المجموع : 47
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا / عَشيّةَ شامَ الحيُّ بَرقاً يَمانِيا
وإن كُنتُما لا تُسْعِدانِ على البُكا / فلا تَعذُلا صَبّاً يُحيّي المَغانِيا
وما خِلْتُ أنّ البَرقَ يَكْلَفُ بالنّوى / ولَمْ أتّهِمْ إلا القِلاصَ النّواجِيا
ونحنُ رَذايا الحُبِّ لمْ نَلْقَ حادِثاً / مِنَ الخَطْبِ إلا كان بالبينِ قاضِيا
وصارَ الهوى فينا على رَأيِ واحِدٍ / إذا ما أمِنَّا عَذْلَهُ عادَ واشِيا
فما يَبْتَغي فينا الهَوادَةَ كاشِحٌ / ولا نَعرِفُ الإخْوانَ إلا تَماريا
كأنَّ بِنا مِنْ رَوعةِ البَينِ حَيرَةً / نُحاذِرُ عَيناً أو نُصانِعُ لاحِيا
تُرَدُّ على أعقابِهنَّ دُموعُنا / وقد وَجدَتْ لولا الوُشاةُ مَجاريا
لكَ اللهُ مِنْ قَلبٍ عَزيزٍ مَرامُهُ / إذا رُعْتَهُ استَشْرى على الضَّيْم آبِيا
دعاهُ الهَوى حتى استُلين قِيادُهُ / وأيُّ مُجيبٍ لَو حَمِدْناهُ داعِيا
ونَشوانَةِ الألْحاظِ يَمْرَحْنَ بالصِّبا / مِراضاً فإنْ ولّى خَلَقْنَ التّصابيا
أباحَتْ حِمىً كانَتْ مَنيعاً شِعابُهُ / فما لِسِواها فَضْلَةٌ في فُؤادِيا
ورَكْبٍ كخيطانِ الأراكِ هَدَيْتُهُمْ / وقد شغَلَ التّهْويمُ مِنهُمْ مآقِيا
إذا اضطَربوا فَوقَ الرِّحالِ حَسِبتَهُمْ / وقد لفظَ الفَجرَ الظّلامُ أفاعِيا
وإنْ عَرَّسُوا خَرُّوا سُجوداً على الثَّرى / عَواطِفَ مِنْ أيدٍ تَطولُ العَوالِيا
حَدَوْتُ بِهمْ أُخرى المَطيِّ ولمْ أكُنْ / لِصَحْبيَ لولا حُبُّ ظَمياءَ حادِيا
ولكنَّ ذِكْراها إذا الليلُ نُشِّرَتْ / غَدائِرُهُ تُملي عليَّ الأغانِيا
وإنَّ دُوَيْنَ القاعِ من أرضِ بِيشَةٍ / ظِباءً يُخاتِلْنَ الأُسودَ الضَّوارِيا
إذا سَخِطَتْ أُزْرٌ عليْهِنَّ تَلتَوي / وَجَدْنا إزارَ العامريّةِ راضِيا
وما مُغْزِلٌ فاءتْ إِلى خُوطِ بانَةٍ / نَأتْ بِمجانِيها عَنِ الخِشْفِ عاطِيا
تَمُدُّ إليها الجِيدَ كَيما تَنالَهُ / ويا نُعْمَ مَلفَى العَيشِ لو كانَ دانِيا
فَناشَتْ بِغُصْنٍ كالذُّؤابَةِ أصبَحَتْ / تُقَلِّبُ بالرَّوقَيْنِ فيها مَدارِيا
بِرابيةٍ والرّوْضُ يَصْحو ويَنْتَشي / يظَلُّ علَيها عاطِلُ التُربِ حالِيا
فمالَتْ إِلى ظِلِّ الكِناسِ وصادَفَتْ / طَلاً تَتَهاداهُ الذِّئابُ عَوادِيا
فوَلّتْ حِذاراً تستَغيثُ من الرّدى / بأظْلافها والليلُ يُلْقي المَراسِيا
فلمّا استنارَ الفَجرُ يَنفُضُ ظِلَّهُ / كَما نَثَرَتْ أيدي العَذارى لآلِيا
وَفاهَ نَسيمُ الرّيحِ وهْيَ عَليلَةٌ / بَنَشْرِ الخُزامَى تَرضَعُ الغَيثَ غادِيا
قَضَتْ نَفَسا يَطغى إذا رَدَّ غَرْبَهُ / إِلى صَدرِهِ الحَرَّانُ رامَ التَّراقِيا
بأبْرَحَ مني لوْعَةً يومَ ودَّعَتْ / أمَيمَةُ حُزْوى واحتَلَلْنا المَطالِيا
أتَتْ بَلَداً يَنسى به الذِّئْبُ غَدْرَهُ / وإنْ ضَلَّ لمْ يَتبَعْ سوى النّجمِ هاديا
فيا جَبَلَ الرَّيانِ أينَ مَوارِدٌ / تَرَكْتُ لها ماءَ الأُنَيْعِمِ صادِيا
وقد نَبَذَتْ عَيني إِلى الناسِ نَظْرَةً / كما يَتّقي الظَّبْيُ المُرَوَّعُ رامِيا
كِلا ناظِرَيْهِ نَحْوَهُ مُتَشاوِسٌ / يُعاتِبُ لَحْظاً رَدَّهُ الرُّعْبُ وانِيا
فلمْ تَرْضَ إلا مَنْ يَحُلُّكَ مِنهُمُ / أظُنُّ أَديمَ الأرضِ بَعدَكَ عارِيا
تَغَيّرَتِ الأحياءُ إلا عِصابةً / سقاها الحَيا قَوماً وحُيِّيَتَ وادِيا
ذَكَرتُ لهمْ تِلكَ العُهودَ لأنَّني / نَسيتُ بِهِمْ رَيْبَ الزّمانِ لَيالِيا
وعَيْشاً نَضا عَنْ مَنْكِبيَّ رِداءَه / فِراقٌ يُعاطي الحادِثاتِ زِمامِيا
تَذَكّرْتُهُ والليلُ رَطْبٌ ذُيولُهُ / فَما افْتَرَّ إلا عَن بَنانِيَ دامِيا
وقَد أستَقيلُ الدَّهْرَ مِنْ رَجْعَةِ الغِنى / إذا لمْ يُعِدْ تِلكَ السنينَ الخَوالِيا
وأذعَرُ بالعِزِّ الإِمامِيِّ صَرْفُهُ / مَخافَةَ أنْ يَقتادَ جاريَ عانِيا
بأَروعَ مِن آلِ النَّبيِّ إذا انْتَمى / أفاضَ على الدُّنيا عُلاً ومساعِيا
تُسانِدُ أدناها النّجومَ وتَنْثَني / إذا رُمْنَ أقصاهُنَّ شأواً كوابِيا
أضاءَتْ مَساري عِرقِهِ حين فُتِّشَتْ / مَناسِبُ قومٍ فانتعَلْنَ الدَّياجِيا
إذا افْتَخَرَتْ عُليا كِنانَةَ والْتَقَتْ / على غايةٍ في المَجْدِ تُعْيِي المُسامِيا
دَعا الحَبْرَ والسَّجَّادَ فابْتَدَر المَدى / وخاضَ إِلى ساقي الحَجيج النّواصِيا
وحازَ مِن الوادي البِطاحِيِّ سِرَّهُ / وحَلّتْ قريشٌ بعدَ ذاكَ المَحانِيا
مِنَ القَومِ يُلفي الرّاغِبونَ لَدَيهِمُ / مَكارِمَ عبّاسِيَّةً وأيادِيا
يَروحُ إليهمْ عازِبُ الحَمْدِ وافياً / ويَغْدو عَليهمْ طالِبُ الرِّفْدِ عافِيا
إذا عَدَّ تلكَ الأوّليَّةَ فاخِرٌ / أرَتْهُ مَساعي الآخِرينَ مساوِيا
ومُحتَجِبٍ بالعزِّ مِن خَيرِهمْ أباً / زَجَرْتُ إليه المُقْرَباتِ المَذاكِيا
إِلى المُقتدِي بالله والمُقتَدى بهِ / طَوَيْنَ بِنا طيَّ الرِّداء الفَيافِيا
وَلُذْنا بأطرافِ القَوافي وحَسْبُنا / مِنَ الفَخرِ أنْ نُهدي إليه القَوافِيا
ولَم نتَكلَّفْ نَظْمَهُنَّ لأنّنا / وجَدْنا المعالي فاخْتَرعْنا المَعانِيا
أيا وارِثَ البُرْدِ المُعَظَّمِ رَبُّهُ / بَلغْنا المُنى حتى اقْتَسَمْنا التَّهانِيا
هَنيئاً لذُخْرِ الدّينِ مَقْدَمُ ماجِدٍ / سَيُصْبِحُ ذُخْراً للخِلافةِ باقِيا
تَبلَّجَ مَيمونَ النّقِيبةِ سابِقاً / يُراقبُ مِن عِرْقِ النُّبوَّةِ تالِيا
فَكُل سَريرٍ يَشْرَئِبُّ صَبابةً / إليه وَيثني العِطْفَ نَشوانَ صاحِيا
وتَهْتَزُّ مِن شوقٍ إليهِ منابِرٌ / أطالَتْ بِه أعوادُهُنَّ التَّناجِيا
فَلا بَرِحَتْ فيكمْ تَنوءُ بخاطِبٍ / ولا عَدِمَتْ مِنكمْ مَدى الدَّهْرِ راقِيا
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ / والليلُ يَنشُرُ وَفْرَةَ الظَّلماءِ
فرَأَتْ رَذايا أنْفُسٍ تُدْمي بِها / أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأنْضاءِ
وإذا النّوى مَدّتْ إلينا باعَها / سُدّتْ بِهِنَّ مَطالِعُ البَيْداءِ
أأُمَيمَ كيفَ طوَيتِ أروِقَةَ الدُجى / في كلِّ أغْبَرَ قاتِمِ الأرجاءِ
هلا اتَّقَيتِ الشُّهْبَ حين تَخاوَصَتْ / فرَنَتْ إليكِ بأعيُنِ الرُّقَباءِ
خُضْتِ الظَّلامَ ومِن جَبينِكِ يُجْتَلى / صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بالأضواءِ
فطَرَقْتِ مَطْويَّ الضلوعِ على جوًى / أغضَى الجُفونَ بهِ على الأقذاءِ
مِن أرْيَحيَّاتٍ إذا هَبَّتْ بِها / ذِكرى الحَبيبِ نهَضْنَ بالأحشاءِ
قَسَماً بثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ / فكأنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجُفونِكِ المَرضَى الصَّحيحةِ لا دَرَتْ / ما الدّاءُ بل لا أفْرَقَتْ مِن داءِ
لأُخالِفَنَّ هوى العَذولِ فَطالما / أفضى المَلامُ بهِ إِلى الإغراءِ
وإذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها / في الغانِياتِ تنَقُّلَ الأفْياءِ
لمْ تَتِّبِعْ عَيني سِواكِ ولا ثَنى / عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأهواءِ
وأقلُّ ما جَنَتِ الصّبابَةُ وَقْفَةٌ / مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمعِ بالخَلْصاءِ
وبَدا لنا طَلَلٌ لرَبْعِكِ خاشِعٌ / تَزدادُ بَهجَتُهُ على الإقواءِ
وأَبِي الدِّيارِ لقد مشى فيها البِلى / وعَفَتْ معالِمُها سِوى أشْلاءِ
يَبكي الغَمامُ بها ويَبْسِمُ رَوضُها / لا زِلْنَ بينَ تَبَسُّمٍ وبُكاءِ
وقَفَتْ مَطايانا بِها فعَرَفْنَها / وكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ ونَجاءِ
وهزَزْنَ مِن أعطافِهنَّ كأنَّما / مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونَزَلْتُ أفتَرشُ الثَّرى مُتَلوِّياً / فيهِ تلوِّيَ حيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنَفْحَةِ الأرَجِ الذي أودَعْتِهِ / عَبقَتْ حَواشي رَيْطَتي وردائي
وكأنني بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ / مِن سُدَّتَيْهِ مُعَرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجِباهُ البِيضُ تَلْثِمُ تُرْبَهُ / وتَحُلُّ هَيبَتُهُ حُبا العُظَماءِ
وخُطا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ / وتَطولُ فيهِ ألْسُنُ الشُّعَراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأنبياءِ فروعُهُ / وزَكَتْ بهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بلغَ المَدى والسِّنُّ في غُلَوائِها / خَضِلَ الصِّبا مُتكَهِّلَ الآراءِ
فغَدا الرَّعيَّةُ لائِذينَ بظِلِّهِ / يَرْجُونَ غَيْثَ حَياً ولَيْثَ حَياءِ
ومَرابِضُ الآسادِ في أيَّامِهِ / بالعَدْلِ مثْلُ مَجاثِمِ الأطْلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرضَعوا / إلا لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتَسَرَّعونَ إِلى الوَغى بِصَوارِمٍ / خَلَطَتْ بنَشْرِ المِسكِ ريحَ دِماءِ
لم تَهجُرِ الأغمادَ إلاّ رَيْثَما / تَعرى لِتُغْمَدَ في طُلَى الأعداءِ
مِن كُلِّ مَشْبوحِ الأشاجِعِ ساحِبٍ / في الرَّوعِ ذَيْلَ النَّثْرةِ الحَصْداءِ
يَنسابُ في الأدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ / كالأَيْمِ يَسبَحُ في غَديرِ الماءِ
أخذَ الحُقوقَ بِهِمْ وأعطاها مَعاً / والحَزْمُ بَينَ الأخْذِ والإعطاءِ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا وقدِ اكْتَسَتْ / شَمَطاً فُروعُ الروضَةِ الغنَّاءِ
فَدنا الغَمَامُ وكاد يَمْري المُجْتَدِي / بِيَدَيْهِ خِلْفَ المُزْنَةِ الوَطْفاءِ
لَولاهُ لَم تَشِمِ الرِّياضُ بأعْيُنٍ / مِن زَهرِهِنَّ مَخايِلَ الأنْواءِ
خُلِقَتْ طِلاعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي / خَلفَتْ غِرارَ السَّيفَ في الهَيجاءِ
ونَضا وَزيرُكَ دونَ مُلْكِكَ عَزْمَةً / تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهباءِ
وتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بهِ أضْغانُهُ / حَيَّ المَخافَةِ مَيِّتَ الأعضاءِ
وتُصيبُ شاكِلَةَ الرَّمِيِّ إذا بَدَتْ / رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوْساءِ
فكأنَّ أسرارَ القُلوبِ تُظِلُّهُ / بغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأنباءِ
يَسعى ويَدْأبُ في رِضاكَ وإنْ غَلَتْ / مُهَجُ النفوسِ عَلَيهِ بالشَّحْناءِ
وإذا الزَّمانُ أتى بخَطْبٍ مُعْضِلٍ / ولِيَ افتِراعَ الخُطَّةِ العَذْراءِ
وإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلوا / مَقْرونَةٌ بِكِفايَةِ الوُزَراءِ
لا زِلْتُما مُتَوَشِّحَيْنِ بِدَوْلَةٍ / مُرْخًى ذَوائِبها عَلى النَّعماءِ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ / والسَّيفُ يَلمَعُ والصَّدى يَتضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِماءِ لِينَةَ فاحْتَمى / بِشَبا أسِنِّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ ألبَسَهُ الرَّبيعُ وشَائِعاً / عُنِيَ السِّماكُ بِوَشْيِها والمِرْزَمُ
تُثْني رُباهُ على الغَمامِ إذا غَدا / عافِي النَّسيمِ بِسِرِّها يتكَلَّمُ
حَيْثُ الغُصونُ هَفا بِها ولَعُ الصَّبا / وخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يترَنَّمُ
وأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إلَيهِ مَسامِعاً / يَشكو لَجاجَتَها إليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى ولَم أرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً / أكذاكَ يَبْخَلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ
ولَقَد بَكَيْتُ فلَو رأيتَ مَدامِعي / لعَلِمْتَ أيُّ الباكِيَيْنِ مُتَيَّمُ
شَتّانَ ما وَجْدي ووَجْدُ حَمامَةٍ / تُبْدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وأكْتُمُ
وأزورُ إذْ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً / نَحِلَتْ بِهِنَّ كما نَحِلْتُ الأرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها / شَوْقٌ إِلى طَلَلٍ بِرامَةَ يُرْزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إِلى عَرَصاتِهِ / وعلى الجُنَينَةِ نَهْجُهُنَّ المُعْلَمُ
وذَكَرْتُ عَصْراً أسْرَعَتْ خُطُواتُهُ / والعَيْشُ أخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أنَّ شَبيبتي ودَّعْتُها / وأقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يتَصَرَّمُ
لفَظَتْ أحِبَّتَنا البلادُ فَمُعْرِقٌ / تُدمي جَوانحَهُ الهُمومُ ومُشْئِمُ
أزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طلَبِ العُلا / أدْنى صَحابَتِهِ الحُسامُ المِخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغَرَ الفَيافي والدُّجَى / خُوصٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدْقَمُ
يَجْتابُ أرْدِيَةَ الظّلامِ بِمَهْمَهٍ / يَنْسى الصَّهيلَ بهِ الحِصانُ الأدْهَمُ
ويَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي / لَيلٌ بأذْيالِ الصَّباحِ يُلَثَّمُ
ولَهُ إِلى الغَرْبِ التِفاتَةُ وامِقٍ / يُمْري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فتَسْجُمُ
وكأنَّهُ مِمَّا يُميلُ بِطَرْفِهِ / قِبَلَ المَغارِبِ بالثُّريَّا مُلْجَمُ
عَتَقَتْ علَيَّ ألِيَّةٌ سَيُبِرُّها / هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النُّجومِ مُخَيِّمُ
والليلُ يوطِئُ مَن تُؤرِّقُهُ المُنى / خَدّاً بأيدي الأرْحَبِيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بيَ المَوامي أيْنُقٌ / هُنَّ الحَنِيُّ ورَكْبُهُنَّ الأسْهُمُ
وأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ / يَضْوَى بِصُحبَتِها الكَريمُ ويَسْقَمُ
فسَدَ الزَّمانُ فليسَ يأمَنُ ظُلْمَهُ / أهْلُ النُّهى وبَنوهُ مِنهُ أظْلَمُ
أينَ التَفَتَّ رأيتَ مِنهُمْ أوْجُهاً / يشقى بهنَّ النّاظِرُ المُتَوسِّمُ
وأضَرُّهُمْ لكَ حينَ يُعضِلُ حادِثٌ / بالمَرْءِ مَنْ هوَ في الصّداقَةِ أقْدَمُ
ومَتى أسَأْتَ إليهِمُ وخَبِرتَهُمْ / أُلْفِيتَ بعدَ إساءَةٍ لا تَندَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ معَ الحَياءِ وراءَهُمْ / فهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبْلَى بِهِ / فبَليَّتي مِمَّنْ أُصاحِبُ أعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ فَوَجْهُهُ مُتَهلِّلٌ / لِمكيدَةٍ وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبدي الهَوى ويَسُورُ إنْ عَرَضَتْ لهُ / فُرَصٌ عليَّ كَما يَسورُ الأرْقَمُ
ويَرومُ نَيلَ المَكْرُماتِ ودونَها / أمَدٌ بهِ انْتَعَلَ النَّجيعَ المَنْسِمُ
فزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إِلى مَدًى / يَعْنو لِحاسِرِ أهْلِهِ المُسْتَلئِمُ
ورَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغْصوبَةٍ / حتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَمُ
ولَوِ اسْتَطَعْتُ رَدَدْتُ مَن يَعْيَى بهِ / عنهُ مَخافَةَ أنْ يُلَجْلِجَهُ فَمُ
لا تُخْلِدَنَّ إِلى الصّديقِ فإنّهُ / بِكَ مِنْ عَدوِّكَ في المَضَرَّةِ أعْلَمُ
يَلقاكَ والعسَلُ المُصَفَّى يُجْتَنَى / مِن قَولِهِ ومنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا ورُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بهِ / شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فحَلُمْتُ عنهُ وباتَ يَشْرَبُ غَيظَهُ / جُرَعاً ولُزَّ بمِنخَرَيهِ المَرْغَمُ
وأنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ / ويَرُدُّ غَرْبَ الجَهلِ وهْوَ مُثَلَّمُ
فلقد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ / حيثُ السّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
والخَيْلُ شُعْثٌ والرِّماحُ شوارِعٌ / والنّقْعُ أكْدَرُ والخَميسُ عَرَمْرَمُ
فرأيتُهُ يَسَعُ العُداةَ بِعَفْوِهِ / وتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَليهِ فَيَحْلُمُ
ويَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَومٍ أنَّهُ / مِمّا يَمُنُّ بهِ عليْهِمْ مُجرِمُ
وأفَدْتُ مِنْ أخلاقِهِ ونَوالِهِ / مِنَحاً يَضِنُّ بها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أغامَ الخَطْبُ جابَ ضَبابَهُ / شَمْسُ الضُّحى وسَطا عَليهِ الضَّيْغَمُ
ومَتى بَدا واللّيلُ ألْمَى رَدَّهُ / بِالبِشْرِ فهْوَ إذا تبلَّجَ أرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ / مُقَلاً يُصافِحُها العَجاجُ الأقتَمُ
بشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينِها / كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
ومَناقِبٍ لا تُرتَقَى هَضَباتُها / نَطَقَ الفَصيحُ بفَضْلِها والأعْجَمُ
إنْ لُحْنَ والشُّهْبُ الثّواقِبُ في الدُّجى / لمْ يَدْرِ سارٍ أيُّهُنَّ الأنْجُمُ
يا بْنَ الإِلى سَحَبوا الرِّماحَ إِلى الوغَى / ولدَيْهِ يَغْدرُ بالبَنانِ المِعْصَمُ
يتَسرَّعونَ إِلى الوغَى فجِيادُهُمْ / تُزْجَى عَوابِسَ والسُّيوفُ تَبَسُّمُ
وإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فاكْتَسى / فضَلاتِ نُورِهِمُ الزّمانُ المُظلِمُ
أوْضَحْتَ طُرْقَ المَجْدِ وهْيَ خَفِيّةٌ / فبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبهَمُ
وغَمَرْتَ بالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهُمْ / لمّا شَرَعْتَ لهُ الندىً يتكرَّمُ
وبَسَطْتَ كفّاً بالمَواهِبِ ثَرَّةً / سَدِكَ الغَنيُّ بِسَيْبِها والمُعْدَمُ
ومَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاً وارِفاً / يتوشَّحُ الضّاحِي بهِ والمُعتِمُ
كلُّ الفَضائِلِ مِن خِلالِكَ يُقْتَنى / ولدَيْكَ يُجْمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
ولِمِثْلِها أعْدَدْتُ كُلَّ قصيدَةٍ / نَفَرَتْ فَآنَسَها الجَوادُ المُنعِمُ
والشِّعْرُ صَعْبٌ مُرتَقاهُ وطالَما / شمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
والمَدْحُ يَسهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ / فنَداكَ يُمْليهِ عليَّ وأنْظِمُ
ولَرُبَّما غَطَّ البِكارُ وإنّما / رفَعَ الهَديرَ بهِ الفَنيقُ المُقْرَمُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ / واللّيلُ تَخْطِرُ في حَشاهُ النُّوقُ
والنَّجْمُ يَعْثُرُ بالظَّلامِ فيَشْتَكي / ظَلَعاً ليَجْذِبَ ضَبْعَهُ العَيُّوقُ
فاسْتَيقَظَ النَّفَرُ الهُجودُ بمَنزِلٍ / للقَلْبِ منْ وَجَلٍ لدَيْهِ خُفوقُ
والرُّعْبُ يَسْتَلِبُ الشُّجاعَ فؤادَهُ / ويَغُصُّ منْ كَلِماتِهِ المِنْطيقُ
نَزَلَتْ بِنا واللّيلُ ضافٍ بُرْدُهُ / ثمّ انْثَنَتْ وقَميصُهُ مَخْروقُ
والأفْقُ مُلتَهِبُ الحَواشي يَلتَظي / والأرضُ ضاحِيَةُ الوشُومِ تَروقُ
لِلهِ ناضِرَةُ الصِّبا يَسْرِي لَها / طَيْفٌ إذا صَغَتِ النُّجومُ طَروقُ
طَلَعَتْ عَلينا والمُعَرَّسُ عالِجٌ / والعِيسُ أهْوَنُ سَيْرِهِنَّ عَنيقُ
واللّيلُ ما سَفَرَتْ لَنا عَجِلُ الخُطا / والرَّملُ ما نَزَلَتْ بهِ مَوْموقُ
هَيفاءُ نَشْوى اللَّحْظِ يُقْصِرُ طَرْفَها / خَفَرٌ ويَسْكَرُ تارَةً ويُفيقُ
فكَأنَّهُ والبَيْنُ يُخضِلُ جَفْنَهُ / بالدَّمْعِ منْ حَدَقِ المَها مَسْرُوقُ
يا أُختَ مُقتَنِصِ الكُماةِ بمَوقِفٍ / للنَّسْرِ تحتَ عَجاجِهِ تَرنِيقُ
أتَرَكْتِنا بلِوى زَرودَ وقد صَفا / عَيشٌ كحاشِيَةِ الرِّداء رَقيقُ
والرِّيحُ أيقَظَتِ الرِّياضَ وَلِلْحَيا / فيها إذا رَقَدَ العَرارُ شَهيقُ
وطَلَبْتِنا وعلى المُضَيَّحِ فالحِمى / مَغْدى النّجائِبِ والمَراحُ عَقيقُ
هَلاّ بَخِلْتِ بِنا ونحْنُ بغِبْطَةٍ / والدَّهْرُ مَصْقولُ الأدِيمِ أنيقُ
وعلَيَّ مِن حُلَلِ الشَّبابِ ذَوائِبٌ / عَبِقَتْ بِرَيَّا المِسْكِ وهْوَ فَتيقُ
وهَوايَ تِلوُ هَواكِ في رَوْقِ الصِّبا / حتّى كأنّ العاشِقَ المَعْشوقُ
وتَصَرَّمَتْ تِلكَ السِّنونَ وشاغَبَتْ / نُوَبٌ تَفُلُّ السَّيفَ وهْوَ ذَليقُ
عَرَضَتْ على غَفَلاتِ ظَنِّيَ عَزْمَةٌ / لمْ يُسْتَشَفَّ وراءَها التَّوفيقُ
واسْتَرْقَصَ السَّمْعَ الطَّروبَ رَواعِدٌ / واستَغْوَتِ العَينَ الطَّموحَ بُروقُ
وأُشِبَّ لي طَمَعٌ فلَيتَ ركائِبي / عَلِمَتْ غَداةَ الجِزْعِ أينَ أَسوقُ
فعَرَفْتُ ما جَنَتِ الخُطوبُ ولم أُطِلْ / أمَلاً فما لِمَخِيلَةٍ تَصديقُ
ونَجَوتُ مُنصَلِتاً ولَم أكُ ناصِلاً / سِيمَ المُروقَ فلَم يُعِنْهُ الفُوقُ
وإذا اللّئيمُ تَغَضَّنَتْ وَجَناتُهُ / بُخلاً وجَفَّ بماضِغَيْهِ الرِّيقُ
فالعَرْصَةُ الفَيحاءُ مَسرَحُ أيْنُقٍ / لمْ يَنْبُ عَنْ عَطَنٍ بهِنَّ الضِّيقُ
وعلى ندىً المُستَظهِرِ بنِ المقتَدِي / حامَ الرَّجاءُ يُظِلُّهُ التَّحقيقُ
ورِثَ الإمامَةَ كابِراً عن كابِرٍ / مُتَوكِّليٌّ بالعَلاءِ خَليقُ
كَهلُ الحِجى عَرُضَتْ مَنادِحُ رأيِهِ / والغُصْنُ مُقتَبِلُ النَّباتِ وَريقُ
خَضِلُ البَنانِ بِنائِلٍ منْ دونِهِ / وَجهٌ يَجولُ البِشْرُ فيهِ طَليقُ
تَجري على ظَلَعٍ إِلى غاياتِهِ / هَوجاءُ طائِشَةُ الهُبوبِ خَريقُ
ويُخلِّفُ المُتَطَلِّعينَ إِلى المَدى / في الفَخْرِ مُنْجَذِبُ العِنانِ سَبوقُ
ويُقيمُ زَيغَ الأمرِ ناءَ بعِبْئِهِ / ذو الغارِبِ المَجْزولِ وهْوَ مُطيقُ
وعَلَيهِ مِن سيماءِ آلِ مُحمَّدٍ / نُورٌ يُجيرُ على الدُّجى مَرموقُ
والبُرْدُ يَعلَمُ أنَّ في أثنائِهِ / كَرَماً يَفوقُ المُزْنَ وهْوَ دَفوقُ
أفْضَتْ إليهِ خِلافَةٌ نَبَويَّةٌ / منْ دونِها للمَشْرَفِيِّ بَريقُ
فاخْتالَ مِنبرُها بهِ وسَريرُها / وكِلاهُما طَرِبٌ إليه مَشوقُ
فالآنَ قَرَّتْ في مُعَرَّسِها الذي / كانتْ على قَلَقٍ إليهِ تَتُوقُ
لكَ يا أميرَ المؤْمِنينَ تُراثُها / وبِهِ استَتَبَّ لَها إليكَ طَريقُ
ولكَ الأيادي ما يزالُ بذِكْرِها / يَطْوي الفَلا مَرِحُ النَّجاءِ فَنيقُ
ومَناقِبٌ يَزْدادُ طولاً عِندَها / باعٌ بتَصْريفِ القَناةِ لَبيقُ
شَرَفٌ مَنافِيٌّ ومَجدٌ أتلَعٌ / يَسمو بهِ نَسَبٌ أغَرُّ عَتيقُ
وشَمائِلٌ طَمَحَتْ بهِنَّ إِلى العُلا / في سُرّةِ البَلَدِ الأمينِ عُروقُ
وبَلَغْتَ في السِّنّ القَريبَةِ رُتْبَةً / نهَضَ الحَسودُ لَها فعَزَّ لُحوقُ
ونَضا وَزيرُكَ عَزْمةً عَرَبيّةً / نَبَذَتْ إليكَ الأمرَ وهْوَ وَثيقُ
ودَعا لِبَيعَتِكَ القُلوبَ فلَمْ يَمِلْ / مِنها إِلى أحَدٍ سِواكَ فَريقُ
يَرمي وَراءَكَ وهْوَ مَرْهوبُ الشَّذا / وعَليكَ مُلتَهِبُ الضَّميرِ شَفيقُ
رأيٌ يُطِلُّ على الخُطوبِ فتَنْجَلي / عنهُ وكَيْدٌ بالعَدوِّ يَحيقُ
لا زالَ مَمدودَ الرِّواقِ علَيكُما / ظِلٌّ يَقيلُ العِزُّ فيهِ صَفيقُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ / واستَمطَرَ العَبَراتِ وهْيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبصارُها / مِيلُ الرُّؤوسِ صَليلُهُنَّ بُكاءُ
والبِيضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما الْتَوى / رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
والسُّمْرُ راجِفَةٌ كأنَّ كُعوبَها / تَلوي معاقِدَها يَدٌ شَلاّءُ
والشَّمسُ شاحِبةٌ يَمورُ شُعاعُها / مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بهِ النَّكْباءُ
والنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى / نُفِضَتْ على صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أحْمَدَ فالبِلادُ خَواشِعٌ / والأرضُ تُعْوِلُ والصّباحُ مَساءُ
والعينُ تنْزِفُ ماءَها حُرَقُ الجَوى / والوجْهُ تُضمِرُ نارَهُ الأحشاءُ
فأذَلَّ أعناقاً خَضَعْنَ لفَقْدِهِ / وهْيَ التي طَمَحَتْ بها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صاغتْ حُلَى / أطواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلْمَنايا يَجْتَذِبْنَ إِلى الرَّدى / مُهَجاً فهُنَّ طلائِحٌ أنْضاءُ
تُدْهى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها / وتُحَطُّ عنْ وُكُناتِها الشّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسَ بالنّفوسِ وعِندَها / في كُلِّ يومٍ مُهجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ للرَّدى أبْناءَها / أُمٌّ لَعَمْرُ أبيهِمُ وَرْهاءُ
فالنّاسُ منْ غادٍ علَيهِ ورائِحٍ / ولِمَنْ تأخَّرَ عنهُما الإسْراءُ
لا شارِخٌ يَبْقى ولا ذو لِمَّةٍ / ألْوَتْ بعَصْرِ شَبابِها العنْقاءُ
ولكَمْ نَظَرْتُ إِلى الحياةِ وقدْ دَجَتْ / أظْلالُها فإذا الحَياةُ عَناءُ
لا يَخْدَعَنّكَ مَعْقِلٌ أشِبٌ ولَو / حلَّتْ علَيْهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
واكْفُفْ شَبا العَينِ الطّموحِ فَدونَ ما / تَسْمو إليهِ بلَحْظِها أقْذاءُ
ولَوِ اسْتُطيلَ على الحِمامِ بعِزَّةٍ / رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمْراءُ
لَتَحدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ على القَنا / حَيثُ القُلوبُ تُطيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أذيالَ الدُّروعِ كأنّهُمْ / أُسْدُ الشّرَى وكأنّهُنَّ إضاءُ
والخَيْلُ عابِسَةُ الوُجوهِ كأنّها / تَحْتَ الكُماةِ إذا انْجَرَدْنَ ضِراءُ
يَفْدونَ أحمَدَ بالنُّفوسِ وقلَّما / يُغْني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وهْوَ مُقتَبِلُ الصِّبا / حتَّى اتّقَتْ غَزَواتِهِ الأعْداءُ
ورَمى المَشارِقَ بالمَذاكِي فارْتَدى / بِعَجاجِها المَلْمومَةُ الشَّهْباءُ
ولهُ بأطرارِ المَغارِبِ وَقْعَةٌ / تُرضي السُّيوفَ وغارَةٌ شَعْواءُ
لمْ يَدْفَعِ الحَدَثانِ عَن حَوبائِهِ / مَجْدٌ أشَمُّ وعِزّةٌ قَعْساءُ
وصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ وأسِنَّةٌ / مَذروبَةٌ وكَتيبَةٌ جَأواءُ
لَقِحَتْ بهِ الأرضُ العَقيمُ وأُسْقِيَتْ / سَبَلَ الحَيا فكأنَّها عُشَراءُ
والصّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزيَّةٍ / تَقِصُ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
ولِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى / إلا إلَيهِ الآلَةُ الحَدْباءُ
للِّهِ ما اعتْتَنَقَ الثَّرى من سُؤْدَدٍ / شَهِدَتْ بهِ أُكْرومَةٌ وحَياءُ
وشَمائِلٍ رقَّتْ كَما خَطَرتْ على / زَهرِ الرَّبيعِ رُوَيْحَةٌ سَجواءُ
عَطِرَتْ بهِ الأرضُ الفَضاءُ كأنَّما / نُشِرَتْ علَيها الرَّوضَةُ الغنَّاءُ
لا زال يَنْضَحُ قبْرَهُ دَمُ قارِحٍ / يَحْبو لدَيْهِ وديمَةٌ وَطْفاءُ
والبَرْقُ يختلِسُ الوَميضَ كأنّهُ / بَلْقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأفْلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بهِ فُضولَ عِطافِهِ / وبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأنواءُ
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ
لَمَعَتْ كناصِيَةِ الحِصانِ الأشْقَرِ / نارٌ بمُعتَلِجِ الكَثيبِ الأعْفَرِ
تَخبو وتُوقِدُها ولائِدُ عامِرٍ / بالمَندَليّ وبالقَنا المُتَكَسِّرِ
فتَطارَحَتْ مُقَلُ الرّكائِبِ نحوَها / ولنا بِرامَةَ وِقْفَةُ المُتَحَبِّر
وهَزَزْتُ أطرافَ السّياطِ فأرْقَلَتْ / وبِها مَراحُ الطّارِقِ المُتنَوِّر
حِنّي رُوَيْداً ناقُ إنّ مُناخَنا / بعُنَيْزَتَيْنِ ونارُها بمُحجَّرِ
فمَتى اللّقاءُ ودونَ ذلكَ فِتيَةٌ / ضُرِبَتْ قِبابُهُمُ بقُنّةِ عَرْعَرِ
وأسِنّةُ المُرّانِ حَولَ بُيوتِهِمْ / شُدَّتْ بِها عُذُرُ العِتاقِ الضُّمَّرِ
فهُمُ يَشُبّونَ الحُروبَ إذا خَبَتْ / بالبيضِ تَقطُرُ بالنّجيعِ الأحْمَرِ
يا أخْتَ مُقتَحِمِ الأسنّةِ في الوَغى / لَولا مُراقَبَةُ العِدا لَم تُهْجَري
هلْ تأمُرينَ بزَوْرَةٍ منْ دُونِها / حَدَقٌ تشُقُّ دُجى الظّلامِ الأخْضَرِ
أأُصانِعُ الأعداءَ فيكِ وطالَما / خَضَبَ القَنا بدِماءِ قوْمِكَ مَعْشَري
ويَروعُني لَغَطُ الوُشاةِ وقَبْلَنا / حَكَمَتْ قَبائِلُ خِنْدِفٍ في حِمْيَرِ
لأُشارِفَنّ إلَيكِ كلَّ تَنوفَةٍ / زَوراءَ تُعْقَرُ بالمُشيحِ الأزْوَرِ
فلَكَمْ هَزَزْتُ إلَيكِ أعْطافَ الدُّجى / ورَكِبْتُ هاديَةَ الصّباحِ المُسْفِرِ
نَفْسي فِداؤكِ منْ عَقيلَة مَعْشرٍ / مَنَعوا قُضاعَةَ بالعَديدِ الأكْثَرِ
ألِفَتْ ظِباءَ الوادِيَيْنِ فعِنْدها / حَذَرُ الغَزالَةِ والْتِفاتُ الجُؤذَرِ
وبمَنْشِطِ الحَوْذانِ خَمسَةُ أرْسُمٍ / تَبدو فأحْسَبُهُنَّ خَمسَةَ أسْطُرِ
وافَيْتُها والرّكْبُ يَسْجُدُ للكَرى / والعِيسُ تَركَعُ بالحَزيزِ الأوْعَرِ
فوَقَفْتُ أسأَلُها وفي عَرَصاتِها / طَرَبُ المَشوقِ وحَنّةُ المُتَذَكِّر
وكأنّ أطْلالاً بمُنعَرَجِ اللِّوى / أشْلاءُ قَتْلاكَ التي لمْ تُقْبَرِ
أخلَيْتَ منها الشّامَ حينَ تظلّمَتْ / منها ومَنْ يَستَجْدِ عَدْلَكَ يُنصَرِ
فقَشَرْتَ بالعَضْبِ الجُرازِ قُشَيْرَها / وقَلَعْتَ بالأسَلاتِ قلعَةَ جَعْبَرِ
شمّاءُ تَلعَبُ بالعُيونِ وتَرتَدي / هَضَباتُها حُلَلَ السَّحابِ الأقمَرِ
وتَحِلُّها عُصَبٌ تُضَرِّمُ للْقِرى / شَذَبَ الأراكِ زَهادَةً في العَنْبَرِ
قَوْمٌ حُصونُهُمُ الأسِنّةُ والظُّبا / والخَيْلُ تَنحِطُ في مَطارِ العِثْيَرِ
ألِفوا ظُهورَ المُقْرَباتِ وما دَرَوْا / أنّ المَصيرَ إِلى بُطونِ الأنْسُرِ
فخَبَتْ ببَأْسِكَ فِتْنَةٌ عرَبيّةٌ / كانت تُهَجْهِجُ بالسّوامِ النُّفَّرِ
وفَتَحْتَ أنطاكيّةَ الرّومِ التي / نَشَزَتْ مَعاقِلُها على الإسكَنْدَرِ
وكَفى مُعِزَّ الدين رأيُكَ عَسْكَراً / لَجِباً يُجَنّحُ جانبَيْهِ بعَسْكَرِ
وطِئَتْ مَناكِبَها جِيادُكَ فانْثَنَتْ / تُلقي أجِنّتَها بَناتُ الأصْفرِ
تَردي كما نَسَلَتْ سَراحينُ الغَضى / قُبْلَ العُيونِ بجنّةٍ منْ عَبْقَرِ
وتَرى الشُّجاعَ يُديرُ في حَمْسِ الوَغى / حَدَقَ الشُّجاعِ يَلُحْنَ تحتَ المِغْفَرِ
فتَناوشَ الأسَلُ الشّوارِعُ أرضَها / والخَيلُ تَعثُرُ في العَجاجِ الأكْدَرِ
رُفِعَتْ منارُ العَدلِ في أرْجائِها / فاللّيْثُ يَخْضَعُ للغَزالِ الأحْوَرِ
وترَشّفَ العافونَ منكَ أنامِلاً / يَخْلُفْنَ غاديَةَ الغَمامِ المُغزِرِ
ورَدوا نَداكَ فأصْدَرَتْ نَفَحاتُهُ / عنكَ المُقِلَّ يَجُرُّ ذَيْلَ المُكْثِر
وصَبا الدُّهورُ إلَيْكَ بَعْدَ مُضِيِّها / لتَرى نَضارَةَ عَصرِكَ المُتأخّرِ
فَغدا بِها الإسلامُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / مَرَحاً ويخْطِرُ خِطْرَةَ المُتَبَخْتِرِ
إيْهاً فقَدْ أدرَكْتَ منْ شَرَفِ العُلا / ما لم يُنَلْ وذَخَرْتَ ما لمْ يُذْخَرِ
وبلَغْتَ غايَةَ سُؤدَدٍ لمْ يُلْفِهِ / كِسْرى ولا عَلِقَتْهُ هِمّةُ قَيصَرِ
فإذا استَجارَ بكَ العُفاةُ تَبَيّنوا / أثَرَ السّماحِ على الجَبينِ الأزْهَرِ
ورَأَوا عُلا إسْحاقَ شَيّدَ سَمْكَها / كَرَمُ الرّضيِّ فَيا لَهُ منْ مَفْخَرِ
ومَناصِباً فَرَعَتْ ذُؤابَةَ فارِسٍ / لمْ يَستَبِدَّ بهِنّ آلُ المُنْذِرِ
يا صاحِبَيَّ دَنا الرّحيلُ فَقَرِّبا / وَجْناءَ تكفُلُ بالغِنى للمُقْتِرِ
وتَجُرُّ أثناءَ الزِّمامِ إِلى فتَىً / خَضِلِ الأنامِلِ كِسْرَويّ المَفْخَرِ
فمَطالعُ البَيداءِ تَعلَمُ أنّني / أسْري وأَعنُفُ بالمَهارَى الحُسَّرِ
وأحَبِّرُ الكَلِمَ التي لا أرتَضي / مِنها بغَيرِ الشّاردِ المُتَخيّرِ
وجَزالةُ البَدَوِيِّ في أثنائِه / مُفْتَرَّةٌ عن رِقَّةِ المُتَحَضِّرِ
وإلَيكَ يَلتَجئُ الكَريمُ ويَتّقي / بكَ ما يُحاذِرُ والنّوائِبُ تَعتَري
والأرضُ دارُكَ والبَرايا أعْبُدٌ / وعلى أوامِرِكَ اختِلافُ الأعْصُرِ
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا / والوَجْدُ يُظهِرُ سِرّيَ المَكتوما
يا صاحِبَيَّ تَرَفّقا بمُتَيَّمٍ / نَزَفَ الصّبابَةُ دمعَهُ المَسْجوما
وأضاءَ بَرْقٌ كادَ يَسلُبُهُ الكَرى / فتَقَصّيا نَظَراً إليهِ وشيما
وتعلّما أني أُجيلُ وراءَهُ / طَرْفاً يُثيرُ على الفؤادِ هُموما
لولا أميمةُ ما طَرِبْتُ لِبارِقٍ / ضَرِمِ الزِّنادِ ولا انتَشَقْتُ نَسيما
فَقِفا بَحيثُ مَحا مَساحِبَ ذَيْلِها / نَكْباءُ غادَرَتِ الدّيارَ رُسوما
والنُّؤْيُ أنْحَلَهُ البِلى فكأنّها / أهْدَتْ إلَيهِ سِوارَها المَفْصوما
لا زالَ مُرتَجِزُ الغَمامِ برَبْعِها / غَدَقاً وخَفّاقُ النّسيمِ سَقيما
ما أنسَ ولا أنسَ الوَداعَ وقَولَها / والثّغْرُ يَجلو اللّؤلُؤَ المَنظوما
لا تَقْرَبِ البَكريّ إنّ وراءَهُ / مِنْ أُسْرَتَيْهِ جَحاجِحاً وقُروما
فخَرَتْ عليّ الوائِليّةُ ضلّةً / كُفّي وَغاكِ فقَدْ أصَبْتِ كَريما
إنْ تَفخَري ببَني أبيكِ فإنّ لي / منْ فَرْعِ خِنْدِفَ ذِرْوَةً وصَميما
حَدَبَتْ عليّ قَبائلٌ مُضَريّةٌ / طَلَعَتْ عليكِ أهِلّةً ونُجوما
آتاهُمُ اللهُ النّبُوّةَ والهُدى / والمُلكَ مُرتَفِعَ البِناءِ عظيما
وسَما بإبراهيمَ ناصِرِ دينِهِ / شَرَفُ الخليلِ أبيهِ إبراهيما
مُتَهَلِّلٌ يَحمي حَقيقةَ عامِرٍ / بالسّيفِ عَضْباً والنَّوالِ جَسيما
ويهُزُّهُ نَغمُ الثّناءِ كأنّهُ / مُتَسَمِّعٌ هَزَجَ الغِناءِ رَخيما
والجارُ يأمَنُ في ذَراهُ كأنَّما / عَقَدَتْ مَكارِمُهُ عليهِ تَميما
يَغدو لِحالِيَةِ الرّبيعِ مُجاوِراً / ولصَوْبِ غاديَةِ الغَمامِ نَديما
ولهُ ذِمامُ أبيهِ حَزْنٍ إنْ جَرَتْ / ريحُ الشِّتاءِ على السّوامِ عَقيما
ولفارِسِ الهَرّارِ فيهِ شَمائِلٌ / لَقِحَتْ بِها الحَرْبُ العَوانُ قديما
مِن مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ توشّحوا / شِيَماً خُلِقْنَ منَ العُلا وحُلوما
إنْ أقدَموا بَرزوا إليكَ صَوارِماً / أو أنعَموا مَطَروا عليْكَ غُيوما
تَلقى الكُماةَ الصّيدَ حَولَ بُيوتِهِمْ / والخَيلُ صافِنَةً تَلوكُ شَكيما
وكَتيبَةٍ منْ سِرِّ جَوثَةَ فَخمَةٍ / كالأُسْدِ تَملأُ مِسمَعَيْكَ نَئيما
زَخَرَتْ بهمْ أمُّ البَنين فأقبَلوا / كالمَشْرَفيّةِ نَجدَةً وعَزيما
وإذا العُمومَةُ لمْ تُشَجْ بِخؤولَةٍ / خَرَجَ النّسيبُ بها أغَرَّ بَهيما
ومُرَنَّحينَ مِنَ النُّعاسِ بَعَثْتُهُمْ / والعينُ تَكسِرُ جَفنَها تَهْويما
فسَرَتْ بهِمْ ذُلُلُ المَطيّ لَواغِباً / تَهفو إِلى آلِ المُسَيّبِ هيما
قَومٌ إذا طَرَقَ الزّمانُ بِحلدِثٍ / لم يُلْفَ مارِنُ جارِهِمْ مَخْطوما
يتهلّلونَ إِلى العُفاةِ بأوْجُهٍ / رَقّتْ وقَدْ غَلُظَ الزّمانُ أديما
يا سيّدَ العَرَبِ الإِلى زيدوا بهِ / شَرَفاً بمَيسَمِ عزّةٍ مَرْموقا
نشأَتْ قَناتُكَ في فُروعِ هَوازِنٍ / ريّا المَعاقِدَ لا تُسِرُّ وُصوما
ولِحاسِديكَ وأنت مُقتَبَلُ الصِّبا / كَمَدٌ يَكادُ يُصَدِّعُ الحَيْزوما
لا عُذْرَ للقَيْسيِّ يَضرِبُ طَوْقُهُ / طَرَفَ اللَّبانِ ولا يَسود فَطيما
لكَ ما يُرَوِّقُهُ الغَمامُ الهاطِلُ
لكَ ما يُرَوِّقُهُ الغَمامُ الهاطِلُ / إنْ ردَّ عَبْرَتهُ الجَموحَ السّائِلُ
وعليكَ يا طَلَلَ الجَميعِ تحيّةٌ / أصغى ليَسْمَعَها المَحَلُّ الآهِلُ
أمِنَ البِلى هذا النُّحولُ أمِ الضّنى / فالحُبُّ مِنْ شِيَمي وأنتَ النّاحِلُ
خلَعَ الرَّبيعُ منْ أنوارِهِ / حَلياً تَوَشَّحَهُ ثَراكَ العاطِلُ
والرّوضُ في أفوافِهِ مُتَبرِّجٌ / والزَّهْرُ في حُلَلِ السِّحائِبِ رافِلُ
وغَنِيتَ في حِجْرِ الحَيا مُستَرضَعاً / يَغْذوكَ واشِلُ طَلِّهِ والوابِلُ
كانت أيادي الدّهْرِ فيكَ كَثيرةً / لكنْ لَياليهِ لدَيكَ قَلائلُ
في حيثُ يَقتَنصُ الأسودَ ضَوارِياً / لَحْظٌ تُمَرِّضُهُ المَهاةُ الخاذِلُ
إذ لم يكنْ والليلُ يَسحَبُ ذَيلَهُ / لسُعادَ غيرَ يَدي وِشاحٌ جائِلُ
فكأنّنا غُصنانِ يَشكو منهُما / بَرْحَ الغَرام إِلى الرّطيبِ الذّابِلُ
هَيفاءُ إنْ خَطَرَتْ فقَدٌّ رامِحٌ / نَجلاءُ إنْ نظَرَتْ فطَرْفٌ نابِلُ
وكأنّ فاها بعدَما نَشَرَ الدُّجى / فَرْعاً يَلوحُ بهِ الخِضابُ النّاصِلُ
صَهباءُ تُعْشي النّاظِرينَ نَضَتْ بِها / عَذَبَ الفَدامِ عنِ اللّطيمَةِ بابِلُ
وأبي اللّوائِمِ لا أفَقْتُ منَ الهَوى / ولَئِنْ أفَقْتُ فأينَ قَلبٌ ذاهِلُ
حتّى يرُدَّ قِوامَ دولَةِ هاشِمٍ / مَنْ يَرتَجيهِ لِما يَقولُ العاذِلُ
مُرُّ الحَفيظَةِ والرِّماحُ يَشِفُّها / ظَمَأٌ ومَنْ ثُغَرِ النُّحورِ مَناهلُ
يَرمي العُدُوَّ ودِرْعُهُ مِنْ حِلْمِهِ / فيَقيهِ عاديةَ المَنون القاتِلُ
والرّايةُ السّوداءُ يخفُقُ ظِلُّها / والرُّعْبُ يَطلُعُ والتّجَلُّدُ آفِلُ
والقِرْنُ قَلقَلَ جأْشَهُ حَذَرُ الرّدى / فأُعيرَ نَفْرتَهُ النَّعامُ الجافِلُ
نامَ المُلوكُ وباتَ سرحانُ الغَضى / مَرعِيُّ سَرحِهِمُ لهُ والهامِلُ
فأعادَ أكْنافُ العِراقِ على العِدا / شَرَكاً يَدِبُّ بهِ الضَّراءَ الحابِلُ
ويَمُدُّ ساعِدَهُ الطِّعانُ كما لَوَتْ / للفَحْلِ مِنْ طَرَفِ العَسيبِ الشّائِلُ
وطَوى إِلى أمَدِ المَكارِمِ والعُلا / نَهْجاً تجَنَّبَ طُرَّتَيْهِ النّاعِلُ
ولهُ شَمائِلُ أُودِعَتْ مِنْ نَشْرِها / سِراً يَبوحُ بهِ النّسيمُ خَمائِلُ
ويَدٌ يَتيهُ بِها اليَراعُ على الظُّبا / ويُشابُ فيها بالنّجيعِ النّائِلُ
عَلِقَتْ بِكِلْتا راحتَيْهِ أربَعٌ / نفَضَ الأنامِلَ دونَهُنَّ الباخِلُ
نِعَمٌ يَشِفُّ وراءها نَيْلُ المُنى / وأعِنَّةٌ وأسِنّةٌ ومَناصِلُ
مِنْ مَعشَرٍ فرَعوا ذَوائِبَ سُؤْدَدٍ / أغصانُ دَوحَتِهِ الكَميُّ الباسِلُ
تُدْعى زُرارَةُ في أواخِرِ مَجدِهِمْ / يومَ الفَخارِ وفي الأوائِلِ وائِلُ
يا خَيرَهُمْ حَيثُ السّيوفُ تَزيدُها / طولاً وقَد قَصُرَتْ عليكَ حَمائِلُ
إنّ الصّيامَ يهُزُّ عِطفَيْ شَهرِهِ / أجْرٌ بما زَعَمَ التّمَنّي كافِلُ
وافاكَ طَلقَ المُجْتَلى فثَوابُهُ / لكَ آجِلٌ ونَداكَ فيهِ عاجِلُ
وإذا السِّنونَ قَضى بِسَعْدِكَ حاضِرٌ / مِنها تَبَلّجَ عنهُ عامٌ قابِلُ
وحَمى بِكَ المُستَظْهِرُ الشَّرَفَ الذي / يزوَرُّ دونَ ثَنِيَّتَيْهِ الواقِلُ
وبِكَ استَفاضَ العَدْلُ واعتَجَرَ الوَرى / بالأمْنِ وانتَبَه الزّمانُ الغافِلُ
لمّا أرَحْتَ إليهِ عازِبَ سِربِهِمْ / هَدَأ الرّعيّةُ واستَقامَ الماثِلُ
ودَعاكَ للنّجْوى فكُنتَ لرَأْيِهِ / رِدْءاً كَما عَضَدَ السِّنانَ العامِلُ
وبَرَزْتَ في حُلَلِ الجَلالِ أنارَها / بأنامِلِ العِزِّ النّعيمُ الشّاملُ
متَوَشِّحاً بالمَشْرَفيِّ يُقِلُّهُ / أسَدٌ مَخالِبُهُ الحُسامُ القاصِلُ
فوقَ الأغرِّ يَلوحُ في أعطافِهِ / مِنْ آلِ أعوَجَ والصّريحِ شَمائِلُ
ومُعرَّسُ النُّعْمى دَواةٌ حلْيُها / حَسَبٌ تحُفُّ بهِ عُلاً وفضائِلُ
نَشَرَ الصّباحُ بِها الجَناحَ ورَقْرَقَتْ / فيها منَ الشَّفَقِ النُّضارَ أصائِلُ
وكأنما أقلامُها هِندِيّةٌ / بيضٌ أحدَّ مُتونَهُن الصّاقِلُ
والعِزُّ مُقتَبَلٌ بحيثُ صَريرُها / وصَليلُ سَيفِكَ والجَوادُ الصّاهِلُ
فَفداكَ منْ رَيْبِ الحَوادثِ ناقِصٌ / في المَكْرُماتِ وفي المَعايِبِ كامِلُ
بِيَدٍ يُشامُ لَها بُرَيْقٌ خُلَّبٌ / عَلِقَتْ بهِ ذَيلَ الجَهامِ مَحائِلُ
غُلَّتْ عن المَعروفِ فهْيَ بكِيَّةٌ / والضَّرْعُ تَغْمُرُهُ الأصِرَّةُ حافِلُ
قَسَماً بخُوصٍ شَفَّها عَقْبُ السُّرى / حتى رَثى لابنِ اللَّبونِ البازِلُ
وفَلَتْ بأيديهنَّ ناصِيةَ الفَلا / فشَكا الكَلالَ إِلى الأظَلِّ الكاهلُ
والليلُ بحرٌ والغَياهِبُ لُجّةٌ / والشُّهْبُ دُرٌ والصّباحُ السّاحِلُ
ومُرنَّحينَ سَقاهُمُ خَدَرُ الكَرى / نُطَفاً يَعافُ كُؤوسَهُنَّ الواغِلُ
نَزَلوا بمُعْتَلِجِ البِطاحِ وعِندَهُ / لُفَّت على الحَسَبِ الصّميمِ وَصائِلُ
لأُقلِّدَنّكَ مِدْحَةً أمَويَّةً / فانْظُرْ مَنِ المُهدي لَها والقائِلُ
فالوِرْدُ إلا في ذَراكَ مُرَنَّقٌ / والظِّلُّ إلا في جَنابِكَ زائلُ
والحقُّ أنتَ وكُلُّ ما نُثْني بهِ / إلا عَليكَ منَ المَدائِحِ باطِلُ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ
لكَ مِن غَليلِ صَبابَتي ما أُضمِرُ / وأُسِرُّ منْ ألَمِ الغَرامِ وأُظْهِرُ
وتذَكُّري زَمَنَ العُذَيْبِ يَشِفُّني / والوَجْدُ مَمْنُوٌّ بهِ المُتَذَكِّرُ
إذْ لِمّتي سَحْماءُ مَدَّ على التُّقى / أظْلالَها وَرَقُ الشّبابِ الأخضَرُ
هوَ مَلعَبٌ شَرِقَتْ بِنا أرجاؤُهُ / إذْ نَحنُ في حُلَلِ الشّبيبَةِ نَخْطِرُ
فبِحَرِّ أنفاسي وصَوْبِ مَدامِعي / أضْحَتْ مَعالِمُهُ تُراحُ وتُمطَرُ
وأُجيلُ في تلكَ المَعاهِدِ ناظِري / فالقَلبُ يعرِفُها وطَرْفي يُنكِرُ
وأرُدُّ عَبْرتِيَ الجَموحَ لأنّها / بِمَقيلِ سِرِّكَ في الجَوانِحِ تُخْبِرُ
فأبِيتُ مُحْتَضِنَ الجَوى قلِقَ الحَشى / وأظَلُّ أُعْذَلُ في هَواك وأُعذَرُ
غَضِبَتْ قُرَيشٌ إذْ مَلَكْتُ مَقادَتي / غَضباً يَكادُ السُّمُ منهُ يَقْطُرُ
وتَعاوَدَتْ عَذْلي فَما أرْعَيْتُها / سَمْعاً يَقِلُّ بهِ المَلامُ ويَكْثُرُ
ولقَدْ يَهونُ على العَشيرَةِ أنّني / أشْكو الغَرامَ فيَرقُدونَ وأسْهَرُ
وبمُهْجَتي هَيْفاءُ يَرْفَعُ جِيدَها / رَشَأٌ ويَخْفِضُ ناظِرَيْها جُؤْذَرُ
طَرَقَتْ وأجْفانُ الوُشاةِ على الكَرى / تُطْوى وأرْدِيَةُ الغَياهِبِ تُنْشَرُ
والشُّهْبُ تَلمَعُ في الدُّجى كأَسِنّةٍ / زُرْقٍ يُصافِحُها العَجاجُ الأكْدَرُ
فنِجادُ سَيْفي مَسَّ ثِنْيَ وِشاحِها / بمَضاجِعٍ كَرُمَتْ وعَفَّ المِئْزَرُ
ثمَّ افْتَرَقْنا والرَّقيبُ يَروعُ بي / أسَداً يوَدِّعُهُ غَزالٌ أحْوَرُ
والدُّرُّ يُنظَمُ حينَ يضحَكُ عِقْدُهُ / وإذا بَكَيْتُ فمِنْ جُفوني يُنثَرُ
فَوَطِئْتُ خَدَّ اللّيلِ فوقَ مُطَهَّمٍ / هُوجُ الرِّياحِ وراءَهُ تَسْتَحْسِرُ
طَرِبِ العِنانِ كأنّهُ في حُضْرِهِ / نارٌ بمُعْتَرَكِ الجيادِ تَسَعَّرُ
والعِزُّ يُلحِفُني وشائِعَ بُرْدِهِ / حَلَقُ الدِّلاصِ وصارِمي والأشْقَرُ
وعَلامَ أدَّرِعُ الهَوانَ ومَوْئِلي / خَيْرُ الخَلائِفِ أحْمَدُ المُسْتَظْهِرُ
هوَ غُرَّةُ الزّمنِ الكَثيرِ شِياتُهُ / زُهِيَ السّريرُ بهِ وتاهَ المِنْبَرُ
ولهُ كما اطّرَدَتْ أنابيبُ القَنا / شَرَفٌ وعِرْقٌ بالنُّبُوّةِ يَزْخَرُ
وعُلاً تَرِفُّ على التُّقى وسَماحَةٌ / عَلِقَ الرّجاءُ بِها وبأسٌ يُحْذَرُ
لا تَنفَعُ الصّلواتُ مَنْ هوَ ساحِبٌ / ذَيْلَ الضّلالِ وعنْ هَواهُ أزْوَرُ
ولَوِ اسْتُميلَتْ عَنْهُ هامَةُ مارِقٍ / لَدعا صَوارِمَهُ إلَيْها المِغْفَرُ
فَعُفاتُهُ حَيثُ الغِنى يَسَعُ المُنى / وعُداتُهُ حَيثُ القَنا يتكَسّرُ
وبِسَيْبِهِ وبسِيْفِهِ أعمارُهُمْ / في كُلِّ مُعضِلَةٍ تَطولُ وتَقْصُرُ
وكأنّهُ المَنْصورُ في عَزَماتِهِ / ومُحَمّدٌ في المَكرُماتِ وجَعْفَرُ
وإذا مَعَدٌّ حُصِّلَتْ أنسابُها / فَهُمُ الذُّرا والجَوْهَرُ المُتَخيَّرُ
ولَهمْ وقائِعُ في العِدا مَذْكورةٌ / تَروي الذِّئابُ حَديثَها والأنسُرُ
والسُّمْرُ في اللّبّات راعِفةٌ دَماً / والبِيضُ يَخضِبُها النّجيعُ الأحْمَرُ
والقِرْنُ يرْكَبُ رَدْعَهُ ثَمِلَ الخُطا / والأعْوَجيَّةُ بالجَماجِمِ تَعْثُرُ
ودَجا النّهارُ منَ العَجاجِ وأشْرَقَتْ / فيهِ الصّوارِمُ وهْوَ ليلٌ مُقْمِرُ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا ما لأمرئٍ / طامَنْتَ نَخوَتَهُ المَحلُّ الأكبَرُ
أنا غَرْسُ أنْعُمِكَ التي لا تُجتَدى / مَعها السّحائِبُ فهْيَ مِنْها أغْزَرُ
والنُّجْعُ يَضْمَنُهُ لمَنْ يرْتادُها / مِنْكَ الطّلاقَةُ والجَبينُ الأزهَرُ
وإنِ اقتَرَبْتُ أوِ اغْتَرَبْتُ فإنّني / لهِجٌ بشُكإِ عَوارِفٍ لا تُكفَرُ
وعُلاكَ لي في ظِلِّها ما أبتَغي / مِنها ومنْ كَلِمي لَها ما يُذْخَرُ
يُسْدي مَديحَكَ هاجِسي ويُنيرُهُ / فِكري وحظّي في امْتِداحِكَ أوفَرُ
بغْداذَ أيّتُها المَطيُّ فواصِلي / عَنَقاً تئِنُّ لهُ القِلاصُ الضُّمَّرُ
إنّي وحَقِّ المُستَجِنِّ بطَيْبَةٍ / كَلِفٌ بِها وإِلى ذَراها أصْوَرُ
وكأنَّني مما تُسوِّلُهُ المُنى / والدّارُ نازِحةٌ إليها أنظُرُ
أرضٌ تَجُرُّ بِها الخِلافَةُ ذَيْلَها / وبها الجِباهُ منَ المُلوكِ تُعَفَّرُ
فكأنّها جُلِيَتْ عَلَينا جَنّةٌ / وكأنّ دِجلَةَ فاضَ فيها الكَوثَرُ
وهَواؤُها أرِجُ النّسيمِ وتُرْبُها / مِسْكٌ تَهاداهُ الغَدائِرُ أذْفَرُ
يَقْوى الضّعيفُ بِها ويأمَنُ خائِفٌ / قَلِقَتْ وِسادَتُهُ ويُثْري المُقْتِرُ
فصَدَدْتُ عنها إذ نَباني مَعْشَري / وبَغى عليَّ منَ الأراذِلِ مَعْشَرُ
منْ كُلِّ مُلْتَحِفٍ بما يَصِمُ الفَتى / يُؤذي ويَظلِمُ أو يَخونُ ويَغْدِرُ
فنَفَضْتُ منهُ يدي مَخافَةَ كَيْدِهِ / إنَّ الكَريمَ على الأذى لا يَصْبِرُ
وأبَى لشِعْري أن أدَنِّسَهُ بهِمْ / حَسَبي وسَبُّ ذوي الخَنا أن يُحقَروا
قابَلْتُ سيّئَ ما أتَوْا بجَميلِ ما / آتي فإنّي بالمكارِمِ أجْدَرُ
وأبادَ بعضَهُمُ المَنونُ وبَعْضُهُمْ / في القِدِّ وهْوَ بما جَناهُ أبصَرُ
والأبيضُ المأثورُ يَخْطِمُ بالرّدى / مَنْ لا يُنَهْنِهُهُ القَطيعُ الأسمَرُ
فارْفَضَّ شملُهُمُ وكمْ مِنْ مَوْرِدٍ / للظّالِمينَ وليْسَ عنهُ مَصْدَرُ
وإِلى أميرِ المؤمنينَ تطَلَعَتْ / مِدَحٌ كما ابتَسَمَ الرِّياضُ تُحَبَّرُ
ويقيمُ مائِدَهُن لَيلٌ مُظلِمٌ / ويضُمُّ شارِدَهُنَّ صُبحٌ مُسْفِرُ
فبِمِثْلِ طاعَتِهِ الهِدايَةُ تُبْتَغى / وبفَضْلِ نائِلِهِ الخَصاصَةُ تُجْبَرُ
وَلَهٌ تَشِفُّ وراءَهُ الأشجانُ
وَلَهٌ تَشِفُّ وراءَهُ الأشجانُ / وهَوىً يَضيقُ بسِرِّهِ الكِتْمانُ
ومُتَيَّمٌ يُدمي مَقيلَ هُمومِهِ / وَجْدٌ يُضَرِّمُ نارَهُ الهِجْرانُ
فَنَطا الكَرى عن مُقلَتَيْهِ شادِنٌ / عَبِثَ الفُتورُ بلَحْظِهِ وَسْنانُ
يَرعى النّجومَ إذا اسْتَرابَ بطَيفِهِ / هَلاّ اسْتَرابَ بطَرْفِهِ اليَقظانُ
ألِفَ السُّهادَ فلو أهابَ خَيالُهُ / بالعَيْنِ ما شَعَرَتْ بهِ الأجْفانُ
للهِ وَقْفَتُنا التي ضمِنَتْ لنا / شَجَناً غَداةَ تَفَرّقَ الجيرانُ
نَصِفُ الهَوى بمَدامِعٍ مَذعورةٍ / تَبكي الأسُودُ بهِنّ والغِزْلانُ
وإذا سَمِعْنا نَبْأةً منْ عاذِلٍ / جُعِلَتْ مَغيضَ دُموعِها الأرْدانُ
ولقد طَرَقْتُ الحيَّ يحْمِلُ شِكّتي / ظامي الفُصوصِ أديمُهُ ريّانُ
لبِسَ الدُّجى وأضاءَ صُبحُ جَبينِهِ / يَنشَقُّ عنهُ سَبيبُهُ الفَيْنانُ
وسَما لِدارِ العامريّةِ بعْدَما / خَفَتَ الهَديرُ وروّحَ الرُّعْيانُ
ووَقَفْتُهُ حيثُ اليَمينُ جَعَلْتُها / طَوقَ الفَتاةِ وفي الشِّمالِ عِنانُ
ورَجَعْتُ طَلْقَ البُرْدِ أسْحَبُ ذَيْلَهُ / ويَعَضُّ جِلْدَةَ كفِّهِ الغَيْرانُ
يا صاحِبَيَّ تقَصّيا نَظَرَيْكُما / هَلْ بَعدَ ذَلكُما اللِّوى سَفَوانُ
فلقدْ ذَكَرْتُ العامريّةَ ذِكْرَةً / لا يُسْتَشَفُّ وَراءَها النّسيانُ
وهَفا بنا وَلَعُ النّسيمِ على الحِمى / فثَنى مَعاطِفَهُ إليهِ البانُ
ومَشى بأجْرَعِهِ فهَبَّ عَرارُهُ / منْ نَومِهِ وتَناجَتِ الأغْصانُ
وإذا الصَّبا سَرَقَتْ إليها نَظرَةً / مالَتْ كَما يتَرَنّحُ النّشوانُ
غُبِقَتْ حواشي التُّرْبِ منْ أمْواهِهِ / راحاً تَصوغُ حَبابَها الغُدْرانُ
فكأنّ وَفْدَ الرّيحِ شافَهَ أرْضَها / بثَرًى تُعَفَّرُ عندَهُ التّيجانُ
منْ عَرْصَةٍ تَسِمُ الجِباهَ بتُرْبِها / صِيدٌ يُطيفُ بعِزِّهِمْ إذعانُ
خَضَعوا لمَلْثومِ الخُطا عَرَصاتُهُ / للمُعْتَفينَ وللعُلا أوطانُ
ذو مَحْتِدٍ سَنِمٍ رَفيعٍ سَمْكُهُ / تُعلي دَعائِمَ مَجدِهِ عَدنانُ
قوْمٌ إذا جَهَروا بدَعوى عامِرٍ / قَلِقَ الظُّبا وتَزَعْزَعَ الخِرْصانُ
وأظَلَّ أطرافَ البسيطةِ جَحفَلٌ / لَجِبٌ يُبَشِّرُ نَسرَهُ السِّرْحانُ
تَفْري ذُيولَ النّقعِ فيهِ صَوارِمٌ / مَذْروبَةٌ وذَوابِلٌ مُرّانُ
بأكُفِّ أبطالٍ تَكادُ دُروعُهُمْ / عِندَ اللّقاءِ تُذيبُها الأضْغانُ
منْ كُلِّ عَرّاصٍ إذا جَدَّ الرّدى / في الرّوْعِ لاعَبَ مَتْنَهُ العَسَلانُ
ومُهَنّدٍ تندىً مَضارِبُهُ دَماً / بيدٍ يَنُمُّ بجودِها الإحسانُ
لو كانَ للأرْواحِ منهُ ثائِرٌ / لَتَشَبّثَتْ بغِرارِهِ الأبْدانُ
وبَنو رُؤاسٍ يَنهَجونَ إِلى الندىً / طُرُقاً يَضِلُّ أمامَها الحِرْمانُ
كُرَماءُ والسُّحْبُ الغِزارُ لَئيمَةٌ / حُلَماءُ حينَ تُسَفَّهُ الشُّجْعانُ
إن جالَدوا لَفَظَ السّيوفَ جُفونُها / أو جاوَدوا غَمَرَ الضّيوفَ جِفانُ
وإذا العُفاةُ تمَرّسوا بفِنائِهِمْ / وتوَشّحَتْ بظِلالِهِ الضِّيفانُ
طَفَحَ الدّمُ المُهَراقُ في أرْجائِها / دُفَعاً تُضَرَّمُ حَولَها النّيرانُ
وإِلى سَناءِ الدّولةِ اضْطَرَبَتْ بِنا / شعب الرِّحالِ وغَرَّدَ الرُّكْبانُ
ثَمِلُ الشّمائِلِ للمَديحِ كأنّما / عاطاهُ نَشْوَةَ كأسِهِ النَّدْمانُ
ونَماهُ أرْوَعُ عُودُهُ مِنْ نَبْعَةٍ / رَفّتْ على أعْراقِها الأفْنانُ
يا مَنْ تَضاءَلَ دونَ غايتِهِ العِدا / وعَنا لسَوْرَةِ بأسِهِ الأقْرانُ
أيّامُنا الأعْيادُ في أفيائِكُمْ / بِيضٌ كَحاشيَةِ الرِّداءِ لِدانُ
فاسْتَقْبِلِ الأضحى بمُلْكٍ طارِفٍ / للعِزِّ في صَفَحاتِهِ عُنوانُ
وتصَفّحِ الكَلِمَ التي وَصَلَتْ بها / مِرَرَ البلاغَةِ شِدّةٌ ولَيانُ
تُلْقي إليّ عِنانَها عنْ طاعَةٍ / ولَها على المُتَشاعِرينَ حِرانُ
فالمجْدُ يأنَفُ أن يُقَرِّظَ باقِلٌ / أربابَهُ ولَدَيهِمُ سَحْبانُ
والشِّعْرُ راضَ أبِيَّهُ لي مِقْوَلٌ / ذَرِبُ الشَّبا وفَصاحَةٌ وبَيانُ
ويَدي مُكَرَّمَةٌ فلا أعْطو بِها / مِنَحاً على أعْطافِهِنَّ هَوانُ
والماءُ في الوَجَناتِ جَمٌّ والغِنى / حيثُ القَناعَةُ والحَشى طَيّانُ
تَلِدُ المُنى هِمَمٌ وتَعقُمُ همّتي / فيَمَسُّهُنَّ الهُونُ وهْيَ حَصانُ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ
النّائِباتُ كَثيرةُ الإنذارِ / واليومَ طالَبَ صَرْفُها بالثّارِ
سُدَّتْ على عُونِ الرّزايا طُرْقُها / فسَمَتْ لنا بخُطوبِها الأبْكارِ
عَجَباً من القَدَرِ المُتاحِ تولّعَتْ / أحْداثُهُ بمُصَرِّفِ الأقدارِ
ولَنا بمُعتَرَكِ المَنايا أنْفُسٌ / وقَفَتْ بمَدْرَجَةِ القَضاءِ الجاري
في كلِّ يومٍ تعْتَرينا رَوعَةٌ / تَذَرُ العُيونَ كَواسِفَ الأبْصارِ
والموْتُ شِرْبٌ ليسَ يُورِدُهُ الرّدى / أحَداً فيَطْمَعَ منهُ في الإصدارِ
شرِبَ الأوائِلُ عُنفُوانَ غَديرِهِ / ولَنَشْربَنَّ بهِ من الأسْآرِ
ملأَتْ قُبورُهُمُ الفَضاءَ كأنّها / بُزْلُ الجِمالِ أُنِخْنَ بالأكْوارِ
ألْقَوا عِصِيَّهُمُ بدارِ إقامَةٍ / أنْضاءَ أيّامٍ مَضيْنَ قِصارِ
وكأنّهمُم بلَغوا المَدى فتَواقَفوا / يتَذاكَرونَ عَواقِبَ الأسْفارِ
لمْ يَذهَبوا سَلَفاً لنَغْبُرَ بَعدَهُمْ / أينَ البَقاءُ ونحنُ في الآثارِ
حارَتْ وراءَهُمُ العُقولُ كأننا / شَرْبٌ تُطَوِّحُهُمْ كُؤوسُ عُقارِ
يا مَنْ تُخادِعُهُ المُنى ولرُبّما / قطَعَتْ مَخائِلُها قُوى الأعمارِ
والناسُ يستَبِقون في مِضْمارِها / والمَوتُ آخِرُ ذلكَ المِضْمارِ
والعُمْرُ يَذْهَبُ كالحياةِ فما الذي / يُجْدي عَليكَ منَ الخَيالِ السّاري
بَيْنا الفَتى يَسِمُ الثّرى برِدائِهِ / إذ حَلَّ فيهِ رَهينَةَ الأحْجارِ
لوْ فاتَ عاديَةَ المَنونِ مُشَيَّعٌ / لنَجا بمُهْجَتِهِ الهِزَبْرُ الضّاري
أقْعى دوَيْنَ الغابِ يمنَعُ شِبلَهُ / ويُجيلُ نظرَةَ باسِلٍ كَرّارِ
وحَمى الأميرَ ابنَ الخَلائِفِ جعفَراً / إقْدامُ كُلِّ مغَرِّرٍ مِغْوارِ
يمشي كما مَشَتِ الأسودُ إِلى الوَغى / والخَيْلُ تَعثُرُ بالقَنا الخَطّارِ
ويخوضُ مُشْتَجَرَ الرِّماحِ بغِلْمَةٍ / عرَبيّةٍ نَخَواتُها أغْمارِ
ويَجوبُ أرديَةَ العَجاجِ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ تئِنُّ لهُ الرُّبا جَرّارِ
والمَشْرَفيّاتُ الرِّقاقُ كأنّها / ماءٌ أصابَ قَرارَةً في نارِ
ينعَوْنَ فَرْعاً من ذَوائِبِ دَوْحَةٍ / خَضِلَتْ حَواشِيها عَلَيْهِ نُضارِ
نَبَويّةِ الأعراقِ مُقْتَدَرِيّةٍ / تَفْتَرُّ عنْ كَرَمٍ وطِيبِ نِجارِ
ذَرَفَتْ عُيونُ المَكْرُماتِ وأعْصَمَتْ / أسَفاً بأكْبادٍ علَيْهِ حِرارِ
صَبْراً أميرَ المؤْمنينَ فأنْتُمُ / أسْكَنتُمُ الأحْلامَ ظِلَّ وَقارِ
هذا الهِلالُ وقد رَجَوْتَ نُمُوَّهُ / للمَجْدِ عاجَلَهُ الرّدى بسِرارِ
إن غاضَ مِنْ أنوارِهِ فَوراءَهُ / أُفُقٌ تَوَشّحَ منكَ بالأقمارِ
كادَتْ تَزولُ الرّاسِياتُ لِفَقْدِهِ / حتى أذِنْتَ لهُنَّ في استقْرارِ
ومتى أصابَ ولا أصابَكَ حادِثٌ / مِما يُطامِنُ نَخوةَ الجبّارِ
فاذْكُرْ مُصابَكَ بابنِ عمّكَ أحْمَدٍ / والغُرِّ منْ آبائِكَ الأخْيارِ
كانوا بُدورَ أسِرَّةٍ ومَنابِرٍ / يتهلّلونَ بأوْجُهٍ أحْرارِ
قومٌ إذا ذَكَرَتْ قُرَيْشٌ فضْلَهُمْ / أصْغى إليها البَيتُ ذو الأسْتارِ
بلغَ السّماءَ بهِمْ كِنانَةُ وارْتَدى / بالفَخْرِ حَيّا يَعْرُبٍ ونِزارِ
فاسْلَمْ رَفيعَ النّاظِرينَ إِلى العُلا / تُهْدى إليكَ قَلائِدُ الأشْعارِ
والدّهْرُ عَبْدٌ والأوامِرُ طاعَةٌ / والمُلْكُ مُقْتَبَلٌ وزَنْدُكَ وارِ
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ
عَرَضَتْ كَخُوطِ البانَةِ الأُمْلودِ / تَختالُ بينَ مَجاسِدٍ وعُقودِ
هيفاءُ ليّنَةُ التّثَنّي أقْبَلَتْ / في خُرَّدٍ كَمَها الصّرائِمِ غِيدِ
ومَرَرْنَ بالوادي على عَذَبِ الحِمى / فحَكَيْنَ هِزّةَ بانِهِ بِقُدودِ
وحَكى الشقيقُ بهِ اسْوِدادَ قُلوبِها / وأُعيرَ منهُنّ احْمِرارَ خُدودِ
وكأنّ أعيُنَهُنَّ منْ وَجَناتِها / شَرِبَتْ على ثَمَلٍ دَمَ العُنْقودِ
فَطَرَقْنَني والليْلُ رقَّ أديمُهُ / والنّجْمُ كادَ يهُمُّ بالتَّعْريدِ
ووَجَدْتُ بَرْدَ حُلِيّهِنّ وهَزَّ منْ / عِطفَيْهِ ذو الرّعَثاتِ للتّغْريدِ
فانْجابَ منْ أنوارِهِنَّ ظَلامُهُ / وأظَلَّهُنّ دُجى ذَوائِبَ سُودِ
وأنا بحَيثُ القُرْطُ من أجْيادِها / يَنْأى ويَقْرُبَ مِحْمَلي مِنْ جِيدي
كَرُمَتْ مَضاجِعُنا فلِيثَ على التُّقى / أُزْري وَجيبَ عنِ العَفافِ بُرودي
أزْمانَ يَنْفُضُ لِمّتي مَرَحُ الصِّبا / وهوَ الشّفيعُ إِلى الكَعابِ الرّودِ
ومَشارِبي زُرْقُ الجِمامِ فلَمْ يَنَلْ / منّي الأُوامُ بمَنهَلٍ مَورودِ
فارْفَضَّ شَملُ الأُنْسِ إذ جمَعَ البِلى / بِزَرودَ بينَ مَعاهِدٍ وعُهودِ
وتَقاسَمَتْني بعْدَهُ عُقَبُ النّوى / حتى لَفَفْتُ تَهائِماً بنُجودِ
وفَلَيْتُ ناصِيَةَ الفَلا بمَناسِمٍ / وَسَمَ المَطِيُّ بِها جِباهَ البيدِ
فسَقى الغَمامُ ولسْتُ أقنَعُ بالحَيا / أيّامَنا بينَ اللِّوى فَزَرودِ
بلْ جادَها ابنُ العامِريِّ براحَةٍ / وَطْفاءَ صِيغَ بَنانُها منْ جُودِ
مُتَوقِّدُ العَزَماتِ لو رُمِيَتْ بِها / زُهْرُ النُّجومِ لآذَنَتْ بخُمودِ
ومُواصِلٍ أرَقاً على طَلَبِ العُلا / في مَعْشَرٍ عن نَيْلِهِنَّ رُقودِ
ذو ساحَةٍ فَيحاءَ مَعروفٍ بِها / وَزَرُ اللّهيفِ وعُصْرَةُ المَنْجودِ
مَلْثومَةُ العَرَصاتِ في أرْجائِها / مَثْوى جُنودٍ أو مُناخُ وفودِ
لمّا تَوشَّحَتِ البِلادُ بفِتْنَةٍ / ما إنْ تَصيدُ سوى نُفوسِ الصِّيدِ
وتَشُبُّ شَعْثاءَ الفُروعِ وتَمْتَري / أخْلافَ حَرْبٍ للمَنونِ وَلودِ
أوْهى مَعاقِدَها وأطْفأَ نارَها / قبلَ انْتِشارِ لَظىً وبعْدَ وَقودِ
بالجُرْدِ تَمتاحُ العَجاجَ وغِلْمةٍ / في الغابِ منْ أسَلِ القَنا كأُسودِ
مِنْ كُلِّ وطّاءٍ على قِمَمِ العِدا / بحَوافِرٍ خُلِقَتْ منَ الجُلْمودِ
وصَوارِمٍ عُرِّينَ منْ أغْمادِها / حتى ارْتَدَيْنَ منَ الطُّلى بغُمودِ
ولَوِ انْتَضى أقلامَهُ السّودَ احْتَمى / بِيضُ الصِّفاحِ بِها منَ التّجْريدِ
والسُّمْرُ منْ حَذَرِ التّحَطُّمِ في الوَغى / تُبدي اهْتِزازَ مُنَضْنِضٍ مَطْرودِ
فكأنّهُنّ أُعِرْنَ منْ أعدائِه / يومَ اللّقاءِ تَلَوّيَ المزْؤودِ
وهمُ إذا ما الرّوعُ قلّصَ ظلَّهُ / عنْ كُلِّ مُسْتَلَبِ الحُشاشَةِ مُودِ
مِنْ سائِلٍ صَفَداً يُؤَمِّلُ سَيْبَهُ / ومُكَبَّلٍ في قِدِّهِ مَصْفودِ
وكِلاهُما من رَهْبَةٍ أو رَغْبَةٍ / بَأساً وجُوداً مُوثَقٌ بقُيودِ
كمْ قُلْتُ للمُتَمَرّسينَ بشأْوِهِ / أرْميهِمُ بقَوارِعِ التّفْنيدِ
غاضَ الوفاءُ فليسَ في صَفَحاتِهِمْ / ماءٌ وفي الأحشاءِ نارُ حُقودِ
وحُضورُهمْ في حادِثٍ كمَغيبِهمْ / وقِيامُهُمْ لمُلِمّةٍ كقُعودِ
لم يَبْتَنوا المَجْدَ الطّريفَ ولا اقْتَنَوا / مِنهُ التّليدَ بأنْفُسٍ وجُدودِ
لا تَطْلُبوهُ فشَرُّ ما لَقيَ امْرُؤٌ / في السَّعْي خَيْبَةُ طالِبٍ مَكْدودِ
لكَ يا عَليُّ مآثِرٌ في مِثلِها / حُسِدَ الفتى والفَضْلُ للمحسودِ
وَضَحَتْ مَناقِبُكَ التي لمْ يُخْفِها / حَسَدٌ يُلثِّمُهُ العِدا بجُحودِ
والناسُ غَيْرَكَ والعُلا لكَ كُلُّها / ضَلّوا مَعالِمَ نَهْجها المَسْدودِ
فاسْتَقْبِلِ النّيروزَ طَلْقَ المُجْتَلى / والدّهْرَ عَذْبَ الوِرْدِ نَضْرَ العُودِ
في دَولَةٍ تُرْخي ذَوائِبها على / عِزٍّ يُلاذُ بظِلِّهِ المَمْدودِ
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ
نظَرَتْ بألْحاظِ الظِّباءِ العِينِ / ظَمْياءُ بالعَقِداتِ منْ يَبْرينِ
تَرْنو وقد وَلِعَ الفُتورُ بعَيْنِها / وَلَعَ الهَوى بفؤادِيَ المَفْتونِ
ولَها اسْتِراقَةُ نَظْرَةٍ نالَتْ بِها / ما لا يُنالُ بصارِمٍ مَسْنونِ
ونَشَدْتُ قَلبي حينَ عزَّ مَرامُهُ / إذ ضلَّ بينَ مَحاجِرٍ وعُيونِ
تلكَ النّواظِرُ ما تُفيقُ منَ الكَرى / وبِها سُهادُ الهائِمِ المَحْزونِ
يا سَعدُ إنّ الجِزْعَ أكثَبَ فاسْتَعِرْ / نَظَراتِ طاوي ليلَتَينِ شَفونِ
واجْذِبْ زِمامَ الأرْحَبيّ ولا تُبَلْ / ذِكْراً وَصَلْنَ حَنينَهُ بحَنيني
واشتاقَ كاظِمَةً فجُنَّ جُنونُهُ / وذَكَرْتُ ساكِنَها فجُنَّ جُنوني
لمنِ الظّعائِنُ دون أكثِبَةِ الحِمى / يَطوي الفَلاةَ بهِنَّ كُلُّ أَمونِ
فالآلُ بَحْرٌ حينَ ماجَ برَكْبِها / وجَرى الرّكائِبُ فيهِ جَريَ سَفينِ
عارَضْتُها فنظَرْنَ عن حَدَقِ المَها / يَلمَحْنَ بارقَةَ الغَمامِ الجُونِ
وتكاثَرَتْ دُفَعُ الدّموعِ كأنّها / نَفَحاتُ سَيْبِكَ يا قِوامَ الدّينِ
للهِ دَرُّكَ مِنْ مُدَبِّرِ دولَةٍ / وَجَدَتْهُ خَيْرَ مُؤازِرٍ ومُعينِ
يُلْقي بعَقْوَتِها ذِراعَيْ ضَيْغَمٍ / أدْمى شَبا الأنْيابِ دونَ عَرينِ
ويَحوطُها بيَراعِهِ وحُسامِهِ / متدَفِّقَيْنِ بنائِلٍ ومَنونِ
وضَحَتْ مَناقِبُهُ فليسَ بمُدَّعٍ / شَرَفاً ولا في مَجْدِهِ بظَنينِ
واسْتَأْنَفَ الفُضَلاءُ في أيامِهِ / عِزّاً فلمْ يتَضاءَلوا لِلهُونِ
وتطوَّحَتْ بي هِمّةٌ درَأَتْ إِلى / وَجْناءَ جائِلَةِ النّسوعِ وَضِيني
وطَرَقْتُ ساحتَهُ فألْقَمْتُ الثّرى / صَنِفاتِ ذَيْلِ دِلاصِيَ المَوْضونِ
مَنْ مُبْلِغٌ بَطْحاءَ مكّةَ أنّني / لمْ أرْعَ بالجَرْعاءِ رَوْضَ هُدونِ
ورأيْتُ مَنْ يَمْتارُ ضَوْءَ جَبينِهِ / بَصَري فقبَّلْتُ الثّرى بجَبيني
لولا العُلا وأنا القَمينُ بنَيْلِها / لنَفَضْتُ منْ مِنَحِ المُلوكِ يَميني
فالعِزُّ بالبَطْحاءِ بينَ مُغَرِّرٍ / شَرِسٍ وأبْلَجَ شامِخِ العِرْنينِ
ولأَشْكُرَنّ نَداكَ شُكْرَ خَميلَةٍ / لندىً يُرَقْرِقُهُ الغَمامُ هَتونِ
ولأنْظِمَنَّ قَصائِداً لَفَّ الحِجى / فيها سُهولَ بَلاغَةٍ بحُزونِ
وتَهُزُّ أعْطافَ المُلوكِ كأنّها / ريحُ الشّمالِ تعثّرَتْ بغُصونِ
وكأن راويها يطوفُ علَيْهِمُ / بابْنِ الغَمامةِ وابْنَةِ الزَّرْجونِ
هوَ طَيْفُها وطُروقُهُ تَعْليلُ
هوَ طَيْفُها وطُروقُهُ تَعْليلُ / فمَتى يفي لَكَ والوَفاءُ قَليلُ
وكأنّ زَوْرَتَهُ تألُّقُ بارِقٍ / هَتَفَتْ بهِ النّكْباءُ وهْيَ بَليلُ
عَرَضَتْ لوامِعُهُ فطَرَّبَ مُجْدِبٌ / ومَضى فلا عِدَةٌ ولا تَنويلُ
أَأُمَيْمَ إنْ أشْبَهْتِهِ في خُلفِهِ / فالخُلْفُ يَقبُحُ وهْوَ منكِ جَميلُ
ولهُ ابتِسامُكِ عنْ ثُغورٍ لمْ يَكُنْ / يُشْفى بهِنَّ منَ المُحِبِّ غَليلُ
والقَدُّ منْ مَرَحِ الصِّبا مُتأوِّدٌ / والطَّرْفُ منْ تَرَفِ النّعيمِ عَليلُ
والخَصْرُ خَفَّ فلا يَزالُ وِشاحُهُ / قَلِقاً وما وارى الإزارُ ثَقيلُ
غُضّي منَ الإدْلالِ فهْوَ على النّوى / ما دامَ يَجْلِبُهُ المَلالُ دَليلُ
ودَعي الوُشاةَ فكُلُّ ما مَحِلوا بِهِ / عِنْدَ اللِّقاءِ يُزيلُهُ التّأْويلُ
ووَراءَ وَصْلِكُمُ القَصيرِ زَمانُهُ / هَجْرٌ كما شاءَ الغَيورُ طَويلُ
لو دامَ قَبْلَكمُ اجْتِماعٌ لم يَذُقْ / ألمَ افْتِراقٍ مالِكٌ وعَقيلُ
ولَئِنْ صَدَدْتِ فَبينَنا مَجهولَةٌ / للرّكْبِ فيها رنّةٌ وعَويلُ
تَسري بعَقْوَتِها الرّياحُ لَواغِباً / ولَهُنّ منْ حَذَرِ الضّلالِ ألِيلُ
أنا والمَطيُّ وجِنْحُ لَيلٍ مُظْلِمٍ / ولديَّ إنْ نزَلَ الهَوانُ رَحيلُ
فالهَجْرُ أرْوَحُ والأماني ضلّةٌ / إنْ حالَ عَهْدٌ أو أرابَ خَليلُ
وتطَرُّفُ القُرَناءِ يَقبُحُ بالفَتى / لكنْ دَواءُ الغادِرِ التّبْديلُ
هِمَمٌ تنقَّلُ بي فإنْ قَلِقَتْ بها / دارٌ نَضا عَزَماتيَ التّحْويلُ
وأبى لجِيدي أن يُطوَّقَ مِنَّةً / شَرَفٌ بَناهُ الأنْبِياءُ أثيلُ
نطَقَ الزَّبورُ بفَضْلِهِ المَشْهورِ وال / قُرآنُ والتّوراةُ والإنْجيلُ
منْ مَعْشَرٍ لهُمُ السّماحَةُ شيمَةٌ / والمَجْدُ تِرْبٌ والنّجومُ قَبيلُ
لهُمُ المُعَلّى والرّقيبُ منَ العُلا / وبِهِمْ أفاضَ قِداحَهُنَّ مُجيلُ
فرحَلْتُ والنّفْسُ الأبيّةُ حرّةٌ / والعَزْمُ ماضٍ والحُسامُ صَقيلُ
هلْ يُعْجِزَنّي والبِقاعُ فَسيحَةٌ / في هذه الأرْضِ الفَضاءِ مَقيلُ
بقَصائِدٍ قَسَتِ الليالي واكْتَسَتْ / مِنْها فرقَّتْ بُكْرَةٌ وأصيلُ
إنْ شارَفَتْ أرْضاً تطلَّعَ نَحْوَها / أخْرى كأنّ مُقامَها تَحْليلُ
خَضِلَتْ بدَجْلَةَ والفُراتِ ذُيولُها / فاهْتزَّ منْ طَرَبٍ إلَيْها النّيلُ
وأزارَها ابْنَ الدّارِميِّ أبا الندىً ال / إكْرامُ والتّعْظيمُ والتّبْجيلُ
خَضَبَتْ مَناسِمَها إِلى عَرَصاتِهِ / خُوصٌ نَماها شِدْقمٌ وجَديلُ
ولَكَمْ تَسافَهَتِ البُرونُ لمَطْلَبٍ / وتَناجَتِ الرُّكْبانُ أيْنَ تَميلُ
فأقَمْنَ حيثُ المَجْدُ أتْلَعُ والندىً / جَمٌّ وظِلُّ المَكْرُماتِ ظَليلُ
ورَعَيْنَ حالَيَةَ الرّبيعِ ودونَها / جارٌ بِما تَعِدُ الظّنونُ كَفيلُ
ويُصيبُ أعْقابَ الأمورِ إذا ارْتَأى / عَفْواً وآراءُ الرِّجالِ تَفيلُ
وإذا الوَغى حَدَرَ الكُماةُ لِثامَهُ / ووَشى بسِرِّ المَشرَفيِّ صَليلُ
ورِماحُهُ تُوِّجْنَ منْ هامِ العِدا / ولخَيْلِهِ بدِمائِهمْ تَنْعيلُ
نُشِرَتْ رَفارِفُ دِرْعِهِ عنْ ضَيْغَمٍ / يَحْمي الحقيقَةَ والأسِنَّةُ غِيلُ
هيهاتَ أنْ يَلِدَ الزّمانُ نَظيرَهُ / إنَّ الزّمانَ بمِثْلِهِ لَبَخيلُ
فالضّيْفُ إلا عَنْ نَداهُ مُدَفَّعٌ / والجارُ إلا في ذَراهُ ذَليلُ
نَفَضَتْ إِلى أفْيائِهِ لِمَمَ الرُّبا / أيْدي الرّكائِبِ سَيْرُهُنَّ ذَميلُ
شَرِقَتْ بنَغْمَةِ شاعِرٍ أو زائِرٍ / ودَعا هَديرٌ فاسْتَجابَ صَهيلُ
مَهْلاً فما دَنَتِ النّجومُ لِطامِعٍ / في نَيْلِهِنَّ وهَلْ إلَيهِ سَبيلُ
وسَعَيْتُ للعَلْياءِ حتّى أيْقَنَتْ / أنّ الأوائِلَ سَعْيُهُمْ تَضْليلُ
واهاً لعَصْرِكَ وهْوَ يَقْطُرُ نَضْرَةً / ويَميسُ تحتَ ظِلالِهِ التّأميلُ
فكأنّهُ وَرْدُ الخُدودِ إذا اكْتَسَتْ / خَجَلاً وكادَ يُذيبُها التّقْبيلُ
لَولا تأخُّرُهُ وقد أوْقَرْتَهُ / كَرَماً لنَمَّ بفَضْلِهِ التّنْزيلُ
أينَ المَدى ولقد بَلَغْتَ منَ العُلا / رُتَباً تَرُدُّ الطّرْفَ وهْوَ كَليلُ
وتَقابَلَتْ غاياتُها فتَماثَلَتْ / حتّى تعَذّرَ بَينَها التفضيلُ
ومُتَيَّمٍ زَهَرَتْ بواقِصَةٍ لهُ
ومُتَيَّمٍ زَهَرَتْ بواقِصَةٍ لهُ / مَشْبوبَةٌ تَقْتادُ طَرْفَ العاشي
وتُضيءُ أحْوَرَ يَسْتَفِزُّ إِلى الصِّبا / نِضْوَ المَشيبِ مُحالِفَ الإرْعاشِ
ألِفَ الكَرى لمّا اطْمأنَّ فِراشُهُ / وهَجرْتُهُ قَلِقاً عليَّ فِراشي
يا مَنْ يُؤرِّقُني هَواهُ ومَدْمَعي / هَطِلٌ كَصَوْبِ العارِضِ الرّشّاشِ
لمْ يَثْوِ حُبُّكَ في فؤادي وَحْدَهُ / لكنْ جَرى في أعْظُمي ومُشاشي
لا تَحْسَبِ السِّرَ الذي استَوْدَعْتَني / ممّا يَفُرُّ حَشايَ عنهُ الواشي
والشّوقُ يحلُمُ عنهُ لولا ناظِرٌ / سُلِبَ الوَقارَ بواكِفٍ طَيّاشِ
كالعُرْفِ يَكْتُمُهُ الأغَرُّ وعرْفُهُ / أرِجٌ تَنُمُّ بهِ المَدائِحُ فاشِ
نَشَزَتْ عَرانينُ العُداةِ على البُرى / فأذَلّها بأزِمّةٍ وخِشاشِ
يَجلو دَياجيرَ الأمورِ برأيهِ / والدّهْرُ أغْبَرُ والخُطوبُ غَواشِ
وتُظِلُّ منهُ السّمْهَريّةُ ضَيْغَماً / قَلِقَ الصّوارِمِ مُطمَئِنَّ الجاشِ
وكأنّ حائِمَةَ النّسورِ إذا غَزا / تأوي منَ القَتْلى إِلى أعْشاشِ
يا سَعْدُ إنّ الصِّلَّ عِندَكَ مُطْرِقٌ / فاحْذَرْ سُؤورَ مُنَضْنِضٍ نَهّاشِ
واجْنُبْ أخاكَ كُلَّ حادِثِ نِعْمَةٍ / آنَسْتَهُ فَجَزاكَ بالإيحاشِ
جَهِلَ الفَضيلَةَ فهْوَ يُنْكِرُ أهْلَها / والشّمْسُ تُعْشي ناظِرَ الخَفّاشِ
ويَشُبُّ ناراً لا يَرُدُّ زَفيرُها / والليلُ مُعْتَكِرٌ طَنينَ فَراشِ
طارَتْ بهِ الخُيلاءُ إذْ جَذَبِ الغِنى / ضَبْعَيْهِ والطّيرانُ للمُرْتاشِ
ولقد بُليتُ بهِ بَلاءَ مُهَنَّدٍ / بأبَلَّ لا وَرَعٍ ولا بَطّاشِ
فسَدَ الأنامُ فكُلُّ مَنْ صاحَبْتُهُ / راجٍ يُنافِقُ أو مُداجٍ خاشِ
وإذا اخْتَبَرْتُهُمُ ظَفِرْتُ بباطِنٍ / متجهِّمٍ وبِظاهِرٍ نَشّاشِ
لا شِمْتُ بارِقَةَ اللّئيمِ وإنْ غَدَتْ / إبِلي تَلوبُ على صَرًى نَشّاشِ
والشّمسُ راكِدةٌ يَذوبُ لُعابُها / والظِّلُّ يَكْنِسُ تارَةً ويُماشي
وكأنّهُنَّ وهُنَّ يأْلَفْنَ الصّدَى / مِنْ صَبْرِهنَّ عليهِ غَيْرُ عِطاشِ
فتبَرُّضُ العافي عُفافَةَ مِنْحَةٍ / يَحْبو بِها اللّؤَماءُ شَرُّ مَعاشِ
رُفِعَ الأظَلُّ على السّنامِ وأوطِئَتْ / قِمَمَ السُّراةِ أخامِصَ الأوْباشِ
هُوَ ما تَرى فأقِلَّ منْ تَعنيفي
هُوَ ما تَرى فأقِلَّ منْ تَعنيفي / وحَذارِ منْ مُقَلِ الظِّباءِ الهِيفِ
ولهٌ يَبيتُ لهُ المُتَيَّمُ ساهِراً / بحَشىً على ألَمِ الجَوى مَوْقوفِ
ويظَلُّ حِلْفُ الدّمعِ مِلْءَ جُفونِهِ / والوَجْدُ مِلْءَ فُؤادِهِ المَشْغوفِ
عَرَضَتْ ونَحْنُ على الحِمى ومَطيُّنا / كالسّمْهَريِّ أُقيمَ بالتّثْقيفِ
نَشوانَةُ اللّحَظاتِ تُرْسِلُ نَظْرَةً / عَجِلَتْ بِها كالشّادِنِ المَطْروفِ
يَهْفو بِها مَرَحُ الصِّبا فتَهُزُّ مِنْ / قَدٍّ كَما جُدِلَ العِنانُ قَضيفِ
وتُراعُ عندَ قِيامِها حَذَراً على / خَصْرٍ يَجولُ بهِ الوِشاحُ لَطيفِ
ووراءَ ذَيّاكَ اللّثامِ مَباسِمٌ / حامَتْ عليْها غُلّةُ المَلْهوفِ
تَفْتَرُّ عن بَرَدٍ يكادُ يُذيبُهُ / قُبَلٌ تَرَدَّدُ في اللَّمى المَرشوفِ
لمّا رأتْ رَحْلي يُقرَّبُ للنّوى / عَلِقَتْ سُوادُ بِحِنْوِهِ المَعطوفِ
وجَرَتْ أحاديثٌ تَبيتُ قَلائِدٌ / مِنْ أجْلِهِنَّ حَواسِداً لشُنوفِ
أَأُمَيْمَ كُفّي مِنْ دُموعِكِ وانْظُري / خَبَبي إِلى أمَدِ العُلا ووَجِيفي
وتبرَّضي النُّغَبَ الثِّمادَ وجاوِري / سَرَواتِ حَيٍّ بالبِطاحِ خُلوفِ
أنا مَنْ عَرَفْتِ وبَعْدَ يَومِهِمُ غَدٌ / وعليَّ بزّةُ أجْدَلٍ غِطْريفِ
لا يعلَمُ اللُّؤَماءُ أينَ مُعَرَّسي / وبأيّ وادٍ مَرْبَعي ومَصيفي
لَفَظَتْ دِيارُهُمُ الكِرامَ فما لَوى / طَمَعٌ إِلى عَرَصاتِهِنَّ صَليفي
وأبى عُرَيقٌ فيَّ منْ عَرَبيّةٍ / أنّي أخَيّمُ والهَوانُ حَليفي
ونَجيبَةٍ مَمْغوطَةٍ أنْساعُها / تَخْدي بمَعْروقِ العِظامِ نَحيفِ
فزَجَرْتُها والوِرْدُ يَضْمَنُ رِيَّها / ولَها على الظّمأِ ازْوِرارُ عَيوفِ
وطَفِقْتُ أفْرُقُ وهْيَ طائِشةُ الخُطا / لِمَمَ الدُّجى بِيَدِ الصّباحِ الموفي
ونَصَلْتُ منْ أعْجازِهِ في غِلْمَةٍ / تَشْفي الغَليلَ بهِمْ صُدورُ سُيوفي
فأتَتْ مُعاوِيَّ الفَخارِ وألْصَقَتْ / طَرَفَ الجِرانِ بمَبْرَكٍ مألوفِ
نَزَلَتْ بمَغْشيِّ الرِّواقِ فِناؤُهُ / مَثْوى وفودٍ أو مَقَرُّ ضُيوفِ
بالمُسْتَثيرِ المَجْدَ منْ سَكَناتِهِ / حتّى يوَشِّحَ تالِداً بطَريفِ
وإِلى أبي العَبّاسِ يَجْتَذِبُ الندى / مِدَحاً هيَ الحِبَراتُ منْ تَفْويفي
وإذا اعْتَرَكْنَ بمِسْمَعٍ قرَّطْنَهُ / فِقَراً كَسِمْطِ اللؤلُؤِ المَرْصوفِ
مدّت هَواديَها الرّئاسَةُ نَحوهُ / في حادثٍ يَلِدُ الشِّقاقَ مَخوفِ
وأقرَّ نافِرَةَ القُلوبِ فلَمْ يَثِبْ / أسَدٌ يُجيلُ الطّرْفَ حولَ غَريفِ
والضّرْبَةُ الأخْدودُ لم يُعْجَمْ لَها / سَطْرٌ بِعاجِلِ طَعْنَةٍ إخْطيفِ
قَرْمٌ يُجيرُ على الزّمانِ إذا اعْتَدى / ويُقيمُ زَيْغَ نَوائِبٍ وصُروفِ
ويَلُفُّ كاشِحُهُ جَوانِحَهُ على / جُرْحٍ بعالِيَةِ القَنا مَقْروفِ
ضمِنَ الحَياةَ لمُعْتَفيهِ يَراعُهُ / ورَمى العُداةَ حُسامُهُ بحُتوفِ
وقدِ امْتَطى رُتَباً مُنيفاتِ الذُّرا / حلَّ السُّها مِنها مَكانَ رَديفِ
بخلائِقٍ نَفَحَتْ برَيّا رَوْضَةٍ / غَنّاءَ ذاتِ تبسُّمٍ ورَفيفِ
وأنامِلٍ كَفلَتْ بصَوْبَيْ نائِلٍ / ودَمٍ بأطْرافِ الرِّماحِ نَزيفِ
تندى إذا جَمَدَتْ أكُفُّ مَعاشِرٍ / فكأنّها خُلِقَتْ منَ المَعْروفِ
يا بْنَ الأكارِمِ دعوةً تَفْتَرُّ عنْ / أمَلٍ بأنديةِ الملوكِ مُطيفِ
وعَدَتنيَ الأيّامُ عنكَ برُتْبَةٍ / ووَفورِ حَظٍّ منكَ غَيرَ طَفيفِ
والعَبْدُ مُنْتَظِرٌ وهُنَّ مَواطِلٌ / ومنَ العَناءِ إطالَةُ التّسْويفِ
أذْكى بقَلبي لوعَةً إذ أوْمَضا
أذْكى بقَلبي لوعَةً إذ أوْمَضا / بَرْقٌ أضاءَ وميضُهُ ذاتَ الأضا
فَبدا وقد نَشَرَ الصّباحُ رِداءَهُ / كالأيْمِ ماجَ بهِ الغَديرُ فنَضْنَضا
إنْ لمْ يُصرِّحْ بابْتِسامِكِ جَهْرَةً / فلقَدْ وحُبّكِ يا لُبيْنى عرّضا
ونَظَرْتُ إذْ غَفَلَ الرّقيبُ فراعَني / نَعَمٌ لأهْلِكِ هامَ في وادي الغَضَى
وسَعَتْ لهُ خُطَطُ العدوِّ بغِلْمَةٍ / شوسٍ إذا ابْتَدَروا الوَغى ضاق الفَضا
حيثُ الغَمامُ تبجّسَتْ أطْباؤُهُ / وكَسى الحِمى حُلَلَ الرّبيعِ فروّضا
ومتَيَّمٍ شَرقَ اللِّحاظُ بدَمْعِهِ / فإذا اسْتَرابَ بهِ العواذِلُ غَيّضا
هجَرَ الكَرى قَلِقَ الجُفونِ بهِ فلَو / عثَرَ الخَيالُ بطَرْفِهِ ما غمّضا
ونَصا الشّبابَ وعنْ ضَميرٍ عاتِبٍ / أعْطى المَشيبَ قِيادَهُ لا عنْ رِضى
إن ساءَهُ بنُزولِهِ فهوَ الذي / ساءَ الأنامَ مُخَيِّماً ومُغَرِّضا
وشَكا غُرابَ البَيْنِ أسْودَ حالِكاً / حتى شَدا بنَوى الأحبّةِ أبْيَضا
وتعثّرَتْ نُوَبُ الزّمانِ بماجِدٍ / إنْ لمْ يُقاتِلْ في النّوائِبِ حرّضا
وإذا تنكّرَ مَورِدٌ لمَطيّهِ / لمْ يَشْتَشِفَّ بحافَتَيْهِ العَرْمَضا
وانْصاعَ كالوَحْشيِّ سابَقَ ظِلَّهُ / وتقَعْقَعَتْ عَمَدُ الخِيامِ فقوّضا
لا أسْتَنيمُ إِلى الهَوانِ ولا يُرى / أمْري إِلى الوَكَلِ الجَبانِ مُفوّضا
وأرُدُّ طارِقَةَ اللّيالي إنْ عَرَتْ / بعزائِمي وهيَ الصوارِمُ تُنْتَضى
وأغرَّ إنْ بسَطَ الَرَجّي نحوَهُ / كِلْتا يَدَيهِ لنائِلٍ لمْ تُقْبَضا
ولهُ أمائِرُ سؤْدَدٍ أَيِسَ العِدا / منهُ وأمْرَضَ حاسِدِيهِ وأرْمَضا
وجْهٌ يَجولُ البِشْرُ في صَفَحاتِهِ / ويَدٌ تَنوبُ عنِ الحَيا إنْ برّضا
ألْقَتْ أزِمَّتَها إليهِ هِمّةٌ / كانتْ على خُدَعِ الأماني رَيِّضا
وشَكَرْتُهُ شُكْرَ المَهيضِ جَناحُهُ / نَبَتَتْ قَوادِمُ هزَّهُنَّ ليَنْهَضا
يا مُنْعِماً بالي ولمْ يَكُ كاسِفاً / ومُؤَثِّلاً مالي ولمْ أكُ مُنْفِضا
أسْرَفْتَ في الدّنيا عليّ أواهِباً / ألْبَسْتَني حُللَ الغِنى أمْ مُقْرِضا
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ / أضْغاثُ كاذِبَةٍ منَ الأحْلامِ
نَهْوى البقاءَ وليسَ فيهِ طائِلٌ / والمرْءُ نَهْبُ حَوادثِ الأيّامِ
يحوي رَغائِبَ مالِهِ وُرّاثُهُ / منْ بَعْدِهِ ويَبوءُ بالآثامِ
والعيشُ أوَّلُهُ عَقيدُ مشقّةٍ / وأذىً وآخِرُهُ مَقيلُ حِمامِ
والعُمْرُ لوْ جازَ المَدى لتبرّمَ ال / أرواحُ منه بصُحْبَةِ الأجسامِ
بَينا الفَتى قَلِقاً بهِ نِيّاتُهُ / ألْقى مَراسيَهُ بِدارِ مُقامِ
وهَوى كزَيْدِ بْنِ الحُسَينِ إِلى الثّرى / غِبَّ الثّراءِ مُحالِفَ الإعْدامِ
في مِعْوَزٍ سمَلٍ مَشى فيهِ البِلى / والقَبْرُ بئْسَ مُعرَّسُ الأقْوامِ
نُضِدَتْ عليهِ بَنيّةٌ منْ رَمْسِهِ / كالغِمْدِ مُشْتَمِلاً على الصّمصامِ
وأصابَهُ رَيْبُ المنيّةِ إذ رَمى / طُوِيَتْ على شَلَلٍ يَمينُ الرّامي
لو قارَعَ الناسُ المَنونَ لردَّها / عنهُ السّيوفُ فَوالِقاً لِلْهامِ
تَدْمى أغِرَّتُها بأيدي غِلْمَةٍ / قُرَشيّةٍ بيضِ الوُجوهِ كِرامِ
يطَؤونَ أذْيالَ الدروعِ بمأْقِطٍ / حرَجٍ يَفيءُ عليهِ ظلُّ قَتامِ
وتُضيءُ في هَبَواتِهِ صَفحاتُهُمْ / كالفَجْرِ يخْطِرُ في رِداءِ ظَلامِ
والمالُ جمٌّ والحِمى متَمَنِّعٌ / والمَجْدُ أتْلَعُ والعُروقُ نَوامِ
رُمِيَتْ بثالِثَةِ الأثافي هاشِمٌ / فبَكَتْ بأربَعَةٍ عليهِ سِجامِ
ولعَبْدِ شَمْسٍ والتّجَلُّدُ خِيمُها / عَيْنٌ مُؤَرّقَةٌ وجَفْنٌ دامِ
وهُمُ الأُسودُ الغُلْبُ حولَ ضَريحِهِ / يَبكونَهُ بنَواظِرِ الآرامِ
فتضاءَلَتْ كُوَرُ الجِبالِ لِفَقْدِهِ / غُبْرَ الفِجاجِ خَواشِعَ الأعْلامِ
ولِقُلَّتَيْ أرْوَنْدَ رَنّةُ ثاكِلِ / حرّانَ حينَ ثَوى أبو الأيْتامِ
فُجِعوا بِتاجِ الدين حتى عَضّهُمْ / زَمَنٌ ألَحَّ بشِرَّةٍ وعُرامِ
لمّا نَعَتْهُ المَكْرُماتُ إِلى العُلا / لبِسَ الحِدادَ شَريعَةُ الإسْلامِ
فمضى وقَدْ أصْحَبْتُهُ سيّارةً / كالرّوضِ يضْحَكُ منْ بُكاءِ غَمامِ
غرّاءَ منْ كَلمي إذا هيَ سُطِّرَتْ / ظَهَرتْ بها النّخَواتُ في الأقْلامِ
ليستْ لعارِفَةٍ أجازيهِ بها / لكنّها لوَشائِجِ الأرْحامِ
وأحَقُّ مُفْتَقَدٍ بها ذو سُؤْدَدٍ / آباؤُهُ منْ هاشِمٍ أعْمامي
ولوِ اسْتَطَعْتُ كَفَفْتُ عنهُ يَدَ الرّدى / بِشَباةِ رُمْحٍ أو غِرارِ حُسامِ
وبفِتْيَةٍ ألِفوا المِصاعَ كأنّهُمْ / أُسْدٌ منَ الأسَلاتِ في آجامِ
وإذا دُعوا لكَريهَةٍ لم ينظُروا ال / إسْراجَ واقْتَصَروا على الإلْجامِ
فهُمُ اللّيوثُ غَداةَ يُحتَضَرُ الوَغى / وهمُ الغُيوثُ عشيّةَ الإطْعامِ
وقُدورُهُمْ يَعِدُ القِرى إرْزامُها / والرَّعْدُ ليسَ يهُمُّ بالإرزامِ
وإذا اعتَزَوا أوْرى زِنادَهُمُ أبٌ / مُرُّ الحَفيظَةِ للحَقيقةِ حامِ
فالعمُّ أبْلَجُ منْ كِنانَةَ في الذّرا / والخالُ أرْوَعُ منْ بَني همّامِ
ليسوا منَ النَّفَرِ الذينَ أصولُهُمْ / خَبُثَتْ وليسَ لهُنَّ فرْعٌ نامِ
رَفعَتْهُمُ جِدَةٌ وجَدُّهمُ لَقىً / منْ لُؤْمِهِ بمَدارِجِ الأقْدامِ
لا زالَ تُرْضِعُهُ أفاوِيقَ الحَيا / وَطْفاءُ يُنْتِجُها الصَّبا لِتَمامِ
فتلفّعَتْ بحَبيّها قُلَلُ الرُّبا / وتلثّمَتْ منْ بَرْقِها بضِرامِ
وأَوانِسٍ هِيفِ الخُصورِ إِذا مَشَتْ
وأَوانِسٍ هِيفِ الخُصورِ إِذا مَشَتْ / وَدَّتْ غُصونٌ أَنّهُنَّ قُدودُ
وَبِكُلِّ مَرْمَى نَظْرَةٍ مِنْ وامِقٍ / تَحْكي مَبَاسِمُهُنَّ فيه عُقودُ
خَدٌّ وَخالٌ يُعْشَقانِ كَأَنَّما / نُقِطَتْ بِحبّاتِ القُلوبِ خُدودِ
اَأُمَيْمَ إِنْ لَمْ تَسْمَحي بِزيارَةٍ
اَأُمَيْمَ إِنْ لَمْ تَسْمَحي بِزيارَةٍ / بُخْلاً فَجُودي بِالخيالِ الطَّارِقِ
وَاللهِ لا يَمْحو الوُشاةُ وَلا النَّوى / سِمَةً لِحُبِّكِ في ضَمِيرِ العاشِقِ