشو الفَراشُ فتُحرِقُ
كم في هواها مهجة من مُقلةٍ / تجري أسىً ويدٍ بكبدٍ تلصقُ
ولكَمْ ترى من ليثِ غابٍ دونَها / شاكي السِّلاحِ بلحظِ ريم ترمُقُ
جمعَ الشهامةَ والجَمالَ فتارةً / تخشى لقاهُ وتارةً تتشوّقُ
من كلِّ أبلجَ قدُّهُ من رُمحِه / أمضى وأوقعُ في النفوسِ وأرشقُ
حسَنٌ تشاكَلَ خدُّه وحُسامُه / فكِلاهُما بدَمِ القُلوبِ مخلَّقُ
يلقاكَ إمّا بالنُّضارِ مقرَّطاً / أو بالحديدِ يميلُ وهو مقَرْطَقُ
يفترُّ عن شنبِ الحبيبِ وإن رأى / خصماً فعن أنيابِ حتفٍ يصْلُقُ
بيدَيهِ من نارِ المنيّة مارجٌ / وبخدِّه ماءُ الشّبابِ مرَقرَقُ
ولَرُبَّ ليلٍ زُرْتُ فيه كِناسَها / والموتُ يرقُبُني وحولي يُحدِقُ
بادَرْتُها أسعى على شوكِ القَنا / وأدوسُ هاماتِ الصِّلالِ وأسحَقُ
حتّى ظَفِرْتُ بدُرّةٍ مكنونةٍ / عنها محارةُ خِدْرِها لا تُفلَقُ
فكفَفْتُ عنها عفّةً وتورّعاً / عن وصمةٍ منها لعرضيَ تلحَقُ
لولا النّقى عن وصلِها لم ينثني / حُمرُ المَنايا والحديدُ الأزرقُ
للَّهِ أيّامٌ تجمّعنا على / جَمعٍ وطرْفُ البينِ عنّا مُطرِقُ
والدّهرُ يعكِسُ ما تحاولُه النّوى / منّا فيجمَعُ بيننا ويوفّقُ
إذ عودُنا رطْبٌ وموردُ لهوِنا / عذبٌ وروضُ العيش خِصبٌ مؤْنِقُ
وبمُهجَتي أقمارُ حيٍّ بالحِمى / ضرَبوا القِبابَ على الشّموسِ وسَرْدَقوا
غُرُّ الوجوهِ كأنّهم من أنجُمٍ / أو من خِصالِ أبي الحُسينِ تلفّقوا
اِبنُ الوَصيِّ المرتَضى وسميّهُ / خلَفُ الكِرامِ السّابقينَ لمن بَقوا
غيثُ النّدى فلّاقُ هاماتِ العِدا / ربُّ المواهبِ والفصيحُ المُفلقُ
حُرٌّ لهُ شِيمٌ يُريكَ إذا اِنجلَتْ / في ليلِ حادثةٍ شُموساً تشرقُ
ومكارمٌ فيه تدلُّك أنّها / خُلُقٌ وفي طبعِ الغَمامِ تخلُّقُ
أندى الملوكِ يَداً وأكرمُهُم أباً / وأبرُّهُم للمُسلمينَ وأرفَقُ
روحُ الزّمان وقلبُه ويمينُه / كفُّ السّماحِ وزَندُه والمرفَقُ
سمْحٌ إذا مطَلَ الزّمانُ فوعدُه / أوفى من الفجرِ الأخيرِ وأصدَقُ
بحرٌ يُشَبُّ من الحَديدِ بكفّه / نارٌ يخِرُّ لها الكَليمُ ويصْعَقُ
هو في النّديِّ على السّريرِ مسرّةٌ / وإذا اِستوى بالسّرْجِ خطبٌ مُونِقُ
سبقَ الكِرامَ وقد تأخّرَ عصرُه / عن عصرهِم فهو الأخيرُ الأسبَقُ
قُل للأُلى جحدوا عُلاهُ وشكّكوا / فيهِ ألا فتأمّلوهُ وحقّقوا
وتصفّحوا صُحُفَ المعالي فهو في / صفَحاتِها المَعنى الأدقُّ فدقّقوا
لا تُدرِكُ الساداتُ سُؤدده ولو / طاروا بأجنحةِ النّسورِ وحلّقوا
كم يطلبونَ تشبُّهاً بخِصالهِ / أوَ يُشبِهُ الروضَ الأنيقَ الغلْفَقُ
ما في الكواكبِ منه أرفعُ رِفعةً / كلّا ولا في الأرض منه أحذَقُ
لفظُ الجَوادِ على كريمٍ غيرِه / إلّا أباهُ حقيقةً لا يُطلَقُ
رَيحانُهُ سُمْرُ الرّماحِ ووردُه / حُمرُ الصّوارمِ والبُنودُ الزّنبَقُ
عشِقَ المكارمَ فاِستهامَ فقلبُه / ولِعٌ بغيرِ حِسانِها لا يعْلَقُ
يلهو بنجدٍ في الحديث وقصدُه / نجْدُ المعالي لا النّقا والأبرَقُ
لولا اِشتباهُ البرقِ في ضحِكِ الظُّبا / ما شاقَهُ إيماضُهُ المتألّقُ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بلابِلُ نَصْرِها / تشدو وأغرِبةُ المَنايا تنعَقُ
عقدَتْ عليها السّابحاتُ سحائِباً / تهمي بوارِقُها النّجيعَ وتُغْدِقُ
تَحمي سوابقُها ضغائِنَ أُسْدِها / فيكادُ جامدُها يذوبُ فيدفُقُ
عذراءُ منذ بحِجرِها وُلِد الرّدى / شبَّ الحديدُ وشابَ منها المفرِقُ
دهماءُ بيضاءُ الثّيابِ كأنّها / من بعضِها في العينِ عبدٌ أبهَقُ
ضاقَتْ فوسّعَها وإنّ فضاءَها / لولاهُ من سُمّ الخِياطِ لأضيَقُ
وعَلا غياهِبَها ولولا سَيفُه / لوثِقْتُ أنّ صباحَها لا يُفلَقُ
فرْدٌ ترى في كلِّ جارحةٍ به / يجري خضمُّ ندىً ويَسْطو فيلَقُ
ما حازَ صدرٌ قبلَهُ الدُنيا له / في جوفِه جمْعُ البريّةِ يُلحقُ
ربُّ الندى وأبو الغطارِفةِ الأُلى / فكّوا وِثاقَ المَكرُماتِ وأطلَقوا
خيرُ البَنينَ نُجومُ آفاقِ الهُدى / أقمارُ ليلِ النّقع لمّا يَغسقُ
خُلَفا ندىً للسائلين عطاؤهُم / لا ينتهي عدداً ولا يتعوّقُ
شُمُّ الأنوفِ على قساوتِهم بهم / شِيَمٌ أرقُّ من النّسيمِ وأرْوَقُ
حمَلوا الأهلّةَ بالأكفِّ وجاوَلوا / فيها النّجومَ وبالبدورِ تدرّقوا
صِيدٌ إذا رَكِبوا الجيادَ حسِبْتَها / عِقْبانَ جوٍّ بالأسودِ ترنِّقُ
لو كَلّفوا الخيلَ العُروجَ إلى السّما / كادَتْ بهم فوقَ المجرّةِ تُعنِقُ
قَسماً بِهِم وَبِمجدهم إنّي لَهَم / لسليم قلبٍ ودّهُ لا يمرقُ
إحسانُ والدِهم تملّك عاتِقي / فأنا له الرِّقُّ الّذي لا يُعتَقُ
مولىً بخدمته تشرّف عبدُه / وتهذّبَتْ أخلاقُه والمنطِقُ
منها اِكتسَبْتُ فصاحَتي فخلعتُها / مِلكاً له وأمانةً لا تُسرَقُ
فإذا بِهم قلتُ المديحَ فإنّهم / من مالِ والدِهم عليهِم أُنفِقُ
مولايَ لا برِحَتْ تهنّيكَ الوَرى / ولكَ الإلهُ بما تُريدُ يوفِّقُ
بختانِ سِبطِكَ أحمدٍ وشقيقِه ال / محمودِ فاضَ على البريّة رونَقُ
والوُرْقُ تصدَحُ بهجةً وتطرُّباً / والدّوحُ في ورقِ الغصونِ يصفِّقُ
سبطَينِ كالسِّمطَيْنِ في جيدِ العُلا / كُلٌّ مُناطٌ فوقَه ومعلّقُ
للمجد كالقُرطَينِ لا بل مرفَعُ ال / عَينَينِ أمْسى فيهِما يتحدّقُ
قبَسَيْنِ من نورَين مشتقّينِ كالن / نسرينِ بين سناهُما لا يُفرَقُ
كالفرقدَينِ تلابَسا فكلاهُما / أسنى من القمرِ المُنيرِ وأفوَقُ
درّينِ من بحرينِ كلٌّ منهما / لججٌ يتيهُ بخوْضه المتعمّقُ
شهمينِ كالسّهمين عن كثبٍ ترى / كُلّاً به تُصمى العُداةُ وتُحرَقُ
ولَدَيْ حُسينٍ ذي المفاخِر والتّقى / قمر العُلا يا لَيتهُ لا يُمحَقُ
حرٌّ له من بعدِ إحياءِ الثّنا / ذكرٌ جميلٌ يُستطابُ ويُنشَقُ
أبقى لنا منه بُدوراً خمسةً / تمّوا وأوسطُهم أتمُّ وأليَقُ
فعليهِ ما شدَتِ الحمائِمُ رحمةً / تسقيهِ ديمتُها الصّبوحَ وتعبُقُ
ملكَ السّلامةَ والأمانَ من الرّدى / وكفاكَ ربُّك ما يسوءُ ويُقلِقُ
واِنشَق رياحينَ المكارم والعُلا / واِشمَم بجَيبكِ أيَّ فخر يعْبَقُ
واِرشف هنيّاً أيَّ شهدِ مسرّةٍ / شيمٌ تغصُّ بها العُداةُ وتشرقُ
واِلبَس من الإجلالِ أشرفَ حُلّةٍ / يَبلى بجدَّتِها الزّمانُ ويخلُقُ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ
للّهِ منزلُها على الرّوحاءِ / درّتْ عليهِ مراضِعُ الأنواءِ
وسقَتْ ثراهُ عُيونُ أربابِ الهوى / دمعاً يورّدُ وجنةَ البطحاءِ
واِستخرجَتْ أيدي الرّبيعِ كُنوزه / فحبَاهُ بالبيضاءِ والصّفراءِ
أكرِمْ به من منزلٍ أكنافُه / جمعَتْ أُسودَ شرىً وعينَ ظِباءِ
مغنىً إذا سفرَتْ وجوهُ حِسانِه / ليلاً يَطولُ تلفُّتُ الحِرباءِ
بهِجٌ يكلّفُكَ السّجودَ صَعيدُه / شوقاً للَثْمِ مباسِمِ الحصباءِ
حتّى توهّمْنا ملاعِبَ بيضِه / فتظنّها ليلاً بُروجَ سَماءِ
دارَتْ كهالاتِ البُدورِ حُصونُه / فهُما سَواءٌ في سنىً وسناءِ
تهوى الكواكبُ أن تَصوغَ سِوارَها / طوقاً لجيدِ مَهاتِه الجوزاءِ
ويودُّ ضوءُ الفجرِ يُصبحُ خيطُه / سِلكاً لعِقدِ فَتاتِه العَذراءِ
رُفِعَتْ على عُمُدِ الصّباحِ بُيوتُه / فحبالُهنّ ذوائِبُ الظّلْماءِ
قِطعٌ من اللّيلِ البهيمِ إلى الثّرى / هبطَتْ وفيها أنجُمُ الجوزاءِ
ليلاتُ قدرٍ كلَّ حُسنٍ أنزلَتْ / آياتُه فيها وكلَّ بَهاءِ
كم فيه من حِقْفٍ يَمورُ بمِئزَرٍ / وقضيبِ بان ينثَني بقباءِ
سَقياً لها من روضةٍ لم تَخلُ من / وِردَيْنِ وِرْدِ حَياً وورْدِ حَياءِ
لا صحّتِ النّسَماتُ فيه ولا صحَتْ / سَكْرى عُيونِ رجالِه ونِساءِ
يا صاحِ إن شارَفْتَ مكّةَ سالِماً / فاِعدِل يَمينَ منىً فثَمَّ مُنائي
واِسألْ بجانبِ طُورِه الغربيّ عنْ / قلبٍ غريبٍ ضاعَ من أحشائي
اطلُبهُ ثمّ تجدهُ في جمَراتِه / أبداً تعذّبُه مدى بُرَحائي
لا تعدلَنّ إلى سواهُ فمنزلُ الن / نجوى به ومعرَّسُ الأهواءِ
حرمٌ له حقٌّ لديّ وحُرمةٌ / وضعتْ له خدّي مكانَ حِذائي
ما حلّهُ دنِفٌ فأصبحَ مُحرِماً / إلّا أحلّ مقَمّصاً بضَناءِ
قرّبْ به قلبي فإن لم تلقَه / فاِنحر بهِ نومي وضحِّ عَزائي
واِمزُج لُجَينَ الدّمعِ في عرَصاتِه / بنُضارِ جاري العَبرةِ الحمراءِ
هو مرتعٌ للعاشقين ومصرعٌ / فليَسْقِ دمعُكَ روضةَ الشّهداءِ
كم فيه من بيتٍ تقفّى بالظُّبا / مضمونُه كالدُرّةِ البيضاءِ
تتوهّمُ الأطنابَ منه لِما تَرى / من ضوءِ دُميَنِه حِبالَ ذُكاءِ
أفدي بُدورَ دُجىً به قد زرّروا / ظُلَمَ السّتورِ على شُموسِ ضُحاءِ
ورُماةَ أحداقٍ سِهامُ فُتورِها / صاغَ السّقامُ لها نُصولَ بَلاءِ
وسَراةَ حيٍّ لم تزل تشتاقُهم / شوقَ العِطاشِ إلى زُلالِ الماءِ
بسوادِ قلبي من طريقةِ مُقلَتي / دخلوا ومنها أخرجوا حَوبائي
غُرٌّ حوَوا كلَّ الجمالِ كما حوَتْ / راحاتُ عبدِ اللَّه كلَّ سَخاءِ
بشرٌ يُريك لدى السّماحِ جَبينَهُ / بِشراً يُحاكي الزّهرَ غِبَّ سَماءِ
ولدٌ لأكرمِ والدٍ ورِثَ النّدى / والبأسَ عن آبائِه الكُرماءِ
أعني عليّاً صاحبَ الفضل الّذي / هو زينةُ الأيّام والآناءِ
السيّدَ الورعَ التقيَّ أخا النّدى / علمَ الهُدى علّامةَ العُلَماءِ
مولىً سعى مسعى أبيه إلى العُلا / فاِعتادَ بسْطَ يدٍ وقبضَ ثَناءِ
هو صدرُ أسمرِه وقبضةُ قوسِه / وعِذارُ أبيضِه لدى الهَيجاءِ
ويمينُ دولَتِه وآيةُ مُلكِه / ودليلُ نُصرتِه على الخُصَماءِ
غيثُ النّدى غوثُ الصّريخ إذا دَعا / قوت النّفوسِ وقوّةُ الضُعَفاءِ
يتعاقَبانِ على الدّوامِ تعاقُبَ ال / مَلَوَينِ بالسّرّاءِ والضّرّاءِ
تلقاهُ إمّا واهياً أو ضارِباً / فزمانُه يوما ندىً ووغاءِ
تَدري ذُكورُ البيض حين تسُلُّها / يدُه سينكِحُها طُلا الأعداءِ
والتِّبْرُ يعلَمُ إذ يحُلُّ وِثاقَه / أن لا يزالَ يَسيرُ في الأحياءِ
تهوى البُدورُ بأن تكونَ بمُلْكِه / بدَراً يفرِّقُها على الفقراءِ
وكذا اللّيالي البيضُ تهوى أنّها / تُمسي لديه وهْيَ سُودُ إماءِ
حسدَتْ مدائِحَهُ النّجومُ فأوشكَتْ / تهوي لتَسْكُنَ ألسُنَ الشّعراءِ
يجدُ اِزديارَ الوافدينَ ألذّ من / وصلِ الأحبّةِ بعدَ طولِ جَفاءِ
ويرى بأنّ البيضَ من بيضِ الدُمى / وصليلَها بالبيضِ رَجْعُ غِناءِ
لو أنّ هذا الدّهرَ أدركَ شيمةً / منه لبدّلَ غدرَهُ بوفاءِ
ذو راحةٍ نفخَ النّدى من روحها / في مَيّتِ الآمالِ روحَ رَجاءِ
مِشكاةُ نادي المجدِ كوكبُ أُفقِه / مِصباحُ ليلِ الكُربةِ الدّهماءِ
سرٌّ بذات أبيه كان محجَّباً / فبَدا به للّهِ في الإفشاءِ
ولَرُبَّ ملحمةٍ بنارِ جحيمِها / تغلي القُلوبُ مراجِلُ الشّحناءِ
نارٌ مقامعُها الحديدُ وإنّما / يجري الصّديدُ بها على الرُخَصاءِ
يَشفي الحُمامُ بها الحَميمَ فظلُّها / يحمومُ ليلِ مجاجةٍ دَكْناءِ
نزّاعةٌ لشوى الضّراغمِ ترتمي / شَرَراً حكَتْ قدْراً هِضابَ أجاءِ
نضجَتْ بمارِجِها النّجومُ فأكرمُ ال / بيضِ السّواغبِ في صفيفِ شِواءِ
وجرَتْ عليه من ظُباهُ جداولٌ / فخبَتْ وفاضتْ في دمِ الأشلاءِ
علمٌ تفرّدَ وهو أوسطُ إخوةٍ / شَرِكوهُ في شرفٍ وصِدْقِ إخاءِ
من كلِّ أبلجَ تستضيءُ بوجهه / وبرأيه في الليلةِ الظّلماءِ
مَنْ شِئْتَ منهم فهو رامٍ معرِضٌ / بالجزْمِ نصلاً أسهُمَ الآراءِ
جمَراتُ هيجاءٍ إذا ما سالَموا / كانوا جِناناً طيّباتِ جَناءِ
كُهَناءُ غَيبٍ يعلمونَ فراسةً / قبلَ الوُقوعِ حقائقَ الأشياءِ
زهْرٌ بوالدِهم إذا ما قِستَهُم / فهُمُ لآلي ذلك الدأماءِ
وجِبالُ حِلمٍ إن إليهِ نسَبْتَهم / فهمُ هِضابُ القدسِ حولَ حِراءِ
فإذا بَدا وبدَوْا علِمْتَ بأنّهم / قبَساتُ ساطِعِ ذلك اللألاءِ
للّهِ في تقسيمِ جوهرِ فردِه / حكَمٌ بدَتْ في هذه الأجزاءِ
ووَفَوْا فكانوا في محلِّ بنانِه / من راحتَيْهِ وأكمَلِ الأعضاءِ
فهمُ مواعِدُهُ وزينةُ مجدِه / وجَمالُ وجهِ الدولةِ الغرّاءِ
نُطَفٌ مطهّرةٌ أتَتْ من طاهِر / فصفَتْ من الأرجاسِ والأكداءِ
مولاي سَمعاً إنّ غُرّ مدائِحي / فيكُم لَتَشْهَدُ لي بصِدقِ ولائي
ولئن شكَكْتَ بما اِدّعيتُ من الوِلا / أوَ ليسَ هذا المدحُ نُصحَ ولاءِ
أوَ ما تَروني كلّما بصُدودِكُم / أحرقْتُمُ عودي يَطيبُ شَذائي
جارَتْنيَ الفُصَحاءُ نحو مَديحكُم / فتلَوْا وكُنتُ مُلجّأَ البُلَغاءِ
أنا غرْسُ والدِك الّذي ثمرَ الثّنا / منهُ جنَتْهُ لكم يدُ النّعْماءِ
أرضَعْتُكُم دَرَّ الفصاحةِ طيّباً / إذ كان طيّبُ روضِه مرعائي
يا مَنْ أصولُ على الزّمانِ ببأسِه / ويُجيبُ عند الحادثاتِ نِدائي
بخِتانِ نصرِ اللّه قرّتْ أعيُنُ الد / دُنيا وسُرّت مهجةُ العَلياءِ
والوقتُ راقَ ورقّ حتّى صفّقتْ / ورقُ الغصونِ على غِنا الوَرْقاءِ
فتهنّ بالولدِ السّعيدِ وخَتْنِه / واِرْشُفْ هَنيئاً شهدَةَ السّرّاءِ
ولدٌ به ما فيك من شرفٍ ومِن / فخرٍ ومن بأسٍ ومن إعطاءِ
في بيتِك المعمورِ منذُ ولادِه / نشأ السّرورُ به وكلُّ هناءِ
نجمٌ أتى من نيّرينِ كِلاهُما / وهَباهُ أيَّ سعادةٍ وضياءِ
خلعَ القِماطَ ففاز في خِلعِ العُلى / وسعى فأدركَ غايةَ العُقَلاءِ
للّه طينَتُه أكانَتْ نُقطةً / نقطَتْ ببسمِ اللّه تحت الباءِ
للّه خاتَمُك الّذي في نَقشه / كتبَ المصوّرُ أعظمَ الأسماءِ
ريحانةُ النّادي وشمعةُ أُنسِه / سُلوانةُ الجُلَساءِ والنُدَماءِ
اللّه يحرُسُه ويحرُسُكم معاً / من سائِر الأسواءِ والأرزاءِ
وعسى يُمدُّكم الإلهُ جميعَكم / بزيادةِ الأعمار والأبناءِ
ويُمِدُّ والدَكم ودولةَ مجدِكم / بدوامِ إقبالٍ وطولِ بَقاءِ
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه
خلطَ الغرامُ الشّجوَ في أمشاجِه / فبَكى فخِلْتُ بُكاهُ من أوداجِهِ
ودعَتْهُ غِزلانُ العَقيقِ إلى السُّرى / فغدا يُساري النّجمَ في إدلاجهِ
ودعَتْهُ ناحلةُ الخُصورِ إلى الضّنى / فكسَتْهُ صُفْرَ الوشي من دِيباجِهِ
تُملي عُيونُ الغانياتِ عليه ما / يُملي النّديمُ به كؤوسَ زُجاجِهِ
يا مَنْ لقلبٍ يَستضيءُ بقلبِه / فكأنّ جنّتهُ ذُبالُ سِراجِهِ
دنِفٌ أعارَتْهُ الخُصورُ سَقامَها / أينَ الأطِبّا من عَزيزِ عِلاجِهِ
قد ظنّ سكْبَ الدّمْعِ يُخمِدُ نارَه / سَفَهاً به فتأجّجَتْ بأُجاجِهِ
من لي بوصلِ غَزال خِدرٍ صادَني / في صادِ لحظٍ تحت نُونِ حَجاجِهِ
وبياضِ ساعدِه المُساعدِ لوعَتي / للّه ما صنعَتْ يَدا اِعوِجاجهِ
قرُبَتْ محاسنُه وعزّ وُصولُه / فبدا بُدوَّ البدرِ في أبراجِهِ
كم من ظلامٍ فيه قد نادَمْتُه / حتّى بدَتْ نارُ الصّباحِ بساجِهِ
ولَرُبّ زائِر أيكَةٍ لو أنّه / يدعو الجَمادَ لزادَ في إبهاجِهِ
ولقد تأمّلْتُ الزّمانَ وأهلَه / وأجَلْتُ عينَ النّقدِ في أفواجِهِ
فرأيتُ عربدةَ الزّمانِ عزيزةً / في حالِ سَكرتِه وصحوِ مِزاجِهِ
ولرُبّما ظنّ السّفيهُ بأنّه / يصحو بلى لكنّ لاستدراجِهِ
ويُسِرُّ قلبُ الدّهرِ كلَّ عجيبةٍ / لم يُفشِها إلّا بَنو أزواجِهِ
ورأيتُ أغلى ما عليهِ من الحُلى / أربابَه وعليَّ درّةَ تاجِهِ
قَيْلٌ تواخى بالمكارمِ والتُقى / والجودِ والمعروفِ منذ نِتاجِهِ
سمْحٌ إذا فقدَ الثّرى صوبَ الحَيا / وشكا الظّما يَسقيهِ من ثجّاجِهِ
بطلٌ إذا هزّ القَنا بأكُفِّه / تُضحي القُلوبُ مَراجِزاً لزُجاجِهِ
أسدٌ إذا لقيَ الخميسَ فعندَهُ / كبشُ الكثيبةِ من أذلِّ نِعاجِهِ
جمْعُ الأسودِ إذا لَقيه لدى الوَغى / حذَراً يبدّلُ زأرَه بثؤاجِهِ
لجَبُ الجيوشِ إذا يمرُّ بسمعِه / لجَبُ الذُبابِ يطنُّ في أهزاجِهِ
يَقري بلحمِ الشّوسِ شاغبةَ الظُّبا / ويزيدُ حرُّ الضّربِ في إنضاجِهِ
تُرجى منافعُه ويُحذَرُ ضُرُّه / في يومِ نائِله ويومِ هَياجِهِ
كسدَ المديحُ وأكدَحوا نُظامه / حتّى أتى فأقامَ سوقَ زواجِهِ
يا اِبْنَ الّذي ساد الأنامَ ونجلَ مَنْ / فاقَ الملائِكَ في عُلا أدراجِهِ
إنّ المديحَ إذا أردْتُ ثناءَكُم / تَهوي النّجومُ إليّ من أبراجِهِ
وإذا قصدْتُ سواكُمُ فيه فلم / تظفَرْ يَدي إلّا ببيضِ دَجاجِهِ
أيّدْتَ دينَ الحقِّ بعد تأوّدٍ / وسدَدْتَ بالإحكامِ كلَّ فِجاجِهِ
وشفَيْتَ علّتَهُ بكُتبٍ قد غدَتْ / مثلَ الطّبائِعُ لاِعتدالِ مِزاجهِ
أسفارُ صِدْقٍ كلُّ خصمٍ مبطِلٍ / منها سيعلَمُ كاذِباتِ حِجاجِهِ
نورٌ مُبينٌ قد أنار دُجى الهَوى / ظلم الضّلالة في ضياءِ سِراجهِ
وغديرُ ختمٍ بعدَما لعبَتْ به / ريحُ الشّكوكِ وآضَ من لجّاجِهِ
أمطَرْتَهُ بسحابةٍ سمّيْتَها / خيرَ المَقالِ وضاقَ في أمواجِهِ
وأبَنْتَ في نُكَتِ البيانِ عن الهُدى / فأرَيْتَنا المَطموسَ من مِنْهاجِهِ
وكذاكَ منتَخَبٌ من التفْسيرِ لم / تنسِجْ يدا أحدٍ على مِنساجِهِ
للأعرَجينِ وإن بدَتْ شُرُفاتُه / لن يَبلُغا المِعشارَ من مِعراجِهِ
مولاي قد ذهبَ الصيامُ مودِّعاً / وأتاكَ شهرُ الفِطرِ باِستِبهاجِهِ
شهرٌ نوى قتلَ الصيامِ هِزبرُه / فاِغتالَ مهجتَهُ بمِخلَبِ عاجِهِ