أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ / وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباً / مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ
أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاً / إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ
فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ / أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعوا
أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةً / بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ
سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ / فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ
فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ / وَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُ
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ / فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها / أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها / سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ
حَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌ / بِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ
لا بُدَّ مِن تَلَفٍ مُقيمٍ فَاِنتَظِر / أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ
وَلَقَد أَرى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ / وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُ
وَليَأتِيَنَّ عَلَيكَ يَومٌ مَرَّةً / يُبكى عَلَيكَ مُقَنَّعاً لا تَسمَعُ
وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ / أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها / فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ
كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوى / باتوا بِعَيشٍ ناعِمٍ فَتَصَدَّعوا
فَلَئِن بِهِم فَجَعَ الزَمانُ وَرَيبُهُ / إِنّي بِأَهلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُ
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ / في رَأسِ شاهِقَةٍ أَعَزُّ مُمَنَّعُ
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ / جَونُ السَراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَعُ
صَخِبُ الشَوارِبِ لا يَزالُ كَأَنَّهُ / عَبدٌ لِآلِ أَبي رَبيعَةَ مُسبَعُ
أَكَلَ الجَميمَ وَطاوَعَتهُ سَمحَجٌ / مِثلُ القَناةِ وَأَزعَلَتهُ الأَمرُعُُ
بِقَرارِ قيعانٍ سَقاها وابِلٌ / واهٍ فَأَثجَمَ بُرهَةً لا يُقلِعُ
فَلَبِثنَ حيناً يَعتَلِجنَ بِرَوضَةٍ / فَيَجِدُّ حيناً في العِلاجِ وَيَشمَعُ
حَتّى إِذا جَزَرَت مِياهُ رُزونِهِ / وَبِأَيِّ حينِ مِلاوَةٍ تَتَقَطَّعُ
ذَكَرَ الوُرودَ بِها وَشاقى أَمرَهُ / شُؤمٌ وَأَقبَلَ حَينُهُ يَتَتَبَّعُ
فَاِفتَنَّهُنَّ مِن السَواءِ وَماؤُهُ / بِثرٌ وَعانَدَهُ طَريقٌ مَهيَعُ
فَكَأَنَّها بِالجِزعِ بَينَ يُنابِعٍ / وَأولاتِ ذي العَرجاءِ نَهبٌ مُجمَعُ
وَكَأَنَّهُنَّ رَبابَةٌ وَكَأَنَّهُ / يَسَرٌ يُفيضُ عَلى القِداحِ وَيَصدَعُ
وَكَأَنَّما هُوَ مِدوَسٌ مُتَقَلِّبٌ / في الكَفِّ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَضلَعُ
فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الض / ضُرَباءِ فَوقَ النَظمِ لا يَتَتَلَّعُ
فَشَرَعنَ في حَجَراتِ عَذبٍ بارِدٍ / حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيهِ الأَكرُعُ
فَشَرِبنَ ثُمَّ سَمِعنَ حِسّاً دونَهُ / شَرَفُ الحِجابِ وَرَيبَ قَرعٍ يُقرَعُ
وَنَميمَةً مِن قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ / في كَفِّهِ جَشءٌ أَجَشُّ وَأَقطُعُ
فَنَكِرنَهُ فَنَفَرنَ وَاِمتَرَسَت بِهِ / سَطعاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرشُعُ
فَرَمى فَأَنفَذَ مِن نَجودٍ عائِطٍ / سَهماً فَخَرَّ وَريشُهُ مُتَصَمِّعُ
فَبَدا لَهُ أَقرابُ هذا رائِغاً / عَجِلاً فَعَيَّثَ في الكِنانَةِ يُرجِعُ
فَرَمى فَأَلحَقَ صاعِدِيّاً مِطحَراً / بِالكَشحِ فَاِشتَمَّلَت عَلَيهِ الأَضلُعُ
فَأَبَدَّهُنَّ حُتوفَهُنَّ فَهارِبٌ / بِذَمائِهِ أَو بارِكٌ مُتَجَعجِعُ
يَعثُرنَ في حَدِّ الظُباتِ كَأَنَّما / كُسِيَت بُرودَ بَني تَزيدَ الأَذرُعُ
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ / شَبَبٌ أَفَزَّتهُ الكِلابُ مُرَوَّعُ
شَعَفَ الكِلابُ الضارِياتُ فُؤادَهُ / فَإِذا يَرى الصُبحَ المُصَدَّقَ يَفزَعُ
وَيَعوذُ بِالأَرطى إِذا ما شَفَّهُ / قَطرٌ وَراحَتهُ بَلِيلٌ زَعزَعُ
يَرمي بِعَينَيهِ الغُيوبَ وَطَرفُهُ / مُغضٍ يُصَدِّقُ طَرفُهُ ما يَسمَعُ
فَغَدا يُشَرِّقُ مَتنَهُ فَبَدا لَهُ / أَولى سَوابِقَها قَريباً توزَعُ
فَاِهتاجَ مِن فَزَعٍ وَسَدَّ فُروجَهُ / غُبرٌ ضَوارٍ وافِيانِ وَأَجدَعُ
يَنهَشنَهُ وَيَذُبُّهُنَّ وَيَحتَمي / عَبلُ الشَوى بِالطُرَّتَينِ مُوَلَّعُ
فَنَحا لَها بِمُذَلَّقَينِ كَأَنَّما / بِهِما مِنَ النَضحِ المُجَدَّحِ أَيدَعُ
فَكَأَنَّ سَفّودَينِ لَمّا يُقتَرا / عَجِلا لَهُ بِشَواءِ شَربٍ يُنزَعُ
فَصَرَعنَهُ تَحتَ الغُبارِ وَجَنبُهُ / مُتَتَرِّبٌ وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ
حَتّى إِذا اِرتَدَّت وَأَقصَدَ عُصبَةً / مِنها وَقامَ شَريدُها يَتَضَرَّعُ
فَبَدا لَهُ رَبُّ الكِلابِ بِكَفِّهِ / بيضٌ رِهافٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ
فَرَمى لِيُنقِذَ فَرَّها فَهَوى لَهُ / سَهمٌ فَأَنفَذَ طُرَّتَيهِ المِنزَعُ
فَكَبا كَما يَكبو فِنيقٌ تارِزٌ / بِالخُبتِ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَبرَعُ
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ / مُستَشعِرٌ حَلَقَ الحَديدِ مُقَنَّعُ
حَمِيَت عَلَيهِ الدِرعُ حَتّى وَجهُهُ / مِن حَرِّها يَومَ الكَريهَةِ أَسفَعُ
تَعدو بِهِ خَوصاءُ يَفصِمُ جَريُها / حَلَقَ الرِحالَةِ فَهِيَ رِخوٌ تَمزَعُ
قَصَرَ الصَبوحَ لَها فَشَرَّجَ لَحمَها / بِالنَيِّ فَهِيَ تَثوخُ فيها الإِصبَعُ
مُتَفَلِّقٌ أَنساؤُها عَن قانِيٍ / كَالقُرطِ صاوٍ غُبرُهُ لا يُرضَعُ
تَأبى بِدُرَّتِها إِذا ما اِستُكرِهَت / إِلّا الحَميمَ فَإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ
بَينَنا تَعَنُّقِهِ الكُماةَ وَرَوغِهِ / يَوماً أُتيحَ لَهُ جَرىءٌ سَلفَعُ
يَعدو بِهِ نَهِشُ المُشاشِ كَأَنّهُ / صَدَعٌ سَليمٌ رَجعُهُ لا يَظلَعُ
فَتَنادَيا وَتَواقَفَت خَيلاهُما / وَكِلاهُما بَطَلُ اللِقاءِ مُخَدَّعُ
مُتَحامِيَينِ المَجدَ كُلٌّ واثِقٌ / بِبَلائِهِ وَاليَومُ يَومٌ أَشنَعُ
وَعَلَيهِما مَسرودَتانِ قَضاهُما / داودٌ أَو صَنَعُ السَوابِغِ تُبَّعُ
وَكِلاهُما في كَفِّهِ يَزَنِيَّةٌ / فيها سِنانٌ كَالمَنارَةِ أَصلَعُ
وَكِلاهُما مُتَوَشِّحٌ ذا رَونَقٍ / عَضباً إِذا مَسَّ الضَريبَةَ يَقطَعُ
فَتَخالَسا نَفسَيهِما بِنَوافِذٍ / كَنَوافِذِ العُبُطِ الَّتي لا تُرقَعُ
وَكِلاهُما قَد عاشَ عيشَةَ ماجِدٍ / وَجَنى العَلاءَ لَو أَنَّ شَيئاً يَنفَعُ