المجموع : 55
القَلبُ أَعلَمُ يا عَذولُ بِدائِهِ
القَلبُ أَعلَمُ يا عَذولُ بِدائِهِ / وَأَحَقُّ مِنكَ بِجَفنِهِ وَبِمائِهِ
فَوَمَن أُحِبُّ لَأَعصِيَنَّكَ في الهَوى / قَسَماً بِهِ وَبِحُسنِهِ وَبَهائِهِ
أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فيهِ مَلامَةً / إِنَّ المَلامَةَ فيهِ مِن أَعدائِهِ
عَجِبَ الوُشاةُ مِنَ اللُحاةِ وَقَولِهِم / دَع ما بَراكَ ضَعُفتَ عَن إِخفائِهِ
ما الخِلُّ إِلّا مَن أَوَدُّ بِقَلبِهِ / وَأَرى بِطَرفٍ لا يَرى بِسَوائِهِ
إِنَّ المُعينَ عَلى الصَبابَةِ بِالأَسى / أَولى بِرَحمَةِ رَبِّها وَإِخائِهِ
مَهلاً فَإِنَّ العَذلَ مِن أَسقامِهِ / وَتَرَفُّقاً فَالسَمعُ مِن أَعضائِهِ
وَهَبِ المَلامَةَ في اللَذاذَةِ كَالكَرى / مَطرودَةً بِسُهادِهِ وَبُكائِهِ
لا تَعذُلِ المُشتاقَ في أَشواقِهِ / حَتّى يَكونَ حَشاكَ في أَحشائِهِ
إِنَّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بِدُموعِهِ / مِثلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بِدِمائِهِ
وَالعِشقُ كَالمَعشوقِ يَعذُبُ قُربُهُ / لِلمُبتَلى وَيَنالُ مِن حَوبائِهِ
لَو قُلتَ لِلدَنِفِ الحَزينِ فَدَيتُهُ / مِمّا بِهِ لَأَغَرتَهُ بِفِدائِهِ
وُقِيَ الأَميرُ هَوى العُيونِ فَإِنَّهُ / ما لا يَزولُ بِبَأسِهِ وَسَخائِهِ
يَستَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بِنَظرَةٍ / وَيَحولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ
إِنّي دَعَوتُكَ لِلنَوائِبِ دَعوَةً / لَم يُدعَ سامِعُها إِلى أَكفائِهِ
فَأَتَيتَ مِن فَوقِ الزَمانِ وَتَحتِهِ / مُتَصَلصِلاً وَأَمامِهِ وَوَرائِهِ
مَن لِلسُيوفِ بِأَن تَكونَ سَمِيَّها / في أَصلِهِ وَفِرِندِهِ وَوَفائِهِ
طُبِعَ الحَديدُ فَكانَ مِن أَجناسِهِ / وَعَلِيٌّ المَطبوعُ مِن آبائِهِ
عَذلُ العَواذِلِ حَولَ قَلبِ التائِهِ
عَذلُ العَواذِلِ حَولَ قَلبِ التائِهِ / وَهَوى الأَحِبَّةِ مِنهُ في سَودائِهِ
يَشكو المَلامُ إِلى اللَوائِمِ حَرَّهُ / وَيَصُدُّ حينَ يَلُمنَ عَن بُرَحائِهِ
وَبِمُهجَتي يا عاذِلي المَلِكُ الَّذي / أَسخَطتُ كُلَّ الناسِ في إِرضائِهِ
إِن كانَ قَد مَلَكَ القُلوبَ فَإِنَّهُ / مَلَكَ الزَمانَ بِأَرضِهِ وَسَمائِهِ
الشَمسُ مِن حُسّادِهِ وَالنَصرُ مِن / قُرَنائِهِ وَالسَيفُ مِن أَسمائِهِ
أَينَ الثَلاثَةُ مِن ثَلاثِ خِلالِهِ / مِن حُسنِهِ وَإِبائِهِ وَمَضائِهِ
مَضَتِ الدُهورُ وَما أَتَينَ بِمِثلِهِ / وَلَقَد أَتى فَعَجَزنَ عَن نُظَرائِهِ
أَمِنَ اِزدَيارَكِ في الدُجى الرُقَباءُ
أَمِنَ اِزدَيارَكِ في الدُجى الرُقَباءُ / إِذ حَيثُ أَنتِ مِنَ الظَلامِ ضِياءُ
قَلَقُ المَليحَةِ وَهيَ مِسكٌ هَتكُها / وَمَسيرُها في اللَيلِ وَهيَ ذُكاءُ
أَسَفي عَلى أَسَفي الَّذي دَلَّهتِني / عَن عِلمِهِ فَبِهِ عَلَيَّ خَفاءُ
وَشَكِيَّتي فَقدُ السَقامِ لِأَنَّهُ / قَد كانَ لَمّا كانَ لي أَعضاءُ
مَثَّلتِ عَينَكِ في حَشايَ جِراحَةً / فَتَشابَها كِلتاهُما نَجلاءُ
نَفَذَت عَلَيَّ السابِرِيَّ وَرُبَّما / تَندَقُّ فيهِ الصَعدَةُ السَمراءُ
أَنا صَخرَةُ الوادي إِذا ما زوحِمَت / وَإِذا نَطَقتُ فَإِنَّني الجَوزاءُ
وَإِذا خَفيتُ عَلى الغَبِيِّ فَعاذِرٌ / أَن لا تَراني مُقلَةٌ عَمياءُ
شِيَمُ اللَيالي أَن تُشَكِّكَ ناقَتي / صَدري بِها أَفضى أَمِ البَيداءُ
فَتَبيتُ تُسئِدُ مُسئِداً في نَيِّها / إِسآدَها في المَهمَهِ الإِنضاءُ
أَنساعُها مَمغوطَةٌ وَخِفافُها / مَنكوحَةٌ وَطَريقُها عَذراءُ
يَتَلَوَّنُ الخِرّيتُ مِن خَوفِ التَوى / فيها كَما يَتَلَوَّنُ الحِرباءُ
بَيني وَبَينَ أَبي عَلِيٍّ مِثلُهُ / شُمُّ الجِبالِ وَمِثلَهُنَّ رَجاءُ
وَعِقابُ لُبنانٍ وَكَيفَ بِقَطعِها / وَهُوَ الشِتاءُ وَصَيفُهُنَّ شِتاءُ
لَبَسَ الثُلوجُ بِها عَلَيَّ مَسالِكي / فَكَأَنَّها بِبَياضِها سَوداءُ
وَكَذا الكَريمُ إِذا أَقامَ بِبَلدَةٍ / سالَ النُضارُ بِها وَقامَ الماءُ
جَمَدَ القِطارُ وَلَو رَأَتهُ كَما تَرى / بُهِتَت فَلَم تَتَبَجَّسِ الأَنواءُ
في خَطِّهِ مِن كُلِّ قَلبٍ شَهوَةٌ / حَتّى كَأَنَّ مِدادَهُ الأَهواءُ
وَلِكُلِّ عَينٍ قُرَّةٌ في قُربِهِ / حَتّى كَأَنَّ مَغيبَهُ الأَقذاءُ
مَن يَهتَدي في الفِعلِ ما لا تَهتَدي / في القَولِ حَتّى يَفعَلَ الشُعَراءُ
في كُلِّ يَومٍ لِلقَوافي جَولَةٌ / في قَلبِهِ وَلِأُذنِهِ إِصغاءُ
وَإِغارَةٌ فيما اِحتَواهُ كَأَنَّما / في كُلِّ بَيتٍ فَيلَقٌ شَهباءُ
مَن يَظلِمُ اللُؤَماءَ في تَكليفِهِم / أَن يُصبِحوا وَهُمُ لَهُ أَكفاءُ
وَنَذيمُهُم وَبِهِم عَرَفنا فَضلَهُ / وَبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَشياءُ
مَن نَفعُهُ في أَن يُهاجَ وَضَرُّهُ / في تَركِهِ لَو تَفطَنُ الأَعداءُ
فَالسَلمُ يَكسِرُ مِن جَناحَي مالِهِ / بِنَوالِهِ ما تَجبُرُ الهَيجاءُ
يُعطي فَتُعطى مِن لُهى يَدِهِ اللُهى / وَتُرى بِرُؤيَةِ رَأيِهِ الآراءُ
مُتَفَرِّقُ الطَعمَينِ مُجتَمِعُ القُوى / فَكَأَنَّهُ السَرّاءُ وَالضَرّاءُ
وَكَأَنَّهُ ما لا تَشاءُ عُداتُهُ / مُتَمَثِّلاً لِوُفودِهِ ما شاؤوا
يا أَيُّها المُجدى عَلَيهِ روحُهُ / إِذ لَيسَ يَأتِيهِ لَها اِستِجداءُ
اِحمَد عُفاتَكَ لا فُجِعتَ بِفَقدِهِم / فَلَتَركُ ما لَم يَأخُذوا إِعطاءُ
لا تَكثُرُ الأَمواتُ كَثرَةُ قِلَّةٍ / إِلّا إِذا شَقِيَت بِكَ الأَحياءُ
وَالقَلبُ لا يَنشَقُّ عَمّا تَحتَهُ / حَتّى تَحُلَّ بِهِ لَكَ الشَحناءُ
لَم تُسمَ يا هارونُ إِلّا بَعدَما اِق / تَرَعَت وَنازَعَتِ اِسمَكَ الأَسماءُ
فَغَدَوتَ وَاِسمُكَ فيكَ غَيرُ مُشارِكٍ / وَالناسُ فيما في يَدَيكَ سَواءُ
لَعَمَمتَ حَتّى المُدنُ مِنكَ مِلاءُ / وَلَفُتَّ حَتّى ذا الثَناءُ لَفاءُ
وَلَجُدتَ حَتّى كِدتَ تَبخَلُ حائِلاً / لِلمُنتَهى وَمِنَ السُرورِ بُكاءُ
أَبَدَأتَ شَيءً مِنكَ يُعرَفُ بَدؤُهُ / وَأَعَدتَ حَتّى أُنكِرَ الإِبداءُ
فَالفَخرُ عَن تَقصيرِهِ بِكَ ناكِبٌ / وَالمَجدُ مِن أَن تُستَزادَ بَراءُ
فَإِذا سُئِلتَ فَلا لِأَنَّكَ مُحوِجٌ / وَإِذا كُتِمتَ وَشَت بِكَ الآلاءُ
وَإِذا مُدِحتَ فَلا لِتَكسِبَ رَفعَةً / لِلشاكِرينَ عَلى الإِلَهِ ثَناءُ
وَإِذا مُطِرتَ فَلا لِأَنَّكَ مُجدِبٌ / يُسقى الخَصيبُ وَتُمطَرُ الدَأماءُ
لَم تَحكِ نائِلَكَ السَحابُ وَإِنَّما / حُمَّت بِهِ فَصَبيبُها الرُحَضاءُ
لَم تَلقَ هَذا الوَجهَ شَمسُ نَهارِنا / إِلّا بِوَجهٍ لَيسَ فيهِ حَياءُ
فَبِأَيِّما قَدَمٍ سَعَيتَ إِلى العُلا / أُدُمُ الهِلالِ لِأَخمَصَيكَ حِذاءُ
وَلَكَ الزَمانُ مِنَ الزَمانِ وِقايَةٌ / وَلَكَ الحِمامُ مِنَ الحِمامِ فِداءُ
لَو لَم تَكُن مِن ذا الوَرى الَّذي مِنكَ هو / عَقِمَت بِمَولِدِ نَسلِها حَوّاءُ
لِأَحِبَّتي أَن يَملَأوا
لِأَحِبَّتي أَن يَملَأوا / بِالصافِياتِ الأَكوُبا
وَعَلَيهِمِ أَن يَبذُلوا / وَعَلَيَّ أَن لا أَشرَبا
حَتّى تَكونَ الباتِراتُ / المُسمِعاتُ فَأَطرَبا
بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا
بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا / اللابِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبا
المَنهِباتُ قُلوبَنا وَعُقولَنا / وَجَناتِهِنَّ الناهِباتِ الناهِبا
الناعِماتُ القاتِلاتُ المُحيِيا / تُ المُبدِياتُ مِنَ الدَلالِ غَرائِبا
حاوَلنَ تَفدِيَتي وَخِفنَ مُراقِباً / فَوَضَعنَ أَيدِيَهُنَّ فَوقَ تَرائِبا
وَبَسَمنَ عَن بَرَدٍ خَشيتُ أُذيبَهُ / مِن حَرِّ أَنفاسي فَكُنتُ الذائِبا
يا حَبَّذا المُتَحَمَّلونَ وَحَبَّذا / وادٍ لَثَمتُ بِهِ الغَزالَةَ كاعِبا
كَيفَ الرَجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصاً / مِن بَعدِ ما أَنشَبنَ فِيَّ مَخالِبا
أَوحَدنَني وَوَجَدنَ حُزناً واحِداً / مُتَناهِياً فَجَعَلنَهُ لي صاحِبا
وَنَصَبنَني غَرَضَ الرُماةِ تُصيبُني / مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُيوفِ مَضارِبا
أَظمَتنِيَ الدُنيا فَلَمّا جِئتُها / مُستَسقِياً مَطَرَت عَلَيَّ مَصائِبا
وَحُبِيتُ مِن خوصِ الرِكابِ بِأَسوَدٍ / مِن دارِشٍ فَغَدَوتُ أَمشي راكِبا
حالٌ مَتى عَلِمَ اِبنُ مَنصورٍ بِها / جاءَ الزَمانُ إِلَيَّ مِنها تائِبا
مَلِكٌ سِنانُ قَناتِهِ وَبَنانُهُ / يَتَبارَيانِ دَماً وَعُرفاً ساكِبا
يَستَصغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لِوَفدِهِ / وَيَظُنُّ دِجلَةَ لَيسَ تَكفي شارِبا
كَرَماً فَلَو حَدَّثتَهُ عَن نَفسِهِ / بِعَظيمِ ما صَنَعَت لَظَنَّكَ كاذِبا
سَل عَن شَجاعَتِهِ وَزُرهُ مُسالِماً / وَحَذارِ ثُمَّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبا
فَالمَوتُ تُعرَفُ بِالصِفاتِ طِباعُهُ / لَم تَلقَ خَلقاً ذاقَ مَوتاً آيِبا
إِن تَلقَهُ لا تَلقَ إِلّا قَسطَلاً / أَو جَحفَلاً أَو طاعِناً أَو ضارِبا
أَو هارِباً أَو طالِباً أَو راغِباً / أَو راهِباً أَو هالِكاً أَو نادِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى الجِبالِ رَأَيتَها / فَوقَ السُهولِ عَواسِلاً وَقَواضِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى السُهولِ رَأَيتَها / تَحتَ الجِبالِ فَوارِساً وَجَنائِبا
وَعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها / زِنجاً تَبَسَّمُ أَو قَذالاً شائِبا
فَكَأَنَّما كُسِيَ النَهارُ بِها دُجى / لَيلٍ وَأَطلَعَتِ الرِماحُ كَواكِبا
قَد عَسكَرَت مَعَها الرَزايا عَسكَراً / وَتَكَتَّبَت فيها الرِجالُ كَتائِبا
أُسُدٌ فَرائِسُها الأُسودُ يَقودُها / أَسَدٌ تَصيرُ لَهُ الأُسودُ ثَعالِبا
في رُتبَةٍ حَجَبَ الوَرى عَن نَيلِها / وَعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبا
وَدَعَوهُ مِن فَرطِ السَخاءِ مُبَذِّراً / وَدَعَوهُ مِن غَصبِ النُفوسِ الغاصِبا
هَذا الَّذي أَفنى النُضارَ مَواهِباً / وَعِداهُ قَتلاً وَالزَمانَ تَجارِبا
وَمُخَيِّبُ العُذّالِ فيما أَمَّلوا / مِنهُ وَلَيسَ يَرُدُّ كَفّاً خائِبا
هَذا الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ حاضِراً / مِثلُ الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ غائِبا
كَالبَدرِ مِن حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَهُ / يُهدي إِلى عَينَيكَ نوراً ثاقِبا
كَالبَحرِ يَقذِفُ لِلقَريبِ جَواهِراً / جوداً وَيَبعَثُ لِلبَعيدِ سَحائِبا
كَالشَمسِ في كَبِدِ السَماءِ وَضَوؤُها / يَغشى البِلادَ مَشارِقاً وَمَغارِبا
أَمُهَجِّنَ الكُرَماءِ وَالمُزري بِهِم / وَتَروكَ كُلِّ كَريمِ قَومٍ عاتِبا
شادوا مَناقِبَهُم وَشِدتَ مَناقِباً / وُجِدَت مَناقِبُهُم بِهِنَّ مَثالِبا
لَبَّيكَ غَيظَ الحاسِدينَ الراتِبا / إِنّا لَنَخبُرُ مِن يَدَيكَ عَجائِبا
تَدبيرُ ذي حُنَكٍ يُفَكِّرُ في غَدٍ / وَهُجومُ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبا
وَعَطاءُ مالٍ لَو عَداهُ طالِبٌ / أَنفَقتَهُ في أَن تُلاقِيَ طالِبا
خُذ مِن ثَنايَ عَلَيكَ ما أَسطيعُهُ / لا تُلزِمَنّي في الثَناءِ الواجِبا
فَلَقَد دَهِشتُ لِما فَعَلتَ وَدونَهُ / ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبا
سِربٌ مَحاسِنُهُ حُرِمتُ ذَواتِها
سِربٌ مَحاسِنُهُ حُرِمتُ ذَواتِها / داني الصِفاتِ بَعيدُ مَوصوفاتِها
أَوفى فَكُنتُ إِذا رَمَيتُ بِمُقلَتي / بَشَراً رَأَيتُ أَرَقَّ مِن عَبَراتِها
يَستاقُ عيسَهُمُ أَنيني خَلفَها / تَتَوَهَّمُ الزَفَراتِ زَجرَ حُداتِها
وَكَأَنَّها شَجَرٌ بَدَت لَكِنَّها / شَجَرٌ جَنَيتُ المَوتَ مِن ثَمَراتِها
لا سِرتِ مِن إِبِلٍ لَوَ أَنّي فَوقَها / لَمَحَت حَرارَةُ مَدمَعَيَّ سِماتِها
وَحَمَلتُ ما حُمِّلتِ مِن هَذي المَها / وَحَمَلتِ ما حُمِّلتُ مِن حَسَراتِها
إِنّي عَلى شَغَفي بِما في خُمرِها / لَأَعِفُّ عَمّا في سَراويلاتِها
وَتَرى الفُتُوَّةَ وَالمُرُوَّةَ وَالأُبُو / وَةَ فِيَّ كُلُّ مَليحَةٍ ضَرّاتِها
هُنَّ الثَلاثُ المانِعاتي لَذَّتي / في خَلوَتي لا الخَوفُ مِن تَبِعاتِها
وَمَطالِبٍ فيها الهَلاكُ أَتَيتُها / ثَبتَ الجَنانِ كَأَنَّني لَم آتِها
وَمَقانِبٍ بِمَقانِبٍ غادَرتُها / أَقواتَ وَحشٍ كُنَّ مِن أَقواتِها
أَقبَلتُها غُرَرَ الجِيادِ كَأَنَّما / أَيدي بَني عِمرانَ في جَبَهاتِها
الثابِتينَ فُروسَةً كَجُلودِها / في ظَهرِها وَالطَعنُ في لَبّاتِها
العارِفينَ بِها كَما عَرَفتُهُم / وَالراكِبينَ جُدودُهُم أُمّاتِها
فَكَأَنَّما نُتِجَت قِياماً تَحتَهُم / وَكَأَنَّهُم وُلِدوا عَلى صَهَواتِها
إِنَّ الكِرامَ بِلا كِرامٍ مِنهُمُ / مِثلُ القُلوبِ بِلا سُوَيداواتِها
تِلكَ النُفوسُ الغالِباتُ عَلى العُلى / وَالمَجدُ يَغلِبُها عَلى شَهَواتِها
سُقِيَت مَنابِتُها الَّتي سَقَتِ الوَرى / بِيَدَي أَبي أَيّوبَ خَيرِ نَباتِها
لَيسَ التَعَجُّبُ مِن مَواهِبِ مالِهِ / بَل مِن سَلامَتِها إِلى أَوقاتِها
عَجَباً لَهُ حَفِظَ العِنانَ بِأَنمُلٍ / ما حِفظُها الأَشياءَ مِن عاداتِها
لَو مَرَّ يَركُضُ في سُطورِ كِتابَةٍ / أَحصى بِحافِرِ مُهرِهِ ميماتِها
يَضَعُ السِنانَ بِحَيثُ شاءَ مُجاوِلاً / حَتّى مِنَ الآذانِ في أَخراتِها
تَكبو وَراءَكَ يا اِبنَ أَحمَدَ قُرَّحٌ / لَيسَت قَوائِمُهُنَّ مِن آلاتِها
رِعَدُ الفَوارِسِ مِنكَ في أَبدانِها / أَجرى مِنَ العَسَلانِ في قَنَواتِها
لا خَلقَ أَسمَحُ مِنكَ إِلّا عارِفٌ / بِكَ راءَ نَفسَكَ لَم يَقُل لَكَ هاتِها
غَلِتَ الَّذي حَسَبَ العُشورَ بِاّيَةٍ / تَرتيلُكَ السوراتِ مِن آياتِها
كَرَمٌ تَبَيَّنَ في كَلامِكَ ماثِلاً / وَيَبينُ عِتقُ الخَيلِ في أَصواتِها
أَعيا زَوالُكَ عَن مَحَلٍّ نِلتَهُ / لا تَخرُجُ الأَقمارُ عَن هالاتِها
لا نَعذُلُ المَرَضَ الَّذي بِكَ شائِقٌ / أَنتَ الرِجالَ وَشائِقٌ عِلّاتِها
فَإِذا نَوَت سَفَراً إِلَيكَ سَبَقنَها / فَأَضَفتَ قَبلَ مُضافِها حالاتِها
وَمَنازِلُ الحُمّى الجُسومُ فَقُل لَنا / ما عُذرُها في تَركِها خَيراتِها
أَعجَبتَها شَرَفاً فَطالَ وُقوفُها / لِتَأَمُّلِ الأَعضاءِ لا لِأَذاتِها
وَبَذَلتَ ما عَشِقَتهُ نَفسُكَ كُلَّهُ / حَتّى بَذَلتَ لِهَذِهِ صِحّاتِها
حَقُّ الكَواكِبِ أَن تَزورَكَ مِن عَلٍ / وَتَعودَكَ الآسادُ مِن غاباتِها
وَالجِنُّ مِن سُتُراتِها وَالوَحشُ مِن / فَلَواتِها وَالطَيرُ مِن وُكناتِها
ذُكِرَ الأَنامُ لَنا فَكانَ قَصيدَةً / كُنتَ البَديعَ الفَردَ مِن أَبياتِها
في الناسِ أَمثِلَةٌ تَدورُ حَياتُها / كَمَماتِها وَمَماتُها كَحَياتِها
هِبتُ النِكاحَ حِذارَ نَسلٍ مِثلِها / حَتّى وَفَرتُ عَلى النِساءِ بَناتِها
فَاليَومَ صِرتُ إِلى الَّذي لَو أَنَّهُ / مَلَكَ البَرِيَّةَ لَاِستَقَلَّ هِباتِها
مُستَرخَصٌ نَظَرٌ إِلَيهِ بِما بِهِ / نَظَرَت وَعَثرَةُ رِجلِهِ بِدِياتِها
جَلَلاً كَما بِيَ فَليَكُ التَبريحُ
جَلَلاً كَما بِيَ فَليَكُ التَبريحُ / أَغِذاءُ ذا الرَشَأِ الأَغَنِّ الشيحُ
لَعِبَت بِمِشيَتِهِ الشُمولُ وَغادَرَت / صَنَماً مِنَ الأَصنامِ لَولا الروحُ
ما بالُهُ لاحَظتُهُ فَتَضَرَّجَت / وَجَناتُهُ وَفُؤادِيَ المَجروحُ
وَرَمى وَما رَمَتا يَداهُ فَصابَني / سَهمٌ يُعَذِّبُ وَالسِهامُ تُريحُ
قَرُبَ المَزارُ وَلا مَزارَ وَإِنَّما / يَغدو الجِنانُ فَنَلتَقي وَيَروحُ
وَفَشَت سَرائِرُنا إِلَيكَ وَشَفَّنا / تَعريضُنا فَبَدا لَكَ التَصريحُ
لَمّا تَقَطَّعَتِ الحُمولُ تَقَطَّعَت / نَفسي أَسىً وَكَأَنَّهُنَّ طُلوحُ
وَجَلا الوَداعُ مِنَ الحَبيبِ مَحاسِناً / حُسنُ العَزاءِ وَقَد جُلينَ قَبيحُ
فَيَدٌ مُسَلِّمَةٌ وَطَرفٌ شاخِصٌ / وَحَشىً يَذوبُ وَمَدمَعٌ مَسفوحُ
يَجِدُ الحَمامُ وَلَو كَوَجدي لَاِنبَرى / شَجَرُ الأَراكِ مَعَ الحَمامِ يَنوحُ
وَأَمَقَّ لَو خَدَتِ الشَمالُ بِراكِبٍ / في عَرضِهِ لَأَناخَ وَهيَ طَليحُ
نازَعتُهُ قُلَصَ الرِكابِ وَرَكبُها / خَوفَ الهَلاكِ حُداهُمُ التَسبيحُ
لَولا الأَمينُ مُساوِرُ بنُ مُحَمَّدٍ / ما جُشِّمَت خَطَراً وَرُدَّ نَصيحُ
وَمَتى وَنَت وَأَبو المُظَفَّرِ أَمُّها / فَأَتاحَ لي وَلَها الحِمامَ مُتيحُ
شِمنا وَما حُجِبَ السَماءُ بُروقَهُ / وَحَرىً يَجودُ وَما مَرَتهُ الريحُ
مَرجُوُّ مَنفَعَةٍ مَخوفُ أَذِيَّةٍ / مَغبوقُ كاسِ مَحامِدٍ مَصبوحُ
حَنِقٌ عَلى بِدَرِ اللُجَينِ وَما أَتَت / بِإِساءَةٍ وَعَنِ المُسيءِ صَفوحُ
لَو فُرِّقَ الكَرَمُ المُفَرِّقُ مالَهُ / في الناسِ لَم يَكُ في الزَمانِ شَحيحُ
أَلغَت مَسامِعُهُ المَلامَ وَغادَرَت / سِمَةً عَلى أَنفِ اللِئامِ تَلوحُ
هَذا الَّذي خَلَتِ القُرونُ وَذِكرُهُ / وَحَديثُهُ في كُتبِها مَشروحُ
أَلبابُنا بِجَمالِهِ مَبهورَةٌ / وَسَحابُنا بِنَوالِهِ مَفضوحُ
يَغشى الطِعانَ فَلا يَرُدُّ قَناتَهُ / مَكسورَةً وَمِنَ الكُماةِ صَحيحُ
وَعَلى التُرابِ مِنَ الدِماءِ مَجاسِدٌ / وَعَلى السَماءِ مِنَ العَجاجِ مُسوحُ
يَخطو القَتيلَ إِلى القَتيلِ أَمامَهُ / رَبُّ الجَوادِ وَخَلفَهُ المَبطوحُ
فَمَقيلُ حُبِّ مُحِبِّهِ فَرِحٌ بِهِ / وَمَقيلُ غَيظِ عَدُوِّهِ مَقروحُ
يُخفي العَداوَةَ وَهيَ غَيرُ خَفِيَّةٍ / نَظَرُ العُدُوِّ بِما أَسَرَّ يَبوحُ
يا اِبنَ الَّذي ما ضَمَّ بُردٌ كَاِبنِهِ / شَرَفاً وَلا كَالجَدِّ ضَمَّ ضَريحُ
نَفديكَ مِن سَيلٍ إِذا سُئِلَ النَدى / هَولٍ إِذا اِختَلَطا دَمٌ وَمَسيحُ
لَو كُنتَ بَحراً لَم يَكُن لَكَ ساحِلٌ / أَو كُنتَ غَيثاً ضاقَ عَنكَ اللوحُ
وَخَشيتُ مِنكَ عَلى البِلادِ وَأَهلِها / ما كانَ أَنذَرَ قَومَ نوحٍ نوحُ
عَجزٌ بِحُرٍّ فاقَةٌ وَوَراءَهُ / رِزقُ الإِلَهِ وَبابَكَ المَفتوحُ
إِنَّ القَريضَ شَجٍ بِعِطفي عائِذٌ / مِن أَن يَكونَ سَواءَكَ المَمدوحُ
وَذَكِيُّ رائِحَةِ الرِياضِ كَلامُها / تَبغي الثَناءَ عَلى الحَيا فَتَفوحُ
جُهدُ المُقِلِّ فَكَيفَ بِاِبنِ كَريمَةٍ / توليهِ خَيراً وَاللِسانُ فَصيحُ
أَقصِر فَلَستَ بِزائِدي وُدّا
أَقصِر فَلَستَ بِزائِدي وُدّا / بَلَغَ المَدى وَتَجاوَزَ الحَدّا
أَرسَلتَها مَملوءَةً كَرَماً / فَرَدَدتُها مَملوءَةً حَمَدا
جاءَتكَ تَطفَحُ وَهيَ فارِغَةٌ / مَثنى بِهِ وَتَظُنُّها فَردا
تَأبى خَلائِقُكَ الَّتي شَرُفَت / أَن لا تَحِنَّ وَتَذكُرَ العَهدا
لَو كُنتَ عَصراً مُنبِتاً زَهراً / كُنتَ الرَبيعَ وَكانَتِ الوَردا
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ
اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ / هَيهاتَ لَيسَ لِيَومِ عَهدِكُمُ غَدُ
المَوتُ أَقرَبُ مِخلَباً مِن بَينِكُم / وَالعَيشُ أَبعَدُ مِنكُمُ لا تَبعُدوا
إِنَّ الَّتي سَفَكَت دَمي بِجُفونِها / لَم تَدرِ أَنَّ دَمي الَّذي تَتَقَلَّدُ
قالَت وَقَد رَأَتِ اِصفِرارِيَ مَن بِهِ / وَتَنَهَّدَت فَأَجَيتُها المُتَنَهِّدُ
فَمَضَت وَقَد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَها / لَوني كَما صَبَغَ اللُجَينَ العَسجَدُ
فَرَأَيتُ قَرنَ الشَمسِ في قَمَرِ الدُجى / مُتَأَوِّداً غُصنٌ بِهِ يَتَأَوَّدُ
عَدَوِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ مِن دونِها / سَلبُ النُفوسِ وَنارُ حَربٍ توقَدُ
وَهَواجِلٌ وَصَواهِلٌ وَمَناصِلٌ / وَذَوابِلٌ وَتَوَعُّدٌ وَتَهَدُّدُ
أَبلَت مَوَدَّتَها اللَيالي بَعدَنا / وَمَشى عَلَيها الدَهرُ وَهوَ مُقَيَّدُ
بَرَّحتَ يا مَرَضَ الجُفونِ بِمُمرَضٍ / مَرِضَ الطَبيبُ لَهُ وَعيدَ العُوَّدُ
فَلَهُ بَنو عَبدِ العَزيزِ بنِ الرِضا / وَلِكُلِّ رَكبٍ عيسُهُم وَالفَدفَدُ
مَن في الأَنامِ مِنَ الكِرامِ وَلا تَقُل / مَن فيكِ شَأمُ سِوى شُجاعٍ يُقصَدُ
أَعطى فَقُلتُ لِجودِهِ ما يُقتَنى / وَسَطا فَقُلتُ لِسَيفِهِ ما يولَدُ
وَتَحَيَّرَت فيهِ الصِفاتُ لِأَنَّها / أَلفَت طَرائِقَهُ عَلَيها تَبعُدُ
في كُلِّ مُعتَرَكٍ كُلىً مَفرِيَّةٌ / يَذمُمنَ مِنهُ ما الأَسِنَّةُ تَحمَدُ
نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزَمانِ يَصُبُّها / نِعَمٌ عَلى النِعَمِ الَّتي لا تُجحَدُ
في شانِهِ وَلِسانِهِ وَبَنانِهِ / وَجَنانِهِ عَجَبٌ لِمَن يَتَفَقَّدُ
أَسَدٌ دَمُ الأَسَدِ الهِزَبرِ خِضابُهُ / مَوتٌ فَريصُ المَوتِ مِنهُ تُرعَدُ
ما مَنبِجٌ مُذ غِبتَ إِلّا مُقلَةٌ / سَهِدَت وَوَجهُكَ نَومُها وَالإِثمِدُ
فَاللَيلُ حينَ قَدِمتَ فيها أَبيَضٌ / وَالصُبحُ مُنذُ رَحَلتَ عَنها أَسوَدُ
ما زِلتَ تَدنو وَهيَ تَعلو عِزَّةً / حَتّى تَوارى في ثَراها الفَرقَدُ
أَرضٌ لَها شَرَفٌ سِواها مِثلُها / لَو كانَ مِثلُكَ في سِواها يُوجَدُ
أَبدى العُداةُ بِكَ السُرورَ كَأَنَّهُم / فَرِحوا وَعِندَهُمُ المُقيمُ المُقعِدُ
قَطَّعتَهُم حَسَداً أَراهُم ما بِهِم / فَتَقَطَّعوا حَسَداً لِمَن لا يَحسُدُ
حَتّى اِنثَنوا وَلَوَ أَنَّ حَرَّ قُلوبِهِم / في قَلبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلمَدُ
نَظَرَ العُلوجُ فَلَم يَرَوا مَن حَولَهُم / لَمّا رَأَوكَ وَقيلَ هَذا السَيِّدُ
بَقِيَت جُموعُهُمُ كَأَنَّكَ كُلُّها / وَبَقيتَ بَينَهُمُ كَأَنَّكَ مُفرَدُ
لَهفانَ يَستَوبي بِكَ الغَضَبَ الوَرى / لَو لَم يُنَهنِهكَ الحِجى وَالسُؤدُدُ
كُن حَيثُ شِئتَ تَسِر إِلَيكَ رِكابُنا / فَالأَرضُ واحِدَةٌ وَأَنتَ الأَوحَدُ
وَصُنِ الحُسامَ وَلا تُذِلهُ فَإِنَّهُ / يَشكو يَمينَكَ وَالجَماجِمُ تَشهَدُ
يَبِسَ النَجيعُ عَلَيهِ وَهوَ مُجَرَّدٌ / مِن غِمدِهِ وَكَأَنَّما هُوَ مُغمَدُ
رَيّانَ لَو قَذَفَ الَّذي أَسقَيتَهُ / لَجَرى مِنَ المُهَجاتِ بَحرٌ مُزبِدُ
ما شارَكَتهُ مَنِيَّةٌ في مُهجَةٍ / إِلّا وَشَفرَتُهُ عَلى يَدِها يَدُ
إِنَّ الرَزايا وَالعَطايا وَالقَنا / حُلَفاءُ طَيٍّ غَوَّروا أَو أَنجَدوا
صِح يا لَجُلهُمَةٍ تُجِبكَ وَإِنَّما / أَشفارُ عَينِكَ ذابِلٌ وَمُهَنَّدُ
مِن كُلِّ أَكبَرَ مِن جِبالِ تِهامَةٍ / قَلباً وَمِن جَودِ الغَوادي أَجوَدُ
يَلقاكَ مُرتَدِياً بِأَحمَرَ مِن دَمٍ / ذَهَبَت بِخُضرَتِهِ الطُلى وَالأَكبُدُ
حَتّى يُشارَ إِلَيكَ ذا مَولاهُمُ / وَهُمُ المَوالي وَالخَليقَةُ أَعبُدُ
أَنّى يَكونُ أَبا البَرِيَّةِ آدَمٌ / وَأَبوكَ وَالثَقلانِ أَنتَ مُحَمَّدُ
يَفنى الكَلامُ وَلا يُحيطُ بِوَصفِكُم / أَيُحيطُ ما يَفنى بِما لا يَنفَدُ
إِنَّ القَوافي لَم تُنِمكَ وَإِنَّما
إِنَّ القَوافي لَم تُنِمكَ وَإِنَّما / مَحَقَتكَ حَتّى صِرتَ ما لا يوجَدُ
فَكَأَنَّ أُذنَكَ فوكَ حينَ سَمِعتَها / وَكَأَنَّها مِمّا سَكِرتَ المُرقِدُ
أَمّا الفِراقُ فَإِنَّهُ ما أَعهَدُ
أَمّا الفِراقُ فَإِنَّهُ ما أَعهَدُ / هُوَ تَوأَمي لَو أَنَّ بَيناً يولَدُ
وَلَقَد عَلِمنا أَنَّنا سَنُطيعُهُ / لَمّا عَلِمنا أَنَّنا لا نَخلِدُ
وَإِذا الجِيادُ أَبا البَهِيِّ نَقَلنَنا / عَنكُم فَأَردَأُ ما رَكِبتُ الأَجوَدُ
مَن خَصَّ بِالذَمِّ الفِراقَ فَإِنَّني / مَن لا يَرى في الدَهرِ شَيئاً يُحمَدُ
وَزِيارَةٍ عَن غَيرِ مَوعِد
وَزِيارَةٍ عَن غَيرِ مَوعِد / كَالغُمضِ في الجَفنِ المُسَهَّد
مَعَجَت بِنا فيها الجِيا / دُ مَعَ الأَميرِ أَبي مُحَمَّد
حَتّى دَخَلنا جَنَّةً / لَو أَنَّ ساكِنَها مُخَلَّد
خَضراءَ حَمراءَ التُرا / بِ كَأَنَّها في خَدِّ أَغيَد
أَحبَبتُ تَشبيهاً لَها / فَوَجَدتَهُ ما لَيسَ يوجَد
وَإِذا رَجَعتَ إِلى الحَقا / ئِقِ فَهيَ واحِدَةٌ لِأَوحَد
وَبُنَيَّةٍ مِن خَيزُرانٍ ضُمِّنَت
وَبُنَيَّةٍ مِن خَيزُرانٍ ضُمِّنَت / بَطّيخَةً نَبَتَت بِنارٍ في يَدِ
نَظَمَ الأَميرُ لَها قِلادَةَ لُؤلُؤٍ / كَفِعالِهِ وَكَلامِهِ في المَشهَدِ
كَالكاسِ باشَرَها المِزاجُ فَأَبرَزَت / زَبَداً يَدورُ عَلى شَرابٍ أَسوَدِ
أَمُساوِرٌ أَم قَرنُ شَمسٍ هَذا
أَمُساوِرٌ أَم قَرنُ شَمسٍ هَذا / أَم لَيثُ غابٍ يَقدُمُ الأُستاذا
شِم ما اِنتَضَيتَ فَقَد تَرَكتَ ذُبابَهُ / قِطَعاً وَقَد تَرَكَ العِبادَ جُذاذاً
هَبكَ اِبنَ يَزداذٍ حَطَمتَ وَصَحبَهُ / أَتَرى الوَرى أَضحَوا بَني يَزداذا
غادَرتَ أَوجُهَهُم بِحَيثُ لَقِيتَهُم / أَقفائَهُم وَكُبودَهُم أَفَلاذا
في مَوقِفٍ وَقَفَ الحِمامُ عَلَيهِمِ / في ضَنكِهِ وَاِستَحوَذَ اِستِحواذا
جَمَدَت نُفوسُهُمُ فَلَمّا جِئتَها / أَجرَيتَها وَسَقَيتَها الفولاذا
لَمّا رَأَوكَ رَأَوا أَباكَ مُحَمَّداً / في جَوشَنٍ وَأَخا أَبيكَ مُعاذا
أَعجَلتَ أَلسُنَهُم بِضَربِ رِقابِهِم / عَن قَولِهِم لا فارِسٌ إِلّا ذا
غِرٌّ طَلَعتَ عَلَيهِ طِلعَةَ عارِضٍ / مَطَرَ المَنايا وابِلاً وَرَذاذا
فَغَدا أَسيراً قَد بَلَلتَ ثِيابَهُ / بِدَمٍ وَبَلَّ بِبَولِهِ الأَفخاذا
سَدَّت عَلَيهِ المَشرَفِيَّةُ طُرقَهُ / فَاِنصاعَ لا حَلَباً وَلا بَغداذا
طَلَبَ الإِمارَةَ في الثُغورِ وَنَشؤهُ / ما بَينَ كَرخايا إِلى كَلواذا
فَكَأَنَّهُ حَسِبَ الأَسِنَّةَ حُلوَةً / أَو ظَنَّها البَرنِيَّ وَالآزاذا
لَم يَلقَ قَبلَكَ مَن إِذا اِختَلَفَ القَنا / جَعَلَ الطِعانَ مِنَ الطِعانِ مَلاذا
مَن لا تُوافِقُهُ الحَياةُ وَطيبُها / حَتّى يُوافِقَ عَزمُهُ الإِنفاذا
مُتَعَوِّداً لُبسَ الدُروعِ يَخالُها / في البَردِ خَزّاً وَالهَواجِرِ لاذا
أَعجِب بِأَخذِكَهُ وَأَعجَبُ مِنكُما / أَن لا تَكونَ لِمِثلِهِ أَخّاذا
سِر حَلَّ حَيثُ تَحَلُّهُ النُوّارُ
سِر حَلَّ حَيثُ تَحَلُّهُ النُوّارُ / وَأَرادَ فيكَ مُرادَكَ المِقدارُ
وَإِذا اِرتَحَلتَ فَشَيَّعَتكَ سَلامَةٌ / حَيثُ اِتَّجَهتَ وَديمَةٌ مِدرارُ
وَأَراكَ دَهرُكَ ما تُحاوِلُ في العِدى / حَتّى كَأَنَّ صُروفَهُ أَنصارُ
وَصَدَرتَ أَغنَمَ صادِرٍ عَن مَورِدٍ / مَرفوعَةً لِقُدومِكَ الأَبصارُ
أَنتَ الَّذي بَجِحَ الزَمانُ بِذِكرِهِ / وَتَزَيَّنَت بِحَديثِهِ الأَسمارُ
وَإِذا تَنَكَّرَ فَالفَناءُ عِقابُهُ / وَإِذا عَفا فَعَطائُهُ الأَعمارُ
وَلَهُ وَإِن وَهَبَ المُلوكُ مَواهِبٌ / دَرُّ المُلوكِ لِدَرِّها أَغبارُ
لِلَّهِ قَلبُكَ ما يَخافُ مِنَ الرَدى / وَيَخافُ أَن يَدنو إِلَيكَ العارُ
وَتَحيدُ عَن طَبَعِ الخَلائِقِ كُلِّهِ / وَيَحيدُ عَنكَ الجَحفَلُ الجَرّارُ
يا مَن يَعِزُّ عَلى الأَعِزَّةِ جارُهُ / وَيَذِلُّ مِن سَطَواتِهِ الجَبّارُ
كُن حَيثُ شِئتَ فَما تَحولُ تَنوفَةٌ / دونَ اللِقاءِ وَلا يَشِطُّ مَزارُ
وَبِدونِ ما أَنا مِن وِدادِكَ مُضمِرٌ / يُنضى المَطِيُّ وَيَقرُبُ المُستارُ
إِنَّ الَّذي خَلَّفتُ خَلفي ضائِعٌ / مالي عَلى قَلَقي إِلَيهِ خِيارُ
وَإِذا صُحِبتَ فَكُلُّ ماءٍ مَشرَبٌ / لَولا العِيالُ وَكُلُّ أَرضٍ دارُ
إِذنُ الأَميرِ بِأَن أَعودَ إِلَيهِمِ / صِلَةٌ تَسيرُ بِشُكرِها الأَشعارُ
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ / أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ / بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ
أَمُجاوِرَ الديماسِ رَهنَ قَرارَةٍ / فيها الضِياءُ بِوَجهِهِ وَالنورُ
ما كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ في الثَرى / أَنَّ الكَواكِبَ في التُرابِ تَغورُ
ما كُنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أَن أَرى / رَضوى عَلى أَيدي الرِجالِ تَسيرُ
خَرَجوا بِهِ وَلِكُلِّ باكٍ خَلفَهُ / صَعَقاتُ موسى يَومَ دُكَّ الطورُ
وَالشَمسُ في كَبِدِ السَماءِ مَريضَةٌ / وَالأَرضُ واجِفَةٌ تَكادُ تَمورُ
وَحَفيفُ أَجنِحَةِ المَلائِكِ حَولُهُ / وَعُيونُ أَهلِ اللاذِقِيَّةِ صورُ
حَتّى أَتَوا جَدَثاً كَأَنَّ ضَريحَهُ / في قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحفورُ
بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلى مِن مُلكِهِ / مُغفٍ وَإِثمِدُ عَينِهِ الكافورُ
فيهِ الفَصاحَةُ وَالسَماحَةُ وَالتُقى / وَالبَأسُ أَجمَعُ وَالحِجى وَالخَيرُ
كَفَلَ الثَناءُ لَهُ بِرَدِّ حَياتِهِ / لَمّا اِنطَوى فَكَأَنَّهُ مَنشورُ
وَكَأَنَّما عيسى اِبنُ مَريَمَ ذِكرُهُ / وَكَأَنَّ عازَرَ شَخصُهُ المَقبورُ
غاضَت أَنامِلُهُ وَهُنَّ بُحورُ
غاضَت أَنامِلُهُ وَهُنَّ بُحورُ / وَخَبَت مَكايِدُهُ وَهُنَّ سَعيرُ
يُبكى عَلَيهِ وَما اِستَقَرَّ قَرارُهُ / في اللَحدِ حَتّى صافَحَتهُ الحورُ
صَبراً بَني إِسحاقَ عَنهُ تَكَرُّماً / إِنَّ العَظيمَ عَلى العَظيمِ صَبورُ
فَلِكُلِّ مَفجوعٍ سِواكُم مُشبِهٌ / وَلِكُلِّ مَفقودٍ سِواهُ نَظيرُ
أَيّامَ قائِمُ سَيفِهِ في كَفِّهِ ال / يُمنى وَباعُ المَوتِ عَنهُ قَصيرُ
وَلَطالَما اِنهَمَلَت بِماءٍ أَحمَرٍ / في شَفرَتَيهِ جَماجِمٌ وَنُحورُ
فَأُعيذُ إِخوَتَهُ بِرَبِّ مُحَمَّدٍ / أَن يَحزَنوا وَمُحَمَّدٌ مَسرورُ
أَو يَرغَبوا بِقُصورِهِم عَن حُفرَةٍ / حَيّاهُ فيها مُنكَرٌ وَنَكيرُ
نَفَرٌ إِذا غابَت غُمودُ سُيوفِهِم / عَنها فَآجالُ العِبادِ حُضورُ
وَإِذا لَقوا جَيشاً تَيَقَّنَ أَنَّهُ / مِن بَطنِ طَيرِ تَنوفَةٍ مَحشورُ
لَم تُثنَ في طَلَبٍ أَعِنَّةُ خَيلِهِم / إِلّا وَعُمرُ طَريدِها مَبتورُ
يَمَّمتُ شاسِعَ دارِهِم عَن نِيَّةٍ / إِنَّ المُحِبَّ عَلى البِعادِ يَزورُ
وَقَنِعتُ بِاللُقيا وَأَوَّلِ نَظرَةٍ / إِنَّ القَليلَ مِنَ الحَبيبِ كَثيرُ
أَلِئالِ إِبراهيمَ بَعدَ مُحَمَّدٍ
أَلِئالِ إِبراهيمَ بَعدَ مُحَمَّدٍ / إِلّا حَنينٌ دائِمٌ وَزَفيرُ
ما شَكَّ خابِرُ أَمرِهِم مِن بَعدِهِ / أَنَّ العَزاءَ عَلَيهِمِ مَحظورُ
تُدمي خُدودَهُمُ الدُموعُ وَتَنقَضي / ساعاتُ لَيلِهِمِ وَهُنَّ دُهورُ
أَبناءُ عَمِّ كُلُّ ذَنبٍ لِاِمرِئٍ / إِلّا السِعايَةَ بَينَهُم مَغفورُ
طارَ الوُشاةُ عَلى صَفاءِ وِدادِهِم / وَكَذا الذُبابُ عَلى الطَعامِ يَطيرُ
وَلَقَد مَنَحتُ أَبا الحُسَينِ مَوَدَّةً / جودي بِها لِعَدُوِّهِ تَبذيرُ
مَلِكٌ تَصَوَّرَ كَيفَ شاءَ كَأَنَّما / يَجري بِفَصلِ قَضائِهِ المَقدورُ
أَصبَحتَ تَأمُرُ بِالحِجابِ لِخِلوَةٍ
أَصبَحتَ تَأمُرُ بِالحِجابِ لِخِلوَةٍ / هَيهاتَ لَستَ عَلى الحِجابِ بِقادِرِ
مَن كانَ ضَوءُ جَبينِهِ وَنَوالُهُ / لَم يُحجَبا لَم يَحتَجِب عَن ناظِرِ
فَإِذا اِحتَجَبتَ فَأَنتَ غَيرُ مُحَجَّبٍ / وَإِذا بَطَنتَ فَأَنتَ عَينُ الظاهِرِ
بِرَجاءِ جودِكَ يُطرَدُ الفَقرُ
بِرَجاءِ جودِكَ يُطرَدُ الفَقرُ / وَبِأَن تُعادى يَنفَدُ العُمرُ
فَخَرَ الزُجاجُ بِأَن شَرِبتَ بِهِ / وَزَرَت عَلى مَن عافَها الخَمرُ
وَسَلِمتَ مِنها وَهيَ تُسكِرُنا / حَتّى كَأَنَّكَ هابَكَ السُكرُ
ما يُرتَجى أَحَدٌ لِمَكرُمَةٍ / إِلّا الإِلَهُ وَأَنتَ يا بَدرُ