القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : التِّهامي الكل
المجموع : 28
قولا لَهُ هَل دارَ في حَوبائِهِ
قولا لَهُ هَل دارَ في حَوبائِهِ / أَنَّ القُلوبَ تَجولُ حَولَ خِبائِهِ
ريمٌ إِذا رَفَعَ السَتائِرَ بَينَنا / أَعشانيَ اللَألاءُ دونَ رُوائِهِ
نمَّ الضِياءُ عَلَيهِ في غَسَقِ الدُجى / حَتّى كَأَنَّ الحُسنَ مِن رُقَبائِهِ
أَهدى لَنا في النَومِ نَجداً كُلَّهُ / بِبُدُوره وَغُصونِهِ وَظِبائِهِ
وَسَفرنَ في جُنحِ الدُجى فَتَشابَهَت / بِاللَيلِ أَنجُم أَرضِهِ وَسَمائِهِ
وَجَلا جَبيناً واضِحاً كالبَدرِ في / تَدويرِهِ وَبِعادِهِ وَضِيائِهِ
حَتّى كَأَنَّ سَنا الصَباحِ لِثامُهُ / وَمَضى الظَلامُ يَجُرُّ فَضلَ رِدائِهِ
وَالزَهرُ كالحَدقِ النَواعِسِ خامَرَت / نَوماً وَما بَلَغت إِلى استِقصائِهِ
حَيّا بِكاسِ رُضابِهِ فَرَدَدُّتها / نَفسي فِداءُ رُضابِهِ وَإِنائِهِ
وَرأى فَتىً لم يَبقَ غَيرُ غَرامِهِ / وَكَلامِهِ وَعِظامِهِ وَذَمائِهِ
قَلبي فِداؤكَ وَهوَ قَلبٌ لَم يَزَل / يُذكي شِهابَ الشَوقِ في أَثنائِهِ
جاوَرتُهُ شَرَّ الجِوارِ وَزُرتُهُ / لما حَلَلتُ فِناءَهُ بِفَنائِهِ
حَرِّق سِوى قَلبي وَدَعه فَإِنَّني / أَخشى عَلَيكَ وَأَنتَ في سَودائِهِ
فَمَتى أُجازي من هَويتُ بِهَجرِهِ / وَصُدودِهِ وَالقَلبُ من شُفعائِهِ
ما أَبصَرَت عَينايَ شَيئاً مونِقاً / إِلّا وَوَجهِكَ قائِمٌ بإِزائِهِ
إِنّي لأَعجَبُ مِن جَبينِكَ كَيفَ لا / يُطفي لَهيبَ الوَجنَتَينِ بِمائِهِ
لا يُطمعنَّك نورُ كَوكَبِ عامِرٍ / فَوَراءُ قُربِ سَناهُ بِعدُ سَنائِهِ
حَتّى سُيوفٌ رِجالِهِ وَهيَ القَضا / أَشوا جِراحاً مِن عُيونِ نِسائِهِ
لِلَهِ عَزمٌ مِن وَراءِ تِهامَةٍ / نادى فَثرتُ مُلَبِياً لِندائِهِ
حَتّى ظفَرتُ مِنَ المُظَفَّرِ بِالمُنى / عَفواً وتهتُ عَلى الزَمانِ التائِهِ
بِمُهَذَّبٍ لَولا صَفيحَةُ وَجهِهِ / لَجَرى عَلى الخَدَّينِ ماءَ حَيائِهِ
لا خَلقَ أَعظَمُ مِنهُ عِندي مِنَّة / إِلّا زَماناً جادَ ليَ بِلِقائِهِ
يُنبيكَ رَونَقُ وَجهِهِ عَن بِشرِهِ / وَالسَيفُ يُعرَفُ عِتقَهُ في مائِهِ
سَمحَ الخَليقَةِ وَالخَلائِق وَجهَهُ / بِشرٌ يُبَشِّرُ وَفدَهُ بِعَطائِهِ
زانَ الرِئاسَةَ وَهيَ زَينٌ لِلوَرى / فازدادَ رَونَقُ وَجهِها بِعَلائِهِ
كالدُرِّ يَحسِنُ وَحدَه وَبَهاؤهُ / في لِبَّةِ الحَسناء ضِعفُ بَهائِهِ
ما زالَ يَطرُدُ مالَهُ بِنَوالِهِ / حَتّى حَسِبنا المالَ مِن أَعدائِهِ
يَبني مَآثِرَهُ وَيَهدِمُ مالَهُ / وَالمَجدُ ثالِثٌ هَدمِهِ وَبِنائِهِ
وَتَرى العُلاء يَحفُّه لِيمينه / وَشِمالِهِ وَأَمامهِ وَوَرائِهِ
وَتَرى لَهُ حُلماً أَصَمَّ وَنائِلاً / نَدُساً يُجيبُ الوَفدَ قَبلَ دُعائِهِ
مَن لِلكِرامِ بِأَن تَرى أَبواعَهُم / كَذِراعِهِ وَمَديحَهُم كَهِجائِهِ
هَيهاتَ يَشرَكُهُ الوَرى في مَجدِهِ / أَبَداً وَإِن شَرَكوهُ في أَسمائِهِ
حُلو الثَناءِ مُمدَّحٌ يُلهيكَ عَن / حُسنِ الثَنايا الغُرُّ حُسنُ ثَنائِهِ
نَطَقَ العِداةُ بِفَضلِهِ لُظُهورِهِ / كُرهاً وَقَد حَرِصوا عَلى إِخفائِهِ
لَمّا تَزايَدَ في العُلوِّ تَواضُعاً / لِلَّهِ زادَ اللَهُ في إِعلائِهِ
يَعِدُ الفَتى الصَيادي إِلى مَعروفِهِ / بالرَيِّ ماء حُبابِهِ وَحِبائِهِ
إِن حَلَّ حَلَّ الجود في أَفنائِهِ / أَو سار سارَ النَصرُ تَحتَ لِوائِهِ
بِعَساكِرٍ مِن جُندِهِ وَعَساكِرٍ / مِن بَأسِهِ وَعَساكِرٍ مِن رائِهِ
يُخفي النَوالَ بِجَهدِهِ فَيُذيعُهُ / وَإِماتَةُ المَعروفِ مِن إِحيائِهِ
وَكَأَنَّما في كُلِّ مَنبَتِ شَعرَةٍ / مِن جِسمِهِ قَلبٌ لَفَرَطَ ذَكائِهِ
سَلبَت خَلائِقُهُ الرِياضَ أَريجَها / وَالماءَ طيبَ مَذاقِهِ وَصَفائِهِ
أَعدى أَنابيبَ اليَراع بِفَهمِهِ / وَنَفاذِهِ فمَضَينَ مِثلَ مَضائِهِ
إِنَّ المَخالِبَ في يَدي ليثِ الشَرى / تَمضي وَتَنبو في يَمينِ سِوائِهِ
يُرضي الكَتيبَةَ وَالكِتابَةَ وَالنَدى / بِفعالِهِ وَمَقالِهِ وَسَخائِهِ
يَجلو الخطابَة وَالخُطوبَ بِكَفِّهِ / قَلَمٌ يُرَجّى الرِزقَ في أَثنائِهِ
وَكَتيبَةٍ قَرأت مِنكَ فانفضَّ / ت كَما فَضَّت خِتام سِحائِهِ
لما تَأمَّل ما حَواهُ كَمَيُّهُم / رَقَصَت بَناتُ الرُعبِ في أَحشائِهِ
وَكَأَنَّ أَسطُرَهُ خَميسُ عَرمومٍ / وَهِلالُ رايَتِهِ استدارَةُ رائهِ
كَذِبَ المَبخِّل لِلزَّمانِ وَأَنتَ من / جَدوى أَنامِلِهِ وَمِن إِهدائِهِ
زانَ البِلادَ وَأَهلَها بِكَ فاستَوى ال / أَمواتُ وَالأَحياءُ في آلائِهِ
أَمِنَ الزَمانُ وَإِن أَساءَ مَلامَتي / أَلَومُ دَهراً أَنتَ مِن أَبنائِهِ
فاسلَم وَعِش لِلمُلكِ مَوصولِ البَقا / فَلِلَهُ يَحفَظُهُ وَحيدُ سَمائِهِ
ما سَحَّ مزنٌ دفعة في رَوضَةٍ / وَتَضاحَكَت في صَوِّها بِبُكائِهِ
لأبي العَلاءِ فَضائِلٌ مَشهورَةٌ
لأبي العَلاءِ فَضائِلٌ مَشهورَةٌ / حَلَّت مَحَلَّ الفَرقَدَينِ عَلاءَ
فَلِذاكَ قَدَّمَهُ الأَميرُ عَلى الأُلى / كانوا لَهُ لَولا الإله رُعاءَ
جَزلَ المَواهِبِ وَالفَضائل قَد حَوى / جوداً وَرَأياً ثاقِباً وَغَناءَ
يا مَن إِذا ذُكِرَ الكِرامُ فَأَنَّهُ / فيها المُقَدَّم نَجدَةً وَعَطاءَ
وَإِذا الأَماكِنُ أَظلَمَت أَقطارُها / بِالبُخلِ كانَ لِمُعتَفيهِ ضِياءَ
إِنّي دَعَوتُكَ لِلنَّوائِبِ دَعوَةٍ / لَمّا رَأَيتُكَ للأنامِ لَجاءَ
وَإِذا الزَمانُ نَبا بحر نَبوَةً / قَصَدَ الأَكارِمَ غُدوَةً وَعِشاءَ
وَلَقَد ظَنَنتُ بِكَ الجَميل فَكُن كَما / أَمَّلتُ تَغنَم مِدحَةٌ وَثناءَ
إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب
إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب / وَلَّت بِأَحسَن سافِر وَمنقبِ
فخلست مِنها لحظة فَكَأَنَّني / أَبصَرت لمعة كَوكب مُتَصَوِّب
وَلحظنني فَكَأَنَّما انفَرجَت لَنا / تِلكَ البَراقِع عَن جآذِر رَبرَبِ
ونثرنَ مِن صدفِ الجُفونِ لبيننا / درين بَينَ مضرَّس وَمُحَبَّبِ
دانين غُزلان الصريمة فالتَقى / في الرَوضِ غَير مربربٍ بمربربِ
وَإِذا ارتَقين إِلى عَوارِض تلعةٍ / بسمت بِدُرٍ مِن أَقاحٍ أَشنَبِ
ولثمن نَوّار الأَقاحي غدوة / بِأَلَذ في الأَفواهِ مِنه وَأَعذَبِ
وَالطَلُّ يُجري كُلَّ مقلة نرجسٍ / مِن فَوق خد شَقائقٍ لَك معجَبِ
أَبصَرَت ملعبها القديم فَدَلَّني / نشر العَبير الورد نَحو المَلعَبِ
فَوَقَفت فيها ذا لِسان أَعجَمٍ / عَن ذِكر ما أَلقى وَدَمعِ معربِ
أَبكي وَيَبكي من يَعنف في الهَوى / حَتّى أَؤَنِّب في البُكاء مُؤَنِّبي
وَدموعنا صَنفان دمع ساكِب / يَجري وآخر حائِر لَم يُسكَبِ
عَذُبَ المِطال لأَنَّهُ مِن عندها / وَلَو أَنَّهُ من غيرِها لَم يعذبِ
إِن يُخطِني كلف بِه فإلى جوىً / أَو يخطها بَينٌ فنَحو تَجَنُّبِ
إِنَّ الحجاز على تَنائي أَهله / ناهيكَ مِن بلَدٍ إِليَّ مُحَبَّبِ
فَسقاهُ مُنهَمِرُ الرَباب كَأَنَّهُ / يَد جَعفر بن محمد بن المَغربي
فَردٌ يرد شعاع وجهك ضوؤه / فَيظَل محتجباً وَإِن لَم يُحجبِ
هوَ نهبة للمعتفين فإِن بَدا / لك ماله وَأَطقت نَهباً فانهَبِ
سمح الخَلائِقِ حَظَّهُ / مَمّا حَواهُ دونَ حظ الأَجنَبي
فالجود مِن فَضلٍ لَدَيهِ مُشرِّق / أَبَداً وَمال في البِلادِ مغربِ
لَهِجَ اللِسانُ لِزائريه بِمَرحبٍ / إِنَّ النَدى عنوانه في مرحَبِ
قَد أَخصَبت هممي بِهِ وَلرُبَّما / أَنزَلَت طارِقها بِوادٍ مجدبِ
غربت خَلائقه وَأغرب واصِفٌ / فيهِ فأَغرَب مغرب في مغرب
وَكَأَنَّهُ في كُل معرَكَةٍ لَهُ / ليث لَهُ في فعلِهِ المتغضِّبِ
طابَت مَحائِدُهُ وَكابَ فَأَنَّما / تَزهى العُلى بالطَيِّبِ بن الطَيِّبِ
لَيسَ الدَخيل إِلى العُلى كمعرقٍ / ورث العُلى بأبٍ كَريمٍ عَن أَبِ
تَبدو أَبوته بغرة وجهِهِ / وَعَلى شَمائِلِهِ وَإِن لَم يُنسَبِ
يَفتَضُّ أَبكار المَعاني قائِلاً / أَو كاتِباً وَيديم هجر الثيبِ
متَيقظ أَخشى عَلَيهِ إِذا ارتأى / مِن رأيهِ المتوقد المُتَلَهِّبِ
لما كملت نطقت فيك بِمَنطِقٍ / حق فَلَم آثم ولَم أَتحَوَّبِ
حَتّى لَو أَنَّ الدَهر ظل مُصادِمي / لهددت منكبه الشديد بِمنكبي
في كَفه قلم يَنوبُ بِحَدِّهِ / عَن حد كل مثقَّفٍ وَمشطَّبِ
قلم أَقام وَلفظه مُتداوِلٌ / ما بَينَ مشرقِ شَمسَها وَالمغربِ
وَيَفضُّ ختم كِتابِهِ عن كُتبهِ / كالدُرِّ إِلّا أَنَّهُ لَم يثقَبِ
لِلَهُ آل المغربي فَأنَّهُم / كَنز الفَقير وَنجعة المتأدِّبِ
وَإِلَيهمُ لَو أَنصف الناس انتهت / شُعَبُ الفَصاحة وابتَدت في يَعربِ
أَهل الفَصاحة وَالصباحة وَالرجا / حة وَالسماحة وَالكَلام المعرَّبِ
شَهَروا بِفضلهم وَهَل يَخفى على / ذي ناظِرٍ شِيَةَ الصَباحِ الأَشهَبِ
لَو يَستَرون نفوسهم قال النَدى / لِشَواهِدِ العَلياء قَومي فاخطُبي
قَوم لَهُم صدر الدسوتِ إِذا هَمّوا / جَلَسوا وَإِن رَكبوا فصدر الموكَبِ
لَم تَخلُ أَرض مِنهُمُ مِن صَيبٍ / وَسماء مُجدٍ منهُمُ مِن كَوكَبِ
وَمهذَّبون مُهَذَّبون وَلَن تَرى / في النائِبات مُهَذِّباً كمهذَّبِ
كهف اللَهيفِ وَروض مرتاد النَدى / وَغِنى الفقير وَأوبة المتغَرِّبِ
وَأَبوا عبيد اللَهِ درةُ تاجِهِم / وَسوادُ ناظِرِهِم وَقلبُ المُقَنِبِ
وَلَو أَنَّ إِنساناً مِنَ الناس ادَّعى / لَهُم الفَضائل كُلَّها لَم يكذبِ
هُم حُلَّة المَجدِ القَديم وَجعفر / ما بينهم مثل الطرازِ المذهَّبِ
يا طالِب الرِزقِ الجَزيلَ ومن غَدا / في الناس راجي الفضلِ مِن مُتَطَلِّبِ
لا تطلبنَّ الرِزقَ إِلّا مِنهُموا / فَإِن استربت بِما أَقولُ فجرِّبِ
كَيفَ التأخُّر عَنهم وَلقاؤهم / مِن بَعدِ تَقوى اللَهِ أَنجَحُ مطلَبِ
فلأكسونَّهُم المَدائِحَ مِثلَ ما / قَد البَسوني مِن نَوالٍ مُقِثبِ
مَدحاً تُناشِدُهُ الشيوخُ إِذا خَلوا / طَرباً وَيُنشده الفَتى في المكتَبِ
داموا ودام العز يخدمُ جَدّهم / وَيسُدُّ عنهم كل خطب مُنكِبِ
ما لاحَ ضوء البَدرِ في أُفُقِ العُلى / وَبَدا الصَباحُ فَشَقَّ دِرعُ الغَيهَبِ
يا لَيلَةً شكر الهَوى أَحبابُها
يا لَيلَةً شكر الهَوى أَحبابُها / رَقَّت حَواشيها وَطابَ جنابُها
ما كانَ أَقرَب شَرقَها مِن غَربِها / وَأَقَلُّ ما حجب الصَباح حِجابُها
أَهدَت لَنا أَسماء وَرداً زاهِراً / فيها وَغُصناً يَزدَهيهِ شَبابُها
فَالغُصنُ مِنها ما حَواهُ وشاحها / وَالوَردُ مِنها ما يَضُمُّ نِقابُها
ظَلَّت وَقَد حلت ذَوائب شعرها / بِبنانها فَتَهَدَّلَت أَورابُها
كالجَنَّةِ الزَهراء طافَ بكرمِها / عنابها فَتَناثَرَت أَعنابُها
وَتَبَسَّمَت وَالكأس حَشو بَنانِها / فَرَأَيتُ مِثلَ الكَأس طابَ رضابُها
فَلثغرها وَلريقِها وَلطيبِها / نَفحاتِها وَحبابِها وَشَرابُها
وَالأَقحوان عَلى الشَقائق ناثِرٌ / أَوراقه نثر القُطار سحابها
فَتَراهما كالكأس عِندَ طُلوعِها / هَذا لَهُ راحٌ وَذاكَ حُبابُها
لِلَهِ كاساتٌ ثَلاثٌ جَمَّعَت / لِذاتِها فَتَناسَبَت أَسبابُها
وَلَقَد نعمت بِها لَياليَ لَمّتي / تَعزي إِلى أَهل الضَنى أَنسابُها
حَتّى إِذا لَعِبَ المَشيب بِحُسنِها / عزَفَت لَهُ نَفسي وَزالَ لُعابُها
لي عِندَ أَيامي تُراث لَو غَدَت / مَحسوبَة أَعيا عَليَّ حِسابُها
صاحبتها عشرين حَولاً كامِلاً / سَيراً وَقَد مَلَّ السُرى أَصحابُها
طوراً أَغورُ وَتارَةً أَعلو الذُرى / وَتمُجُّني أَهضامُها وَهِضابُها
وَكَأَنَّني في الغَورِ سِرٌّ ضائِعٌ / وَكَأَنَّني فَوقَ العِقاب عِقابُها
في حَيث لا يَلقى الغَريب غُرابها / أَبَداً وَلا يَرجو الأَياب ذُبابُها
يَرمي الوجوهَ سِهامِها وَالشَم / سُ يَلعَبُ في الفجاج لعابُها
أَلقى بِحُرِّ الوَجه حُرَّ هجيرها / وَكَذاكَ دأبي في الأَصيلِ وَدابُها
في كُلِّ ذَلِكَ أَبتَغي حُرّاً لَهُ / نَفس تَميل إِلى العُلى آدابُها
حَتّى رَأيتُ الكامِل العَلَم الَّذي / عطفت إِلَيهِ مِنَ الأَنامِ رِقابُها
لَمّا أَنخَت إِلى ذراه مؤمِّلاً / هانَت عَليَّ مِنَ الأُمورِ صِعابُها
لِلَّهِ دَرُّكَ أَيُّ كاشِفٍ كُربَةٍ / كثر الجَوابُ بِها وَقَلَّ صَوابُها
يَهديهمُ طُرُقَ الأَصابة بَعدَما / حارََت بِهِ مِن مَعشَر البابُها
رَفَعتُ بِهِمَّتِكَ المَمالِك عَهدَها / وَتَمَسَّكتُ أَقوى العرى أَطنابُها
تَتَساقَطُ الأَعداء حَولَكَ رَهبَةً / وَتَظَلُّ تَرمي بِالدَنيّ غِضابِها
يَبدون عِندَكَ ذِلَّةً وَمَهابَةً / وَإِذا بعد تَكَشَّرَت أَنيابُها
مِثلَ الكِلاب السائِماتِ وَإِنَّما / مِثلَ الكِلاب مِنَ الأنامِ كِلابُها
يَنبَحنَ مِن شَمِّ الهَزبَر وَصَوتِهِ / وَإِذا رَأَتهُ تَحَرَّكَت أَذابُها
لَست الَّذي يَثني عَزائِم بأسِهِ / كيد العداةِ وَلَن يَطنَّ ذُبابُها
زهرت بِكَ الدُنيا وَقر قَرارها / وَصَفَت مَدائِنُها وَطابَ تُرابُها
وَكَشَفَت عَن مَلِكِ المُلوكِ نَوائِباً / يَنتابُ دَولتِهِ وَلا تَنتابُها
فاهتَزَّ مِن بِعدِ الهمودِ عَمودها / وَأَنارَ مِن بَعدِ الخُمودِ شِهابُها
فَمَتى يَكُن أَمن فَأَنَّكَ بابها / وَمَتى يَكُن خَطبٌ فَأنَّكَ نابُها
جاسَت كَتائِبُها الدِيار وَأَوجَفَت / بِالأمنِ فيها خَيلِها وَرِكابُها
وَتَطأطأت هِمَمُ المُلوكِ وَأَسمَحَت / بَعدَ الخَرابِ وَقادَها إِرهابُها
يا ذا الجَلالَةِ والأَصالَةِ وَالَّذي / ضاقَت بِهِمَّتِهِ الدنا وَرِحابُها
عَمَّت أَياديكَ الأَنامِ وَخَصَّني / مِنها بِجودكَ صَفوَها وَلُبابُها
فَلَئن كفرتكها فأنّي كافِرٌ / وَلَئِن جَحدت فَأَنَّني كَذّابُها
وَوَعَدتُ بِالعَملِ الَّذي نَفسي بِهِ / تَصبو وَتَنمي نَحوَهُ أَوصابُها
شيرازُ ضَدٌّ لِلغَريبِ فَأَنَّها / في البَردِ مَصبوب عَلَيهِ عَذابُها
ثَلجٌ يَدومُ فَلا يَقومُ لِبأسِهِ / عِندَ الهُجومِ لبودِها وَجِبابُها
أَنا ضائِنٌ في الناسِ لَيسَ مُوافِقاً / لي مِن شُهورِ الرومِ إِلّا آبُها
فَمَتى أَتى تَشرين فيها عاطِلاً / ذَهَبَت بِهِ نَفسي وَهانَ ذَهابُها
فانظُر إِليَّ بِرحمَةِ أَو فارمِ بي / بَعضَ الفجاج أَلَم تَجي إِخصابُها
قَد كانَ لي في الأَرضِ أَلفُ مَعيشَةٍ / لَو شِئتَ لَم تصعب عَلَيك صِعابُها
لَكِن علمت بِأَنَّ أَكثَرَ مُنِيَّتي / عقدت بِوجهك ذي العَلاءِ رِغابُها
وَالرّأي أَجمَع في الَّذي تَنوي لَها / أَو تَهتَدي لِرَشادِها أَلبابُها
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً / غَيث كَدَمعي ما أردن بَراحا
ماتَت لِفَقد الظاعِنينَ دِيارهم / فَكَأَنَّهُم كانوا لَها أَرواحا
وَلَقَد عَهِدتَ بِها فَهَل عوَ عائِد / مَغدىً لِمُنتَجَع الصِبا وَمَراحا
بِالنافِثاتِ النافِذاتِ نَواظِراً / وَالنافِذينَ أَسِنَّة وَصِفاحا
وَأَرى العُيونَ وَلا كَأَعيُن عامِرٍ / قَدراً مَع القَدر المُتاح مُتاحا
مُتَوارِثي مَرَض الجُفون وَإِنَّما / مَرَض الجُفونَ بِأَن يَكُنَّ صِحاحا
مَن كانَ يكلف بالأَهِلة فَليَزُر / وَلدي هِلالٍ رَغبَة وَرِباحا
لا عَيب فيهِم غَيرَ شُحِّ نِسائِهِم / وَمِن السَماحَة أَن يَكُنَّ شِحاحا
طرقته في أَثوابِها فجلَت لَهُ / وَهناً مِنَ الغُرَرِ الصِباح صَباحا
وَبَسمن عَن بَرد تَآلف نظمه / فَرَأيت ضوءَ البَرقِ مِنهُ لآحا
أَبرَزنَ مِن تِلكَ العُيون أَسِنَّة / وَهَززن مِن تِلكَ القُدود رماحا
يا حَبَّذا ذاكَ السِلاح وَحَبَّذا / وَقت يَكون الحسن فيهِ سِلاحا
بيضٌ يَلحَفها الظَلام بُجُنحِهِ / كالبَيضِ لَحَّفَها الظَليم جِناحا
ما عِندَهُنَّ العَيشُ إِلّا رَوضَة / صَنع الوَلي لِنورِها مُفتاحا
يَلثَمن فيها الأُقحُوانَ بِمثلِهِ / عَبثاً وَإِعجاباً بِهِ وَمَراحا
وَيَميلهن مِنَ الصبا أَنفاسِها / فَتَخال أَنفاس الرِياح الراحا
يَترُكنَ حَيثُ حَلَلن وَهي لَطيمَة / مِمّا نَثرنَ بِهِ العَبيرَ فَطاحا
يَهدي ثَراهُ إِلى البِلادِ وَرُبَّما / حَيَّت بِرَيّاهُ الرِياح رِياحا
عَجنا بِهِ هَلكى فاهدَت ريحَهُ / أُصُلاً إِلى أَجسادِنا الأَرواحا
أَبصَرتُ وَصل الغانِيات وَغِبَّهُ / فَرأَيتَهُنَّ وَإِن حَسُنَّ قِباحا
واعتَضتُ مِن طَرفي الجموحِ إِلى الصِبا / طَرفاً إِلى فلك العُلى طَمّاحا
أَهوى الفَتى يُعلي جِناحاً لِلعُلى / أَبَداً وَيَخفضُ لِلجَليسِ جَناحا
وَأَحبّ ذا الوَجهَينِ وَجهاً في النَدى / نَدياً وَوَجهاً في اللِقاء وَقاحا
وَفَلاً كَأعمار النسور مسحتها / بيد المَطِيَّة أَعيَت المُسّاحا
خاضَت غِمار سَرابها فَكَأَنَّها اب / ن الماءِ خاضَ لِصَيدِهِ الضَحضاحا
وَإِلى ابن عَبد الواحد القاضي اغتَدَت / بَلَداً كَساحَة صَدره فَيّاحا
شكلت مَناسِمها الطَريق بِحُمرَةٍ / نُقطاً فَأَوضَحَت الفَلا إِيضاحا
فَأَتَتهُ قَوساً فَوقَها مِن رَبِّها / قِدح إِذا كانَ الرِجال قداحا
مَغبوطَة بِهِزالِها في قَصدِهِ / وَمِن المَفاسِد ما يَعُدنَ صَلاحا
فَرأيت مِنهُ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ / سَعد لأيام الإِمامَةِ لاحا
وَالحاكِم المَنصور أَسعَدَهُم بِهِ / عُمراً وَأَكثَرَهُم بِهِ إِنجاحا
قَد صيغ مِن كَرَمٍ فلويد باخِلٍ / لَمسته فاضَت بِالنَوال سماحا
وَكَذاكَ يَنقَلِب الظَلام بِأَسرِهِ / نوراً إِذا ما جاوَرَ المِصباحا
لَو مَسَّ مِن إِقبالِهِ حَجَراً جَرى / ماءً عَلى ظَهرِ الثَرى طَفّاحا
فازرَع رَجاءَك كله بِفنائِهِ / فَإِذا زَرَعَت فَقَد حَصَدَت نَجاحا
يَرمي الكَتيبَة بِالكِتاب إِلَيهِم / فَيَرون أَحرفه الخَميس كِفاحا
مِن نِقسِهِ دُهماً وَمِن ميماتِهِ / زَرَداً وَمِن أَلفاتِهِ أَرماحا
ساسَت أَقاليم الوَرى أَقلامه / فأَجَمَّ أَطراف القَنا وَأَراحا
يَمجُجنَ ريقاً إِن أَردت جَعلته / شُهداً وَإِن أَحبَبت كانَ ذُباحا
ما زالَ هَذا الثغر لَيلاً دامِساً / حَتّى طَلعتَ لِلَيلِهِ إِصباحا
فَجلت لَهُ الأَيام بَعد عُبوسِها / وَجهاً كَوجهِكَ مُشرِقاً وَضّاحا
وَحَكَمتَ في مَهجِ العَدُوِّ بِحكمَةٍ / قُرِنَت بِرأيك غدوَةً وَرواحا
فَسفكت ما كانَ الصَلاح بِسَفكِهِ / وَحقنتَ بَعضَ دِمائِهِ استِصلاحا
فوفود شكر المُسلمين وَغيرهم / تأتي إِلَيكَ أَعاجِماً وَفِصاحا
غادَرَت أَسَد بَني كِلاب أَكلبا / إِذ زرتهم وَزئيرهن نباحا
قبسوا غُداةَ أَبي قَبيسٍ جمرة / لِلحَرب لاحَ لَهُم بِها ما لاحا
فَنَسوا النِساءَ وَدَمَّروا ما دَمَّروا / وَرأوا بقا أَرواحِهِم أَرباحا
يَتلو هَزيمَهُمُ السِنانُ كَأَنَّهُ / حَرّان يَطلب في قِراه قراحا
وَالسُمر قَد لفتهمُ أَطرافِها / لفاً كَما اكتَنَف البنان الرّاحا
فَمُعَفِّر جَسَد الحَياة وَهارِب / جَسَد الرُفات القبر وَالصّفاحا
حَتّى إِذا اقتَنَت القنا أَرواحهم / قَتلاً وَفَرَّقَت الصفاح صفاحا
رَفعوا أَصابِعَهُم إِلَيكَ وَنَكَّسوا / أَرماحهُم فَثنين مِنكَ جِماحا
وَتَركت أَعينَهُم بصورٍ في الوَغى / صوراً وَقَد جاحَ الوَرى ما جاحا
فَغَدوت قَد طَوّقتك حمدك حامِداً / وَمُقَلِداً قلدت مِنهُ وِشاحا
شاءَ المُهَيمِن أَن تَسير مُشرِفاً / حلباً فَقيض ما جَرى وَأَتاحا
وَأَرَدتَ إِصلاح الأُمور فَأُفسِدَت / فَنهضت حَتّى استَحكَمَت إِصلاحا
كانوا يَرونكَ مُفرَداً في جَحفَلٍ / وَوَراء صور إِن نَزَلتَ بَراحا
إِنَّ النَفيس وَلَو أَبيحَ أَبى لَهُ / عِزُّ النَفاسَة أَن يَكون مُباحا
أَنّى تَروم الروم حَربُكَ بَعدَما / صَلِيَت بِحَربِكَ محرباً مِلحاحا
لَم يَرم قَطُّ بِكَ الإِمام مُراده / إِلّا جَلَوتَ عَن الفَلاح فَلاحا
وَلَقَد غَدَوتَ أَبا الحُسَين لِجَيشِهِ / لِلقَلبِ قَلباً وَالجَناح جَناحا
يا مانِح الأَعراض مانِع عَرضِهِ / نَفسي فُداؤُكَ مانِعاً مَنّاحا
وَإِذا أَتَيتَ فَضيلَة أَخفيتَها / حَتّى كَأَنَّكَ قَد أَتَيتَ جُناحا
لِلعُرف عَرف نَشرِهِ في سَيرِهِ / كالمِسكِ مَهما ازدادَ صَوناً فاحا
وَأخ دعوتك بَعدَ طولِ نُعاسِهِ / فازتاع نَحو الجَرسِ ثُمَّ ارتاحا
نازَعتُهُ فيكَ القَوافي فانتَشى / فَكَأَنَّما نازَعته الأَقداحا
مَدحاً يُصَدقه فَعالَك آنِفاً / إِنَّ الكَريمَ يُصَدِّق المدّاحا
فَلَو ارتَقى شَخص امرىءٍ كَمحلِّهِ / يَوماً لَصافَحَت النُجوم صِفاحا
إِن كُنتَ تَصدُقُ في اِدِّعاء وِدادِهِ
إِن كُنتَ تَصدُقُ في اِدِّعاء وِدادِهِ / فافكِكهُ مِن أَسرِ الهَوى أَو فادِهِ
لا تَمحِ بِالهُجران نور وَصالَه / فَصَميم حبّك في صَميم فُؤادِهِ
أَأَمَتَّهُ بِالهجرِ قَبلَ مَماتِهِ / فاعِده في الأَسعافِ قَبلَ مَعادِهِ
رِفقاً بِهِ فَهوَ الجموح إِذا أَبى / شَيئاً فَلا يغررك لين قِيادِهِ
زَوِّدهُ مِن نظرٍ فأقنَع من تَرى / مَن كانَ لحظ العين أَكبَر زادِهِ
لا أَنتَ عِندَ اليُسرِ مِن زُوّارِهِ / يَوماً وَلا في العُسرِ مِن عُوّادِهِ
أَرَأَيت سَيفاً غَيرَ لَحظِكَ صارِماً / يَفري رِقاب القَومِ في أَغمادِهِ
أَمضى اللحاظ أَكلهُنَّ وَكُلَّما / أَكللت لحظك زدت في إِحدادِهِ
إِنَّ الهَوى ضِدَ العقول لأَنَّهُ / ضربت جآذِرَهُ عَلى آسادِهِ
وَآفى إِليَّ كِتابه عَن نُبوَةٍ / كانَت بِعاداً مردفاً لِبعادِهِ
أَفدي الكِتابَ بِناظِري فَبَياضِهِ / بِبَياضِهِ وَسَوادِهِ بِسَوادِهِ
يا عاذِلَ المُشتاقِ دَعهُ بَغيّهِ / إِن أَنتَ لَم تقدر عَلى إِسعادِهِ
أَرواكَ فقدان الهَوى وَبِقَلبِهِ / ضَمأ إِلى عذب الرِضابِ بَرادِهِ
وَأَظُن عين سعاد قَد قلبت لَهُ / هاء فَكُل سهادِهِ بِسعادِهِ
يَخفي ضِراماً من هَواها مِثلَما / يَخفي ضرام النار عود زِنادِهِ
فَتُهاجِرُ الأَجفان آخِر عَهدِهِ / يَوم الفِراق بِظَعنهم وَرِقادِهِ
تَسعى صروف الدَهر في إِصلاحِهِ / يَوماً وَطول الدَهر في إِفسادِهِ
أَبَداً يَجيل الطَرف في أَمثالِهِ / صُوراً وَفي الأَفعال مِن أَضدادِهِ
وَإِذا جَفاكَ الدَهر وَهوَ أَبو الوَرى / طراً فَلا تَعتَب عَلى أَولادِهِ
فَلأَنهَضَنَّ بِجَحفَل فُرسانِهِ / مِن سمرة وَنَحافَة كَصعادِهِ
وَلأَقضينَّ الدَهرَ غيرُ مُقَصِّرٍ / ما كانَ أَسلَفَنيه مِن أَحقادِهِ
بَل كَيفَ تخطيني العلى وَأَنا امرؤ / أَرتادُ عاريهن مِن مِرتادِهِ
يا صاح إِنَّ الدَهرَ قَدَّم بِالغِنى / وَعداً فَها أنذاكَ مِن ميعادِهِ
هَذي طَرابلس وَما دونَ الغِنى / إِلّا نِداؤُكَ بِالحُسَينِ فَنادِهِ
شفع ابن حيدرة عَلى ثانيه في / هَذا الزَمان وَكانَ مِن أَفرادِهِ
بِأَبي مُحَمَدٍ الَّذي يأوي العُلى / ما بَينَ قائِم سَيفِهِ وَنَجادِهِ
بِمُهَذَّبٍ صَعب الآباء حرونه / في حَقِّهِ سلس النَدى منقادِهِ
متجلِلاً ثَوب الرِئاسَة معلماً / بِبَهائِهِ وَوَفائِهِ وَسَدادِهِ
سالَمَهُ ما كانَت حَياتك مغنماً / فَإِذا مللت مِنَ الحَياة فَعادِهِ
حازَ العَلاءَ بِجَدِّهِ وَبِجِدِّهِ / فاختال بَينَ طَريفِهِ وَتِلادِهِ
لَم يَجعَل الآباء مُتَّكلاً وَلا / آباؤُهُ اتَّكَلوا عَلى أَجدادِهِ
خرق يعد الجودَ بيت قَصيدَة / وَالمطل مِثلَ زِحافِهِ وَسِنادِهِ
يَثني النَوال إِذا أَتاهُ بِمِثلِهِ / إِنَّ النَوال يَلذ في تِردادِهِ
ما العُرفُ إِلّا جَوهَرٌ فجمعته / في العقد مَعنىً لَيسَ في أَفرادِهِ
ما إِن حسبت الخيل تألف ضَيغماً / حَتّى تبدى فَوقَ ظَهرِ جَوادِهِ
يَكسو المُدَجَّجُ مجسداً بِدمائِهِ / فَيَعودَ بَعدَ النقع لون حِدادِهِ
وَالبيض مِن تَحتِ الغُبارِ كَأَنَّها / جَمرٌ تَأَلَّق في خِلالِ رَمادِهِ
وَالمَجدِ تَحتَ ظَبي السُيوف يَجوزه / مَن كانَ وقع جِلادِهِ كَجِلادِهِ
كَم جَحفَل غادَرَت فيهِ وَدائِعاً / قَضباً مِن الخَطيِّ في أَجسادِهِ
صدرت صدور قناك تَشكُر رِيّها / مِنهُ وَكانَ الوَرد في إِيرادِهِ
أَمّا الإِمام فَشاكِر لَكَ أَنعُماً / عَمَّت جَميعَ عِبادِهِ وَبِلادِهِ
وَأَنَرتَ ما سدت أَكفَّ جِيادِهِ / وَهتكت ما نسجَت يَدا زِرادِهِ
كَم طرزت أَرض العَدوِّ دَماً إِذا / طرزَت طرسك نَحوَهُم بِمدادِهِ
خَفَّقَت بِالأَقلامِ عَن أَرماحِهِ / وَبمحكم الآراءِ عَن أَجنادِهِ
يا ذا الَّذي يُعدي اليَراعَ بِفعلِهِ / وَبِفَضلِهِ وَبِبأسِهِ وَبآدِهِ
كذب المَبخَل لِلزَّمانِ وَأَنتَ مِن / جَدوى أَنامِلُهُ وَمِن أَرفادِهِ
أَبداك فَرداً وابتَغى لَكَ في الوَرى / مَثلاً فَلَم يَقدِر عَلى إِيجادِهِ
لَمّا علوت الناس جدت عَلَيهم / وَالطود يَقذِف ماءه لوهادِهِ
تَبغي صِيانة ما حويت بِبَذلِهِ / في خُفيَةٍ وَبَقاؤُهُ بِنَفادِهِ
تَخفي نَداكَ وَلَيسَ يَخفى وَالنَدى / كَالمِسكِ يَهتِفُ ريحُهُ بِزِيادِهِ
حَيّاك مِن ذي سؤدد وَرَعاكَ مَن / أَحياكَ وَاستَرعاكَ أَمر عِبادِهِ
أَتَرومُ تَغطِيَة الهَوى بِجُحودِهِ
أَتَرومُ تَغطِيَة الهَوى بِجُحودِهِ / وَنحول جِسمِكَ مِن أَدَلِّ شُهودِهِ
هَيهاتَ تَستُر مِنهُ فَجراً واضِحاً / مِن بَعدَما صدع الدُجى بِعَمودِهِ
قَد قُلتَ إِيّاكَ الحِجازَ فَإِنَّهُ / ضريت جآذره بِصَيد أُسودِهِ
وَأَرَدتُ صَيد مَها الحِجاز وَلَم يُسا / عِدُكَ القَضاء فَصِرتَ بَعض صيودِهِ
يا سائِلي عَمَّن هَوَيتَ وَحالَتي / ما حال مَفقود الفُؤاد عَميدِهِ
قَد كانَ يَرجِفُ في لَيالي وَصلِهِ / قَلبي فَكَيفَ يَكونُ عِندَ صُدودِهِ
قَلب يَزيد بِماء جِفني نارِهِ / وَهجاً فَكَيفَ الرَأي في تَبريدِهِ
لَم تَرضَ في قَتلي سِهام لِحاظِهِ / عَدواً فَأتبَعها رِماح نُهودِهِ
لَمّا رأى لحظات طَرفي رُتَّعاً / تَجنى شَقيقاً مِن رِياض خُدودِهِ
قفل اللِثامَ وَصَدَّ عَنّي شارِداً / وَنأى فاسهَر مُقلَتي بِشُرودِهِ
لا حَظَّ لي في قُربِهِ وَبِعادِهِ / عدم البَخيل وَفَقدِهِ كَوجودِهِ
قطع التنفس عِقدَهُ مِن غصةٍ / ظَلَّت تردَّدُ في سوارِ وَريدِهِ
وَبَكى لِفرقَتِنا فَواقاً فالتقى / دران در دُموعِهِ وَعُقودِهِ
وَجَلا كَمِثلِ البَدرِ في تَدويرِهِ / وَضِيائِهِ وَالفَجر في تَوريدِهِ
يا لَيتَهُ جَعَلَ القَطيعَة مَوعِداً / مِنهُ فَيُخلِفُها كَخُلفِ عُهودِهِ
أَخفي هَواهُ وَهوَ نارٌ مِثلَما / يَخفي الزِناد ضِرامه في عودِهِ
أَبصَرته في ربرب مِن جَيشِهِ / مِن كل مضطمر الحَشا املودِهِ
يَلتَف نوَرَ الأَقحوان بِمِثلِهِ / في ريحِهِ وَبَياضِهِ وَقدودِهِ
فَصَنَعنَ عِندي مِنَّة فَجَحدتها / نيل الغَواني شكره كَجُحودِهِ
يَحفِفنَ أَغيد يَغتَدي داءَ الهَوى / وَيَروح بَينَ مَروطهِ وَبُرودِهِ
حَسَنُ الشَمائِلِ أَوحداً في حُسنِهِ / كَمُحَمَدٍ بِن سَلامَة في جودِهِ
البَحرُ بَعضُ حُدودِهِ وَالفَضل بع / ضُ شهوده وَالنَصرُ بعض جُنودِهِ
تَبدو أمارات الكَريم بِوَجهِهِ / مِن بِشرِهِ وَحَيائِهِ وَسُجودِهِ
أَضحى قَريب الجود مُنبَعِث الجَدا / نَفسي فِداء قَريبِهِ وَبَعيدِهِ
وَمُكَرِّماً لِلوافِدينَ وَمالِهِ / وَفدٌ وَلَيسَ مكرمً كَوفودِهِ
وَإِذا أَرادَ أَثابَ في طَلَبِ العُلى / وَالحال عِندَ مَضيِّهِ وَعَتيدِهِ
مِن حاتِمٌ جوداً إِذا ذكر النَدى / حَتّى أَشبَهه بِبَعض عَبيدِهِ
يربي عَلى جهد الكرام كثيره / وَيَزيد فَوقَ كثيرهم بِزَهيدِهِ
أَبواعهم في المَجدِ مِثلَ ذِراعِهِ / وَقيامِهِم في الفَضلِ مِثلَ قُعودِهِ
وَعَلى مَقادير الرِجالِ فِعالِهِم / قَطع المُهَنَّدِ تابِعٌ لِحَديدِهِ
وَإِذا ارتأى في كُلِّ أَمر حلة / وَلَو أَنَّ أَهل الأَرضِ في تَحقيدِهِ
وَإِذا رأى إِبرام أَمر لَم يُطِق / أَحَد يَحِلُّ الأَمر مِن تَوكيدِهِ
وَإِذا أَفات أَفاد في طَلَبِ العُلى / فَالفَضلُ بَينَ يَقينِهِ وَمفيده
قَد هَذَّبَت إِقليمه أَقلامِهِ / وانقاد سيده انقياد مسودِهِ
قِطُّ العِدى في قَطِّهِ وَمِدادِها / مد الحَياة لخلِّهِ وَوديدِهِ
نبل إِذا ما راشها بِبَنانِهِ / وَرَمى أَصابَ صَميم قَلب حُسودِهِ
بيضُ الأَماني في بَياضِ كِتابِهِ / وَكَذا المَنايا سُودُها في سِودِهِ
فَإِذا استَمَدَّ فَقَد أَمَدَّ بِعَسكَرٍ / لَجِبٍ يَسيرُ النَصر تَحتَ بُنودِهِ
وَعجِبتُ مِن قَلَمٍ بِيُمناهُ أَلَم / يُغرِقه بَحرُ بَنانه بِمُدودِهِ
لَم يَقتَنِع بِالمَجدِ عَن آبائِهِ / وَهُمُ فَما اقتَنَعوا بِمَجدِ جُدودِهِ
حَسُنَت بيَ الأَيامُ بِالحَسَنِ الَّذي / أَروى النَدى بِطَريفِهِ وَتليدِهِ
أَعطى وَجادَ وَزادَ في طَلَبِ العُلى / حَتّى نَما في الجودِ فَوقَ مَديدِهِ
أَولى البَريَّةِ أَن يُسَمّى ماجِداً / مَن كانَ طارِف مَجدِهِ كتليدِهِ
حَيّاكَ من أَحيا العُلى بِكَ مِثلَما / نَشرَ النَدى بِكَ وَهوَ بَينَ لُحودِهِ
لَو كانَ هَذا الدَهر شَخصاً ناطِقاً / أَشنى عَلَيكَ بِنَثرِهِ وَقَصيدِهِ
أَو كُنت لَيلاً كُنتَ لَيلَةَ قَدرِهِ / أَو كُنتَ يَوماً كُنتَ يَومي عيدِهِ
يُنبي سَلامك وابتسامك عَن نَدىً / وَكَذا الغِمامُ بِبَرقِهِ وَرعودِهِ
ما زالَ هَذا الذهر بَينَ مَناحِس / حَتّى طلعت فَكنت سعد سعودِهِ
ثِق بالإِلَه فَكُلُّ أَمرٍ أَنتَ في / تأسيسِهِ فَاللَهُ في تَشييدِهِ
قَد كانَ فضلك موهِماً لِعَطائِهِ / فالان بِشرُكَ موقِن بِمَزيدِهِ
فأسلم وَدم في غِبطَةٍ مكلوةٍ / مِن رَيبِ دهرك ذا وَمِن تَنكيدِهِ
ما أَسفر الأَصباح واعتكر الدُجى / وَشَجى حَمامُ الأيكِ في تَغريدِهِ
طرقت خَيالاً بَعد طول صدودها
طرقت خَيالاً بَعد طول صدودها / وفرت إِلَيكَ السِجنَ لَيلَةَ عيدِها
أَنّى اهتَدَت لا التيه منشؤها وَلا / سفح المُقَطَّمِ مِن مَجرِّ بُرودِها
في لَيلَة لَيلاء أَلزم فضلها / بيض اللَيالي أَن تدين لِسودِها
حَقُ اللَيالي البيض قسم سوادِها / خالاً وَخالاً زينة لُخدودِها
أَسرَت إِلَيهِ مِن وَراءِ تِهامَةٍ / وَجَفاهُ داني الدار غَير بَعيدِها
فأَتَته ما ارتاحَت لِحُسنِ ظِبائِها / وَهناً ولا ارتاعَت لِزأر أُسودِها
مُستَوطِناً دار البنود وَقلبه / للرعب يَخفِق مِثلَ خَفق بنودِها
دار تحطُّ بِها المنون شِباكِها / فَتَروح وَالمهجات جل صيودِها
فَتَعَثَّرَت بِعُرى الأَداهِمِ فالتَقى / جرسان جرس حَليِّها وَحَديدِها
قيد وَسلسلة وَأَدهَم مصمت / محن الكرام عَظيمَةُ كقصودِها
وَقِلادَةٌ في جيدِهِ إِن حُرِّكَت / تَهتَزُّ مِنها الأَرضَ في تَمييدِها
وَتأوَّهَت عَن زَفرة لَو صادَفَت / حَجَراً جَرى ماء لِفَرطِ وقودِها
وَأَصاب دُرُّ الدَمعِ لؤلؤ ثَغرِها / ثُمَّ استَفاضَ فَبَلَّ دُرَّ عُقودِها
فَعَفَفتُ ثَمَّ وَلَو هَمَمت بِضَمِّها / منعت مِن استقصائِهِ بنهودِها
ما ضَجَّ مِن تلف الحَياة ضَجيعها / لَكِن الاح وَضَجَّ مِن تَنكيدِها
بَثَّ الفَضائِل خلفه وَأَمامه / فَفَناء مُهجَتِهِ كَمِثلِ خُلودِها
كالشَمسِ تُوَدِع في الكَواكِب نورها / فَتَنوب للسارين عَن مَفقودِها
مَحنٌ قَد احتَشَدَت وَقَلبٌ واثِقٌ / باللَهِ وَالزَيديُّ في تَبديدِها
بِفُؤاد أُسرَتِها ودرَّة تاجِها / وَسواد ناظِرها وَبيت قَصيدها
بِأَغَرَّ يَحسِدُهُ أَفاضِل عَصرِهِ / قدر الفَضيلة مِثلَ قدر حُسودِها
حاشا من اعتَمَدت عَليهِ دولَة / مِن أَن يَضيقَ بِفَكِّ بَعضِ عَبيدِها
واللَهُ أَكرَم حينَ أَنزَلَ حاجَتي / بمسودِ الكُرَماءِ دونَ مسودِها
وَلَرُبَّ مصطنع يَداً تقليده / صدر الحُسامِ أَخف مِن تَقليدِها
وَأَراهُ لا يَرضى بِفعلِ صَنيعَةٍ / حَتّى يُتابِعها كَفاء حُدودِها
صِلَةُ اللَهيفِ هيَ الصَلاةُ بِعَينِها / وَتَمامِها بِركوعها وَسُجودِها
واللَهِ لَو ضمن الرُقادِ حَميته / عيني فَما اكتحلت بطيب هجودها
ونظمت أَجفاني العلى لجبنها / نظماً وأَسفلها إِذاً بِخدودِها
وَصفدت نَفسي بِالوَفاء وَضيقِهِ / إِنَّ الوَفاء لمن أَشَدِّ قيودِها
وَلَقيتُ نِعمَتِهِ بِأَحسَن خُلَةٍ / تَلقى بِها النعماء عِند ورودِها
حزت العَلاءَ إِفادَة وَولادة / فأعنت طارِفَ رتبة بتليدِها
إِنَّ المآثِرَ كالخِضابِ نصولها / عَجِلٌ إِذا لَم تَسعَ في تَجديدِها
نَفس الشَريف كَحُلَّةِ موشية / فَإِذا تَناهَت طُرِّزَت بِجدودِها
وَإِذا اعتَبَرَت فروعه بأصولِهِ / أَيقَنَت أَنَّ دُخانِهِ مِن عودِها
وَمَحاسِن الأَشياء في تَركيبها / طوق الحَمامَةِ خِلقَةٌ في جيدِها
وَفَضائِل الإِنسان تَتبَع أَصلِهِ / قطع الصَوارِمِ تابع لحديدِها
أَدنى بَنيها مِن ولادة خامِلٍ / لا ينسل الأَشبال غَير أُسودِها
تَفديكَ طائِفة إِذا ما فوخرت / فَزَعَت إِلى أَجداثِها وَلحودِها
لَغو كَحَرف زيدَ لا مَعنى لَهُ / أَو واوُ عَمروٍ فقدها كَوجودِها
وَأعدت ما أَبدَت جدودك مِن عُلىً / سُبحانَ مُبديها بِكُم وَمعيدها
يا ابن الأثمة مِن قُرَيش دعوة / نظمت دَعاويها بِسِلكِ شُهودِها
دَلَّت عَلَيكَ فأجزأت عَن غَيرِها / يغني اشتَهار الحال عَن تَحديدها
إِن كانَ أَولاد الوَصيِّ كَواكِباً / فاعلَم بِأَنَّكَ أَنتَ سَعدَ سعودِها
نَقَلوا فَضائلهم إِلَيكَ كَأَنَّها / زُر جونَةٍ نُقِلَت إِلى عَنقودِها
أَتَضيع نَفساً أَنتَ مِن تامورها / وَصَميمِها كالجُزءِ مِن تَوحيدِها
جعلتك واسطةً إِلى مَنجاتِها / وَأَباكَ واسطةً إِلى معبودِها
لا أَنحل الأَيام نَحلاً بَعدَ ذا / حَسبي بِأَنَّكَ نَفحة مِن جودِها
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري / ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً / حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها / صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها / مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما / تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ / وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت / مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما / أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا / إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن / هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
لَيسَ الزَمانَ وَإِن حرصت مُسالِماً / خُلُق الزَمانِ عَداوَة الأَحرارِ
إِنّي وُتِرتُ بِصارِمٍ ذي رَونَقٍ / أَعدَدتَهُ لِطِلابَةِ الأَوتارِ
أَثني عَلَيهِ بِأثرِهِ وَلَو أَنَّهُ / لَم يَغتَبِط أَثنَيتُ بِالآثارِ
لَو كنت تُمنَعُ خاض نحوكَ فَتية / مِنّا بحار عَوامِل وَشفارِ
وَدَحوا فُوَيقَ الأَرض أَرضاً مِن دَمٍ / ثُمَّ اِنثَنوا فَبَنوا سَماءَ غبارِ
قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُروعَ حَسِبتَها / سُحُباً مزرَّرَة عَلى الأَقمارِ
وَتَرى سيوفَ الدارِعينَ كَأَنَّها / خَلج تَمُدُّ بِها أَكُفَّ بِحارِ
لَو أَشرَعوا أَيمانِهِم مِن طولِها / طَعَنوا بِها عوض القَنا الخَطَّارِ
شَوسٌ إِذا عدموا الوَغى انتَجَعوا لَها / في كُلِّ أَوبٍ نَجعَة الأَمطّارِ
جنبوا الجِيادَ إِلى المُطيِّ وَراوجوا / بَينَ السُروجِ هُناكَ وَالأَكوارِ
فَكَأَنَّما مَلأوا عِياب دروعهم / وَغمود أَنصلهم سَراب قِفارِ
وَكَأَنَّما صَنع السَوابِغ عَزَّهُ / ماء الحَديد فَصاعَ ماءَ قِرارِ
زَرَداً فَأحكم كل موصل حَلقَةٍ / بِجُبابَة في مَوضع المُسمارِ
فَتَدَرَّعوا بمتون ماء جامِدٍ / وَتَقنَّعوا بِحَباب ماء جاري
أسد ولكن يؤثرونَ بِزادِهِم / وَالأسد لَيسَ تدين بالإِيثارِ
يَتَزَّيَنُ النادي بِحُسنِ وُجوهِهِم / كَتَزَيُّنِ الهالاتِ بالأَقمارِ
يَتَعَطَّفونَ عَلى المَجاوِر فيهِم / بالمنفسات تعطُّف الآظارِ
مِن كل مَن جَعلَ الظُبى أَنصارَهُ / وَكرُمنَ فاِستَغنى عَنِ الأَنصارِ
وَاللَيثُ إِن بارَزتُهُ لَم يَعتَمِد / إِلّا عَلى الأَنيابِ وَالأَظفارِ
وَإِذا هوَ اعتَقَلَ القَناة حَسِبتُها / صِلاً تأبَّطُهُ هزبَرٌ ضاري
زَرَدُ الدِلاصِ مِنَ الطِعانِ بِرُمحِهِ / مِثلَ الأَساوِر في يد الإِسوارِ
وَيَجُرُّ حينَ يُجَرُّ صَعدَةَ رُمحِهِ / في الجَحفَلِ المُتَضائِق الجِرارِ
ما بَينَ ثَوبٍ بِالدماءِ مُلَبَّدٍ / زَلقٍ وَتَقَع بِالطِرادِ مثارِ
وَالهَون في ظِلِّ الهوَينا كامِنٌ / وَجَلالَة الأَخطارِ في الإِخطارِ
تندى أسرة وَجهِهِ وَيَمينَهُ / في حالَةِ الإِعسارِ والإِيسارِ
وَيَمُدُّ نَحوَ المَكرُماتِ أَنامِلاً / لِلرِزقِ في أَثنائِهِنَّ مَجاري
يَحوي المَعالي كاسِباً أَو غالِباً / أَبداً يُدارى دونَها وَيُداري
قَد لاحَ في لَيلِ الشَبابِ كَواكِبٌ / إِن أَمهلت آلَت إِلى الإِسفارِ
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ / وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
وَهلال أَيّامٍ مَضى لَم يَستَدِر / بَدراً وَلَم يمهل لِوَقت سِرارِ
عَجِلَ الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِهِ / فَمَحاهُ قَبلَ مَظَنَّة الإِبدارِ
واستَلَّ مِن أَترابِهِ وَلِداتِهِ / كَالمُقلَةِ استَلَت مِنَ الأَشفارِ
فَكَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
إِن يُحتقر صِغَراً فَرُبٌ مُفَخَّمٍ / يَبدو ضَئيل الشَخصِ لِلنُّظّارِ
إِنَّ الكَواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها / لَتُرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ
ولدُ المُعَزّى بَعضه فَإِذا مَضى / بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ
أَبكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِراً لَهُ / وُفِّقتَ حينَ تَرَكتَ آلامَ دارِ
جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ / شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري
أَشكو بُعادك لي وَأَنت بَمَوضِعٍ / لولا الرَدى لَسَمِعتَ فيهِ سَراري
وَالشَرق نَحوَ الغَربِ أَقرَبُ شُقة / مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسَةِ الأَشبارِ
هَيهات قَد علقتك أَشراك الرَدى / واعتاقَ عُمرَكَ عائِق الأَعمارِ
وَلَقَد جَرَيتَ كَما جريتُ لِغايَةٍ / فبلغتها وَأَبوكَ في المِضمارِ
فَإِذا نَطَقتُ فَأَنت أَوَل مَنطِقي / وَإِذا سكت فَأَنتَ في إِضماري
أَخفي مِنَ البُرَحاء ناراً مِثلَما / يَخفى مِنَ النارِ الزِنادَ الواري
وَأُخَفِّضُ الزَفرات وَهيَ صَواعِدٌ / وَأُكَفكِفُ العَبرات وَهيَ جَواري
وَشِهابُ زَندِ الحُزنِ إِن طاوَعتُهُ / وَآرٍ وَإِن عاصَيتَهُ مُتَواري
وَأَكُفُّ نيران الأَسى وَلَرُبَّما / غلب التَصَبُّر فارتَمَت بِشَرارِ
ثَوب الرِياء يَشِفُّ عَن ما تَحتَهُ / فَإِذا التحفت بِهِ فَإِنَّكَ عاري
قَصُرت جُفوني أَم تَباعَد بَينَها / أَم صُوِّرت عَيني بِلا أَشفارِ
جَفَت الكَرى حَتّى كَأَنَّ غراره / عِندَ اِغتِماضِ العَينَ حد غِرارِ
وَلَو اِستَزارَت رقدة لَدَجابِها / ما بَينَ أَجفاني إِلى التَيّارِ
أُحَيي لَيالي التَمِّ وَهيَ تُميتُني / وَيُميتُهُنَّ تبلج الأَنوارِ
حَتّى رَأَيتُ الصُبحَ يَرفَعُ كفه / بِالضوءِ رَفرَف خيمَة كالقارِ
وَالصُبحُ قَد غمر النُجوم كَأَنَّهُ / سيل طَغى فَطمى عَلى النَوارِ
وَتلهُّب الأَحشاء شَيَّب مفرقي / هَذا الضِياء شَواظ تِلكَ النارِ
شابَ القذال وَكُلُّ غُصنٍ صائِرٍ / فينانه الأَحوى إِلى الإِزهارِ
وَالشِبه مُنجَذِبٌ فَلِم بَيضُ الدُمى / عَن بَيضِ مفرقه ذَوات نِفارِ
وَتَوَدُّ لَو جعلت سواد قُلوبِها / وَسواد أَعيُنها خِضاب عِذاري
لا تَنفِر الظَبَياتُ عَنه فَقَد رأت / كَيفَ اختِلاف النَبت في الأَطوارِ
شَيئانِ يَنقَشِعانِ أَوَّل وَهلَةٍ / ظِلُّ الشَبابِ وَخِلَّةُ الأَشرارِ
لا حَبَّذا الشيب الوَفيُّ وَحَبَّذا / شَرخ الشَبابِ الخائِنِ الغَدّارِ
وَطري مِنَ الدُنيا الشَباب وَروقه / فَإِذا اِنقَضى فَقَد انقَضَت أَوطاري
قصرت مَسافَته وَما حَسَناتُهُ / عِندي وَلا آلاؤُهُ بِقِصارِ
نَزدادُ هَمّاً كُلَمّا اِزدَدنا غِنَىً / وَالفَقرُ كُلَّ الفَقرِ في الإِكثارِ
ما زادَ فَوق الزادِ خُلِّف ضائِعاً / في حادِثٍ أَو وارِث أَو عاري
إِنّي لأَرحَم حاسِديَّ لِحَرِ ما / ضَمَّت صُدورُهُم مِنَ الأَوغارِ
نَظَروا صَنيعَ اللَهِ بي فَعُيونُهُم / في جَنَّةٍ وَقُلوبهم في نارِ
لا ذَنبَ لي كَم رمت كتم فَضائِلي / فَكَأَنَّما برقعت وَجه نَهاري
وَسترتها بِتَواضعي فَتطلَّعت / أَعناقها تَعلو عَلى الأَستارِ
وَمِنَ الرِجال مَعالِم وَمَجاهِل / وَمِنَ النُجومِ غَوامِض وَداري
وَالناسُ مُشتَبِهونَ في إِيرادِهِم / وَتَباين الأَقوامِ في الإِصدارِ
عَمري لَقَد أَوطأتُهُم طُرق العُلى / فَعَموا وَلَم يَقَعوا عَلى آثاري
لَو أَبصَروا بِقُلوبِهِم لاستَبصَروا / وَعمى البَصائِرِ مَن عَمى الأَبصارِ
هَلّا سَعوا سَعيَ الكِرامِ فَأَدرَكوا / أَو سَلَّموا لِمَواقِعِ الأَقدارِ
ذهب التَكرم وَالوَفاء مِنَ الوَرى / وَتصرَّما إِلّا مِنَ الأَشعارِ
وَفَشَت خِيانات الثِقاتِ وَغيرهم / حَتّى أتَّهمنا رُؤية الأَبصارِ
وَلَرُبَّما اعتَضد الحَليم بِجاهِلٍ / لا خَير في يُمني بِغَيرِ يَسارِ
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها / صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرارِ
هَل كنت إِلّا زَبرَةً فَطَبَعنَني / سَيفاً وَأطلق صرفهن غراري
زَمن كأمِّ الكلب تر أُم جروها / وَتصد عَن ولد الهزبر الضاري
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ / فلذا اللَيالي وصلهنَّ قِصارُ
يا صاحِ أَبصر في السَرابِ ضَعائِنا / كالدُرِّ يَطفو فَوقَهُ التَيّارُ
تَقِف العُيون إِذا وَقفن وَأَينَما / دارَت بِهِنَّ العيس فَهيَ تُدارُ
أَرَأَيتَ مِن عنّفت فيهِ فَقالَ لي / أَما الوجوهُ فَإِنَّها أَقمارُ
فاسفح بِنَجدٍ ماء عينك إِنَّما / لِلعامِرِيَّة كل نَجدٍ دارُ
وَلَها بِهِ مِن كل ماء مَشرَبٍ / وَبِكُلِّ مَسقَطِ مزنةٍ آثارُ
قَومٌ إِذا ما المُزن طَنَّب طَنَّبوا / أَو سارَ نَحوَ دِيار قَومٍ ساروا
فتوقَّ أَعين عامِر وَسُيوفها / كُلٌّ وَجدّك صارِم بَتّارُ
إِيّاك إِيّاكَ العُيون فَإِنَّها / قَضُبٌ وَأَشفار الجُفونِ شفارُ
لَم أَدرِ إِذ وَدَّعنَني أَمُقبِّل / لِحَلاوَة في الريق أَم مُشتارُ
أَلبَسنَني سِربال ضَمٍّ ما لَهُ / إِلّا رُؤوسَ نُهودِها إِزرارُ
أَجني الرِضابُ مِنَ الغُصونِ وَحَبَّذا / تِلكَ الغُصونُ وَحَبَّذا الأَثمارُ
في رَوضَةٍ جمَعَت لمرتاد الصَبا / مَرأىً يُحِلُّ لِمِثلِهِ وَيُسارُ
بوجوهن ووشيهن وَنَورِها / إِنَّ الثَلاثة عِندَك النَوارُ
إِن أَظلمت قطع الرِياض أَضالَها / نُوّارِها فَكَأَنَّها الأَنوارُ
وَتَمازَجَت حَتّى كَأَنَّ قطينها / مِمّا تَضَمَّنَ نَبت أَرضٍ قارُ
مِن كُلِّ بَدرٍ يَستَسِرُّ زَمانه / وَلِكُلِّ بَدرٍ مَطلَعٌ وَسِرارُ
لا يُرتَجى درك لِثاري عِندَهُ / جَرح الحَداثَة وَالمهاة جَبارُ
في طَرفِها يَقضي غرار من كَرىً / وَلِكُلِّ ماضي الشَفرَتَين غرارُ
أَرَأَيتَ طَرفِكَ ناشِب أَم سائِف / أَم نافِث لِلسِحرِ أَم خَمّارُ
قَد كُنتَ أَعذَل في الهَوى قِدَماً وَقَد / يُرمى الطَبيبُ بِغَيرِ ما يُختارُ
خُضتُ الأُمورَ وَعمتُ في غَمراتِها / وَمِنَ الأُمورِ مَخائِض وَغمارُ
فَرَأَيت دَهري قَد يُضيء وَلَيسَ مِن / شأن الزَمان الضوء وَالأَسفارُ
ما عذره أَلّا يُضيءَ وَفضله / عُقدٌ عَلى جيد الزَمانِ مُدارُ
وَصَحوتُ مِن سكر الصِبا وَلَرُبَّما / يَعتادَني في الحين مِنهُ خُمارُ
وَحصرتُ نَفسي بالعفاف عَن الَّتي / تصم الكَريم وَفي العفاف حِصارُ
فَظفرت مِن كف المُظَفَّرِ بِالمُنى / إِذ ساعدت بِلِقائِهِ الأَقدارُ
ملك له مِنَنٌ تَمَلَّكَني بِها / وَبِمِثلِها يُتَمَلَّكُ الأَحرارُ
أَضحى مقراً لِلضيوفِ وَمالُهُ / ضَيف فَلَيسَ لَهُ لديهِ قَرارُ
ينبيك عَنه وَلَو تَنَكَّرَ بشره / إِنَّ البَشاشَةَ لِلكَريمِ شِعارُ
في قَلبِهِ عَن كُلِّ سوءٍ زاجِرٌ / وَبِفِعلِ كُلِّ فَضيلة أَضرارُ
مَغرىً بإحياء النَدى فيميته / إِنَّ الأَمانَةَ لِلنَّدى إِنشارُ
صَلى اللَهُ فَإِنَّه / مَن رأيه تَتَبَيَّنُ الأَسرارُ
ما اختارَهُ المَولى عَلى نُضرائِهِ / حَتّى اِرتَضاهُ الواحِدُ القَهَّارُ
جمع الإِلَه لَهُ العُلى وَبِهِ كَما / جُمِعَت بِطرفِ الرَقدِةِ الأَشفارُ
فالوَجهُ بَدرٌ وَالعَزيمَةُ صارِمٌ / وَالكَفُّ بر وَالبَنانُ بِحارُ
يعدي اللَئيمَ بِجودِهِ فَلَو أَنَّهُ / حَجَرٌ جَرَت في عَرضِهِ الأَنهارُ
كتم النَوال وَقَد أَتاهُ تَظَرُّفاً / فَكَأَنَّ إِظهار النَوال العارُ
ما طَرَّزَ القرطاس إِلّا أَقلامه / أَيدي العدى مهجاً عَلَيهِ تُمارُ
وَتَمُجُّ في قرطاسه أَقلامه / ظُلَماً مَواقِع نَفعِها أَنوارُ
فَصَريرها في سَمعِنا مِن حُسنِهِ / نَغَمٌ وَفي سِمعِ الأَعادي نارُ
تَقِصُ اللُيوث الغلب وَهي ضَعائِف / وَتَطول سُمر الخُطِّ وَهيَ قِصارُ
يَفري الكَليل مِنَ السُيوفِ بِكَفِّهِ / وَيَكِلُّ في يَد غَيرِهِ البَتّار
إِنَّ المَخالِب في يَدي لَيث الوَغى / قَضبٌ وَفي يَد غَيرِهِ أَظفارُ
يَرضي الكَتيبة وَالكِتابَة سَعيه / وَعناؤُهُ وَالنَقض وَالأَمرارُ
ما كُلُّ مَن حَمِدَتهُ كابنِ ع / ليٍّ الأَقلامُ يَحمَدُهُ القَنا الخَطّارُ
هَلّا سَألت بَني كِلابٍ بأسَهُ / وَالنَقع بَينَ الجَحفَلَين مُثارُ
وَالبَيضُ تَطفو في الدِماءِ كَأَنَّها / حَبَبٌ وَمَسفوحِ الدِماء عِقارُ
أَرضَينَ ثُمَّ تَرائِب وَحَواسِر / وَسماوَتَين جَوارِحُ وَعثارُ
رَحِمَ الإِمامُ بك المَدينة رَحمَةً / رويت بِها الآمال وَهيَ حِرارُ
في جَحفَلٍ وَقع المَذاكي فوقه / ظُلماُ يثير ظَلامها المِقدارُ
نَكَحَت سنابكها الحَصى فَتَوَلَّدَت / بَينَ الحِجارَةِ وَالنِعال النارُ
فأباهُما ولدٌ يُنافي أَصله / وَأَباهُ أَحمَرُ يَعتَليهِ صَفارُ
تَعدو رِماحك خالِقاتٍ في العِدى / حَدقاً وَفي أَجفانِها أَشفارُ
تَهدي الأَسِنَّة كُلُّ رمحٍ طائِشٍ / لِنحورهم فَكأَنَّها أَبصارُ
وَلَهُ عَلى الأَقدامِ إِقدام وَقَد / رفع القَنا وَعَلا الغُبار غُبارُ
تَجلو بِحَبّاتِ القلوبِ كَأَنَّها / بَينَ القُلوبِ وَبَينَهُنَّ سرارُ
وَمغلغلات في سويداواتها / مِن حيث لا تَتَغلغل الأَفكارُ
وَكأَنَّ رمحك إِذ تَغَلغَل فيهم / سلك ينظمهم وَهم تقصارُ
زَرَعوا وَقَد حَصَدوا فأن يَتَعَرَّضوا / أُخرى فهذي المهر وَالمُضمارُ
كَرّوا فَلَم يَنفعهم إِقدامهم / وَمَضوا فَلَم ينفعهم الإِدبارُ
وَقفلت عَنهُم غانِماً وَقلوبهم / فيها لخوفك عَسكَرٌ جرارُ
رَأَت الضَحاضِح مِنكَ صَدراً مِثلها / سعة ضياء الجَوِّ مِنهُ مَنارُ
يا ذا الَّذي لِمَسيره وَمَقامِهِ / تَتَحاسَد البَيداء وَالأَمصارُ
لِدِمَشق نَحوَكَ صبوة وَصباوة / مُذ صَرَّحَت بِقُدومِكَ الأَخبارُ
لَولا وَقارُ في دِمَشق وَأَهلها / طارَت لإِفراطِ السُرورِ وَطاروا
وَنبت مِنها المَرجُ حَتّى خِلتَه / خَداً أَسيلاً أَنتَ فيهِ عذارُ
إِنّي دَعوتك وَالخُطوب محيطة / بي مِثلَما ضَمَّ الذِراعُ سِوارُ
قَد حار شعري في علاك لأَنَّها / شَمسٌ وطرف المرء ثَمَّ يُحارُ
فافرج أَبا الفرج الخُطوبِ فَقَد غَدَت / وَصروفها سورٌ عَليَّ تُدارُ
يَخفي الزَمان فَضائِلي فَكَأَنَّني / وَكَأَنَّها في قَلبِهِ إَضمارُ
أَثقَلَت سَمعي عَن مَقالَة أَهلِهِ / وَالوَقرُ في بَعضِ الأُمورِ وَقارُ
لَم أَخَف إِلّا للعلو وَإِنَّما / تخطي السُهى لِعُلوِّهِ الأَبصارُ
نَفديكَ مِن غَيرِ الزَمانِ وَلَم تَزَل / لفداء مِثلَكَ تَذخر الأَعمارُ
فيهِنَّ ما خولن مِن كَرَمٍ وَعِش / يا ماجِداً زينت بِهِ الأَمصارُ
في رِفعَةٍ ما لاحَ صُبحٌ طالِع / وَتجاوَبَت في أَيكها الأَطيارُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ / وَلِمِثلِ فرقتها المَدامِعُ تُذخَرُ
رَحلت ضُحىً وَلِكُلِّ قَلبٍ حَيرةً / في حُسنِها وَلِكُلِّ عَينٍ مَنظَرُ
عَبِثَ النَعيمُ ها فصوَّرَ جِسمها / خَلقاً جَديداً وَالنَعيم يُصَوِّرُ
بَكُرَت طَلائِع لِلمَشيب بِلمَّتي / إِنَّ المَشيب إِساءَةٌ لا تُغفَرُ
وَيقال إِنَّ الشَيءَ يَأَلَفُ شَكلهُ / وَالبيضُ عَن بيضِ المَفارِقِ تَنفُرُ
لا تلحُها فَلكُلِّ يَومٍ مَوضِع / وَالعُرفُ في بَعض المَواضِعِ يُنكرُ
وَالشَيبُ صُبحٌ وَالسَواد دِجِنَّةٌ / وَاللَيلُ أَصلَحُ لِلوصالِ وَأستَرُ
كُنّا نضيفُ إِلى الغُرابِ فراقنا / فَإِذا المَشيبُ هوَ الغُرابُ الأَزهَرُ
كَيفَ السَبيل إِلى لِقائِكِ في الدُجى / وَاللَيلُ حَيثُ حَلَلتِ مِنهُ مُقمِرُ
يَتَحَيَّفُ القَمَرُ المُحاقَ تَحَيُّفاً / وَهلال خَدِّكِ كُلَّ يَومٍ مُبدرُ
بَدرٌ يُغادِر رَبعَهُ مِن طيبه / يَهدي ثَراه كَما يُهادي العَنبَرُ
وَتَحُلّ بِالبَيداءِ حِصناً سوره / زُرق الأَسِنَّةِ وَالعَجاجُ الأَكدَرُ
يَعتاد في أَلحاظِنا لِودادِهِ / فَكَأَنَّها جُندٌ لَديه وَعسكَرُ
تعصي قُلوب ذَوي الهَوى أَربابُها / فيهِ فَكُلٌّ في هَواهُ مُسَخَّرُ
وَكَأَنَّهُ مِن يُمن حيدرة استَعارَ / النَصرَ فَهوَ عَلى القُلوبِ مُظَفَّرُ
أَو من جَلالتِهِ استَعارَ جَماله / فَعُيوننا عَنه تَكِلُّ وَتَحسَرُ
ملكٌ لَهُ في كُلِّ أَرضٍ نِعمَةً / وَبِكُلِّ مُعتَرِكٍ ثَناء يُؤثَرُ
وَلِسَيفِهِ في كُلِّ هامٍ مَورِدٌ / وَلِرُمحِهِ في كُلِّ صَدرٍ مَصدَرُ
مُتَقَلِّدٌ مِن رَأيِهِ وَحُسامِهِ / سَيفَينِ ذا يَخفى وَذَلِكَ يَظهَرُ
صيغَت لِحَيدرَةَ بن يَملول يَدٌ / مِنها المَنايا وَالمُنى يَتَحَدَّرُ
وَجَبينه بَدر وَساحَة صَدرِهِ / بَرٌ وَأَنمُلُ راحَتَيهِ أَبحُرُ
يَجلو إِذا عَبِسَ اللَئيمُ لِوَفده / وَجهاً لماء البِشرِ فيهِ مخبَرُ
طَلقٌ كَصَفحِ السَيفِ إِلّا أَنَّهُ / في جانِبَيهِ مِن البَشاشَةِ جَوهَرُ
وَتَرى عِداهُ إِذا رَأَوهُ وَحدَهُ / جَيشاً لَهُ ظهرَ الحِصان مُعَسكَرُ
كَم رَدَّ دونَ الدارِعينَ بِنَفسِهِ / جَيشاً يَضيقُ بِهِ الفَضاء الأَقوَرُ
لِلنَّقعِ فيهِ وَلِلجوارِحِ فَوقَهُ / سِترانِ أَدكَن ذا وَذاكَ مُحَبَّرُ
تَعرى الوِهاد وَتَكتَسي مِن جُندِهِ / طُرُزاً وَتنتَقِبُ الجِبال وَتُسفِرُ
قَسَمَ الفَلا شِطرَينِ تَحتَ مَسيره / شَطراً يَسيرُ بِهِ وَشَطراً يَنصُرُ
إِن شئتَ أَنصار الحِمامِ فَناده / وَالخَيلُ تعثر بِالقَنا يا حَيدَرُ
وَكأنَّ صدرَ قَناتِهِ يَوم الوَغى / سِلكٌ وَأَبطال الفَوارِسِ جَوهَرُ
مُتَيَقِّظٌ في كُلِّ جارِحَةٍ لَهُ / مَخصوصة قَلب وَعين تَنظُرُ
لِلجودِ ما تَحوي يَداهُ وَما حَوى / وَالمَجدُ ما يُخفي الحَياء وَيُظهِرُ
أَمّا الإِمام فَإِنَّهُ لَكَ شاكِرٌ / وَاللَهُ أَرضى مِنهُ عَنكَ وَأَشكَرُ
آليت أستَسقي الغَمائِم بَعدَها / وَيَمين حَيدرة الغِمامِ الأَكبَرُ
أَولَيتَني مِن غَيرِ مَعرِفَةٍ جَرَت / نِعَماً فَجِئتَكَ بِالمَدائِحِ أَشكُرُ
وَغَرستَ عِندي نعمة لَكَ أَثمَرَت / وَمن الفِعالِ مُقَدَّم وَمؤَخَّرُ
فَدِمَشقٌ قَد نارَت بِحُسنِ رِياضِها / إِذ كُنت فيها أَنتَ سَعدٌ نَيِّرُ
فَظلامُها فَجرٌ وَحُسن ضِيائِها / دُرٌّ وَتربَتُها عَبيرٌ أَذفَرُ
أَنتَ الرَبيعُ وَكَيفَ تَحيا بَلدَةٌ / حَتّى يُجاوِرُها الرَبيع المُمطِرُ
أَكثرت جودك ثُمَّ قلت وَنَفسُ مَن / يهب النَفيس مِنَ العَطايا أَكثَرُ
يا صاحِ لَيسَ بِمُنكَرٍ أَن يُجتَنى / مِن مِثلِ هذا البَحرُ هَذا الجَوهَرُ
بِالنُصحِ قَدَّمك الإِمام عَلى الوَرى / ومن الفِعال مُقدَّمٌ لا يُنكَرُ
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً / بِسُعودِهِ بَينَ الشُهور
وَبِيَمنِهِ وَأَمانِهِ / وَالعَدل وَالخَير الكَثير
وَبِرُشدِهِ وَسَدادِهِ / وَالنَجح في كُلِّ الأُمور
وَبطيب عَيش قَد صَفا / كالماءِ هادٍ في الغَدير
وَبِكُلِّ مَنزِلَةٍ تُجَمِّلُ / كل منتقِدٍ بَصير
لِفَتى الفُتوَّة وَالمُروَّةِ / ذي المحلِّ أَبي السُرور
لِلسَّمحِ نجلُ مُحَمَّدٍ / ذي الفَخرِ وَالقَدرِ الكَبير
حَسَنٌ ومن إِحسانِهِ / لِلحامِدِ المثني الشَكور
فنواله فيهِ شفاء / لِلقُلوبِ وَلِلصُّدور
من لَم تَزَل أَنواره / تَعلو وَتَقهر كل نور
من قَد سَما بأبٍ لَه / قَد كان مَعدومُ النَظير
مَن كُلِّ من جارَ الزَمانُ / وزرتَه أَضحى بِخَير
فَعَليه عادَ بِغبطَةٍ / ما في المُغَيَّبِ وَالحضور
وَعلى بَني حسن فَهم / زَينُ المَدائِنِ وَالثُغور
وُهُمُ جَمال حيث حَلّوا / لِلصَّغير وَلِلكَبير
وَإِذا غدوا في مَجلسٍ / لمطاع أَمر أَو أَمير
فَهُمُ كأَمثالِ الشُموسِ / المشرقات وَكالبُدور
يا أَيُّها المعطي العَطايا / لِلعُقاة بِلا مُشير
يا من نَسيمُ فِعالِهِ / كَنَسيم مِسكِ أَو عَبير
يا من غَدا كِنزُ المُقِلِّ / بأَرضِنا وَغِنى الفَقير
انصر شَكوراً ذاكِراً / لَكَ بِالجَميلِ بِلا فُتور
فَلَقَد غَدا في عِلَّةٍ / صَدَّتهُ عَن حالِ المَسير
نَزَلَت بِهِ في بَيتِهِ / مِن طُولِها مِثلُ البَعير
لا يَستَريح إِلى حَديثِ / البيضِ في اليَومِ المَطير
فالجِسمُ مِنهُ مُنحَفٌ / وَالحالُ زائِدَةٌ القصور
فانعِم عَلى رَبِّ اعتِرافٍ / غير ذي مكرٍ كَفور
إِمّا بِعَينٍ أَو لُجَينٍ / أَو بِقَمحٍ أَو شَعير
لا زالَ نَجمُكَ طالِعاً / بالسَعدِ كالقَمَرِ المُنير
في حالِ إِقبالٍ يُقابِلُ / في الرَواحِ وَفي البُكور
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر / قَصُرَ المَنامُ وَليله لَم يقصُرِ
وَمِنَ الصَبابَةِ أَنَّ هاَيكَ الدُمى / أَدمَت محاجِرُهُ لسفح محجَرِ
أَعرضن عَن مُتَعَرِّضٍ وَمَلَلن / عَن متململٍ وَضحِكنَ من مُستعبرِ
يَحيا حَياة تذكُّرٍ فَإِذا أَتَت / عُلَقُ الصَبابَةِ ماتَ موت تذكُّرِ
شَوقٌ نأى جَلَدي بِهِ وَتَجَلُّدي / وَهَوىً هَوى صَبري له وَتَصَبُّري
كادَت تُجِد الوَجدَ لَولا فتية / من مُنذِرٍ أَو عُصبَةٍ من مُبصِرِ
مقسومة بِالحُسنِ بينَ مُخَفَّفٍ / وَمُثَقَّلٍ وَمؤَنَّثٍ وَمُذَكَّرِ
تُعطيكَ بِالأَلفاظِ غلظةَ ضَيغَمِ / وَتُريكَ بِالأَلحاظِ رِقَّةِ جؤذَرِ
يا جائِراً وَالدَهر أُجورُ حاكِم / وَالحادِثاتُ بِمُنجدٍ أَو مُغوِرِ
ما ضافَ بي هَمٌّ بِهِ فقربته / إِلّا مدالجة المطيِّ الضُمَّرِ
وَالصُبحُ قَد أَخذت أَنامِل كَفِّهِ / في كُلِّ جَيبٍ لِلظَّلامِ مُزَرَّرِ
فَكأَنَّما في الغَربِ راكِبُ أَدهَمٍ / يحتثُّه في الشَرقِ راكِب أَشقَرِ
يَسري لأبعدَ سؤددٍ مِن مشيه / وَيَروم أَقربَ موردٍ مِن مَصدَرِ
لعزيزِ دولَة آل أَحمدَ في الوَغى / وَالسِلمِ بدر سَريرها وَالمَنبرِ
شَرَفٌ يُريكَ مهلهلاً في تغلب / يَوم الكُلاب وتبَّعاً في حِميَرِ
كَم لِلعُفاةِ إِلَيهِ من سَبّابَةٍ / تومي وَكَم يَثنى لَه من خِنصَرِ
وَكَأَنَّما يَرمي العِدى مِن بأسِهِ / بأسوَدَ خَفّان وَجِنَّة عَبقَرِ
في حيث يَنفذ عامِلاً في جَوشَنٍ / طعناً وَيبذل صارِماً في مِغفَرِ
مُحمَرَّ أَطراف السُيوفِ كَأَنَّما / يُطبِعنَ من ورد الخُدودِ الأَحمَرِ
أَنسَيتَني ذُلّي بِعزِّ صَنائِع / علَّمتَنيهِ خبرة المُتَخَبِّرِ
فَعلامَ أَطلب من سواك مزيدة / وقد استثرنا مِنكَ مَعدِنَ جَوهَرِ
بيَمينك الطُولى عليَّ وَطَولِها / قَصَّرتُ عَن تَعريض كل مُقصِرِ
فاسلم فَكَم قرَّبت من مُتَباعِدٍ / صعب وَكَم يَسَّرتَ مِن مُتَعَسِّرِ
وَكَما تَقَدَّمتَ الأَنام فَضائِلاً / فَإِذا هُمُ وردوا الرَدى فَتأَخَّرِ
بكرت عواذله تُعاتِبه
بكرت عواذله تُعاتِبه / وجلون دون مَواقِعِ الغَدرِ
وَتَصرَّمت أَيام لَذَّتِهِ / فَمَضَينَ عَنهُ بِجِدَّةِ العُمرِ
وَخَلَت مَنازِلُ من أَحِبَّتِهِ / قَذَفت بِهِم عنها يَدُ الدَهرِ
نَذَر الزَمانُ عَلى تفرُّقِنا / نَذراً فأبى يُصادِقُ النَذرِ
وَأَشَدُّ ما أَلقاهُ بَعدَهُم / أَنّي فُجِعتُ بِهِم وَبالصَبرُ
وَبِمُهجَتي يا عاذِليَّ مُهَفهَفٌ
وَبِمُهجَتي يا عاذِليَّ مُهَفهَفٌ / جمع التنحولِ بِأَسرِهِ في خَصرِهِ
أَسروه من بلد الثُغورِ فَأَصبَحَت / نَفسي أَسيرَة ناظريهِ وَثَغرِهِ
وَحَياتِهِ لَولا مَلاحةَ وَجهِهِ / ما ذَلَّ إِيماني لعزَّةِ كُفرِهِ
أَمّا الخَيال فَما يَغيب طُروقاً
أَمّا الخَيال فَما يَغيب طُروقاً / يَدنو بِوَصلك شائِقاً وَمشوقا
وَآفٍ يُحقِقُ لِلوَفاء وَلَم يَزَل / خدن الصَبابة لِلوَفاءِ خَليقا
وَمَضى وَقَد مَنَعَ الجُفونَ خفوقها / قَلبٌ لذكرك لا يَزالُ خَفوقا
هَل عهدنا بِلوى الشَقيقة راجِعٌ / فَيَعود لي فيهِ الوِصالُ شَقيقا
أَيام تسلك بي الصَبابَة مجهلاً / لا يَعرِف السلوان فيهِ طَريقا
أَهوى أَنيق الحُسنِ مُقتَبِل الصبا / وَأَزور مختصر الشَباب أَنيقا
لا أَلحظ الأَيام لحظةَ وامِقٍ / حَتّى يَعود زَماننا مَرموقا
وَرَكائِبٍ يخرجنَ من غَلس الدُجى / مثل السِهام مرقن فيهِ مُروقا
وَالفَجر مَصقول الرِداء كَأَنَّهُ / جِلبابُ خَودٍ أَشربته خَلوقا
نَحوَ الهُمام القائِد القرم الَّذي / قرن الإِلَه بِعَزمِهِ التَوفيقا
ملك يَروقك منظراً وَمَقالَةً / أَبَداً وَيوسع بِالصَوارِم ضيقا
يَلقى النَدى بِرَقيقِ وَجهٍ مُسفِرٍ / وَإِذا التَقى الجَمعانِ عادَ صَفيقا
رحبُ المَجالِسِ ما أَقامَ فإِن سَرى / في جَحفَل ترك الفَضاء مَضيقا
وَإِذا طَما بَحرُ الكَريهة خاضَهُ / وَأَماتَ مَن عاداهُ فيهِ غَريقا
حُجِبَت بِهِ شَمس النَهارِ وَأَشرَقت / شَمس الحَديد بِجانبيه شُروقا
أَضحى أَبو الفَضل السَميدع في الوَرى / فَرداً وَأَمسى في الذُرى مَرموقا
وَحسامه أَبَداً بوار عِداتِهِ / وَتواله في العالمين مُحيقا
اللَهَ صوَّرَهُ جَواداً خلقه / أَعلى بِهِ نور الزَمانِ أَنيقا
أَضحى السَخاء بِجَعفَرٍ مُتَخَيِّماً / فَغَدا بِهِ عقد الزَمانِ وَثيقا
يَختالُ في حُلَلِ الرَجاءِ وَيَمتَطي / هِمَماً أَقامَت لِلمَكارِمِ سوقا
فَلَضاعَ أَمر لا تَبيت تديره / وَلَظَلَّ ركب ما انتَحاكَ طَريقا
فَهَناكَ يَوم العيد يَومٌ عائِد / أَبَداً عَلَيكَ موفقاً تَوفيقا
ببقا أَمير المؤمِنينَ وَظلُّهُ / تَرجو النَجاة وَتأمن التَعويقا
فاسلم لِدَهرٍ أَنتَ دُرَّة تاجِهِ / لا زِلتَ رَبّاً للفَخارِ حَقيقا
واسلم لمكرمة شَغَلتَ بِحُبِّها / قَلباً بِحُبِّ المكرمات عَلوقا
وَبَديع شعرٍ يانِعٍ حَبَّرتُهُ / فنظمتُ منه لؤلؤاً وَعَقيقا
شَعشَعتُ مِنهُ اللَفظ ثم نظمته / فَكَأَنَّما شَعشَعتُ منه رَحيقا
وَمُهَفهَفٍ ضرب الجَمال رَواقَهُ
وَمُهَفهَفٍ ضرب الجَمال رَواقَهُ / من فَوقِهِ فأَظَلَّهُ بِرواقِهِ
يَتَثَنَّ في خُضرِ البُرودِ كَأَنَّهُ / غُصنٌ ثَنَتهُ الريحُ في أَوراقِهِ
وَكأَنَّما زرَّت جيوب قَميصه / فَوقَ الصَباحِ فَنَمَّ من أَطواقِهِ
لَو كانَ حَرُّ الوَجدِ يَعقب بعده
لَو كانَ حَرُّ الوَجدِ يَعقب بعده / بَردُ الوِصال غفرت ذاك لِذاكا
لا بَل شُجيتُ بِمَن يَبيتُ مُسَلَّماً / خالي الضُلوعِ وَلا يُحسُّ شجاكا
إِن يُصبِحوا صاحين مِن خَمرِ الهَوى / فَلَقَد سَقَوكَ مِنَ الغَرامِ دراكا
يا لَيت شُغلك بِالأَسى أَعداهم / أَو لا فَليت فَراغهم أَعداكا
أَهوىً وَذُلاً في الهَوى وَطماعَة / أَبَداً تَعالى اللَهَ ما أَشقاكا
يا قَلب كَيف عَلِقتَ في أَشراكِهِم / وَلَقَد عهدتُكَ تُفلِتُ الأَشراكا
أَكبيتَ حينَ تقصَّدتك سِهامهم / قَد كُنتُ عَن أَمثالها أَنهاكا
إِن ذُبتَ مِن كَمَدٍ فَقَد جَرَّ الهَوى / هَذا السِقامُ عَليَّ من جرّاكا
يا قَلب ليتك حيث لَم تَدعِ الهَوى / علَّقتَ من بِهَواك مثل هَواكا
لا تشكوَنَّ إِليَّ وَجداً بَعدَها / هَذا الَّذي جَرَّت عَلَيكَ يَداكا
لأعاقبَنَّكَ بِالغَليلِ وَإِنَّني / لَولاك لَم أَذُقِ الهَوى لَولاكا
يا عاذِلَ المُشتاقِ دَعهُ فَإِنَّهُ / يَطوي عَلى الزَفَراتِ غير حشاكا
لَو كانَ قلبك عِندَهُ ما لمتُهُ / حاشاك مِمّا عِندَهُ حاشاكا
بَعَثَت إِلَيكَ بِطَيفها تَعليلا
بَعَثَت إِلَيكَ بِطَيفها تَعليلا / وَخضابُ لَيلك قَد أَراد نُصولا
فَأَتاكَ وَهناً وَالظَلامُ كَأَنَّما / نظم النَجوم لِرأسه إِكليلا
وَإِذا تَأَمَّلت الكَواكب خلتها / زَهراً تفتَّح أَو عُيوناً حولا
أَهدَت لنا مِن خَدِّها وَرُضابِها / وَرداً تُحَيِّينا بِهِ وَشمولا
وَرداً إِذا ما شُمَّ زادَ غَضاضَةً / وَلَو أَنَّهُ كالوَردِ زاد ذبولا
وَجَلَت لنا بَرداً يُشَهّي بَرده / نفس الحصور العابِدِ التَقبيلا
بَرداً يُذيب وَلا يَذوب وَكُلَّما / شَرِبَ المُتَيَّمُ مِنهُ زادَ غَليلا
لَم أَنسها تَشكو الفِراقَ بِأَدمُعٍ / ما اعتَدنَ في الخَدِّ الأَسيلِ مَسيلا
فَرأَيتُ سَيفَ اللَحظِ لَيسَ بِمُغمدٍ / من تحت أَدمُعِها وَلا مَسلولا
إِن دامَ دَمعكِ فاحذَري غرقاً به / وَإِذا تَوالى القَطرُ كان سُيولا
حُطّي النِقابَ لَعَلَّ سرحَ لحاظِنا / في رَوضِ وجهك يرتعنَّ قَليلا
لَمّا انتقبتِ حَسِبتُ وَجهَكِ شعلة / خلَلَ النِقاب وَخِلته قِنديلا
هامَ الفؤاد بِأَنجُمٍ مِن حَيث ما / أَبصَرتهنَّ رأَيتهنَّ أَفولا
رَحَلوا ولون اللَيل أَدهم مُصمَتٍ / فامتار مِنهُم غُرَّة وَحُجولا
يَنحون حيث تَرى المَوارِدَ طُفَّحاً / وَالرَوض غَضٌّ وَالنَسيم عَليلا
فالأقحوانَةُ ثَمَّ تلقى أُختَها / كَفَمٍ يُحاوِل مِن فَمٍ تَقبيلا
كلف الفراق بمن هويت فَكُلَّما / دانيته شِبراً تأخَّرَ ميلا
قتلتني الأَيام حينَ قتلتها / عِلماً فأبصر قاتِلاً مَقتولا
مالَت عَليَّ فَقَد جعلت مَطيَّتي / ما بين أَجفان الدياجيَ ميلاد
حَمَلت جَميلاً من ثَناء مُحمَدٍ / لِتَزور وَجهاً كالثَناءِ جَميلا
ملك يروقك منظَراً وَمقالة / كالسَيف يَحسُن رؤيَة وَصَقيلا
أَضحى السَخاء مُخَيِّماً في كَفِّهِ / حَمِدَ المحَل فَما يُريد رَحيلا
أَوَ هَل يُريد الجود بَعدَ يَمينِهِ / وَهوَ النِهايَة في العُلوِّ نزولا
لا أَستَزيد الدَهر بَعدَ لِقائِهِ / حَبي بِرؤيَتِهِ البَهيَّة سولا
عَمَّ الرَعية وَالرعاة نواله / وَالفاضل المأمول وَالمَفضولا
كالغَيث إِن جادَت يَداهُ بديمَةٍ / أَغنى بِها المَعروف وَالمَجهولا
يَرتَدُّ فِكرُكَ بِالفَضائل حاسِراً / عنه وطرفك بِالضِياء كَليلا
وَتَحوز مِن إِحسانِهِ وَعَيانه / وَبيانِهِ وَبنانِهِ المأمولا
زاد العفاة عَلى الديات وَلَم يَكُن / أَردى سِوى فقر العُفاةِ قَتيلا
وَدَعا لِسائِله وَأَعلَن شُكره / حَتّى حَسِبنا السائِل المَسؤولا
أَتَراهُ يَحسَبُ وَفدَهُ شُركاءَهُ / وَيَرى التَفرد بِالثَراء عَليلا
يا مَن يفنِّده عَلى صِلَة النَدى / أَتلوم في صِلَة الخَليل خَليلا
اللَهُ صَوَّرَهُ جَواداً خَلَقَهُ / وَتُريدُ منه أَن يَكون بَخيلا
خُلِقَ ابن إِبراهيم جوداً كُله / فَمَتى تطيق لِخَلقِهِ تَبديلا
لَو ذُقتَ مِن طَعمِ النَدى ما ذاقه / لَعَصَيتَ فيهِ لائِماً وَعذولا
أُهرب بِنَفسِك لا يهبك فَرُبَّما / أَعطى العذول الرِفد وَالمَعذولا
وَلرُبَّما فتَّشت بعض عَطائِهِ / فَوجدتَ فيهِ السَيد البَهلولا
قَتَل العداة بِجوده وَبِسَيفِهِ / وَالسَيفُ يسهل عندهم تَقتيلا
فانصاعَ قَد ملئت مَضارِب جوده / شكراً ومضرب سَيفِهِ تَفليلا
يَلقى العِدى من كُتُبِهِ بِكتائِبٍ / يَجررن من زرد الحُروف ذُيولا
وَتَرى الصَحيفَة حلبةَ وَجِيادها / أَقلامُها وَصَريرُهُنَّ صَهيلا
في كَفِّهِ قَلَم أَتَمُّ من القَنا / طولاً وَهُنَّ أَتَمُّ منه طولا
قَلَمٌ يقلِّم ظُفرَ كُلَّ ساعة يَكتَسي / وَيَرُدُّ حَدَّ شباتها مَغلولا
وَيُضيءُ منه الطَرس ساعَة يَكتَسي / صَدأ المِداد وَلا يُضيء صَقيلا
ما قَطَّ قَطُّ لكتبه أَقلامه / إِلّا نقمن عَلى العداة ذُحولا
نِبَلٌ حَباها من رؤوسِ بَنانِهِ / ريشاً ومن حلك المِداد نُصولا
فقرت شَواكل كُلُّ أَمرٍ مُشكِلٍ / ورددن مفصل ماله مَفصولا
يَدعو النَبيَّ مِنَ الجُدودِ وَحَيدراً / ومن العُمومةِ جَعفَراً وَعَقيلا
نَسَباً تَرى عنوانه في وَجهِهِ / لا شبهة فيهِ وَلا تأويلا
تغنى بِهِ عَن حُجَّةٍ وَدَلالَةٍ / من ذا يُريد عَلى النَهار دَليلا
يَحكي النَبيَّ شَمائِلاً وَفَضائِلاً / مَن لَم يَكُن كأَبيه كانَ دَخيلا
لَولا الرِسالَة بَعدَ جَدِّكَ أَحمَد / خُتِمَت لقُلنا قَد بُعثتَ رَسولا
أَشبَهتَه خَلقاً وَأَخلاقاً وَما / خالَفته جُمَلاً وَلا تَفصيلا
لَولا أَبوك لما امتلا سَمعُ امرىءٍ / في الأَرضِ تَكبيراً وَلا تَهليلا
يا ابنَ الَّذينَ إِذا اعتَراهم طارِق / تَرَكوا بُيوت المالِ منه طُلولا
يا ابنَ الكِرامِ الأَكرَمينَ مغارِساً / وَالطاهِرينَ مشائخاً وَكهولا
الطَيِّبينَ مَناقِباً وَمَآرِباً / وَمَراتِباً وَمَكاسِباً وَأُصولا
وَالمُسرعين إِلى المَكارِمِ كُلَّما / وَجَدوا إِلى إِتيانِهِنَّ سَبيلا
إِن حارَبوا ملأوا القلوب أَسِنَّة / أَو كاتَبوا ملأوا الطروس فصولا
كَم جِبتُ أَرضاً مثل صدرك في النَدى / عَرضاً وَأخرى مثل باعك طولا
حَتّى وصلت إِلَيكَ يا بَدرُ العُلى / بِمَطيَّةِ مثل الهِلال نُحولا
جَعلت رَجاءَكَ حادِياً مِن خَلفِها / وَضياء وَجهك هادِياً وَدَليلا
إِنّي جَدير بِالنَجاحِ لأَنَّني / أَمَّلت لِلأَمرِ الجَليل جَليلا
لا زالَ فِعلِكَ بِالمَقال مُرصَّعاً / أَبَداً وَعِرضُك بِالعَفافِ صَقيلا
ما غَرَّدَت ورقُ الحَمائِمِ في ذُرى / فَنَنِ الأَراكَةِ بُكرَةً وَأَصيلا
إِيهاً أَبا حَسَنٍ حللت من العُلى
إِيهاً أَبا حَسَنٍ حللت من العُلى / بَينَ السَنامِ وَبَينَ ذرو الكَاهِلِ
أَنّى سحا بك ذا الزَمان وَإِنَّهُ / لمبخِّلٍ بِالكامِلِ ابن الكامِلِ
يا أَيُّها الأُستاذُ لا من غَفلَةٍ / وَاللَهُ قَد يُدعى وَلَيسَ بِغافِلِ
قُل للأَميرِ وَلَيسَ كُلُّ مُحَرِّكٍ / لِلِسانِهِ عند المُلوكِ بِقائِلِ
أُهدي وَيُهدي آخرون فَنَستَوي / ما الفرف بَينَ فَضولهم وَفَضائِلي
زهرُ الرَبيع وَكَيف يَحيا مَوضع / لَم يُحيِهِ سَحُّ الرَبيع الوابِلِ
وَاِعلَم يَقيناً أَنَّ كُلَّ صَنيعَة / عِندي تُعَدُّ ذَخيرَة في الحاصِلِ
لَو كُنتُ بِالبَيداء لَم يَكُ بِدعَةً / عَطَشي وَلَكِنّي بِجَنب الساحِلِ
وَهوَ الرَبيع وَكَيف يَحيا مَوضِع / لَم يُجيهِ سَحُّ الرَبيع الهاطِلِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025