المجموع : 14
حيّ الرئيس إذا نزلت بساحه
حيّ الرئيس إذا نزلت بساحه / رحبا تهلّل للوفود فساحا
و اقرأ له شعري ترنّح عطفه / غرر البيان وجوّد الأمداحا
و اهتف إذا هدأ النديّ و لم تجد / إلاّ الأحبّة فيه و النصّاحا
يا شارب الماء القراح بجلّق / لم يشربوا إلاّ الدّموع قراحا
عرس الشآم طغى عليه ظالم / فطوى البساط و حطّم الأقداحا
نكث العهود و راح يحمل غدرة / بلقاء فاجرة اليمين و قاحا
قل للرّئيس تحيّة من شاعر / لم يقو بالبلوى فضجّ و باحا
جليت له الدنيا و زوّق حسنها / فزوى بحرّ جبينه و أشاحا
كتم الأباة دموعهم و أذعتها / حرقا مجلجلة البيان فصاحا
و لأهتفنّ بها فأسمع فيصلا / و أحرّك المنصور و السفّاحا
و أعزّ من عبد الإله بغضبة / لحمى أميّة بالشام مباحا
أمّا لداتك بالشام فإنّهم / حملوا الإباء سلاسلا و جراحا
نزلوا السجون فعطّروا ظلماتها / أنفا و عزّا كالضحى و جماحا
يا نازلين على السجون فأصبحت / بهم أعزّ حمى و أكرم ساحا
الله يعلم ما ذكرت عهودكم / إلا انفجرت تفجّعا و نواحا
و إذا ذكرتكم شربت مدامعي / فكأنّني ثمل أعبّ الراحا
إنّي ليحملني الخيال إليكم / فأجوب فيه سباسبا و بطاحا
و أخال أنّ البدر يحمل منكم / نبأ إليّ إذا أطلّ و لاحا
و أراكم و أكاد أسمع ضجّة / للديدبان و غدوة و رواحا
حسّ أشارككم به آلامكم / و أكاد أحمل عنكم الأتراحا
شيخ العروبة في القيود إباؤه / يخفي السنين و عبئها الفضّاحا
عنف الطغاة به و يسخر كبره / بالشامتين طلاقة و مراحا
حمل القضية و السنين فياله / من منكب زحم الردى و أزاحا
و إذا ذكرت أبا رياض عادني / شجن الغريب طغى هواه فناحا
الذائد الحامي كأنّ بيانه / أي السماء تنزّلت ألواحا
يا راكب الوجناء أخمل عهدها / إبلا ظماء في الفلاة طلاحا
مرّت كلامعة البروق فهجّنت / غرر العراب الشقر و الأوضاحا
لا تعد عند اللاّذقيّة شاطئا / غزلا كضاحكة الصّبا ممراحا
نديان من أشر الصّبا و جنونه / طلق الفتون مجانة و مزاحا
بالله إن كحلت جفونك موجه / ضمّ الشراع و قبّل الملاّحا
و اسرق من الكنز المقدّس مغربا / حلو الأصيل و مشرقا لمّاحا
و انزل على خير الأبوّة رحمة / تسع الحياة و عفّة و صلاحا
يشكو السقام فإن هتفت أمامه / باسمي تهلّل وجهه و ارتاحا
و أطل حديثك يستعده تعلّلا / بالذكر لا لتزيده إيضاحا
و إذا ألحّ فللحنان عذوبة / في مقلتيه تحبّب الإلحاحا
و الثم أحبّتي الصغار و رفّها / غررا نواعم كالورود صباحا
و احمل لإخوان الجهاد تحيّة / كالروض رفّ عباهرا و أقاحا
و إذا نزلت ببانياس فحيّها / عنّي و ضمّ عبيرها الفوّاحا
و اسكب على قبر هناك معطّر / بالذكريات فؤادك الملتاحا
و أنا الوفيّ و إن نزحت و ربّما / لجّ الحنين فأتلف النزّاحا
إنّ الفراخ على نعومة ريشها / ريعت ففارق سربها الأوداحا
فتّ العدوّ بمهجتي و تركتهم / حنقا عليّ يقلّبون الرّاحا
عزم فجأت به العدى لم أستش / ر نجما عليه و لا أجلت قداحا
مالي أكافح بالبيان و إنّه / جهد المقلّ عزيمة و كفاحا
و من الغضاضة أنّني أرضى به / بعد الظماء المرهفات سلاحا
فلئن سلمت لأهتفنّ بغارة / شعواء أحكمها ظبى و رماحا
و لأشهدنّ بكل فجّ معقلا / للظلم زعزعه القضاء فطاحا
خلّوا جناحا في العراق لنسره / و تخوّفوه في الشام جناحا
و لو أنّهم خلّوا عنان جناحه / لغدا به بين النّجوم و راحا
أمّا اللواء فللعراق و ربّما / زحم الكواكب نجدة و طماحا
آسي الجراح الداميات حنانه / و هفا ورقّ طلاقة و سماحا
النازلون على العراق تفيّأوا / ظلّ العراق معطّرا نفّاحا
الله أطلع في مخائل فيصل / عند الخطوب الزّاحفات صباحا
أهنيهة قطع الضحى أم جيلا
أهنيهة قطع الضحى أم جيلا / يوم العفاة لقد خلقت طويلا
ما ضرّ فجرك لو تلألأ وانيا / فلعلّها تغفو العيون قليلا
عاجلت أحلام الدّجى فطويتها / و الرّوح ترشف ثغرها المعسولا
ما كان أهنأها يلوّن سحرها / صور المنى و يرفّها تدليلا
و يثير فيهنّ الحياة شهيّة / و الحبّ أرعن و الشباب منيلا
راض الشفاه الشامسات على الهوى / فضحكن يهمسن الحوار عليلا
و حنا على بؤس العفاة فما رأوا / من عثرة إلاّ رأوه مقيلا
خلع النضارة و الشباب عليهم / و الحبّ و المتع العذاب الأولى
نعم و إن كانت تحول على الضحى / أيّ المباهج لم تكن لتحولا
تحنو على القلب الجريح فينثني / ريّان من رحماتها مطلولا
و ترفّ إن حمى الهجير غمامة / و ندى و ظلاّ في الهجير ظليلا
و تحوّل البيد الظماء خمائلا / سكرى و ربعا ضاحكا مأهولا
فكأنّها فيما تزخرف من منى / آس تحاول كفّه التجميلا
إنّ الذي خلق الحقيقة علقما / خلق المنى للواردين شمولا
تتصارعان و لا ترى إحداهما / ظفرا لتبسط حكمها و تطولا
تدعو المنى زمر القلوب و أختها / تدعو بصائر في الوغى و عقولا
و الكون بين الضرّتين مقسّم / فاشهد قبيلا يستبيح قبيلا
و اعذر على البغي القلوب فطالما / قيدت و ذلّل صعبها تذليلا
أماّ الدّجى و الفجر من أعدائه / فاقد بصرت به يخرّ جديلا
قل للحقيقة إن قسوت فربّما / فكّ الزمان أسيرك المكبولا
إن تملكي الدنيا و سرّ كنوزها / لم تملكي الأحلام و التأميلا
أفق المنى أحنى و أرحب عالما / و أحنّ أفياء و أزين سولا
صوني الكنوز عن العفاة فلا ترى / عين إلى تلك الكنوز سبيلا
و تخيّريها للقوي سلافة / و غنى و طرفا ناعسا مكحولا
و إذا شكا العافي فسوطك و اسمعي / نغم الألوهة زفرة و عويلا
و تنكّري للنائمين على الطّوى / الله قد خلق المنى لتديلا
ما كان جودك للسعادة ضامنا / صدقا و بخلك بالشقاء كفيلا
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة / فتسمّعي لجبا بها و صهيلا
و زماجرا قامت على غمّائها / من حكمك العاتي القويّ دليلا
ملكت يداك هواءها و بحارها / و الكون أجمع عرضه و الطولا
ألعلم يحكم وحده متعسّفا / لا قلب في سلطانه و ميولا
و العلم إن ملك القلوب فسمّه / وحشيّة و ادع الحضارة غيلا
و العلم إن ملك القلوب فسمّها / صخرا تنوء بعبئه محمولا
لا نبض ما خفقت به لكنّه / صوت الحديد غدا يصلّ صليلا
أمّا الأكفّ فخيرها ذو جنّة / حطمّ الرّباب و عالج الإزميلا
ألعلم سخّرها و حسب العلم أن / تزن الأمور جميعها و تكيلا
عفى على حرم الخيال و قدسه / أو ما ترى حرم الخيال أزيلا
و لقد وقفت به أناشد غائبا / قفل الخليط و ما أطاق قفولا
و بكيت _ أجزيه _ و ربّ مدامع / خفّفن كربا أو شفين غليلا
عهدي به و الشعر في أدواحه / ندّى القلوب أغانينا و هديلا
خضل العطور ترفّ أنداء المنى / فيه السرائر بكرة و أصيلا
و جلا لك الدنيا على ما تشتهي / منها يملّق حسّك المختولا
و أعاد مطويّ العصور و آدما / يحنو بأدمعه على هابيلا
منح الخلود و لا ميول و لا هوى / فأبى و آثر غربة و رحيلا
غزل يفارق من أحبّ و سرّه / أن فارق التكبير و التهليلا
تتغيّر الألوان تغمر نفسه / بالحسن لا نزرا و لا مملولا
و تبدّل الألوان نعمة خالد / لم يدر في فردوسه التبديلا
و ترى بأفياء النخيل بثينة / تحنو لتحتضن النهود جميلا
فانعم برؤية عاشقين تلاقيا / سحرا و قد هوت النجوم أفولا
و اعذر جميلا حين جنّ جنونه / فسطا و لا غزلا و لا تأهيلا
نشوان يهصرها إليه و لا يرى / إثما و يلهب عريها تقبيلا
يترشّف الثغر الشهيّ سلافة / و يرفّه كالأقحوان بليلا
و دملا و ردن على الغدير و ما اتّقت / حسناؤهنّ الشاعر الضلّيلا
حتّى إذا أخفى البرود و سامها / أمرا رأته من الحياء جليلا
عطفت تناشده العفاف و أتلعت / جيدا كلألاء الصّباح أسيلا
فأبى و تسرع نحوه عريانة / خجلى لقد حبّ الجمال خجولا
و تطالع المجنون في أسماله / شلوا بأنياب السقام أكيلا
خذلته نعماء العيون و سخّرت / للعبقريّة ذلك المخذولا
فهوى صريعا بالرمال مكفّنا / بمدامع الصبح البليل غسيلا
و فتى قريش و هو يقتل طرفه / ليرى الثريّا والها مخبولا
عبثت لتشهد منه أيّة لوعة / تجزى و أيّ هوى ملحّ تولى
و سكينة و الشعر ضيف نديّها / و الحسن يبعث شجوه فيقولا
نشوى الدلال تعبّ من خمر الهوى / سكرا و يمنعها الحياء تميلا
ملء العيون مفاتنا لكنّها / ملء القلوب علا أعزّ أثيلا
وقف العفاف يذود عن ذاك اللّمى / إلاّ المنى شرس الذياد بخيلا
و تذيع حمّتها عبيرا ربّما / أخذ الشذى القدسيّ عن جبريلا
و أبا نواس في مجالس لهوه / قسم الليالي سكرة و ذهولا
حلو الدّعاب هفا و علّل ذنبه / للآثمين فأحسن التّعليلا
حسب الحياة سافة و مهفهفا / و الباقيات من الحياة فضولا
لم يهو عزّ الحسن في خفراته / و أحبّه عند القيان ذليلا
من كلّ نافرة فإن جمّشتها / ألفيت عقد نطاقها محلولا
تأبى فيصرفه الملال و لو حنت / تبغي لبانته لكان ملولا
و ترى ابن برد و هو في نزواته / ليثا تحاماه الورى معزولا
هتك الفضائح بعد صون و انتضى / للمالكين بيانه المصقولا
فرموه بالإشراك ثمّ تلمّسوا / من حاسديه شاهدا مقبولا
حتّى إذا عزّ الشهود تمحّلوا / فرأوا شهودا في القريض عدولا
زعمته أهواء السياسة كافرا / نالله ما بالكفر راح قتيلا
متجاورين ترى بكلّ خميلة / عند الغدير خليلة و خليلا
متنادمين على السلافة أنشدوا / غرر النسيب و رتّلوا التنزيلا
سقيا لنعماء لخيال و لا رأت / عيناي ربعا من هواه محيلا
أثمت بزينته الحضارة و اقتضت / شرّ التقاضي دينها الممطولا
شوهاء تحلم بالجمال و لا ترى / إلاّ الأسى و الثكل و الترميلا
و يعدّ منطقها الضجيج تناسقا / و الحبّ علما قد أعدّ فصولا
فإذا أردت الحبّ فابغ أموره / عند الكتاب و حاذر التأويلا
و تعلّم الحرقات من صفحاته / و الدمع كيف تروضه فيسيلا
و احذق معاتبة النجوم و لومها / متوجّعا و تعمّد التطويلا
فمن الكياسة في كتابك أن ترى / بين النجوم على هواك عذولا
حرم الخيال فدى رؤاك حضارة / قد مثّلتك لتخطئ التمثيلا
هيهات حسنك من جمال خادع / غشّ العيون و احكم التضليلا
إنّي لألمح في الغيوب رسالة / و أرى وراء الغيب منك رسولا
و كتاب حقّ لا يبالي بالهوى / إن خالف المعقول و النقولا
إنجيل عيسى في الحنان و إن يكن / في غير ذاك يخالف الإنجيلا
و بيان أحمد : قوّة و عذوبة / و نهى و رأيا في الحياة جميلا
عفّى على مدنيّة صخّابة / يذر الخليّ ضجيجها مشغولا
جبّارة لا عطف في أقدارها / عجلى و ما خلق الزمان عجولا
يمنى تعدّ لك المتاع و أختها / تلد الشقاء و تخلق التنكيلا
تبني و تهدم كالحياة وربّما / غزلت لتنكث خيطها المغزولا
لا عطف يخفق في الصّدور و لا هوى / كذبتك عينك بل رأيت طلولا
و العلم ويل العلم يوم حسابه / إن كان عن نزواتها مسؤولا
هذا كتاب الغيب فيه رحمة / تسع البريّة نترفا و معيلا
غسل الوجود من الضغائن و الهوى / لتحلّ روح الله فيه حلولا
و تألّف الانساب يغمر عطفه / منها فروعا سمحة و أصولا
ساوت بساطته الشعوب فما ترى / فيها هجينا أو تعدّ أصيلا
و حنت على النفس الأثيم فابصرت / إثم النفوس على النفوس دخيلا
ولدته أخيلة الشرائع فكرة / فنما بأحضان الحضارة غولا
خلقت له الأسماء و هو كناية / و تخيّلت ألوانه تخييلا
و رمت به الإنسان في نعمائه / فتصّيدته مكبّلا مغلولا
لم ترض تعذيب الحياة فسخّرت / بعد الردى لعقابه المجهولا
فكأنّما تلك الشرائع تقتضي / عند النفوس ضغائنا و ذحولا
كافور قد جنّ الزّمان
كافور قد جنّ الزّمان / و إليك آل الصولجان
خجل السّرير من الدّعيّ / و كاد يبكي الأرجوان
أين الأهلّة و الكواكب / و الشوامخ و الرّعان
الهاشميّون انطووا / و أميّة كانوا فبانوا
كافور جمّع حول عرشك / كلّ من حقدوا و هانوا
مجد البغيّ تعاف بهرجه / المخدّرة الرزان
حرّك دماك فإن أردت / قسوا و إن آثرت لانوا
الخاضعون لما تشاء / و ما دروه و ما استبانوا
النّاعمون على اليهود / على رعيّتك الخشان
للعفّ تخوين بدولتهم / و للصّ ائتمان
أشبعت بالخطب الجياع / فكل هادرة خوان
حفل السماط و من / فرائدك الموائد و الجفان
خطب الرئيس هي الكرامة / و العلى و هي الضمان
هي للجياع الطيبات / و للعراة الطيلسان
هي للعفاة النازحين / لبانة و هوى و حان
خطب مصبّغة و تعرف من / مباذلها القيان
من كلّ عاهرة و تحلف / أنّها الخود الحصان
إلحن و كرّر ما تشاء / فإنّها الخطب الحسان
و إذا رطنت فإنّها / عرباء خالصة هجان
كافور قد عنت الوجوه / فكيف لا يعنو البيان ؟
الفكر من صرعى هواك / و من ضحاياك الحنان
يغني الشام عن الكرامة / و النعيم المهرجان
حشدت لطلعتك الجموع / فهوّن الخبر العيان
هتفوا فبين شفاههم / و قلوبهم حرب عوان
غرثى و يتخم من لحوم / الأبرياء الخيزران
عضّت ظهورهم السياط / فكلّ سوط أفعوان
الرّاكعون السّاجدون عنوا / لك و المناهل و الجنان
القاطفون كرومهم / و لك السلافة و الدنان
الحاضنون شقاءهم / و لك المتارف و اللّيان
الظامئون و يومهم / شرس الهواجر إضحيان
المالكون قبورهم لمّا / عصفت بهم فحانوا
لك عذرة العرس الحزين / فما تعز و لا تصان
و لك الظلال فبعض / جودك أن يفيّئهم مكان
و دماؤهم لك و البنون / فما الأباطح و الرّعان
و لك العبادة لا لغيرك / و التشهّد و الأذان
كافور أنت خلقتهم كونوا / هتفت بهم فكانوا
كافور من بعض الإماء / زبيدة و الخيزران
مروان عبد من عبيد / لا يزان و لا .. يشان
للسّوط جبهته إذا / استعلى و للقيد البنان
يا مكرم الغرباء و العرب / محتقر ... مهان
تاريخ قومي في يديك / يدان حسبك ما يدان
زوّرته وسطا على / الأقداس أرعن ألعبان
ما عفّ في الموتى هواه / و لا الضمير و لا اللّسان
يا عبقري الظّلم فيه / لك ابتداع و افتنان
نحن العبيد فلا تحرّكنا / الضغينة و اللعان
لا الفقر يلهب في جوانحنا / الإباء و لا الهوان
فاسجن و عذّب و استبح / حرماتنا و لك الأمان
همدت حميّتنا على / الجلىّ و مات العنفوان
من رقّ فتحك حازنا / سيف و أحرزنا سنان
و الذلّ أطياب العبيد / فما البخور و ما اللّبان
و الظلم من طبع الجبان / و كلّ طاغية جبان
يا أيّها الصنم المدلّ فما / مناه و ما المدان
إن الّهوك فربّما فضح / الألوهة ثعلبان
بأبي السّهول جمالها كرم / و نعمتها اختزان
المذهبات كما تموّج / في الضّياء الزعفران
عهدي بها أخت الرّبيع / و للمهور بها إران
تلك المروج شذا / وأفياء وساجعة وبان
و سنابل للطّير ينقذها / فينفرط الجمان
و ثغاء ماشية و يصهل / في مراعيها حصان
لا خصبها غبّ و لا سقيا / غمامتها دهان
زهراء تجذب كلّ أرض / و هي مخصبة عوان
وشي الغمام فما الطنافس / و الحرير و أصفهان
سلمت جباتك قطننا عاف / و حنطتنا و الهيلمان
سلمت جباتك لا الخماص / من الشياه و لا السمان
أغلى من الفرسِ الجوادِ / و لا شمات به العنان
لا الزرع يضحك في المروج / و لا يضوع الأقحوان
خرس البلابل و الجداول / دلّه الشكوى حزان
الضارعات إلى السماء / و لا تجاب و لا تعان
كالأمهات الثّاكلات / فعزّ شم واحتضان
وأد الهجير بناتهنّ / فكل روض صحصحان
بين السماء و بينها / ثدي الأمومة واللبان
نسيت أمومتها السماء / فما يلمّ بها حنان
أممزّقّ الأرحام لا يبنى / على الحقد الكيان
غرّب و شرّق في هواك / و خن فمثلهم يخان
واغز الكواكب بالغرور / فأنت منصور معان
بالخطبة العصماء تقتحم / المعاقل والقنان
و الشتم من آلات نصرك / لا الضراب و لا الطّعان
و لك الفتوح المعلمات / و من بشائرها عمان
كافور طاغية و في / بعض المشاهد بهلوان
من أنت في الحلبات / تقحمها إذا احتدم الرّهان
فضح الهجين بشوطه / لؤم المنابت و الحران
من أنت ؟ لا المجد الأصيل / و لا شمائله اللّدان
لا العبقرية فيك مشرقة / و لا الخلق الحسان
لا الفكر مؤتنف العطور / و لا البيان و لا الجنان
لا السرّ عندك أريحي / المكرمات و لا العلان
من أنت ؟ إن ذكر العظام / ورنّح الدّنيا افتنان
من أنت ؟ .. لولا صوبة / الطّغيان أنت إذن فلان
كافور عرشك للفناء / و ربّما آن الأوان
الخالدان و لا أعد / الشمس شعري و الزّمان
حلي النديّ كرامة للرّاح
حلي النديّ كرامة للرّاح / عجبا أتسكرنا و أنت الصاحي
لك في السرائر بدعة مرموقة / أنس المقيم و جفوة النزّاح
مجد كآفاق السماء اذا انتهت / منه نواح بادهت بنواحي
الدّهر ملك العبقريّة وحدها / لا ملك جبّار و لا سفّاح
و الكون في أسراره و كنوزه / للفكر لا لوغى و لا لسلاح
ذرت السّنون الفاتحين كأنّهم / رمل تناوله مهبّ رياح
لا تصلح الدّنيا و يصلح امرها / إلاّ بفكر كالشعاع صراح
مرح على كيد الحياة و أهلها / يلقى شدائدها بأزهر ضاح
خير العقائد في هواي عقيدة / شمّاء ذات توثّب و جماح
تبني الحياة على هدى إيمانها / و العقل مثبت غيرها و الماحي
سكرى العقيدة أين من آفاقه / سكر العيون و أين سكر الراح
ملك الحياة فخلف كلّ ثنيّة / لليأس يكمن منه ألف طماح
شرف المعارك بالجراح و بالردى / فبدار قسطك من أذى و جراح
و احمل بكفّيك الحياة تحدّيا / منها لأول معتد بالسّاح
ألعمر من غيب القضاء خبيئة / فابسط مصون كنوزه بالرّاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه / أغناك موجزه عن الشرّاح
و اختر لنفسك ميتة مرموقة / بين النّجوم على الأديم الصاحي
للموت في اللجج العميقة رهبة / شمخت بسؤددها على الضحضاح
حوّطت بالله العقيدة من أذى / خرقاء فاجرة اليمين وقاح
مترنّح العطفين من خيلائه / ماذا تركت لغارة و كفاح
و أنا الذي وسع الهموم حنانه / و بكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنّما / أتراح كلّ أخي هوى أتراحي
غسل الأسى قلبي و حسبك بالأسى / من غاسل حقد القلوب و ماحي
و وددت حين هوى جناح حمامة / لو حلّقت من خافقي بجناح
حبّ قد انتظم الوجود بأسره / أسد الشرى و حمامة الأدواح
أعمى تلفّتت العصور فما رأت / عند الشموس كنوزه اللّماح
نفذت بصيرته لأسرار الدّجى / فتبرّجت منها بألف صباح
من راح يحمل في جوانحه الضّحى / هانت عليه أشعّة المصباح
أمصوّر الدنيا جحيما فائرا / يرمي العصور بجمره اللّفّاح
هوّن عليك ففي النّفوس بقيّة / من رحمة و مروءة و سماح
خلف الخجير و عنفه و لهيبه / ما شئت من ظلّ و طيب نفاح
ضجّت ملائكة السّماء بساخر / مرّ الدعابة شاتم مدّاح
السخر فيه إذا أخذت بكفره / كالسخر حين تراه في النصّاح
نكب العقائد و الطّباع فيا لها / فتكات حتف كالقضاء متاح
و عدا على حرم السماء فيا له / فنحا أطلّ به على الفتّاح
عرّى السرائر و النّفوس ممزّقا / عنهنّ كلّ غلالة و وشاح
و جلا المصون من الضمائر فانتهى / همس النّفوس لضجّة و صياح
إن يقس في نقد الطباع فلم تكن / ترجى لرحمتها يد الجرّاح
إيه رهين المحبسين ألم يئن / إطلاق مأسور وفكّ سراح
ظفرت برحمتك الحياة وصنتها / عن كلّ ناعسة الجفون رداح
أتضيق بالأنثى و حبّك لم يضق / بالوحش بين سباسب و بطاح
يا ظالم التّفاح في وجناتها / لو ذقت بعض شمائل التفّاح
عطر أحبّ من المنى و غلالة / بدع فمن وهج و من أفراح
هي صورة لله عزّ و جلّ جلاله / عزّت نظائرها على الألواح
منحت بقدرته النعيم و لوّنت / أنواره جلّت يد المنّاح
ليت الهموم العبقريّة هدهدت / بحنان طيّبة اللّمى ممراح
لو أنّها نزلت على نعمى الهوى / نزلت مدلّلة بأكرم ساح
حرم على عسر الزمان و يسره / و حمى أمين السرب غير مباح
ما أحوج العقل الحكيم و همّه / و سع الحياة لصبوة و مراح
و لمن تدلّله و تسكر روحه / عند الهجير بظلّها النفّاح
أنثى إذا ضاقت سريرة نفسه / طلعت بآفاق عليه فساح
تسقى الهموم إذا وردن حنانها / بمعطّر كالسلسبيل قراح
وتردّهنّ عرائسا مجلوّة / كندى الصباح و كنّ غير صباح
للعبقريّة قسوة لولا الهوى / عصفت بكلّ عقيدة و صلاح
رعناء إن ترك الجمال عنانها / طاحت بفارس متنها الجحجاح
ما للشراع على العواصف حلية / إن لم تصرّفه يد الملاّح
إيه حكيم الدّهر أيّ مليحة / ضنّت عليك بعطرها الفوّاح
أسكنتها القلب الرّحيم فرابها / ما فيه من شكوى و رجع نواح
جرحت إباءك و الحياء فأقفلا / باب المنى و رميت بالمفتاح
لو أنصفت لسقتك خمرة ريقها / سكر العقول و فتنة الأرواح
و لأسعفتك على الهوى بمعطّر / بالحسن لا بشقائق و أقاح
لا تخف حبّك بالضغينة و الأذى / الحبّ جوهر حقدك الملحاح
و أطل هجاءك ما تشاء فخلفه / غرر منضّرة من الأمداح
العبقريّة و الجمال تحدّرا / من نبعة و تسلسلا من راح
أخوان ما طلع الضّحى لولاهما / إلاّ على العبرات و الأتراح
الظاّلمان المالكان و نعمة / ما أسلفا من زلّة و جناح
إنّ التي حرمتك نعمة حبّها / و أبيك عار كواعب و ملاح
لو كان في يديّ الزّمان و سرّه / و أعنّة الإمساء و الإصباح
في مشهد تكسو الوفود رحابه / و يغصّ بالغادين و الروّاح
لنزعت فتنتها و سحر جفونها / و محوت نور جبينها الوضّاح
و نثرت جوهر ثغرها من عقده / فصحاحه العطرات غير صحاح
و رددت للسبعين ريّق عمرها / و الحاليات من الصبا الممراح
و جلوت مرآتي .... فندّت صرخة / كلمى و غطّت خزيها بالرّاح
حتّى إذا أتمت ذلك كلّه / أشرفت انظر نظرة المرتاح
فثأرت من ظلم الجمال و ربّما / شمتت جراح في الثرى و أضاح
و إذا رأيتك ضقت فيه تنكّرت / للجدّ منه دعابتي و مزاحي
الوحدة الكبرى تهلّل فجرها / بظلال أبلج ذائد نفّاح
هذي العروبة في حماك مدلّة / ريع العدوّ بها و ضاق اللاّحي
الأزرق الرجراج حنّ لرملة / في الدّجلتين نديّة مسماح
و رأى الكنانة إن تماجدما جدت / بالعاص لا بمنى و لا بفتاح
سمعا حكيم الدّهر فهي قصيدة / و أبيك بدع مغرّد صدّاح
عصماء إن شهد النديّ خطيبها / تركت فصاح القوم غير فصاح
بدهت شواردها العدى بكتيبة / خضراء تلمع بالحديد رداح
هل في ثراك على المعرّة موضع / بين العيون لدمعي السحّاح
حنت النّفوس عليه تسكب حبّها / فجلت براح البيد غير براح
ما للجياد الأعوجيّة حسّرا / صرعى الهجير على المدى الفيّاح
فاعذر إذا لم أوف مجدك حقّه / لجج الخضمّ طغت على السبّاح
أنا إن بعدت عن الدّيار فإنّني
أنا إن بعدت عن الدّيار فإنّني / يا ميّ قلبي في ديارك باقي
حبّي و إنّ شطّ النوى بمزاركم / حبّي و اشواقي لكم أشواقي
لا ترقبوا منّي تناسي عهدكم / إنّ الوفاء المحض من أخلاقي
أنا لست أخلف بالنوى ميثاقكم / أو تخلفون على النوى ميثاقي
و يريق أدمعي الصدود و إن يكن / دمعي لهول الموت غير مراق
أنا كالحسام إذا جلاه صاقل / يزداد إشراقا على إشراق
أمّا الشباب فربّما نادمته
أمّا الشباب فربّما نادمته / ريّان من حبّي و من عبراتي
صاحبته عشرين أذنب في الهوى / دلاّ و تغتفر الملاح هناتي
قصرت لياليه و كلّ قصيرة / في الطّيبات عريضة اللّذاّت
في ذمّة الحدق المراض عهوده / سكرى المنى قدسيّة النّفحات
أصبحت لا لعس الشفاه كعهدها / كأسي و لا حدق المها مرآتي
يا من يلحّ هواي في استعطافها / و تلحّ في ظلمي و في إعناتي
أنكرتني بعد الشباب و ما خبت / نار على شفتيك من قبلاتي
أيّام أرشف من لماك سلافتي / و أعلّ من آهاتك العطرات
و أمدّ أشراك الغواية و الهوى / لأثير فيك كوامن الشهوات
فتثور و هي عنيفة صخّابة / هوجاء بعد رويّة و أناة
هيهات يرجعها إلى اطمئنانها / إلاّ هوى شرس الشمائل عات
و حلفت ثغرك ما تقبّل رشفة / من عابديك أحبّ من رشفاتي
و نعم تنكّر لي الشباب و فاتني / ما فات من أيّامه النضرات
فتقبّلي ذكرى هواي بقيّة / منه ترفّ لماك في نغماتي
قف بالشآم مسائلا آثارها
قف بالشآم مسائلا آثارها / مرحى لمن أمّ الشآم و زارها
أهوى أزاهرها أحنّ لعهدها / أشتاق بلبلها أحبّ هزارها
قضّيت أيّامي القصار بظلّها / جادت مدامع مقلتيّ قصارها
أفدي مهفهفة القوام أسيرة / تشكو القيود فمن يفكّ إسارها
غلّوا الأسود الصيد من أبطالها / في الغوطتين و حجّبوا أقمارها
و كسوا مناكبها فلا أنجادها / تركوا لقاطنها و لا أغوارها
هذي الشام فحيّ ليث عرينها / يوم النزال لبابها مختارها
إن كان قد هجر الشام فإنّه / أبكى الشام و هزّها و أثارها
حزنت قبور الفاتحين و أطلقت / حمر الدموع و أرسلت مدرارها
و بكت غياض الغوطتين أما ترى / أنّ المدامع بلّلت أزهارها
يا ابن الصناديد الألى قد عفّروا / هام الملوك و نكّسوا جبّارها
ألموقدي نار الضيافة أرسلت / مثل الجبال الراسيات شرارها
من كلّ وضّاح الجبين مغامر / يغشى المعامع مستثيرا نارها
كأس المنيّة في فرند حسامه / فإذا التقت حلق البطان أدارها
قد أرقلت بك في الخضمّ مطيّة / هوجاء ما نكث الخضمّ مغارها
ظمأى تسير على الخضمّ مجرجرا / سير الذلول و لا تبلّ أوارها
فإذا بلغت الغرب و هو ممالك / بالسيف تمنع مجدها و ذمارها
رفعت على حدّ السيوف عروشها / و بنت بأشلاء الضعاف ديارها
قل إن جلست مخاطبا طاغوتها / و محاورا في بغيه جزّارها
ما للشآم نسيتم ميثاقها / و خفرتم بعد العهود جوارها
قرّبتم للطيّبات عبيدها / و حرمتم حتّى الكرى أحرارها
عزّ العزاء فكفكفوا عبراتها / و خلا النديّ فأطلقوا أطيارها
لا تكذب الأمم القويّة إنّها / باسم الحضارة ثقّفت خطّارها
و لتهنأ الأمم القوية . إنّها / قد أدركت ممّن تخادع ثارها
قالت : لقد بلّغتكم أوطاركم / و هي التي بلغت بنا أوطارها
يا عصبة الصيد الغطاريف الألى / حفظوا الجدود و خلدوا آثارها
هذي سيوف الفاتحين من البلى / قذ صنتم أجفانها و شفارها
جدّدتم عهد الحفاظ لأمّة / الله طهّر خيمها و نجارها
ارجعتم صور العروبة غضّة / فكأنكم ارجعتم إعصارها
و بعثتم أمم الجزيرة بعدما / طويت و حلل فذكم أطوارها
أنطقتم الصّور الجماد فخبّرت / عن شأنها و رويتم أخبارها
و سللتم صمصامها من غمده / متألّقا و جلوتم دينارها
و رفعتم ركن القضية عاليا / بجهادكم و كشفتم أسرارها
مرحى لناشئة الشام و مرحبا / بالنشء إن عثرت أقال عثارها
ألناهضين ليمنعوا ميراثها / و يجدّدوا علياءها و فخارها
هذي الرّبوع سررتم غيّابها / بجهادكم و حرستم حضّارها
أسهرتم جفن العدوّ و رحتم / ندمان كلّ فضيلة سمّارها
أرجعتم صور العروبة غضّة / فكأنّكم أرجعتم عصارها
و رفعتم ركن القضيّة عاليا / بجهادكم و كشفتم أسرارها
و أرى العدوّ دعاكم أغرارها / أفدي الذين دعاهم أغرارها
لا تفنطوا فلقد غرستم جنّة / تجني أكفّكم إذا أثمارها
و خذوا شعاركم القلى لعصابة / تخذت مولاة الغريب شعارها
نسيت عروبتها و لم تعشق بها / مئناف جنّات الحمى معطارها
أغفت على أعذارها فتريّثوا / ألله ليس بقابل أعذارها
حسب العروبة أنّكم لبّيتم / يوم النداء و كنتم أنصارها
بردى أدار عليكم صهباء / و جلت عرائسه لكم نوّارها
و اخجلتي للناكرين جميلها / و الثالمين مع العدوّ غررها
عقّوا البنين و ما سمعت بناقة / وطئت على مهد الصعيد حوارها
الليل بعد الرّاحلين طويل
الليل بعد الرّاحلين طويل / أوما لصبغك يا ظلام نصول
يطوي الزمان النابغين فتنطوي / لذهابهم أمم و يهلك جيل
و لربّ نعش غاب في طيّاته / فتح أغرّ و موطن و قبيل
و الناس أسياف فمنها مغمد / صديء و منها الصارم المسلول
و الخطب خطب النابغين فحقّه / بالمشرقين تفجّع و عويل
في كلّ يوم للعروبة كوكب / يهوي و سيف يعتريه فلول
قبر بعاصمة الرّشيد و آخر / في مصر حق ستوره التقبيل
بدران قد بكر الأفول عليهما / و لكلّ بدر مشرق و أفول
و مشيّعان إلى الثرى بمواكب / يرتدّ عنها الطرف و هو كليل
فيها رعيل من ملائكة العلى / و من الجدود الأكرمين رعيل
عيسى و أحمد و الكليم و عصبة / فيها الأمين المنتقى جبريل
يا للعروبة أين نور نبوغها / الزيت جفّ و أطفئ القنديل
بغداد شاكية و مصر مرنّة / و الشام حاسرة القناع ثكول
تلك الأقانيم الثلاثة واحد / بردى الشام و دجلة و النيل
قالوا : السياسة قلت : رغم دهاتها / ظلّ العروبة في الربوع ظليل
نسب أغرّ و ذروة مضريّة / نبت الربيع بها قنا و نصول
و عقيدة وطنيّة عربيّة / فيها نصول على العدى و نطول
هذا هو الحقّ الصّراح فحسبكم / قول السياسة كلّه تدجيل
يا غاصبي حقّ العروبة حسبكم / منّا فروع للعلا و أصول
أسهبتم بوعودكم و أطلتم / ضد البلاغة ذلك التطويل
و رفعتم المنديل و هي خديعة / هزم السّلام و مزّق المنديل
قد ضاع في الاويل صدق عهودكم / ألكلّ عهد عندكم تأويل
لا تنكروا حقّ الحياة لأمّة / فيها النّبوغ على الحياة دليل
و تداركوا هذا السلام بطبّكم / و دوائكم إنّ السلام عليل
طعنته أطماع السياسة طعنة / نفذت فراح السلم و هو قتيل
و لقد جزعت من السياسة إنّها / غول و هل تلد السلامة غول
دين السياسة جاء فيه مبشّرا / بالمشرقين : الجيش و الأسطول
قولوا لمن غصب القويّ حقوقه / ألسيف باستردادهنّ كفيل
وإذا تكلّمت الصوارم والقنا / سكت الضعيف ولجلج المكبول
وإذا علا صوت الضعيف فربّما / أخفى صداه زماجر وصهيل
وأرى القويّ يطاع غير مخالف / و يخالف القرآن و الإنجيل
ألشرع ما سنّ القويّ بسيفه / فلسيفه التحريم و التحليل
إن قال صدّقه الزمان فقوله / و حي و زور حديثه تنزيل
و الدهر أعدل من عرفت حكومة / والشاهدون على الزمان عدول
دول تدول و لا مرّد لأمره / يحمى الكناس و يستباح الغيل
و لربّما هزّ اللواء مظفّر / ماضي العزيمة أصيد بهلول
من آل يعرب لا تلين قناته / أنف أشمّ و ساعد مفتول
خلّوا الشام و داميات كلامها
خلّوا الشام و داميات كلامها / لا تهتكوا الأستار عن آلامها
عربيّة الأنساب تطرب للوغى / في جاهليّتها و في إسلامها
فإذا أراد زمامها ذو قّوّة / شمست على الباغي بفضل زمامها
عطفت عليه بالسّيوف كأنّها / من حزمها صيغت و من إقدامها
السمر حول قبابها مركوزة / و البيض لامعة بظلّ خيامها
و لقد أراد بها القويّ تحكّما / فتنمّرت أنفا على حكّامها
إن صدّها ذو التاج عن حاجاتها / سألته حاجتها بحدّ حسامها
ألغارة الشعواء عيد كماتها / و دم اللطّلى المشبوب كأس مدامها
ورأيتها ظمأى الجوانح للعلى / فعلى الدم المهراق بلّ أوامها
الروض محتاج لقطر دمائها / يوم الحميّة لا لقطر غمامها
و الحق تبلغه ببأس حماتها / لا باستكانتها و لا استرحامها
البأس كلّ البأس كالأشجّ فباهها / أو كالأعزّ الوائليّ فسامها
يا ابن الشام و ما نظمت قصائدي / إلاّ لهزّ عراقها و شامها
تشدو الحمائم في الشّام و إنّما / أنغام هذا الشعر من أنغامها
الحرّ يؤسر و الحمائم حرّة / يا ليت لي في الشام حظّ حمامها
أليوم معركة الحياة فما الذي / أعددت من عدد ليوم صدامها
من ليس يمنع حقّه في حربها / هيهات يمنع حقّه بسلامها
و إذا تنكّبت الزحام ففترة / و تخرّ منجدلا غداة زحامها
للأقوياء شريعة مكتوبة / بالسيف شيب حلالها بحرامها
أمنّول الأمم الضعيفة حقّها / و مديلها القهّار من ظلاّمها
فصل الخطاب دنا فأيّد أمّة / لم تبغ إلاّ حقّها بقيامها
و اسمح لنصرك أن يرفرف فوقها / و يطاول الجوزاء في أعلامها
يا ربّ علّمها المسير إلى الردى / بسبيل عزّتها و نيل مرامها
هذي دماء كرامها مطلولة / فاقبل ضحيّتها دماء كرامها
لا ترتجي إلاّ حياة حرّة / يا ربّ أجر صلاتها و صيامها
إن لم ترجّ الفوز قبل حمامها / فاسمح به يا ربّ بعد حمامها
هيهات تنخذل الشام و قد بدا / أثر القراع على شبا صمصامها
ووراء حقّ الغوطتين عصابة / آساد غابتها شموس ظلامها
ألباذلون دماءهم يوم الوغى / و الثائرون بها على أخصامها
ما للذئاب مدلّة في حيّها / أو لا تخاف الشرّ من ضرغامها
النار خامدة اللهيب فحاذروا / يا ظالمي قحطان من إضرامها
إن تقتلوا آباءها بسيوفكم / قترقّبوا الغارات من أيتامها
عفت الديار و أنكرت قصّادها
عفت الديار و أنكرت قصّادها / حيّا الحيا تلك الديار و جادها
أبلت بشاشتها الخطوب و أقصدت / فرسانها و تخرّمت أجوادها
و أباد فتيتها الزمان و طالما / مرّ الزمان بفتية فأبادها
هي حسرة فازدد و أنت أخو هوى / حقّ الوفاء عليك أن تزدادها
حيّيتهنّ منازلا مهجورة / سبت المنيّة هندها و سعادها
و حبست فيهنّ المطيّ مسائلا / عن أهل ودّك نؤيها و ثمادها
و سكبت ما شاء الهوى بطلولها / حمر الدّموع . أما تخاف نفادها
تلك الدموع قصيدة قد جوّدت / عيناك يوم فراقهم إنشادها
من أنّه الثكلى أخذت رويّها / و من القلوب قد استعرت مدادها
جاءت مهذّبة القوافي ما اشتكت / إبطاءها و زحافها و سنادها
فإذا تلتها العين و هي نديّة / سكر الزمان بلحنها فأعادها
الحزن أرسلها و وقّع لحنها / واختار في شوط القريض جيادها
غرّاء هذّبها و أحكم صنعها / صنع البيان فأتعبت نقّادها
الشعر ما ملك النفوس و هزّها / و أثار ثائرها الكمين وقادها
تتلو الطبيعة في الصباح قصائدا / بذّت بهنّ لبيدها وزيادها
إنّي لتطربني الحمامة أنشدت / فوق الغصون فرنّحت ميّادها
و يهزّني لحن النسيم مقبّلا / نور الخمائل لاثما أورادها
و الصبح مرّ على الربى بحنانه / فكسى بلؤلؤ دمعه أجيادها
والموج يخطب في الصخور مثرثرا / حنقا و ينقم كبرها و عنادها
و الليل غطّى في رداء سكونه / جسم البسيطة شمّها ووهادها
يا نفحة حملت إليّ من الربى / غبّ الرّبيع شقيقها و زبادها
أمّي الجزيرة و اسرقي من غيدها / برد الثغور على الصبا و برادها
ما للجزيرة. لا تفيق من الكرى / طلع الصباح فنبّهي آسادها
ملّ الشعوب من الرقاد و بكّروا / للطيّبات فهل تملّ رقادها
بنت الغزاة الفاتحين تحكّمت / فيها العداة و أحكمت أصفادها
ملكوا عليها الدجلتين و حرّموا / بردى وذادوا بالظبى ورّادها
و كست جنودهم العواصم فارتدّت / ثوب الحداد وودّعت أعيادها
يا للعواصم خطّة مغزوّة / ملك الغريب بياضها و سوادها
الدهر فلّ سيوفها هنديّة / بيضا و حطّم بالقراع صعادها
مدّت إلى الفيحاء كفّ رجائها / متروكة و ترقّبت إسعادها
ما أسرع الفيحاء لولا أنّها / طغت الخطوب فرّيثت أنجادها
و شكت لبغداد الخطوب و ما درت / أنّ الخطوب تعرّقت بغدادها
حبست مياه الرّافدين و حلاّت / عن ورد دجلة لخمها و إيادها
و يح العروبة ! حلّمت أحبابها / ريب الزمان و نزّقت حسّادها
هي جنّة ما ارتادها ذو شرّة / إلاّ و أطمع حسنها مرتادها
كالطير أسكر لحنها صيّادها / فمشى إليها بالردى و اصطادها
ذاك الجمال جنى على أبنائها / ظلما و جلّل بالأذى أحفادها
و لقد أقول لغاصبين مشوا بها / مرحا و أثقلها الشقاء و آدها
هي جذوة حاولتم إطفاءها / و الظلم راح محولا إيقادها
أقبلتم كالمرشدين و ساءكم / بعد الكرى أن تستبين رشادها
قلتم نؤيّد منعة استقلالها / لكنكم أيّدتم استبعادها
إنّ الغزالة لو ملكتم أمرها / لحبستم عن جلّق آرادها
يا عصبة الأمم القوية . حاذري / بأس الضعاف و حزمها و كيادها
لا تأمني بأس الأعراب إنّهم / كادت تفارق بيضهم أغمادها
و كأنّني بالصيد من أمرائها / يوم الحميّة أنكرت أحقادها
و كأنّني بالتاج ألّف شملها / نظما و لمّ نثيرها و بدادها
هلّلت للنشء الجديد و قد مشى / يصلى الحياة و حربها و جهادها
و خشعت للنشء الجديد و قلت ذا / جند الشام فمن يطيق جلادها
حيّيت فيه حماتها أبطالها / يوم النزال كماتها قوّادها
تلك المهار و لا أكابد لوعة / إن مدّ في عمري شهدت طرادها
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد / هيهات أنت على الزمان مخلّد
تتجدّد الدّنيا وقلبك وحده / دنيا تعيد شبابها و تجدّد
لك من خيالك عالم متناسق / بهج تعاود خلقه و تجوّد
أمّا البسيطة فهي فيه خميلة / ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد
و سكبت في الأنغام قلبك دمعة / لا كالدّموع و رحمة تتنهّد
خلع الحياة على البلى فكأنّه / للبعث من قبل الأوان يمهّد
قيس و ليلى بعد طول كراهمت / ثغر يرفّ ووجنو تتورّد
بعثا كعهدهما القديم فمن رأى / تلك العيون يرفّ فيها الإثمد
في كلّ قافية حياة تجتلى / و منى تضوع و زفرة تتردّد
صور الجزيرة ما جلوت من العلى / و الحسن لا ما أوّلته الحسّد
الحبّ و الخيم المنيفة و القرى / و لبانة عند الغدير و موعد
و سكينة الصحراء إلاّ هازجا / مرحا يعيد حداءه و يردّد
يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها / ماذا تغنّيها و ماذا تنشد
خفّت بزينتها إليك مشوقة / سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد
و جلت على الشعراء قبلك حسنها / لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا
الزاهدين بها ولو كشفت لهم / سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا
نظروا إلى خير الوجود و حسنه / شزرا كما نظر الضياء الأرمد
أطريت فتنتها فدع في غيّه / من راح يعذل حسنها و يفنّد
العبقريّة شعلة من نارها / حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد
و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة / تسع الوجود و نقمة تتوعّد
يا فتنة الدنيا يذمّك معشر / و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة و حبّها / و أنا الضمين بأنّه لا يخمد
الكنز بين يديك فانثر درّه / إنّي أراه يزيد حين يبدّد
ظلم الجمال أبا عليّ من رأى / أنّ الجمال غواية تتودّد
و سموت في صور النعيم تعدّها / من نعمة الله التي لا تجحد
الحقّ و الإبداع من نفحاتها / و الهير من أسمائها و السؤدد
حبّ الجمال عبادة مقبولة / و الله يلمح في الجمال و يعبد
يا شاعر الدّنيا نديّك حافل / و الجمع مصغ و المواكب حشّد
ينتظرون السّحر من جبّاره / هيهات دون السّحر باب موصد
يشكى إليك و أنت رهن منيّة / و تزار في عنت الخطوب و تقصد
و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم / و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد
فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى / منه يد و على القلوب له يد
و لك الإمارة في البيان يقرّها / أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد
هل عند أنجمك الضواحك ما بي
هل عند أنجمك الضواحك ما بي / يا ليل إشراكي و صبح متابي
طهّرت آثامي البريئة في لظى / قبل كأحلام النّعيم عذاب
فأدر عليّ سلاف ريقك و اسقني / و اسق النّديم سلافة الأعناب
و إذا عتبت على لماك فربّما / سمح الحبيب برشفة الأعتاب
و سّدتك اليمنى لعلّي في غد / أرد الحساب و وجنتاك كتابي
و نعمت ألمح في جفونك رغبة / خجلى صريعة نشوة و دعاب
لا تغف تحلم بالنجوم فيرتمي / منها لرشف لماك ألف شهاب
لا تغف و أثم في هواك و لا تخف / نسكي أمانك في غد و ثوابي
هيهات وزرك لا أنوء بحمله / إن صحّ أمر قيامة و حساب
يا ربّ عفوك قد ثملت فخلّني / لغوايتي و تهتّكي و شرابي
و جنون أحلامي تثور عنيفة / حمراء بين معالم و قباب
سفكت دمي و ألحّ في إرضائها / فتعافه و تلحّ في إغضابي
أحلام جبّار السماوات العلى / نزلت عليّ و ضمّها جلبابي
خلقت ببيدائي الظميئة جنّة / ثرثارة الألوان و الأطياب
يأوي إلى رحماتها و حنانها / قلم الحكيم و منجل الحطّاب
فإذا الحياة على جلالة قدره / داري و هذا الأفق بعض رحابي
و إذا الكواكب من لدات طفولتي / و الكون و الأجيال من أصحابي
نزلت على فقري و أعوزها / القرى هذا دمي و لبانتي و شبابي
و ثمالة في الكأس أغفلها / الهوى لمصرّعين غطارف أنجاب
صرفا و أشفق من عنيف خمارها / ساقي الكؤوس فشجّها برضاب
ذاك البيان على مرارة كأسه / سكر العقول و فتنة الألباب
و تخاله قطع الرّياض تفتّحت / فيها الخمائل عن أغرّ عجاب
نشوى بأنداء الصباح يديرها / ساقي الرّبيع مزعفر الجلباب
و الحكمة الغرّاء في كلماته / : نور البيان و حلية الآداب
أفضى إلى الأخلاق و هي مصونة / أتراه يكتم سرّها و يحابي
مالي و للأخلاق يغمر سرّها / عنت الغبيّ و خدعة المتغابي
ألغدر في داود بعد مشيبه / و رعاية الأضياف من راحاب
ظمأى إلى القبل الأثيمة عذبة / كالبابليّ مريرة كالصّاب
قامت بأعباء الوفاء و لم تقم / فيه جلال الملك و الأحساب
و أبت لضيفيها الحبائل بعدما / وردا حبائل عريها الجذّاب ؟
مرحى لبائعة السرور و لا انطوت / ذكراك من نشوى الدّلال كعاب
أزرى بعفّتك الجمال و خلفه / سكران سكر هوى و سكر شباب
مرحى و إن عصر الشقاء سلافة / من وجنتيك أثيمة الأكواب
مرحى و في عينيك من صور الهوى / ما لا يعدّ و من رؤى الأحباب
محراب حسنك قد وقفت ببابه / و سجدت أعبد دمية المحراب
و لمحت فيه جلال حسنك راقدا / فوق الشفاه اللّعس و الأهداب
و سكرت من أحلامه بسلافة / عجب و من آهاته بملاب
جبت الظلام فلم أدع من دجنة / إلاّ غدائر شعرك المنجاب
و لقد تبيّنت الهوى لم يخفه / في مخدع الشهوات ألف نقاب
في ذمّة الذكرى بقايا ليلة / عريانة مجنونة الآراب ...
و يريغه عنّي النعيم فأنثني / لأراه في العبرات و الأوصاب
و سخرت بالأوهام عصر شبيبتي / و حسبت فيض الماء لمع سراب
فاليوم تخشع للخرافة حكمتي / و يطوف حول قبابها إعجابي
و أرى به طيف الحقيقة كامنا / خلف الحجاب ولات حين حجاب
قتلت هواي و حكمتي و تجاربي / فأنا الشّهيد و هذه أسلابي
حسناء تلتفع البرود قديمة / يا ليتها رضيت جديد إهابي
فاخشع لحالية الشباب و ربّما / شهدت و كان الدّهر في الغيّاب
تفنى لتقتبل الحياة نضيرة / سمجاء بعد تنازع و غلاب
عبدت و سبّت فهي منذ تبرّجت / للكون بين عبادة و سباب
مثل الحقيقة كالجمال و ربّما / متّت إليه بأقرب الأسباب
للمشرق الضاحي الأغرّ قلادة / من و للشفق المريض الخابي
الصبح مرموق الضياء منوّر / و الليل ريّان الملاحة سابي
سبحان من نثر الحقيقة حفنة / قدسيّة من حكمة و صواب
تذري الرّياح بها مدامع رحمة / بين العقائد أو سياط عذاب
فالمح نثير ضيائها فيما ترى / من دعوة و خرافة و كتاب
لولا التقى لرأيت بعض جلالها / جمالها برسالة ( الكذّاب)
يا سيّد الصرح الممردّ دونه / حجب المنون و قسوة الحجّاب
رفعته من جنّ السماء عصابة / فبدا أشمّ على أشمّ عقاب
العدل و التوحيد في ذرواته / و عبادة الأزلام و الأنصاب
بيت الحقيقة طاف في أركانه / ذلّ العبيد و عزّة الأرباب
و علت مع الأوراد في غلس الدّجى / أغنيّة للحبّ من زرياب
و تعانق البغضاء حول قبابه / يتألّقون شوارد الأحساب
و حنا اليقين على الجحودو ما حنا / إلا على الخلصاء و الأتراب
تتخايل الأسرار فيه و تختفي / معها طيوف السحر و الإغراب
و ترى على الشرفات أشباح الرؤى / تصغي و ينشدها إله الغاب
و تحسّ بالنغمات تعتنق الدجى / و تثير من وجد و من إطراب
نغم الخفاء تجاوبت أصداؤه / في موحش غمر الرّمال يباب
و إلهة الوادي تثور بعريها / وثبا للجّة نهره المنساب
فيضمّها عريانة مقرورة / نشوى بعنف غرامه الصخّاب
لو أنّ خدّيها إليك و ثغرها / لقطفت من ورد و من عنّاب
أشرق بلألاء اليقين و سرّه / فالأنبياء و آلهم في الباب
عيسى و رحمته و أحمد و الرؤى / و الوحي نور مفاوز و شعاب
و ربيب مصر تطوف حول جماله / ريب الغيور و خدعة المغتاب
يدعو أفانين الهوى فتجيبه / و دعا هواك فلم يفز بجواب
و الفاتحون من الملوك كأنّهم / عقبان جوّ أو قساور غاب
ألدرّة البيضاء دون جمالها / سود المنون بزخرة و عباب
حملوا اللألي و السلافة و المنى / و غرائب الألطاف و الأجلاب
و حملت أسمالي إليك و شافعي / لهوى فتاتك غربتي و عذابي
فاسخر بإدلالي عليك و قل لها / ما شأن هذا الأشعث الجوّاب
نغمات عودي لا تملّ لأنّها
نغمات عودي لا تملّ لأنّها / شعر يفيض عواطفا و شعورا
نغمات عودي لا تملّ لأنّها / لغو الملائك إذ تناجي الحورا
همست بها الأرواح في ملكوتها / شدوا أرقّ من الصّبا و زفيرا
يدني إليّ من الخيال شواردا / و يهزّ أعطافي هوى و سرورا
في ظلمة الأحزان من نغماته / نفسي الحزينة تستعير النورا
أحنو عليه معانقا متنهدا / فكأنني أمّ تضمّ صغيرا
و أبثّه شكوى الهوى فإخاله / يبكي عليّ متيّما مهجورا
سله عن الزمن الخؤون و أهله / تره عليما بالزمان خبيرا
شهد العصور السالفات و هدهدت / أوتاره السفّاح و المنصورا
و رأى حضارة جلّق و جلالها / و الملك في تلك الربوع كبيرا
إذ ماء جلّق كالرحيق عذوبة / و ظباء جلّق كالشموس سفورا
سلب الزمان بها ملوك أميّة / تاجا يشعّ ضياؤه و سريرا
يا لاثما فيها الثرى من حبّه / أعلمت أنّك تلثم الكافورا
و معانقا أغصانها من وجده / دلّل هواك فقد ضممت خضورا
هذا صلاح الدين فاخشع إنّه / ملك الكلوك مسالما و مغيرا
طاف الجلال به مليكا فاتحا / حيّا و طاف بلحده مقبورا
فالثم ثراه فقد لثمت خميلة / للمكرمات و قد شممت عبيرا
و اهتف لدى القبر النديّ مردّدا / بفنائه التهليل و التكبيرا
ليث المعامع و هو أوّل آسر / صيد الفوارس كيف صار أسيرا
غضّ الشباب و أن تلن عذباته
غضّ الشباب و أن تلن عذباته / خلقت لإدراك المنى عزماته
الله أكبر للشباب صليبة / للغامزات من الخطوب قناته
الله أكبر للشباب جلاله / ملء العيون و حسنه وسماته
لا يجزع الوطن المدلّ بحقّه / الباسمون مع الشباب حماته
في ذمّة الفتيان رابة مجده / إنّ الشباب وفيّة ذمّاته
خلّوا الأناة و أسرعوا لمناكم / عار الشباب العبقريّ أناته
تاج الجزيرة و هي مهد جدودكم / نزل القضاء فنكّست راياته
يشكو و أنتم سامعون فماله / لا يستجاب و للشباب شكاته
إنّي لتبكيني الجزيرة . ما نوى / عنها العدوّ و لا ونت غاراته
و إذا الحزين بكى و لم يك شاعرا / فالشعر ما نطقت به عبراته
نفحات لبنان الأشمّ عليلة / و حمى الجزيرة عذبة نفحاته
تشتاق ناضرة الشام رماله / و تحبّ خضرة أرزكم فلواته
يشكو جراحته إلى أعدائه / اين الشفاء و جارحوه أساته
هيهات ينجح في القضيّة مدّع / و خصومه يوم الحساب قضاته
واضيعة الوطن الصغير . تعدّدت / أديانه و عروشه و لغاته
و لربّ مختال تناساه الرّدى / ووددت لو بكرت عليّ نعاته
صلّى لتفريق الشعوب فبغّضت / عندي الديانة والتقى صلواته
هذا أسيرك يا مذاهب ملّه / عضّ القيود ألم يئن إفلاته ؟
هيهات بعد اليوم يهدم مذهب / صرح العروبة و الشباب بناته
إنّي عبدت الله لا نيرانه / سرّ التقى عندي و لا جنّاته
و العقل دلّ عليه لا قرآنه / في آية الكبرى و لا توراته
الدين دين الحبّ فهو عقيدتي / و لو أنّه في الشرق قلّ دعاته
و الأفق أقرأه كتابا منزلا / نعم الكتاب نجوم آياته
بيت العروبة حين أسجد قبلتي / لا طوره قصدي و لا عرفاته
من بعض أسماء العروبة أرزه / يوم الفخار و نيله و فراته
كالروض ملتفّ الخمائل ناضرا / ما ضرّه لو نوّعت زهراته
حسبي إذا ذكر القريض و أهله / شعر شباب الغوطتين رواته
أنا جمرة الغمرات ملء جوانحي / همم الشباب تثيرها نزواته
سكروا و قد أنشدت غرّ قصائدي / فهي الرّحيق طهورة رشفاته
قالوا : الجديد فقلت : من أنصاره / قلم الحكيم وزقّه ودواته
فيه هنات لا أقول ذميمة / بعض الملاحة في الجمال هناته
وأرى القديم يحول حسناته / فتضيع بين ذنوبه حسناته
لا تتركوا المرأة غير صقيلة / الشعب روح شبابه مرآته