المجموع : 112
وَمِنَ السَّعادةِ أَن تَموتَ وَقَد مَضى
وَمِنَ السَّعادةِ أَن تَموتَ وَقَد مَضى / مِن قبلكَ الحُسّادُ والأعداءُ
فَبَقاءُ مَن حُرِمَ المرادَ فناؤُه / وفناءُ من بلغ المرادَ بقاءُ
وَالنّاسُ مُختَلِفونَ في أَحوالِهم / وَهُمُ إِذا جاءَ الرّدى أكفاءُ
وَطِلابُ ما تفنى وَتتركُهُ على / مَن لَيسَ يَشكرُ ما صَنعتَ عناءُ
ما نَحنُ إِلّا لِلفَناءِ
ما نَحنُ إِلّا لِلفَناءِ / وَإِن طَمِعنا في البقاء
نُعطى وَيسلبُنا الّذي / أَعطى التمتّعَ بالعطاء
وَالموتُ داءٌ ما لَهُ / عِندَ المُداوي مِن دواء
وَالناسُ فينا كلُّهم / ما بينَ يَأسٍ أو رجاء
أَينَ الّذين سَقَتْهُمُ ال / أَيّامُ كاساتِ الرّخاء
وَتَملّكُوا رِبَقَ الورى / وعَلَوْا على قممَ العَلاء
وَتَرى بعقْوةِ دارِهم / مَجثى الحميَّةِ والإباء
وَالساحِبونَ على قِنا / نِ المُلكِ هُدَّابَ المُلاء
وَالمُرتَوونَ مِنَ النَّعيمِ / كما تَمَنَّوْا والثّراء
وَالسائرونُ وَحَولهم / أُسدُ الشّرى تحت اللواء
وَالهاجِمونَ عَلى الرّدى / وَاليومُ يجرى بالدّماء
لَم يَقنَعوا في مَغْرَمٍ / سيقوا إِلَيهِ باللّقاء
مِن كُلِّ مَملوءِ الأسر / رَةِ والجبين من الحَياء
تجري يداهُ بِكُلِّ ما / يَهوى المؤمّلُ من سخاء
وَتراهُ كَالصَّقرِ الَّذِي / لَمحَ القنيصةَ مِن علاء
ما ضَلَّ قطُّ وإنْ هُمُ / غَدَروا بِهِ طُرقَ الوفاء
وَرُموا إِلى ظُلَمِ الصَّفا / ئحِ في صباحٍ أو مساء
دَخَلوا وَلَكِنْ في الّذي / لا يَرتَضونَ مِنَ الخلاء
وَمَتى دَعَوتهُمُ فهمْ / صُمُّ المَسامعِ مِن دُعاء
وبَغَوْا نجاءً حين سُد / دَتْ دونهم طُرُقُ النَّجاء
وَنأَوْا كما اِقتَرحَ الحِما / مُ عن التنعّمِ والشّقاء
وَتَراهُمُ في ضَيّقِ ال / أَقطارِ من ذاك الفضاء
وَتَطايَروا بِيَد البِلى / خَلفَ الجَنادِل كالهباء
وَالقيظُ عِندهُمُ وَقَد / سُلبوا المِشاعرَ كالشّتاء
ما في الرّدى ما في سوا / هُ مِنَ التّنازع والمِراء
وَإِذا نَظرت إلى الحِما / مِ فَما لِعَينك مِن غطاء
خَلِّ التعجُّبَ مِن قَذىً / وَخُذِ التعجُّبَ من صَفاء
يا قُربَ ما بَينَ الهنا / ءِ بِما يَسرّك وَالعزاء
خَفِّض عَلَيكَ وَدَع تتب / بُعَ ما مضى بيد القضاء
وَإِذا بَقيتَ فَقُل لنا / أَيَعيشُ مَيْتٌ بالبكاء
وَالخَوفُ صِرْفٌ رِيبَ غي / رُكَ إنّما هو للنساء
وَأَخوكَ أَفناهُ الّذي / كانَ السبيلَ إلى الإخاء
أَعْراكَ مَنْ قِدْماً كَسا / وحباكَ مُرتجعُ الحِباء
لَيسَ التهالكُ في المُصي / بَةِ بِالحميمِ من الوفاء
وَسِوى التجلّدِ في الشدي / دَةِ إِنْ أَتَتك من العناء
وَعَلى التجاربِ بانَ نب / عٌ تجتنيه مِنْ أَباء
وَإِذا بَقيتَ فَلا تَلُمْ / مَن خَصّ غَيركَ بِالفناء
وَسَقى الّذي وَارَى أَخا / كَ مِنَ الثّرى سَحُّ الرِّواء
صَخْبُ الترنّمِ حالِكُ ال / قطرينِ مَملوءُ الوعاء
وَلَرَحْمَةٌ مصبوبةٌ / خيرٌ له من فيضِ ماء
ضَنَّتْ عَليك بِوَصْلها لكَ زينبُ
ضَنَّتْ عَليك بِوَصْلها لكَ زينبُ / وَطلبتَ لمّا عزَّ منها المطلبُ
وَأَرَتْكَ برقاً لامِعاً مِن وَعدِها / لَكِنَّهُ بَرقٌ لَعَمْركَ خُلَّبُ
وَتقولُ لي جَهلاً بِأَسبابِ الهَوى / كَيفَ الهَوى والرّأس مِنكَ الأشيبُ
وَالحُبُّ داءٌ لِلرجالِ تَباعَدوا / عَن شيبةٍ وَشَبيبةٍ وَتَقَرّبوا
ساِئلْ بِيَثربَ هَل ثَوى الرَّكبُ
ساِئلْ بِيَثربَ هَل ثَوى الرَّكبُ / أَم دونَ مَثواهم بهِ السَّهْبُ
وَلَقَد كَتمتُهمُ هَوايَ بِهم / وَالحبُّ داءٌ كَظمهُ صَعْبُ
يا صاحِبيَّ ومِنْ سعادَةٍ مَنْ / حملَ الصبابةَ أنْ له صَحْبُ
لا تَأخُذا بِدَمي مَتى أُخِذَت / نَفسي سوايَ فَما له ذَنبُ
مِن عندِ طرفي يومَ زرتُكُمُ / نَفذَ الغَرامُ وَزارَني الحبُّ
وَإِذا رَأيتُ الحُسنَ عندَكُمُ / دونَ الخَلائقِ كيفَ لا أَصبو
يَجني عَليّ وَلا أُعاتبُه / مَن لَيسَ يَنفَعُ عندهُ العَتْبُ
وَيَصدُّ عَنّي غَيرَ مُحتَشِمٍ / مُتَيقّنٌ أَنّي بهِ صَبُّ
وَوَشى إِلَيهِ بِسَلوَتي مَذِقٌ / نَغِلُ المَودَّةِ صِدقُهُ كِذْبُ
وَشَجاهُمُ أنّي فَضَلتُهُمُ / وَعلى الفَضائِلِ يُحسَدُ النَّدْبُ
أَتَرَوْن أَنّي مِنكُمُ كثِبٌ / هَيهاتَ ما إِنْ بَينَنا قُربُ
الغابُ يُضمِرُني مَكامِنهُ / ما لَيسَ يُضمر مِثلَه الزِّرْبُ
كَلّا وَلا الأَعضاءُ واحدةٌ / وَالرأسُ لَيسَ يُعَدّ والعَجْبُ
وَإِلى فَخارِ المُلكِ أُصدِرُها / كَلِماً تَسيرُ بِذِكرِها الكُتْبُ
وَبِها عَلى أَكوارِ ناجيةٍ / نصَّ المنازل عنّيَ الرّكبُ
وَالكأسُ لولا أَنّها جذبَت / سُمّارَها ما ذاقها الشَّرْبُ
شَبّوا سَناها مُفسدينَ لَها / فَكأَنَّ مِسكَ لَطيمَةٍ شبَّوا
ملكٌ إِذا بصرَ الرجال بهِ / عَنَتِ الوجوهُ وقُبّلَ التّربُ
وَإِذا اِحتبى في رَجعِ مَظْلَمَةٍ / فَوَقارُهُ لَم يُعطَه الهَضْبُ
مَن ذا الّذي نالَ السماءَ كَما / نالَت يَداكَ فَفاتهُ العُجْبُ
وَمن الّذي ما حلّ مَوضِعَه / عُجمٌ بِذي الدُنيا ولا عُربُ
وَمن الّذي لَمّا عَلا قِمَمَ ال / تَدبير دانَ الشّرقُ والغربُ
يا مَن تُعزّ بِهزِّ راحَتِهِ / سُمْرُ الرّماحِ وتَفخرُ الحربُ
وَيُضيءُ في إِظلامِ داجِيَةٍ / ما لا تُضيءُ لَنا بهِ الشُّهبُ
وَإِذا ذَكرناهُ فَلا وَجَلٌ / يُخشى وَلا همٌّ ولا نَصبُ
وَتُذاد أَدواء الزّمانِ بهِ / عَنّا وَيُطرد بِاِسمهِ الجَدْبُ
وَلَقد بَلوك خِلالَ مُعضلةٍ / دَهَمَتْ يُقضُّ بِمِثلها الجَنْبُ
حَيثُ اِسترَثّتْ كُلُّ مُحكَمةٍ / مِن عَقده وَتزايَل الشَّعْبُ
فَفرجتها وَعَلى يَديك بِلا / بَشَرٍ يُعينك نُفّس الكربُ
قَد كانَ قَبلك من له سِيَرٌ / عوجُ المُتونِ ظُهورها حُدْبُ
دَرَستْ فَلا خبَرٌ ولا أثرٌ / مِثلَ الهشيمِ هَفَتْ به النُّكْبُ
فَالآنَ قَد ساسَ الأمورَ فتىً / بِمِراسِها وَعلاجها طَبُّ
أَلقَتْ عَصاها فهيَ آمنةٌ / وَلِغَيرِها التخويفُ والرُّعبُ
وَنَأَتْ فَقَرَّبها عَلى عَجَلٍ / مِن راحتيك الطَعن والضّربُ
قَد عَبَّ فيها الشارِبونَ على / ظَمإٍ وَلَولا أَنتَ ما عبُّوا
وَتَلاعَبوا فيما أَبَرْتَ لهم / والجِدُّ يوجَدُ بعدهُ اللِّعْبُ
وَتَراهُمُ يَتَمعّكون بها / أَشَراً كَما يَتَمعّك الجُربُ
أَنتَ الّذي أَوليت مبتدئاً / نِعَماً يَطيشُ بِبعضها اللبُّ
وَأَتيتَ مُعتذراً إِلى زَمنٍ / فَكَأنّها لكَ عِنده الذّنبُ
ما أنسَ لا أنسَ اِهتزازَك لي / وَاليوم تُرفعُ دونهُ الحُجْبُ
في مَجلِسٍ لي فيهِ دونهُمُ / سَعَةُ المَحلّة منكَ والرُّحْبُ
وَعَلى الأَسرَّةِ منكَ بدْرُ دُجَىً / لي منهُ عِندَ وسادِه القُربُ
فَاِسعَدْ بِهذا المِهْرَجانِ ودُمْ / أَبداً تنيرُ لَنا ولا تَخبو
وَتهنّأ الأيام آنفةً / فَاليومَ فيك لأمّه القربُ
وَأَطالَ عُمرَ الأشرَفين لَنا / وَكَفاهُما وَوقاهُما الرَّبُّ
حَتّى تَرى لَهُما الّذي نَظَرتْ / عَيناكَ مِنكَ فَإِنّه حَسْبُ
ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ
ما في السُّلوّ لنا نصيبٌ يُطلبُ / الحُزن أقهر والمصيبة أغلبُ
لكِ يا رزّيةُ في فؤادِيَ زفرةٌ / لا تُستطاع ومن جفونيَ صَيِّبُ
قد كان عيباً أن جرى لِيَ مدمعٌ / فاليوم إن لم يجرِ دمعٌ أعيبُ
وَلَطَالَما كان الحزين مؤنّبا / فالآن مُدّرع العَزاء مؤنَّبُ
طَرَقتْ أَميرَ المؤمنين رزيّةٌ / والرُّزْءُ فينا طارقٌ لا يُحْجَبُ
لَم يَنجُ منها شامخٌ مترفِّعٌ / أو مدخلٌ مُتَمَنّعٌ مُتَصَعَّبُ
لو كان يُدفع مثلُها ببسالةٍ / لحمى عواليها الكماةُ الغُلَّبُ
الضّاربون الهامَ في رَهَج الوغى / والسُّمْرُ تُلطخ بالنّجيع وتُخضَبُ
وَالهاجِمونَ على المنيَّة دارَها / وَقُلوبُهم كالصَّخرِ لا تتهيَّبُ
قَومٌ إِذا حَملوا القنا وَتَنمّروا / رَكِبوا مِنَ العَزّاء ما لا يُركبُ
أَو أَقدموا في معركٍ لم ينكصوا / أو غالبوا في مَبْرَكٍ لم يُغلبوا
رُزءٌ بمُفتَقَدٍ أَرانا فقدُه / أنَّ العُلا والمجدَ قَفْرٌ سَبْسَبُ
وَالأرضُ بعدَ نضارةٍ ما إن لها / إِلّا الأَديمُ المقشعرُّ المُجدِبُ
والنّاس إمّا واجمٌ متخشِّعٌ / أو ذاهلٌ خلع الحِجى مُتَسَلّبُ
إِن يَمضِ مقتبِل الشّباب فإنّه / نالَ الفَضائلَ لَم يَنلْها الأَشيبُ
ورعٌ نبا عنهُ الرّجال وعفّةٌ / لم يَستطعها النّاسك المتجنِّبُ
قُلنا وَقَد عالوهُ فَوق سريرِه / يَطفو عَلى قُلل الرّجال ويرسُبُ
وَوَراءَه الشُمُّ الكرامُ فناشِجٌ / يُذرِي مدامعه وآخرُ يندُبُ
مَن ذا لَوى هَذا الهمام إِلى الرّدى / فأطاعه أم كيف قيد المُصْعَبُ
صَبراً أَميرَ المؤمنينَ فَلَم نَزلْ / بالصّبر من آدابكم نتأدّبُ
أَنتُم أَمَرتم بِالسُّلوّ عن الرّدى / وَأَريتمُ في الخطبِ أَين المذهبُ
وَرَكِبتمُ أَثباجَ كلّ عَظيمةٍ / إذ قلّ ركّابٌ وعزّ المركبُ
ووردتُمُ الغَمراتِ في ظلّ القنا / والطّعن في حافاتها يتلهّبُ
حوشيتُم أن تُنقصوا أنوارَكم / أو تُبخسوا من حظّكم أو تُنكبوا
وَإِذا بَقيتم سالِمينَ منَ الأذى / فَدَعوا الأذى في غَيركم يتقلّبُ
شاطَرتَ دَهرك واجداً عن واجدٍ / فَغَلبتهُ والدّهرُ غيرَك يغلبُ
ما ضَرّنا وَسُيوفنا مَشحوذةٌ / مَصقولةٌ إِن فلَّ منها المِضربُ
وَالشَمسُ أَنتَ مُقيمةً في أُفقها / وَهُدىً لَنا مِن كُلّ شَمسٍ كَوكَبُ
وَإِذا البحورُ بَقينَ فينا مِنكُمُ / مَملوءةً فدعِ المذانبَ تنضُبُ
وَلَئِن وَهى بِالرُّزءِ منّا منكبٌ / فَلَقد نَجا مِن ذاكَ فينا منكِبُ
نَجمانِ هَذا طالِعٌ إِيماضه / مَلأ العيونَ وذاك عنّا يغرُبُ
أَو نِعمتانِ فَهذهِ مَتروكةٌ / مذخورة أبداً وأُخرى تُسلبُ
أَصلٌ لهُ غُصنانِ هذا ذابِلٌ / ذاوٍ وهذا ناضرٌ متشعّبُ
أَو صَعْدةٌ فُجِعَتْ ببعض كُعوبها / ولها كعوبٌ بعد ذاك وأكعُبُ
أَو أَجدَلٌ ما سُلّ منه مِخْلَبٌ / فَاِجتُثَّ إلّا ناب عنه مِخلَبُ
ماذا التنافسُ في البقاءِ وَإِنّما / هُوَ عارِضٌ ماضٍ وبرقٌ خُلَّبُ
ذاقَ الحِمامَ مبذّرٌ ومُقتّرٌ / وَأَتى إليه مبغضٌ ومحبّبُ
فَمُعجّلٌ لحمامهِ ومؤجّلٌ / وَمُشرّقٌ بِطلوعهِ ومغرّبُ
وَنُعاتبُ الأيّامَ في فُرُطاتها / لكنْ نُعاتب سادراً لا يُعتبُ
لا نافعٌ إلّا وَمنهُ ضائرٌ / أَو مرغبٌ إلّا وَفيه مُرهِبُ
وَمَتى صَفا خلل الحوادِث مشربٌ / عَذبٌ تكدّر عن قليلٍ مشربُ
فَخراً بَني عمّ الرّسول فأنتُمُ / أَزكى المَغارس في الأنام وأطيبُ
إِرثُ النبيِّ لَكم ودار مُقامِهِ / والوحْيُ يُتلى بينكم أو يُكتبُ
والبُرْدُ فيكم وَالقضيبُ وَأَنتمُ الْ / أَدنَوْن من أغصانه والأقربُ
وأبوكُمُ سقّى الأنامَ بسجْلَهِ / وَأَحلّه والعام عامٌ مُجدبُ
خُتمت خِلافته بكمْ وعليكُمُ / إشرافُها أبدَ الزَّمان مطنَّبُ
هِي هَضْبةٌ لَولاكمُ لا تُرتَقى / أَو صَعبةٌ بِسواكمُ لا تُركبُ
حَكمَ الإِلهُ بِأنّها خِلَعٌ لكمْ / لا تُنْتضى وبَنيَّةٌ لا تُخربُ
كَم طامِعٍ مِن غَيرِكمْ في نيلها / فَرَقتْ مفارِقَه السّيوف الوُثَّبُ
وَمُؤمّلين وُلوجَ بَعضِ شِعابها / لَم يَبلُغوا ذاكَ الرّجاءَ وخُيّبوا
جِئناك نَمتاحُ العَزاء فَهَب لنا / مِنكَ العَزاءَ فَمِثلُ ذَلكَ يوهبُ
وَاِرفُقْ بِقَلبٍ حاملٍ ثِقلَ الورى / وَالكَلْمُ يؤْسى والمضايقُ تَرحُبُ
وَاِسلُكْ بِنا سُبُلَ السلُوّ فإنّنا / بِكَ نَقتَدي وَإِلى طريقك نذهبُ
أَسْخَطْتَنِي فَرضيتُ من كَلَفٍ
أَسْخَطْتَنِي فَرضيتُ من كَلَفٍ / ولربّما رضِيَ الّذي غَضِبا
وبَسَمْتَ يومَ البين من عَجَبٍ / فأريتَ من بَرْدِ اللَّمى شَنَبا
وَظَلمتَ في هجري بلا سببٍ / وَلَقد طَلبتَ فَلَم تَجِد سَببا
وَلَقد وَهبتُ فَما رَجعتُ لَكم / قَلبي وَكَم رجع الّذي وَهَبا
وَبَلَغتُمُ عِندِي مآربكم / عفواً ولم أبلغ بكم أَرَبا
وَأَعَنْتُمُ عَمداً وَعَن خطأٍ / غِيَرَ الزّمان عليَّ والنُّوَبا
وَوصِبْتُ مِنكم ثمَّ مِن يَدكمْ / طولَ الزّمانِ وَلَم أَكن وَصِبا
وَإِذا اِلتفَتّ إِلى سمائِكُمُ / تَهْمِي عليَّ وتُمطِرُ العَجَبا
أَلفيتُ صفوي كلَّه كَدِراً / وَوجدتُ جِدّي كلَّه لَعِبا
عادَت إِليَّ بَغيضةٌ فَتَودَّدت
عادَت إِليَّ بَغيضةٌ فَتَودَّدت / هَيهاتَ مَن جَعلَ البَغيضَ حَبيبا
عادَت إِليَّ فَخلت أَنّ شيبتِي / خُلِستْ وَأَبدلها الزَّمان مشيبا
فَكَأنَّني أَبصَرتُ منها بغتةً / يَومَ الوِصالِ مِنَ الحبيبِ رَقيبا
وَوَددت أَنّ طلوعَها مقليّةً / مشنيّةً في الناسِ كانَ غروبا
قَد كنتِ لي داءً وَلَكِن لَم أَجِدْ / مِن داءِ سُقْمِك في الرّجال طبيبا
وَلَحبّذا زَمنٌ مَضى ما كانَ لي / قًربٌ إِليكِ وكنتُ منكِ سليبا
يا لَيتَ من قَدَرَ التّلاقي بيننا / جَعَلَ الفراقَ مِنَ اللّقاءِ قَريبا
زَمَنٌ إِذا قاطَعتِنا مُتَبَسِّمٌ / ضافٍ وإِن واصلتِ كان قَطوبا
وَكأَنّ قَلبي وَهوَ غَيرُ مُقَلْقَلٍ / مُلئتْ بقُربك حافَتاهُ وَجيبا
لَو لَم تَكوني في الزّمانِ عجيبةً / ما أَبصَرتْ عَينايَ فيهِ عَجيبا
وَخَلوتُ عُمري كلَّه مِن ذَنبهِ / فَجَعلتُ مِنكِ لَهُ إِلَيَّ ذنوبا
وخَلَفْتِ في جلدي وَلَم يكُ دهرَه / إِلّا السّليمَ جَرائحاً ونُدوبا
وَلَقيتُ فيكِ مِنَ العناءِ غَرائباً / وَأَخذتُ مِن أَدهى البلاءِ ضروبا
وَتَركتِ قَلبي لا يُفيقُ كآبةً / وَجُفونَ عَيني لا تملّ نحيبا
وَكأنَّني لمّا أخذتُكِ كارهاً / قَسمي حُرمتُ وما أخذت نصيبا
لَو كُنتِ عيباً واحداً صَبرتْ له / نَفسي وَلكِن كنتِ أنتِ عيوبا
قولوا لِمَن غَلط الزّمان بِهِ
قولوا لِمَن غَلط الزّمان بِهِ / فَأَنالَه ما لم يَكنْ حَسِبَهْ
لا تَفرحنَّ بِما أَتاكَ بِهِ / فَالدّهرُ يَسلُبُ كلَّ مَا وَهَبَهْ
إِنَّ الزّمانَ أَرادَ طُرفَتَنا / فَأرى بِما أَعطَاكَهُ عجَبَهْ
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي / ذَهَبَ الشّباب وَبعده أَطرابي
فَالآنَ ما أَرجو وِصالَ خَريدَةٍ / يَوماً وَلا أَخشى صُدودَ كعابِ
يا صاحِبي قَد عادَ عَذلكَ ظاهراً / فالشّيبُ أعذلُ منك في أحبابِي
قَد نابَتِ الخَمسون والسّبع الّتي / لِي بَعدها في العذلِ عن أصحابِي
فَلَربّما حابى العَذول فلم يلُمْ / وَالشّيبُ في الفَوْدَين لَيس يحابي
لا تخشَ منّي أن أنقّبَ عَن هَوى ال / بيض الأوانس والمشيبُ نِقابي
بَلَغَ المَشيب مآرباً ومآرباً / مِنّي وَلم أبلغ به آرابي
وَرَجوتُ منهُ شِفاءَ داءٍ كامنٍ / فَاِزدَدته وَصَباً إلى أوصابي
قد كان شافِعِيَ الشّباب إلى الدُّمى / والشيبُ بعد فراقِه أغرى بي
فَرباعهنّ سِوى رباعِيَ في الهوى / وجنابهنّ هناك غيرُ جنابي
ولقد عَمَرتُ مراسلاً من قبلهِ / فأعاد لي رُسُلي بغير جوابِ
لا ذَنبَ عندي منه إلّا أنّهُ / كان السّفير لفرقةِ الأحبابِ
وَلَقَد عَتبت على الّتي صَرَمَتْ وقد / وَصل المشيبُ وما أفاد عتابي
يا جَملُ كَيف نزعتِ حبلَكِ من يدي / لمّا نزعتُ منَ الصِّبا أثوابي
فَقَطعتِ وَصلكِ لا لجرمٍ كان لِي / وَإِلى وصالكِ جيئتي وذهابي
ساقَ الّذي بَعَثَ النّوى قَلبي كما / ساق الحُدَاةُ ضُحىً بِطاءَ رِكابِ
فَمَتى سَألتَ عَنِ الفُؤادِ فَإِنّهُ / قَد سارَ بَينَ هوادجٍ وقِبابِ
يا طالِباً يَجتابُ كلَّ تنوفةٍ / تُدمي ظهورَ العيس خيرَ جنابِ
والشمسُ في الجوزاء راميةٌ إلى / تلك المرامي كلِّها بلُعابِ
عُجْ بالوزير أبي المعالي أيْنُقِي / وَاِجعَلْ إِليه غَيبتي وإيابي
وَاِقطَعْ بهِ كَي لا أسافرَ أنسُعي / وَاِعقِرْ لَه كي لا أريمَ رِكابي
فَهوَ الّذي قَد كنتُ عُمري أَبتغي / وَأَرومُ مُقترحاً على أنصابي
وَإِذا بَلغن بِيَ المُنى موفورةً / فشعابُ غيرِ المُدلجِين شعابي
لِي مِن وِدادك وَاِصطِفائك رتبةٌ / حُبٌّ أتِيهُ بهِ على أَحبابي
وَإِذا ملأتَ منَ الثناءِ مَسامِعي / فَكأَن ملأْتَ منَ الثّراءِ عِيابِي
وإذا رضيتَ فقد حظيتُ فإنّني / أرضى بأن ترضى وذاك طِلابِي
لِي كلَّ يومٍ من جميلك مِنّةٌ / غرّاءُ تأتينِي وتقرعُ بابي
وكرامةٌ لم يدنُ منها مُكْرِمٌ / عَبقتْ بها دونَ الأنامِ ثِيابي
كرّمتَني فملكت منّي رِبْقَةً / تَأبى اِنعِتاقاً يومَ عِتْقِ رِقابِ
وَتَركتنِي وقْفاً عليكَ إِقامتِي / وإلى ديارِك موئِلِي ومآبي
كم لي إليك شفاعةٌ مقبولةٌ / ونداءُ مسموعِ النّداءِ مُجابِ
فمتى أردتُ جعلتُ قولي رائداً / في نيل موهبةٍ وصرفِ عِقابِ
فلقد كُفيتُ وفي يديك مَعونَتي / وَلَقد غَلبتُ وأنتَ مِن أَحزابي
وَمَتى ضَحيتُ ففي ذراك أظِلَّتي / وإذا ظمِئتُ فمِنْ نَداك شرابي
وأنا الّذي لك بالولاءِ مواصلٌ / فَاِغفِرْ لذاك زيارةَ الإِغْبابِ
سَلْ عَن بَسالتِهِ خفاجَةَ والظّبا / في راحتيهِ تُعطّ كلَّ إهابِ
والطّعن يَثني كلَّ من شابتْ له / تلك المفارق من دمٍ بخِضابِ
وَتَوهّموا جَهلاً بأنّكَ كالأُلى / شُلُّوا بأرماحٍ لهمْ وحِرابِ
حتّى رأَوْكَ مُصمّماً فَتَساهموا / طُرقَ الفِرارِ بقفرةٍ كذئابِ
شَرّدتهمْ فخيامُهم منبوذةٌ / مِن غير إعمادٍ ولا إطنابِ
وسلبتَ أنفسَهمْ ولم تحفلْ بما / أبقتْ مصارعُهمْ من الأَسلابِ
للَّه درُّ شجاعةٍ بكَ أَمكنتْ / نَصْلَ الأعاجمِ من طُلى الأعرابِ
ولقد لَفَفْتَهُمُ بهمْ فكأنّما / حَضَّضْتَ بين ضراغمٍ في غابِ
واليومَ لا يُنجيكَ من أَهوالِهِ / إلّا الطّعانُ وصدقُ كلِّ ضِرابِ
فالضَّربُ في هاماتهمْ منثورةٌ / فوق الثّرى والطّعن في الأَقرابِ
هدرتْ زماناً بالفرات فحولُهمْ / فَاليومَ ما فيهمْ طَنينُ ذُبابِ
أَمَّا بنو عبد الرّحيمِ فإنّهم / حدُّ الرَّجاء وغايةُ الطلابِ
لَم يَسكنوا إلّا القِلالَ وَلَم يُرَوْا / والنَّجم إلّا في رُؤوس هِضابِ
ما فيهمُ إلّا النّجيبُ لأنّه الْ / بيتُ المليءُ بكثرِة الأَنجابِ
القائِلين الفصْلَ يَومَ تخاصمٍ / وَالواهِبين الجَزْلَ يومَ رِغابِ
وَمُزاحِمين لَهم على راياتِهمْ / رَجعوا وَقد نكصوا على الأعقابِ
لَن يصلحوا قُرُباً لصونِ سُيوفهمْ / وهُمُ السّيوفُ لنا بغيرِ قرابِ
لا خيرَ في أسلٍ بغير عواملٍ / فينا ولا سيفٍ بغير ذُبابِ
ليس الرّياسة بالمُنى أو بالهوى / لكنّها بركوب كلّ صِعابِ
لا تقربوا بذئابكمْ طَلَعاً عن ال / نسَلانِ والعَسَلانِ ليثَ الغابِ
وَإِذا الجِيادُ جَرينَ لم تَحفلْ وقد / عَنَّ التسابقُ بِالهجينِ الكابي
وَصوارمُ الأسيافِ عند ضريبةٍ / ما كنّ يوماً كالكليل النابي
خُذها فَإِنْ بُقّيتُ شيئاً آنفا / تسمعْ لها ما شئْتَ من أَترابِ
وَاِسمَعْ كَلاماً لم يُحَكْ شِبْهٌ له / ملآنَ بالإحسانِ والإطرابِ
روضاً ولكنْ ليس يجنِي زَهرَه / إِلّا يمينُك مالكَ الآدابِ
وَإِذا المَسامعُ أنصفتْ لَم تَنتقصْ / إِلّا كَلامِي وحدَه وخطابي
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى / فَاِصطَادني منهنَّ بعضُ الرَّبرَبِ
بِجمال مُتَّشحٍ بِأرديةِ الصِّبا / غضٍّ وبهجةِ رَوْنقٍ لم تنضُبِ
وطلبتُ منه وِصالَه فحُرِمْتُهُ / ومضى بمهجةِ عاشقٍ لم يُطلَبِ
وشربتُهُ بجوارحي لكنّني / من عَذْبِ طِيبِ وِصالِهِ لم أشربِ
وسَرقتُه من بين من عاينتُه / في الواد والرّقباءُ لا يدرونَ بِي
يا حَبّذا مَنْ زارَني
يا حَبّذا مَنْ زارَني / مِن بَعدِ صَدٍّ وَاِجتنابِ
نَشوانَ في أعطافهِ / طَرَبُ الشَبيبةِ والشَّبابِ
وَشكوت لمّا أنْ شكوْ / تُ إِلى نَفورِ القلبِ نابِ
مُستَنزِرٍ منِّي الجَوى / مُستحقرٍ لعظيمِ ما بِي
أجلَلْتُهُ أو خِفتُهُ / فكفيتُهُ ثِقْلَ العِتابِ
وقنعتُ منهُ بزَوْرَةٍ / عَرَضتْ ولم تكُ في حسابي
جاءتْ بلا طَلَبٍ وكمْ / صفوٍ تكدّرَ بالطِّلابِ
لَو عَنّ لي في نَيلها / طمعٌ لبعتُ بها شبابي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي / وإذا قربتُ إليكِ من قربي
لا تَعجبي مِن صَبوتي بكُمُ / فَالحسنُ أَين رأيتهُ يُصبي
وَرباعكمْ أَنَّى أفارِقها / وبها غديري العذْبُ أو عُشبي
وَلو اِستَطعتُ كَتمتُ حُبَّكُمُ / للضَّنِّ عَن قَلبي وَعَن صَحبي
وَمِنَ الغرائبِ أنّني أبداً / سِلْمٌ لمنْ هو ظالماً حربي
كم ليلةٍ نادمتُ فيك وأنتِ في / سِنَةِ الرُّقاد موائلَ الشُّهبِ
مُتقلّباً طولَ الدّجى أَسِفاً / كالصّلِّ من جنبٍ إلى جنبِ
ما تَعلمينَ وأنتِ ناعمةٌ / مَنْ بات فيكِ معانقَ الكربِ
وَأَردتُ أَن أَسلو وذا عَجَبٌ / لَو كانَ قَلبي بِالهَوى قَلبي
وَعذلتِ منّي من له أُذُنٌ / صمّاءُ عن عَذْلٍ وعن عَتْبِ
وَمَتى يَكنْ ذَنبي هَواكِ فلا / غَفرَ الإلهُ وأنتِ لي ذَنبي
أَخشى لِساني أَنْ يبوحَ بما / أشكوهُ في جِدٍّ وفي لِعْبِ
فَلِسانُ مَنْ عُرفتْ بَلاغتُهُ / أمضى إذا ما قال من عَضْبِ
لا تَقْربنَّ عَضِيهَةً
لا تَقْربنَّ عَضِيهَةً / إنّ العضائِه مُخزياتُ
وَاِجعَلْ صلاحَكَ سَرْمَداً / فالصّالحاتُ الباقياتُ
في هَذه الدّنيا ومَنْ / فيها لنا أبداً عِظاتُ
إمّا صروفٌ مقبلا / تٌ أو صروفٌ مُدبِراتُ
وحوادثُ الأيّام فينا / آخذاتٌ مُعطِياتُ
والذُلُّ موتٌ للفتى / والعزُّ في الدُّنيا الحياةُ
والذُّخْرُ في الدّارين إم / ما طاعةٌ أو مَأْثُراتُ
يا ضيعةً للمرءِ تد / عوهُ إلى الهُلْكِ الدُّعاةُ
تغترُّهُ حتّى يزو / رَ شِعابَهنَّ الطيّباتُ
عِبَرٌ تَمرُّ وما لها / مِنّا عيونٌ مُبصراتُ
أين الأُلى كانوا بأي / دينا حصولاً ثمّ ماتوا
مِن كلّ مَنْ كانت له / ثمراتُ دجلةَ والفُراتُ
ما قيلَ نالوا فوقَ ما / يَهوون حتّى قيل فاتوا
لم يُغنِ عنهمْ حين هم / مَ بهمْ حِمامُهُمُ الحُماةُ
كَلّا ولا بيضٌ وسُم / رٌ عارياتٌ مُشرَعاتُ
نَطَقوا زماناً ثمّ لي / سَ لنُطقِهِمْ إلّا الصَّماتُ
وَكأنّهُمْ بِقُبورِهمْ / سَبَتوا وما بهِمُ سُباتُ
من بَعد أنْ ركبوا قَرا / سُرُرٍ وجُردٍ هُمْ رُفاتُ
سلموا عَلى صلحِ الأسن / نَة والظُّبا لمّا اِستماتوا
ونَجَوْا من الغمّاءِ لم / ما قيلَ ليس لهمْ نجاةُ
في موقفٍ فيه الصوا / رمُ والذّوابلُ والكُماةُ
وأَنامَهُمْ مِن حيثُ لَم / يخشوا لحَيْنِهُمُ المماتُ
وطَوَتْهُمُ طيَّ البرو / دِ لهمْ قبورٌ مُظلماتُ
فهُمُ بها مثلُ الهشي / مِ تعيثُ فيه العاصفاتُ
شُعْثٌ وَسائِدهُمْ بها / من غير تكرمةٍ علاةُ
قلْ للّذين لهمْ إلى ال / دُنيا دواعٍ مُسمعاتُ
وكأنّهمْ لم يسمعوا / ماذا تقولُ النّاعياتُ
أو ما تقولُ لهمْ إذا اِج / تازوا الدّيارُ الخالياتُ
فالضّاحكاتُ وقد نعم / نَ بهنَّ هنّ الباكياتُ
حتّى متى وإلى متى / تأوي عيونَكُمُ السِّناتُ
كم ذا تعرّجُ عنكُمُ / أبدَ الزّمانِ الموعظاتُ
كَم ذا وُعظتمْ لَو تكو / نُ لَكمْ قلوبٌ مصغياتُ
لكُمُ عقولٌ معرضا / تٌ أَو عيونٌ عاشياتُ
عُجْ بالدّيار فنادِها / أين الجبالُ الرّاسياتُ
أين العطاةُ على المكا / رِمِ للعواذِلُ والأُباةُ
تجرِي المنايا مِنْ روا / جِبِهِمْ جميعاً والصّلاتُ
وإذا لَقُوا يومَ الوغى / أقرانَهُمْ كانتْ هَناةُ
والدّهرُ طوعَ يمينِهِمْ / وهُمُ على الدّنيا الوُلاةُ
أَعطاهُمُ متبرّعاً / ثمَّ اِستردَّ فقالَ هاتوا
كانَتْ جَميعاً ثمّ مز / زقَ شملَ بينِهمُ الشّتاتُ
فأكفُّهمْ من بعد أنْ / سُلِبوا المواهبَ مقفِراتُ
وسيوفُهُمْ ورماحُهمْ / منبوذةٌ والضّامراتُ
أمِنوا الصباحَ وما لهمْ / عِلْمٌ بما يجْنِي المماتُ
ورماهُمُ فأصابهمْ / داءٌ تعزّ له الرُّقاةُ
وَسِهامُ أَقواس المنو / نِ الصائباتُ المصُمياتُ
مات النّدى من بيننا / بمماتِهمْ والمَكرُماتُ
قُلْ للّذين إذا دَعوْا
قُلْ للّذين إذا دَعوْا / يوماً إلى شَطَطٍ أبيتُ
وإذا أمرتُهُمُ كأن / ني إذ أمرتُهُمُ نَهيتُ
لكُمُ الوِهادُ وليس لِي / إلّا مَع العَيّوقِ بيتُ
كم ذا ضلّلتُمْ في طري / قٍ للمكارمِ وَاِهتَديتُ
ولَكَمْ كفيتُكُمُ المُلِم / مَ وليس كافٍ إذ ونيتُ
ولَكَمْ جنيتُمْ فافتدي / تُ وما فديتمْ لو جنيتُ
وحَرمتُمُ مَنْ لو أتا / نِي يومَ مسبغةٍ قريتُ
وأَبَحْتُمُ حَرَماً لكمْ / لو كان يُحمى بِي حميتُ
لا تَطمَعوا فيما بَلغ / تُ وَما أَتيتُمْ ما أتيتُ
وَتَجنّبوا مَعِيَ الدّها / ءَ فلو دهيتُكُمُ دَهَيْتُ
قوموا أروني منكُمُ / بعضَ الجميلِ فقد أريتُ
وفعلتُ ضدَّ فِعالكمْ / لمّا غَدرتمْ بي وفيتُ
لا تَهدِموا ما قَد بنا / هُ لَكُمْ كِرامٌ وَاِبتَنيتُ
إِنّي فَعولٌ إذ أقو / لُ وإنْ خلقتُ فقد فريتُ
ولئنْ عصيتُ فللَّذي / يدعو إلى سَعَةٍ عصيتُ
وإذا جزيتُ على القبي / حِ بمثلِهِ فقدِ اِعتديتُ
وَإذا حويتُ فَللتكر / رُمِ ما ملكتُ وما حويتُ
ما سرّني أنِّي خرق / تُ إهابَ جسمي وَاِشتَفيتُ
خُذها فَلَولا أَنّها / كانت على عَجَلٍ مضيتُ
وَإِذا اِختصَرْتُ فإنّني / روّيت جهدي أو غَطَيْتُ
وإذا سترتُ فمن يقد / درُ أنّنِي أهلي عنيتُ
أَجرِ المَدامعَ كيفَ شيتا
أَجرِ المَدامعَ كيفَ شيتا / فَلقد دهيتُ بما دُهيتا
وإذا رُميتَ فإنّما / لم تُرْمَ وحدَك إذ رُمِيتا
وقذى العيونِ يجولُ في / كلِّ النّواظِر إنْ قُذِيتا
ومتى عَريتَ من التجل / لُدِ عند حادثةٍ عَرِيتا
منْ ذا المعينُ على مُصا / بٍ فادحٍ هجم البيوتا
ما كان شملي بعدَهُ / إِلّا الصّديعَ بهِ الشّتيتا
تأبى أضالِعِيَ المقي / لَ وجَفْنُ عينيَّ المبيتا
يا مَجدَ دين اللَّه وال / قرْمَ الّذي فاتَ النّعوتا
خلِّ التفجّعَ جانباً / وتسلَّ عنهُ بما حُبِيتا
ودعِ الشّجا عَمْداً لما / أولى الإمامُ وإنْ شُجيتا
ولئنْ سخطتَ فلم تزلْ / نعماؤهُ حتّى رضيتا
وسقاكَ من إفضالِهِ / وجماله حتّى رَوِيتا
ونهاكَ عن جزعٍ فلا / تجزعْ فدعْهُ كما نُهيتا
وإذا نُكبتَ فلا تشك / كّ فطالما دهراً وُقيتا
وَمَتى شكوتَ فإنّما / تعطي الّذي يهوى الشّموتا
وإذا قُريتَ أسىً فَقِدْ / ماً بالمسرّةِ ما قُريتا
وَاِصبرْ فإنْ شقّتْ علي / كَ فَإِن صَبرتَ فما رُزيتا
وَاِنظُر مَنِ المفريكَ وال / فارِي أَديمكَ إذْ فُريتا
وأُتيتَ لكنْ قلْ لنا / من أيّ ناحيةٍ أُتيتا
وعلى فراقِ حبائبٍ / وأقاربٍ منّا غُذِيتا
لَولا اليقينُ بأنّ ال / فَخمُ الدّسِيعةِ ما اِحْتُبِيتا
للّهِ مُفتقدٌ إذا / نُشِرتْ محاسنُهُ عُنيتا
هو أوّلٌ وتلوْتَهُ / في الباذخاتِ كما تُليتا
وإذا علوتَ به على / قمم الأنام فما عُليتا
وَإِذا تَشابَهَتِ الرّجا / ل عُلاً ومأثُرَةً وَصِيتا
لم يُدعَ تفضيلاً له / من بينهمْ حتّى دُعِيتا
كَلمٌ وأنت إساؤُه / لمّا مضى عنّا بقيتا
وكأنّه سَقياً لهُ / ما مات لمّا أن حَييتا
لم يعدُنِي بلْ خصّنِي / خَطْبٌ به فينا عُريتا
وإذا عُرفتُ بِشِركتِي / لكُمُ فنُطقاً أو سُكوتا
وإذا علمتُ بما أرد / تَ له البيانَ فقد كُفيتا
وَهوَ الزّمانُ فَميِّتٌ / ما كانَ يَخشى أَن يَموتا
ومزوّدٌ طولَ البقا / ءِ وما يرجِّي أن يبيتا
فمتى رُفِعْتَ به هَبَطْ / تَ وإن يئِسْتَ فقد رجيتا
يا راحلاً لو كان يُف / دى من ردىً أحدٌ فُدِيتا
خَلَّى الدّيارَ لأهلِها / وثَوَى البَسابِسَ والمُروتا
أعززْ عليّ بأنْ أرا / كَ وكنتَ ذا لَسْنٍ صموتا
تزوي الوجوه عن الّذي / أَمسيتَ فيه وما قُليتا
وَتَردّ عن واديك أع / ناقُ المطيّ وما اِجتُوِيتا
لَم تُنعَ إلّا بَهْجتي / وَمسَرَّتي لمّا نُعيتا
قَد كُنتَ تُشفى إِن دُويتَ / وقد دُويت فما شُفيتا
وإذا تبقّتْ مأثُرَا / تُك في الزّمان فما فَنِيتا
لا غُيّرت منك المحا / سِنُ في التَّرابِ ولا بُلِيتا
ولئنْ مُحيتَ عن العيو / نِ فعنْ قلوبٍ ما مُحيتا
وَإِذا سَقى اللَّه القُبو / رَ فمنْ مَراحِمِهِ سُقيتا
وإذا هُجرنَ فلا هُجِرْ / تَ مدى الزّمان ولا جُفيتا
لا تفخرن إلا بنفْ
لا تفخرن إلا بنفْ / سِكَ يوم فخرٍ إن فَخَرْتا
وَدَعِ الأُصولَ فإنّما / هي فضلةٌ لك إنْ نُسبتا
ماذا يضرُّك أو يعر / ركَ إنْ خُبثْنَ لهمْ وطِبْتا
كلّا وَليسَ بنافعٍ / إنْ هنّ طِبْنَ إذا خُبثتا
ومتى عزمتَ على مُوا / قَعِةِ القبيح فقد فَعَلْتَا
وَكَأنّ شيئاً مُحزناً / لك لم يُصبْكَ إذا صبرتا
وَاِخبُرْ وَلا تَصحَبْ منَ ال / إخوانِ إلّا مَنْ خَبَرْتا
فَأَخوكَ مَن هوَ في يمي / نكَ إنْ قَصَدْتَ وإنْ قُصِدْتا
ويسرُّه إنْ دبّ مك / روهٌ إِليهِ إِذا سَلِمْتا
وَهو المصابُ إذا تَعد / دَتْهُ الخطوبُ إذا أُصِبْتا
وإذا أصاب الدهرُ غي / رَكَ بالسّهامِ فقد وُعِظْتا
وإذا أمنتَ وأنتَ في / طُرُقِ الحِمامِ فما أمِنْتا
وإذا بَخِلْتَ بمالِ غي / رك أو قَتَرْتَ فقد غلطتا
وإذا حبوتَ بكلِّ ما / فوقَ السَّدادِ فما بَخِلْتا
قِف بِالدّيار المقفراتِ
قِف بِالدّيار المقفراتِ / لَعِبتْ بها أيدي الشّتاتِ
فَكأنهنّ هَشائِمٌ / بمرور هُوجِ العاصفاتِ
فَإِذا سألتَ فليس تس / ألُ غيرَ صُمٍّ صامتاتِ
خُرْسٍ يُخَلْن من السّكو / تِ بِهنّ هام المصغياتِ
عُجْ بِالمَطايا الناحلا / تِ على الرّسومِ الماحلاتِ
الدّارساتِ الفانيا / ت شبيهةً بالباقياتِ
وَاِسأَل عنِ القَتلى الأُلى / طُرِحوا على شطِّ الفراتِ
شُعْثٌ لهمْ جُمَمٌ عصي / نَ على أكفّ الماشطاتِ
وعهودُهنَّ بعيدةٌ / بدهانِ أيدٍ داهناتِ
نَسجَ الزّمانُ بهمْ سرا / بيلاً بحوك الرّامساتِ
تُطوى وتُحمى عنهُمُ / محواً بهطلِ المُعْصراتِ
فهُمُ لأيدٍ كاسيا / تٍ تارةً أو مُعْرَياتِ
ولهمْ أكفٌّ ناضرا / تٌ بين صُمٍّ يابساتِ
ما كنّ إلّا بِالعَطا / يا والمنايا جارياتِ
كمْ ثَمَّ من مُهَجٍ سَقي / نَ الحتفَ للقومِ السَّراةِ
وَمُثقّفٍ مثلِ القنا / ةِ أتى المنيّةَ بالقناةِ
أو مُرهَفٍ ساقت إلي / هِ ردىً شفارُ المُرهَفاتِ
كَرِهوا الفرارَ وَهُم على / أقتادِ نُجْبٍ ناجياتِ
يَطْوينَ طيَّ الأتْحَمِي / يِ لهنَّ أجوازَ الفلاتِ
وَتَيقَّنوا أَنّ الحَيا / ةَ مع المذلّةِ كالمماتِ
وَرَزيّةٍ للدّين لي / ستْ كالرّزايا الماضِياتِ
تركتْ لنا منها الشَّوى / ومَضتْ بما تحت الشَّواةِ
يا آل أحمدَ والذّي / نَ غداً بحُبِّهُمُ نجاتي
وَمَنيّتِي في نَصرِهمْ / أشهى إليَّ من الحياةِ
حَتّى مَتى أَنتم عَلى / صَهَواتِ حُدْبٍ شامصاتِ
وَحقوقُكمْ دون البري / يَةِ في أكفٍّ عاصياتِ
وسروبُكمْ مذعورةٌ / وأديمُكُمْ للفارياتِ
ووليّكمْ يُضحِي ويُم / سِي في أمورٍ مُعضلاتِ
يُلْوى وَقَد خبط الظّلا / مَ على اللّيالي المُقمراتِ
فَإِذا اِشتَكى فَإِلى قلو / بٍ لاهياتٍ ساهياتِ
وإلى عَصائب سارِيا / تٍ في الدّآدِي عاشياتِ
غرثانَ إلّا مِن جوىً / عُريانَ إلّا مِن أذاةِ
وَإِذا اِستمدَّ فَمِن أَكُف / فٍ بِالعَطايا باخِلاتِ
وَإِذا اِستَعان على خُطو / بٍ أو كروبٍ كارثاتِ
فَبِكلِّ مَغلولِ اليدي / نِ هناكَ مفلولِ الشَّباةِ
قل للأُلى حادوا وقد / ضلَّوا الطّريقَ عن الهُداةِ
وسَرَوْا على شُعَبِ الرّكا / ئبِ في الفلاةِ بلا حُداةِ
نامتْ عيونُكُمُ ول / كِنْ عن عيونٍ ساهراتِ
وظننتُمُ طولَ المدى / يمحو القلوب من التِراتِ
هيهاتَ إنّ الضِّغنَ تو / قِدُهُ اللّيالي بالغَداةِ
لا تَأمَنوا غضّ النّوا / ظِرِ مِن قلوبٍ مُرصِداتِ
إِنّ السّيوفَ المُعْرَيا / تِ من السّيوف المُغمَداتِ
والمثقِلاتِ المُعْييا / تِ من الأمور الهيّناتِ
والمُصميات من المقا / تِلِ هنّ نفسُ المخطئاتِ
وكأنّني بالكُمْتِ تَرْدِي / في البسيطةِ بالكُماةِ
وبكلّ مِقدامٍ على ال / أهوالِ مرهوبِ الشَذاةِ
قَرِمٍ فلا شِبَعٌ له / إلّا بِأَرواحِ العُداةِ
وكأنّهُ متنمّراً / صَقْرٌ تشرّف من عَلاةِ
وَالرّمحُ يَفتق كلَّ نج / لاءٍ كأردانِ الفتاةِ
تهمِي نجيعاً كاللُّغا / مِ على شدوقِ اليَعْملاتِ
تُؤْسى ولكنْ كَلْمُها / أبداً يبرِّح بالأُساةِ
حَتّى يَعود الحقُّ يَقْ / ظاناً لنا بعد السِّناتِ
وَلَكمْ أَتى مِن فُرجَةٍ / قد كان يُحسب غير آتِ
يا صاحِبي في يومِ عا / شوراءَ والحَدِبِ المواتي
لا تَسقنِي باللَّه في / هِ سوى دموعِ الباكياتِ
ما ذاكَ يَوماً صيّباً / فَاِسمَحْ لنا بالصيّباتِ
وَإِذا ثَكِلْتَ فلا تزرْ / إِلّا دِيار الثّاكلاتِ
وَتَنحَّ في يَومِ المصي / بةِ عن قلوبٍ سالياتِ
وَمَتى سَمِعتَ فَمِنْ عَوي / لٍ للنّساءِ المُعْولاتِ
وَتَداوَ مِن حزنٍ بِقل / بِكَ بالمراثِي المحزناتِ
لا عُطّلتْ تلك الحفا / ئرُ من سلامٍ أو صلاةِ
وسُقين من وكْفِ التحي / يَةِ عَن وكيفِ السّارياتِ
ونُفِحْنَ من عَبَقِ الجنا / نِ أريجهُ بالذّاكياتِ
فَلَقد طَوَين شموسَنا / وبُدورَنا في المشكلاتِ
كَم ذا سَرى بِالموتِ عنّا مُدْلِج
كَم ذا سَرى بِالموتِ عنّا مُدْلِج / أَبكي اِشتِياقاً بي إليه وأنشِجُ
وَأوَدُّ أنّي ما تعرّى جانبي / مِنّي ولَم يُخرجْهُ عنّي مُخرجُ
وَكَذا مَضى عنّا القُرونُ يكبُّهُمْ / خَطْبٌ أخو سَرفٍ وصَرْفٌ أعوجُ
خَدَعَتْهُمُ الدّنيا بِرائقِ صِبْغِها / وَاِقتادَهُمْ شوقاً إليها الزِّبْرجُ
فَتَطامَحوا وَتَطاوحوا بيد الرّدى / وَتَقوّموا ثُمّ اِنثنَوْا فتعوّجوا
وَكأنّهمْ لمّا عموا بظلامِ أرْ / ماسٍ لهمْ ما أشرقوا أو أبْلجوا
لَم ينجِهمْ وَقد اِلتَوى بهمُ الرّدى / وإليه يُمضي أو عليهِ يُعَرَّجُ
وَهوَ الزّمان فمسْمِنٌ أو مُهزِلٌ / طولَ الحياةِ ومحزنٌ أو مُبهِجُ
وَمسلِّمٌ لا يَبْتَلِي ومُسالمٌ / وموادِعٌ لا يختلِي ومُهَيِّجُ
والمرءُ إمّا راحلٌ أو قد دنا / منه وما يدري الرّحيلُ المزعجُ
بينا تراه في النّديِّ مُنشِّراً / حتى تراه في الحفيرة يُدرَجُ
تسري به نحو الرّدى طولَ المدى / بيضٌ وسودٌ كالرّكائب تهدِجُ
وإذا الرّدى كان المصير فما الأسى / منّا على نشَبٍ وثوبٍ يَنْهَجُ
لولا المقادِرُ قاضياتٌ بيننا / خَبْطاً لما سبق الصحيحَ الأعرجُ
يا ناعِيَ ابنِ محمّدٍ ليتَ الّذي / خبّرتَنيهِ عن الحقيقة أعوجُ
أفصحتَ لا أفلحتَ بالنبأِ الّذي / للقلبِ منه توقّدٌ وتوهّجُ
ولَطالما ضنّ الرّجال بمثلِ ما / صرّحتَ عنه فجمجموا أو لَجْلَجوا
يا ذاهباً عنّي ولي من بعده / قلبٌ به متلهّبٌ متأجّجُ
أعززْ عليَّ بأنْ أراك مُسَرْبَلاً / بالموتِ تُدفن في الصّعيد وتُولَجُ
في هُوّةٍ ظلماءَ ليس لداخلٍ / فيها على كرّ اللّيالي مَخْرَجُ
بيني وبينك شاهقٌ لا يُرتقى / طولاً وبابٌ للمنيّة مُرْتَجُ
ويُصَدُّ عنك القاصدون فما لهمْ / أبداً على شِعْبٍ حَلَلْتَ مُعَرّجُ
كم ذا لنا تحت التّراب أناملٌ / تَندى ندىً وَجبينُ وجْهٍ أبْلَجُ
من أين لي في كلِّ يومٍ صاحبٌ / يرضاه منِّي الدّاخل المُتَولِّجُ
هيهاتَ فرّ من الحِمامِ مغامِرٌ / حيناً وكَعَّ عن الحِمامِ مُدَجَّجُ
وكَرَعْتُ منك الودَّ صِرْفاً صافياً / ولَكَمْ نرى ودّاً يُشابُ ويُمزَجُ
لا تُسْلِنِي عنهُ فتسليةُ الفتى / عمّن به شَغَفُ الفؤادِ تهيّجُ
ولَكَمْ غَطا مِنّي التجمّلُ في الحَشى / مِن لاعِجاتٍ في الأضالعِ تَلْعَجُ
فَاِذهَبْ كما شاءَ القضاءُ وكن غداً / في القَومِ إمّا سُوِّدوا أو تُوِّجوا
لَهُمُ بأفنيةِ الجِنانِ مساكنٌ / طابَتْ مَساكِنُها وظلٌّ سَجْسَجُ
وَسَقى ترابَكَ كلُّ مُنخرِقِ الكُلى / يسرِي إذا ما شئتَهُ أو يُدْلِجُ
للرّعد فيه قعاقِعٌ وزماجِرٌ / والبرق فيه توهّجٌ وتموّجُ
والنَّورُ في حافاتِهِ مُتفسِّحٌ / والأُقحوانُ بجانبيهِ مُفَلَّجُ
وَإِذا سَقاكَ اللَّه مِن رَحماتِهِ / فَلأَنْتَ أسعدُ من أتاهُ وأفلجُ
أَعلى الرّكائبِ سارتِ الأحداجُ
أَعلى الرّكائبِ سارتِ الأحداجُ / وَالبينُ ما عنه هناك مَعاجُ
لا تطلبوا منّي السلوَّ فليس مِنْ / حاجي ولِي في مَنْ ترحّلَ حاجُ
قالوا اِصطَبرْ والصّبرُ ليس بزائلٍ / مَنْ عنده بالغانياتِ لجاجُ
ودواءُ أمراضِ النفوسِ كثيرة / والحبُّ داءٌ ليس منه علاجُ
بَيني وَبَينَ تَجلُّدِي وَتَماسُكي / والعيسُ تُرحلُ للفراق رِتاجُ
همْ أوقدوا نارَ الهوى في أضلُعِي / بفراقهمْ يومَ الرّحيل وهاجوا
في ساعَةٍ ما إِنْ بِها إِلّا جوىً / يُضنِي وسيلُ مدامعٍ ثجّاجُ
عاجوا عَلَينا بالوَداعِ وليس لِي / صَبرٌ عليهِ فَلَيتَهمْ ما عاجوا
وَسَرَوْا بمُسْوَدٍّ بهيمٍ ما لهمْ / إِلّا وُجوهُ البيضِ فيه سراجُ
وَإِذا هُمُ بِالرغمِ منّا أدلجوا / أودى المُتَيَّمَ ذلك الإدلاجُ
وَلَقد نعى وَصْلي لكمْ وبكى بهِ / قبلَ الفراقِ الناعقُ الشَّحّاجِ
نادى فَأَزعَج كلَّ من لم يأْتِهِ / لولاهُ إقلاقٌ ولا إزعاجُ
لِمْ شِرْبُكُمْ عندي النّميرُ وعندكمْ / شِرْبي على الظّمإ الشديد أُجاجُ
وَإِذا ضَنِنْتُمْ بِالعَطاءِ فليتَهُ / ما كان إفقارٌ ولا إحواجُ
وَالبُخلُ مِلْءُ بيوتِكمْ فليتَهُ / يُثرِي ويَغْنى منكمُ المحتاجُ
وَأَنا الفَصيحُ فَإِن شَكوت إليكُمُ / جَنَفَ الغرامِ فإنّني اللّجلاجُ
وَفَلاحُ قلبٍ لا يُرجّى بعدما / وَلِيَتْ عليه الطّفلةُ المِغْناجُ
أقسمتُ بالبيتِ الحرامِ وحولَهُ / للزَّائريهِ من الوفودِ ضُجَاجُ
عَرَقَتْهُمُ حتّى أتَوْهُ هُزّلاً / بِيدٌ عِراضٌ دونَه وفجاجُ
ومِنى وبُدْنٍ ما صُرِعْنَ بتُربها / إلّا لتُبزلَ عنده الأوداجُ
والمَوْقِفَيْن عليها وَإِليهِما / طَلبَ النَّجا وتزاحمَ الحُجّاجُ
لولايَ لم يكُ للنّدى سيلٌ ولا / في الرَّوع إلجامٌ ولا إسْراجُ
ما ضَرّنِي أَنْ لَيسَ فَوق مَفارقِي / تاجٌ ومن فضلِي عليَّ التّاجُ
وأنَا الغبينُ لئنْ رضِيتُ بأن تُرى / فوقِي العيوبُ وتحتِيَ الهِمْلاجُ
وبأنْ تَقِلَّ مكارمٌ مِنّي ولي / ثَمَرٌ كثيرٌ سائغٌ وخَراجُ
وَالضّاحكون بيومِهمْ ما فيهمُ / إِلّا الّذي هو في غدٍ نشّاجُ
دَعْ مَن يكون جمالهُ وفخارهُ / في الفاخرين الوَشْيُ والدّيباجُ
فثيابُ مِثلي يومَ سِلْمٍ عِفّةٌ / وَثيابُ جسمي في اللّقاءِ عَجاجُ
قل للأُلى سَخِطوا الجميلَ فما لهمْ / يوماً إلى كسبِ العُلا مِنهاجُ
لَو شِئتُمُ أَن تَعلموا لَعَلمتمُ / عِلمي فَلَيسَ على العلومِ سياجُ
ما فيكمُ لولاي لو أنصفتُمُ / دخّالُ كلِّ كريهةٍ خَرّاجُ
كلُّ الفضائلِ في يدَيَّ وما لكمْ / منهنّ أفرادٌ ولا أزواجُ
ومعالِمِي خضرُ الذوائب لم يَسِرْ / فيهنّ إخلاقٌ ولا إنْهاجُ
ولقد ظهرتُ فليس يُخفِي شُهرتِي / في النّاسِ إدراجٌ ولا إدماجُ
وعَشِيتُمُ مِنّي وفوقَ رؤوسِكمْ / بِالرّغمِ يَلمع كوكبي الوهّاجُ
فالمَكْرُماتُ عقيمةٌ منكمْ ولِي / منهنّ في كلّ الزّمان نتاجُ
ما فيكُمُ صفوٌ ولكنْ أنتُمُ / كَدَرٌ لصفوٍ في الورى ومزاجُ
قوموا أَروني تابعاً فرداً لكمْ / ودعوا الّذي أتباعُهُ الأفواجُ
وَالنّقصُ مُلتَحفٌ بكمْ ما فيكُمُ / عنهُ المحيصُ ولا له إفراجُ
حتّى سوَيعاتُ السّرور قصيرةٌ / فيكمْ ووضعُ الحاملاتِ خِداجُ
وإذا رضيتُمْ بالحُطامِ فلا اِرتَوى / صادٍ ولا اِمتَلأتْ لكمْ أعفاجُ
مَن لِي بخِلٍّ يستوي لِيَ عنده / يُسرِي وعُسرِي والغِنى والحاجُ
وإذا عَرَتْنِي في الزّمانِ شديدةٌ / فهو المكثِّفُ كَرْبهَا الفَرّاجُ
ما يستوي جَدْبٌ وخِصْبُ لا ولا / وَشَلٌ وبحرٌ فائضٌ عجّاجُ
بِتْنا وَنَحن المُعرِقون تقودنا / بين العِدى وتسوقنا الأعلاجُ
ما وِرْدُنا في الدّهرِ إلّا رَنقُهُ / وَلَنا الإضاعةُ فيه والإمراجُ
لا خيرَ في هامٍ بِغَيرِ أزِمّةٍ / فينا وسَجْلٍ ليس فيه عِناجُ
وَمِنَ الضرورةِ أَن يَكون معَ الثرى ال / ندبُ الخفيفُ إذا علا الهِلباجُ
ما حقُّ مِثلِي وهو ممّن قولُهُ / يسرِي إلى الآفاق منه لِهاجُ
بِرباعكمْ يا أهْلَ يثربَ حاجي
بِرباعكمْ يا أهْلَ يثربَ حاجي / وعليكُمُ دون الأنامِ مَعاجي
وَمَتى اِدّلجتُ إلى زيارةِ أرضكمْ / حَذرَ الوشاةِ فحبّذا إدْلاجي
كَمْ فيكُمُ لمَنِ الهَوى من شأنِهِ / من مَبْسَمٍ رَتِلٍ وطَرْفٍ ساجِ
ومُحَكَّمٍ في الحسنِ يُكرَعُ عندهُ / كأسُ الهوى صِرْفاً بغير مزاجِ
ماذا على مَن ضَنّ دهراً بالنّدى / لَو كانَ يوماً ضنَّ بالأحداجِ
وَيَسوؤُني وهو الّذي في كفِّهِ / ما شئتُ من جَذَلِي ومن إبهاجي
ويذودنِي وبِيَ الصّدى عن عَذْبِهِ / فإذا سَقاك سَقاك كلَّ أجاجِ
وَصْلٌ كعشواءِ الظّلامِ تردّداً / وقطيعةٌ تَجري على مِنهاجِ
يا قاتلَ اللَّه اللّواتِي بِاللّوى / أوْرَطنَنا حبّاً وهنّ نواجِ
مازلن بِالرّجل الصحيحِ منَ الهَوى / حتّى تَعايا فيه كلُّ علاجِ
يا صاحبَيَّ تنظّرا بِأَخيكما / أَنْ تَستَثيرا العيسَ بالأحداجِ
حَتّى اِلتَوَتْ هامُ الكَواكب مُيَّلاً / والفجرُ في عَقِبِ الدّجى كسراجِ
وَأبِي الظّعائِنِ يومَ رُحْنَ عشيّةً / والبينُ شاهدُنا بغير خِلاجِ
لَقد اِحتَوين على قلوبِ معاشرٍ / خفّتْ كما خفّ القطينُ الناجي
ودّعْنَنا من غيرِ علمٍ بالّذي / أودَعْنَنا من جاحِمٍ وهّاجِ
والرّكبُ بين مغيّضٍ كَمَدَ الهوى / في لُبّهِ أو مُعْولٍ بِنشاجِ
يذري دماً من عينِهِ فكأنّه / يبكي أحِبّتَهُ من الأوداجِ
وَأنا الّذي اِستوطنتُ ذِرْوَةَ هاشمٍ / وحَلَلْتُ من عدنانَ في الأثباجِ
الضّاربين الهامَ في يومِ الوغى / والقائلين الفصْلَ يومَ حِجاجِ
والزّاحمين ترفّعاً وتنزّهاً / للطالعات دجىً عن الأبراجِ
وَالساحبينَ إِلى ديارِ عدوّهمْ / أذيالَ كلِّ مُعَضَّلٍ رَجْراجِ
كالبحرِ تَلتمعُ الأسنّةُ والظُّبا / في قعرهِ بَدَلاً من الأمواجِ
يحوِي رجالاً لا يبالون الرّدى / إلّا ردىً في غير يومِ هياجِ
نبذوا الحياةَ وأمْرَجوا أرواحَهمْ / بين المنايا أيّما إمراجِ
وأتَوْا على صَهَواتِ جُرْدٍ ضُمَّرٍ / ملأى من الإلجامِ والإسراجِ
أكلَ الغِوارُ لحومَها وتعرّقتْ / أوصالَها أنيابُ كلِّ فجاجِ
فَأتَتْ كما شاء الشّجاعُ خفائفاً / مثلَ القِداحِ تُجيلهُنَّ لحاجِ
قومٌ دفاعُهُمُ النجاةُ لخائفٍ / وندى أكفّهِمُ اليَسارُ لراجِ
لا يغصبونَ إذا الرّجالُ تَغاصبتْ / إِلّا العقائلَ مِن عظيمِ التاجِ
وَإِذا الوجوهُ تَكالحتْ حَذر الرّدى / فوجوهُهمْ أقمارُ كلِّ عَجاجِ
وَمَتى شبيهَهُمُ طلبتَ وجدَتهمْ / ضربوا على أحسابهمْ برِتاجِ
ولقد طلبتُ على العظيمةِ مُسعِداً / فرجعتُ منقلباً على أدراجي
ووجدتُ أطمارَ الحفائظ بيننا / في كلِّ شارقةٍ إلى إنهاجِ
زَمنٌ عقيمُ الأمّهاتِ من الحِجى / فإذا حَمَلْنَ وضعنَهُ لخِداجِ
كم حاملٍ فيه لِعِبْءِ فهاهَةٍ / متعثّرٍ بلسانِهِ لَجْلاجِ
غِرٌّ تجرُّ النائباتُ لسانَهُ / فَإذا اِطمأَنَّ فدائِمُ التّشحاجِ
كَلِفٌ ببيضِ الأُزْرِ لَكن قَد غَدا / مُتقنّعاً فينا بِعرْضٍ داجِ
وَتَراهُ يَرضى خِفّةً من سُؤْددٍ / إنْ باتَ يوماً موقَرَ الأعفاجِ
قَد قلتُ للباغِي المروءَة عِندهمْ / يرمي القليبَ بغيرِ ذاتِ عِناجِ
ماذا تُكلِّفُ ذاَ بطنٍ حائلٍ / جدّاءَ من دَرٍّ لها ونِتاجِ
وَتُريدُ أَنْ تَحظى بِجمّاتِ الغِنى / مِن مَعدِنِ الإِقتارِ والإنْفاجِ
وَمِنَ الغَباوةِ أنْ يظنّ مؤمّلٌ / جُرعَ الإساغَةِ من مِغصٍّ شاجِ