المجموع : 96
كَم قَبلَ هَذا الجيلِ وَلّى جيلُ
كَم قَبلَ هَذا الجيلِ وَلّى جيلُ / هَيهاتَ لَيسَ إِلى البَقاءِ سَبيلُ
ضَحِكَ الشَبابُ مِنَ الكُهولِ فَأَغرَقوا / وَاِستَيقَظوا فَإِذا الشَبابُ كُهولُ
نَأتي وَنَمضي وَالزَمانُ مُخَلَّدٌ / الصُبحُ صُبحٌ وَالأَصيلُ أَصيلُ
حَرٌّ وَقَرُّن يُبلِيانِ جُسومَنا / لَيتَ الزَمانَ كَما نَحولُ يَحولُ
إِنَّ التَحَوُّلَ في الجَمادِ تَقَلُّصٌ / في الحَيِّ مَوتٌ في النَباتِ ذُبولُ
قِف بِالمَقابِرِ صامِتاً مُتَأَمِّلاً / كَ غابَ فيها صامِتٌ وَسَأولُ
وَسَلِ الكَواكِبَ كَم رَأَت مِن قَبلِنا / أُمَماً وَكَم شَهِدَ النُجومَ قَبيلُ
تَتَبَدَّلُ الدُنيا رَبَدُّلَ أَهلِها / وَاللَهُ لَيسَ لِأَمرِهِ تَبديلُ
يا طالِعاً لَفَتَ العُيونَ طُلوعُهُ / بَعدَ الطُلوعِ وَإِن جَهِلتَ أُفولُ
عَطفاً وَرِفقاً بِالقُلوبِ فَإِنَّما / حِقدُ القُلوبِ عَلى أَخيكَ طَويلُ
أُنظُر فَوَجهُ الأَرضِ أَغبَرُ شاحِبٌ / وَاِسمَع فَأَصواتُ الرِياحِ عَويلُ
وَمِنَ الحَديدِ صَواعِقٌ وَمِنَ العَجا / جِ غَمائِمٌ وَمِنَ الدِماءِ سُيولُ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَما حَمِسَ الوَغى / أَنَّ الضَواري وَالأَنامَ شُكولُ
يا أَرضَ أورُبّا وَيا أَبنائَها / في عُنقِ مَن هَذا الدَمُ المَطلولُ
في كُلِّ يَومٍ مِنكُمُ أَو عَنكُمُ / نَبَأٌ تَجيءُ بِهِ الرُواةُ مَهولُ
مَزَّقتُمُ أَقسامَكُم وَعُهودَكُم / وَلَقَد تَكونُ كَأَنَّها التَنزيلُ
وَبَعَثتُمُ الأَطماعَ فَهيَ جَحافِلٌ / مِن خَلفِهِنَّ جَحافِلٌ وَخُيولُ
وَنَشَرتُمُ الأَحقادَ فَهيَ مَدافِعٌ / وَقَذائِفٌ وَأَسِنَّةٌ وَنُصولُ
لَو لَم تَكُن أَضغانُكُم أَسيافَكُم / أَمسى بِها مِمّا تُسامُ فُلولُ
عَلَّمتُمُ عِزريلَ في هَذي الوَغى / ما كانَ يَجهَلُ عِلمَهُ عِزريلُ
إِن كانَ هَذا ما يُسَمّى عِندَكُم / عِلماً فَأَينَ الجَهلُ وَالتَضليلُ
إِن كانَ هَذا ما يُسَمّى عِندَكُم / ديناً فَأَينَ الكُفرُ وَالتَعطيلُ
عَوداً إِلى عَصرِ البَداوَةِ إِنَّهُ / عَصرٌ جَميلٌ أَن يُقالَ جَميلُ
قابيلُ يا جَدَّ الوَرى نَم هانِئً / كُلُّ اِمرِئٍ في ثَوبِهِ قَبيلُ
لا تَفخَروا بِعُقولِكُم وَنِتاجِها / كنَت لَكُم قَبلَ القِتالِ عُقولُ
لا أَنتُمُ أَنتُم وَلا أَرباضُكُم / تِلكَ الَّتي فيها الهَناءُ يَقيلُ
لا تَطلُبوا بِالمُرهَفاتِ ذُحولُكُم / في نَيلِها بِالمُرهَفاتِ ذُحولُ
إِنَّ الأَنامَ عَلى اِختِلافِ لُغاتِهِم / وَصِفاتِهِم لَو تَذكُرونَ قَبيلُ
يا عامَنا هَل فيكَ ثَمَّةَ مَطمَعٌ / بِالسِلمِ أَم هَذا الشَقاءُ يَطولُ
مَرَّت عَلَيها حِجَّتانِ وَلَم تَزَل / تَتلو الفُضولَ مَشاهِدٌ وَفُصولُ
لَم يَعشَقِ الناسُ الفَناءَ وَإِنَّما / فَوقَ البَصائِرِ وَالعُقولِ سُدولُ
أَنا بَسَمتُ وَقَد رَأَيتُكَ مُقبِلاً / فَكَما يَهَشُّ لِعائِديهِ عَليلُ
وَإِذا سَكَنتُ إِلى الهُمومِ فَمِثلَما / رَضِيَ القُيودُ الموثَقُ المَكبولُ
لا يَستَوي الرَجُلانِ هَذا قَلبُهُ / خالٍ وَهَذا قَلبُهُ الجَهولُ
لا يَخدَعَنَّ العارِفونَ نُفوسَهُم / إِنَّ المَخادِعَ نَفسَهُ لَجَهولُ
في الشَرقِ قَومٌ لَم يَسَلّوا صارِماً / وَالسَيفُ فَوقَ رُؤوسِهِم مَسلولُ
وَجَهِلوا وَلَم تَجَهل نُفوسُهُمُ الأَسى / أَشقى الأَنامِ العارِفُ المَجهولُ
أَكبادُهُم مَقروحَةٌ كَجُفونِهِم / وَزَفيرُهُم بِأَنينِهِم مَوصولُ
أَمّا الرَجاءُ وَطالَما عاشوا بِهِ / فَالدَمعُ يَشهَدُ أَنَّهُ مَقتولُ
وَاليَأسُ مَوتٌ غَيرَ أَنَّ صَريعَهُ / يَبقى وَأَمّا نَفسُهُ فَتَزولُ
رُبّاهُ قَد بَلَغَ الشَقاءُ أَشَدَّهُ / رُحماكَ إِنَّ الراحِمينَ قَليلُ
في اللَهِ وَالوَطَنِ العَزيزِ عِصابَةٌ / نَكِبوا فَذا عانٍ وَذاكَ قَتيلُ
لَو لَم يَمُت شَمَمُ النُفوسِ بِمَوتِهِم / ثارَ الشَآمُ لِمَوتِهِم وَالنيلُ
يا نازِحِنَ عَنِ الشَآمِ تَذَكَّروا / مَن في الشَآمِ وَما يَليهِ نُزولُ
هَمُّ المَمالِكِ في الجِهادِ وَهَمُّكُم / قالٌ تَسيرُ بِهِ الطُروسُ وَقيلُ
هُبّوا اِعمَلوا لِبِلادِكُم وَلِنَسلِكُم / بِئسَ الحَياةُ سَكينَةٌ وَخُمولُ
لا تَقبَضوا الأَيدي فَهَذا يَومُكُم / شَرُّ الوَرى جَعدُ البَنانِ بَخيلُ
وَعَدَ الإِلاهُ المُحسِنينَ بِبَرِّهِ / وَكَما عَلِمتُم وَعدُهُ تَنويلُ
لِمَنِ الدِيارُ تَنوحُ فيها الشَمأَلُ
لِمَنِ الدِيارُ تَنوحُ فيها الشَمأَلُ / ما ماتَ أَهلوها وَلَم يَتَرَحَّلوا
ماذا عَراها ما دَها سُكّانَها / يا لَيتَ شِعري كُبِّلوا أَم قُتِّلوا
مَثَّلتُها فَتَمَثَّلَت في خاطِري / دِمَناً لِغَيرِ الفِكرِ لا تَتَمَثَّلُ
تَمشي الصَبا مِنها بِرَسمٍ دارِسٍ / لا رِكزَ فيهِ كَأَنَّما هِيَ هَوجَلُ
وَإِذا تَأَمَّلَ زائِرٌ آثارَها / شَخَصَت إِلَيهِ كَأَنَّها تَتَأَمَّلُ
أَصبَحتُ أَندُبُ أُسدَها وَظِبائَها / وَلَطالَما أَبصَرتَني أَتَغَزَّلُ
أَيّامَ أَنظُرُ في الحِمى مُتَهَلِّلاً / وَأَرى الدِيارَ كَأَنَّها تَتَهَلَّلُ
وَأَروحُ في ظِلِّ الشَبابِ وَأَغتَدي / جَذلانَ لا أَشكو وَلا أَتَعَلَّلُ
إِذ كُلُّ طَيرٍ صادِحٌ مُتَرَنِّمٌ / إِذ كُلُّ غُصنٍ يانِعٌ مُتَهَدِّلُ
وَالأَرضُ كاسِيَةٌ رِداءً أَخضَراً / فَكَأَنَّها ديباجَةٌ أَو مَخمَلُ
يَجري بِها فَوقَ الجُمانِ مِنَ الحَصى / بَينَ الزَبَرجَدِ وَالعَقيقِ الجَدوَلُ
وَالزَهرُ في الجَنّاتِ فَيّاحُ الشَذا / بِنَدَى الصَباحِ مُتَوَّجٌ وَمُكَلَّلُ
وَالشَمسُ مُشرِقَةٌ يَلوحُ شُعاعُها / خَلَلَ الغُضونِ كَما تَلوحُ الأَنصُلُ
وَالظِلُّ مَمدودٌ عَلى جَنَباتِها / وَالماءُ مَغمورٌ بِهِ المُخضَوضِلُ
لِلَّهِ كَيفَ تَبَذَّلَت آياتُها / مَن كانَ يَحسَبُ أَنَّها تَتَبَذَّلُ
زَحَفَ الجَرادُ بِقَضِّهِ وَقَضيضِهِ / سَيرَ الغَمامِ إِذا زَفَتهُ الشَمأَلُ
حَجَبَ السَماءَ عَنِ النَواظِرِ وَالثَرى / فَكَأَنَّهُ اللَيلُ البَهيمُ الأَليَلُ
مِن كُلِّ طَيّارٍ أَرَقَّ جَناحَهُ / لَفحُ الحَرورِ وَطولُ ما يَتَنَقَّلُ
عَجِلٍ إِلى غاياتِهِ مُستَوفِزٌ / أَبَداً يَشُدّدُ العَجزَ مِنهُ الكَلكَلُ
خَشِنِ الإِهابِ كَأَنَّهُ في جَوشَنٍ / وَكَأَنَّما في كُلِّ عُضوٍ مِنجَلُ
وَكَأَنَّما حَلَقُ الدُروعِ عُيونُهُ / وَكَأَنَّهُنَّ شَواخِصاً تَتَخَيَّلُ
مَصقولَةٌ صَقلَ الزُجاجِ يَخالُها / في مَعزِلٍ عَن جِسمِهِ المُستَقبِلُ
وَمِنَ العَجائِبِ مَع صَفاءِ أَديمِها / ما إِن تَرِفُّ كَأَنَّما هِيَ جَندَلُ
ضَيفٌ أَخَفَّ عَلى الهَواءِ مِنَ الهَوا / لَكِنَّهُ في الأَرضِ مِنها أَثقَلُ
مَلَأَ المَسارِحَ وَالمَطارِحَ وَالرُبى / فَإِذا خَطَت فَعَلَيهِ تَخطو الأَرجُلُ
حَصَدَ الَّذي زَرَعَ الشُيوخَ لِنَسلِهِم / وَقَضى عَلى القُطّانِ أَن يَتَحَوَّلوا
ما ثَمَّ مِن فَنَنٍ إِلى أَوراقِهِ / يَأوي إِذا اِشتَدَّ الهَجيرُ البُلبُلُ
وَإِذا القَضاءُ رَمى البِلادَ بِبُؤسِهِ / جَفَّ السَحابُ بِها وَجَفَّ المَهَلُ
وَقَعَ الَّذي كُنّا نَخافُ وُقوعَهُ / فَعَلى المَنازِلِ وَحشَةٌ لا تَرحَلُ
أَشتاقُ لَو أَدري بِحالَةِ أَهلِها / فَإِذا عَرَفتُ وَدِدتُ أَنّي أَجهَلُ
لَم تُبقِ أَرجالُ الدَبى في أَرضِهِم / ما يُستَظَلُّ بِهِ وَلا ما يُؤكَلُ
أَمسَت سَمائُهُمُ بِغَيرِ كَواكِبٍ / وَلَقَد تَكونُ كَأَنَّها لا تَأفَلُ
يَمشونَ في نورِ الضُحى وَكَأَنَّهُم / في جُنحِ لَيلٍ حالِكٍ لا يَنصُلُ
فَإِذا اِضمَحَلَّ النورُ وَاِعتَكَرَ الدُجى / فَالخَوفُ يَعلو بِالصُدورِ وَيَسفَلُ
يَتَوَسَّلونَ إِلى الظَلومِ وَطالَما / كانَ الظَلومُ إِلَيهِم يَتَوَسَّلُ
أَمسى الدَخيلُ كَأَنَّهُ رَبُّ الحِمى / وَاِبنُ البِلادِ كَأَنَّهُ مُتَطَفِّلُ
يَقضي فَهَذا في السُجونِ مُغَيَّبٌ / رَهنٌ وَهَذا بِالحَديدِ مُكَبَّلُ
وَيَرى الجَمالَ كَأَنَّما هُوَ لا يُرى / وَيَرى العُيوبَ كَأَنَّما هُوَ أَحوَلُ
حالٌ أَشَدُّ عَلى النُفوسِ مِنَ الرَدى / الصابُ شَهدٌ عِندَها وَالحَنظَلُ
مالي أَنوحو عَلى البِلادِ كَأَنَّما / في كُلِّ أَرضٍ لي أَخٌ أَو مَنزِلُ
يا لَيتَ كَفّاً أَضرَمَت هَذي الوَغى / يَبِسَت أَنامِلُها وَشُلَّ المِفصَلُ
تَتَحَوَّلُ الأَفلاكُ عَن دَوَرانِها / وَالشَرُّ في الإِنسانِ لا يَتَحَوَّلُ
ما زالَ حَتّى هاجَها مَن هاجَها / حَرباً يَشيبُ لَها الرَضيعُ المُحوِلُ
فَالشَرقُ مُرتَعِدُ الفَرائِصِ جازِعٌ / وَالغَربُ مِن وَقَعاتِها مُتَزَلزِلُ
وَالأَرضُ بِالجُردِ الصَواهِلِ وَالقَنا / مَلأى تَجيشُ كَما تَجيشُ المِرجَلُ
وَالطَودُ آفاتٌ تَلوحُ وَتَختَفي / وَالسَهلُ أَرصادٌ تَجيءُ وَتَقفُلُ
وَالجَوُّ بِالنَقعِ المُثارِ مُلَثَّمٌ / وَالبَحرُ بِالسُفُنِ الدَوارِعِ مُثقَلُ
في كُلِّ مُنفَرِجِ الجَوانِبِ جَحفَلٌ / لَجِبٌ يُنازِعُهُ عَلَيهِ جَحفَلُ
ماتَ الحَنانُ فَكُلُّ شَيءٍ قاتِلٌ / وَقَسا القَضاءُ فَكُلُّ عُضوٍ مَقتَلُ
فَمُعَقَّرٌ بِثِيابِهِ مُتَكَفِّنٌ / وَمُجَرَّحٌ بِدِمائِهِ مُتَسَربِلُ
كَم ناكِصٍ عَن مَأزَقٍ خَوفَ الرَدى / طَلَعَ الرَدى مِنَ خَلفِهِ يَتَصَلصَلُ
شَقِيَ الجَميعُ بِها وَعَزَّ ثَلاثَةٌ / ذِئبُ الفَلاةِ وَنَسرُها وَالأَجدَلُ
حامَت عَلى الأَشلاءِ في ساحاتِها / فَرَقاً تَعِلُّ مِنَ الدِماءِ وَتَنهَلُ
لَهَفي عَلى الآباءِ كَيفَ تَطَوَّحوا / لَهَفي عَلى الشُبّانِ كَيفَ تَجَندَلوا
حَربٌ جَناها كُلُّ عاتٍ غاشِمٍ / وَجَنى مَرارَتَها الضَعيفُ الأَعزَلُ
ما لّضَعيفِ مَعَ القَوِيِّ مَكانَةٌ / إِنَّ القَوِيَّ هُوَ الأَحَبُّ الأَفضَلُ
تَتَنَصَّلُ السُوّاسُ مِن تَبِعاتِها / إِنَّ البَريءَ الذَيلِ لا يَتَنَصَّلُ
قَد كانَ قَتلُ النَفسِ شَرَّ جَريمَةٍ / وَاليَومَ يُقتَلُ كُلُّ مَن لا يُقتَلُ
وَالمالِكونَ عَلى الخَلائِقِ عَدلُهُم / جَورٌ فَكَيفَ إِذا هُم لَم يَعدِلوا
كَتَبوا بِمَسفوكِ النَجيعِ نُعوتَهُم / وَبَنوا عَلى الجُثَثِ العُروشَ وَأَثَّلوا
صَرَفَ الجُنودَ عَنِ المُلوكِ وَظُلمِهِم / قَولُ المُلوكِ لَهُم جُنودٌ بُسَّلُ
يا شَرَّ آفاتِ الزَمانِ المُنقَضي / لا جاءَنا فيكِ الزَمانُ المُقبِلُ
إِن أَبكِ سورِيّا فَقَبلِيَ كَم بَكى / أَعشى مَنازِلَ قَومِهِ وَالأَخطَلُ
ما بي الدِيارُ وَإِنَّما قُطّانُها / إِنَّ النُفوسَ لَها المَقامُ الأَوَّلُ
يا قَومُ إِن تَنسو فَلا تَنسوهُمُ / أَو تَبخَلوا فَعَلَيهِمُ لا تَبخَلوا
لَبّوا نِداءَ ذَوي المُروأَةِ وَالنَدى / لِيُقالَ أُمُّ الشَأمِ أُمٌّ مُشبِلُ
لا تَبتَغوا شُكرَ الأَنامِ وَأَجرَهُم / عَفوُ الإِلَهِ هُوَ الثَناءُ الأَجزَلُ
في كُلِّ يَومٍ بَينَكُم مُستَرفِدٌ / أَو طالِبٌ أَو راهِبٌ مُتَجَوِّلُ
يائتيكُمُ بادي الوِفاضِ فَيَنثَني / وَكَأَنَّما في بُردِهِ المُتَوَكِّلُ
يَبني بِمالِكُمُ القُصورَ لِأَهلِهِ / وَقُصورُكُم أَثوابُكُم وَالمَعمَلُ
قَد حانَ أَن تَستَيقِظوا فَاِستَيقِظوا / كَم تَخجَلونَ وَكُلُّهُم لا يَخجَلُ
يا لَيتَ مَن بَذَلوا نُضارَهُم لِمَن / خَبَأوهُ في أَكياسِهِم لَم يَبذُلوا
بَل لَيتَهُم جادوا عَلى ذي فاقَةٍ / فَحَرىً بِعَطفِ المُحسِنينَ المُرمِلُ
يا مَن نُريدُ صَلاحَهُ وَصَلاحَنا / إِنَّ العُدولَ عَنِ الهَوى بِكَ أَجمَلُ
أَيَبيتُ قَومُكَ فَوقَ أَشواكِ الغَضى / وَتَبيتُ تَخطُرُ بِالحَريرِ وَتَرفُلُ
أَينَ الهُدى يا مَن يُبَشِّرُ بِالهُدى / أَينَ التُقى يا أَيُّها المُزَّمِّلُ
ظَنَّت بِكَ الناسُ الظُنونَ وَإِنَّني / لَأَخافُ بَعدَ الظَنِّ أَن يَتَقَوَّلوا
لَكَ مُقلَةٌ فَاِنظُر بِها مُتَأَمِّلاً / قَد يَستَفيدُ الناظِرُ المُتَأَمِّلُ
لا قَدرَ لِلجُهَلاءِ حَتّى يَعمَلوا / لافَضلَ لِلعُلَماءِ حَتّى يَعمَلوا
سُكّانَ لُبنانَ العَزيزَ وَجِلَّقٍ / حَيّاكُمُ عَنّا النَسيمُ المُرسَلُ
لا نابَ غَيرَ عَدُوِّكُم ما نابَكُم / وَبَلَغتُمُ ما تَأمَلونَ وَنَأمَلُ
كَم تَتَّقونَ الطارِئاتِ وَنَتَّقي / كَم تَحمِلونَ الكارِثاتِ وَنَحمِلُ
لَو يَعقِلُ القَدَرُ الخَأونُ عَزَلتُهُ / وَعَذَلتُهُ لَكِنَّهُ لا يَعقِلُ
أَبكي وَأَستَبكي العُيونَ عَلَيكُمُ / أَيُّ الدُموعِ عَليكُمُ لا تَهطِلُ
إِن تَغفَلِ الدُنيا وَيَغفَل أَهلُها / عَنكُم فَخالِقُ أَهلِها لا يَغفَلُ
يالَيتَما رَجَعَ الزَمانُ الأَوَّلُ
يالَيتَما رَجَعَ الزَمانُ الأَوَّلُ / زَمَنُ الشَبابِ الضاحِكُ المُتَهَلِّلُ
عَهدٌ تَرَحَّلَتِ البَشاشَةُ إِذ مَضى / وَأَتى الأَسى فَآقامَ لا يَتَرَحَّلُ
وَلّى الصِبا وَتَبَدَّدَت أَحلاُهُ / أَودى بِهِ وَبِها قَضاءٌ حَوَّلُ
حَصَدَت أَنامُلُهُ المُنى فَتَساقَطَت / صَرعى كَما حَصَدَ السَنابِلَ مِنجَلُ
فَالروحُ قيثارٌ وَهَت وَتَقَطَّعَت / أَوتارُهُ وَالقَلبُ قَفرٌ مُمحِلُ
وَالشيبُ يَضحَكُ بَرقُهُ في لِمَتي / هَذي الضَواحِكُ يا فُؤادي أَنصَلُ
أَشتاقُ عَصرُكِ يا شَبيبَةُ مِثلَما / يَشتاقُ لِلماءِ النُمَيرِ الأَيِّلُ
إِذا كانَتِ الدُنيا بَِعَيني هَيكَلاً / فيهِ الإِهاتُ الجَمالِ تَرتُلُ
مِن كُلِّ حَسناءَ كَأَنَّ حَديثَها / السَلوى أَوِ الوَحيُ الطَهورُ المُنزَلُ
وَأَنا وَصَحبِيَ لا نُفَكِّرُ في غَدٍ / فَكَأَنَّ لَيسَ غَدٌ وَلا مُستَقبَلُ
نَلهو وَنَلعَبُ لا نُبالي ضَمَّنا / كوخٌ حَقيرٌ أَم حَوانا مَنزِلُ
نَتَوَهَّمُ الدُنيا لِفَرطِغُرورِنا / كَمُلَت بِنا وَلِغَيرِنا لا تَكمُلُ
وَنَخالُ أَنَّ البَدرَ يَطلِعُ في الدُجى / كَيما يُسامِرُنا فَلا نَتَمَلمَلُ
وَنَظُنُّ أَنَّ الرَوضَ يَنشُرُ عِطرَهُ / مِن أَجلِنا وَلَنا يُغَنّي البُلبُلُ
فَكَأَنَّما الأَزهارُ سِربَ كَواعِبٍ / وَكَأَنَّما هُوَ شاعِرٌ يَتَغَزَّلُ
في كُلِّ مَنظورٍ نَراهُ مَلاحَةً / وَسَعادَةً في كُلِّ ما نَتَخَيَّلُ
لا شَيءَ يُزعِجُ في الحَياةِ نُفوسَنا / لا طارِئٌ لا عارِضٌ لا مُشكِلُ
فَكَأَنَّنا في عالَمٍ غَيرِ الَّذي / تَتَزاحَمُ الأَيدي بِهِ وَالأَرجُلُ
وَكَأَنَّنا رَهَطُ الكَواكِبِ في الفَضا / مَهما جَرى في الأَرضِ لا تَتَزَلزَلُ
الناسُ في طَلَبِ المَعاشِ وَهَمُّنا / كَأسٌ مُشَعشَعَةٌ وَطَرفٌ أَكحَلُ
كَم عَنَّفونا في الهَوى وَاِستَرسَلوا / لَو أَنَّهُم عَزَفوا الهَوى لَم يَعذِلوا
وَلَوَ اِنَّهُم ذاقوا كَما ذُقن الرُأى / شَبِعَت نُفوسُهُم وَإِن لَم يَأكُلوا
زَعَموا تَبَذَّلنا وَلَم يَتَبذَّلوا / إِنَّ الحَقيقَةَ كُلُّنا مُتَبَذِّلُ
حُرِموا لَذاذاتِ الهُيامِ وَفاتَنا / دَرَكُ الحُطامِ فَأَيُّنا هُوَ أَجهَلُ
إِنّي تَأَمَّلتُ الأَنامَ فَراعَني / كَيفَ الحَياةُ بِهِم تَجُدُّ وَتَهزُلُ
لا يَضبُطونَ مَعَ الصُروفِ قَيادَهُم / إِلّا كَما ضَبَطَ المِياهَ المِنخَلُ
بَينا الفَتى مِلءَ النَواظِرِ وَالنُهى / فَإِذا بِهِ رَقمٌ خَفِيٌّ مُهمَلُ
يا صاحِبي وَالعُمرُ ظَلَّ زائِلٌ / إِن كُنتَ تَأمَلُ فيهِ أَو لا تَأمَلُ
الذِكرُ أَثمَنُ ما اِقتَنَيتَ وَتَقتَني / وَالحُبُّ أَنفَسُ ما بَذَلتَ وَتَبذُلُ
قيلَ اِغتَنى زَيدٌ فَلَيتَكَ مِثلَهُ / أَنا مِثلُهُ إِن لَم أَقُل أَنا أَفضَلُ
الشَمسُ لي وَلَهُ وَلَألاءُ الضُحى / وَالنَيِّراتُ وَمِثلُنا المُتَسَوِّلُ
أَمّا النُضارُ فَإِنَّهُ يا صاحِبي / عَرَضٌ يَزولُ وَسِعَةٌ تَتَنَقَّلُ
ما دُمتُ في صَحبي وَدامَ وَفائُهُم / فَأَنا الغَنِيُّ الحَقُّ لا المُتَمَوِّلُ
أَنا لَستُ أَعدَلُ بِالمَناجِمِ واحِداً / وَأَبيعُ مَن عَقَلوا بِما لا يُعقَلُ
أَودى فَنورُ الفَرقَدَينِ ضَئيلُ
أَودى فَنورُ الفَرقَدَينِ ضَئيلُ / وَعَلى المَنازِلِ رَهبَةٌ وَذُهولُ
خَلَقَ الأَسى في قَلبِ مَن جَهِلَ الأَسى / قَولُ المُخَبِّرِ ماتَ رافائِلُ
فَمِنَ الجَوى بَينَ الضُلُعِ صَوَعِقٌ / وَعَعَلى الخُدودِ مِنَ الدُموعِ سُيولُ
قالَ الَّذي وَجَدَ الأَسى فَوقَ البُكا / وَبَكى الَّذي لايَستَطيعُ يَقولُ
يا مُؤنِسَ الأَمواتِ في أَرماسِها / في الأَرضِ بَعدَكَ وَحشَةٌ وَخُمولُ
لا الشَمسُ سافِرَةٌ وَلا وَجهُ الثَرى / حالٍ وَلا ظِلُّ الحَياةِ ظَليلُ
ما زالَ هَذا الكَونُ بَعدَكَ مِثلَهُ / لَكِنَّ نورَ الباصِراتِ كَليلُ
نِبراسُنا في لَيلِ كُلِّ مُلِمَّةٍ / اللَيلُ بَعدَكَ حالِكٌ وَطَويلُ
هَبني بَيانَكَ إِنَّ عَقلِيَ ذاهِلٌ / ساهٍ وَغَربُ بَراعَتي مَفلولُ
قَد فَتَّ في عَضُدِ القَريضِ وَهَدَّهُ / هَولُ المُصابِ فَعِقدُهُ مَحلولُ
ما لي أَرى الدُنيا كَأَنّي لا أَرى / أَحداً كَأَنَّ العالَمينَ فُضولُ
أَبكي إِذا مَرَّ الغِناءُ بِمَسمَعي / فَكَأَنَّ شَدوَ الشاضِياتِ عَويلُ
نَفسي الَّتي عَلَّلَتني بِلِقائِهِ / اليَومَ لا أَمَلٌ وَلا تَعليلُ
ذوبي فَإِنَّ العِلمَ مادَ عِمادُهُ / وَالدينَ أُغمِدَ سَيفُهُ المَسلولُ
هَذا مَقامٌ لا التَفَجُّعُ سُبَّةُ / فيهِ وَلا الصَبرُ الجَميلُ جَميلُ
ما كُنتُ أَدري قَبلَ طارَ نَعِيُّهُ / أَنَّ النُفوسَ مِنَ العُيونِ تَسيلُ
ما أَحمَقَ الإِنسانَ يَسكُنُ لِلمُنى / وَالمَوتُ يَخطُرُ حَولَهُ وَيَجولُ
يَهوى الحَياةَ كَأَنَّما هُوَ خالِدٌ / أَبَداً وَيَعلَمُ أَنَّهُ سَيَزولُ
وَمِنَ العَجائِبِ أَن يَحِنَّ إِلى غَدٍ / وَغَدٌ وَما يَأتي بِهِ مَجهولُ
لا تَركُنَنَّ إِلى الحَياةِ فَإِنَّها / دُنيا هُلوكٌ لِلرِجالِ قَتولُ
سَكَتَ الَّذي راضَ الكَلامَ وَقادَهُ / حَتّى كَأَنَّ لِسانَهُ مَكبولُ
يا قائِلَ الخُطَبِ الحِسانِ كَأَنَّها / لِجَمالِها الإِلهامُ وَالتَنزيلُ
إِنَ كانَ ذاكَ الوَجهُ حَجَّبَهُ الثَرى / لِلنَجمِ في كَبِدِ السَماءِ أُفولُ
لَيسَ الحِمامُ بِناقِدٍ لَكِنَّما / قَدَرُ العَظيمِ عَلى العَظيمِ دَليلُ
نَم تَحرُسِ الأَملاكُ قَبرَكَ إِنَّهُ / فيهِ الوَقارُ وَحَولَهُ التَبجيلُ
فَلَكَم قَطَعتَ اللَيلَ خافٍ نَجمُهُ / مُتَجَهِّداً وَالساهِرونَ قَليلُ
مُستَنزِلاً عَفوَ الإِلَهِ عَنِ الوَرى / حَتّى كَأَنَّكَ وَحدَكَ المَسؤولُ
تَبغي اللَذاذاتِ النُفوسُ وَتَشتَهي / وَاللَهُ ما تَبغيهِ وَالإِنجيلُ
لَولا مَدارِسُ شُدتَها وَكَنائِسٌ / ما كانَ إِلّا الجَهلُ وَالتَعطيلُ
أَنفَقتَ عُمرَكَ في الإِلَهِ مُجاهِداً / أَجرُ المُجاهِدِ في الإِلَهِ جَزيلُ
يا لَوعَةً حارَ النِطاسِي فيكِ
يا لَوعَةً حارَ النِطاسِي فيكِ / كَم يَشتَكي غَيري وَكَم أُخفيكِ
إِن بُحتُ بِالشَكوى فَغايَةُ مُجهَدٍ / لَم تُبقي لي كَبِداً فَأَستَبقيكِ
أَجِنايَةَ الطَرفِ الكَحيلِ عَلى الحَشا / اللَهُ حَسبي في الدَمِ المَسفوكِ
ما في الشَرائِعِ لا وَلا في أَهلِها / مَن يَستَحِلُّ الأَخذَ مِن جانيكِ
يا هَذِهِ كَم تَشحَذينَ غِرارَهُ / أَوَ ما خَشيتِ حَدَّهُ يُؤذيكِ
يا أُختَ ظَبيِ القاعِ لَو أَعطَيتِهِ / لَحظَيكِ صادَ الصائِديهِ أَخوكِ
روحي فِدى عَينَيكِ مَهما جارَتا / في مُهجَتي وَأَبي فِداءُ أَبيكِ
رَمَتا فَكُلُّ مُصَمِّمٍ وَمُقَوِّمٍ / نابٍ وَكُلُّ مُسَرَّدٍ وَحَبيكِ
اللَهُ في قَتلى جُفونِكِ أَنَّهُم / ظَلَموا نُفوسَهُم وَما ظَلَموكِ
إِن تُبصِريني أَتَّقي فَتَكاتِها / فَلَقَد أَصولُ عَلى القَنا المَشبوكِ
كَم تَجحَدينَ دَمي وَقَد أَبصَرتِهِ / وَرداً عَلى خَدَّيكِ غَيرَ مَشوكِ
رُدّي حَياتي إِنَّها في نَظرَةٍ / أَو زَورَةٍ أَو رَشفَةٍ مِن فيكِ
لَو تَنظُرينَ إِلى قَتيلِكِ في الدُجى / يَرعى كَواكِبَهُ وَيَستَرعيكِ
وَاللَيلُ مِن هَمِّ الصَباحِ وَضَوإِهِ / حَيرانُ حيرَةَ عاشِقٍ مَهتوكِ
لَعَجِبتِ مِن زَورِ الوُشاةِ وَإِفكِهِم / وَمِنَ الَّذي قاسَيتُ في حُبّيكِ
حَولي إِذا أَرخى الظَلامُ سُجوفَهُ / لَيلانِ لَيلُ دُجى وَلَيلُ شُكوكِ
تَمتَدُّ فيهِ بِيَ الكَآبَةُ وَالأَسى / مِثلَ اِمتِدادِ الحَرفِ بِالتَحريكِ
مالي إِذا شِئتُ السُلُوَّ عَنِ الهَوى / وَقَدِرتُ أَن أَسلوكِ لا أَسلوكِ
فُكّي إِساري إِنّنَ خَلفِيَ أُمَّةً / مَضنوكَةً في عالَمٍ مَضنوكِ
وَأَحِبَّةً سَدَّ القُنوطُ عَلَيهِمُ / وَالخَوفُ كُلَّ مُعَبِّدٍ مَسلوكِ
لا تَسأَليني كَيفَ أَصبَحَ حالُهُم / إِنّي أَخافُ حَديثُهُم يُشجيكِ
باتوا بِرَغمِهِم كَما شاءَ العِدى / لا حُزنُهُم واهٍ وَلا بِرَكيكِ
لا يَملِكونَ سِوى التَحَسُّرِ إِنَّهُ / جَهدُ الضَعيفِ الواجِدِ المَفلوكِ
تَتَرَقرَقُ العَبَراتُ فَوقَ خُدودِهِم / يا مَن رَأى دُرَراً بِغَيرِ سُلوكِ
أَخَذَ العَزيزَ الذُلُّ مِن أَطواقِهِ / وَالجوعُ يَأخُذُ مُهجَةَ الصُعلوكِ
قُل لِلمُبَذِّرِ في المَلاهي مالَهُ / ماذا تَرَكتَ لِذي الأَسى المَتروكِ
أَيَبيتُ يَشرَبُ مِن مَعينِ دُموعِهِ / وَتَبيتُ تَحسوها كَعَينِ الديكِ
وَيَروحُ في أَطمارِهِ وَتَميسُ في / ثَوبٍ لِأَيّامِ الهَناءِ مَحوكِ
إِن كُنتَ تَأبى أَن تُشارِكُهُ سِوى / نُعمى الحَياةِ فَأَنتَ غَيرُ شَريكِ
يا ضَرَّةَ البَلجيكِ في أَحزانِها / تُبكيكَ حَتّى أُمَّةُ البَلجيكِ
حَمَلتُ ما يُعيِ الشَواهِقَ حَملُهُ / يا لَيتَ ما حُمِلتِ في شانيكِ
سَلَّ البُغاةُ عَلَيكِ حُمرَ سُيوفِهِم / لا أَنتِ جانِيَةٌ وَلا أَهلوكِ
جُنَّ القَضاءُ فَغالَ حُسنَكِ قُبحُهُ / وَأَذَلَّ أَبناءُ الطَغامِ بَنيكِ
لا أَشتَكي الدُنيا وَلا أَحداثَها / هَذي مَشيأَةُ ذي المَشيأَةِ فيكِ
لَو أَملِكُ الأَقدارَ أَو تَصريفَها / لَأَمَرتُها فَجَرَت بِما يُرضيكِ
وَلَو أَنَّها تَدري وَتَعقُلُ لَاِنثَنَت / تَرمي بِأَسهُمِها الَّذي يَرميكِ
إِن يَفتَديكِ أَخو الغِنى بِنُضارِهِ / فَبِدِرهَمي وَبِمُهجَتي أَفديكِ
وَمَنازِلُ البُؤَساءِ أَولى بِالنَدى / وَلَأَنتِ أَولاها بِمالِ ذَويكِ
يا أُمَّةً في الغَربِ يَنعَمُ شَطرُها / رِفقاً بِشَطرٍ بائِسٍ مَنهوكِ
جادَت عَلَيكُم قَبلَما كُنتُم بِكُم / جودوا بِبَعضِ العَسجَدِ المَسبوكِ
لَمّا رَأَيتُ الوَردَ في خَدَّيكِ
لَمّا رَأَيتُ الوَردَ في خَدَّيكِ / وَشَقائِقَ النُعمانِ في شَفَتَيكِ
وَعَلى جَبينِكِ مِثلَ قَطَراتِ النَدى / وَالنَرجِسَ الوَسنانَ في عَينَيكِ
وَنَشَقتُ مِن فَودَيكِ نَدّاً عاطِراً / لَمّا مَشَت كَفّاكِ في فَودَيكِ
وَرَأَيتُ رَأسِكِ بِالأَقاحِ مُتَوَّجاً / وَالفُلُّ طاقاتٍ عَلى نَهدَيكِ
وَسَمِعتُ حَولَكِ هَمسَ نَسَماتِ الصِبا / عِندَ الصَباحِ تَهُزُّ مِن عَطفَيكِ
أَيقَنتُ أَنَّكِ جَنَّةٌ خَلّابَةٌ / فَحَنَنتُ مِن بَعدِ المَشيبِ إِلَيكِ
وَلِذاكَ قَد صَيَّرتُ قَلبي نَحلَةً / يا جَنَّتي حَتّى يَحومَ عَلَيكِ
روحي فِداؤكِ إِنَّها لَو لَم تَكُن / في راحَتَيكِ هَوَت عَلى قَدَمَيكِ
إِنّي سَكَتُّ وَما عَدِمتُ المَنطِقا
إِنّي سَكَتُّ وَما عَدِمتُ المَنطِقا / لَولا أَخوكَ سَبَقتُ فيكَ الأَسبَقا
وَهَزَزتُ أَوتارَ القُلوبِ بِصامِتٍ / يَشتاقُ كُلُّ مُهَذَّبٍ أَن يَنطُقا
فَبَعَثتُ في أَفواهِهِم مِثلَ الطَلى / وَنَفَثتُ في أَسماعِهِم شِبهَ الرُقى
وَأَلَنتُ قاسي الشِعرَ حَتّى يُبتَغى / وَشَدَدتُ مِنهُ اللينَ حَتّى يُتَّقى
وَجَلَوتُ لِلأَبصارِ كُلَّ خَريدَةٍ / عَصماءَ تَحسِدُها النُجومُ تَأَلُّقا
تَبدو فَتَترُكُ كُلَّ قَلبٍ شَيّقٍ / خَلواً وَتَترُكُ كُلَّ خالٍ شَيِّقا
وَلي أَخوكَ فَما أَمضَنِيَ النَوى / وَلَقَد قَدِمتَ فَما هَشَشتُ إِلى اللُقا
قَبَلتَ وَالدُنيا إِلَيَّ بَغيضَةٌ / هَلّا سَبَقتَ إِلَيَّ أَسبابَ الشَقا
حَنَقتَ بِلا سَبَبٍ عَلَيَّ وَإِنَّهُ / سَبَبٌ جَديرٌ عِندَهُ أَن أَحنَقا
عَلَقَت أَخي كَفُّ المَنونِ وَكِدتُ أَن / أَسعى عَلى آثارِهِ لَولا التُقى
ما أَشفَقَت نَفسي عَلَيَّ وَإِنَّما / أَشفَقتُ أَن أَبكي الصَديقَ المُشفِقا
وَدَّعتُهُ كَالبَدرِ عِندَ تَمامِهِ / وَالبَدرُ لَيسَ بِئامِنٍ أَن يُمحَقا
وَلَقَد رَجَوتُ لَهُ البَقاءَ وَإِنَّما / يَدنو الحَمامُ لِمَن يُحِبُّ لَهُ البَقا
أَصبَحتُ مِثلَ النَسرِ قُصَّ جَناحُهُ / فَهَوى وَلَو سَلِمَ الجَناحُ لَحَلَّقا
نائي الرَجاءِ فَلا أَسيرٌ موثَقٌ / أَرجو الفَكاكَ وَلَستُ حُرّاً مُطلَقا
وَلَقَد لَبِستُ مِنَ السَوادِ شَعائِراً / حَتّى خَضِبتُ مِنَ الحِدادِ المَفرِقا
وَزَجَرتُ عَيني أَن تُسَرَّ بِمَنظَرٍ / وَمَنَعتُ قَلبي بَعدَهُ أَن يَخفِقا
لا أَظلُمُ الأَيّامَ فيما قَد جَنَت / لا تَأمَنِ الأَيّامَ أَن تَتَفَرَّقا
كُن كَيفَ شِئتَ فَلَستُ أَسكُنُ لِلمُنى / بَعدَ الحَبيبِ وَلَستُ أَحذُرُ موبِقا
عامٌ نَسيتُ سُعودَهُ بِنُحوسِهِ / قَد يَحجِبُ اللَيلُ الهِلالَ المُشرِقا
لَم أَنسَ طاغِيَةَ المُلوكِ وَقَد هَوى / عَن عَرشِهِ وَأَسيرُهُ لَمّا اِرتَقى
وَالشاهُ مُنخَلِعُ الحَشاشَةِ واجِفٌ / أَرَأَيتَ خاهاً قَطُّ أَصبَحَ بَيدَقا
ما زالَ يَحتَقِرُ الظُبى حَتّى غَدا / لا تُذكَرُ الأَسيافُ حَتّى يُصعَقا
بِتنا إِذا التُركِيُّ ضَجَّ مُهَلِّلاً / عَبَثَ الهَوى بِالفارِسِيِّ فَصَفَّقا
ذِكرى تُحَرِّكُ كُلَّ قَلبٍ ساكِنٍ / حَتّى لِيَعشُقَ بَعدَها أَن يَعشِقا
فيمَ عَلى النيلِ النُحوسُ وَلَم يَكُن / دونَ الخَليجِ وَلا الفُراتِ تَدَفُّقا
إِن لَم أَذُد عَن أَرضِ مِصرَ موفَقاً / أَودى بِئامالي الزَمانُ موفَقا
ما بالَها تَشكو زَوالَ بَهائِها / وَهيَ الَّتي كانَت تَزينُ المَشرِقا
قَد أَخلَقَت كَفُّ السِياسَةِ عَهدَها / إِنَّ السِياسَةَ لا تُراعي مَوثِقا
كَذَبوا عَلى مِصرَ وَصُدِّقَ قَولُهُم / وَالشَرُّ إِن يَجِدِ الكَذوبَ مُصَدِّقا
وَأَبوا عَلَينا أَنَّنا لا نَنتَهي / مِن مَأزَقٍ حَتّى نُصادِفَ مَأزِقا
سَلَكوا بِنا في كُلِّ وادٍ ضَيِّقٍ / حَتّى قَنِطنا أَن يُصيبوا ضَيِّقا
مَنَعوا الصَحافَةَ أَن تَبُثَّ شَكاتَنا / مَنَعوا الكَواكِبَ أَن تَبينَ وَتَشرُقا
لَو أَنصَفوا رَفَعوا القُيودَ فَإِنَّما / يَشكو الأَسيرُ الأَسرَ إِمّا أَرهَقا
وَسَعَوا إِلى سَلبِ القَناةِ فَأَخفَقوا / سَعياً وَشاءَ اللَهُ أَن تُخفَقا
عَرَضَ الحِسابَ المُسَتشارُ وَلَم يَكُن / لَولا السِياسَةِ حاسِباً وَمُدَقِّقا
أَيَكونُ غاصِبَنا وَيَزعُمُ أَنَّهُ / أَمسى عَلَينا مُحسِناً مُتَصَدِّقا
أَبَني الكِنانَةِ لَستُمُ أَبنائَها / حَتّى تَقَوا مِصرَ البَلاءَ المُطبِقا
إِن تَحفَظوها تَحفَظوا في نَسلِكُم / ذِكراً يُخَلِّدُ في اللَيالي رَونَقا
أَزِفَ الرَحيلُ وَحانَ أَن نَتَفَرَّقا
أَزِفَ الرَحيلُ وَحانَ أَن نَتَفَرَّقا / فَإِلى اللِقا يا صاحِبَيَّ إِلى اللِقا
إِن تَبكِيا فَلَقَد بَكَيتُ مِنَ الأَسى / حَتّى لَكِدتُ بِأَدمُعي أَن أَغرَقا
وَتَسَعَّرَت عِندَ الوَداعِ أَضالِعي / ناراً خَشيتُ بِحَرّها أَن أَحرَقا
ما زِلتُ أَخشى البَينَ قَبلَ وُقوعِهِ / حَتّى غَدَوتُ وَلَيسَ لي أَن أُفرَقَ
يَومَ النَوى لِلَّهِ ما أَقسى النَوى / لَولا النَوى ما أَبغَضَت نَفسي البَقا
رُحنا حَيارى صامِتينَ كَأَنَّما / لِلهَولِ نَحذُرُ عِندَهُ أَن نَنطِقا
أَكبادُنا خَفّاقَةٌ وَعُيونُنا / لا تَستَطيعُ مِنَ البُكا أَن تَرمُقا
تَتَجاذَبُ النَظَراتِ وَهيَ ضَعيفَةٌ / وَنُغالِبُ الأَنفاسَ كَيلا تُزهَقا
لَو لَم نُعَلِّل بِاللِقاءِ نُفوسَنا / كادَت مَعَ العَبَراتِ أَن تَتَدَفَّقا
يا صَحِبَيَّ تَصَبَّرا فَلَرُبَّما / عُدنا وَعادَ الشَملُ أَبهى رَونَقا
إِن كانَتِ الأَيّامُ لَم تَرفُق بِنا / فَمِنَ النُهى بِنُفوسِنا أَن ترَفُقا
إِنَّ الَّذي قَدَرَ القَطيعَةَ وَالنَوى / في وُسعِهِ أَن يَجمَعَ المُتَفَرِّقا
وَلَقَد رَكِبتُ البَحرَ يَزأَرُ هائِجاً / كَاللَيثِ فارَقَ شِبلَهُ بَل أَحنَقا
وَالنَفسُ جازِعَةٌ وَلَستُ أَلومُها / فَالبَحرُ أَعظَمُ ما يُخافُ وَيُتَّقى
فَلَقَد شَهِدتُ بِهِ حَكيماً عاقِلاً / وَلَقَد رَأَيتُ بِهِ جَهولاً أَخرَقا
مُستَوفِزٌ ما شاءَ أَن يَلهو بِنا / مُتَرفِّقٌ ما شاءَ أَن يَتَرَفَّقا
تَتَنازَعُ الأَمواجُ فيهِ بَعضَها / بَعضاً عَلى جَهلٍ تُنازِعُنا البَقا
بَينا يَراها الطَرفُ سوراً قائِماً / فَإِذا بِها حالَت فَصارَت خَندَقا
وَالفُلكُ جارِيَةٌ تَشُقُّ عُبابَهُ / شَقّاً كَما تَفري رِداءً أَخلَقا
تَعلو فَنَحسَبُحا تَأُمُّ بِنا السَما / وَتَظَنُّ أَنّا راكِبونَ مُحَلَّقا
حَتّى إِذا هَبَطَت بِنا في لُجَّةٍ / أَيقَنتُ أَنَّ المَوتَ فينا أَحدَقا
وَالأُفقُ قَد غَطّى الَبابُ أَديمَهُ / فَكَأَنَّما غَشِيَ المِدادَ امُهرَقا
لا الشَمسُ تَسطُعُ في الصَباحِ وَلا نَرى / إِمّا اِستَطالَ اللَيلَ بَدراً مُشرِقا
عِشرونَ يَوماً أَو تَزيدُ قَضَيتُها / كَيفَ اِتَفَتُّ رَأَيتُ ماءً مُغدِقا
نيويوركُ يا بِنتَ البُخارِ بِنا اِقصُدي / فَلَعَلَّنا بِالغَربِ نَنسى المَشرِقا
وَطَنٌ أَرَدناهُ عَلى حُبِّ العُلى / فَأَبى سِوى أَن يَستَكينَ إِلى الشَقا
كَالعَبدِ يَخشى بَعدَ ما أَفنى الصِبى / يَلهو بِهِ ساداتُهُ أَن يُعتَقا
أَو كُلَّما جاءَ الزَمانُ بِمُصلِحٍ / في أَهلِهِ قالوا طَغى وَتَزَندَقا
فَكَأَنَّما لَم يَكفِهِ ما قَد جَنوا / وَكَأَنَّما لَم يَكفِهِم أَن أَخفَقا
هَذا جَزاءُ الجُمودِ ذَوي النُهى في أُمَّةٍ / أَخَذَ الجُمودُ عَلى بَنيها مَوثِقا
وَطَنٌ يَضيقُ الحُرُّ ذَرعاً عِندَهُ / وَتَراهُ بِالأَحرارِ ذَرعاً أَضيَقا
ما إِن رَأَيتُ بِهِ أَديباً موسَراً / فيما رَأَيتُ وَلا جَهولاً مُملِقا
مَشَتِ الجَهالَةُ فيهِ تَسحَبُ ذَيلَها / تيهاً وَراحَ العِلمُ يَمشي مُطرِقا
أَمسى وَأَمسى أَهلُهُ في حالَةٍ / لَو أَنَّها تَعرو الجَمادَ لَأَشفَقا
شَعبٌ كَما شاءَ التَخاذُلُ وَالهَوى / مُتَفَرِّقٌ وَيَكادُ أَن يَتَمَزَّقا
لا يَرتَضي دينَ الإِلَهُ مُوَفَّقاً / بَينَ القُلوبِ وَيَرتَضيهِ مُفَرَّقا
كَلِفٌ بِأَصحابِ التَعَبُّدِ وَالتُقى / وَالشَرُّ ما بَينَ التَعَبُّدِ وَالتُقى
مُستَضعَفٌ إِن لَم يُصَب مُتَمَلِّقا / يَوماً تَمَلَّقَ أَن يَرى مُتَمَلِّقا
لَم يَعتَقِد بِالعِلمِ وَهوَ حَقائِقٌ / لَكِنَّهُ اِعتَقَدَ التَمائِمَ وَالرُقى
وَلَرُبَّما كَرِهَ الجُمودَ وَإِنَّما / صَعبٌ عَلى الإِنسانِ أَن يَتَخَلَّقا
وَحُكومَةٌ ما إِن تُزَحزِحُ أَحمَقاً / عَن رَأسِها حَتّى تُوَلِّيَ أَحمَقا
راحَت تُناصِبُنا العِداءَ كَأَنَّما / جِئنا فَرِيّاً أَو رَكِبنا موبِقا
وَأَبَتَ سِوى إِرهاقِنا فَكَأَنَّما / كُلُّ العَدالَةِ عِندَها أَن نُرهَقا
بَينا الأَجانِبُ يَعبَزونَ بِها كَما / عَبِثَ الصَبا سَحَراً بِأَغصانِ النَقا
بَغدادُ في خَطَرٍ وَمِصرُ رَهينَةٌ / وَغَداً تَنالُ يَدُ المَطامِعِ جِلَّقا
ضَعُفَت قَوائِمُها وَلَمّا تَرعَوي / عَن غَيِّها حَتّى تَزولَ وَتُمحَقا
قيلَ اِعشَقوها قُلتُ لَم يَبقَ لَنا / مَعَها قُلوبٌ كَي نُحِبَّ وَنَعشَقا
إِن لَم تَكُن ذاتُ البَنينِ شَفيقَةً / هَيهاتَ تَلقى مِن بَنيها مُشفِقا
أَصبَحتُ حَيثُ النَفسُ لا تَخشى أَذىً / أَبَداً وَحَيثُ الفِكرُ يَغدو مُطلَقا
نَفسي اِخلُدي وَدَعي الحَنينَ فَإِنَّما / جَهلٌ بُعَيدَ اليَومِ أَن تَتَشَوَّقا
هَذي هِيَ الدُنيا الجَديدَةُ فَاِنظُري / فيها ضِياءَ العِلمِ كَيفَ تَأَلَّقا
إِنّي ضَمِنتُ لَكِ الحَياةَ شَهِيَّةً / في أَهلِها وَالعَيشَ أَزهَرَ مونِقا
عَجَباً لِمَن أَمسى وَكُلُّ فَخارِهِ
عَجَباً لِمَن أَمسى وَكُلُّ فَخارِهِ / بِنُضارِهِ المَخبوءِ في الصُندوقِ
ماذا يَقولُ إِذا اللُصوصُ مَضوا بِهِ / وَأَقامَ بَعدَ نُضارِهِ المَسروقِ
إِن يَرفَعِ المالُ الكَريمَ فَإِنَّهُ / لِلنَذلِ مِثلُ الحَبلِ لِلمَشنوقِ
لَمّا صَديقي صارَ مِن أَهلِ الغِنى / أَيقَنتُ أَنّي قَد أَضَعتُ صَديقي
لا تَقلَقي يَومَ النَوى أَو فَاِقلَقي
لا تَقلَقي يَومَ النَوى أَو فَاِقلَقي / يا نَفسُ كُلُّ تَجَمُّعٍ لِتَفَرُّقِ
اللَهُ قَدَّرَ أَن تَمُسَّ يَدُ الأَسى / أَرواحَنا كَيما تَرِقَّ وَتَرتَقي
أَوفى عَلى الشُهبِ الدُجى فَتَأَلَّقَت / لَولا اِعتِكارُ اللَيلِ لَم تَتَأَلَّقِ
وَالفَحمُ لَيسَ يُضيءُ إِن لَم يَضطَرِم / وَالنَدُّ لَيسَ يَضوعُ إِن لَم يُحرَقِ
لا أَضرِبُ الأَمثالَ مَدحاً لِلنَوى / لَيتَ الفِراقَ وَيَومُهُ لَم يُخلَقِ
ما في الوَداعِ سِوى تَلَعثُمِ أَلسُنٍ / وَذُهولِ أَرواحٍ وَهَمٍّ مُطبِقِ
عَنَّفتُ قَلبِيَ حينَ طالَ خُفوقُهُ / فَأَجابَ بَل لُمني إِذا لَم أَخفُقِ
أَنا طائِرٌ قَد كانَ يَمرَحُ في الرُبى / وَعَلى ضِفافِ الجَدوَلِ المُتَرَقرِقِ
فَطَوى الفَضاءُ مُروجَهُ وَفَضائَهُ / لِيَزُجَّ في قَفَصِ الحَديدِ الضَيِّقِ
لا بَل أَنا مَلِكٌ صَحَوتُ فَلَم أَجِد / عَرشي وَلا تاجي وَإِستَبرَقي
هانَت مَعاذيري وَضاعَت حِكمَتي / لَمّا سَمِعتُ حِكايَةَ القَلبِ الشَقي
لَو تَعدِلُ الدُنيا بِنا لَم يَنتَثِر / شَملٌ نَظَمناهُ وَلَم نَتَفَرَّقِ
لِلَّهِ مُنتِريالِكُم ذاتُ الحِلى / وَمَدينَةُ الطَودِ الأَشَمِّ الأَبلَقِ
كَم وِقفَةٍ لي عِندَ شاطِءِ نَهرِها / لا أَستَقي مِنهُ وَروحِيَ تَستَقي
مُتَعَلِّماً مِنهُ التَواضُعَ وَالنَدى / وَالصَفحَ عَن عَبَثِ الجَهولِ الأَحمَقِ
أَعطى الحُقولَ حَياتَها وَمَضى كَأَن / لَم يُعطِها شَيئاً وَلَم يَتَصَدَّقِ
مَن كانَ لا يَدري فَيَقظَةُ زَرعِها / مِن فَضلِ هَذا الهاجِعِ المُستَغرِقِ
ضَيَّعتُ عِندَ الواعِظينَ سَعادَتي / وَوَجَدتُها في واعِظٍ لَم يَنطُقِ
مِلءُ المَدائِنِ وَالقُرى آلائُهُ / وَهِباتُهُ وَيَعيشُ عَيشَ المُملِقِ
لَولاهُ لَم يَخَضَرَّ قاعٌ مُجدِبٌ / لَولاكُمُ شَجَرُ المُنى لَم يورِقِ
عَرَضَت مَحاسِنَها الحَياةُ عَلَيكُمُ / فَأَخَذتُمُ بِأَحَبِّها وَالأَليَقِ
أَنا مِنكُمُ في رَوضَةٍ مِعطارَةٍ / مِن مونِقٍ فيها اللِحاظُ لِمونِقِ
العِطرُ يَعبُقُ من جَميعِ وُرودِها / ما أَن مَرَرتَ بِزَهرَةٍ لَم تَعبُقِ
لِلَّهِ مُنتِريالِكُم وَجَلالَها / هِيَ رومَةُ الصُغرى وَضِرَّةُ جُلَّقِ
رَقَّت عَلَيَّ نُجومُها وَتَواضَعَت / حَتّى لَكِدتُ أَحُسُّها في مَفرِقي
فَكَأَنَّما هِيَ أَنتُم وَكَأَنَّما / أَرواحُكُم مِن نورِها المُتَدَفِّقِ
رَجَعَ الشَبابُ إِلَيَّ حينَ هَبَطتُها / وَاليَومَ أَخرُجُ مِن شَبابي الريقِ
سَأَطيرُ عَنها في غَدٍ بِحَشاشَةٍ / مَكلومَةٍ وَبِناظِرٍ مُغرَورِقِ
وَيَغيبُ عَنّي طَودُها وَقِبابُها / وَقُصورُها خَلفَ الفَضاءِ الأَزرَقِ
وَتَظَلُّ صورَتُها تَلوحُ لِخاطِري / بَعضُ الرُأى سَلوى وَإِن تَصدُقِ
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ / هِيَ مَطمَعُ الدُنيا كَما هِيَ مَطمَعي
فَاِقصُص عَلَيَّ إِذا عَرَفتَ حَديثَها / وَاسكُن إِذا حَدَّثتَ عَنها وَاِخشَعِ
أَلَمَحتَها في صورَةٍ أَشهِدتَها / في حالَةٍ أَرَأَيتَها في مَوضِعِ
إِنّي لَذو نَفسٍ تَهيمُ وَإِنَّها / لَجَميلَةٌ فَوقَ الجَمالِ الأَبدَعِ
وَيَزيدُ في شَوقي إِلَيها أَنَّها / كَالصَوتِ لَم يُسفِر وَلَم يَتَقَنَّعِ
فَتَّشتُ جَيبَ الفَجرِ عَنها وَالدُجى / وَمَدَدتُ حَتّى لِلكَواكِبِ إِصبَعي
فَإِذا هُما مُتَحَيِّرانِ كِلاهُما / في عاشِقٍ مُتَحَيِّرٍ مُتَضَعضِعِ
وَإِذا النُجومُ لِعِلمِها أَو جَهلِها / مُتَرَجرِجاتٌ في الفَضاءِ الأَوسَعِ
رَقَصَت أَشِعَّتُها عَلى سَطحِ الدُجى / وَعَلى رَجاءٍ فِيَّ غَيرَ مُشَعشَعِ
وَالبَحرُ كَم ساءَلَتهُ فَتَضاحَكَت / أَمواجُهُ مِن صَوتِيَ المُتَقَطِّعِ
فَرَجَعتُ مُرتَعِشَ الخَواطِرِ وَالمُنى / كَحَمامَةٍ مَحمولَةٍ في زَعزَعِ
وَكَأَنَّ أَشباحَ الدُهورِ تَأَلَّبَت / في الشَطِّ تَضحَكُ كُلُّها مِن مَرجَعِ
وَلَكَم دَخَلتُ إِلى القُصورِ مُفَتِّشاً / عَنها وَعُجتُ بِدارِساتِ الأَربَعِ
إِن لاحَ طَيفٌ قُلتُ يا عَينُ انظُري / أَو رَنَّ صَوتٌ قُلتُ يا أُذنُ اسمَعي
فَإِذا الَّذي في القَصرِ مِثلي حائِرٌ / وَإِذا الَّذي في القَفرِ مِثلي لا يَعي
قالوا تَوَرَّع إِنَّها مَحجوبَةٌ / إِلّا عَنِ المُتَزَهِّدِ المُتَوَرِّعِ
فَوَأَدتُ أَفراحي وَطَلَّقتُ المُنى / وَنَسَختُ آياتِ الهَوى مِن أَضلُعي
وَحَطَمْتُ أَقداحي وَلَمّا أَرتَوِ / وَعَفَفتُ عَن زادي وَلَمّا أَشبَعِ
وَحَسَبتُني أَدنو إِلَيها مُسرِعاً / فَوَجَدتُ أَنّي قَد دَنَوتُ لِمَصرَعي
ما كانَ أَجهَلَ نُصَّحي وَأَضَلَّني / لَمّا أَطَعتُهُم وَلَم أَتَمَنَّعِ
إِنّي صَرَفتُ عَنِ الطَماعَةِ وَالهَوى / قَلبي وَلا ظُفرٌ لِمَن لَم يَطمَعِ
فَكَأَنَّني البُستانُ جَرَّدَ نَفسَهُ / مِن زَهرِهِ المُتَنَوِّعِ المُتَضَوِّعِ
لِيُحِسَّ نورَ الشَمسِ في ذَرّاتِهِ / وَيُقابِلُ النَسَماتِ غَيرَ مَقَّنَّعِ
فَمَشى عَلَيهِ مِنَ الخَريفِ سُرادِقٌ / كَاللَيلِ خَيَّمَ في المَكانِ البَلقَعِ
وَكَأَنَّني العُصفورُ عَرّى جِسمُهُ / مِن ريشِهِ المُتَناسِقِ المُتَلَمِّعِ
لِيَخِفَّ مَحمَلُهُ فَخَرَّ إِلى الثَرى / وَسَطا عَلَيهِ النَملُ غَيرَ مُرَوِّعِ
وَهَجَعتُ أَحسَبُ أَنَّها بِنتَ الرُؤى / فَصَحَوتُ أَسخَرُ بِالنِيامِ الهُجَّعِ
لَيسَت حُبوراً كُلُّها دُنيا الكَرى / كَم مُؤلِمٍ فيها بِجانِبِ مَفزَعِ
تَخفي أَمانِيَّ الفَتى كَهُمومِهِ / عَنهُ وَتَحجُبُ ذاتَهُ في بَرقَعِ
وَلَرُبَّما اِلتَبَسَت حَوادِثُ يَومِهِ / بِالغابِرِ الماضي وَبِالمُتَقَّعِ
يا حَبَّذا شَطَطَ الخَيالِ وَإِنَّما / تُمحى مَشاهِدُهُ كَأَن لَم تُطبَعِ
لَمّا حَلِمتُ بِها حَلِمتُ بِزَهرَةٍ / لا تُجتَنى وَبِنَجمَةٍ لَم تَلُعِ
ثُمَّ اِنتَبَهتُ فَلَم أَجِد في مَخدَعي / إِلّا ضَلالي وَالفِراشُ وَمَخدَعي
مَن كانَ يَشرَبُ مِن جَداوِلِ وَهمِهِ / قَطَعَ الحَياةَ بِغَلَّةٍ لَم تُنقَعِ
ذَهَبَ الرَبيعُ فَلَم تَكُن في الجَدوَلِ ال / شادي وَلا الرَوضِ الأَغَنِّ المُمرَعِ
وَأَتى الشِتاءُ فَلَم تَكُن في غَيمِهِ / الباكي وَلا في رَعدِهِ المُتَفَجِّعِ
وَلَمَحتُ وامِضَةَ البُروقِ فَخِلتُها / فيها فَلَم تَكُ في البُروقِ اللُمَّعِ
صَفَرَت يَدي مِنها وَبي طَيشُ الفَتى / وَأَضَلَّني عَنها ذَكاءُ الأَلمَعي
حَتّى إِذا نَشَرَ القُنوطُ ضَبابُهُ / فَوقي فَغَيَّبَني وَغَيَّبَ مَوضِعي
وَتَقَطَّعَت أَمراسُ آمالي بِها / وَهيَ الَّتي مِن قَبلُ لَم تَتَقَطَّعِ
عَصَرَ الأَسى روحي فَسالَت أَدمُعاً / فَلَمَحتُها وَلَمَستُها في أَدمُعي
وَعَلِمتُ حينَ العِلمُ لا يُجدي الفَتى / أَنَّ الَّتي ضَيَّعتُها كانَت مَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي / فَتَجَلَّدي لِفُراقِهِ أَو فَاِجزُعي
هَذي النِهايَةُ لا نِهايَةُ غَيَها / لِلحَيِّ إِن يُسرِع وَإِن لَم يُسرِعِ
لِلمَوتِ مَن مَلَكَ لبَسيطَةَ كُلُّها / أَو هازَ مِن دُنياهُ بِضعَةَ أَذرُعِ
فَاِزرَع طَريقَكَ بِالورودِ وَبِالسَنا / لا يَحصُدُ الإِنسانُ إِن لَم يَزرُعِ
وَاِعمَل لِكَي تَمضي وَتَبقى رِقَّةً / في مَبسَمٍ أَو نَغمَةً في مَسمَعِ
أَو صورَةً مِثلَ الرَبيعِ جَميلَةً / في خاطِرٍ أَو ناظِرٍ مُستَمتِعِ
يا صَحبَ يَعقوبٍ وَيا عَشرائُهُ / مَن مِنكُمو أَبكي وَلا يَبكِيَ مَعي
إِنّا تَساوَينا فَبَينَ ضُلوعِكُم / نارٌ وَمِثلُ سَعيرِها في أَضلُعي
لُبنانُ هَذا مِن رِياضِكَ زَهرَةٌ / ذَهَبَت كَأَن في الأَرضِ لَم تَتَضَوَّعِ
لُبنانُ هَذا مِن سَمائِكَ كَوكَبٌ / غَرَّبَتهُ حَتّى اِنطَوى في بَلقَعِ
لُبنانُ هَذا مِن مُروجِكَ قِطعَةٌ / فيهِ بَشاشَةُ كُلِّ مَرجٍ مُمرَعِ
قُل لِلبَنَفسجِفي سُفوحِكَ وَالرُبى / وَلّى شَبيهُكَ في الوَداعَةِ فَاِخشَعِ
وَأمُر طُيورَكَ أَن تَنوحَ عَلى فَتى / قَد كانَ يَهواها وَإِن لَم تَسجَعِ
قَد عاشَ مِثلَكَ لِلمُروأَةِ وَالعُلى / مُتَعَفِّفاً كَالزاهِدِ المُتَوَرِّعِ
مُتَرَفِّعاً في قَولِهِ وَفِعالِهِ / عَمَّن غَوى وَهَوى وَلَم يَتَرَفَّعِ
كَمحَرَّضَتهُ النَفسُ في نَزَواتِها / لِيَكونَ صاحِبَ حيلَةٍ أَو مَطمَعِ
فَأَجابَها يا نَفسُ لا تَتَوَرَّطي / صَدءَ النُفوسِ هِيَ المَطامِعُ فَاِقنُعِ
لَيسَ المُحارِبُ في الوَغى بِأَشَدَّ بَأ / ساً مِن مُحارِبِ نَفسِهِ أَو أَشجَعِ
يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ فَاِسَرِح / وَأَطَلتَ يا يَعقوبُ سُهدَكَ فَاِهجَعِ
حَدَّثت قَومَكَ حُقبَةً فَتَسَمَّعوا / وَالآنَ دَورُ حَديثِهِم فَتَسَمَّعِ
هَجَروا الكَلامَ إِلى الدُموعِ لِأَنَّهُمُ / وَجَدوا البَلاغَةَ كُلَّها في الأَدمُعِ
كَيفَ اِلتَفَتُّ وَسِرتُ لا أَلقى سِوى / مُتَوَجِّعٍ يَشكو إِلى مُتَوَجِّعِ
حَتّى الأُلى نَفَثوا عَلَيكَ سُمومَهُم / حَزَّ الأَسى أَكبادَهُم كَالمِبضَعِ
عَرَفوا مَكانَكَ بَعدَ ما فارَقتُهُم / يا لَيتَهُم عَرَفوهُ قَبلَ المَصرَعِ
وَلَكَم تَمَنَّوا لَو تَعودَ إِلَيهُمُ / أَنتَ الشَبابُ إِذا مَضى لَم يَرجِعِ
حَنّوا إِلى أَرَجِ الأَزاهِرِ بَعدَما / عَبَثَت بِها أَيدي الرِياحِ الأَربَعِ
وَاِستَعذَبوا الماءَ المُسَلسَلَ بَعدَما / نَضَبَ الغَديرُ وَجَفَّ ماءُ المَشرَعِ
يا لَوعَةَ الأَحبابِ حينَ تَساءَلوا / عَنهُ وَعادوا بِالجَوابِ الموجِعِ
إِنَّ الَّذي قَد كانَ مَعكُم قَد مَضى / مِن مَوضِعٍ أَدنى لِأَرفَعِ مَوضِعِ
مِن عالَمٍ مُتَكَلِّفٍ مُتَصَنِعٍ / تَشقى نُفوسٌ فيهِ لَم تَتَصَنَّعِ
لِلعالَمِ الأَسمى الطُهورُ وَمِن مُجا / وَرَةِ الأَنامِ إِلى جِوارِ المُبدِعِ
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها / تَسري إِلى قَلبِ الجَبانِ فَيَشجُعُ
يَطفو الحَبابُ عَلى أَديمِ كُؤوسِها / فَكَأَنَّ تِبراً بِاللُجَينِ يَرَصَّعُ
وَكَأَنَّما تِلكَ الكُؤوسُ نَواظِرٌ / تَبكي وَهاتيكَ الفَواقِعُ أَدمُعُ
مَشمولَةٌ تُغري بِضُفرَتِها البَخيـ / ـلَ بِها فَيَطمَعُ بِالنُضّارِ وَتَطمَعُ
شَمطاءَ إِلّا أَنَّها مَحجوبَةٌ / عَذراءُ إِلّا أَنَّها لا تُمنَعُ
ما زِلتُ أَسقيها إِلى أَن أَخضَعَت / مِنها فُؤاداً لِلهَوى لا يَخضَعُ
فَعَلَت بِها مِثلُ الَّذي فَعَلَت بِنا / أَلحاظُها إِنَّ اللِحظَ لَتَصرَعُ
لَمّا اِنتَشَت وَمَضى الخَفاءُ لِشَأنِهِ / باحَت إِلَيَّ بِما تُكِنُّ الأَضلُعُ
بَرحَ الحَياءُ وَأَعلَنَت أَسرارَها / إِنَّ الحَياةَ لِكُلِّ خَودٍ بُرقُعُ
فَعَلِمتُ أَنّي قَد خُدِعتُ بِحُبِّها / زَمَناً وَكُنتُ أَظُنُّني لا أُخدَعُ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَ أَن أَسكَرتُها / أَنَّ الفُؤادَ بِحُبِّ غَيرِيَ مولَعُ
فَتَرَكتُها نَشوى تُغالِبُ أَمرَها / وَالأَمرُ بَعدَ وُقوعِهِ لا يُدفَعُ
وَرَجَعتُ عَنها واثِقاً مِن أَنَّ ما / قَد كانَ مِن حُبّي لَها لا يَرجَعُ
لَبَكَيتُ لَو أَنَّ البُكاءَ أَفادَني / وَنَدِمتُ لَو أَنَّ النَدامَةَ تَنفَعُ
لَم يَبقَ ما يُسليكَ غَيرُ الكاسِ
لَم يَبقَ ما يُسليكَ غَيرُ الكاسِ / فَاِشرَب وَدَع لِلناسِ ما لِلناسِ
ذَهَبَ الشَبابُ عَلى الشُجون تَبُثُّها / لِأَخٍ مُؤاسٍ أَو لِغَيرِ مُؤاسِ
وَعَلى الحَياةِ تَحارُ في أَطوارِها / وَتَحارُ في تَعليلِ كُلِّ نَطاسي
ثُمَّ اِستَفَقتَ وَلَيسَ في رَوضِ المُنى / إِلّا الضَبابُ وَغَيرُ شَوكِ الياسِ
وَجِراحُ نَفسٍ يَنظُرُ الآسي لَها / فَيَعودُ مُحتاجاً لِئاخَرَ آسِ
الحِسُّ مَجلَبَةُ الكَآبَةِ وَالأَسى / قُم نَنطَلِق مِن عالَمِ
وَأَرى السَعادَةَ لا وُصولَ لِعَرشِها / إِلّا بِأَجنِحَةٍ مِنَ الوَسواسِ
فَكَأَنَّما هِيَ صورَةٌ زَيتِيَّةٌ / لِلشَطِّ فيهِ مَراكِبٌ وَمَراسي
تَبدو لِعَينَيكَ السَفائِنُ عُوَّماً / وَتَكادُ تَسمَعُ رَعشَةَ الأَمراسِ
لَكِن إِذا أَدنَيتَها وَلَمَستَها / لَم تَلقَ غَيرَ الصِبغِ وَالقِرطاسِ
دُنيا مُزَيَّفَةٌ وَدَهرٌ ماذِقٌ / ما في اِنفِلاتِكَ مِنهُما مِن باسِ
إِنَّ اللَذاذاتِ الَّتي ضَيَّعتَها / رَجِعَت إِلَيكَ عُصارَةً في الكاسِ
فَاِصبِغ رُؤاكَ بِها تَعُد ذَهَبِيَّةً / عطِريَّةَ الأَلوانِ وَالأَنفاسِ
وَاِخلِق لِنَفسِكَ بِالمُدامَةِ جَنَّةً / في الأَربُعِ المَهجورَةِ الأَدراسِ
الحُبُّ فيها بُلبُلٌ وَخَميلَةٌ / وَنَدىً وَأَضواءٌ عَلى الأَغراسِ
لِلقَصرِ يَخلُقُهُ خَيالَكَ رَوعَةٌ / كَالقَصرِ مِن جُدُرٍ وَمِن آسِ
يا أَيُّها الساقي أَدِر كاساتِها / كَمَشاعِلِ الرُهبانِ في الأَغلاسِ
وَاِنسَ الهُمومَ فَلَيسَ يَسعُدُ ذاكِرٌ / وَاِسقِ النُجومَ فَإِنَّها جُلّاسي
وَاِصرَع بِها عَقلَ النَديمِ وَلُبَّهُ / ما نَغَّصَ الحاسي كَعَقلِ الحاسي
وَاِهجُر أَحاديثَ السِياسَةِ وَالأُلى / يَتَعَلَّقونَ بِحَبلِ كُلِّ سِياسي
إِنّي نَبَذتُ ثِمارَها مُذ ذُقتُها / وَوَجَدتُ طَعمَ الغَدرِ في أَدراسِ
وَغَسَلتُ مِنها راحَتي فَغَسَلتُها / مِن سائِرِ الأَوضارِ وَالأَدناسِ
وَتَرَكتُها لِاِثنَينِ غُرٍّ ساذَجٍ / وَمُشَعوِذٍ كَذُبذُبٍ دَسّاسِ
يَرضى لِمَوطِنِهِ يَصيرُ مُواطِناً / وَتَصيرُ أُمَّتُهُ إِلى أَجناسِ
وَيَبيعُها بِدَراهِمَ مَعدودَةٍ / وَلَوَ اِنَّها جاءَت مِنَ الخَنّاسِ
ما لِلمُنافِقِ مِن ضَميرٍ رادِعٍ / أَيُّ الضَميرِ لِحَيَّةِ الأَجراسِ
وَلَرُبَّ قائِلَةٍ تُعاتُبُني عَلى / صَمتي وَبَعضُ القَولِ حَزُّ مَواسي
إِثنانِ ما لاقَيتُ أَقسى مِنهُما / صَمتُ الدُجى وَالشاعِرِ الحَسّاسِ
فَأَجَبتُها أَقسى وَأَهوَلُ مِنهُما / في مَسمَعي هَذا العِتابِ القَسي
لَم تَعلَمي وَالخَيرُ أَن لا تَعلَمي / كَم في السُكوتِ فَواجِعاً وَمَآسي
قالَت أَظُنُّكَ قَد نَسيتَ فَقُلتُ لا / ما كُنتُ بِالناسي وَلا المُتَناسي
لَكِنَّ جُرحاً كُلَّما عالَجتَهُ / غَمَرَ القُنوطَ جَوارِحي وَحَواسي
وَلَوَ اِنَّهُ في الرَأسِ كُنتُ ضَمَدتُهُ / لَكِنَّهُ في القَلبِ لا في الراسِ
إِنَّ الأُلى قَد كُنتُ أَرمي دونَهُم / غَلّوا يَدَيَّ وَحَطَّموا أَقواسي
وَاِستَبدَلوا سَيفي الجِرازَ بِأَسيُفٍ / خُشبٍ وَباعوا عَسجَدي بِنُحاسِ
وَالطَلُّ غَيرِ الماسِ إِلّا أَنَّهُم / خُدِعوا بِرَقرَقَةَ النَدى عَن ماسي
وَإِذا حَسِبتَ الرَوضَ تُغَنّي صورَةٌ / عَنهُ فَذَلِكَ مُنتَهى الإِفلاسِ
أَسَدُ الرُخامِ وَإِن حَكى في شَكلِهِ / شَكلَ الغَضَنفَرِ لَيسَ بِالفَرّاسِ
قَد كانَ لي حُلُمٌ جَميلٌ مونِقٌ / فَأَضَعتُهُ لَمّا أَضَعتُ نُعاسي
فَكَّرتُ في ما نَحنُ فيهِ كَأُمَّةٍ / وَضَرَبتُ أَخماسي إِلى أَسداسي
فَرَجَعتُ أَخيَبَ ما يَكونُ مُؤَمِّلٌ / راجٍ وَأَخسَرَ ما يَكونُ الخاسي
نَرجو الخَلاصَ بِغاشِمٍ مِن غاشِمٍ / لا يُنقَذُ النَخّاسَ مِن نَخّاسِ
وَنَقيسُ ما بَينَ الثُرَيّا وَالثَرى / وَأُمورُنا تَجري بِغَيرِ قِياسِ
نَغشى بِلادَ الناسِ في طَلَبِ العُلى / وَبِلادَنا مَتروكَةٌ لِلناسِ
نَكادُ نَفتَرِشُ الثَرى وَبِأَرضِنا / لِلأَجنَبِيِّ مَوائِدٌ وَكَراسي
وَنَلومُ هاجِرَها عَلى نِسيانِهِ / وَاللائِمِ الناسينَ أَوَّلُ ناسي
وَنَبيتُ نَفخَر بِالصَوارِمِ وَالقَنا / وَرِقابُنا مَمدودَةٌ لِلفاسِ
كَم صَيحَةٍ لِلدَهرِ في آذانِنا / مَرَّت كَما مَرَّت عَلى أَرماسِ
تُفنيكَ أَوجُهُهُم وَحُسنُ خَلاقِهِم / عَن كُلِّ وَردٍ في الرِياضِ وَآسِ
أَنا بَينَهُم أَسَدٌ وَجَدتُ عَرينَتي / أَنا بَينَهُم ظَبيٌ وَجَدتُ كِناسي
وَطَني أَحَبُّ إِلَيَّ مِن كُلِّ الدُنى / وَأَعَزُّ ناسٍ في البَرِيَّةِ ناسي
فَلتَحيَ سورِيّا الَّتي نَحيا لَها / وَليَحيى لُبنانُ الأَشَمِّ الراسِ
لَو أَستَطيعُ سَكَبتُ رو
لَو أَستَطيعُ سَكَبتُ رو / حي خَمرَةً في كاسِها
حَتّى إِذا حالَ النَوى / بَيني وَبَينَ كِناسِها
وَتَجاهَلَت أَو أَنكَرَت / أَمي لَدى جُلّاسِها
أَطَللتُ مِن أَجفانِها / وَجَرَيتُ مَع أَنفاسِها
لا تَنثَني في الرَوضِ أَغصانُ الشَجَر
لا تَنثَني في الرَوضِ أَغصانُ الشَجَر / حَتّى تُدَغدِغُها النَسائِمُ في السَحَر
وَأَنا كَذَلِكَ لا يُفارِقُني الضَجَر / حَتّى تُداعِبَ لِمَّتي بِيَدَيها
الشَمسُ تُلقي في الصَباحِ حِبالَها / وَتَبيتُ تَنظُرُ في الغَديرِ خَيالَها
أَمّا أَنا فَإِذا وَقَفتُ حِيالَها / أَبصَرتُ نورَ الشَمسِ في خَدَّيها
الطَودُ يَقرَءُ في السَماءِ الصافِيَه / سَفراً جَميلٌ مَتنُهُ وَالحاشِيَه
أَمّا أَنا فَإِذا فَقَدتُ كِتابِيَه / أَتلو كِتابَ الحُبِّ في عَينَيها
الطَيرُ إِن عَطِشَت وَلَجَّ بِها الظَما / هَبَطَت إِلى الأَنهارِ مِن عَلوِ السَما
أَمّا أَنا فَإِذا ظَمِئتُ فَإِنَّما / ظَمَأي الشَديدُ إِلى لَمى شَفَتَيها
النَدُّ يَطلُبُهُ الخَلائِقُ في الرُبى / بَينَ الوُرودِ وَفي نُسَيماتِ الصَبا
أَمّا أَنا فَأَلَذُّ مِن نَشرِ الكَبا / عِندي الَّذي قَد فاحَ مِن نَهدَيها
الراحُ تَصرُفُ ذا العَناءِ عَنِ العَنا / وَتَطيرُ بِالصُعلوكِ في جَوِّ المُنى
فَيَرى الكَواكِبَ تَحتَهُ أَمّا أَنا / فَتَظَلُّ أَفكاري تَحومُ عَلَيها
فيها وَمِنها ذِلَّتي وَسَقامي / وَبِها غَرامي القاتِلي وَهُيامي
أَشتاقُها في يَقظَتي وَمَنامي / وَأَطوَلَ شَوقِ المُستَهامِ إِلَيها
كَم تَستَثيرُ بِيَ الصَبابَة وَالهَوى
كَم تَستَثيرُ بِيَ الصَبابَة وَالهَوى / عَنّي إِلَيكَ فَإِنَّ قَلبي مِن حَجَر
مالي وَلِلحَسناءِ أُغري مُهجَتي / بِوِصالِها وَالشَيبُ قَد وَخَطَ الشَعَر
كَم بَِلجَزيرَةِ لَو يُتاحُ لِيَ الهَوى / مِن غادَةٍ تَحكي بِطُلعَتِها القَمَر
وَلَكَم بِها مِن جَدوَلٍ وَحَديقَةٍ / مِن صَنعَةِ الرَحمَنِ لا صُنعِ البَشَر
فيها اللَواتي إِن رَمَت أَلحاظَها / شَلَّت يَدَ الرامي وَقَطَّعَتِ الوَتَر
قَد كانَ لي في كُلِّ خَودٍ مَطمَعٌ / وَلِكُلِّ رائِعَةِ المَحاسِنِ بي وَتَر
أَيّامُ شِعري كَالدُجى مُحلَولِكٌ / أَيّامُ عَيشي لا يُخالِطُهُ كَدَر
ذَرني وَأَشجاني وَجِسمي وَالضَنى / وَيَدي وَأَقلامي وَطَرفي وَالسَهَر
أَأَبيتُ أَلهو وَالهُمومُ تُحيطُ بي / وَأَنامُ عَن قَومي وَقَومي في خَطَر
صَوتُ المُصَفِّقِ مَوعِدٌ ما بَينَنا / ماذا أَقولُ لَهُم إِذا الديكُ اِستَحَر
نَسِيَ الكَنارُ نَشيدُهُ
نَسِيَ الكَنارُ نَشيدُهُ / فَتَعالَ كَي نَنسى الكَنار
وَليَقذِفَنَّ بِهِ المَلالُ / مِنَ القُصورِ إِلى القِفار
وَلتَرمِيَنَّ بِريشِهِ / لِلأَرضِ عاصِفَةُ النِفار
وَلنَستَعِض عَنهُ بِطَيرٍ / مِن لُجَينٍ أَي نُضار
لا لا فَإِن سَكَتَ الكَنا / رُ فَلَم يَزَل ذاكَ الكَنار
أَو كانَ فارَقَهُ الصُدا / حُ فَلَم يُفارِقهُ الوَقار
صَمتُ الكَنارِ وَإِن قَسا / خَيرٌ مِنَ النَغَمِ المُعار
صَبراً فَسَوفَ يَعودُ لِلـ / ـتَغريدِ إِن عادَ النَهار
أَنا لَستُ في دُنيا الخَيال وَلا الكَرى
أَنا لَستُ في دُنيا الخَيال وَلا الكَرى / وَكَأَنَّني فيها لِرَوعَةِ ما أَرى
يا قَومُ هَل هَذي حَقائِقُ أَم رُأىً / وَأَنا أَصاحٍ أَم شَرِبتُ مُخَدِّرا
لا تَعجَبوا مِن دَهشَتي وَتَحَيُّري / وَتَعَجَّبوا إِن لَم أَكُن مُتَحَيِّرا
كَيفَ اِلتَفَتُّ رَأَيتُ آيَةَ شاعِرٍ / لَبِقٍ تَعَمَّدَ أَن يُجيدَ لِيُبهِرا
مَسَحَت بِإِصبَعِها الحَياةُ جُفونَهُ / فَرأى المَحاسِنَ فَاِنتَقى وَتَخَيَّرا
ما لوس أَنجِلوس سِوى أُنشودَةٍ / اللَهُ غَنّاها فَجُنَّ لَها الوَرى
خَلَعَ الزَمانُ شَبابَهُ في أَرضِها / فَهوَ اِشضِرارٌ في السُفوح وَفي الذُرى
أَخَذَت مِنَ المُدُنِ العَواصِمِ مَجدَها / وَجَلالَها وَحَوَت حَلاواتِ القُرى
هِيَ راحَةٌ لِلمُتعَبين وَجَنَّةٌ / لِلعاشِقين وَمَلعَبٌ لِذَوي الثَرا
كَفَّنتُ في نيويوركَ أَحلامَ الصِبا / وَطَوَيتُها وَحَسَبتُها لَن تُنشَرا
لَكِنَّني لَمّا لَمَحتُ زُهورَها / شاهَدتُ أَحلامي تَطُلُّ مِنَ الثَرى
تَتَنَفَّسُ الهَضَباتُ في رَأدِ الضُحى / تِبرا وَفي الآصالِ مِسكاً أَذفَرا
فَالسِحرُ في ضَحِكِ النَدى مُتَرَقرِقاً / كَالسِحرِ في رَقصِ الضِياءِ مُعَطَّرا
قُل لِلأُلى وَصَفوا الجِنان وَأَطنَبوا / لَيسَت جِنانُ الخُلدِ أَعجَبَ مَنظَرا
كُلُّ الفُصولِ هُنا رَبيعٌ ضاحِكٌ / فَإِذا تَرى شَهراً رَأَيتَ الأَشهُرا
إِن كُنتَ تَجهَلُ ما حِكاياتُ الهَوى / فَاِنصُت لِوَشوَشَةَ النَسيمِ إِذا سَرى
وَاِنظُر إِلى الغَبراءِ تُنبِتُ سُندُساً / وَتَأَمَّلِ الغُدرانَ تَجري كَوثَرا
وَاِشرَب بِعَينَيكَ الجَمالَ فَإِنَّهُ / خَمرٌ بِغَيرِ يَدِ الهَوى لَن تُعصَرا
حاوَلتُ وَصفَ جَمالِها فَكَأَنَّني / وَلَدٌ بِأُنمُلِهِ يَحوشُ الأَبحُرا
وَاِستَنجَدَت روحي الخَيالَ فَخانَني / وَكَبا جَوادُ فَصاحَتي وَتَعَثَّرا
أَدرَكتُ تَقصيري وَضَعفِيَ عِندَما / أَبصَرتُ ما صَنَعَ الإِلاه وَصَوَّرا
إِنّي شَهِدتُ الحُسنَ غَيرَ مُزَيَّفٍ / بِئسَ الجَمالُ مُزَيَّفا وَمُزَوَّرا
أَحبَبتُ حَتّى الشَوكَ في صَحرائِها / وَعَشِقتُ حَتّى نَخلَها المُتَكَبِّرا
اللابِسَ الوَرَقَ اليَبيسَ تَنَسُّكاً / وَالمُشمَخِرَّ إِلى السَماءِ تَجَبُّرا
هُوَ آدَمُ الأَشجارِ أَدرَكَهُ الحَيا / لَمّا تَبدّى عُريُهُ فَتَسَتَّرا
إِبنُ الصَحارى قَد تَحَضَّر وَاِرتَقى / يا حُسنَهُ مُبتَدِياً مُتَحَضِّرا
وَبَدَت غِياضُ البُرتُقالِ فَأَشبَهَت / جِلبابَ خَودٍ بِالنُضارِ مُزَرَّرا
مِن فَوقِها اِنتَشَرَ الضِياءُ مَلاءَةً / مِن فَوقِهِ جَوٌّ صَفا وَتَبَلوَرا
وَكَأَنَّما تِلكَ القُصورِ عَلى الرُبى / عَقدٌ لِغانِيَةٍ هَوى وَتَبَعثَّرا
لَمّا تَراءَت مِن بَعيدٍ خِلتُها / سُفُنا وَخِلتُ الأَرضَ بَحراً أَخضَرا
نَفَضَ الصَباحُ سَناهُ في جُدرانِها / وَأَتى الدُجى فَرأى مَناثِرَ لِسَرى
مُتَأَلِّقاتٍ كَاِبتِساماتِ الرِضى / تُنسيكَ رُؤيَتُها الزَمانَ الأَعسَرا
أَنا شاعِرٌ ما لاحَ طَيفُ مَلاحَةٍ / إِلّا وَهَلَّلَ لِلجَمال وَكَبَّرا
وَزَّعتُ نَفسي في النُفوسِ مَحبَّةً / لا شاكِياً أَلَما وَلا مُتَضَجِّرا
وَمَشَيتُ في الدُنيا بقَلبٍ يابِسٍ / حَتّى لَقيتُ أَحِبَّتي فَاِخضَوضَرا
قَد كُنتُ أَحسَبُني كَياناً ضائِعاً / فَإِذا أَنا شَخصٌ يَعيشُ مُكَرَّرا
فَكَأَنَّني ماءُ الغَمامِ إِذا اِنطَوى / في الأَرضِ رَدَّتهُ نَباتاً مُثمِرا
ما أَكرَمَ الأَشجارِ في هَذا الحِمى / فيها لِقاصِدِها البَشاشَة وَالقِرى
تُقري الفَقيرَ عَلى خَصاصَةِ حالِهِ / كَرَماً كَما تُقري الغَنِيَّ الموسَرا
البَذلُ دَيدَنُها سَواءٌ جِئتَها / مُتَقَدِّماً أَم جِئتَها مُتَأَخِّرا
فَكَأَنَّها مِنكُم تَعَلَّمَتِ النَدى / كَيما تُغيثُ الناسَ إِن خَطبٌ عَرا
الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى
الحُسنُ حَولَك في الوِهاد وَفي الذُرى / فَاِنظُر أَلَستَ تَرى الجَمالَ كَما أَرى
أَيلولُ يَمشي في الحُقول وَفي الرُبى / وَالأَرضُ في أَيلولَ أَحسَنُ مَنظَرا
شَهرٌ يُوَزِّعُ في الطَبيعَةِ فَنُّهُ / شَجَراً يُصَفِّقُ أَو سَناً مُتَفَجِّرا
فَالنورُ سِحرٌ دافِق وَالماءُ شِعرٌ / رائِق وَالعِطرُ أَنفاسُ الثَرى
لا تَحسَبِ الأَنهارَ ماءً راقِصاً / هَذي أَغانيهِ اِستَحالَت أَنهُرا
وَاِنظُر إِلى الأَشجارِ تَخلَعُ أَخضَراً / عَنها وَتَلبِسُ أَحمَراً أَو أَصفَرا
تَعرى وَتُكسى في أَوانٍ واحِدٍ / وَالفَنُّ في ما تَرتَديه وَفي العُرا
فَكَأَنَّما نارٌ هُناكَ خَفِيَّةٌ / تَنحَلُّ حينَ تَهُمُّ أَن تُستَشعَرا
وَتَذوبُ أَصباغاً كَأَلوانِ الضُحى / وَتَموجُ أَلحانا وَتَسري عَنبَرا
صُوَر وَأَطيافٌ تَلوحُ خَفيفَةً / وَكَأَنَّها صُوَرٌ نَراها في الكَرى
لِلَّهِ مِن أَيلولَ شَهرٍ ساحِرٍ / سَبَقَ الشُهور وَإِن أَتى مُتَأَخِّرا
مَن ذا يُدَبِّجُ أَو يَحوكُ كَوَشيهِ / أَو مَن يُصَوِّرُ مِثلَما قَد صَوَّرا
لَمَسَت أَصابِعُهُ السَماءَ فَوَجهُها / ضاح وَمَرَّ عَلى التُرابِ فَنَوَّرا
رَدَّ الجَلالَ إِلى الحَياة وَرَدَّني / مِن أَرضِ نيويوركَ إِلى أُمِّ القُرى