القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الأَبِيوَرْدي الكل
المجموع : 47
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا / عَشيّةَ شامَ الحيُّ بَرقاً يَمانِيا
وإن كُنتُما لا تُسْعِدانِ على البُكا / فلا تَعذُلا صَبّاً يُحيّي المَغانِيا
وما خِلْتُ أنّ البَرقَ يَكْلَفُ بالنّوى / ولَمْ أتّهِمْ إلا القِلاصَ النّواجِيا
ونحنُ رَذايا الحُبِّ لمْ نَلْقَ حادِثاً / مِنَ الخَطْبِ إلا كان بالبينِ قاضِيا
وصارَ الهوى فينا على رَأيِ واحِدٍ / إذا ما أمِنَّا عَذْلَهُ عادَ واشِيا
فما يَبْتَغي فينا الهَوادَةَ كاشِحٌ / ولا نَعرِفُ الإخْوانَ إلا تَماريا
كأنَّ بِنا مِنْ رَوعةِ البَينِ حَيرَةً / نُحاذِرُ عَيناً أو نُصانِعُ لاحِيا
تُرَدُّ على أعقابِهنَّ دُموعُنا / وقد وَجدَتْ لولا الوُشاةُ مَجاريا
لكَ اللهُ مِنْ قَلبٍ عَزيزٍ مَرامُهُ / إذا رُعْتَهُ استَشْرى على الضَّيْم آبِيا
دعاهُ الهَوى حتى استُلين قِيادُهُ / وأيُّ مُجيبٍ لَو حَمِدْناهُ داعِيا
ونَشوانَةِ الألْحاظِ يَمْرَحْنَ بالصِّبا / مِراضاً فإنْ ولّى خَلَقْنَ التّصابيا
أباحَتْ حِمىً كانَتْ مَنيعاً شِعابُهُ / فما لِسِواها فَضْلَةٌ في فُؤادِيا
ورَكْبٍ كخيطانِ الأراكِ هَدَيْتُهُمْ / وقد شغَلَ التّهْويمُ مِنهُمْ مآقِيا
إذا اضطَربوا فَوقَ الرِّحالِ حَسِبتَهُمْ / وقد لفظَ الفَجرَ الظّلامُ أفاعِيا
وإنْ عَرَّسُوا خَرُّوا سُجوداً على الثَّرى / عَواطِفَ مِنْ أيدٍ تَطولُ العَوالِيا
حَدَوْتُ بِهمْ أُخرى المَطيِّ ولمْ أكُنْ / لِصَحْبيَ لولا حُبُّ ظَمياءَ حادِيا
ولكنَّ ذِكْراها إذا الليلُ نُشِّرَتْ / غَدائِرُهُ تُملي عليَّ الأغانِيا
وإنَّ دُوَيْنَ القاعِ من أرضِ بِيشَةٍ / ظِباءً يُخاتِلْنَ الأُسودَ الضَّوارِيا
إذا سَخِطَتْ أُزْرٌ عليْهِنَّ تَلتَوي / وَجَدْنا إزارَ العامريّةِ راضِيا
وما مُغْزِلٌ فاءتْ إِلى خُوطِ بانَةٍ / نَأتْ بِمجانِيها عَنِ الخِشْفِ عاطِيا
تَمُدُّ إليها الجِيدَ كَيما تَنالَهُ / ويا نُعْمَ مَلفَى العَيشِ لو كانَ دانِيا
فَناشَتْ بِغُصْنٍ كالذُّؤابَةِ أصبَحَتْ / تُقَلِّبُ بالرَّوقَيْنِ فيها مَدارِيا
بِرابيةٍ والرّوْضُ يَصْحو ويَنْتَشي / يظَلُّ علَيها عاطِلُ التُربِ حالِيا
فمالَتْ إِلى ظِلِّ الكِناسِ وصادَفَتْ / طَلاً تَتَهاداهُ الذِّئابُ عَوادِيا
فوَلّتْ حِذاراً تستَغيثُ من الرّدى / بأظْلافها والليلُ يُلْقي المَراسِيا
فلمّا استنارَ الفَجرُ يَنفُضُ ظِلَّهُ / كَما نَثَرَتْ أيدي العَذارى لآلِيا
وَفاهَ نَسيمُ الرّيحِ وهْيَ عَليلَةٌ / بَنَشْرِ الخُزامَى تَرضَعُ الغَيثَ غادِيا
قَضَتْ نَفَسا يَطغى إذا رَدَّ غَرْبَهُ / إِلى صَدرِهِ الحَرَّانُ رامَ التَّراقِيا
بأبْرَحَ مني لوْعَةً يومَ ودَّعَتْ / أمَيمَةُ حُزْوى واحتَلَلْنا المَطالِيا
أتَتْ بَلَداً يَنسى به الذِّئْبُ غَدْرَهُ / وإنْ ضَلَّ لمْ يَتبَعْ سوى النّجمِ هاديا
فيا جَبَلَ الرَّيانِ أينَ مَوارِدٌ / تَرَكْتُ لها ماءَ الأُنَيْعِمِ صادِيا
وقد نَبَذَتْ عَيني إِلى الناسِ نَظْرَةً / كما يَتّقي الظَّبْيُ المُرَوَّعُ رامِيا
كِلا ناظِرَيْهِ نَحْوَهُ مُتَشاوِسٌ / يُعاتِبُ لَحْظاً رَدَّهُ الرُّعْبُ وانِيا
فلمْ تَرْضَ إلا مَنْ يَحُلُّكَ مِنهُمُ / أظُنُّ أَديمَ الأرضِ بَعدَكَ عارِيا
تَغَيّرَتِ الأحياءُ إلا عِصابةً / سقاها الحَيا قَوماً وحُيِّيَتَ وادِيا
ذَكَرتُ لهمْ تِلكَ العُهودَ لأنَّني / نَسيتُ بِهِمْ رَيْبَ الزّمانِ لَيالِيا
وعَيْشاً نَضا عَنْ مَنْكِبيَّ رِداءَه / فِراقٌ يُعاطي الحادِثاتِ زِمامِيا
تَذَكّرْتُهُ والليلُ رَطْبٌ ذُيولُهُ / فَما افْتَرَّ إلا عَن بَنانِيَ دامِيا
وقَد أستَقيلُ الدَّهْرَ مِنْ رَجْعَةِ الغِنى / إذا لمْ يُعِدْ تِلكَ السنينَ الخَوالِيا
وأذعَرُ بالعِزِّ الإِمامِيِّ صَرْفُهُ / مَخافَةَ أنْ يَقتادَ جاريَ عانِيا
بأَروعَ مِن آلِ النَّبيِّ إذا انْتَمى / أفاضَ على الدُّنيا عُلاً ومساعِيا
تُسانِدُ أدناها النّجومَ وتَنْثَني / إذا رُمْنَ أقصاهُنَّ شأواً كوابِيا
أضاءَتْ مَساري عِرقِهِ حين فُتِّشَتْ / مَناسِبُ قومٍ فانتعَلْنَ الدَّياجِيا
إذا افْتَخَرَتْ عُليا كِنانَةَ والْتَقَتْ / على غايةٍ في المَجْدِ تُعْيِي المُسامِيا
دَعا الحَبْرَ والسَّجَّادَ فابْتَدَر المَدى / وخاضَ إِلى ساقي الحَجيج النّواصِيا
وحازَ مِن الوادي البِطاحِيِّ سِرَّهُ / وحَلّتْ قريشٌ بعدَ ذاكَ المَحانِيا
مِنَ القَومِ يُلفي الرّاغِبونَ لَدَيهِمُ / مَكارِمَ عبّاسِيَّةً وأيادِيا
يَروحُ إليهمْ عازِبُ الحَمْدِ وافياً / ويَغْدو عَليهمْ طالِبُ الرِّفْدِ عافِيا
إذا عَدَّ تلكَ الأوّليَّةَ فاخِرٌ / أرَتْهُ مَساعي الآخِرينَ مساوِيا
ومُحتَجِبٍ بالعزِّ مِن خَيرِهمْ أباً / زَجَرْتُ إليه المُقْرَباتِ المَذاكِيا
إِلى المُقتدِي بالله والمُقتَدى بهِ / طَوَيْنَ بِنا طيَّ الرِّداء الفَيافِيا
وَلُذْنا بأطرافِ القَوافي وحَسْبُنا / مِنَ الفَخرِ أنْ نُهدي إليه القَوافِيا
ولَم نتَكلَّفْ نَظْمَهُنَّ لأنّنا / وجَدْنا المعالي فاخْتَرعْنا المَعانِيا
أيا وارِثَ البُرْدِ المُعَظَّمِ رَبُّهُ / بَلغْنا المُنى حتى اقْتَسَمْنا التَّهانِيا
هَنيئاً لذُخْرِ الدّينِ مَقْدَمُ ماجِدٍ / سَيُصْبِحُ ذُخْراً للخِلافةِ باقِيا
تَبلَّجَ مَيمونَ النّقِيبةِ سابِقاً / يُراقبُ مِن عِرْقِ النُّبوَّةِ تالِيا
فَكُل سَريرٍ يَشْرَئِبُّ صَبابةً / إليه وَيثني العِطْفَ نَشوانَ صاحِيا
وتَهْتَزُّ مِن شوقٍ إليهِ منابِرٌ / أطالَتْ بِه أعوادُهُنَّ التَّناجِيا
فَلا بَرِحَتْ فيكمْ تَنوءُ بخاطِبٍ / ولا عَدِمَتْ مِنكمْ مَدى الدَّهْرِ راقِيا
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ / والليلُ يَنشُرُ وَفْرَةَ الظَّلماءِ
فرَأَتْ رَذايا أنْفُسٍ تُدْمي بِها / أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأنْضاءِ
وإذا النّوى مَدّتْ إلينا باعَها / سُدّتْ بِهِنَّ مَطالِعُ البَيْداءِ
أأُمَيمَ كيفَ طوَيتِ أروِقَةَ الدُجى / في كلِّ أغْبَرَ قاتِمِ الأرجاءِ
هلا اتَّقَيتِ الشُّهْبَ حين تَخاوَصَتْ / فرَنَتْ إليكِ بأعيُنِ الرُّقَباءِ
خُضْتِ الظَّلامَ ومِن جَبينِكِ يُجْتَلى / صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بالأضواءِ
فطَرَقْتِ مَطْويَّ الضلوعِ على جوًى / أغضَى الجُفونَ بهِ على الأقذاءِ
مِن أرْيَحيَّاتٍ إذا هَبَّتْ بِها / ذِكرى الحَبيبِ نهَضْنَ بالأحشاءِ
قَسَماً بثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ / فكأنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجُفونِكِ المَرضَى الصَّحيحةِ لا دَرَتْ / ما الدّاءُ بل لا أفْرَقَتْ مِن داءِ
لأُخالِفَنَّ هوى العَذولِ فَطالما / أفضى المَلامُ بهِ إِلى الإغراءِ
وإذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها / في الغانِياتِ تنَقُّلَ الأفْياءِ
لمْ تَتِّبِعْ عَيني سِواكِ ولا ثَنى / عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأهواءِ
وأقلُّ ما جَنَتِ الصّبابَةُ وَقْفَةٌ / مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمعِ بالخَلْصاءِ
وبَدا لنا طَلَلٌ لرَبْعِكِ خاشِعٌ / تَزدادُ بَهجَتُهُ على الإقواءِ
وأَبِي الدِّيارِ لقد مشى فيها البِلى / وعَفَتْ معالِمُها سِوى أشْلاءِ
يَبكي الغَمامُ بها ويَبْسِمُ رَوضُها / لا زِلْنَ بينَ تَبَسُّمٍ وبُكاءِ
وقَفَتْ مَطايانا بِها فعَرَفْنَها / وكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ ونَجاءِ
وهزَزْنَ مِن أعطافِهنَّ كأنَّما / مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونَزَلْتُ أفتَرشُ الثَّرى مُتَلوِّياً / فيهِ تلوِّيَ حيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنَفْحَةِ الأرَجِ الذي أودَعْتِهِ / عَبقَتْ حَواشي رَيْطَتي وردائي
وكأنني بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ / مِن سُدَّتَيْهِ مُعَرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجِباهُ البِيضُ تَلْثِمُ تُرْبَهُ / وتَحُلُّ هَيبَتُهُ حُبا العُظَماءِ
وخُطا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ / وتَطولُ فيهِ ألْسُنُ الشُّعَراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأنبياءِ فروعُهُ / وزَكَتْ بهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بلغَ المَدى والسِّنُّ في غُلَوائِها / خَضِلَ الصِّبا مُتكَهِّلَ الآراءِ
فغَدا الرَّعيَّةُ لائِذينَ بظِلِّهِ / يَرْجُونَ غَيْثَ حَياً ولَيْثَ حَياءِ
ومَرابِضُ الآسادِ في أيَّامِهِ / بالعَدْلِ مثْلُ مَجاثِمِ الأطْلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرضَعوا / إلا لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتَسَرَّعونَ إِلى الوَغى بِصَوارِمٍ / خَلَطَتْ بنَشْرِ المِسكِ ريحَ دِماءِ
لم تَهجُرِ الأغمادَ إلاّ رَيْثَما / تَعرى لِتُغْمَدَ في طُلَى الأعداءِ
مِن كُلِّ مَشْبوحِ الأشاجِعِ ساحِبٍ / في الرَّوعِ ذَيْلَ النَّثْرةِ الحَصْداءِ
يَنسابُ في الأدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ / كالأَيْمِ يَسبَحُ في غَديرِ الماءِ
أخذَ الحُقوقَ بِهِمْ وأعطاها مَعاً / والحَزْمُ بَينَ الأخْذِ والإعطاءِ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا وقدِ اكْتَسَتْ / شَمَطاً فُروعُ الروضَةِ الغنَّاءِ
فَدنا الغَمَامُ وكاد يَمْري المُجْتَدِي / بِيَدَيْهِ خِلْفَ المُزْنَةِ الوَطْفاءِ
لَولاهُ لَم تَشِمِ الرِّياضُ بأعْيُنٍ / مِن زَهرِهِنَّ مَخايِلَ الأنْواءِ
خُلِقَتْ طِلاعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي / خَلفَتْ غِرارَ السَّيفَ في الهَيجاءِ
ونَضا وَزيرُكَ دونَ مُلْكِكَ عَزْمَةً / تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهباءِ
وتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بهِ أضْغانُهُ / حَيَّ المَخافَةِ مَيِّتَ الأعضاءِ
وتُصيبُ شاكِلَةَ الرَّمِيِّ إذا بَدَتْ / رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوْساءِ
فكأنَّ أسرارَ القُلوبِ تُظِلُّهُ / بغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأنباءِ
يَسعى ويَدْأبُ في رِضاكَ وإنْ غَلَتْ / مُهَجُ النفوسِ عَلَيهِ بالشَّحْناءِ
وإذا الزَّمانُ أتى بخَطْبٍ مُعْضِلٍ / ولِيَ افتِراعَ الخُطَّةِ العَذْراءِ
وإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلوا / مَقْرونَةٌ بِكِفايَةِ الوُزَراءِ
لا زِلْتُما مُتَوَشِّحَيْنِ بِدَوْلَةٍ / مُرْخًى ذَوائِبها عَلى النَّعماءِ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ / والسَّيفُ يَلمَعُ والصَّدى يَتضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِماءِ لِينَةَ فاحْتَمى / بِشَبا أسِنِّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ ألبَسَهُ الرَّبيعُ وشَائِعاً / عُنِيَ السِّماكُ بِوَشْيِها والمِرْزَمُ
تُثْني رُباهُ على الغَمامِ إذا غَدا / عافِي النَّسيمِ بِسِرِّها يتكَلَّمُ
حَيْثُ الغُصونُ هَفا بِها ولَعُ الصَّبا / وخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يترَنَّمُ
وأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إلَيهِ مَسامِعاً / يَشكو لَجاجَتَها إليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى ولَم أرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً / أكذاكَ يَبْخَلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ
ولَقَد بَكَيْتُ فلَو رأيتَ مَدامِعي / لعَلِمْتَ أيُّ الباكِيَيْنِ مُتَيَّمُ
شَتّانَ ما وَجْدي ووَجْدُ حَمامَةٍ / تُبْدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وأكْتُمُ
وأزورُ إذْ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً / نَحِلَتْ بِهِنَّ كما نَحِلْتُ الأرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها / شَوْقٌ إِلى طَلَلٍ بِرامَةَ يُرْزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إِلى عَرَصاتِهِ / وعلى الجُنَينَةِ نَهْجُهُنَّ المُعْلَمُ
وذَكَرْتُ عَصْراً أسْرَعَتْ خُطُواتُهُ / والعَيْشُ أخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أنَّ شَبيبتي ودَّعْتُها / وأقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يتَصَرَّمُ
لفَظَتْ أحِبَّتَنا البلادُ فَمُعْرِقٌ / تُدمي جَوانحَهُ الهُمومُ ومُشْئِمُ
أزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طلَبِ العُلا / أدْنى صَحابَتِهِ الحُسامُ المِخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغَرَ الفَيافي والدُّجَى / خُوصٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدْقَمُ
يَجْتابُ أرْدِيَةَ الظّلامِ بِمَهْمَهٍ / يَنْسى الصَّهيلَ بهِ الحِصانُ الأدْهَمُ
ويَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي / لَيلٌ بأذْيالِ الصَّباحِ يُلَثَّمُ
ولَهُ إِلى الغَرْبِ التِفاتَةُ وامِقٍ / يُمْري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فتَسْجُمُ
وكأنَّهُ مِمَّا يُميلُ بِطَرْفِهِ / قِبَلَ المَغارِبِ بالثُّريَّا مُلْجَمُ
عَتَقَتْ علَيَّ ألِيَّةٌ سَيُبِرُّها / هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النُّجومِ مُخَيِّمُ
والليلُ يوطِئُ مَن تُؤرِّقُهُ المُنى / خَدّاً بأيدي الأرْحَبِيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بيَ المَوامي أيْنُقٌ / هُنَّ الحَنِيُّ ورَكْبُهُنَّ الأسْهُمُ
وأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ / يَضْوَى بِصُحبَتِها الكَريمُ ويَسْقَمُ
فسَدَ الزَّمانُ فليسَ يأمَنُ ظُلْمَهُ / أهْلُ النُّهى وبَنوهُ مِنهُ أظْلَمُ
أينَ التَفَتَّ رأيتَ مِنهُمْ أوْجُهاً / يشقى بهنَّ النّاظِرُ المُتَوسِّمُ
وأضَرُّهُمْ لكَ حينَ يُعضِلُ حادِثٌ / بالمَرْءِ مَنْ هوَ في الصّداقَةِ أقْدَمُ
ومَتى أسَأْتَ إليهِمُ وخَبِرتَهُمْ / أُلْفِيتَ بعدَ إساءَةٍ لا تَندَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ معَ الحَياءِ وراءَهُمْ / فهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبْلَى بِهِ / فبَليَّتي مِمَّنْ أُصاحِبُ أعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ فَوَجْهُهُ مُتَهلِّلٌ / لِمكيدَةٍ وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبدي الهَوى ويَسُورُ إنْ عَرَضَتْ لهُ / فُرَصٌ عليَّ كَما يَسورُ الأرْقَمُ
ويَرومُ نَيلَ المَكْرُماتِ ودونَها / أمَدٌ بهِ انْتَعَلَ النَّجيعَ المَنْسِمُ
فزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إِلى مَدًى / يَعْنو لِحاسِرِ أهْلِهِ المُسْتَلئِمُ
ورَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغْصوبَةٍ / حتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَمُ
ولَوِ اسْتَطَعْتُ رَدَدْتُ مَن يَعْيَى بهِ / عنهُ مَخافَةَ أنْ يُلَجْلِجَهُ فَمُ
لا تُخْلِدَنَّ إِلى الصّديقِ فإنّهُ / بِكَ مِنْ عَدوِّكَ في المَضَرَّةِ أعْلَمُ
يَلقاكَ والعسَلُ المُصَفَّى يُجْتَنَى / مِن قَولِهِ ومنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا ورُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بهِ / شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فحَلُمْتُ عنهُ وباتَ يَشْرَبُ غَيظَهُ / جُرَعاً ولُزَّ بمِنخَرَيهِ المَرْغَمُ
وأنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ / ويَرُدُّ غَرْبَ الجَهلِ وهْوَ مُثَلَّمُ
فلقد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ / حيثُ السّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
والخَيْلُ شُعْثٌ والرِّماحُ شوارِعٌ / والنّقْعُ أكْدَرُ والخَميسُ عَرَمْرَمُ
فرأيتُهُ يَسَعُ العُداةَ بِعَفْوِهِ / وتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَليهِ فَيَحْلُمُ
ويَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَومٍ أنَّهُ / مِمّا يَمُنُّ بهِ عليْهِمْ مُجرِمُ
وأفَدْتُ مِنْ أخلاقِهِ ونَوالِهِ / مِنَحاً يَضِنُّ بها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أغامَ الخَطْبُ جابَ ضَبابَهُ / شَمْسُ الضُّحى وسَطا عَليهِ الضَّيْغَمُ
ومَتى بَدا واللّيلُ ألْمَى رَدَّهُ / بِالبِشْرِ فهْوَ إذا تبلَّجَ أرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ / مُقَلاً يُصافِحُها العَجاجُ الأقتَمُ
بشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينِها / كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
ومَناقِبٍ لا تُرتَقَى هَضَباتُها / نَطَقَ الفَصيحُ بفَضْلِها والأعْجَمُ
إنْ لُحْنَ والشُّهْبُ الثّواقِبُ في الدُّجى / لمْ يَدْرِ سارٍ أيُّهُنَّ الأنْجُمُ
يا بْنَ الإِلى سَحَبوا الرِّماحَ إِلى الوغَى / ولدَيْهِ يَغْدرُ بالبَنانِ المِعْصَمُ
يتَسرَّعونَ إِلى الوغَى فجِيادُهُمْ / تُزْجَى عَوابِسَ والسُّيوفُ تَبَسُّمُ
وإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فاكْتَسى / فضَلاتِ نُورِهِمُ الزّمانُ المُظلِمُ
أوْضَحْتَ طُرْقَ المَجْدِ وهْيَ خَفِيّةٌ / فبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبهَمُ
وغَمَرْتَ بالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهُمْ / لمّا شَرَعْتَ لهُ الندىً يتكرَّمُ
وبَسَطْتَ كفّاً بالمَواهِبِ ثَرَّةً / سَدِكَ الغَنيُّ بِسَيْبِها والمُعْدَمُ
ومَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاً وارِفاً / يتوشَّحُ الضّاحِي بهِ والمُعتِمُ
كلُّ الفَضائِلِ مِن خِلالِكَ يُقْتَنى / ولدَيْكَ يُجْمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
ولِمِثْلِها أعْدَدْتُ كُلَّ قصيدَةٍ / نَفَرَتْ فَآنَسَها الجَوادُ المُنعِمُ
والشِّعْرُ صَعْبٌ مُرتَقاهُ وطالَما / شمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
والمَدْحُ يَسهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ / فنَداكَ يُمْليهِ عليَّ وأنْظِمُ
ولَرُبَّما غَطَّ البِكارُ وإنّما / رفَعَ الهَديرَ بهِ الفَنيقُ المُقْرَمُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ / واللّيلُ تَخْطِرُ في حَشاهُ النُّوقُ
والنَّجْمُ يَعْثُرُ بالظَّلامِ فيَشْتَكي / ظَلَعاً ليَجْذِبَ ضَبْعَهُ العَيُّوقُ
فاسْتَيقَظَ النَّفَرُ الهُجودُ بمَنزِلٍ / للقَلْبِ منْ وَجَلٍ لدَيْهِ خُفوقُ
والرُّعْبُ يَسْتَلِبُ الشُّجاعَ فؤادَهُ / ويَغُصُّ منْ كَلِماتِهِ المِنْطيقُ
نَزَلَتْ بِنا واللّيلُ ضافٍ بُرْدُهُ / ثمّ انْثَنَتْ وقَميصُهُ مَخْروقُ
والأفْقُ مُلتَهِبُ الحَواشي يَلتَظي / والأرضُ ضاحِيَةُ الوشُومِ تَروقُ
لِلهِ ناضِرَةُ الصِّبا يَسْرِي لَها / طَيْفٌ إذا صَغَتِ النُّجومُ طَروقُ
طَلَعَتْ عَلينا والمُعَرَّسُ عالِجٌ / والعِيسُ أهْوَنُ سَيْرِهِنَّ عَنيقُ
واللّيلُ ما سَفَرَتْ لَنا عَجِلُ الخُطا / والرَّملُ ما نَزَلَتْ بهِ مَوْموقُ
هَيفاءُ نَشْوى اللَّحْظِ يُقْصِرُ طَرْفَها / خَفَرٌ ويَسْكَرُ تارَةً ويُفيقُ
فكَأنَّهُ والبَيْنُ يُخضِلُ جَفْنَهُ / بالدَّمْعِ منْ حَدَقِ المَها مَسْرُوقُ
يا أُختَ مُقتَنِصِ الكُماةِ بمَوقِفٍ / للنَّسْرِ تحتَ عَجاجِهِ تَرنِيقُ
أتَرَكْتِنا بلِوى زَرودَ وقد صَفا / عَيشٌ كحاشِيَةِ الرِّداء رَقيقُ
والرِّيحُ أيقَظَتِ الرِّياضَ وَلِلْحَيا / فيها إذا رَقَدَ العَرارُ شَهيقُ
وطَلَبْتِنا وعلى المُضَيَّحِ فالحِمى / مَغْدى النّجائِبِ والمَراحُ عَقيقُ
هَلاّ بَخِلْتِ بِنا ونحْنُ بغِبْطَةٍ / والدَّهْرُ مَصْقولُ الأدِيمِ أنيقُ
وعلَيَّ مِن حُلَلِ الشَّبابِ ذَوائِبٌ / عَبِقَتْ بِرَيَّا المِسْكِ وهْوَ فَتيقُ
وهَوايَ تِلوُ هَواكِ في رَوْقِ الصِّبا / حتّى كأنّ العاشِقَ المَعْشوقُ
وتَصَرَّمَتْ تِلكَ السِّنونَ وشاغَبَتْ / نُوَبٌ تَفُلُّ السَّيفَ وهْوَ ذَليقُ
عَرَضَتْ على غَفَلاتِ ظَنِّيَ عَزْمَةٌ / لمْ يُسْتَشَفَّ وراءَها التَّوفيقُ
واسْتَرْقَصَ السَّمْعَ الطَّروبَ رَواعِدٌ / واستَغْوَتِ العَينَ الطَّموحَ بُروقُ
وأُشِبَّ لي طَمَعٌ فلَيتَ ركائِبي / عَلِمَتْ غَداةَ الجِزْعِ أينَ أَسوقُ
فعَرَفْتُ ما جَنَتِ الخُطوبُ ولم أُطِلْ / أمَلاً فما لِمَخِيلَةٍ تَصديقُ
ونَجَوتُ مُنصَلِتاً ولَم أكُ ناصِلاً / سِيمَ المُروقَ فلَم يُعِنْهُ الفُوقُ
وإذا اللّئيمُ تَغَضَّنَتْ وَجَناتُهُ / بُخلاً وجَفَّ بماضِغَيْهِ الرِّيقُ
فالعَرْصَةُ الفَيحاءُ مَسرَحُ أيْنُقٍ / لمْ يَنْبُ عَنْ عَطَنٍ بهِنَّ الضِّيقُ
وعلى ندىً المُستَظهِرِ بنِ المقتَدِي / حامَ الرَّجاءُ يُظِلُّهُ التَّحقيقُ
ورِثَ الإمامَةَ كابِراً عن كابِرٍ / مُتَوكِّليٌّ بالعَلاءِ خَليقُ
كَهلُ الحِجى عَرُضَتْ مَنادِحُ رأيِهِ / والغُصْنُ مُقتَبِلُ النَّباتِ وَريقُ
خَضِلُ البَنانِ بِنائِلٍ منْ دونِهِ / وَجهٌ يَجولُ البِشْرُ فيهِ طَليقُ
تَجري على ظَلَعٍ إِلى غاياتِهِ / هَوجاءُ طائِشَةُ الهُبوبِ خَريقُ
ويُخلِّفُ المُتَطَلِّعينَ إِلى المَدى / في الفَخْرِ مُنْجَذِبُ العِنانِ سَبوقُ
ويُقيمُ زَيغَ الأمرِ ناءَ بعِبْئِهِ / ذو الغارِبِ المَجْزولِ وهْوَ مُطيقُ
وعَلَيهِ مِن سيماءِ آلِ مُحمَّدٍ / نُورٌ يُجيرُ على الدُّجى مَرموقُ
والبُرْدُ يَعلَمُ أنَّ في أثنائِهِ / كَرَماً يَفوقُ المُزْنَ وهْوَ دَفوقُ
أفْضَتْ إليهِ خِلافَةٌ نَبَويَّةٌ / منْ دونِها للمَشْرَفِيِّ بَريقُ
فاخْتالَ مِنبرُها بهِ وسَريرُها / وكِلاهُما طَرِبٌ إليه مَشوقُ
فالآنَ قَرَّتْ في مُعَرَّسِها الذي / كانتْ على قَلَقٍ إليهِ تَتُوقُ
لكَ يا أميرَ المؤْمِنينَ تُراثُها / وبِهِ استَتَبَّ لَها إليكَ طَريقُ
ولكَ الأيادي ما يزالُ بذِكْرِها / يَطْوي الفَلا مَرِحُ النَّجاءِ فَنيقُ
ومَناقِبٌ يَزْدادُ طولاً عِندَها / باعٌ بتَصْريفِ القَناةِ لَبيقُ
شَرَفٌ مَنافِيٌّ ومَجدٌ أتلَعٌ / يَسمو بهِ نَسَبٌ أغَرُّ عَتيقُ
وشَمائِلٌ طَمَحَتْ بهِنَّ إِلى العُلا / في سُرّةِ البَلَدِ الأمينِ عُروقُ
وبَلَغْتَ في السِّنّ القَريبَةِ رُتْبَةً / نهَضَ الحَسودُ لَها فعَزَّ لُحوقُ
ونَضا وَزيرُكَ عَزْمةً عَرَبيّةً / نَبَذَتْ إليكَ الأمرَ وهْوَ وَثيقُ
ودَعا لِبَيعَتِكَ القُلوبَ فلَمْ يَمِلْ / مِنها إِلى أحَدٍ سِواكَ فَريقُ
يَرمي وَراءَكَ وهْوَ مَرْهوبُ الشَّذا / وعَليكَ مُلتَهِبُ الضَّميرِ شَفيقُ
رأيٌ يُطِلُّ على الخُطوبِ فتَنْجَلي / عنهُ وكَيْدٌ بالعَدوِّ يَحيقُ
لا زالَ مَمدودَ الرِّواقِ علَيكُما / ظِلٌّ يَقيلُ العِزُّ فيهِ صَفيقُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ / واستَمطَرَ العَبَراتِ وهْيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبصارُها / مِيلُ الرُّؤوسِ صَليلُهُنَّ بُكاءُ
والبِيضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما الْتَوى / رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
والسُّمْرُ راجِفَةٌ كأنَّ كُعوبَها / تَلوي معاقِدَها يَدٌ شَلاّءُ
والشَّمسُ شاحِبةٌ يَمورُ شُعاعُها / مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بهِ النَّكْباءُ
والنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى / نُفِضَتْ على صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أحْمَدَ فالبِلادُ خَواشِعٌ / والأرضُ تُعْوِلُ والصّباحُ مَساءُ
والعينُ تنْزِفُ ماءَها حُرَقُ الجَوى / والوجْهُ تُضمِرُ نارَهُ الأحشاءُ
فأذَلَّ أعناقاً خَضَعْنَ لفَقْدِهِ / وهْيَ التي طَمَحَتْ بها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صاغتْ حُلَى / أطواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلْمَنايا يَجْتَذِبْنَ إِلى الرَّدى / مُهَجاً فهُنَّ طلائِحٌ أنْضاءُ
تُدْهى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها / وتُحَطُّ عنْ وُكُناتِها الشّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسَ بالنّفوسِ وعِندَها / في كُلِّ يومٍ مُهجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ للرَّدى أبْناءَها / أُمٌّ لَعَمْرُ أبيهِمُ وَرْهاءُ
فالنّاسُ منْ غادٍ علَيهِ ورائِحٍ / ولِمَنْ تأخَّرَ عنهُما الإسْراءُ
لا شارِخٌ يَبْقى ولا ذو لِمَّةٍ / ألْوَتْ بعَصْرِ شَبابِها العنْقاءُ
ولكَمْ نَظَرْتُ إِلى الحياةِ وقدْ دَجَتْ / أظْلالُها فإذا الحَياةُ عَناءُ
لا يَخْدَعَنّكَ مَعْقِلٌ أشِبٌ ولَو / حلَّتْ علَيْهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
واكْفُفْ شَبا العَينِ الطّموحِ فَدونَ ما / تَسْمو إليهِ بلَحْظِها أقْذاءُ
ولَوِ اسْتُطيلَ على الحِمامِ بعِزَّةٍ / رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمْراءُ
لَتَحدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ على القَنا / حَيثُ القُلوبُ تُطيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أذيالَ الدُّروعِ كأنّهُمْ / أُسْدُ الشّرَى وكأنّهُنَّ إضاءُ
والخَيْلُ عابِسَةُ الوُجوهِ كأنّها / تَحْتَ الكُماةِ إذا انْجَرَدْنَ ضِراءُ
يَفْدونَ أحمَدَ بالنُّفوسِ وقلَّما / يُغْني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وهْوَ مُقتَبِلُ الصِّبا / حتَّى اتّقَتْ غَزَواتِهِ الأعْداءُ
ورَمى المَشارِقَ بالمَذاكِي فارْتَدى / بِعَجاجِها المَلْمومَةُ الشَّهْباءُ
ولهُ بأطرارِ المَغارِبِ وَقْعَةٌ / تُرضي السُّيوفَ وغارَةٌ شَعْواءُ
لمْ يَدْفَعِ الحَدَثانِ عَن حَوبائِهِ / مَجْدٌ أشَمُّ وعِزّةٌ قَعْساءُ
وصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ وأسِنَّةٌ / مَذروبَةٌ وكَتيبَةٌ جَأواءُ
لَقِحَتْ بهِ الأرضُ العَقيمُ وأُسْقِيَتْ / سَبَلَ الحَيا فكأنَّها عُشَراءُ
والصّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزيَّةٍ / تَقِصُ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
ولِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى / إلا إلَيهِ الآلَةُ الحَدْباءُ
للِّهِ ما اعتْتَنَقَ الثَّرى من سُؤْدَدٍ / شَهِدَتْ بهِ أُكْرومَةٌ وحَياءُ
وشَمائِلٍ رقَّتْ كَما خَطَرتْ على / زَهرِ الرَّبيعِ رُوَيْحَةٌ سَجواءُ
عَطِرَتْ بهِ الأرضُ الفَضاءُ كأنَّما / نُشِرَتْ علَيها الرَّوضَةُ الغنَّاءُ
لا زال يَنْضَحُ قبْرَهُ دَمُ قارِحٍ / يَحْبو لدَيْهِ وديمَةٌ وَطْفاءُ
والبَرْقُ يختلِسُ الوَميضَ كأنّهُ / بَلْقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأفْلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بهِ فُضولَ عِطافِهِ / وبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأنواءُ
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ / نارٌ بمُعتَلِجِ الكَثيبِ الأعْفَرِ
تَخبو وتُوقِدُها ولائِدُ عامِرٍ / بالمَندَليّ وبالقَنا المُتَكَسِّرِ
فتَطارَحَتْ مُقَلُ الرّكائِبِ نحوَها / ولنا بِرامَةَ وِقْفَةُ المُتَحَبِّر
وهَزَزْتُ أطرافَ السّياطِ فأرْقَلَتْ / وبِها مَراحُ الطّارِقِ المُتنَوِّر
حِنّي رُوَيْداً ناقُ إنّ مُناخَنا / بعُنَيْزَتَيْنِ ونارُها بمُحجَّرِ
فمَتى اللّقاءُ ودونَ ذلكَ فِتيَةٌ / ضُرِبَتْ قِبابُهُمُ بقُنّةِ عَرْعَرِ
وأسِنّةُ المُرّانِ حَولَ بُيوتِهِمْ / شُدَّتْ بِها عُذُرُ العِتاقِ الضُّمَّرِ
فهُمُ يَشُبّونَ الحُروبَ إذا خَبَتْ / بالبيضِ تَقطُرُ بالنّجيعِ الأحْمَرِ
يا أخْتَ مُقتَحِمِ الأسنّةِ في الوَغى / لَولا مُراقَبَةُ العِدا لَم تُهْجَري
هلْ تأمُرينَ بزَوْرَةٍ منْ دُونِها / حَدَقٌ تشُقُّ دُجى الظّلامِ الأخْضَرِ
أأُصانِعُ الأعداءَ فيكِ وطالَما / خَضَبَ القَنا بدِماءِ قوْمِكَ مَعْشَري
ويَروعُني لَغَطُ الوُشاةِ وقَبْلَنا / حَكَمَتْ قَبائِلُ خِنْدِفٍ في حِمْيَرِ
لأُشارِفَنّ إلَيكِ كلَّ تَنوفَةٍ / زَوراءَ تُعْقَرُ بالمُشيحِ الأزْوَرِ
فلَكَمْ هَزَزْتُ إلَيكِ أعْطافَ الدُّجى / ورَكِبْتُ هاديَةَ الصّباحِ المُسْفِرِ
نَفْسي فِداؤكِ منْ عَقيلَة مَعْشرٍ / مَنَعوا قُضاعَةَ بالعَديدِ الأكْثَرِ
ألِفَتْ ظِباءَ الوادِيَيْنِ فعِنْدها / حَذَرُ الغَزالَةِ والْتِفاتُ الجُؤذَرِ
وبمَنْشِطِ الحَوْذانِ خَمسَةُ أرْسُمٍ / تَبدو فأحْسَبُهُنَّ خَمسَةَ أسْطُرِ
وافَيْتُها والرّكْبُ يَسْجُدُ للكَرى / والعِيسُ تَركَعُ بالحَزيزِ الأوْعَرِ
فوَقَفْتُ أسأَلُها وفي عَرَصاتِها / طَرَبُ المَشوقِ وحَنّةُ المُتَذَكِّر
وكأنّ أطْلالاً بمُنعَرَجِ اللِّوى / أشْلاءُ قَتْلاكَ التي لمْ تُقْبَرِ
أخلَيْتَ منها الشّامَ حينَ تظلّمَتْ / منها ومَنْ يَستَجْدِ عَدْلَكَ يُنصَرِ
فقَشَرْتَ بالعَضْبِ الجُرازِ قُشَيْرَها / وقَلَعْتَ بالأسَلاتِ قلعَةَ جَعْبَرِ
شمّاءُ تَلعَبُ بالعُيونِ وتَرتَدي / هَضَباتُها حُلَلَ السَّحابِ الأقمَرِ
وتَحِلُّها عُصَبٌ تُضَرِّمُ للْقِرى / شَذَبَ الأراكِ زَهادَةً في العَنْبَرِ
قَوْمٌ حُصونُهُمُ الأسِنّةُ والظُّبا / والخَيْلُ تَنحِطُ في مَطارِ العِثْيَرِ
ألِفوا ظُهورَ المُقْرَباتِ وما دَرَوْا / أنّ المَصيرَ إِلى بُطونِ الأنْسُرِ
فخَبَتْ ببَأْسِكَ فِتْنَةٌ عرَبيّةٌ / كانت تُهَجْهِجُ بالسّوامِ النُّفَّرِ
وفَتَحْتَ أنطاكيّةَ الرّومِ التي / نَشَزَتْ مَعاقِلُها على الإسكَنْدَرِ
وكَفى مُعِزَّ الدين رأيُكَ عَسْكَراً / لَجِباً يُجَنّحُ جانبَيْهِ بعَسْكَرِ
وطِئَتْ مَناكِبَها جِيادُكَ فانْثَنَتْ / تُلقي أجِنّتَها بَناتُ الأصْفرِ
تَردي كما نَسَلَتْ سَراحينُ الغَضى / قُبْلَ العُيونِ بجنّةٍ منْ عَبْقَرِ
وتَرى الشُّجاعَ يُديرُ في حَمْسِ الوَغى / حَدَقَ الشُّجاعِ يَلُحْنَ تحتَ المِغْفَرِ
فتَناوشَ الأسَلُ الشّوارِعُ أرضَها / والخَيلُ تَعثُرُ في العَجاجِ الأكْدَرِ
رُفِعَتْ منارُ العَدلِ في أرْجائِها / فاللّيْثُ يَخْضَعُ للغَزالِ الأحْوَرِ
وترَشّفَ العافونَ منكَ أنامِلاً / يَخْلُفْنَ غاديَةَ الغَمامِ المُغزِرِ
ورَدوا نَداكَ فأصْدَرَتْ نَفَحاتُهُ / عنكَ المُقِلَّ يَجُرُّ ذَيْلَ المُكْثِر
وصَبا الدُّهورُ إلَيْكَ بَعْدَ مُضِيِّها / لتَرى نَضارَةَ عَصرِكَ المُتأخّرِ
فَغدا بِها الإسلامُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / مَرَحاً ويخْطِرُ خِطْرَةَ المُتَبَخْتِرِ
إيْهاً فقَدْ أدرَكْتَ منْ شَرَفِ العُلا / ما لم يُنَلْ وذَخَرْتَ ما لمْ يُذْخَرِ
وبلَغْتَ غايَةَ سُؤدَدٍ لمْ يُلْفِهِ / كِسْرى ولا عَلِقَتْهُ هِمّةُ قَيصَرِ
فإذا استَجارَ بكَ العُفاةُ تَبَيّنوا / أثَرَ السّماحِ على الجَبينِ الأزْهَرِ
ورَأَوا عُلا إسْحاقَ شَيّدَ سَمْكَها / كَرَمُ الرّضيِّ فَيا لَهُ منْ مَفْخَرِ
ومَناصِباً فَرَعَتْ ذُؤابَةَ فارِسٍ / لمْ يَستَبِدَّ بهِنّ آلُ المُنْذِرِ
يا صاحِبَيَّ دَنا الرّحيلُ فَقَرِّبا / وَجْناءَ تكفُلُ بالغِنى للمُقْتِرِ
وتَجُرُّ أثناءَ الزِّمامِ إِلى فتَىً / خَضِلِ الأنامِلِ كِسْرَويّ المَفْخَرِ
فمَطالعُ البَيداءِ تَعلَمُ أنّني / أسْري وأَعنُفُ بالمَهارَى الحُسَّرِ
وأحَبِّرُ الكَلِمَ التي لا أرتَضي / مِنها بغَيرِ الشّاردِ المُتَخيّرِ
وجَزالةُ البَدَوِيِّ في أثنائِه / مُفْتَرَّةٌ عن رِقَّةِ المُتَحَضِّرِ
وإلَيكَ يَلتَجئُ الكَريمُ ويَتّقي / بكَ ما يُحاذِرُ والنّوائِبُ تَعتَري
والأرضُ دارُكَ والبَرايا أعْبُدٌ / وعلى أوامِرِكَ اختِلافُ الأعْصُرِ
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا / والوَجْدُ يُظهِرُ سِرّيَ المَكتوما
يا صاحِبَيَّ تَرَفّقا بمُتَيَّمٍ / نَزَفَ الصّبابَةُ دمعَهُ المَسْجوما
وأضاءَ بَرْقٌ كادَ يَسلُبُهُ الكَرى / فتَقَصّيا نَظَراً إليهِ وشيما
وتعلّما أني أُجيلُ وراءَهُ / طَرْفاً يُثيرُ على الفؤادِ هُموما
لولا أميمةُ ما طَرِبْتُ لِبارِقٍ / ضَرِمِ الزِّنادِ ولا انتَشَقْتُ نَسيما
فَقِفا بَحيثُ مَحا مَساحِبَ ذَيْلِها / نَكْباءُ غادَرَتِ الدّيارَ رُسوما
والنُّؤْيُ أنْحَلَهُ البِلى فكأنّها / أهْدَتْ إلَيهِ سِوارَها المَفْصوما
لا زالَ مُرتَجِزُ الغَمامِ برَبْعِها / غَدَقاً وخَفّاقُ النّسيمِ سَقيما
ما أنسَ ولا أنسَ الوَداعَ وقَولَها / والثّغْرُ يَجلو اللّؤلُؤَ المَنظوما
لا تَقْرَبِ البَكريّ إنّ وراءَهُ / مِنْ أُسْرَتَيْهِ جَحاجِحاً وقُروما
فخَرَتْ عليّ الوائِليّةُ ضلّةً / كُفّي وَغاكِ فقَدْ أصَبْتِ كَريما
إنْ تَفخَري ببَني أبيكِ فإنّ لي / منْ فَرْعِ خِنْدِفَ ذِرْوَةً وصَميما
حَدَبَتْ عليّ قَبائلٌ مُضَريّةٌ / طَلَعَتْ عليكِ أهِلّةً ونُجوما
آتاهُمُ اللهُ النّبُوّةَ والهُدى / والمُلكَ مُرتَفِعَ البِناءِ عظيما
وسَما بإبراهيمَ ناصِرِ دينِهِ / شَرَفُ الخليلِ أبيهِ إبراهيما
مُتَهَلِّلٌ يَحمي حَقيقةَ عامِرٍ / بالسّيفِ عَضْباً والنَّوالِ جَسيما
ويهُزُّهُ نَغمُ الثّناءِ كأنّهُ / مُتَسَمِّعٌ هَزَجَ الغِناءِ رَخيما
والجارُ يأمَنُ في ذَراهُ كأنَّما / عَقَدَتْ مَكارِمُهُ عليهِ تَميما
يَغدو لِحالِيَةِ الرّبيعِ مُجاوِراً / ولصَوْبِ غاديَةِ الغَمامِ نَديما
ولهُ ذِمامُ أبيهِ حَزْنٍ إنْ جَرَتْ / ريحُ الشِّتاءِ على السّوامِ عَقيما
ولفارِسِ الهَرّارِ فيهِ شَمائِلٌ / لَقِحَتْ بِها الحَرْبُ العَوانُ قديما
مِن مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ توشّحوا / شِيَماً خُلِقْنَ منَ العُلا وحُلوما
إنْ أقدَموا بَرزوا إليكَ صَوارِماً / أو أنعَموا مَطَروا عليْكَ غُيوما
تَلقى الكُماةَ الصّيدَ حَولَ بُيوتِهِمْ / والخَيلُ صافِنَةً تَلوكُ شَكيما
وكَتيبَةٍ منْ سِرِّ جَوثَةَ فَخمَةٍ / كالأُسْدِ تَملأُ مِسمَعَيْكَ نَئيما
زَخَرَتْ بهمْ أمُّ البَنين فأقبَلوا / كالمَشْرَفيّةِ نَجدَةً وعَزيما
وإذا العُمومَةُ لمْ تُشَجْ بِخؤولَةٍ / خَرَجَ النّسيبُ بها أغَرَّ بَهيما
ومُرَنَّحينَ مِنَ النُّعاسِ بَعَثْتُهُمْ / والعينُ تَكسِرُ جَفنَها تَهْويما
فسَرَتْ بهِمْ ذُلُلُ المَطيّ لَواغِباً / تَهفو إِلى آلِ المُسَيّبِ هيما
قَومٌ إذا طَرَقَ الزّمانُ بِحلدِثٍ / لم يُلْفَ مارِنُ جارِهِمْ مَخْطوما
يتهلّلونَ إِلى العُفاةِ بأوْجُهٍ / رَقّتْ وقَدْ غَلُظَ الزّمانُ أديما
يا سيّدَ العَرَبِ الإِلى زيدوا بهِ / شَرَفاً بمَيسَمِ عزّةٍ مَرْموقا
نشأَتْ قَناتُكَ في فُروعِ هَوازِنٍ / ريّا المَعاقِدَ لا تُسِرُّ وُصوما
ولِحاسِديكَ وأنت مُقتَبَلُ الصِّبا / كَمَدٌ يَكادُ يُصَدِّعُ الحَيْزوما
لا عُذْرَ للقَيْسيِّ يَضرِبُ طَوْقُهُ / طَرَفَ اللَّبانِ ولا يَسود فَطيما
لكَ ما يُرَوِّقُهُ الغَمامُ الهاطِلُ
لكَ ما يُرَوِّقُهُ الغَمامُ الهاطِلُ / إنْ ردَّ عَبْرَتهُ الجَموحَ السّائِلُ
وعليكَ يا طَلَلَ الجَميعِ تحيّةٌ / أصغى ليَسْمَعَها المَحَلُّ الآهِلُ
أمِنَ البِلى هذا النُّحولُ أمِ الضّنى / فالحُبُّ مِنْ شِيَمي وأنتَ النّاحِلُ
خلَعَ الرَّبيعُ منْ أنوارِهِ / حَلياً تَوَشَّحَهُ ثَراكَ العاطِلُ
والرّوضُ في أفوافِهِ مُتَبرِّجٌ / والزَّهْرُ في حُلَلِ السِّحائِبِ رافِلُ
وغَنِيتَ في حِجْرِ الحَيا مُستَرضَعاً / يَغْذوكَ واشِلُ طَلِّهِ والوابِلُ
كانت أيادي الدّهْرِ فيكَ كَثيرةً / لكنْ لَياليهِ لدَيكَ قَلائلُ
في حيثُ يَقتَنصُ الأسودَ ضَوارِياً / لَحْظٌ تُمَرِّضُهُ المَهاةُ الخاذِلُ
إذ لم يكنْ والليلُ يَسحَبُ ذَيلَهُ / لسُعادَ غيرَ يَدي وِشاحٌ جائِلُ
فكأنّنا غُصنانِ يَشكو منهُما / بَرْحَ الغَرام إِلى الرّطيبِ الذّابِلُ
هَيفاءُ إنْ خَطَرَتْ فقَدٌّ رامِحٌ / نَجلاءُ إنْ نظَرَتْ فطَرْفٌ نابِلُ
وكأنّ فاها بعدَما نَشَرَ الدُّجى / فَرْعاً يَلوحُ بهِ الخِضابُ النّاصِلُ
صَهباءُ تُعْشي النّاظِرينَ نَضَتْ بِها / عَذَبَ الفَدامِ عنِ اللّطيمَةِ بابِلُ
وأبي اللّوائِمِ لا أفَقْتُ منَ الهَوى / ولَئِنْ أفَقْتُ فأينَ قَلبٌ ذاهِلُ
حتّى يرُدَّ قِوامَ دولَةِ هاشِمٍ / مَنْ يَرتَجيهِ لِما يَقولُ العاذِلُ
مُرُّ الحَفيظَةِ والرِّماحُ يَشِفُّها / ظَمَأٌ ومَنْ ثُغَرِ النُّحورِ مَناهلُ
يَرمي العُدُوَّ ودِرْعُهُ مِنْ حِلْمِهِ / فيَقيهِ عاديةَ المَنون القاتِلُ
والرّايةُ السّوداءُ يخفُقُ ظِلُّها / والرُّعْبُ يَطلُعُ والتّجَلُّدُ آفِلُ
والقِرْنُ قَلقَلَ جأْشَهُ حَذَرُ الرّدى / فأُعيرَ نَفْرتَهُ النَّعامُ الجافِلُ
نامَ المُلوكُ وباتَ سرحانُ الغَضى / مَرعِيُّ سَرحِهِمُ لهُ والهامِلُ
فأعادَ أكْنافُ العِراقِ على العِدا / شَرَكاً يَدِبُّ بهِ الضَّراءَ الحابِلُ
ويَمُدُّ ساعِدَهُ الطِّعانُ كما لَوَتْ / للفَحْلِ مِنْ طَرَفِ العَسيبِ الشّائِلُ
وطَوى إِلى أمَدِ المَكارِمِ والعُلا / نَهْجاً تجَنَّبَ طُرَّتَيْهِ النّاعِلُ
ولهُ شَمائِلُ أُودِعَتْ مِنْ نَشْرِها / سِراً يَبوحُ بهِ النّسيمُ خَمائِلُ
ويَدٌ يَتيهُ بِها اليَراعُ على الظُّبا / ويُشابُ فيها بالنّجيعِ النّائِلُ
عَلِقَتْ بِكِلْتا راحتَيْهِ أربَعٌ / نفَضَ الأنامِلَ دونَهُنَّ الباخِلُ
نِعَمٌ يَشِفُّ وراءها نَيْلُ المُنى / وأعِنَّةٌ وأسِنّةٌ ومَناصِلُ
مِنْ مَعشَرٍ فرَعوا ذَوائِبَ سُؤْدَدٍ / أغصانُ دَوحَتِهِ الكَميُّ الباسِلُ
تُدْعى زُرارَةُ في أواخِرِ مَجدِهِمْ / يومَ الفَخارِ وفي الأوائِلِ وائِلُ
يا خَيرَهُمْ حَيثُ السّيوفُ تَزيدُها / طولاً وقَد قَصُرَتْ عليكَ حَمائِلُ
إنّ الصّيامَ يهُزُّ عِطفَيْ شَهرِهِ / أجْرٌ بما زَعَمَ التّمَنّي كافِلُ
وافاكَ طَلقَ المُجْتَلى فثَوابُهُ / لكَ آجِلٌ ونَداكَ فيهِ عاجِلُ
وإذا السِّنونَ قَضى بِسَعْدِكَ حاضِرٌ / مِنها تَبَلّجَ عنهُ عامٌ قابِلُ
وحَمى بِكَ المُستَظْهِرُ الشَّرَفَ الذي / يزوَرُّ دونَ ثَنِيَّتَيْهِ الواقِلُ
وبِكَ استَفاضَ العَدْلُ واعتَجَرَ الوَرى / بالأمْنِ وانتَبَه الزّمانُ الغافِلُ
لمّا أرَحْتَ إليهِ عازِبَ سِربِهِمْ / هَدَأ الرّعيّةُ واستَقامَ الماثِلُ
ودَعاكَ للنّجْوى فكُنتَ لرَأْيِهِ / رِدْءاً كَما عَضَدَ السِّنانَ العامِلُ
وبَرَزْتَ في حُلَلِ الجَلالِ أنارَها / بأنامِلِ العِزِّ النّعيمُ الشّاملُ
متَوَشِّحاً بالمَشْرَفيِّ يُقِلُّهُ / أسَدٌ مَخالِبُهُ الحُسامُ القاصِلُ
فوقَ الأغرِّ يَلوحُ في أعطافِهِ / مِنْ آلِ أعوَجَ والصّريحِ شَمائِلُ
ومُعرَّسُ النُّعْمى دَواةٌ حلْيُها / حَسَبٌ تحُفُّ بهِ عُلاً وفضائِلُ
نَشَرَ الصّباحُ بِها الجَناحَ ورَقْرَقَتْ / فيها منَ الشَّفَقِ النُّضارَ أصائِلُ
وكأنما أقلامُها هِندِيّةٌ / بيضٌ أحدَّ مُتونَهُن الصّاقِلُ
والعِزُّ مُقتَبَلٌ بحيثُ صَريرُها / وصَليلُ سَيفِكَ والجَوادُ الصّاهِلُ
فَفداكَ منْ رَيْبِ الحَوادثِ ناقِصٌ / في المَكْرُماتِ وفي المَعايِبِ كامِلُ
بِيَدٍ يُشامُ لَها بُرَيْقٌ خُلَّبٌ / عَلِقَتْ بهِ ذَيلَ الجَهامِ مَحائِلُ
غُلَّتْ عن المَعروفِ فهْيَ بكِيَّةٌ / والضَّرْعُ تَغْمُرُهُ الأصِرَّةُ حافِلُ
قَسَماً بخُوصٍ شَفَّها عَقْبُ السُّرى / حتى رَثى لابنِ اللَّبونِ البازِلُ
وفَلَتْ بأيديهنَّ ناصِيةَ الفَلا / فشَكا الكَلالَ إِلى الأظَلِّ الكاهلُ
والليلُ بحرٌ والغَياهِبُ لُجّةٌ / والشُّهْبُ دُرٌ والصّباحُ السّاحِلُ
ومُرنَّحينَ سَقاهُمُ خَدَرُ الكَرى / نُطَفاً يَعافُ كُؤوسَهُنَّ الواغِلُ
نَزَلوا بمُعْتَلِجِ البِطاحِ وعِندَهُ / لُفَّت على الحَسَبِ الصّميمِ وَصائِلُ
لأُقلِّدَنّكَ مِدْحَةً أمَويَّةً / فانْظُرْ مَنِ المُهدي لَها والقائِلُ
فالوِرْدُ إلا في ذَراكَ مُرَنَّقٌ / والظِّلُّ إلا في جَنابِكَ زائلُ
والحقُّ أنتَ وكُلُّ ما نُثْني بهِ / إلا عَليكَ منَ المَدائِحِ باطِلُ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ / وأُسِرُّ منْ ألَمِ الغَرامِ وأُظْهِرُ
وتذَكُّري زَمَنَ العُذَيْبِ يَشِفُّني / والوَجْدُ مَمْنُوٌّ بهِ المُتَذَكِّرُ
إذْ لِمّتي سَحْماءُ مَدَّ على التُّقى / أظْلالَها وَرَقُ الشّبابِ الأخضَرُ
هوَ مَلعَبٌ شَرِقَتْ بِنا أرجاؤُهُ / إذْ نَحنُ في حُلَلِ الشّبيبَةِ نَخْطِرُ
فبِحَرِّ أنفاسي وصَوْبِ مَدامِعي / أضْحَتْ مَعالِمُهُ تُراحُ وتُمطَرُ
وأُجيلُ في تلكَ المَعاهِدِ ناظِري / فالقَلبُ يعرِفُها وطَرْفي يُنكِرُ
وأرُدُّ عَبْرتِيَ الجَموحَ لأنّها / بِمَقيلِ سِرِّكَ في الجَوانِحِ تُخْبِرُ
فأبِيتُ مُحْتَضِنَ الجَوى قلِقَ الحَشى / وأظَلُّ أُعْذَلُ في هَواك وأُعذَرُ
غَضِبَتْ قُرَيشٌ إذْ مَلَكْتُ مَقادَتي / غَضباً يَكادُ السُّمُ منهُ يَقْطُرُ
وتَعاوَدَتْ عَذْلي فَما أرْعَيْتُها / سَمْعاً يَقِلُّ بهِ المَلامُ ويَكْثُرُ
ولقَدْ يَهونُ على العَشيرَةِ أنّني / أشْكو الغَرامَ فيَرقُدونَ وأسْهَرُ
وبمُهْجَتي هَيْفاءُ يَرْفَعُ جِيدَها / رَشَأٌ ويَخْفِضُ ناظِرَيْها جُؤْذَرُ
طَرَقَتْ وأجْفانُ الوُشاةِ على الكَرى / تُطْوى وأرْدِيَةُ الغَياهِبِ تُنْشَرُ
والشُّهْبُ تَلمَعُ في الدُّجى كأَسِنّةٍ / زُرْقٍ يُصافِحُها العَجاجُ الأكْدَرُ
فنِجادُ سَيْفي مَسَّ ثِنْيَ وِشاحِها / بمَضاجِعٍ كَرُمَتْ وعَفَّ المِئْزَرُ
ثمَّ افْتَرَقْنا والرَّقيبُ يَروعُ بي / أسَداً يوَدِّعُهُ غَزالٌ أحْوَرُ
والدُّرُّ يُنظَمُ حينَ يضحَكُ عِقْدُهُ / وإذا بَكَيْتُ فمِنْ جُفوني يُنثَرُ
فَوَطِئْتُ خَدَّ اللّيلِ فوقَ مُطَهَّمٍ / هُوجُ الرِّياحِ وراءَهُ تَسْتَحْسِرُ
طَرِبِ العِنانِ كأنّهُ في حُضْرِهِ / نارٌ بمُعْتَرَكِ الجيادِ تَسَعَّرُ
والعِزُّ يُلحِفُني وشائِعَ بُرْدِهِ / حَلَقُ الدِّلاصِ وصارِمي والأشْقَرُ
وعَلامَ أدَّرِعُ الهَوانَ ومَوْئِلي / خَيْرُ الخَلائِفِ أحْمَدُ المُسْتَظْهِرُ
هوَ غُرَّةُ الزّمنِ الكَثيرِ شِياتُهُ / زُهِيَ السّريرُ بهِ وتاهَ المِنْبَرُ
ولهُ كما اطّرَدَتْ أنابيبُ القَنا / شَرَفٌ وعِرْقٌ بالنُّبُوّةِ يَزْخَرُ
وعُلاً تَرِفُّ على التُّقى وسَماحَةٌ / عَلِقَ الرّجاءُ بِها وبأسٌ يُحْذَرُ
لا تَنفَعُ الصّلواتُ مَنْ هوَ ساحِبٌ / ذَيْلَ الضّلالِ وعنْ هَواهُ أزْوَرُ
ولَوِ اسْتُميلَتْ عَنْهُ هامَةُ مارِقٍ / لَدعا صَوارِمَهُ إلَيْها المِغْفَرُ
فَعُفاتُهُ حَيثُ الغِنى يَسَعُ المُنى / وعُداتُهُ حَيثُ القَنا يتكَسّرُ
وبِسَيْبِهِ وبسِيْفِهِ أعمارُهُمْ / في كُلِّ مُعضِلَةٍ تَطولُ وتَقْصُرُ
وكأنّهُ المَنْصورُ في عَزَماتِهِ / ومُحَمّدٌ في المَكرُماتِ وجَعْفَرُ
وإذا مَعَدٌّ حُصِّلَتْ أنسابُها / فَهُمُ الذُّرا والجَوْهَرُ المُتَخيَّرُ
ولَهمْ وقائِعُ في العِدا مَذْكورةٌ / تَروي الذِّئابُ حَديثَها والأنسُرُ
والسُّمْرُ في اللّبّات راعِفةٌ دَماً / والبِيضُ يَخضِبُها النّجيعُ الأحْمَرُ
والقِرْنُ يرْكَبُ رَدْعَهُ ثَمِلَ الخُطا / والأعْوَجيَّةُ بالجَماجِمِ تَعْثُرُ
ودَجا النّهارُ منَ العَجاجِ وأشْرَقَتْ / فيهِ الصّوارِمُ وهْوَ ليلٌ مُقْمِرُ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا ما لأمرئٍ / طامَنْتَ نَخوَتَهُ المَحلُّ الأكبَرُ
أنا غَرْسُ أنْعُمِكَ التي لا تُجتَدى / مَعها السّحائِبُ فهْيَ مِنْها أغْزَرُ
والنُّجْعُ يَضْمَنُهُ لمَنْ يرْتادُها / مِنْكَ الطّلاقَةُ والجَبينُ الأزهَرُ
وإنِ اقتَرَبْتُ أوِ اغْتَرَبْتُ فإنّني / لهِجٌ بشُكإِ عَوارِفٍ لا تُكفَرُ
وعُلاكَ لي في ظِلِّها ما أبتَغي / مِنها ومنْ كَلِمي لَها ما يُذْخَرُ
يُسْدي مَديحَكَ هاجِسي ويُنيرُهُ / فِكري وحظّي في امْتِداحِكَ أوفَرُ
بغْداذَ أيّتُها المَطيُّ فواصِلي / عَنَقاً تئِنُّ لهُ القِلاصُ الضُّمَّرُ
إنّي وحَقِّ المُستَجِنِّ بطَيْبَةٍ / كَلِفٌ بِها وإِلى ذَراها أصْوَرُ
وكأنَّني مما تُسوِّلُهُ المُنى / والدّارُ نازِحةٌ إليها أنظُرُ
أرضٌ تَجُرُّ بِها الخِلافَةُ ذَيْلَها / وبها الجِباهُ منَ المُلوكِ تُعَفَّرُ
فكأنّها جُلِيَتْ عَلَينا جَنّةٌ / وكأنّ دِجلَةَ فاضَ فيها الكَوثَرُ
وهَواؤُها أرِجُ النّسيمِ وتُرْبُها / مِسْكٌ تَهاداهُ الغَدائِرُ أذْفَرُ
يَقْوى الضّعيفُ بِها ويأمَنُ خائِفٌ / قَلِقَتْ وِسادَتُهُ ويُثْري المُقْتِرُ
فصَدَدْتُ عنها إذ نَباني مَعْشَري / وبَغى عليَّ منَ الأراذِلِ مَعْشَرُ
منْ كُلِّ مُلْتَحِفٍ بما يَصِمُ الفَتى / يُؤذي ويَظلِمُ أو يَخونُ ويَغْدِرُ
فنَفَضْتُ منهُ يدي مَخافَةَ كَيْدِهِ / إنَّ الكَريمَ على الأذى لا يَصْبِرُ
وأبَى لشِعْري أن أدَنِّسَهُ بهِمْ / حَسَبي وسَبُّ ذوي الخَنا أن يُحقَروا
قابَلْتُ سيّئَ ما أتَوْا بجَميلِ ما / آتي فإنّي بالمكارِمِ أجْدَرُ
وأبادَ بعضَهُمُ المَنونُ وبَعْضُهُمْ / في القِدِّ وهْوَ بما جَناهُ أبصَرُ
والأبيضُ المأثورُ يَخْطِمُ بالرّدى / مَنْ لا يُنَهْنِهُهُ القَطيعُ الأسمَرُ
فارْفَضَّ شملُهُمُ وكمْ مِنْ مَوْرِدٍ / للظّالِمينَ وليْسَ عنهُ مَصْدَرُ
وإِلى أميرِ المؤمنينَ تطَلَعَتْ / مِدَحٌ كما ابتَسَمَ الرِّياضُ تُحَبَّرُ
ويقيمُ مائِدَهُن لَيلٌ مُظلِمٌ / ويضُمُّ شارِدَهُنَّ صُبحٌ مُسْفِرُ
فبِمِثْلِ طاعَتِهِ الهِدايَةُ تُبْتَغى / وبفَضْلِ نائِلِهِ الخَصاصَةُ تُجْبَرُ
وَلَهٌ تَشِفُّ وراءَهُ الأشجانُ
وَلَهٌ تَشِفُّ وراءَهُ الأشجانُ / وهَوىً يَضيقُ بسِرِّهِ الكِتْمانُ
ومُتَيَّمٌ يُدمي مَقيلَ هُمومِهِ / وَجْدٌ يُضَرِّمُ نارَهُ الهِجْرانُ
فَنَطا الكَرى عن مُقلَتَيْهِ شادِنٌ / عَبِثَ الفُتورُ بلَحْظِهِ وَسْنانُ
يَرعى النّجومَ إذا اسْتَرابَ بطَيفِهِ / هَلاّ اسْتَرابَ بطَرْفِهِ اليَقظانُ
ألِفَ السُّهادَ فلو أهابَ خَيالُهُ / بالعَيْنِ ما شَعَرَتْ بهِ الأجْفانُ
للهِ وَقْفَتُنا التي ضمِنَتْ لنا / شَجَناً غَداةَ تَفَرّقَ الجيرانُ
نَصِفُ الهَوى بمَدامِعٍ مَذعورةٍ / تَبكي الأسُودُ بهِنّ والغِزْلانُ
وإذا سَمِعْنا نَبْأةً منْ عاذِلٍ / جُعِلَتْ مَغيضَ دُموعِها الأرْدانُ
ولقد طَرَقْتُ الحيَّ يحْمِلُ شِكّتي / ظامي الفُصوصِ أديمُهُ ريّانُ
لبِسَ الدُّجى وأضاءَ صُبحُ جَبينِهِ / يَنشَقُّ عنهُ سَبيبُهُ الفَيْنانُ
وسَما لِدارِ العامريّةِ بعْدَما / خَفَتَ الهَديرُ وروّحَ الرُّعْيانُ
ووَقَفْتُهُ حيثُ اليَمينُ جَعَلْتُها / طَوقَ الفَتاةِ وفي الشِّمالِ عِنانُ
ورَجَعْتُ طَلْقَ البُرْدِ أسْحَبُ ذَيْلَهُ / ويَعَضُّ جِلْدَةَ كفِّهِ الغَيْرانُ
يا صاحِبَيَّ تقَصّيا نَظَرَيْكُما / هَلْ بَعدَ ذَلكُما اللِّوى سَفَوانُ
فلقدْ ذَكَرْتُ العامريّةَ ذِكْرَةً / لا يُسْتَشَفُّ وَراءَها النّسيانُ
وهَفا بنا وَلَعُ النّسيمِ على الحِمى / فثَنى مَعاطِفَهُ إليهِ البانُ
ومَشى بأجْرَعِهِ فهَبَّ عَرارُهُ / منْ نَومِهِ وتَناجَتِ الأغْصانُ
وإذا الصَّبا سَرَقَتْ إليها نَظرَةً / مالَتْ كَما يتَرَنّحُ النّشوانُ
غُبِقَتْ حواشي التُّرْبِ منْ أمْواهِهِ / راحاً تَصوغُ حَبابَها الغُدْرانُ
فكأنّ وَفْدَ الرّيحِ شافَهَ أرْضَها / بثَرًى تُعَفَّرُ عندَهُ التّيجانُ
منْ عَرْصَةٍ تَسِمُ الجِباهَ بتُرْبِها / صِيدٌ يُطيفُ بعِزِّهِمْ إذعانُ
خَضَعوا لمَلْثومِ الخُطا عَرَصاتُهُ / للمُعْتَفينَ وللعُلا أوطانُ
ذو مَحْتِدٍ سَنِمٍ رَفيعٍ سَمْكُهُ / تُعلي دَعائِمَ مَجدِهِ عَدنانُ
قوْمٌ إذا جَهَروا بدَعوى عامِرٍ / قَلِقَ الظُّبا وتَزَعْزَعَ الخِرْصانُ
وأظَلَّ أطرافَ البسيطةِ جَحفَلٌ / لَجِبٌ يُبَشِّرُ نَسرَهُ السِّرْحانُ
تَفْري ذُيولَ النّقعِ فيهِ صَوارِمٌ / مَذْروبَةٌ وذَوابِلٌ مُرّانُ
بأكُفِّ أبطالٍ تَكادُ دُروعُهُمْ / عِندَ اللّقاءِ تُذيبُها الأضْغانُ
منْ كُلِّ عَرّاصٍ إذا جَدَّ الرّدى / في الرّوْعِ لاعَبَ مَتْنَهُ العَسَلانُ
ومُهَنّدٍ تندىً مَضارِبُهُ دَماً / بيدٍ يَنُمُّ بجودِها الإحسانُ
لو كانَ للأرْواحِ منهُ ثائِرٌ / لَتَشَبّثَتْ بغِرارِهِ الأبْدانُ
وبَنو رُؤاسٍ يَنهَجونَ إِلى الندىً / طُرُقاً يَضِلُّ أمامَها الحِرْمانُ
كُرَماءُ والسُّحْبُ الغِزارُ لَئيمَةٌ / حُلَماءُ حينَ تُسَفَّهُ الشُّجْعانُ
إن جالَدوا لَفَظَ السّيوفَ جُفونُها / أو جاوَدوا غَمَرَ الضّيوفَ جِفانُ
وإذا العُفاةُ تمَرّسوا بفِنائِهِمْ / وتوَشّحَتْ بظِلالِهِ الضِّيفانُ
طَفَحَ الدّمُ المُهَراقُ في أرْجائِها / دُفَعاً تُضَرَّمُ حَولَها النّيرانُ
وإِلى سَناءِ الدّولةِ اضْطَرَبَتْ بِنا / شعب الرِّحالِ وغَرَّدَ الرُّكْبانُ
ثَمِلُ الشّمائِلِ للمَديحِ كأنّما / عاطاهُ نَشْوَةَ كأسِهِ النَّدْمانُ
ونَماهُ أرْوَعُ عُودُهُ مِنْ نَبْعَةٍ / رَفّتْ على أعْراقِها الأفْنانُ
يا مَنْ تَضاءَلَ دونَ غايتِهِ العِدا / وعَنا لسَوْرَةِ بأسِهِ الأقْرانُ
أيّامُنا الأعْيادُ في أفيائِكُمْ / بِيضٌ كَحاشيَةِ الرِّداءِ لِدانُ
فاسْتَقْبِلِ الأضحى بمُلْكٍ طارِفٍ / للعِزِّ في صَفَحاتِهِ عُنوانُ
وتصَفّحِ الكَلِمَ التي وَصَلَتْ بها / مِرَرَ البلاغَةِ شِدّةٌ ولَيانُ
تُلْقي إليّ عِنانَها عنْ طاعَةٍ / ولَها على المُتَشاعِرينَ حِرانُ
فالمجْدُ يأنَفُ أن يُقَرِّظَ باقِلٌ / أربابَهُ ولَدَيهِمُ سَحْبانُ
والشِّعْرُ راضَ أبِيَّهُ لي مِقْوَلٌ / ذَرِبُ الشَّبا وفَصاحَةٌ وبَيانُ
ويَدي مُكَرَّمَةٌ فلا أعْطو بِها / مِنَحاً على أعْطافِهِنَّ هَوانُ
والماءُ في الوَجَناتِ جَمٌّ والغِنى / حيثُ القَناعَةُ والحَشى طَيّانُ
تَلِدُ المُنى هِمَمٌ وتَعقُمُ همّتي / فيَمَسُّهُنَّ الهُونُ وهْيَ حَصانُ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ / واليومَ طالَبَ صَرْفُها بالثّارِ
سُدَّتْ على عُونِ الرّزايا طُرْقُها / فسَمَتْ لنا بخُطوبِها الأبْكارِ
عَجَباً من القَدَرِ المُتاحِ تولّعَتْ / أحْداثُهُ بمُصَرِّفِ الأقدارِ
ولَنا بمُعتَرَكِ المَنايا أنْفُسٌ / وقَفَتْ بمَدْرَجَةِ القَضاءِ الجاري
في كلِّ يومٍ تعْتَرينا رَوعَةٌ / تَذَرُ العُيونَ كَواسِفَ الأبْصارِ
والموْتُ شِرْبٌ ليسَ يُورِدُهُ الرّدى / أحَداً فيَطْمَعَ منهُ في الإصدارِ
شرِبَ الأوائِلُ عُنفُوانَ غَديرِهِ / ولَنَشْربَنَّ بهِ من الأسْآرِ
ملأَتْ قُبورُهُمُ الفَضاءَ كأنّها / بُزْلُ الجِمالِ أُنِخْنَ بالأكْوارِ
ألْقَوا عِصِيَّهُمُ بدارِ إقامَةٍ / أنْضاءَ أيّامٍ مَضيْنَ قِصارِ
وكأنّهمُم بلَغوا المَدى فتَواقَفوا / يتَذاكَرونَ عَواقِبَ الأسْفارِ
لمْ يَذهَبوا سَلَفاً لنَغْبُرَ بَعدَهُمْ / أينَ البَقاءُ ونحنُ في الآثارِ
حارَتْ وراءَهُمُ العُقولُ كأننا / شَرْبٌ تُطَوِّحُهُمْ كُؤوسُ عُقارِ
يا مَنْ تُخادِعُهُ المُنى ولرُبّما / قطَعَتْ مَخائِلُها قُوى الأعمارِ
والناسُ يستَبِقون في مِضْمارِها / والمَوتُ آخِرُ ذلكَ المِضْمارِ
والعُمْرُ يَذْهَبُ كالحياةِ فما الذي / يُجْدي عَليكَ منَ الخَيالِ السّاري
بَيْنا الفَتى يَسِمُ الثّرى برِدائِهِ / إذ حَلَّ فيهِ رَهينَةَ الأحْجارِ
لوْ فاتَ عاديَةَ المَنونِ مُشَيَّعٌ / لنَجا بمُهْجَتِهِ الهِزَبْرُ الضّاري
أقْعى دوَيْنَ الغابِ يمنَعُ شِبلَهُ / ويُجيلُ نظرَةَ باسِلٍ كَرّارِ
وحَمى الأميرَ ابنَ الخَلائِفِ جعفَراً / إقْدامُ كُلِّ مغَرِّرٍ مِغْوارِ
يمشي كما مَشَتِ الأسودُ إِلى الوَغى / والخَيْلُ تَعثُرُ بالقَنا الخَطّارِ
ويخوضُ مُشْتَجَرَ الرِّماحِ بغِلْمَةٍ / عرَبيّةٍ نَخَواتُها أغْمارِ
ويَجوبُ أرديَةَ العَجاجِ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ تئِنُّ لهُ الرُّبا جَرّارِ
والمَشْرَفيّاتُ الرِّقاقُ كأنّها / ماءٌ أصابَ قَرارَةً في نارِ
ينعَوْنَ فَرْعاً من ذَوائِبِ دَوْحَةٍ / خَضِلَتْ حَواشِيها عَلَيْهِ نُضارِ
نَبَويّةِ الأعراقِ مُقْتَدَرِيّةٍ / تَفْتَرُّ عنْ كَرَمٍ وطِيبِ نِجارِ
ذَرَفَتْ عُيونُ المَكْرُماتِ وأعْصَمَتْ / أسَفاً بأكْبادٍ علَيْهِ حِرارِ
صَبْراً أميرَ المؤْمنينَ فأنْتُمُ / أسْكَنتُمُ الأحْلامَ ظِلَّ وَقارِ
هذا الهِلالُ وقد رَجَوْتَ نُمُوَّهُ / للمَجْدِ عاجَلَهُ الرّدى بسِرارِ
إن غاضَ مِنْ أنوارِهِ فَوراءَهُ / أُفُقٌ تَوَشّحَ منكَ بالأقمارِ
كادَتْ تَزولُ الرّاسِياتُ لِفَقْدِهِ / حتى أذِنْتَ لهُنَّ في استقْرارِ
ومتى أصابَ ولا أصابَكَ حادِثٌ / مِما يُطامِنُ نَخوةَ الجبّارِ
فاذْكُرْ مُصابَكَ بابنِ عمّكَ أحْمَدٍ / والغُرِّ منْ آبائِكَ الأخْيارِ
كانوا بُدورَ أسِرَّةٍ ومَنابِرٍ / يتهلّلونَ بأوْجُهٍ أحْرارِ
قومٌ إذا ذَكَرَتْ قُرَيْشٌ فضْلَهُمْ / أصْغى إليها البَيتُ ذو الأسْتارِ
بلغَ السّماءَ بهِمْ كِنانَةُ وارْتَدى / بالفَخْرِ حَيّا يَعْرُبٍ ونِزارِ
فاسْلَمْ رَفيعَ النّاظِرينَ إِلى العُلا / تُهْدى إليكَ قَلائِدُ الأشْعارِ
والدّهْرُ عَبْدٌ والأوامِرُ طاعَةٌ / والمُلْكُ مُقْتَبَلٌ وزَنْدُكَ وارِ
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ / تَختالُ بينَ مَجاسِدٍ وعُقودِ
هيفاءُ ليّنَةُ التّثَنّي أقْبَلَتْ / في خُرَّدٍ كَمَها الصّرائِمِ غِيدِ
ومَرَرْنَ بالوادي على عَذَبِ الحِمى / فحَكَيْنَ هِزّةَ بانِهِ بِقُدودِ
وحَكى الشقيقُ بهِ اسْوِدادَ قُلوبِها / وأُعيرَ منهُنّ احْمِرارَ خُدودِ
وكأنّ أعيُنَهُنَّ منْ وَجَناتِها / شَرِبَتْ على ثَمَلٍ دَمَ العُنْقودِ
فَطَرَقْنَني والليْلُ رقَّ أديمُهُ / والنّجْمُ كادَ يهُمُّ بالتَّعْريدِ
ووَجَدْتُ بَرْدَ حُلِيّهِنّ وهَزَّ منْ / عِطفَيْهِ ذو الرّعَثاتِ للتّغْريدِ
فانْجابَ منْ أنوارِهِنَّ ظَلامُهُ / وأظَلَّهُنّ دُجى ذَوائِبَ سُودِ
وأنا بحَيثُ القُرْطُ من أجْيادِها / يَنْأى ويَقْرُبَ مِحْمَلي مِنْ جِيدي
كَرُمَتْ مَضاجِعُنا فلِيثَ على التُّقى / أُزْري وَجيبَ عنِ العَفافِ بُرودي
أزْمانَ يَنْفُضُ لِمّتي مَرَحُ الصِّبا / وهوَ الشّفيعُ إِلى الكَعابِ الرّودِ
ومَشارِبي زُرْقُ الجِمامِ فلَمْ يَنَلْ / منّي الأُوامُ بمَنهَلٍ مَورودِ
فارْفَضَّ شَملُ الأُنْسِ إذ جمَعَ البِلى / بِزَرودَ بينَ مَعاهِدٍ وعُهودِ
وتَقاسَمَتْني بعْدَهُ عُقَبُ النّوى / حتى لَفَفْتُ تَهائِماً بنُجودِ
وفَلَيْتُ ناصِيَةَ الفَلا بمَناسِمٍ / وَسَمَ المَطِيُّ بِها جِباهَ البيدِ
فسَقى الغَمامُ ولسْتُ أقنَعُ بالحَيا / أيّامَنا بينَ اللِّوى فَزَرودِ
بلْ جادَها ابنُ العامِريِّ براحَةٍ / وَطْفاءَ صِيغَ بَنانُها منْ جُودِ
مُتَوقِّدُ العَزَماتِ لو رُمِيَتْ بِها / زُهْرُ النُّجومِ لآذَنَتْ بخُمودِ
ومُواصِلٍ أرَقاً على طَلَبِ العُلا / في مَعْشَرٍ عن نَيْلِهِنَّ رُقودِ
ذو ساحَةٍ فَيحاءَ مَعروفٍ بِها / وَزَرُ اللّهيفِ وعُصْرَةُ المَنْجودِ
مَلْثومَةُ العَرَصاتِ في أرْجائِها / مَثْوى جُنودٍ أو مُناخُ وفودِ
لمّا تَوشَّحَتِ البِلادُ بفِتْنَةٍ / ما إنْ تَصيدُ سوى نُفوسِ الصِّيدِ
وتَشُبُّ شَعْثاءَ الفُروعِ وتَمْتَري / أخْلافَ حَرْبٍ للمَنونِ وَلودِ
أوْهى مَعاقِدَها وأطْفأَ نارَها / قبلَ انْتِشارِ لَظىً وبعْدَ وَقودِ
بالجُرْدِ تَمتاحُ العَجاجَ وغِلْمةٍ / في الغابِ منْ أسَلِ القَنا كأُسودِ
مِنْ كُلِّ وطّاءٍ على قِمَمِ العِدا / بحَوافِرٍ خُلِقَتْ منَ الجُلْمودِ
وصَوارِمٍ عُرِّينَ منْ أغْمادِها / حتى ارْتَدَيْنَ منَ الطُّلى بغُمودِ
ولَوِ انْتَضى أقلامَهُ السّودَ احْتَمى / بِيضُ الصِّفاحِ بِها منَ التّجْريدِ
والسُّمْرُ منْ حَذَرِ التّحَطُّمِ في الوَغى / تُبدي اهْتِزازَ مُنَضْنِضٍ مَطْرودِ
فكأنّهُنّ أُعِرْنَ منْ أعدائِه / يومَ اللّقاءِ تَلَوّيَ المزْؤودِ
وهمُ إذا ما الرّوعُ قلّصَ ظلَّهُ / عنْ كُلِّ مُسْتَلَبِ الحُشاشَةِ مُودِ
مِنْ سائِلٍ صَفَداً يُؤَمِّلُ سَيْبَهُ / ومُكَبَّلٍ في قِدِّهِ مَصْفودِ
وكِلاهُما من رَهْبَةٍ أو رَغْبَةٍ / بَأساً وجُوداً مُوثَقٌ بقُيودِ
كمْ قُلْتُ للمُتَمَرّسينَ بشأْوِهِ / أرْميهِمُ بقَوارِعِ التّفْنيدِ
غاضَ الوفاءُ فليسَ في صَفَحاتِهِمْ / ماءٌ وفي الأحشاءِ نارُ حُقودِ
وحُضورُهمْ في حادِثٍ كمَغيبِهمْ / وقِيامُهُمْ لمُلِمّةٍ كقُعودِ
لم يَبْتَنوا المَجْدَ الطّريفَ ولا اقْتَنَوا / مِنهُ التّليدَ بأنْفُسٍ وجُدودِ
لا تَطْلُبوهُ فشَرُّ ما لَقيَ امْرُؤٌ / في السَّعْي خَيْبَةُ طالِبٍ مَكْدودِ
لكَ يا عَليُّ مآثِرٌ في مِثلِها / حُسِدَ الفتى والفَضْلُ للمحسودِ
وَضَحَتْ مَناقِبُكَ التي لمْ يُخْفِها / حَسَدٌ يُلثِّمُهُ العِدا بجُحودِ
والناسُ غَيْرَكَ والعُلا لكَ كُلُّها / ضَلّوا مَعالِمَ نَهْجها المَسْدودِ
فاسْتَقْبِلِ النّيروزَ طَلْقَ المُجْتَلى / والدّهْرَ عَذْبَ الوِرْدِ نَضْرَ العُودِ
في دَولَةٍ تُرْخي ذَوائِبها على / عِزٍّ يُلاذُ بظِلِّهِ المَمْدودِ
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ / ظَمْياءُ بالعَقِداتِ منْ يَبْرينِ
تَرْنو وقد وَلِعَ الفُتورُ بعَيْنِها / وَلَعَ الهَوى بفؤادِيَ المَفْتونِ
ولَها اسْتِراقَةُ نَظْرَةٍ نالَتْ بِها / ما لا يُنالُ بصارِمٍ مَسْنونِ
ونَشَدْتُ قَلبي حينَ عزَّ مَرامُهُ / إذ ضلَّ بينَ مَحاجِرٍ وعُيونِ
تلكَ النّواظِرُ ما تُفيقُ منَ الكَرى / وبِها سُهادُ الهائِمِ المَحْزونِ
يا سَعدُ إنّ الجِزْعَ أكثَبَ فاسْتَعِرْ / نَظَراتِ طاوي ليلَتَينِ شَفونِ
واجْذِبْ زِمامَ الأرْحَبيّ ولا تُبَلْ / ذِكْراً وَصَلْنَ حَنينَهُ بحَنيني
واشتاقَ كاظِمَةً فجُنَّ جُنونُهُ / وذَكَرْتُ ساكِنَها فجُنَّ جُنوني
لمنِ الظّعائِنُ دون أكثِبَةِ الحِمى / يَطوي الفَلاةَ بهِنَّ كُلُّ أَمونِ
فالآلُ بَحْرٌ حينَ ماجَ برَكْبِها / وجَرى الرّكائِبُ فيهِ جَريَ سَفينِ
عارَضْتُها فنظَرْنَ عن حَدَقِ المَها / يَلمَحْنَ بارقَةَ الغَمامِ الجُونِ
وتكاثَرَتْ دُفَعُ الدّموعِ كأنّها / نَفَحاتُ سَيْبِكَ يا قِوامَ الدّينِ
للهِ دَرُّكَ مِنْ مُدَبِّرِ دولَةٍ / وَجَدَتْهُ خَيْرَ مُؤازِرٍ ومُعينِ
يُلْقي بعَقْوَتِها ذِراعَيْ ضَيْغَمٍ / أدْمى شَبا الأنْيابِ دونَ عَرينِ
ويَحوطُها بيَراعِهِ وحُسامِهِ / متدَفِّقَيْنِ بنائِلٍ ومَنونِ
وضَحَتْ مَناقِبُهُ فليسَ بمُدَّعٍ / شَرَفاً ولا في مَجْدِهِ بظَنينِ
واسْتَأْنَفَ الفُضَلاءُ في أيامِهِ / عِزّاً فلمْ يتَضاءَلوا لِلهُونِ
وتطوَّحَتْ بي هِمّةٌ درَأَتْ إِلى / وَجْناءَ جائِلَةِ النّسوعِ وَضِيني
وطَرَقْتُ ساحتَهُ فألْقَمْتُ الثّرى / صَنِفاتِ ذَيْلِ دِلاصِيَ المَوْضونِ
مَنْ مُبْلِغٌ بَطْحاءَ مكّةَ أنّني / لمْ أرْعَ بالجَرْعاءِ رَوْضَ هُدونِ
ورأيْتُ مَنْ يَمْتارُ ضَوْءَ جَبينِهِ / بَصَري فقبَّلْتُ الثّرى بجَبيني
لولا العُلا وأنا القَمينُ بنَيْلِها / لنَفَضْتُ منْ مِنَحِ المُلوكِ يَميني
فالعِزُّ بالبَطْحاءِ بينَ مُغَرِّرٍ / شَرِسٍ وأبْلَجَ شامِخِ العِرْنينِ
ولأَشْكُرَنّ نَداكَ شُكْرَ خَميلَةٍ / لندىً يُرَقْرِقُهُ الغَمامُ هَتونِ
ولأنْظِمَنَّ قَصائِداً لَفَّ الحِجى / فيها سُهولَ بَلاغَةٍ بحُزونِ
وتَهُزُّ أعْطافَ المُلوكِ كأنّها / ريحُ الشّمالِ تعثّرَتْ بغُصونِ
وكأن راويها يطوفُ علَيْهِمُ / بابْنِ الغَمامةِ وابْنَةِ الزَّرْجونِ
هوَ طَيْفُها وطُروقُهُ تَعْليلُ
هوَ طَيْفُها وطُروقُهُ تَعْليلُ / فمَتى يفي لَكَ والوَفاءُ قَليلُ
وكأنّ زَوْرَتَهُ تألُّقُ بارِقٍ / هَتَفَتْ بهِ النّكْباءُ وهْيَ بَليلُ
عَرَضَتْ لوامِعُهُ فطَرَّبَ مُجْدِبٌ / ومَضى فلا عِدَةٌ ولا تَنويلُ
أَأُمَيْمَ إنْ أشْبَهْتِهِ في خُلفِهِ / فالخُلْفُ يَقبُحُ وهْوَ منكِ جَميلُ
ولهُ ابتِسامُكِ عنْ ثُغورٍ لمْ يَكُنْ / يُشْفى بهِنَّ منَ المُحِبِّ غَليلُ
والقَدُّ منْ مَرَحِ الصِّبا مُتأوِّدٌ / والطَّرْفُ منْ تَرَفِ النّعيمِ عَليلُ
والخَصْرُ خَفَّ فلا يَزالُ وِشاحُهُ / قَلِقاً وما وارى الإزارُ ثَقيلُ
غُضّي منَ الإدْلالِ فهْوَ على النّوى / ما دامَ يَجْلِبُهُ المَلالُ دَليلُ
ودَعي الوُشاةَ فكُلُّ ما مَحِلوا بِهِ / عِنْدَ اللِّقاءِ يُزيلُهُ التّأْويلُ
ووَراءَ وَصْلِكُمُ القَصيرِ زَمانُهُ / هَجْرٌ كما شاءَ الغَيورُ طَويلُ
لو دامَ قَبْلَكمُ اجْتِماعٌ لم يَذُقْ / ألمَ افْتِراقٍ مالِكٌ وعَقيلُ
ولَئِنْ صَدَدْتِ فَبينَنا مَجهولَةٌ / للرّكْبِ فيها رنّةٌ وعَويلُ
تَسري بعَقْوَتِها الرّياحُ لَواغِباً / ولَهُنّ منْ حَذَرِ الضّلالِ ألِيلُ
أنا والمَطيُّ وجِنْحُ لَيلٍ مُظْلِمٍ / ولديَّ إنْ نزَلَ الهَوانُ رَحيلُ
فالهَجْرُ أرْوَحُ والأماني ضلّةٌ / إنْ حالَ عَهْدٌ أو أرابَ خَليلُ
وتطَرُّفُ القُرَناءِ يَقبُحُ بالفَتى / لكنْ دَواءُ الغادِرِ التّبْديلُ
هِمَمٌ تنقَّلُ بي فإنْ قَلِقَتْ بها / دارٌ نَضا عَزَماتيَ التّحْويلُ
وأبى لجِيدي أن يُطوَّقَ مِنَّةً / شَرَفٌ بَناهُ الأنْبِياءُ أثيلُ
نطَقَ الزَّبورُ بفَضْلِهِ المَشْهورِ وال / قُرآنُ والتّوراةُ والإنْجيلُ
منْ مَعْشَرٍ لهُمُ السّماحَةُ شيمَةٌ / والمَجْدُ تِرْبٌ والنّجومُ قَبيلُ
لهُمُ المُعَلّى والرّقيبُ منَ العُلا / وبِهِمْ أفاضَ قِداحَهُنَّ مُجيلُ
فرحَلْتُ والنّفْسُ الأبيّةُ حرّةٌ / والعَزْمُ ماضٍ والحُسامُ صَقيلُ
هلْ يُعْجِزَنّي والبِقاعُ فَسيحَةٌ / في هذه الأرْضِ الفَضاءِ مَقيلُ
بقَصائِدٍ قَسَتِ الليالي واكْتَسَتْ / مِنْها فرقَّتْ بُكْرَةٌ وأصيلُ
إنْ شارَفَتْ أرْضاً تطلَّعَ نَحْوَها / أخْرى كأنّ مُقامَها تَحْليلُ
خَضِلَتْ بدَجْلَةَ والفُراتِ ذُيولُها / فاهْتزَّ منْ طَرَبٍ إلَيْها النّيلُ
وأزارَها ابْنَ الدّارِميِّ أبا الندىً ال / إكْرامُ والتّعْظيمُ والتّبْجيلُ
خَضَبَتْ مَناسِمَها إِلى عَرَصاتِهِ / خُوصٌ نَماها شِدْقمٌ وجَديلُ
ولَكَمْ تَسافَهَتِ البُرونُ لمَطْلَبٍ / وتَناجَتِ الرُّكْبانُ أيْنَ تَميلُ
فأقَمْنَ حيثُ المَجْدُ أتْلَعُ والندىً / جَمٌّ وظِلُّ المَكْرُماتِ ظَليلُ
ورَعَيْنَ حالَيَةَ الرّبيعِ ودونَها / جارٌ بِما تَعِدُ الظّنونُ كَفيلُ
ويُصيبُ أعْقابَ الأمورِ إذا ارْتَأى / عَفْواً وآراءُ الرِّجالِ تَفيلُ
وإذا الوَغى حَدَرَ الكُماةُ لِثامَهُ / ووَشى بسِرِّ المَشرَفيِّ صَليلُ
ورِماحُهُ تُوِّجْنَ منْ هامِ العِدا / ولخَيْلِهِ بدِمائِهمْ تَنْعيلُ
نُشِرَتْ رَفارِفُ دِرْعِهِ عنْ ضَيْغَمٍ / يَحْمي الحقيقَةَ والأسِنَّةُ غِيلُ
هيهاتَ أنْ يَلِدَ الزّمانُ نَظيرَهُ / إنَّ الزّمانَ بمِثْلِهِ لَبَخيلُ
فالضّيْفُ إلا عَنْ نَداهُ مُدَفَّعٌ / والجارُ إلا في ذَراهُ ذَليلُ
نَفَضَتْ إِلى أفْيائِهِ لِمَمَ الرُّبا / أيْدي الرّكائِبِ سَيْرُهُنَّ ذَميلُ
شَرِقَتْ بنَغْمَةِ شاعِرٍ أو زائِرٍ / ودَعا هَديرٌ فاسْتَجابَ صَهيلُ
مَهْلاً فما دَنَتِ النّجومُ لِطامِعٍ / في نَيْلِهِنَّ وهَلْ إلَيهِ سَبيلُ
وسَعَيْتُ للعَلْياءِ حتّى أيْقَنَتْ / أنّ الأوائِلَ سَعْيُهُمْ تَضْليلُ
واهاً لعَصْرِكَ وهْوَ يَقْطُرُ نَضْرَةً / ويَميسُ تحتَ ظِلالِهِ التّأميلُ
فكأنّهُ وَرْدُ الخُدودِ إذا اكْتَسَتْ / خَجَلاً وكادَ يُذيبُها التّقْبيلُ
لَولا تأخُّرُهُ وقد أوْقَرْتَهُ / كَرَماً لنَمَّ بفَضْلِهِ التّنْزيلُ
أينَ المَدى ولقد بَلَغْتَ منَ العُلا / رُتَباً تَرُدُّ الطّرْفَ وهْوَ كَليلُ
وتَقابَلَتْ غاياتُها فتَماثَلَتْ / حتّى تعَذّرَ بَينَها التفضيلُ
ومُتَيَّمٍ زَهَرَتْ بواقِصَةٍ لهُ
ومُتَيَّمٍ زَهَرَتْ بواقِصَةٍ لهُ / مَشْبوبَةٌ تَقْتادُ طَرْفَ العاشي
وتُضيءُ أحْوَرَ يَسْتَفِزُّ إِلى الصِّبا / نِضْوَ المَشيبِ مُحالِفَ الإرْعاشِ
ألِفَ الكَرى لمّا اطْمأنَّ فِراشُهُ / وهَجرْتُهُ قَلِقاً عليَّ فِراشي
يا مَنْ يُؤرِّقُني هَواهُ ومَدْمَعي / هَطِلٌ كَصَوْبِ العارِضِ الرّشّاشِ
لمْ يَثْوِ حُبُّكَ في فؤادي وَحْدَهُ / لكنْ جَرى في أعْظُمي ومُشاشي
لا تَحْسَبِ السِّرَ الذي استَوْدَعْتَني / ممّا يَفُرُّ حَشايَ عنهُ الواشي
والشّوقُ يحلُمُ عنهُ لولا ناظِرٌ / سُلِبَ الوَقارَ بواكِفٍ طَيّاشِ
كالعُرْفِ يَكْتُمُهُ الأغَرُّ وعرْفُهُ / أرِجٌ تَنُمُّ بهِ المَدائِحُ فاشِ
نَشَزَتْ عَرانينُ العُداةِ على البُرى / فأذَلّها بأزِمّةٍ وخِشاشِ
يَجلو دَياجيرَ الأمورِ برأيهِ / والدّهْرُ أغْبَرُ والخُطوبُ غَواشِ
وتُظِلُّ منهُ السّمْهَريّةُ ضَيْغَماً / قَلِقَ الصّوارِمِ مُطمَئِنَّ الجاشِ
وكأنّ حائِمَةَ النّسورِ إذا غَزا / تأوي منَ القَتْلى إِلى أعْشاشِ
يا سَعْدُ إنّ الصِّلَّ عِندَكَ مُطْرِقٌ / فاحْذَرْ سُؤورَ مُنَضْنِضٍ نَهّاشِ
واجْنُبْ أخاكَ كُلَّ حادِثِ نِعْمَةٍ / آنَسْتَهُ فَجَزاكَ بالإيحاشِ
جَهِلَ الفَضيلَةَ فهْوَ يُنْكِرُ أهْلَها / والشّمْسُ تُعْشي ناظِرَ الخَفّاشِ
ويَشُبُّ ناراً لا يَرُدُّ زَفيرُها / والليلُ مُعْتَكِرٌ طَنينَ فَراشِ
طارَتْ بهِ الخُيلاءُ إذْ جَذَبِ الغِنى / ضَبْعَيْهِ والطّيرانُ للمُرْتاشِ
ولقد بُليتُ بهِ بَلاءَ مُهَنَّدٍ / بأبَلَّ لا وَرَعٍ ولا بَطّاشِ
فسَدَ الأنامُ فكُلُّ مَنْ صاحَبْتُهُ / راجٍ يُنافِقُ أو مُداجٍ خاشِ
وإذا اخْتَبَرْتُهُمُ ظَفِرْتُ بباطِنٍ / متجهِّمٍ وبِظاهِرٍ نَشّاشِ
لا شِمْتُ بارِقَةَ اللّئيمِ وإنْ غَدَتْ / إبِلي تَلوبُ على صَرًى نَشّاشِ
والشّمسُ راكِدةٌ يَذوبُ لُعابُها / والظِّلُّ يَكْنِسُ تارَةً ويُماشي
وكأنّهُنَّ وهُنَّ يأْلَفْنَ الصّدَى / مِنْ صَبْرِهنَّ عليهِ غَيْرُ عِطاشِ
فتبَرُّضُ العافي عُفافَةَ مِنْحَةٍ / يَحْبو بِها اللّؤَماءُ شَرُّ مَعاشِ
رُفِعَ الأظَلُّ على السّنامِ وأوطِئَتْ / قِمَمَ السُّراةِ أخامِصَ الأوْباشِ
هُوَ ما تَرى فأقِلَّ منْ تَعنيفي
هُوَ ما تَرى فأقِلَّ منْ تَعنيفي / وحَذارِ منْ مُقَلِ الظِّباءِ الهِيفِ
ولهٌ يَبيتُ لهُ المُتَيَّمُ ساهِراً / بحَشىً على ألَمِ الجَوى مَوْقوفِ
ويظَلُّ حِلْفُ الدّمعِ مِلْءَ جُفونِهِ / والوَجْدُ مِلْءَ فُؤادِهِ المَشْغوفِ
عَرَضَتْ ونَحْنُ على الحِمى ومَطيُّنا / كالسّمْهَريِّ أُقيمَ بالتّثْقيفِ
نَشوانَةُ اللّحَظاتِ تُرْسِلُ نَظْرَةً / عَجِلَتْ بِها كالشّادِنِ المَطْروفِ
يَهْفو بِها مَرَحُ الصِّبا فتَهُزُّ مِنْ / قَدٍّ كَما جُدِلَ العِنانُ قَضيفِ
وتُراعُ عندَ قِيامِها حَذَراً على / خَصْرٍ يَجولُ بهِ الوِشاحُ لَطيفِ
ووراءَ ذَيّاكَ اللّثامِ مَباسِمٌ / حامَتْ عليْها غُلّةُ المَلْهوفِ
تَفْتَرُّ عن بَرَدٍ يكادُ يُذيبُهُ / قُبَلٌ تَرَدَّدُ في اللَّمى المَرشوفِ
لمّا رأتْ رَحْلي يُقرَّبُ للنّوى / عَلِقَتْ سُوادُ بِحِنْوِهِ المَعطوفِ
وجَرَتْ أحاديثٌ تَبيتُ قَلائِدٌ / مِنْ أجْلِهِنَّ حَواسِداً لشُنوفِ
أَأُمَيْمَ كُفّي مِنْ دُموعِكِ وانْظُري / خَبَبي إِلى أمَدِ العُلا ووَجِيفي
وتبرَّضي النُّغَبَ الثِّمادَ وجاوِري / سَرَواتِ حَيٍّ بالبِطاحِ خُلوفِ
أنا مَنْ عَرَفْتِ وبَعْدَ يَومِهِمُ غَدٌ / وعليَّ بزّةُ أجْدَلٍ غِطْريفِ
لا يعلَمُ اللُّؤَماءُ أينَ مُعَرَّسي / وبأيّ وادٍ مَرْبَعي ومَصيفي
لَفَظَتْ دِيارُهُمُ الكِرامَ فما لَوى / طَمَعٌ إِلى عَرَصاتِهِنَّ صَليفي
وأبى عُرَيقٌ فيَّ منْ عَرَبيّةٍ / أنّي أخَيّمُ والهَوانُ حَليفي
ونَجيبَةٍ مَمْغوطَةٍ أنْساعُها / تَخْدي بمَعْروقِ العِظامِ نَحيفِ
فزَجَرْتُها والوِرْدُ يَضْمَنُ رِيَّها / ولَها على الظّمأِ ازْوِرارُ عَيوفِ
وطَفِقْتُ أفْرُقُ وهْيَ طائِشةُ الخُطا / لِمَمَ الدُّجى بِيَدِ الصّباحِ الموفي
ونَصَلْتُ منْ أعْجازِهِ في غِلْمَةٍ / تَشْفي الغَليلَ بهِمْ صُدورُ سُيوفي
فأتَتْ مُعاوِيَّ الفَخارِ وألْصَقَتْ / طَرَفَ الجِرانِ بمَبْرَكٍ مألوفِ
نَزَلَتْ بمَغْشيِّ الرِّواقِ فِناؤُهُ / مَثْوى وفودٍ أو مَقَرُّ ضُيوفِ
بالمُسْتَثيرِ المَجْدَ منْ سَكَناتِهِ / حتّى يوَشِّحَ تالِداً بطَريفِ
وإِلى أبي العَبّاسِ يَجْتَذِبُ الندى / مِدَحاً هيَ الحِبَراتُ منْ تَفْويفي
وإذا اعْتَرَكْنَ بمِسْمَعٍ قرَّطْنَهُ / فِقَراً كَسِمْطِ اللؤلُؤِ المَرْصوفِ
مدّت هَواديَها الرّئاسَةُ نَحوهُ / في حادثٍ يَلِدُ الشِّقاقَ مَخوفِ
وأقرَّ نافِرَةَ القُلوبِ فلَمْ يَثِبْ / أسَدٌ يُجيلُ الطّرْفَ حولَ غَريفِ
والضّرْبَةُ الأخْدودُ لم يُعْجَمْ لَها / سَطْرٌ بِعاجِلِ طَعْنَةٍ إخْطيفِ
قَرْمٌ يُجيرُ على الزّمانِ إذا اعْتَدى / ويُقيمُ زَيْغَ نَوائِبٍ وصُروفِ
ويَلُفُّ كاشِحُهُ جَوانِحَهُ على / جُرْحٍ بعالِيَةِ القَنا مَقْروفِ
ضمِنَ الحَياةَ لمُعْتَفيهِ يَراعُهُ / ورَمى العُداةَ حُسامُهُ بحُتوفِ
وقدِ امْتَطى رُتَباً مُنيفاتِ الذُّرا / حلَّ السُّها مِنها مَكانَ رَديفِ
بخلائِقٍ نَفَحَتْ برَيّا رَوْضَةٍ / غَنّاءَ ذاتِ تبسُّمٍ ورَفيفِ
وأنامِلٍ كَفلَتْ بصَوْبَيْ نائِلٍ / ودَمٍ بأطْرافِ الرِّماحِ نَزيفِ
تندى إذا جَمَدَتْ أكُفُّ مَعاشِرٍ / فكأنّها خُلِقَتْ منَ المَعْروفِ
يا بْنَ الأكارِمِ دعوةً تَفْتَرُّ عنْ / أمَلٍ بأنديةِ الملوكِ مُطيفِ
وعَدَتنيَ الأيّامُ عنكَ برُتْبَةٍ / ووَفورِ حَظٍّ منكَ غَيرَ طَفيفِ
والعَبْدُ مُنْتَظِرٌ وهُنَّ مَواطِلٌ / ومنَ العَناءِ إطالَةُ التّسْويفِ
أذْكى بقَلبي لوعَةً إذ أوْمَضا
أذْكى بقَلبي لوعَةً إذ أوْمَضا / بَرْقٌ أضاءَ وميضُهُ ذاتَ الأضا
فَبدا وقد نَشَرَ الصّباحُ رِداءَهُ / كالأيْمِ ماجَ بهِ الغَديرُ فنَضْنَضا
إنْ لمْ يُصرِّحْ بابْتِسامِكِ جَهْرَةً / فلقَدْ وحُبّكِ يا لُبيْنى عرّضا
ونَظَرْتُ إذْ غَفَلَ الرّقيبُ فراعَني / نَعَمٌ لأهْلِكِ هامَ في وادي الغَضَى
وسَعَتْ لهُ خُطَطُ العدوِّ بغِلْمَةٍ / شوسٍ إذا ابْتَدَروا الوَغى ضاق الفَضا
حيثُ الغَمامُ تبجّسَتْ أطْباؤُهُ / وكَسى الحِمى حُلَلَ الرّبيعِ فروّضا
ومتَيَّمٍ شَرقَ اللِّحاظُ بدَمْعِهِ / فإذا اسْتَرابَ بهِ العواذِلُ غَيّضا
هجَرَ الكَرى قَلِقَ الجُفونِ بهِ فلَو / عثَرَ الخَيالُ بطَرْفِهِ ما غمّضا
ونَصا الشّبابَ وعنْ ضَميرٍ عاتِبٍ / أعْطى المَشيبَ قِيادَهُ لا عنْ رِضى
إن ساءَهُ بنُزولِهِ فهوَ الذي / ساءَ الأنامَ مُخَيِّماً ومُغَرِّضا
وشَكا غُرابَ البَيْنِ أسْودَ حالِكاً / حتى شَدا بنَوى الأحبّةِ أبْيَضا
وتعثّرَتْ نُوَبُ الزّمانِ بماجِدٍ / إنْ لمْ يُقاتِلْ في النّوائِبِ حرّضا
وإذا تنكّرَ مَورِدٌ لمَطيّهِ / لمْ يَشْتَشِفَّ بحافَتَيْهِ العَرْمَضا
وانْصاعَ كالوَحْشيِّ سابَقَ ظِلَّهُ / وتقَعْقَعَتْ عَمَدُ الخِيامِ فقوّضا
لا أسْتَنيمُ إِلى الهَوانِ ولا يُرى / أمْري إِلى الوَكَلِ الجَبانِ مُفوّضا
وأرُدُّ طارِقَةَ اللّيالي إنْ عَرَتْ / بعزائِمي وهيَ الصوارِمُ تُنْتَضى
وأغرَّ إنْ بسَطَ الَرَجّي نحوَهُ / كِلْتا يَدَيهِ لنائِلٍ لمْ تُقْبَضا
ولهُ أمائِرُ سؤْدَدٍ أَيِسَ العِدا / منهُ وأمْرَضَ حاسِدِيهِ وأرْمَضا
وجْهٌ يَجولُ البِشْرُ في صَفَحاتِهِ / ويَدٌ تَنوبُ عنِ الحَيا إنْ برّضا
ألْقَتْ أزِمَّتَها إليهِ هِمّةٌ / كانتْ على خُدَعِ الأماني رَيِّضا
وشَكَرْتُهُ شُكْرَ المَهيضِ جَناحُهُ / نَبَتَتْ قَوادِمُ هزَّهُنَّ ليَنْهَضا
يا مُنْعِماً بالي ولمْ يَكُ كاسِفاً / ومُؤَثِّلاً مالي ولمْ أكُ مُنْفِضا
أسْرَفْتَ في الدّنيا عليّ أواهِباً / ألْبَسْتَني حُللَ الغِنى أمْ مُقْرِضا
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ / أضْغاثُ كاذِبَةٍ منَ الأحْلامِ
نَهْوى البقاءَ وليسَ فيهِ طائِلٌ / والمرْءُ نَهْبُ حَوادثِ الأيّامِ
يحوي رَغائِبَ مالِهِ وُرّاثُهُ / منْ بَعْدِهِ ويَبوءُ بالآثامِ
والعيشُ أوَّلُهُ عَقيدُ مشقّةٍ / وأذىً وآخِرُهُ مَقيلُ حِمامِ
والعُمْرُ لوْ جازَ المَدى لتبرّمَ ال / أرواحُ منه بصُحْبَةِ الأجسامِ
بَينا الفَتى قَلِقاً بهِ نِيّاتُهُ / ألْقى مَراسيَهُ بِدارِ مُقامِ
وهَوى كزَيْدِ بْنِ الحُسَينِ إِلى الثّرى / غِبَّ الثّراءِ مُحالِفَ الإعْدامِ
في مِعْوَزٍ سمَلٍ مَشى فيهِ البِلى / والقَبْرُ بئْسَ مُعرَّسُ الأقْوامِ
نُضِدَتْ عليهِ بَنيّةٌ منْ رَمْسِهِ / كالغِمْدِ مُشْتَمِلاً على الصّمصامِ
وأصابَهُ رَيْبُ المنيّةِ إذ رَمى / طُوِيَتْ على شَلَلٍ يَمينُ الرّامي
لو قارَعَ الناسُ المَنونَ لردَّها / عنهُ السّيوفُ فَوالِقاً لِلْهامِ
تَدْمى أغِرَّتُها بأيدي غِلْمَةٍ / قُرَشيّةٍ بيضِ الوُجوهِ كِرامِ
يطَؤونَ أذْيالَ الدروعِ بمأْقِطٍ / حرَجٍ يَفيءُ عليهِ ظلُّ قَتامِ
وتُضيءُ في هَبَواتِهِ صَفحاتُهُمْ / كالفَجْرِ يخْطِرُ في رِداءِ ظَلامِ
والمالُ جمٌّ والحِمى متَمَنِّعٌ / والمَجْدُ أتْلَعُ والعُروقُ نَوامِ
رُمِيَتْ بثالِثَةِ الأثافي هاشِمٌ / فبَكَتْ بأربَعَةٍ عليهِ سِجامِ
ولعَبْدِ شَمْسٍ والتّجَلُّدُ خِيمُها / عَيْنٌ مُؤَرّقَةٌ وجَفْنٌ دامِ
وهُمُ الأُسودُ الغُلْبُ حولَ ضَريحِهِ / يَبكونَهُ بنَواظِرِ الآرامِ
فتضاءَلَتْ كُوَرُ الجِبالِ لِفَقْدِهِ / غُبْرَ الفِجاجِ خَواشِعَ الأعْلامِ
ولِقُلَّتَيْ أرْوَنْدَ رَنّةُ ثاكِلِ / حرّانَ حينَ ثَوى أبو الأيْتامِ
فُجِعوا بِتاجِ الدين حتى عَضّهُمْ / زَمَنٌ ألَحَّ بشِرَّةٍ وعُرامِ
لمّا نَعَتْهُ المَكْرُماتُ إِلى العُلا / لبِسَ الحِدادَ شَريعَةُ الإسْلامِ
فمضى وقَدْ أصْحَبْتُهُ سيّارةً / كالرّوضِ يضْحَكُ منْ بُكاءِ غَمامِ
غرّاءَ منْ كَلمي إذا هيَ سُطِّرَتْ / ظَهَرتْ بها النّخَواتُ في الأقْلامِ
ليستْ لعارِفَةٍ أجازيهِ بها / لكنّها لوَشائِجِ الأرْحامِ
وأحَقُّ مُفْتَقَدٍ بها ذو سُؤْدَدٍ / آباؤُهُ منْ هاشِمٍ أعْمامي
ولوِ اسْتَطَعْتُ كَفَفْتُ عنهُ يَدَ الرّدى / بِشَباةِ رُمْحٍ أو غِرارِ حُسامِ
وبفِتْيَةٍ ألِفوا المِصاعَ كأنّهُمْ / أُسْدٌ منَ الأسَلاتِ في آجامِ
وإذا دُعوا لكَريهَةٍ لم ينظُروا ال / إسْراجَ واقْتَصَروا على الإلْجامِ
فهُمُ اللّيوثُ غَداةَ يُحتَضَرُ الوَغى / وهمُ الغُيوثُ عشيّةَ الإطْعامِ
وقُدورُهُمْ يَعِدُ القِرى إرْزامُها / والرَّعْدُ ليسَ يهُمُّ بالإرزامِ
وإذا اعتَزَوا أوْرى زِنادَهُمُ أبٌ / مُرُّ الحَفيظَةِ للحَقيقةِ حامِ
فالعمُّ أبْلَجُ منْ كِنانَةَ في الذّرا / والخالُ أرْوَعُ منْ بَني همّامِ
ليسوا منَ النَّفَرِ الذينَ أصولُهُمْ / خَبُثَتْ وليسَ لهُنَّ فرْعٌ نامِ
رَفعَتْهُمُ جِدَةٌ وجَدُّهمُ لَقىً / منْ لُؤْمِهِ بمَدارِجِ الأقْدامِ
لا زالَ تُرْضِعُهُ أفاوِيقَ الحَيا / وَطْفاءُ يُنْتِجُها الصَّبا لِتَمامِ
فتلفّعَتْ بحَبيّها قُلَلُ الرُّبا / وتلثّمَتْ منْ بَرْقِها بضِرامِ
وأَوانِسٍ هِيفِ الخُصورِ إِذا مَشَتْ
وأَوانِسٍ هِيفِ الخُصورِ إِذا مَشَتْ / وَدَّتْ غُصونٌ أَنّهُنَّ قُدودُ
وَبِكُلِّ مَرْمَى نَظْرَةٍ مِنْ وامِقٍ / تَحْكي مَبَاسِمُهُنَّ فيه عُقودُ
خَدٌّ وَخالٌ يُعْشَقانِ كَأَنَّما / نُقِطَتْ بِحبّاتِ القُلوبِ خُدودِ
اَأُمَيْمَ إِنْ لَمْ تَسْمَحي بِزيارَةٍ
اَأُمَيْمَ إِنْ لَمْ تَسْمَحي بِزيارَةٍ / بُخْلاً فَجُودي بِالخيالِ الطَّارِقِ
وَاللهِ لا يَمْحو الوُشاةُ وَلا النَّوى / سِمَةً لِحُبِّكِ في ضَمِيرِ العاشِقِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025