القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مُحْيي الدّين بنُ عَرَبي الكل
المجموع : 88
دَرَسَت رُبوعُهُمُ وَإِنَّ هَواهُمُ
دَرَسَت رُبوعُهُمُ وَإِنَّ هَواهُمُ / أَبَداً جَديدٌ بِالحَشا ما يَدرُسُ
هَذي طُلولُهُمُ وَهَذي الأَدمُعُ / وَلِذِكرِهِم أَبَداً تَذوبُ الأَنفُسُ
نادَيتُ خَلفَ رِكابِهِم مِن حُبِّهِم / يا مَن غِناهُ الحُسنُ ها أَنا مُفلِسُ
مَرَّغتُ خَدّي رِقَّةً وَصَبابَةً / فِبِحَقِّ حَقِّ هَواكُمُ لا تُؤيسوا
مَن ظَلَّ في عَبَراتِهِ غَرِقاً وَفي / نارِ الأَسى حَرِقاً وَلا يَتَنَفَّسُ
يا موقِدَ النارِ الرُوَيدا هذِهِ / نارُ الصَبابَةِ شَأنَكُم فَلتَقبِسوا
لَمَعَت لَنا بِالأَبرَقَينِ بُروقُ
لَمَعَت لَنا بِالأَبرَقَينِ بُروقُ / قَصَفَت لَها بَينَ الضُلوعِ رُعودُ
وَهَمَت سَحائِبُها بِكُلِّ خَميلَةٍ / وَبِكُلِّ مَيّادٍ عَلَيكَ تَميدُ
فَجَرَت مَدامِعُها وَفاحَ نَسيمُها / وَهَفَت مُطَوَّقَةٌ وَأَورَقَ عودُ
نَصَبوا القِبابَ الحُمرَ بَينَ جَداوِلٍ / مِثلِ الأَساوِدِ بَينَهُنَّ قُعودُ
بيضٌ أَوانِسُ كَالشُموسِ طَوالِعٌ / عينٌ كَريماتٌ عَقائِلُ غيدُ
ناحَت مُطَوَّفَةٌ فَحُنَّ حَزينُ
ناحَت مُطَوَّفَةٌ فَحُنَّ حَزينُ / وَشَجاهُ تَرجيعٌ لَها وَحَنينُ
جَرَتِ الدُموعُ مِنَ العُيونِ تَفَجُّعاً / لِحَنينِها فَكَأَنَّهُنَّ عُيونُ
طارَحتُها ثُكلاً بِفَقدِ وَحيدِها / وَالثُكلُ مِن فَقدِ الوَحيدِ يَكونُ
طارَحتُها وَالشَجوُ يَمشي بَينَنا / ما إِن تَبينُ وَإِنَّني لَأَبينُ
بي لاعِجٌ مِن حُبِّ رَملَةِ عالِجٍ / حَيثُ الخِيامُ بِها وَحَيثُ العينُ
مِن كُلِّ فاتِكَةِ الأَلحاظِ مَريضَةٍ / أَجفانُها لِظُبى اللَحاظِ جُفونُ
ما زِلتُ أَجرَعُ دَمعَتي مِن غُلَّتي / أُخفي الهَوى عَن عاذِلي وَأَصونُ
حَتّى إِذا صاحَ الغُرابُ بِبَينِهِم / فَضَحَ الفِراقُ صَبابَةَ المَحزونِ
وَصَلوا السَرى قَطَعوا البُرى فَلِعيسِهِم / تَحتَ المَحامِلِ رَنَّةٌ وَأَنينُ
عايَنتُ أَسبابَ المَنِيَّةِ عِندَما / أَرخوا أَزِمَّتَها وَشُدَّ وَضينُ
إِنَّ الفِراقَ مَعَ الغَرامِ لَقاتِلي / صَعبُ الغَرامِ مَعَ اللِقاءِ يَهونُ
ما لي عَذولٌ في هَواها إِنَّها / مَعشوقَةٌ حَسناءُ حَيثُ تَكونُ
قِف بِالمَنازِلِ وَاِندُبِ الأَطلالا
قِف بِالمَنازِلِ وَاِندُبِ الأَطلالا / وَسلِ الرُبوعَ الدارِساتِ سُؤالا
أَينَ الأَحِبَّةُ أَينَ سارَت عيسُهُم / هاتيكَ تَقطَعُ في اليَبابِ أَلالا
مِثلَ الحَدائِقِ في السَرابِ تَراهُمُ / الآلُ يَعظُمُ في العُيونِ أَلالا
ساروا يُريدونَ العُذَيبَ لِيَشرَبوا / ماءً بِهِ مِثلُ الحَياةِ زُلالا
فَقَفَوتُ أَسأَلُ عَنهُمُ ريحَ الصَبا / هَل خَيَّموا أَو إِستَظَلّوا الضالا
قالَت تَرَكتُ عَلى زَرودَ قِبابَهُم / وَالعيسِ تَشكو مِن سُراها كَلالا
قَد أَسدَلوا فَوقَ القِبابِ مَضارِباً / يَستُرنَ مِن حُرِّ الهَجيرِ جَمالا
فَاِنهَض إِلَيهِم طالِباً آثارَهُم / وَاِرفُل بِعيسِكَ نَحوَهُم إِرفالا
فَإِذا وَقَفتَ عَلى مَعالِمِ حاجِرٍ / وَقَطَعتَ أَغواراً بِها وَجِبالا
قَرَبُت مَنازِلُهُم وَلاحَت نارُهُم / ناراً قَد اِشعَلَتِ الهَوى إِشعالا
فَأَنِخ بِها لا يَرهَبَنَّكَ أُسُدُها / الإِشتِياقُ يُريكَها أَشبالا
عُج بِالرَكائِبِ نَحوَ بُرقِةِ ثَهمَدِ
عُج بِالرَكائِبِ نَحوَ بُرقِةِ ثَهمَدِ / حَيثُ القَضيبُ الرَطبُ وَالرَوضُ النَدى
حَيثُ البُروقُ بِها تُريكَ وَميضَها / حَيثُ السَحابُ بِها يَروحَ وَيَغتَدي
وَاِرفَع صُوَيتَكَ بِالسُحَيرِ مُنادِياً / بِالبيضِ وَالغيدِ الحِسانِ الخُرَّدِ
مِن كُلِّ فاتِكَةٍ بِطَرفٍ أَحوَرٍ / مِن كُلِّ ثانِيَةٍ بِجيدٍ أَغيدِ
تَهوي فَتُقصِدُ كُلَّ قَلبٍ هائِمٍ / يَهوى الحِسانَ بِراشِقٍ وَمُهَنَّدِ
تَعطو بِرَخصٍ كَالدَمَقسِ مُنَعَّمٍ / بِالنَدِّ وَالمِسكِ الفَتيقِ مُقَرمَدِ
تَرنو إِذا لَحَظَت بِمُقلَةِ شادِنٍ / يُعزى لِمُقلَتِها سَوادُ الإِئمِدِ
بِالغُنجِ وَالسِحرِ القَتولِ مُكَحَّلٍ / بِالتَيهِ وَالحُسنِ البَديعِ مُقَلَّدِ
هَيفاءُ ما تَهوى الَّذي أَهوى وَلا / تَفِ لِلَّذي وَعَدَت بِصِدقِ المَوعِدِ
سَحَبَت غَديرَتَها شُجاعاً أَسوَداً / لِتُخيفَ مَن يَقفو بِذاكَ الأَسوَدِ
وَاللَهِ ما خِفتُ المَنونَ وَإِنَّما / خَوفي أَموتُ فَلا أَراها في غَدِ
قِف بِالطَلولِ الدارِساتِ بِلَعلَعِ
قِف بِالطَلولِ الدارِساتِ بِلَعلَعِ / وَاِندُب أَحِبَّتَنا بِذاكَ البَلقَعِ
قِف بِالدِيارِ وَناجِها مُتَعَجِّباً / مِنها بِحُسنِ تَلَطُّفٍ بِتَفَجُّعِ
عَهدي بِمِثلي عِندَ بانِكَ قاطِفاً / ثَمَرَ الخُدودِ وَوَردَ رَوضٍ أَينَعِ
كُلَّ الَّذي يَرجو نَوالَكَ أُمطِروا / ما كانَ بَرقُكَ خُلَّباً إِلّا مَعي
قالَت نَعَم قَد كانَ ذاكَ المُلتَقى / في ظِلِّ أَفناني بِأَخصَبِ مَوضِعِ
إِذ كانَ بَرقي مِن بُروقِ مَباسِمٍ / وَاليَومَ بَرقي لَمعُ هذا اليَرمَعِ
فَاِعتُب زَماناً ما لَنا مِن حيلَةٍ / في دَفعِهِ ما ذَنبُ مَنزِلِ لَعلَعِ
فَعَذَرتُها لَمّا سَمِعتُ كَلامَها / تَشكو كَما أَشكو بِقَلبٍ موجَعِ
وَسَأَلتُها لَمّا رَأَيتُ رُبوعَها / مَسرى الرِياحِ الذارِياتِ الأَربَعِ
هَل أَخبَرَتكِ رِياحُهُم بِمَقيلِهِم / قالَت نِعمَ قالوا بِذاتِ الأَجرَعِ
حَيثُ الخِيامُ البيضِ تَشرُقُ لِلَّذي / تَحويهِ مِن تِلكَ الشُموسِ الطُلَّعِ
بِالجِزعِ بَينَ الأَبرَقَينِ المَوعِدُ
بِالجِزعِ بَينَ الأَبرَقَينِ المَوعِدُ / فَأَنِخ رَكائِبَنا فَهذا المَورِدُ
لا تَطلُبَنَّ وَلا تُغادي بَعدَهُ / يا حاجِرٌ يا بارِقٌ يا ثَهمَدُ
وَالعَب كَما لَعِبَت أَوانِسُ نُهَّدٌ / وَاِرتَع كَما رَتَعَت ظِباءٌ شُرَّدُ
في رَوضَةٍ غَنّاءَ صاحَ ذِئابُها / فَأَجابَهُ طَرَباً هُناكَ مُغَرَّدُ
رَقَّت حَواشيها وَرَقَّ نَسيمُها / فَالغَيمُ يَبرُقُ وَالغَمامَةُ تَرعُدُ
وَالوَدقُ يَنزِلُ مِن خِلالِ سَحابِهِ / كَدُموعِ صَبٍّ لِلفِراقِ تَبَدَّدُ
وَاِشرَب سُلافَةَ خَمرِها بِخِمارِها / وَاِطرَب عَلى غَرِدٍ هُنالِكَ يُنشِدُ
وَسُلافَةٌ مِن عَهدِ آدَمَ أَخبَرَت / عَن جَنَّةِ المَأوى حَديثاً يُسنَدُ
إِنَّ الحِسانَ تَفَلنَها مِن ريقِهِ / كَالمِسكِ جادَ بِها عَلَينا الخُرَّدُ
يا أَيُّها البَيتُ العَتيقُ تَعالى
يا أَيُّها البَيتُ العَتيقُ تَعالى / نورٌ لَكُم بِقُلوبِنا يَتَلالا
أَشكو إِلَيكَ مَفاوِزاً قَد جُبتُها / أَرسَلتُ فيها أَدمُعي أَرسالا
أُمسي وَأُصبِحُ لا أَلَذَّ بَراحَةٍ / أَصِلُ البُكورَ وَأَقطَعُ الآصالا
إِنَّ النِياقَ وَإِن أَضَرَّ بِها الوَجى / تَسري وَتُرفِلُ في السُرى إِرفالا
هذي الرُكابُ إِلَيكُمُ سارَت بِنا / شَوقاً وَما تَرجو بِذاكَ وِصالا
قَطَعَت إِلَيكَ سَباسِباً وَرِمالا / وَخداً وَما تَشكو لِذاكَ كَلالا
ما تَشتَكي أَلَمَّ الوَجى وَأَنا الَّذي / أَشكو الكَلالَ لَقَد أَتَيتُ مُحالا
بِأَبي الغُصونَ المائِلاتِ عَواطِفا
بِأَبي الغُصونَ المائِلاتِ عَواطِفا / العاطِفاتِ عَلى الخُدودِ سَوالِفا
المُرسِلاتِ مِنَ الشُعورِ غَدائِراً / اللَيِّناتِ مَعاقِداً وَمَعاطِفا
الساحِباتِ مِنَ الدَلالِ ذَلاذِلاً / اللّابِساتِ مِنَ الجَمالِ مَطارِفا
الباخِلاتِ بِحُسنِهِنَّ صِيانَةً / الواهِباتِ مَتالِداً وَمَطارِفا
المونِقاتِ مَضاحِكاً وَمَباسِماً / الطَيِّباتِ مُقَبَّلاً وَمَراشِفا
الناعِماتِ مُجَرَّداً وَالكاعِباتِ / مُنَهَّداً وَالمُهدِياتِ ظَرائِفا
الخالِباتِ بِكُلِّ سِحرٍ مُعجِبٍ / عِندَ الحَديثِ مَسامِعاً وَلَطائِفا
الساتِراتِ مِنَ الحَياءِ مَحاسِناً / تَسبي بِها القَلبَ التَقِيِّ الخائِفا
المُبدِياتِ مِنَ الثُغورِ لِآلِياً / تَشفي بِريقَتِها ضَعيفاً تالِفا
الرامِياتِ مِنَ العُيونِ رَواشِقاً / قَلباً خَبيراً بِالحُروبِ مُثاقِفا
المُطلِعاتِ مِنَ الجُيوبِ أَهِلَّةً / لا تُلفَيَنَّ مَعَ التَمامِ كَواسِفا
المُنشِياتِ مِنَ الدُموعِ سَحائِباً / المُسمِعاتِ مِنَ الزَفيرِ قَواصِفا
يا صاحِبَيَّ بِمُهجَتي خَمصانَةٌ / أَسدَت إِلَيَّ أَيادِياً وَعَوارِفا
نُظِّمَت نِظامَ الشَملِ فَهِيَ نِظامُنا / عَرَبِيَّةٌ عَجماءُ تُلهي العارِفا
مَهما رَنَت سَلَّت عَلَيكَ صَوارِماً / وَيُريكَ مَبسِمُها بَريقاً خاطِفا
يا صاحِبَيَّ قِفا بِأَكتافِ الحِمى / مِن حاجِرٍ يا صاحِبَيَّ قِفا قِفا
حَتّى أُسائِلَ أَينَ سارَت عيسُهُم / فَقَدِ اِقتَحَمتُ مَعاطِباً وَمَتالِفا
وَمَعالِماً وَمَجاهِلاً بِشِمِلَّةٍ / تَشكو الوَجى وَسَباسِباً وَتَنايِفا
مَطوِيَّةِ الأَقرابِ أَذهَبَ سَيرُها / بِحَثيثِهٍ مِنها قُوىً وَسَدايِفا
حَتّى وَقَفتُ بِها برَملَةِ حاجِرٍ / فَرَأَيتُ نوقاً بِالأَثيلِ خَوالِفا
يَقتادُها قَمَرٌ عَلَيهِ مَهابَةٌ / فَطَوَيتُ مِن حَذَرٍ عَلَيهِ شَراسِفا
قَمَرٌ تَعَرَّضَ في الطَوافِ فَلَم أَكُن / بِسِواهُ عِندَ طَوافِهِ بي طائِفا
يَمحو بِفاضِلِ بُردِهِ آثارَهُ / فَتَحارُ لَو كُنتَ الدَليلَ القائِفا
عِندَ الجِبالِ مِن كَثيبِ زَرودِ
عِندَ الجِبالِ مِن كَثيبِ زَرودِ / صيدٌ وَأُسدٌ مِن لِحاظِ الغيدِ
صَرعى وَهُم أَبناءُ مَلحَمَةِ الوَغى / أَينَ الأُسودُ مِنَ العُيونِ السودِ
فَتَكَت بِهِم لَحَظاتُهُنَّ وَحَبَّذا / تِلكَ المَلاحِظُ مِن بَناتِ الصيدِ
القَصرُ ذو الشُرُفاءِ مِن بَغدادِ
القَصرُ ذو الشُرُفاءِ مِن بَغدادِ / لا القَصرُ ذو الشُرَفاتِ مِن شَدّادِ
وَالتاجُ مِن فَوقِ الرِياضِ كَأَنَّهُ / عَذراءُ قَد جُلِيَت بِأَعطَرِ نادِ
وَالريحُ تَلعَبُ بِالغُصونِ فَتَنثَني / فَكَأَنَّهُ مِنها عَلى ميعادِ
وَكَأَنَّ دِجلَةَ سِلكُها ف جيدِها / وَالبَعلَ سَيِّدَنا الإِمامُ الهادِي
الناصِرُ المَنصورُ خَيرُ خَليفَةٍ / لا يَمتَطي في الحَربِ مَتنَ جَوادِ
صَلّى عَلَيهِ اللَهُ ما صَدَحَت بِهِ / وَرقا مُطَوَّقَةٌ عَلى مَيّادِ
وَكَذاكَ ما بَرِقَت بُروقُ مَباسِمٍ / سَحَّت لَها مِن مُقلَتَيَّ عَوادِ
مِن خُرَّدٍ كَالشَمسِ أَقلَعَ غَيثُها / فَبَدَت بِأَنوَرَ مُستَنيرٍ بادي
لله دَرُّ عصابةٍ سارت بهم
لله دَرُّ عصابةٍ سارت بهم / نجبُ الفناءِ لحضرة الرحمانِ
قطعوا زمانهم وبذكرِ إلههم / وتحققوا بسرائرِ القرآنِ
ورثوا النبي الهاشميّ المصطفى / من أشرف الأعراب من عدنانِ
ركبوا بُراق الحبِّ في حرم المنى / وسروا لقدسِ النورِ والبرهان
وقفوا على ظهرِ الصَّفا فأتاهمُ / لبن الهدى من منزل الفرقان
قرعوا سماءَ جسومهم فتفَّتحت / أبوابُها فبدت لهم عينان
عين تبسَّم ثغرها لما رأتْ / أبناءها في جنةِ الرضوان
وشمالها عين تحدَّرَ دمعُها / لما رأتهم في لظى النيرانِ
قرعوا سماءَ الروحِ لما آنسوا / جِسماً تُرابياً بلا أركان
فبدا لهم لا هوت عيسى المجتبى / رُوحاً بلا جسمٍ ولا جثمانِ
كملَ الجمالُ بيوسف فتطلعوا / لمقام إدريس العليّ الشان
ورثوا الخلافة إذ رأوا هارون قد / أربتْ منازله على كيوان
نالوا الخلافة عندما نالوا منى / موسى كليم الراحمِ الرحمانِ
سجدَ الملائكةُ الكرام إليهم / دون اعتقاد وجودِ رَبٍ ثاني
طمحتْ بهم هماتهم فتحللوا / في حضرة الزُلفى قِرى الضيفانِ
كملت صفاتهم العلية وارتقوا / عن سدرة الإيمان والإحسان
للذاتِ كان مصيرهم فحباهمُ / بشهوده عيناً بلا أكوان
وصلوا إليه وعاينوا ما أضمروا / من غيبِ سرِّ السرّ كالإعلان
سبحانه وتقدَّست أسماؤه / وعن الزيادةِ جلّ والنقصان
إنْ وافقَ النجمُ السعيدُ هلاَله
إنْ وافقَ النجمُ السعيدُ هلاَله / كان الوجودُ على ساقٍ واحدٍ
فإن انتفى عينُ التواصُلِ منهما / نقص الوجودُ عن الوجودِ الراشد
فانظر بقلبك أين حظك منهما / في الرزقِ أو في العالم المتباعد
هذا المقام وهذه أسرارُه
هذا المقام وهذه أسرارُه / رُفع الحجاب فأشرقت أنوارُه
وبدا هلالُ التمّ يسطعُ نورُه / للناظرين وزالَ عنه سرارُه
فأنار روضَ القلبِ في ملكوته / وأتتْ بكلِّ حقيقة أشجارُه
عند التنزُّلِ صحَّ ما يختارُه / قلبٌ أحاطت بالردى أستارُه
وبدا النسيمُ ملاعباً أغصانه / فهفت بأسرار العلى أطيارُه
جادتْ على أهل الروائحِ مِنة / منه برّيا طيبها أزهارُه
هام الفؤاد بحبه فتقدّسّتْ / أوصافه وتنزَّهت أفكارُه
وتنزَّل الروحُ الأمين لقلبِه / يومَ العَروبة فانقضَتْ أوطارُه
إنّ الفؤاد مع التنزُّل واقفٌ / ما لم يصح إلى النزيل مطارُه
من كان يشغله التكاثرُ لم يكن / بعثته يومَ ورودِه اكثاره
من فتي لحقيقة يصبر على / لأوائها حتى يرى مقداره
لا كالذي أمسى لذاك منافراً / والمنتمي من لا يخاف نفاره
من يدَّعي أن الحبيب أنيسه / في حاله فدليله استبشارُه
من يدَّعي حكم الكيان فإنه / قد تيمته بحبها أغياره
من كان يزعم أنه من آله / سبحانه فشهوده أذكاره
شهداء من نال الوجود شعاره / أمر يعرّف شرعه ودثاره
وأنينه مما يجنّ وصمته / عنه وعبرة وجده وأواره
ما نال من جعل الشريعةَ جانباً / شيا وَلو بلغ السماء منارُه
الحال إما شاهد أو وارد / تجري على حكم الهوى آثارُه
والناسُ إمّا مؤمن أو جاحدٌ / أو مدَّعٍ ثوبُ النفاقِ شعارُه
المنزل العالي المنيفُ بناؤه / واهٍ متى ما لم تقم عماره
العقل إن جاريتَه في رأيه / فلك على نيل المقامِ مداره
لو كان تسعده النفوسُ وإنما / حجبته عن نيل العلى أوزاره
فإذا أتته عناية من ربِّه / في الحال حَفَّ ببابه زوّارُه
ورأيته لما تخلص روحه / من سجنه أسرى به جباره
وقد امتطى رحبَ اللبانِ مدبراً / يُدعى البُراق فما يُشق غُباره
تهوى به الهُوج الشِّداد فيرتمي / نحو الطِّباقِ وشهبُهنّ شِفاره
ما زال ينزل كل نور لائح / من جانبيه فما يقرّ قرارُه
حتى بدت شمسُ الوجود لقلبه / وبدا لعينِ فؤاده إضماره
وتلاقت الأرواح في ملكوته / فتواصلت ببحاره أنهاره
مدّ اليمين لبيعته مخصوصة / أبدى لها وجه الرضى مختاره
لما بدا حسنُ المقامِ لعِينه / عقدت عليه خلافة أزراره
ثم التوى يطوي الطريق لجسمه / ليلاً حذار أن يبوحَ نهاره
وأتت ركائبه لحضرة ملكه / بودائع يعتادها أبرارُه
وتوجهت سفراؤه بقضائه / في كلِّ قلبٍ لم يزل يختارُه
وحمت جوانبه سيوف عزائم / منه وطاف ببابه سُمَّارُه
أين الذين تحققوا بصفاته / هذي العداة فأين هم أنصارُه
من يدَّعي حُبَّ الإمام فإنما / قذفت به نحو المنون بحارُه
وسطا على جيش الكيان بصارِمٍ / عَضْبِ المضاربِ لايُفلّ غِرارُه
مَنْ يهتدي أهل النهى بمنارة / ذاك الخليفة تُقتفى أثارُه
إن الذين يبايعونك إنهم / ليبايعون من اعتلَّت أسرارُه
فيمينك الحجر المكرَّم فيهم / يا نصبة خضعت له أخياره
يا بيعة الرضوان دمت سعيدة / حتى تعطَّل للإمام عشاره
إنَّ الديار بلاقع ما لم يكن / صفواً للحبيبين نزيلها ونضاره
المالُ يُصلح كلَّ شيء فاسدٍ / وبه يزول عن الجواد عثارُه
ستكون خاتمة الكتاب لطيفة
ستكون خاتمة الكتاب لطيفة / من حضرة التوحيد في عليائها
تحوي وصايا العارفين وقطبهم / فهي المنار لسالكي سِيسَائِها
من كلِّ نجم واقع بحقيقة / وأهلَّة طلعتْ بأفقِِ سمائها
وأتى بها عرسا غرانيق على / من منزل الملكوتِ في ظلمائها
ليعرِّف النحرير قطب وجودِه / وبنية بدراً بنور سنائها
فمن اقتفى أثر الوصية إنه / بالحال واحد عصره في يائها
ويكون عند فطامه من ثديها / وطلابه الترشيح من أمرائها
هذي الطريقة أعلنت بعلائها / فمن السعيد يكون من أبنائها
إن المرادَ مع المريدِ مطالبٌ
إن المرادَ مع المريدِ مطالبٌ / بدلائلِ التحقيقِ في دعواهما
فإذا جهلت الأمر في حاليهما / فدليل ما والاه في تقواهما
من ظن أنّ طريق أربابِ العلى
من ظن أنّ طريق أربابِ العلى / قولٌ فجهلٌ حائلٌ وتعذَّرُ
إن السبيل إلى الإله عناية / منه بمن قد شاءَه وتعزّر
لا يرتضي لحقيقة وعزّة / إلا إذا ضمَّ السنابلَ بيدرُ
الحالُ يطلبه بشرطِ مقامه / فإذا ادَّعاه فحاله لكَ يشهرُ
يتخيلُ المسكينُ أنّ علومها / ما بين أوراقِ الكتابِ تُسَطر
هيهاتِ بل ما أودعوا في كتبهم / إلا يسيراً من أمورٍ تعسُر
لا يقرأ الأقوامُ غيرَ نفوسِهم / في حالهم مع ربِّهم هل يحصر
فترى الدخيلَ يقيس فيه برأيه / ليقال هذا منهم فيكبر
وتناقصت أقواله إن لم يكن / عن حاله فيما تقدّم يخبر
علمُ الطريقةِ لا يُنالُ براحةٍ / ومقايس فاجهد لعلك تظفر
غرَّت علومُ القومِ عن إدراك من / لا يعتريه صبابةٌ وتحيُّر
وتنَّفس مما يَجنُّ وأنة / وجوى يزيد وعَبرة لا تفتر
وتذلَّل وتولَّه في غَيبةٍ / وتلذَّذْ بمشاهد لا تظهر
وتقبض عند الشهود وغيرة / إن قام شخصٌ بالشريعةِ يسخر
وتخشع وتفجَّعْ وتشرَّع / بتشرُّع لله لا يتغير
هذا مقام القومِ في أحوالهم / ليسوا كمن قال الشريعةُ مزجر
ثم ادّعى أن الحقيقة خالفتْ / ما الشرعُ جاء به ولكن تستّر
تباً لها من قالة مِن جاحد / ويلٌ له يومَ الجحيم يسعر
أو من يشاهد في المشاهد مُطرقاً / ليقال هذا عابدٌ متفكِّر
هذا مرائي لا يلذ براحةٍ / في نفسه إلا سويعة يتطيّر
لكنه من ذاك أسعد حالة / ول النعيم إذا الجهولُ يفطر
أنا العقابُ لي المقامُ الأرفعُ
أنا العقابُ لي المقامُ الأرفعُ / والحسنُ والنورُ البهيُّ الأسطعُ
أمضي الأمورَ مراتِب حكمِها / في العَدوة الدنيا وعزي أمنع
أنا فيضة السامي ونورُ وجودِه / وأنا الذي أدعوا الوجودَ فيخضعُ
وأنا الذي ما زلت قبضة موجودي / فالجود جودي والخلائق توضعُ
نحوي لتطلبَ ما لها من شُربها / منا فأعطي من أشاءُ وأمنع
أدنو فيبهرني جمالُ وجودِه / أنأى فيدعوني البهاءُ الأروعُ
فإذا دنوتُ فحكمه مقبوله / لكن لها قلب العلي يتصدع
وإذا بعت فإمرة مقومة / والنورُ من أرجائِها يتشعشعُ
فأنا الأمير إذا بعدت فشقوتي / في إمرتي وسعادتي إذ أنزعُ
فأمرّ أوقاتي وأسعدها إذا / عاينتُ أعيان الأهلَّةِ تطلع
فأنا الذي لا عينَ لي موجودُ
فأنا الذي لا عينَ لي موجودُ / وأنا الذي لا حكَم لي مفقودُ
عنقاءُ مُغربٍ قد تعورفَ ذكرها / عُرفاً وبابُ وجودها مسدودُ
ما صيِّر الرحمنُ ذِكري باطلاً / لكنْ لمعنى سرِّه مقصودُ
هو أنني وهابه أسرارهم / عرفانها فِصراطُنا ممدود
والسالكون على مراتبِ نورهم / فأجلهم من نورِه التجريد
إنَّ الغمامَ مطارحُ الأنوارِ
إنَّ الغمامَ مطارحُ الأنوارِ / ولذاك أضحى أقربَ الأستارِ
منه تفجرتِ العلومُ على النهى / وبه يكون الكشف للأبصار
فيه البروقُ وليس يذهِبُ ضَوءُها / أبصارَنا لتقدسَ الأبصار
فيه الرعودُ وليس يذهبُ صوتها / أسماعَنا لتنزُّهِ الأسرارِ
فيه الصواعقُ ليس يذهبُ رسمنا / إحراقها لعنايةِ الآثار
فيه الغيوم وليس يهلك سيلها / أشجارنا لتحقيقِِ الإيثار
ما بعدَه شيء سوى مطلوبِنا / ربُّ الأنام مع اسمِه الغفَّار
فإذا انجلى ذاك الغمام فذاته / تبدو إلى الأنوار في الأنوار
والنورُ يدرج مثله في ضوئه / كالشمسِ لا تُفني ضياءَ النار
فترى البصائرُ والعيونُ جلالَه / وجمالَه في الشمسِ والأقمارِ
فافهم إشارتنا تفز بحقائق / تخفى على العقلاء والنظَّارِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025