القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 72
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ / أتُراهُ لا يخْشَى على حَوْبائه
ومنَ الجهالةِ وهْوَ يَرشُقُ نفسه / أنْ تَطْمعَ العشّاقُ في إبقائه
تاهَ الفؤادُ هوى وتاهَ تعَظُمّاً / فمتى إفاقةُ تائهٍ في تائه
رَشَأٌ يُريك إذا نَظْرتَ تَثنيِّاً / تُسْبى قلوبُ الخَلْقِ في أثنائه
عَلقَ القضيبُ معَ الكثيبِ بقدهِ / مُتجاذبَيْنِ لحُسنه وبَهائه
حتّى إذا بلَغا الخِصامَ تَراضيَا / للفَصْلِ بينهما بَعقْدِ قبَائه
ذُو غُرةٍ كالنّجمِ يلمَعُ نورُه / في ظلمةٍ أخْفَتْهُ من رُقبَائه
بيضاءُ لمّا آيسَتْ من وصْلِها / وبدَتْ بُدُوَّ البَدْرِ وَسْطَ سمَائه
أَترَعْتُ في حِجْري غديراً للبُكا / فعسى يلوحُ خيَالُها في مائه
ومُسّهدٌ حَلّ الصبًّاحُ بفرْعِهِ / من طُولِ ليلته ومن إعيائه
شُقّتَ جيوبُ جفونهِ عن ناظرٍ / من طيَفْهم خالٍ ومن إغفائه
مُتَطاوِلٌ أسفارُه مُتَوسِّدٌ / وَجَناتُه إحدى يَدَيْ وَجنْائه
طَوراً يُرَى زَوْرَ الجِبالِ وتارةً / يَرْمي العراقُ به إلى زَوْرائه
والدَّهرُ أتعَبُ أهِله مِن أهلِه / منْ حاول التّقويم من عوجائه
مالي وما للدّهر ما من مطلَبٍ / أُدنيه إلاَّ لجَّ في إقصائه
دَهرٌ لعَمرُك هَرَّمتْه كَبْرةٌ / حتْى غدا يَجْني على أبنائه
يُبدِى التَعجّبَ من كثير عَنائه / فيه اللّبيبُ ومن قليلِ غَنائه
مُتَقلّبٌ أيامَه تَجِدُ الفتى / حيرانَ بين صباحهِ ومَسائه
كدَرَتْ فليس يَبينُ آخرُ أمرها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صَفائه
مَنْ لي بذي كرَمٍ أقرّطُ سَمْعَهُ / شَكوْى زمانٍ مَرَّ في غُلوَائه
إنّ الزمان إذا دهَى بصُروفه / شُكِيَتْ عَظائمُه إلى عُظَمائه
الدينُ والدُّنيا كُفيتَ مُهمّها / مهما جَلْوتَ ظلامَها بضيائه
ولأحمدَ بنِ علّي اجتمعَتْ عُلاً / لم تَجتمعْ من قَبله لسِوائه
فَرْدٌ بألفِ فضيلةٍ فيه فما / في العَصْرِ رّبُّ كفايةٍ بكِفائه
لا تنجِلي ظُلَمُ الخطوبِ عن الفتَى / إلاّ برؤيةِ وَجهْهِ وبرائه
مَلَك المُروءةَ دون أهلِ زمانه / مُلْكَ المَواتِ لمُبتْدِي إحيائه
ماضي العزيمةِ لا يُطاقُ سُؤالُه / أبدَ الزّمان لَسبقِه بَعَطائه
يُفْنِي ذخائَرَهُ ويبُقى ذكْرَه / إفناؤها نَهْجٌ إلى إبقائه
وإذا أمات المالَ أصبحَ وارثاً / من آمِلٍ أحياهُ حُسْنَ ثَنائه
ذُخْرانِ مَوْروثانِ قد بَقيا له / حَمْدٌ ومَجدٌ طال فَرْعُ بنائهِ
من ذاهبَيْنِ تَصرَّما فالحَمْدُ من / أموالهِ والمَجْدُ من آبائه
وأجَلُّ من آلائه عندَ الورّى / منه احتقارُ الغُرِّ من آلائه
فيظَلُّ يَحْبوُ مُستميحَ نَوالهِ / وكأنّما هو طالِبٌ من لحبائه
وترى له كرماً يغالط نفسه / ويصحف المسطور من أبنائه
يَحْبو ويَقْرأ أنه يَجنْى فَعن / دَ حِبائه يتَغْشاهُ فَضْلُ حيَائه
فَتَراهُ مُعْتَذِراً بغيرِ جنايةٍ / عُذْرَ الجُناةِ إلى أخي استِجْدائه
إنّي لأُفكِرُ كيف أنظمُ شُكْرهُ / فلقد تَملّكني كريمُ إِخائه
لكنْ أُؤمِّلُ أن يَظَلَّ على الورى / في أُفْقه المحسودِ من عَلْيائه
هو و الأعزّةُ من بَنيه دائماً / كالبَدْرِ وَسْطَ الشُهْبِ في ظَلمْائه
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ / فغدا لقاءٌ منهمُ بلِقاءِ
كم طعنةٍ نَجْلاءَ تَعرِضُ بالحِمىَ / من دون نَظْرةِ مُقلةٍ نَجْلاء
يا مَعْهدَ الرَشأ الأغَنّ كعَهْدِنا / بالجْزعِ تحت البانةِ الغَنّاء
بك أصبَحتْ سَمْراءُ وهي منَ القنا / في ظلِّ كلِ طويلةٍ سَمْراء
هل تُبلِغانِ ليَ الغداةَ تحيّةً / تُهدَى على حَذَرٍ منَ الأحياء
إنْ تبلُغا شَرَفَ العُذَيبِ عشيةً / فَتيامناَ عنه إلى الوعساء
وقِفا لصائدةِ الرّجال بدَلّها / فَصفا جِنايةَ عينها الحوراء
وتَحدَّثا سِرّاً فحولَ قبابها / سُمرُ الرّماحِ يَمِلنَ للإصغاء
من كلِّ باكيةٍ دماً من دُونها / يومَ الطّعان بمُقلةٍ زرقاء
وسميعةٍ صوتَ الصّريخِ وإن غدَتْ / مَدعوَّةً بالصعدة الصمّاء
يا دُميةً من دونِ رَفعِ سُجوفها / خوْضُ الفتى بالخيلِ بحْرَ دِماء
خَوفي لإقصاءِ الرّقيبِ لوَ أنّني / أَجدُ الحبيبَ يَهُمُّ بالإدناء
لو ساعدَ الأحبابُ قلتُ تجلُّداً / أَهوِنْ عليّ برِقبةِ الأعداء
ولئن صدَدْتِ فلستُ أوّلَ خاطيءٍ / يَتوقَّعُ الإحسانَ من حسناء
هل تأذنين لمُغرمٍ في زَورةٍ / فلعلّها تَشفي من البُرحاء
فلقد ملكْتِ عنِ السُّلوِّ مقادتي / وحشوت من نارِ الجوى أحشائي
وصبَرْتُ عَشراً عنكِ مُذْ شَطَّ النّوى / والعِشْرُ أقصى غايةِ الإظماء
ولقد كَتَمتُ عنِ العَذول صَبابتي / لكنّ دَمْعيَ لَجَّ في الإفشاءِ
فلْيهنأِ الغَيرانَ أنّ صدودَها / مِمّا يُروّحُ مَعشراً وبكائي
قُولا لخائفةٍ علينا رِقْبةً / ووِشايةً من معشرٍ بُعَداء
دَمْعي وبُخْلُكِ يَسلُكانِ طريقةً / تُغْنِي عنِ الواشينَ والرُّقَباء
وبمَسْقِطِ العلَمَيْنِ من طُررِ الَّلوى / دِمَنٌ شكَوْنَ تَطاوُلَ الإقواء
كَررّتُ ألحاظي إلى عَرَصاتها / وذكَرتُ عهْدَ أولئك القُرناء
وسقَيْتُ صاديَ تُرْبِها بمَدامعٍ / تَنهلُّ مثْلَ الدِيمةِ الوطْفاء
والدّمعةُ البيضاءُ قَلّتْ عندَها / فمَطرتُها بالدّمْعةِ الحَمراء
فكَمِ التجَرُّعُ للتّحسُّرِ أن خلا / من ساكنيهِ مُنحنَى الجَرْعاء
صبْراً وإنْ رحَل الخليطُ فإنّما / ذُخِرَ العَزاءُ لساعة الأرزاء
واسألْ عِتاق العيسِ إن ثَوّرْتَها / سَيراً يمزّقُ بُردةَ البيداءِ
فعَسى المطايا أن يُجدِّدَ وخْدُها / لك سَلوةً بزيارةِ الزَّوراءِ
فوسَمتُ أغفالَ المهامةِ واطئاً / وجَناتِها بمناسمِ الوجنْاء
حتّى أُنيخَ بشّطِّ دجلةَ أَينُقى / والجَوُ في سمْكٍ من الظّلماء
والجسْرُ تَحسَبُه طِرازاً أسْوداً / قد لاح فوق مُلاءةٍ بيضاء
والّليلُ قد نَسخ الكواكبَ نُسخةً / للأرضِ غير سقيمةِ الأضواء
والأصل للخضراء فهْوَ بِكَفّها / وبهِ تُقابِلُ نُسخةَ الغَبراء
فكأنّما الفَلَك المُدار بمَشْقِها / أبدى كتابتَه لعَيْنِ الرائي
أًمسى وقد نسخَ السّماءَ جميعَها / من حِذْقِه في صَفحةٍ للماء
كي يَخْدُمَ المولَى المُعين لو ارتضَى / بالنسْخِ في ديوانِ الاستيفاء
ولو ارتَضاه خادماً لرأى له / ماذا يُضاعَفُ من سناً وسنَاء
مَن ظَلَّ بين يدْيهِ أدنى كاتبٍ / تَلْقاه واطىء هامةِ الجوزاء
مَن بلَّغ الأقلامَ فوق مدى القنا / للمُلْكِ يومَ تَطاعُنِ الآراءِ
مَن حَلَّ من درَجِ الكِفاية غايةً / أَعيا تَمَنّيها على الأكْفاء
بخلائقٍ خُلِقَتْ لإدْراك العُلا / وطَرائقٍ حَظيَتْ بكُلّ ثناء
ويدٍ تَشِحُّ بذرّةٍ إن حاسبَتْ / وببذرةٍ منها أقَلُّ سَخاء
إنْ لم ُيُسامِحْ ثَمّ فاطْلُبْ رِفْدَه / لِيُريك كيف سَماحةُ السَّمحاء
مَلِكٌ يَشُبُّ لبأَسِه ولجودِهِ / ناريْنِ في الإصباح والإمساء
قَسمتْ يَداه عُداتَه وعُفاتَه / قسمْينِ للإغْناء والإفناء
ذو هِمّةٍ تَلْقى معَالمَ دارِهِ / مَعمورةً أبداً من العُلماء
تتناثَرُ الدُّررُ الثّمينةُ وسْطَها / قُدّامَهُ بتَناظُرِ النُّظراء
وكأنّ بدراً في أسرّة وجْهِه / للنّاظرِين يُمدُّهم بضياء
تَتزعزع الأعطافُ منه هِزّةً / عند استماع تلاوِة القُرّاء
فمسائل الفقهاء مُنشَدةٌ على / آثارهنَّ مدائح الشُّعراء
هذي المكارمُ والمعالي الغُرُّ لا / شدو القيان وضجّة الندماء
لله مختص الملوك فلم تزل / تَختَصُّ هِمَّتُه بكُلِّ علاء
من دوحةٍ للمجدِ عاليةِ الذُّرا / يوم الفخارِ مديدةَ الأفياء
كلٌّ رأى كَسْبَ الثّراء غنيمةً / فأَبتْ يداه غير كَسْبِ ثنَاء
ولأحمدَ بنِ الفضلِ شيمةُ سُؤْددٍ / وقفَتْ عليه مَحامِد الفُضلاء
قد أصبح ابنَ الفضل فهْو يبرُّه / برَّ البنين لما جِدِ الآباء
ويَظَلُّ يكرِم مَن إليه يَنتحي / مِن زائريه كرامَةَ النُّسباء
فالفضلُ قَرَّتْ عَينُه بك يا ابنَه / إذ كنتَ من أبنائه النجباء
يا مُحسناً بيَدِ النّدى بين الورى / تَقليد جيدِ الهمّةِ العَلياء
للهِ درُّك من فتَىً علْياه في / وجهِ الزّمان كغُرّةِ الدَّهْماء
يا مَن إلى بيتٍ تَحُلُّ فناءه / يُمسى ويُصبح حَجُّ كُلِّ رجاء
أضحَى الرّجاءُ إلى ذُراك وجُوهه / مَصروفَةً من سائر الأرجاء
ومن العجائبِ أنَّ كَفَّك لم تزلْ / كالبحرِ يومَ الجُودِ فَرْطَ عطاء
والبحر أسماء له معروفة / والكَف لم تَكُ قطُّ في الأسماء
أمّا جَداكَ فمِن فِنائك قد سَرى / حتّى أتاني نازلاً بِفنائي
وأنا بأرضِي للمُقامِ مُخَيمٌ / وركائبي مَعقولةٌ بإزائي
فَبِكَمْ على صِلَةٍ أجيءُ وراءها / تُربِي إذا صلةٌ تَجِىء ورائي
والذِّكْرُ منك على المغيبِ مُفرِّحى / والمالُ أصغَرُ نائلِ الكُبَراء
فلأَشكُرنّكَ ما صنَعْتَ مُواصِلاً / شُكْرَ الرّياضِ صنائعَ الأنواء
ولأّحبُوّنّكَ من حِبائكَ جازياً / بسَماعِ كُلّ قصيدةٍ غَناء
غَنّى بها راوٍ وأغنى مُنِعمٌ / فاستُطرِبَتْ لِغنىً لها غَرّاء
أنا ألأمُ اللُّؤماء إن لم أجتهِدْ / في حُسْنِ مدحةِ أكرمِ الكرماء
يا بادِئاً بالمكرماتِ وفعْلُه / في العَوْدِ أكرَمُ منه في الإبداء
ما فوقَ يَومكَ في الجَلالِ لدى الوَرى / إلاّ الغَدُ المأمُولُ للعلياء
فاسلَمْ لأبناء الرّجاء سلامةً / مَوْصولةً بتَظاهُرِ النّعْماء
أرضَيْتَ بالنُّصْحِ الإمامَ وإنّما / يُرضِي الأئمّةَ طاعةُ النُّصَحاء
وبَلاكَ سلطانُ الأنامِ فما رأى / لك مُشْبِها يا أَعظَمَ الأُمَناء
ولئن غدوْتَ وأنت مالك دولةٍ / فلقد سَبقْتَ لها إلى الإحياءِ
المُلْك مَغْنىً أنت آهِلُ رَبْعهِ / لامَلَّ يوماً منك طُولُ ثَواء
والدّهرُ كالعِقْدِ المُفصَّلِ نَظمُه / نَسَقاً من البيضاءِ والسّوداءِ
فبَقيِتَ واسطةً له لتَزينَه / ولكَيْ تُحاكِيَه امتدادَ بَقاء
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي / أفلا يَخورُ جَنانُ هذا الماءِ
يا ماءُ ها أنا عن فِنائك راحِلٌ / فلقد أطَلْتُ ولم يَنَلْكَ رِشائي
حتّى متى صَدَري وَوِرْدي واحدٌ / وإلامَ أشكو حُرقةَ الأحشاء
مِن جَمْعِ قَطْرِ حياً أراك مُصوَّراً / أفليس يُوجَد فيك قَطْرُ حَياء
تُروِى أخا نَهَلٍ وتَتركُ صادياً / أغديرُ رِيٍّ أم غَديرُ رِياء
إنّي أرَى يا ماءُ وجهَك صافياً / لكنّ نفسَك غيرُ ذاتِ صَفاء
ما الفضلُ فيك لشاربيكَ بمُعْوِزٍ / بل ليس عندَك حُرمةُ الفُضلاء
بَخِلَ الغمامُ عليك بُخْلَك ظالماً / وجفا ذُراك كما أَطلْتَ جَفائي
وإذا تَفروَزَتِ المياهُ بخُضْرةٍ / فَبقيِتَ غيرَ مُدبَّجِ الأرجاء
وإذا الرَّبيعُ كسا البلادَ بُرودَهُ / فتَجاوزَتْك نَسائجُ الأنواء
لأُنادِينَّ بسُوء فِعْلِك مُعلِناً / بالشّرقِ والغربِ القَصي ندائي
ولأنَظِمنَّ أَرقَّ منك لسامعٍ / كَلِماً وأحسَنَ في الكتابِ لراء
ولأمَلأنَّ الأرضَ أنَّ مَزاودي / أُصدِرنَ عنك وهُنّ غيرُ مِلاء
ولأُخْبِرنَّ الناسَ حتّى يعلم الدْ / داني القريبُ معَ البعيدِ النائي
ما كان ضَرَّكَ لو كسبْتَ مدائحي / بل ما انتِفاعُكِ باكتسابِ هجائي
من كُلِّ سائرةٍ بأفواه الورى / تَحدو مطايا الرّكبِ أَيَّ حُداء
أنا أشعَرُ الفُقهاء غيرَ مُدافَعٍ / في العَصْرِ أو أنا أَفقَهُ الشعراء
شِعْري إذا ما قلتُ يَرويه الورى / بالطّبْعِ لا بتَكلفِ الإلقاء
كالصّوتِ في ظُلَلِ الجبالِ إذا علا / للسّمْع هاجَ تجاوبَ الأصداء
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ / أم هل لعيشٍ في الزمانِ صفاءُ
بَيْنا يُديرُ المرءُ كأسَ سُروره / كَرّتْ عليه ومِلْؤها أقذاء
فأبَى لنا إلاّ التَحَوُّلَ دائماً / أحوالُنا فكأنّها أفياء
ما إن يَزالُ يُشرِّقُ الإصباحُ في / نَهْجٍ بها ويُغَرِّبُ الإمساء
فاصحَبْ على الأَودِ الزّمانَ مُدارياً / فَطِلابُ تَقويمِ الزّمانِ عَناء
ملأَتْ لنا الأسماعَ داعيةُ الردى / وكأنّما أنا صَخْرةٌ صَمّاء
والموتُ للأقوامِ داعٍ مُسْمِعٌ / ما من عُمومِ ندائه استْثناء
والمرءُ في عِطفَيْهِ ينظُرُ نَخوةً / وإليه شزراً تنظر الأدواء
ومساحب الأذيال أجداث لنا / فَسَلُوا إذنْ ما هذهِ الخُيلاء
نَحدو مطايانا العِجالَ وخَلفَنا / أيضاً لسائقةِ المَنون حُداء
ونُنيخُ في البيداء نَعلَمُ أنّهُ / يوماً تَعوُدُ تُنيخُنا البيداء
لا بُدّ من ليلٍ يَمُرُّ على الفتى / لا تَنْجلي عن ضوئهِ الظّلْماء
أو من نهارٍ ليس خَلْفَ صباحِه / مِمّا يُعاجِلُه الحِمامُ مَساء
وكأنّما داعي المَنيّةِ قابِضٌ / كَبِدَ الحَنّيةِ رَمْيُه إصماء
والموتُ سِتْرٌ خَلْفَه من فِعْلنا / حَسناءُ تُرضِي المرءَ أو شَوهاء
بعدَ الفَناء بقاءٌ اعترفَتْ به / نَفْسي كما قبلَ الفَناءِ بقاء
ولقد خلا فِكْري بدَهْري عاذلاً / يَلْحاهُ كيف طغَتْ به الغُلواء
فأجابَ مُعتِذراً وقال مُخاطباً / ولسَمْعِ قلبي نحوَه إصغاء
إنّي ومَن سَمَك السّماءَ بقُدْرةٍ / واقتادَني قَدَرٌ لهُ وقَضاء
لَمُبرّأ من كُلّ ما اعتادَتْ له / نسباً إليّ لجهلها السفهاء
إن كنت سالب والداً له / فرجَعْتُ عنه ولي يَدٌ شَلاّء
وتَقطّعتْ أقرانُ عُمْري فانقضىَ / إن شئِتُ أن تَتَفرّقَ القُرناءُ
مَن قال قلبي ليس فيه رِقّةٌ / أو قال وَجْهي ليس فيه حَياء
فأنا الخصيمُ له بذاك غداً إذا / قامَتْ ليفصلَ بينها الخُصماء
أنا أشتهِي يا قومُ أن يُعطَى الغِنىَ / ذو النَقصِ فِيَّ ويُحْرَمَ الفُضلاء
أنا أرتضِي أن يُثْرَى اللُّومَاءُ في الدْ / دُنْيا ويَشكو الخِلّةَ الكُرماء
أنا مُلْصِقٌ للكَفِّ إمّا بالثّرى / أو بالثُّريّا إنْ أعانَ ثَراء
فِعْلاَي أخْذٌ فاجِعٌ وعَطيّةٌ / ويَدايَ هَدْمٌ فاحِشٌ وبِناء
لِيُساقَ من كلٍّ إليّ ملامةٌ / ويُساءَمن كُلٍّ عَلَيّ ثَناء
فاقْصُرْ ملامَك لي فما إنْ للفتى / بيدَيّ إسعادٌ ولا إشْقاء
أنا مثلُ قلبٍ فيه سِرٌّ مُودَعٌ / للهِ ما لِمَصونهِ إفْشاء
لا شَيءَ فِيَّ به تَعيبُ مَشيئتي / لكنْ مشئةُ مَن له الأشياء
ما الأمرُ فِيّ كما أشاءُ بحاةٍ / لا بل أَدورُ كما سِوايَ يَشاء
لو كان لي أَمْرٌ يُطاعُ وقُدْرةٌ / يوماً يُسَرُّ بها امْرؤ ويُساء
ما رُعْتُ صدْرَ الدّينِ قَطُّ برائع / ومن العِدا والحاسدينَ فِداء
كلاّ ولا لاقَيْتُه بمُلمّةٍ / من بَعْدِ أُخْرى والقلوبُ مِلاء
بل كنتُ واقيَ مَن عُلاه ومَجْدُه / لي دائماً مِمّنْ أذُمُّ وِقاء
أوَ ليس أصبحَ وحدَه ليَ غُرّةً / وجميعُ أهلي جِلْدَةٌ دَهماء
ما كان أكمَلَ فَرْحَتي لو أنّه / ما نالَ تلكَ الشُّعلة الإطفاء
لو أنّ هذا الهلالُ وقد بدا / للنّاظرين ليَستَتِمَّ نَماء
قد كانَ أزهرَ غابَ أُفُقِِ العُلا / فتبَادَرْت في إثْرِه زَهراء
جُرْحٌ على جُرْحٍ قريبٌ عَهْدُه / وكؤوسُ أشجانٍ حُثِثنَ وِلاء
وكأنّ ساقي الحُزْنِ أنكرَ فَضلةً / في الكأسِ أسْأَرَها له النُدَماء
فأدارَ ثانيةً علينا كأسَهُ / لتُنالَ تلك الجُرْعةُ الكَدْراء
والدّهرُ أنعُمهُ أُحادٌ إن أتَتْ / منه وأبؤسُه الشِّدادُ ثُناء
لا يَهنأِ الأعداءَ ما شَهِدوا وهل / لِعداكَ من خَطْبٍ عَداك هَناء
إن مَرًّ منك نَجيبُ مَجْدٍ راحلاً / فاسلَمْ لِتُخْلفَ بعدَه نُجَباء
ما ضَرّ أصلاً ثابتاً من دَوحةٍ / أنْ كان فرعٌ غَيّبتْهُ سَماء
أبدَتْ على يدِهِ الصعَادُ تأسُّفاً / فكأنَّ هَزّ مُتونِها صُعَداء
وأكبّتِ الأقلامُ تَبكي حَسْرةً / ولها عليه دَمعةٌ سَوداء
ولطَمْنَ بالغُرَرِ الجيادُ وُجوهَها / من حيثُ كان لَهُنّ فيه رَجاء
واعتَدَّ دينُ اللهِ عندَ نَعيّه / أنْ مَرَّفيه فَيْلقٌ شَهباء
أمُودِّعي طَوْعَ المنَونِ ومُودِعي / ناراً بها تَتَحَرَّقُ الأحشاء
أعزِزْ عليَّ بأن تُفارقَ فُرقةً / ما بعدها حتّى المَعادِ لِقاء
لادَرَّدَرُّ الموتِ ماذا ضَرَّهُ / لو كان عنك لطَرْفهِ اِغضاء
شَغفَتْ صفاتُكَ كُلَّ مُستَمعٍ لها / حتّى استَوى القُرَباءُ والبُعَداء
كم مقلةٍ نجلاءَ قد سفَحتْ دماً / فكأنّما هي طَعْنةٌ نَجلاء
كم أمّلَتْ يُمناكَ أنْ سَتُمِرُّها / دون الهُدى يَزَنيّةٌ سَمْراء
وصحيفةٌ فَيضاءٌ تَملأُ بَطْنَها / دُرّاً بها وصحيفةٌ بَيضاء
فشفَى غليلَ ثَراكَ كُلَّ صبيحةٍ / كنَدى أبيكَ سحابةٌ وَطفَاء
وأقام مَنكِبَ أرضٍ استَبْطنتَها / وعليه من وَشْيِ الرّياض رِداء
قد كان أَولْى مَن تَجنّبه الردى / لو حُوبِيَتْ في بَيتِه حَوباء
ولكان لو نَفع البُكا لَجَرى لنا / بَدَلَ الدُّموعِ من العيون دِماء
فتَعزَّ عنه وإن أمَضَّ مُضِيُّه / فإلى العَزاء تَردُّنا العَزّاء
ولئن تَقدَّم نحو ربِّك فارطاً / فالفارطون همُ لنا شُفَعاءُ
فَتصرُّمُ ابنِ ذُكاءَ خَطْبٌ هَيّنٌ / ما أشرقَتْ للعالمينَ ذُكاء
لا سِيّما ولك الشهّابُ المُنجلِي / عن وَجْههِ للأعيُنِ الظَلماء
وأخوهُ سَعْدٌ أكبرٌ وله إذا / أمسَى مُقارِنُ أصغرٍ لاْ لاء
فإذا بدا سَعْدانِ معْ بَدْرٍ كفَى / أن يَغْمُرَ الدُّنيا سناً وسَناء
إن أَجزعَ الأحبابَ وَشكُ رحيله / عنّا فلا تُسْرَرْ به الأعداء
قٌل للإمام ابنِ الإمامِ مَقالةً / حَقّاً لَعمرُك ليس فيه مِراء
بأبيكَ عَزّتْ أصفهانٌ مثْلما / شَرُفَتْ بَوْطءِ قُريشٍ البَطحاء
قد جاء جَيّاً والسُعودُ تَحُّفهُ / مُطِرتْ على عُلَمائها النَعماء
بأبيك ثمّ أخيك ثمّ بك أَبتتْ / للدّين فيه وأهلِها عَلْياء
أظهَرتُمُ في نَصرِ دينِ مُحَمّدٍ / ما ليس فيه على الأنام خَفاء
إن أَنكرتْ آثاركُم زُمَرُ العِدا / فَلكُم بها كُلُّ الورى شُهَداء
وجُحودُ مَن جَحَد الصباحَ إذا بدا / من بعدِ ما انتشرَتْ له الأضواء
ما دَلّ أنّ الصُبحَ ليس بطالعٍ / بل إنّ عيناً أنكَرْتَ عَمياء
خُذْها مُحَّبرةً تَخالُ بُيوتَها / حِبراً أجادَتْ صُنْعَها صَنْعاء
وَيقِلّ عن إهداءِ تَسليتي بها / لفتىً أغَرّ قصيدةٌ غَرّاء
ومِثالُ مَوعظتي لِمثلِكَ قَطْرةٌ / من ديمةٍ تُسقَى بها دَأماء
عيدانِ عيدُ مَسَرةٍ ومَساءةٍ / طَرَفان لا طافَتْ بك الأسواءُ
فأعِدَّ من صَبْرٍ وشُكْرٍ عُدّةً / فبمثْلِها تَتضاعَفُ الآلاء
كي تَرحلَ الضَّراءُ عنك إلى العِدا / وتُقيمَ خالصةً لك السّرّاء
لازلتَ تَبْقَى في ظلالِ سعادةٍ / فَبقاءُ مْثِلك للزّمان بَهاء
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ / إنّ المُحالَ مَضِلّةُ الآراءِ
إنّ المُشاوِرَ في المُحالِ مِثالُه / كُمطالعِ المِرآةِ في الظّلْماء
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه / أبداً وبينهمُ وَكِيدُ إِخاءِ
ولئن دَعونا من كرامتِه فلا / عجَبٌ ونحن له من الأبناء
أبنى الهُمام أبى الرّجاء بَقيِتُمُ / في دولةٍ محْسودةِ النَعْماء
حتّى تكونوا في ثلاث خصائصٍ / بينَ الورى من قِلّةِ النُظرَاء
مِثْلَ الثُريّا في اجتماع كواكبٍ / وَعُلوّ منزلةٍ وطُول بَقاء
وعُداتُكم مثلُ الثّرى فكَمِ المَدى / بين الثريّا والثّرى مُتَناء
لولا رجائي ثانياً للقائهِ
لولا رجائي ثانياً للقائهِ / ما كنتُ أحيا ساعةً في نائه
سَكَنٌ له أبداً فؤادي مَسْكَنٌ / ما مَلَّ يوماً فيه طُولَ ثوائه
ريمٌ إذا رِيم السُّلُوّ لمُغْرَمٍ / عن حُبّه أعيا عِلاجُ عَيائه
ومُقَرطَقٌ لو مَدَّ حلقةَ صُدْغهِ / من فَتْلها تَمّتْ لعَقْدِ قَبائه
غُصُنٌ إذا ما مادَ في مَيدانهِ / أسدٌ إذا ما هاجَ في هَيْجائه
في جَفْن ناظِره وجفْنِ حُسامهِ / سَيْفانِ مختلفانِ في أنحائه
فبواحدٍ يَسطو على أحبابهِ / وبواحِد يَسْطو على أعدائه
قَمَرٌ غدا روحي وراح مُفارِقي / والجسمُ بالرّوح امتساكُ بقائه
فَتَعَجُّبي أن عشتُ بعد فِراقه / وتَحسُّري أن متُّ قبل لِقائه
مالي وما للدهر ما من مطلبٍ / أُدنيه ألاّ لَجَّ في إقصائه
تُضحى وتُمسي حادثاتُ خُطوبِه / تَتْرى تُمِلُّ المرءَ من حَوبائه
كَدَرَتْ فليسَ يَبينُ آخرُ أمرِها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صفائه
إلاّ رئيس الدّين إن أبدَى لنا / عن وجْههِ أو سيفِه أو رائه
فليكْشفَنَّ عنِ الورى غَمّاءها / أيُّ الثّلاثةِ كان من أضوائه
إنْ حَطّ ثِنْىَ لِثامِه أو هَزَّ حَدْ / دَ حُسامِهِ أو شَبَّ نارَ ذكائه
مَلِكٌ إذا عَمَّ البلاد بعدْلِه / عَمَر البلادَ بِبَأْسِه وسَخائه
إنَّ اللّياليَ أصبحَتْ بأساؤها / مَغْمورةً للخَلْقِِ في نَعْمائه
ما إن يُصيب الحُرَّ منها نازِلٌ / إلاّ ومنه نائلٌ بإزائه
ففَدى العُداةُ مِنَ الحِمامِ ورَيْبِه / وهمُ وإن رغمِوا أقلُّ فِدائه
مَنْ ليس يَثْنى طَبْعَه عن حِلْمه / سَعْيُ العِدا بَغياً على عَليْائه
أفليس أَشقَى النّاسِ مَن جاز المدى / في البَغْي حتّى خاب من إبقائه
يَغْترُّ حاسِدُهُ بأنْ أملَى له / والبأسُ كُلُّ البأسِ في إملائه
كم راقدٍ مَلَّ الجفونَ جَهالةً / ما دام ليلُ الشّكِ في ظَلْمائه
لا بُدَّ أنْ سَيعودُ صُبْحٌ ساطعٌ / فَيهُبُّ فيه المَرءُ من إغفائه
يومٌ يجازَى المَرءُ فيه وواجِبٌ / أن يُذكَرَ الإنسانُ يومَ جَزائه
هو عَفْوُه اعتَصِموا بحَبْلِ ذمامه / وعِقابُه اجتَنِبوا حُلولَ فَنائه
يُغْني ويُفْني فاطلُبوا إغناءه / وتَعوَّذوا باللهِ من إفنائه
سبب النجاة ولاؤه ورجاءه / فتمسكوا بولائه ورجائه
قُلْ للعُداةِ انْوُوا له ما شئِتُمُ / فلَكَم يقيهِ اللهُِ من إسوائه
أفبَعْدَ هذا للخلائقِ ريبة / في أنَّ سِرَّ اللهِ في إعلائه
هيهات إنَّ اللهَ يأبى نُوُره / أن تَعمَلَ الأفواهُ في إطفائه
اليومَ عاد السّعْدُ بعد مَغيبهِ / عنّا وبان الرشْدُ بعدَ خفَائه
وسعَى لهذا الملْكِ في تَجْديدِه / من بَعْدِ سَعْيِ الدَّهرِ في إبلائه
ذو غُرةٍ كالبَدْرِ عند طُلوعِه / بَهَر الورى بسَناه أو بسَنائه
لكنْ إذا نظَروا إليه تَبَيّنوا / أنْ ليس بَدْرُ الأفْقِ من نُظرائه
فكمَالُه أنْ ساس فوق كَمالِه / وعَلاؤه أنْ قاس فوق عَلائه
مَلِكٌ إشارةُ كَفّهِ أو طَرْفهِ / لنعيمِ شَطْرٍ للورى وشَقائه
ربُّ الكتابةِ والكتيبةِ صاحبٌ / تَسْرِي جيوشُ النّصرِ تحت لوائه
وإذا رأيت السّودَ من راياتهِم / سارتْ أمام البيضِ من آرائه
فتَرقّبِ الفَتْحَ القريبَ لمن غدا / بين الملوكِ وأنت من وزرائه
يا طالعاً سَعْدَ السّعودِ لناظري / من بَعدِ طُولِ سُهادِه وبكائه
لو لم أُرِدْ بصَري لِرؤيةِ وجْههِ / ما كنتُ ذا حرْصٍ على استِبقائه
لِمحَبَّتي نَظرِي إليك صيانَتي / بَصَرِي وإمساكي عنِ استبكائه
ما كنتُ أصنْعُ لو طلعْتَ بمُقلتي / والدَّمعُ أطفأ نارَها في مائه
يا كعبةً سارتْ إلى حُجاجِها / وكَفتْ مَسيرَ النَّضْوِ في بَيدائه
وأهلَّ زائرُها برَجْع دُعائه / من قبلِ جادِيهم برَجْع حُدائه
خذْها كعِقْدِ الدُّرِّ ثنى لثامه / والكوكب الدريِّ في لألائه
فلأ شكُرنَّ على دُنُوِّ الدراما / توليه من حظٍ ومن إسنانه
شُكْري أميرَ المؤمنين على النّوى / لمّا سقَى أرضي حَبِيُّ حِبائه
قرَّطتْهُ أنا والمهامِهُ بيننا / دُرّى وَقرَّطني كذا بعَطائه
وأجَلُّ من تقليدِه لنوالِه / ما كان من تقليدِه لقضائه
وقد استَنبْتُ ابني فوَّقع مُمضياً / والفَخْرُ كُلُّ الفخْرِ في إمضائه
فمَنِ المُخالِفُ للخليفةِ أمرَه / في عَوْدهِ يوما وفي إبدائه
ووُرودُ أمرٍ جاء من رَبِّ الوَرى / كوُرودِ أمرٍ جاء من خُلفائه
فأعدْ لنا نظرا فهمُك صائبٌ / لا يطمَعُ الجُهّالُ في إخطائه
وانظُرْ إلى استحسانِ واستقباح ما / سيُقالُ بعْدَ المرءِ من أنبائه
فتعّلمَ الأدبَ السَّموألُ ومن صدى / جبَلٍ دعا فغدا مُجيبَ دُعائه
يا صاحباً ما شام برقَكَ آمِلٌ / إلا وجاد ثَراه سُحْبُ ثَرائهِ
لم أرْجُ نُجْحاً عاجِلاً في مَطلَبٍ / إلا وبِشْرُك كان من بُشَرائه
لكنّ دهراً رائعاتُ صُروفُه / كَرَّتْ بشِدَّتهِ بُعَيدَ رخائه
كان اعتناؤك بي يَراه ويَستحي / وأراه قد ألقَى لثامَ حَيائه
فلقد مَلِلتُ اليومَ من أكداره ال / مُلْقاةِ في شُرْبي ومن أقذائه
فأعنْ على هَربي إذن من منزلٍ / فَنِيَ اصطبارِي من طويل بَلائه
بِمُهْملَجٍ كالماء عند مَسيره / لكنّه كالبَرْقِ في تَعْدائه
فَرسٌ إذا ملكَتْه كَفّي لم أُرعْ / من بُعْدِ مُنتجَعٍ ومن عُدَوائه
وعليه إنْ أك في صباحِيَ فارساً / أَو فارساً إن سرتُ قبلَ مَسائه
وبسابقٍ لي منكَ وَعْدٌ سابقٌ / فتُرى إلامَ تَلِجُّ في إبطائه
وأبو الفُتوح وليس يُنْكِرُ ضامِنٌ / فَبقيتُ في وطَني أسيرَ جَفائه
فعسى أرى طِرْفي بطَرْفي مَرّةً / يُزْهى أمام الخيلِ من خُيلائه
وعلى السِفارِ عسى أصيرُ بظَهْرِه / مُستظهراً فأهزَّ عِطْفَ التّائه
مَنعتْ موانعُ أنْ أمُرَّ لِطيَّتي / فبقيِتُ في وطني أسيرَ جَفائه
قَيّدْتني وَسَطَ الدّيار ومَن نَبَتْ / دارٌ به فَنجاتُه بنَجائه
حتّى لجْأتُ إلى ربيبِ رئاسةٍ / إفضالُه وقْفٌ على فُضَلائه
وشَكوتُ للزّمنِ المُسىء حوادِثاً / وفؤادِيَ العاني أسيرُ عَنائه
فأزال أقيادَ الخطوبِ ورَدَّني / مُتقيّداً بالغُرِّ من آلائه
فبقيتُ لا أدري أمن أُسَرائهِ / أصبحتُ بين النّاس أم طُلَقائه
عاش الرّجاءُ لكلِّ قَلْبٍ آيسٍ / لمَا قَدِمْتَ وكنتَ من أبنائه
وكذاك دينُ اللهِ زاد جلالةً / لمّا رآك وأنت من رُؤسائه
فَالْحَقْ بحُسْنِ الرّأى مُهجةَ خادمٍ / لم يَبق للحدثانِ غيرُ ذَمائه
واسَتْبقِ فيك ثناءه وَولاءه / فَيقِلُّ مثْلُ ثنائه وَولائه
لا زلتَ مثْلَ النّجمِ تَطلُعُ للورى / في عُمْرهِ طولاً وفي استِعلائه
في ظلّ مُلْكٍ كاملٍ نامٍ معاً / يَجْلو ظلامَ الظّلمِ بَثُّ ضيائه
فكَما لهُ للبدْرِ إلاّ أنّه / كهلالِ أوَّلِ ليلةٍ لنَمائه
نشرَ المُنَى طاوي السُّهوب
نشرَ المُنَى طاوي السُّهوب / ورجا السُكون من الدّؤوبِ
لم أقتعدْ ظَهْرَ السرى / إلاّ وآمالي جَنيبي
ولقد أقولُ لصاحبي / والعيسُ في خَرْقٍ رحيب
ثقْ بالمُجيبِ لمَنْ دعا / هُ إلى المَطالب لا المُخيب
فزِمامُ ما أرجوه في / ذا الوجهِ من عَرَضٍ قَريب
بيَد الأديبِ هلِ إنْ أتَيْ / تُ أنالُه بيَدِ الأديب
فلَكم أعاذ أخا الخطا / بِ بما أقالَ من الخُطوب
ولقد تَجاوز بالمجُدو / بِ لقَصْدِ جانبه الخَصيب
فاقْرِ السّلامَ عليه من / جارٍ لبَيْتَيْه غَريب
ما إن يُزارُ ولا يزو / ر لكَيْ يَخفَّ على القلوب
مَع صَفوِ وُدٍّ خالص / لا بالمخوضِ ولا المَشوب
صَحبَ الفؤادَ ودامَ مِن / عهْد الشبابِ إلى المشيب
ولقلَّما يسلو المُحبْ / بُ أخو الحِفاظ عن الحبيب
نَفسي فداؤك أيّهذا الصّاحبُ
نَفسي فداؤك أيّهذا الصّاحبُ / يا مَنْ هواهُ عليَّ حَقٌ واجبُ
لمْ طالَ تقصيري فما عاتَبْتني / فأنا الغداةَ مُقصّرٌ ومُعاتِب
ومنَ الدّليل على مَلالك أنّني / قد غبْتُ أياماً وماليَ طالب
وإذا رأيتَ العبْدَ يَهربُ ثُمَّ لم / يُطلَبْ فَمَولَى العَبْدِ منه هارب
أأحِبّتي الشاكِينَ طُولَ تَغَيّبي
أأحِبّتي الشاكِينَ طُولَ تَغَيّبي / والذّاهبينَ منَ الهوى في مَذْهبي
لا تحْسَبوا أنّي جَعْلتُ على النّوى / لجنابِكم بالاخْتيار تَجُّنبي
ما جُبْتُ آفاقَ البلادِ مُطَوِفّاً / إلا وأنتم في الوَرى مُتَطلبّي
سَعْيِي إليكم في الحقيقة والذي / تَجدون عنكم فهْو سَعْيُ الدّهر بي
أنحُوكمُ ويَرُدُّ وَجهْي القّهقَرّى / دَهْري فسَيْري مثْلُ سيْرِ الكَوكب
فالقَصدُ نحوَ المَشْرقِ الأقصى له / والسَّيرُ رأيَ العَينِ نحوَ المَغْرب
تاللهِ ما صَدق الوشاةُ بما حَكَوا / إنّي نسِيتُ العهدَ عند تَغرُّبي
هانَ الفراقُ عليَّ بعدَ فِراقِكم / والصَّعبُ يسهُلُ عند حَمْلِ الأصعَب
يا راكباً يُزْجي المطيّة غادياً / حتى تُبلِّغَهُ مُناخَ الأركَب
هل طالعاتٌ بالطُويْلعِ غُدوةً / تلك الشّموس الغارباتُ بِغُرَّب
مُتَنَقّباتٌ بالسّواعدِ رِقْبةً / من كُلِّ سافرةٍ ولم تَتنقَّب
بَيضاءَ أُختِ فوارسٍ تأْوِي إلى / بيتٍ بأشطان الرماح مُطَنَّب
كالظَّبيةِ الأدماءِ يَرتَعُ سرْبُها / في كلِّ وادٍ بالأسنّةِ مُعشِب
عَهْدي بها وغريبُها لم تَنْتَزِحْ / دارٌ به وغُرابها لم يَنْعَب
فلقد وقَفْتُ اليومَ مَوقفَ زائرٍ / للطَّرْفِ منه في الديار مُقلِّب
لكَ في مدامِعيَ الغزيرةِ غُنْيةٌ / عن مِنّةٍ للرائح المُتحلّب
سِيانِ ذو هَدَبٍ إذا أروَى الثَّرى / يا دارَهابالقَطْرِ أو ذو هَيْدَب
إمّا تَريْني فوق ذِروةِ عِرْمسٍ / أطْوي الفلا أو فوق صَهوةِ سَلْهَب
وأخو اللّيالي ما يزالُ مُراوِحاً / ما بينَ أدَهم خيْلها والأشهَب
كالخِضْرِ في حَضَرٍ وبَدْوٍ موغِلاً / دهْري أُمزِّق سبْسباً عن سبْسَب
فالأرضُ لي كُرةٌ أُواصِلُ ضَربَها / وصَوالجي أيدي المطايا اللُّعَّب
وفِناء مَولانا المدى وخِطارُنا / من بعدِ نَيلِ المجدِ نُجحُ المَطْلب
مَلكٌ يظَلُّ مُحجَّباً من عزِّه / ونَداه مهما رُمْتَغُرمُحَجَّب
غُصَّت بصافنةِ الجيادِ عِراصُه / تدْعو إليه بنى الرَّجاء وتَطَّبي
رحبت فلو نطق الجمادُ لسامعٍ / نطقَتْ بأهلٍ للوفود ومَرحَب
ليس المَجرّةُ أنجُماً في أفقها / لكنّ ذيلَ عُلاه عالي المسْحب
أحَسودَهُ ألقيتَ شِلوك ناشباً / في نابِ أرقمَ أومخالبِ أغلَب
سَوّى الزمانَ وأهله بثقافهِ / واختصَّ كُلاباختصاصٍ معجِب
فالعجمُ فيه مثلُ خطٍّ معجَمٍ / والعربُ فيه مثلُ خَطٍ مُعْرَب
صدق الحنيَّةَ خلف رميٍ صائبٍ / بجيوشهِ من خلفِ رأيٍ أصوب
فيُديرُ في أثنائهنَ كلامه / كأسَ المنيةِ للعدُوِّ المُجلب
كالسيفِ ما ينفكُّ يهزمُ حدُّه / غِلَظَ الرّقابِ برِقةٍ في المضرِب
مُلئت قلوبُ عداهُ منه مخافة / خلَعت فؤادَ الخالعِ المتَوَثِّب
مِن معملٍ ليلاً لكيدٍ كامنٍ / أومُرسلٍ صُبحاً لخيلٍ شُزَّب
ونَصيحُ سُلطانٍ يُهذِّبُ مُلكه / من كُلِّ ماأهدَىمَقالُ مؤنِّب
ويَشُبُ فوق المُلكِ نارَ قريحةٍ / يأتيك منها الرأيُ غيرَ مصهَّب
فتَراهُ طولَ زمانه في مَعْرَكٍ / دونَ العُلا أبداًوهم في المَلعَب
قُطبٌ لدولته وكلٌّ أنجمٌ / والقُطبُ ثَبتٌ ليس بالمُتقلِّب
في كفِّه قَلَمٌ يَغُضُّ مضاؤُه / من كلِّ مَطْرورِ الغِرارِمُذَرَّب
مازال إمّا كالحسامِ المُنتضَى / يُروِي الصَّدَى أو كالغمامِ الصَيِّب
العيث يغلطُ حينَ يَنسخُ جُودَه / ولذاك يَظْفَرُ في البلادِ بمُجْدِب
واللّيثُ وَدَّتشَبُّهاً بيَمينه / لو كان من قَصَبٍ أُمدَّ لمِخْلَب
والنَّجمُ يَحْكي بُعْدَ غَورِك إن هوَى / وإذا سما يَحكي عُلُوًّ المَنصب
فيَرونه عن غايتَيْكَ مُقَصِّراً / في سَيرِه المُتَصِّعدِ المُتَصَوِّب
يا صاحِ سيَفٌ أنت راقَ صِقالُه / ولقد بسطتُ إليك كفَّ مجَرِّب
بلِّغ أبا نصرٍنُصِرت َوَقلْ له / اِعتِب فإنّ الدَّهر ليس بمُعْتب
وانْه الزّمانَ عنِ الاساءةِ جاهداً / هل خادمٌ لذُراك غيرُ مُؤدَّب
اجمَعْ صِحابَك في الزمانِ تطُلْ بهم / فالرّمحُ يُوجَدُ نَظْمُه من أكعُب
واطْلٌبْ لتُدرِك ما تشاءُ مُظفَّراً / فلطالما أدركتَ ما لم تطلُب
وَعلى الوليِّ خلعْتَ من سَلَبِ العِدا / فاخلعْ كذاك مَدى اللّيالي واسْلُب
كم عزمةٍ لك قد رميْتَ لها العِدا / بالخيلِ تحمِلُ كلَّ شَهْمٍ مِحْرب
من كلِّ طَودٍ في العنان وَمَرُّهُ / كالبَرقِ تحت الفارسِ المتُلبِّب
أعزيزَ دينِ الله دعوةَ آمِلٍ / بذُراك قوْدَ مرامِه المُستَصعَب
جاء الشتاءُ يريدُ هَدْمى فابْننى / عجلاًوإلاّ تبتَدِرني يَكلَب
وغداً تَشيبُ من الجبالِ فروعُها / فتَطولُ حَيرةُ أشيبٍ في أشيب
وإذا بكَى للعَجْزِ أصبحَ دَمْعُه / في الهُدبِ منهُ كلؤلؤٍ في مِثْقَب
جُدبى على قَومي وُجدْ لي بالّذي / أَبغي وفي شَرفِ اصطناعي فارغب
فلقد حجَجتُك إذ عَلمتُك كَعبةً / كَيما تكونَ منَ الثّوابِ مُقرِبي
وأَرى مَعادي كالمعَاد وغيَبتي / ذنْبٌ تَقدَّم فاغفرْ للمُذْنِب
ياآلَ حامدٍ الكرامَ بَقيتُمُ / فلأنتُمُ للمُلكِ خَيْرُ بَني أَب
عَمْرِي لقد أصفَيْتُكم منّي الهوى / وعَصيتُ فيكم قَوْلَ كُلَ مُثَرِّب
وخَدمتُكم ليلَ الشّبابِ بطُولِه / حتّى بدا صُبْحُ العِذارِ الأشيَب
فلئن حَميْتَ من الحوادثِ جانبي / ياعُدَّتي لم تَحْمِ جانبَ أجنَب
لي في عُلاكَ مَقالُ كلّ بديعةٍ / يَرْويهِ كلُّ مُشَرِّقٍ ومُغَرِّب
لَذَّتْ بأفواهِ السُّراةِ عِذابُها / فكأنّها مَصْقولُ ثَغْرٍ أشنَب
مِدَحٌ لفِكْرٍ في المعاني مُغْرِبٍ / صِيغَتْ لمُلكٍ في المعالي مُغرِب
مُتَناولاتٌ من بعيدٍ دِقّةً / والأرضُ خيرُ رياضِها للمغرب
قد أتْعبتْ لكنّها لمّا أتَتْ / وَفْق المُنى فكأنها لم تُتْعِب
وقلائدٌ مِمّا نظَمْتُ أَوابدٌ / من كلِ قَولٍ أَنتَقيهِ مُهَذَّب
إحدى كراماتي بمَدحِك أنني / نَظّمْتُ دُرا وهْو غيرُ مُثقَّب
فأَجيدُها وأكُرُّ في أثنائها / من خَوْفِ نَقْدِك نَظْرةَ المُتَهيِّب
وصفاتُك العُلْيا هي الغُررُ التي / لوُضوحها صفةُ المُريح المُنصب
بَهَرت فإن أطنَبْتُ كنتُ كُمُوجزٍ / عَجْزاًوإن أوجزتُ كنتُ كمُطنِب
والشّعرُ سِحرٌ لا يحلُّ سوى الّذي / يَنْساغُ منه وصفُهُ بالطَّيِب
فاذْهَبْ بسلْكِك فانِظمِ الدرَّ الذي / تَرضاه أو فاذْهَبْ بحَبْلك فاحْطِب
بَخِلَ اللّئامُ فكذّبوا مُدّاحَهم / هل في الجَهام يلوحُ غيرُ الخُلَّب
أعدى زمانَكَ حُسْنُ ذِكرِك فابتنَى / مَجداً لدَهرٍ قد سما بكَ مُنْجِب
نُهدي إليه وأنت فيه ثناءنا / كالغمِدِ حُلِّي للحسامِ المِقْضَب
فاسْلَمْ لنا ماأطْرَبتْ مَسجوعةً / في مِنَبرِ الأغصانِ خُطبةُ أخطَب
واسْعَدْ بشَهْرِ الصومِ أولى وافد / منك الغداةَ وقد أتى بتَقَرُّب
وأْذَنْ له ما كَرَّ حَوْ لٌ راجِعٌ / يَرْجعْ غليك مع السَّعود ويَذْهَب
في ظلِ مُلْكٍ لا يُصَغِّرِ قَدْرَه / إلاّرجاءُ مَزيدِه المُترقّب
من حُكْمِ طَرفي إذ يكونُ مُريبا
من حُكْمِ طَرفي إذ يكونُ مُريبا / ألاّ أعُدَّ على الوشاةِ ذُنوبا
الدّمعُ منه فلِمْ أُعاتبُ واشياً / والمَنْعُ منك فلِمْ ألومُ رقيبا
يا عاشقاً لعِبَ البكاءُ بعَيْنِه / واشتاق لو يَصلُ المَشوقُ حبيبا
أعْياهُ ما تَطْوى الضُّلوعُ من الهوَى / فأسالَ ما تذري الجفون غروبا
إن كنت تبعث بالحنين تحية / أو كنت تأمُرُ مُقلةً لتَصوبا
فإلى الخيالِ إذا تأوَّب طيْفُه / وعلى النّسيمِ إذا استقَلَّ هبوبا
الطّارِقَينِ على البعادِ مُتيَّماً / والمُسعِدَينِ على الغرامِ كئيبا
وخواطراً مَرحَتْ إليك صبابةً / وجوانحاً مُلئتْ عليك نُدوبا
يا بَرْقُ لم يَقدَحْ زِنادُك مَوْهِناً / إلا ليُوقِعَ في حشايَ لهيبا
عَندي من العَبَراتِ ما تَسقي بها / للعامريّه أجرَعا وكَثيبا
دِمنَاً وقَفْتُ على رسومِ عِراصِها / سمعِي المَلومَ ودمعيَ المَسكوبا
فلقد عَهِدتُ بها الطُلول مَغانياً / ولقد عَهِدْتُ بها النّوارَ ربيبا
وصحِبتُ أيامَ الوِصالِ قصيرةً / ولَبِستُ رَيْعانَ الشّبابِ قَشيبا
وبمُهْجتَي سكَنٌ أجَدَّ مع النّوى / عَتْباًوساق مَع الرِكابِ قلوبا
فغدا بقلبي في الظّعائن مَرْكَبا / وبكُلِّ قَلبٍ غيره مجنوبا
كُلُّ الخطوبِ من الزّمانِ حَسِبْتُها / وفِراقُ قَلبي لم يكنْ مَحْسوبا
مَرَّتْ على رأسي ضُروب شدائدٍ / لو أنّهُنّ ظهَرن كُنَّ مشيبا
وطلَبْتُ بالأدبِ الغنَى فحُرِمتُه / فعَلِمْتُ ما كُلُّ السّديدِ مُصيبا
ما عابَني لا الحياءُ إليهمُ / حَسبُ المحاسنِ أن تكون عُيوبا
لا تُكثِرنَّ من الزَّمانِ تَعجُّباً / ليس العجيبُ من الزّمانِ عَجيبا
وقصِدْ أبا العباسِ تَلق ببابه / الوجهَ طلقاًوالفناءَ رحيبا
أبتِ النّجيبةُ أن تزورَ بصاحبي / إلاّ أغرَّ من الكرامِ نجيبا
مازال بي طرَب إليه يهزَّني / ولِمثْله خلقَ الفُؤادُ طَروبا
لاتَعدَمِ الآفاقُ منه مكارماً / نَقَل الركائبُ ذكرَها المجلوبا
ومخائلاً موقوقةً وفضائلاً / ملأتْ قلوبَ الحاسدِين وجيبا
نَدْبُ يسُرُّ جليسَهُ بلقائه / أخلاقُ صدقٍ هُذّبَتتْ تَهذيبا
يَبْغي الكريمُ بها العلاءَويجتَبي / أملُ الفقير نوالَهُ المَوهوبا
فكأنّه صَرْفُ الزمانِ إذا سعَى / يوماً لراجٍ لم يَكُنْ ليَخيبا
وكأنّه الظّفر الهَنيءُ بُلوغُه / يَلْتَذُّهُ مَن كان منه قَريبا
تَتداولُ الأملاكُ من آرائه / شُهُباً تُصيبُ بها الظُنونُ غيوبا
فكأنّها الأيّامُ وهي مُضيئةٌ / مَن ساعَدْتُه لم يكُنْ مَغْلوبا
يا ماجداً ما لاح بارِقُ بِشرِه / إلا بوابلِ جُودِه مَصحوبا
آوى الوفاءَ إلى كريمِ جَنابه / إذ كان في هذا الزّمان غَريبا
ما زلتَ تُخجِلُ بالكتابِ كتائباً / أبداً وتُفصِلَ بالخطابِ خُطوبا
حتى لقد غارتْ أنابيبُ القنا / وحَسَدْن مَسَّك ذلكَ الأُنبوبا
فلوِ استطعْن تَشبُّهاً بقُدودهِ / لدنَوْن منه وانتَشرنَ كُعوبا
ولذاك كلُّ مُثقفٍ يومَ الوغى / يَبْكي دماً يَدعُ السّنان خَصيبا
يا أحمدُ بنَ عليٍّ القرمُ الذّي / ما زال للدّاعي الصريخِ مُجيبا
والمُستعانُ على العَلاء بجاهه / والمُستثابُ فلا يَزالُ مُثيبا
مَن كان مَطْلَبُه بساحَتك الغنى / فالمَجدُ أقصى ما أكونُ طَلوبا
وهُو الوزيرُ فإنْ بلَغْتَ فطالما / بلَغ الفتى بك مَجْدَه المكْتوبا
فاعْقِدْ به سَبَبي ودُونَك فارتَهنْ / شُكْراً يُعيرُ صَبا الأصائلِ طيبا
إني أُدِلُّ على عُلاك بهمّةٍ / بلَغَتْ بوُدِّك مَطْمَحاً مَطْلوبا
وأمُتّ بالقُربى إليك فطالما / جُعل الأديبُ من الأديبِ نَسيبا
مَن شاء أن يَصِلَ امرأاً فبمَوْقعٍ / والمجدُ أن يَصلَ الأديبُ أديبا
أعدِ التأملَ أيُّها المُرتابُ
أعدِ التأملَ أيُّها المُرتابُ / ما هكذا يتَعاتَبُ الأحبابُ
أمِنَ الحبيبِ مَلالةٌ وقطيعةٌ / وعلى المُحِبِّ مَلامةٌ وعِتاب
قُلْ لِلَّذينَ شَهدْتُ وَقفةَ عَتْبهم / فَرْداً وأنصارُ الرِضا غُيّاب
يا عاتِبينَ هُمُ جَنوا وهمُ جَفَوا / هذا لعَمْرُ أبيكمُ إغراب
غَضِبوا وتلك من اللُّيوثِ سَجيةٌ / رِقُ الفرائسِ واللُّيوثُ غِضاب
وعَدُوا الظِّماءَ الماءَ ثُمَّ تَراجَعوا / وإذا الشرابُ من الوُعود سَراب
ويُحِبُّهم قلبي وَفَوا أو أَخْلَفوا / ويَخُصُّهم وُدّي صَفَوا أو شابوا
وإذا نظَرْتَ إلى القلوبِ فإنّما / أربابُها الأحبابُ لا الأرباب
عَتَبٌ أُقلِّبُ فيه طَرْفَ تَرقُّبي / فعسى يكونُ وراءه إعتاب
وإقامةٌ للعُذْرِ منكم خِيفةً / أن يَشْمَتَ المُتتَبِّع العَيّاب
ما في جَفائكم إذا أنا لم أَخُنْ / سَبَبٌ يُعافُ حديثُهُ ويَعُاب
سَخِطَ النَبيُّ على البريء وما درى / مِمّا جَناهُ الآفِكُ الكذّاب
حتى استبان له بَوحْيٍ نازلٍ / أنّ الذّي قال الوُشاةُ كِذاب
بل لو ثَبَتَّ عليه بعد تَبَيُّنٍ / قضَتِ العُقولُ بأنّ ذاكَ عُجاب
فأمُرْ تُطَعْ فيما أردْت مُحَكَّماً / في الحالتيْن فما تَراهُ صَواب
جَدِّدْ عُهودَ مَودةٍ من قبلِ أن / تَقْضي بوَشْكِ دروسِها الأحقاب
واعْمُرُ فؤاداً أنت نازلُ سِرِّهِ / فسِواهُ من صَفْوِ الولاء خراب
مَيّزْ مُحبَّك من سِواه فإنّما / يُرجَى لإرغامِ العدا ويَهُاب
واعِطفْ على قَلْبٍ ذهَبتَ بأنسِه / فعَساه أن يَعتادَهُ الإطراب
واجرُرْ ذُيولَ العُمرِ في ربْعِ العُلا / والمَجْدِ ما جادَ الرِّياضَ سَحاب
عُوجوا عليها أَيُّها الرّكْبُ
عُوجوا عليها أَيُّها الرّكْبُ / لا عَارَ أن يَتساعَدَ الصَّحْبُ
كُلٌّ له قَلْب ولا ألَمٌ / عَجَباً ولِي ألمٌ ولا قَلْب
مالي سوى نَفَسٍ أُرَددُه / وَجْداً وَعيْنٍ دَمْعُا سَكْب
للهِ يومَ الجِزْعِ مَوقفُنا / لمّا تَعرَّضَ للمَها سِرْب
مُتَطِلعاتٌ للعُيونِ ضُحىً / وأكُفُّها لوجوهِها نُقْب
يَرمُقْنَ من شَبَكِ البنانِ فما / يَرْنو حليمُ القومِ أو يَصبْو
مِن كُلِّ فاتنةٍ لمِعْصَمِها / تُبدِي فيَشجَى القَلْبُ والقُلب
يَستَعذِبُ السّمعُ الملامَ لها / إنّ الغرامَ عذابُه عَذْب
مَدَّتْ إليَّ يداً تُودِعُني / فدَنا إليها المُغرَمُ الصّبّ
كالسّهْمِ راميهِ يُقَرّبُه / ولأجْلِ بُعْدٍ ذلك القُرب
كم ليلةٍ لي في الهوى سَلَفتْ / لم يَلْقَ لي هُدْباً بها هُدب
كم فارقَ الأحبابُ فابتَعثوا / حُزْني إلى أن فارقَ الحُبّ
فاليَومَ صُنْتُ حجابَ قلبيَ أن / تَسبيهِ بيضٌ صانَها الحُجب
وإذا تَصافَن أدمُعي حِصصاً / وَفْدُ الهموم فهجْرُكم كَعْب
فلْيَهنأِ الواشينَ أنّهم / شَبّوا لنا ناراً فما تَخْبو
ألْقَوا قذىً في عينِ أُلفتِنا / حتّى تَكَدّرَ ذلك الشِرب
وبعَثْتُ للعُتْبَى نهايةَ ما / يُرضيهمُ فتَضاعَفَ العَتْب
ومضىَ بُجَيْرٌ باذلاً دَمَه / للصلْحِ فازدادتْ بهِ الحَرْب
وإذا أتَى زمَنُ الفساد تَرَى / من حيث تُصِلحَ يَكبُرُ الخَطب
وإذا انقضَى فأقَلُّ من نَفَسٍ / فيه يَعود ذليلاً الصَّعب
لايَنْتُ أيّامي وكم زَمَنٍ / تَرْكُ الغِلابِ به هو الغَلب
قد أغتدِي بالعِيسِ مُبتكِراً / والصبْحُ طِفْلٌ في الدجى يَحبو
والرّكبُ يَطلُع في أوائلهم / أنجابُ قومٍ تحتَهم نُجب
مِن كلِّ حَرْفٍ من حُروفِ سُرىً / مُتَعاقَباها الرَّفع والنّصب
سارَتْ تُلاعبُ ظِلّها مَرَحاً / وكأنّ تابعةً لها سَقب
دستِ العُلا والمكرماتِ بنا / ودَعا الجمالَ الماءُ والعُشب
وتَخيّرتْ أرضاً يَحُلُّ بها / قاضي القُضاةِ فعَمّنا الخِصب
رَحُبَتْ خُطاها في مَزارِ فتىً / للزّائرينَ فِناؤه رَحْب
ركْنٌ به الإسلام شُدَّ فقد / حَجّتْ ذُراه العُجْمُ والعُرب
شَمسٌ فتَاويهِ أشِعَتُها / فبِها يَضيء الشَرْقُ والغرب
وغدا القنا الخَطّيّ من قلَمٍ / فَرْدٍ يُخَطُّ بكَفّهِ رُعب
ولَرأْيهِ الآراءُ تابِعةٌ / كالجِذْلِ يَستَشْفي به الجُرب
يضَعُ الأمورَ به مَواضِعَها / فتُديمُ حَمْدَ هِنائهِ النُّقْب
يا ماجداً لذُيولِ هِمّتِه / شَرَفاً على أعلى السُها سَحب
ما أبصرتْ عينٌ له زَمناً / مِثْلاً ولا نَطقتْ به الكُتْب
من مَعْشَرٍ بغَمامِ أنمُلِهمْ / عن آمليهم يُطْرَدُ الجَدْب
بِيضُ الوجوهِ ففي الحباءهمُ / هِضَبٌ تَسُحُّ وفي الحُبا هَضب
فلكٌ يَظَلُّ علىالعباد إذا / يَجْري وسامي رأيهِ القُطب
منه استنارَ شهابُ دينِ هُدىً / منهم نشا وله العُلا تِرب
فلقد عَلا ما شاءَ طَودُ عُلاً / لشهابِ دينٍ فوقَه شَبّ
فَبقِيتُما مُتَسرْ بِلَىْ حُلَلٍ / للعِزِّ لا يُخشَى لها سَلب
حتّى تَرى هذا الشِّهابَ غدا / ووراءه من نَسْلِه شُهب
يا ناصراً للدينِ تُبصرُهُ / ولسانه من دونه عضب
بصوارم الآراء تنصره / والصّارمُ الهِنْدِيُّ قد ينْبو
ضرْبٌ من الأعمالِ تُعمِلُه / لا طَعْنَ يَعدِلهُ ولا ضرب
يا عادلاً في حُكمِه أبداً / لم منك أدنَى نَظْرةٍ حَسْب
بكَ جئْتُ أستَعدِي على زَمَني / وخضامُه إن لم تُعِنْ صَعْب
فإلى متى تَغْزو حوادثُه / وإلى متى قَلبي لها نَهب
أوسَعْتُ قَوماً في الورى مِقةً / فإذا لِمَقْتٍ لي بها حَلب
وغرَسْتُ آمالاً لتَحْلوَ لي / ثَمَراتُهنّ فمازكا التُّرب
والبَخْتُ ما لم يأتِ مُقبِلُه / طَبْعاً فما لزِمامِه جَذب
قد كان ظَنّي غيرَ ذا لهُمُ / والظّنُّ طِرْفٌ ربّما يَكبُو
ولئن تَدارك منهمُ نَظَرٌ / وأُتيحَ إثْرَ تَصَدُّعٍ شَعب
فلقد تُقصِّرُ دون غايتِه / أيدي الجوادِ ويُدرِكُ العَقب
والفَجْرُ ليس بكائنٍ أبداً / صِدْقٌ له ما لم يَكُنْ كِذب
يا صاحباً لو لا عِنايتُه / بَوليّه ضاقَتْ به الرُحب
حالي عنِ المعَهود حائلةٌ / مَرِضَتْ وأنت بِبُرْئها طَبّ
وأشَدُّ ما بي أنّ مَرضتها / من حيث كان تَوقَّعَ الطِبّ
خذْها تَهُزُّ العِطْفَ من طَرَبٍ / حتى كأنّ رُواتَها شَرب
مَوشِيّةً وَشْيَ الرّياضِ وقد / سَحَبتْ عليها ذَيْلَها السُّحب
تُجلَى عليك وأيُّ مَنقبَةٍ / إلا وأنت لِبكرِها خِطب
وإليك لا منك اشتيكتُ بها / فاسمَعْ فشِعْبُك للهُدَى شَعب
وإذا شَحذْتَ العزْمَ مُؤتنِفاً / نَصْري فحِزْبُ اللهِ لي حِزب
فمتى يُقبِّضُ أن أقولَ وقد / تَمّتْ لديك مَطالبي الجُرب
كم بِتُّ ذا أرَقٍ وذا قَلَقٍ / فالآنَ قَرَّ الجَفْنُ والجَنب
جُدْلي بجِدٍّ منك أحْىَ به / فالدّهرُ دَهرٌ كُلُّه لعب
أمّا القريضُ فعَنْه يَشغلُني / زَمَنٌ خَبيئةُ صَدْرِه خِبّ
فاليومَ لي من نظْمِه عَجَبٌ / ولقد عُمِّرْتُ ولي بهِ عُجب
شَبَكُ الكريم قصيدةٌ نُظِمتْ / وبديعُ بَيتٍ وَسْطَها الحَبّ
فأصِخْ وأولِ من الصنائع ما / تَرضى المَبادىءُ منه والغِبّ
فالجودُ فِعْلٌ واحدٌ وبه / لك شاكرانِ العَبْدُ والرَّبّ
يا أهلَ بغدادٍ سقَى عَهْدِي بكم
يا أهلَ بغدادٍ سقَى عَهْدِي بكم / غيْثٌ يَبيتُ لكم كَدْمعِي ساكِبا
لولا خُطوبُ الدّهرِ كنتُ لعَودةٍ / منّي إليكم قبلَ مَوْتِي خاطبا
شَوْقي إليكم غالبٌ لو لم تَكُنْ / غِيَرُ اللّيالي الغالباتِ الغالبا
بيني وبينكمُ وغىً مَشْبوبةٌ / أضحَتْ تَلُفُّ أعاجما وأعاربا
وصفائحاً بيضَ المُتونِ صَوارماً / وسَوابحاً قُبَّ البُطونِ شَوازبا
ولفُرقةٍ الألافِ والشَمْلِ الّذي / ما زِلْتُ للتّشْتيتِ منهُ مُراقبا
كان النّوى تَكْفِي فكيف بها إذا / جمَع الزّمانُ لنا نوىً ونوائبا
فلذاكَ لا أَجِدُ السّبيلَ مُطالِعاً / لكُم ولا أجِدُ الرَّسولَ مُكاتِبا
وكذاك ما يَنفكُّ قَلْبي شاهداً / لكُم وما يَنفكُّ شَخْصي غائبا
ومُنازعي في أوّلِ اسْ
ومُنازعي في أوّلِ اسْ / مِكَ والجوابُ عليكَ واجِبْ
ومن النّوائبِ أننّي / في مثْلِ هذا الشُّغْلِ نائب
ومن العجائبِ أنَ لي / صَبْراً على هذِي العجائب
مَن كان يَخْدُمُ بالخُطا كُبَراءه
مَن كان يَخْدُمُ بالخُطا كُبَراءه / فأنا امْرؤٌ خَطَراتُه خُطُواتُهُ
ولقد تتابَعَ خِدْمتايَ لمَاجِدٍ / مُتَتابعٍ للزّائرين هِباته
ألِفِيّةٌ في إثْرها لامِيّةٌ / كُلٌّ حَكتْه بدُرِّها كلِماته
وإذا المُنكَّرُ عَرّفَتْه لسامعٍ / ألِفٌ ولامٌ فارقَتْ نَكِراته
يا مُعْرِضاً قد آن أَنْ تَتَلفَّتا
يا مُعْرِضاً قد آن أَنْ تَتَلفَّتا / تَعذيبُ قلبِ المُستَهامِ إلى مَتى
لم أجعَلِ الأحبابَ فيكَ أعادياً / حتى تكونَ لكُلِّهم بِي مُشمِتا
نذرَ الوشاةُ دَمي وتُصبحُ نادماً / إن لم تكُنْ مُتَبيَّناً مَتُثبِّتا
هي ليلةٌ عَلِقَ الرُّقادُ بناظري / فقَضى خيالُك فَرْضَ وَصْلٍ فُوِّتا
لا مُتِّعتْ عَيْنايَ منك بنَظْرةٍ / إن عادتا من بَعْدِ ذاك فأغفَتا
قد طَلَّق العَينَيْنِ طَيفُك ساخطاً / فَلَه اللّيالي عَدَّتا واعتدَّتا
وأَظُنُّ أنّ سَوادَ إنسانَيْهما / لهما حِدادٌ للمُصابِ أحَدَّتا
يا ناسيَ المِيعادِ من سُكْرِ الصبا / بعَذابِ هَجْرِك كم ترَى أن تُعنِتا
مَن لي لِيُطْلِقَ رَسْمَ قُبلةِ عارضٍ / قد كان في ديوانِ وَعْدِك أُثبِتا
واحْلُلْ مَهبَّ الريحِ من أصداغهِ / يَستَغْنِ قَومُك أن يَؤُمُّوا تُبَّتا
لا تَجعلَنَّ لنَيْلِ وَصْلِكَ مَوعِدي / بمُرور يومٍ للزّمانِ مُوَقِّتا
يومُ المُتَيَّم منك حَولٌ كاملٌ / يتَعاقَبُ الفصْلانِ فيه إذا أتى
ما بينَ نارِ حشاً وماءِ مَدامعٍ / إنْ حَنَّ صافَ وإن بكَى وَجْداً شَتا
للهِ ظَبْيٌ كلّما عَرَضوا له / صَرَعَ الرُّماةَ بمقلتَيْهِ وأفلَتا
ويَضُجُ منّي كلُّ مَنْبِت شَعْرةٍ / فيما أُجِنُّ ولو خَرِسْتُ تَزَمُّتا
وإذا عتَبْتُ من الإقامةِ بينهم / قالَ الزّمانُ يداكَ فاعلَمْ أَوْ كتا
فَضْلي لأوّلِ نَظْرةٍ مَتَبَرِّجٌ / دَعْ مَن يُقلِّبُ طَرْفَهُ مُستَثْبِتا
وطَريقتي حَسْناءُ إلا أنّها / مُحتاجةٌ معَ حُسْنِها أن تُبخَتا
أمّا القريضُ فكان غايةَ بارعٍ / يَوماً إذا أسمَعْتُهُ أن يَبْهَتا
ما زِلتُ فيه لناطقٍ ولسابقٍ / طلَعا أمامي مُسْكِتاً ومُسَكِّتا
قد كان ذلك مرّةً فاليومَ لا / أغدو لناشئةِ القريضِ مُربِّتا
لم يُبقِ لي من بحر هزْلٍ مُغرَفاً / ضَجري ولا في صَخْرِ جِد مُنحَتا
إن ماتَتِ الهمَمُ العليّة في الورى / فيَحُقُّ أن تَجِدَ الخواطرَ أمْواتا
لا تَعْجَبنْ من شَدِّ عُقْلِ شواردي / في الصدر حتى ما يطقن تفلتا
كذب المدائح كلُّها فمقتُّها / ولقد يهون الشيء حتى يمقتا
إلا مديحَ جمالِ دينِ مُحَمّدٍ / ومَنِ المُطيقُ لمجْده أن يَنْعتا
ولسانُ أُمّتِهِ الذي من طاعةٍ / لِمقالِه اسَتمع الزّمانُ وأنصتَا
علَمُ الهدَى إن سِيلَ عن عِلم الهدى / نثَر الجواهرَ شارحاً ومُنكِّتا
فإذا الكلامُ تَطاردَتْ فُرسانُه / شاهدْتَ سيفَ اللهِ منه مُصْلتا
وإذا أُتيحَ مَواقفٌ مَشهودةٌ / ٌفي نصرِ دينِ اللهِ إن باغٍ عَتا
نادَى المُنادي من رَفيعِ سَمائه / ألا فتىً إلا سليلُ ابنِ الفتىَ
مَولىً إذا ما شاء جار على الفتى / وأجارَ مِن عَضِّ الزّمانِ المُسحَتا
ما عادَ مَنْ يَلْقاهُ إلا قائلاً / يا ابنَ الفَتى للهِ دَرُّك مِن فتى
يَهَبُ النّوالَ معَ العلومِ مع العُلا / هل ماجدٌ في الدّهر يأتي ما أتى
ماضي العزائمِ جُودُ أسحمَ أوطَفٍ / قد شِيبَ فيه ببأسِ أغلَبَ أهْرَتا
ذو مُعْجِزٍ من بِشْرِه في وَجْهِه / مهما بدا أحَيا رجاءً مَيتَا
وإذا يداهُ أسنتا بعَطيّةٍ / نَصرْتُكَ حتّى لم يُبَلْ إن أسنَتا
صدْرُ الشّريعةِ والأئمَّةُ كُلُّهم / كالسّاعدَيْنِ بِجانبيهِ احتَفَّتا
إن قال أسكَت كلَّ فَحْلٍ هَدْرُه / وثنَى لسانَ الخَصْمِ يَحْكي أُسكُتا
وتَخالُ في النادي فُصولَ كلامهِ / دُرًّا تَبَدَّدَ عِقْدُه فَتَبتَّتا
وكأنّما الجوزاءُ فوق سَمائها / للالتقاطِ له يَداها امتَدَّتا
يا أوحداً للعصرِ أصبح صِيتُه / يومَ الفَخارِ لكُلِّ جَرْسٍ مخفِتا
قَضتِ الخِلافةُ بالعلا لكَ في الورى / فانظُرْ لحَقِّ عُلاك مَن قد ثَبّتا
والشّاهدانِ الدَّولتانِ على عُلا / لك سَلَّمتْ وجميعُ مَن قد ضَمَّتا
فَمنِ المُطيقُ جُحودَ فَضْلٍ حُزْتَهُ / وبه العِدا والحاسدون أَقَرَّتا
أما العَدو فكَم طغَى لكنْ أبَى / رَبُ السماء له سوى أنْ يُكْبَتا
شَهِدتْ لك الحُسّادُ نَيْلَ مَراتبٍ / عَذَروا لها الأكبادَ أن تَتَفَتتَّا
أَحَسودَهُ خفِّضْ عليك فطالما / أصبَحْتَ طالبَ غايتَيْهِ فأعْيَتا
يا مَن أُودِّع قبل توديعي له / نَفْساً ورُحاً في ذُراهُ تَربَّتا
قَسَماً بمَنْ حَجَّ الحجيجُ لبَيْتِه / حتّى يُزارَ مُصبَّحاً ومُبَيَّتا
ما عن رِضاً منّي أُفارقُ خِدْمتي / مَن قَتْوُه شَرفٌ يُعَدُّ لِمَن قَتا
مع أن حُبَّكَ لم يَدَعْ لي فُرْطةً / من جانبي لِمُقَدَّمٍ مُتَلفَّتا
لكنَّ داعيةَ الضَّرورة طالَما / منَعتْ بها قَدَمَ الفتَى أن تَثْبُتا
ووَدِدْتُ عند صَلاةِ مَدْحِكَ مُصبحاً / بشِكايةِ الأيّام ألا أَقْنُتا
ومتى تُبدَّلُ قَوْلتي يا لَهْفتي / عند الإيابِ بقَولَتي يا فَرْحَتا
فلوِ استَطعْتُ لصُمْتُ عن كلّ الورى / صَوْماً لِنيَّتِه أكونُ مُبيِّتا
حتى أعودَ مُعَيّداً بكَ راجياً / في حَسْبتي للعَوْدِ ألا أغْلَتا
فأْذَنْ جُعِلْتُ لكَ الفدىمن ماجدٍ / فالأَمْرُ أمرُك نافِياً أو مُثْبِتا
اِحفَظْ مكاني في فؤادِك غائباً / حِفْظي مَكانكَ من لِساني يَثْبتُا
لك مَحْضُ شُكري والشِّكاية كلُّها / لِصُروفِ دَهْرِكَ لم يَزلْ لي مُعْنِتا
سيكونُ مُنشِدَ مَدْحِ مَجْدِكَ في البِلَى / عَظْمي وإن هو في الضّريحِ تَرفتا
ولَوَ أنَ أرضاً للمَدائح أَنبتَتْ / أضحى ثرىً قد ضَمَّني لك مُنبِتا
فاسعَدْ بصَوْمٍ أنت فيه وقبلَه / ما زلْتَ للهِ المُنيبَ المُخْبِتا
واسَعدْ كذاكَ بِعيدهِ وبِعوْدِه / في العِز ما غَنَّى الحَمامُ وصَوّتا
بأبي العِذارَ المُستديرَ بخَدّهِ
بأبي العِذارَ المُستديرَ بخَدّهِ / وكمال بهجةِ حُسْنِهِ المنْعوت
فكأنّما هو صَولجانُ زُمُرُّذ / مُتلَقِّفٌ كُرةً منَ الياقوت
لمّا رأيتُ النّجمَ ساةٍ طَرْفُه
لمّا رأيتُ النّجمَ ساةٍ طَرْفُه / والأفْقُ قد ألقَى عليه سُباتا
وبناتُ نَعشٍ في الحِداد سوافرٌ / أيقنْتُ أنّ صَباحَهم قد ماتا
أأراكةَ الوادي سقَتْكِ غُيوثُ
أأراكةَ الوادي سقَتْكِ غُيوثُ / ونَماكِ مَوْلىُّ التلاعِ دَميثُ
وسَرى إليك معَ الصّباح بسُحْرةٍ / سارٍ تُدَرّجهُ أباطِحُ مِيث
من أيكةٍ مجْدودةٍ لفُروعها / عن سِرّ أفواهِ الدُّمَى تَنفيث
لرَطيبهنَّ عنِ القدودِ حِكَايةٌ / وليَبْسهنَّ عن الثُّغور حَديث
ما حُدَّ منه جُدَّ من رَشفاتِها / ولكُلِّ مُلْتهِفٍ أُتيحَ مُغيث
أيُّ المشارب كان أنقعَ قلْ لنا / والدّهرُ فيه حُزونةٌ ووُعوث
أزمَانَ غُصنِك يا أراكُ مُرنَّحٌ / يختالُ أم عودٌ به تَشعيث
بَرْقُ الغمائمِ والمبَاسمِ لم يَكَدْ / أن يُوِمضا إلا وأنت مَغيث
حَظٌّ رُزِقْتَ مَنالَهُ وحُرِمْتُه / والحَظُّ يَعجَلُ تارةً ويَريث
واهاً لعَصْرِ العامريّةِ بالحِمَى / والعَهْدِ لولا أنّه مَنْكوث
كيف السُّلُوُّ وبابِلُّي لِحاظِها / بالسِّحْرِ في عُقَدِ القُلوبِ نَفُوث
بَيضاءُ فاتنةٌ لصَخْرةِ قَلْبها / في ماء عَيْني لو تَلِينُ أميث
مقسومة شمساً وليلاً إذ بدت / للناظرين فواضح وأنيث
فالشمس في حيثُ النِّقابُ تَحُطُّه / والليلُ في حيثُ الخِمارَ تَلوث
وَدَّ الهلالُ لَوَ أنهُ طّوْقٌ لها / والنَّجْمُ لو أمسَى بِها الترعيث
والشَّمسُ أقنَعَ قَلْبَها من شِبْهِها / أن قد تَعلَّقَ باسْمِها تأنيث
شامَتْ لِيورِثَها فؤادي نَظْرةً / هيهاتَ ليس لقاتِلٍ تَوْريث
سائلْ عنِ الشُّهداء مِن قَتْلَى الهَوى / ولهم من الحَدَقِ النَّجيع نَفيث
أَمِنَ المَصارعِ بَعْثُهم فأنا إذنْ / من تحتِ عَطْفةِ صُدْغِها مَبْعوث
رشَأٌ يُخَضِّبُ عَشْرَهُ أنْ لم يَزَلْ / منّي الفؤادُ بكَفِّه مَضْبوث
كم قد أثَرتُ وراءه من مُقلتي / أنضاءَ دَمْعٍ سَيْرُهُنَّ حَثيث
في ليلةٍ مِن شَعْره وظلامها / وكآبتي حَبْلُ الدُجَى مَثْلوث
فاليومَ في تلك المَوارِد منهمُ / رَنَقٌ وفي تلك القُوى تَنْكيث
فلْيّرجِعَنَّ العاذلون على الهوى / ولهم بحُسْنِ تَجَلُّدي تَحْديث
فلقد جذَبْتُ زمامَ قلبي جَذْبةً / حتى ارعوَيْتُ وللأمور حُدوث
وتَغولّتْ بي عُرْضَ كُلِّ تَنوفةٍ / يَهْماءَ فَتْلاءُ الذِّراع دَلوث
وكأنّها وَسْطَ الفدافِدِ ناشِطٌ / راعَتْهُ غُضْفٌ شَفَّها التَّغْريث
ما زال يَفْلِي بي على هَوْل السُّرى / لِممَ البلادِ نَجاؤها المَحثوث
حتى نّزلْتُ بسِرِّ مجدٍ باهرٍ / لم يَجْلُ عن مِثْلٍ له تَبْحيث
فرأيتُ غَيثَ ندىً مَرَتْهُ سحائبٌ / غُرٌّ وليثَ وغَىً نَمتْهُ لُيوث
مَنْ شَبَّ ناراً للسماح رفيعةً / فالطّارقونَ فَراشُها المْبثوث
وأجَرَّه ذَيْلَ الفَخار وقد سَما / صُعُداً قديمٌ من عُلاً وحَديث
ذاك الهُمامُ مُهذَّبُ الدينِ الّذي / بنَوالهِ لبنى الرّجاء يُغيث
وله المَحامِدُ والمَعالي حِلْيةٌ / فالحَمْدُ كَسْبٌ والعُلا مَوروث
يَبْني محَامِدَهُ بهَدْمِ تلادِه / والجُودُ في مال الكريمِ يُعِيث
ذو هِمّةٍ يَغْدو السّحابُ بجودِه / مُستَصرِخاً فَرُعودُه تَغْويث
والشّمسُ تَستَضوي بنُور جبينه / فله إليها مِن سَناهُ بَعوث
والبدْرُ بابن أبيه يَفَخرُ كلّما / أمسى مخامِد ناره تأريث
حامي الحقيقة دونَ ذمّة جاره / إن عادَ حَبْلُ سِواهُ وهْو نكيث
أسَدٌ له مِمّا بَراهُ مِخْلبٌ / فيه لأكباد العِدا تَفْريث
ورِشاءُ فِكْرٍ مُرسَلٌ من كفّهِ / أبداً به درُّ الكلامِ نَبيث
نظرا نداهُ لمالِه التّربيعُ طو / لَ زمانه ولوَفْدهِ التَثْليث
أمّا إذا اعتمد الحسابَ فدأبُه / لعُفاته التنقيبُ والتبحيث
حتى إذا ما جادَ أصبحَ مالُهُ / بيدَيْ نَداهُ وأصلُه مجْثوث
كفُّ الكريمِ غَمامةٌ وصَنائعُ ال / معروف إن زكَت البِقاعُ حُروث
وأرى التَعرُّضَ باللئامِ جَهالةً / إن جَلَّ خَطْبٌ في الزَّمانِ كَريث
كالطّفل يَخدَع نَفْسَه عن رَشْفهِ / للثَدْيِ يُنقَعْ وَدْعُه المَمْروث
أم هلْ ملوكٌ لا تَبضُّ صَفاتُهم / إلا يَعوقُ لعابدٍ ويَغوث
وكأنّما الدُّنيا فَمٌ فيه الورى / كَلِمٌ فمنْها طَيِّبٌ وخَبيث
كم مَدْحٍ المَمدوحُ محْشوشٌ بهِ / والمادحُ المغْبُونُ فيه مَروث
والجُودُ ليس بمُخْلِدٍ لكنَّ مَن / نَفَع الورى فالعُمْرُ منه مَكيث
خُذها إذا خاضَ المسامعَ حُسنُها / قالوا جَريرٌ راجِعٌ وبَعيث
بِكْرٌ لكُفْؤٍ ماجِدٍ ما مِثْلُها / لسواهُ مَجْلُوٌ ولا مَطْموث
والخاطِبونَ المدحَ أشباهُ الظُّبى / منها الذُّكورُ وبعضُهنَّ أَنيث

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025