المجموع : 36
اشجاك أنك رائح لا ترجع
اشجاك أنك رائح لا ترجع / وهواك والأوطان بعدك بلقع
متلفت ما تبتغي؟ متوجع / ما تشتكي؟ متنصتق ما تسمعُ
تلك الزغاليل التي غادرتَها / جف الندي ومات عنها المرضعُ
لا الريشُ مكتمل ولا أوكارها / خضر ولا السجع البكيُ يُشَفّعُ
ولكنت تسفك ناظريك ليرتووا / وتذيب قلبك في يديك ليشبعوا
جرس الكنيسة لو تكلم لاشتكى / ولبان فيه مذ نأيت تصدع
وتلفتت فيها الدمىو تساءلت / عن باقة في صحنها تتضوّع
ما بهجة الأعياد بعد كعهدها / في البيعتين ولا المرتل يسجع
ألجوزة الخضراء بعدك صوحت / إلا وريقات تكاد تودع
تقضي إلى النسمات في غدواتها / عما تكابد في نواك وتجرع
لله أنت مغربا ومشرقا / تذريك عاصفةٌ وأخرى تزرَعُ
حتى اندفعت فكلُ صحر روضة / سلمت يداك وكل أفق مطلع
وفتحت فتح العبقرية تاركا / في مسمع الدنيا صدى يترجع
تتحطم الأقدار ساعة تنبري / تتفجر الأنوار ساعة تطلع
فهناك أندلس القصائد تسجع / وهناك لبنان المواهب يلمع
فتن الجمال وثورة الأقداح
فتن الجمال وثورة الأقداح / صبغت أساطير الهوى بجراحي
ولد الهوى والخمر ليلة مولدي / وسيحملان معي على ألواحي
يا ذابح العنقود خضب كفه / بدمائه بوركت من سفاح
أنا لست أرضى للندامى أن أرى / كسل الهوى وتشاؤب الأقداح
أدب الشراب إذا المدامة عربدت / في كأسها أن لا تكون الصاحي
هل لي إلى تلك المناهل رجعة / فلقد سئمت الماء غير قراح
رجعى يعود بي الزمان كأمسه / صهباء صارخة وليل ضاح
أشتف روحهما وأعطي مثلها / روحاً وأسلم ليلتي لصاحبي
روح كما انحطم الغدير على الصفا / شعباً ، مشعبة إلى أرواح
للحب أكثرها وبعض كثيرها / لرقى الجمال وبعضهما للراح
أنا لا أشيع بالدموع صبابتي / لكن ألف جناحها بجناحي
غذيتها بدم الشباب وطيبه / وهرقت في لهواتها أفراحي
إلفان في صيف الهوى وخريفه / عزا على غير الزمان الماحي
دعني وما زرع الزمان بمفرقي / ما كنت أدفنفي الثلوج صداحي
من كان من دنياه ينفض راحه / فأنا على دنياي أقبض راحي
إني أفدي كل شمس أصيلة / حذر المغيب ، بألف شمس صباح
من شاعرٌ نسقَ الرياضَ ونظما
من شاعرٌ نسقَ الرياضَ ونظما / أكبرتُ فيه العبقريَ الملهَما
قالوا الربيع فقلت ما أنكرتهُ / رشف الدموع وردهنّ تبسُما
حمل المشاعل لا يمر بربوة / إلا وخضب باللهيب وضرما
فإذا الأريج سحائب وردية / لبس الهزار بها الطراز المعلما
ثم استقر على مخبإ وردة / فشكا وداعب لحظة وترنما
وإذا الفراش رسول كل حبيبية / لحبيبها بأبي الرسول الأبكما
بيت الحبيبة أم وساوس حالم؟ / أصعدت أم هبطت على أرضي السما
إن كنت أجهل أرضه وسماءهُ / ما كان يمنعني الهوى أن أحلما
طالعت وجهك والصباح فلم أكد / أتبين الصبح المنور منهما
تعب الربيع من الطواف فلم يجد / بيتا أعز ولا مقاماً أكرما
فرمى الأكاليل التي ضفرت له / وسعى إليك وقد تهلل وانتمى
وأنا الذي غذى الجمال بشعرهِ / وحنا عليه سافرا وملثما
أنا يا ربيع لا أمن قصائدي / لولاك ما طبعت على فمها فما
صغرت فهبها في اللآلي حبة / أو لا فهبها في الأزاهر برعما
سل عن قديم هوايض هذا الوادي
سل عن قديم هوايض هذا الوادي / هل كان يخفق فيه غير فؤادي
عهد الطفولةفي الهوى كم ليلة / مرت لنا ذهبية الأبرادِ
إذ نحن أهونُ أن نحرِّك ساكناً / في حاسد أو غلّةً في صادِ
تتضاحك الزهر النجوم لأدمُعي / في جيدها فإخالها حسادي
وأكاد أمتشق الغصون تشفيا / لتهامس الأوراق في الأعواد
غرّانِ نمرحُ في الهوى وفنونِهِ / وعلى خدودِ الوردِ والأجيادِ
ونُحِسُّ بالبين المشِتِّ فلا نرى / غير العناق على النوى من زاد
نتخاطف القبلَ الصباح كصبيةٍ / يتخاطفون هدية الأعياد
متواثبينِ كطائرَينِ تشابَكا / وتضاربَ المنقاد بالمنقادِ
أنا مذ أتيت النهر آخرَ ليلةٍ / كانت لنا ذكرتُهُ إنشادي
وسألتهُ عن ضفتيهِ الم يزل / لي فيهما أرجوحتي ووسادي
فبكى لي النهرُ الحنونُ توجعا / لما رأى هذا الشحوب البادي
ورأى مكان الفاحماتِ بمفرِقي / تلك البقيّةَ من جذىً ورمادِ
تلك العشية ما تزايل خاطري / في سفح دمر والضفاف هوادي
شفافة اللمحات نيرةُ الرُؤى / ريا الهوى أزَليَة الميلاد
أبدا يطوف خيالها بنواظري / فأحِلُّهُ بين الكرى وسهادي
وأهُمُ أرشُفُ مقلتيهِ وثغرَهُ / فيغوصُ في أفقٍ من الأبعاد
إيه خيال الماني طيب الكرى / أيتاح لي رجعي مع الورّادِ
لي في قرار الكاس بعد بقيةٌ / سمحت بها الآلمُ للعوّادِ
حنّت لها خُصرُ الدوالي رقَّقً / وبكى لها جفنُ النسيم النادي
هي كنهُ إحساسي وروحُ قصائدي / ومطافُ أحلامي وركنُ ودادي
للشعرُ منطلقَ الجوانحِ هائماً / بين السواقي الخضر والأوراد
متخيراً منهنَّ ما أبتكر الضحى / من لؤلؤٍ غب السحابِ الغادي
أندى على جفنٍ يساوِرهُ الأسى / وأخفُّ من مرحِ الهزارش الشادي
بردى هلِ الخلدُ الذي وعدوا به / إلاكَ بين شوادنٍ وشوادي
قالوا تحبُّ الشام قلتُ جوانِحي / مقصوصةٌ فيها وقلتُ فؤادي
نم إن قلبي فوق مهدك كلما
نم إن قلبي فوق مهدك كلما / ذكر الهوى صلى عليه وسلما
نم فالملائكة عينها يقظى فذا / يرعاك مبتسما وذا مترنما
نم واجتن الأحلام أزهار الصبا / واستنزل الزهرالنجوم من السما
نم ملئ عينك إن عيني ملؤها / دمع وان عنفتها امتلات دما
نم فالسلام على شفاهك سطرت / اياته فلثمتها ........ متوهما
نم فالهوى حزب علي لإنه / يقضي بأن اشقى وأن تنعما
نم وارع حبات القلوب ولاتكن / ترعى كعيني في الظلام الأنجما
نم فوق صدري إنه مهد الهوى / وعفافه ابدا يرف عليكما
نم إنت واتركني بلا نوم ودع / روحي وروحك في الهوى تتكلما
واذا الكرى لعبت بجفنك كفة / واذا السكون على سريرك خيما
واذا النسيم - وأنت في بحر الشذا / غرق - دنا من وجنتيك ليلثما
نبه جفونك لحظة تبصر فتى / لم يبق منه هواك الإ الأعظما
جاث على قدم السرير وعينه / عين المصور حاولت أن ترسما
لو أن بعض هواك تعبدا / وحياة عينيك ما دخلت جهنما
لبنان كم للحسن فيك قصيدة
لبنان كم للحسن فيك قصيدة / نثرت مباسمها عليها الأنجم
كيف التفت فجدول متأوّهٌ / تحت الغصونِ وربوةٌ تَتَبسَّمُ
وطنُ الجميع على خدود رياضهِ / تختال فاطمة وتنعم مريم
أكماته البيضاء تحت سمائه / الزرقاء أطفال تنام وتحلمُ
تتقاعد القبلات من أنفاسها / وتمر بالوادي الوديع وتلثِمُ
لُبْنَانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى
لُبْنَانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى / وتَخَيُّلِ المُتَشائِمِ المُتَمادي
أَيَّامَ وَكْرُكَ في النُّسُرِ مُقَدَّسٌ / حُرُّ الجَوانِحِ بارِزُ المِنْقادِ
أيَّامَ يَضْطَجِعُ الخَيَالُ على الرُّبى / مُسْتَأثِراً مِنْ زَهْرِها بِوِسادِ
وَ النَّبْعُ يَضْحَكُ لِلْمَزَارِعِ وَالجَنَى / وَيَكادُ يَلْثُمُ مِنْجَلَ الحُصَّادِ
وَسَماكَ صَافِيَةٌ وَبَيْتُكَ ضَاحِكٌ / وحَشَاكَ رَاوِيَةٌ وَجَارُكَ صَادِ
لُبنانُ هَلْ مَرَّتْ بِخَاطِرَةِ المُنى / وَتَوَهُّمِ الآباءِ وَالأَجْدَادِ
أَنَّ الأُلى غَذَّى الخَيَالَ هَواهُمُ / رِيشاً على وَكْرٍ وَحُلْمَ حَصَادِ
فَطَموا عَنِ الحُبِّ القُلوبَ وغَادَرَوا / عَيْنَ المُحِبِّ لِدَمْعَةٍ وَ سُهادِ
وَتَنَكَّروا بَعْدَ التَّدَلُّهِ في الهَوَى / وَشِكايَةِ السُّقَمَاءِ لِلْعُوَّادِ
أَنَا في شِمَالِ الحُبِّ قَلْبٌ خافِقٌ / وَعَلى يَمِين الحَقِّ طَيْرٌ شَادِ
غَنَّيْتُ ، لِلْشَّرقِ الجَريحِ ، وفي يَدِي / مَا في سَمَاءِ الشَّرْقِ مِنْأَمْجَادِ
فَمَزَجْتُ دَمْعَتَهُ الحَنُونَ بِدَمْعتي / ونَقَشْتُ مِثلَ جِراحِهِ بِفُؤَادي
وَرَدَتْ مَنَاهِلَها الشُّعُوبُ إلى الْعُلى / فَمَتى أَرَى لُبْنانَ في الوُرَّادِ
لبنان عيد ما أرى أم مأتم
لبنان عيد ما أرى أم مأتم / لله أنت وجرحك المبتسم
عصروا دموعك وهي جمر لاذع / يتنورون بها وصحبك مظلم
قل للرئيس إذا أتيت نعيمه / إن يشق رهطك فالنعيم جهنم
أيطوف الساقي هنا بكؤوسه / ويزمجر الجابي هناك ويرزم
تعرى الصدور هنا على قبل الهوى / وهناك عارية تنوح وتلطم
والكهرباء هنا تشع شموسها / وسراج أكثر من هناك الأنجم ..
لبنان يا بلد الذاجة والوفا / حلم .. وهل غير الطفولة يحلم
هذا حصيرك والحبيبات التي / كانت غذاءك واللحاف المبهم
بيعت لتهرق في الكؤوس مدامة / هي - لا روتهم - أنفس تتألم
لبنان يا بلد السذاجة والوفا / حلم .. وهل غير الطفولة يحلم
كبر الزمان ولا تزال كأمسه / فعساك تكبر أو لعلك تفطم
زمن به تشقي الفضائل أهلها / ألصدق يقتل والمرؤة تعدم
لبنان شاعرك الذي غاضبته / ترك العتاب وقد أتاك يسلم
صداحك الشادي على هضباته / كم معبد في عوده يترنم
هو في كلا حاليك أنت غرامهُ / وعلى كلا حاليه ذاك المغرمُ
لبنان ما لك إن غمزتك تغضب
لبنان ما لك إن غمزتك تغضب / أيجد غيرك في الحياة وتلعب
إني هززتك في البلاء فلم أجد / عزماً يفل ولا إباء يغضب
أما الشعوب فقد تألف شملها / فمتى يؤلف شعبك المتشعب
نضيت موارده وجف أديمه / وتقلص الريان والمُعْشَوْشِبْ
كم مورد لك في السراب وغصة / أرأيت كيف يغص من لا يشرب
من للبلاد إذا تجهّم وجهُها
من للبلاد إذا تجهّم وجهُها / وإذا تالب حشدها وتنادى
وتساءلت عن مفرد في حبّه / لبلاده لبس الحياة جهادا
إن قال قالت أمةٌ بلسانه / وتقطعت لسماعه أجيادا
شيخ على جرج الشباب كأنه / لجمَ الزمانَ فكان حيثُ أرادا
لله يومكَ أيّ ساعة محشَرٍ / نشرت على تلك الربى الأجسادا
وهَتِ العزائمُ للمصاب فلم تطق / أجسادها أن تحملَ الأكبادا
وشجى الرياض فقطّعت أطواقها / وبكت ففارق زهرها الأعوادا
ولو استطاع الأرز طأطأ خاشعاً / وأصابَ من تقبيل كفّك زادا
هي خطبةٌ للموت أروعُ ما بها / أن الخطيبَ ولا خطابَ أجادا
أوحيد أمّته تقىً وهدايةً / هلا سمعت وحيدها إنشادا
خلعَت قصائدهُ وعليك عيونها / وحبتكَ من ورقِ الخلود وسادا
يا نفسِ بين اليوم والأمسِ
يا نفسِ بين اليوم والأمسِ / عبرٌ لمن يغدو ومن يمسي
درسٌ هيَ الدنيا لمجتهدٍ / أفتَجهلين فوائدَ الدرسِ
كم من ليال قد صبغتُ بها / بدمِ المحابِرِ أبيضَ الطرسِ
واليوم لا طرسي ولا قلمي / في قبضتي حتى ولا حسي
لأكاد مما قام في خلدي / أمشي متى أمشي بلا رأس
وأكاد مّا حل في بدني / أخفى فتجهلُ موضعي نفسي
نعمى كفرت بها فما لبِثَت / وكذا يكون تحوّلُ الشمسِ
لو كان أمسي مائلاً لغَدي / لبَكى غدي أسفاً على أمسي
تيهاً دمشقُ على المفاخرُ والعُلى
تيهاً دمشقُ على المفاخرُ والعُلى / غير الجهاد وصلته بجهاد
تلك الشمائل من شيوخ أمية / عباقة النفحات في الأحفاد
بيت العروبة كالمقام نقاوة / وعكاظ في الإطراب والإنشاد
تتفجر الأنغام في جنباته / من صدر صادحه وشعر زياد
هو منبت لمكارم هو مطلع / لكواكب هو ملعب لجياد
حسان لم ينقل سوى صلواته / السمحاء في مدح الرسول الهادي
إني وقفت بها أسائل عن فتى / من آل جفنة رائح أو غاد
الحاملين الشمس فوق وجوههم / والحاملين الشهب في الأغماد
خلعت صوارمهم على راياتهم / حللاً مصبغة من الأكباد
ورموا بها أم الزمان، فأنجبت / غرر الملوك وقادة القواد
في مفرق الأيام حمر وقائع / منهم، وفي الأعناق بيض أياد
«يسقون من ورد البريص عليهم» / طرب النفوس ورونق الأجساد
رفعوا الشآم على الصفائح والندى / وبنوا من الصلبان بيت الضاد!
لبنان يا وله البيان أذاكرٌ
لبنان يا وله البيان أذاكرٌ / أم لست تذكر نجدتي وكفاحي
قلبتُ باسمك كل جرح سائل / وركزت بندك عاليا في الساح
أنا إن حجبتُ فليسَ ذاك بضائري / وعلى الخواطر غدوتي ورواحي
تتحجبُ الأرواح وهي خوالدٌ / وترى العيونُ زوائلَ الأشباحِ
ولربما خدعتكَ صفحةُ هادىء-بني وفي الأحشاء عصف رياح /
ني إذا جنّت رياح سفينَتي / ذهبَ الجنونُ بحكمةِ الملاح
عش أنت أني مت بعدك
عش أنت أني مت بعدك / وأطل إلى ماشئت صدك
ماكان ضرك لو عدلت / أما رأت عيناك قدك
وجعلت من جفني متكأً / ومن عيني مهدك
ورفعت بي عرش الهوى / ورفعت فوق العرش بندك
وأعدت للشعراء سيدهم / وللعشاق عبدك
أغضاضه ياروض إن / أنا شاقني فشممت وردك
أنقى من الفجر الضحوك / فهل أعرت الفجر خدك
وأرق من طبع النسيم / فهل خلعت عليه بردك
وألذ من كأس النديم / فهل أبحت الكأس شهدك
وحياة عينك وهي عندي / مثلما الأيمان عندك
ماقلب أمك إن تفارقها / ولم تبلغ أشدك
فهوت عليك بصدرها / يوم الفراق لتستردك
بأشد من خفقان قلبي / يوم قيل: خفرت عهدك
يا مصرُ ما نظمَ الجهاد قصيدة
يا مصرُ ما نظمَ الجهاد قصيدة / إلا استهلّ بذكركِ الفواح
أو سال جرحٌ من جبين مجاهدِ / إلا عصبتِ جراحهُ بجراح
بردى شقيق النيل منذ أميّة / جُمععنا على الأفراح والأتراح
نسبٌ كخدّ الوردِ في شفَةِ الضحى / يختال بين العاصِ والجراح
قولي لشمسك لا تغيبي
قولي لشمسك لا تغيبي / وتكبدي فلك القلوب
بغداد يا وطن الجها / د ومرضع الأدب الخصيب
غناك دجلة والفرا / ت قصائد الزمن العجيب
رقصت قوافيها على / نغم البشائر والحروب
أعراس دارا من مقا / طعها وخيبة سنحريب
حتى إذا طلع الرشي / د وماج في الأفق الرحيب
صهر القرون وصاغها / تاجاً لمفرقك الحبيب
أسد العراق وما الريا / ح الهوج طاغية الهبوب
أمضى وأنفذ منك إذ / تثبين للأمر العصيب
قلمت أظفار الزما / ن ورعت داهية الخطوب
وبنيت بالقلم الحلي / م وبالمهندة الغضوب
مجداً تنقل في العلى / بين الأشعة والطيوب
بغداد يا شغف الجما / ل وملعب الغزل الطروب
بنت المكارم للعرو / بة فيك جامعة القلوب
بيت من الأخلاق ضا / قت عنه أخلاق الشعوب
وسع الديانات السما / ح وضم أشتات الندوب
زفرات أحمد في رسا / لته وآلام الصليب
بغداد ما حمل السرى / مني سوى شبح مريب
جفلت له الصحراء وال / تفت الكثيب إلى الكثيب
وتنصتت زمر الجنا / دب من فويهات الثقوب
يتساءلون وقد رأوا / قيس الملوح في شحوبي
والتمتمات على الشف / ه مضرجات بالنسيب
تبكي لها قبل الصبا / ويذوب فيها كل طيب
يتساءلون: من الفتى ال / عربي في الزي الغريب
صحراء يا بنت السما / ء البكر والوحي الخصيب
أنا لو ذكرت ذكرت أح / لامي وأنغامي وكوبي
إحدى الشموع الذائبا / ت أمام هيكلك الرهيب
أنا دمعة الأدب الحزي / ن رسالة الألم المذيب
من قلب لبنان الكئي / ب لقلب بغداد الكئيب
لبيك نابغة العرا / ق وحجة الشرق القريب
لبيك معجزة البيا / ن الحر والقلم الخصيب
حجاج روحك وهي مل / ء الكون تقذف باللهيب
تخبو الشموس وتنطفي / وتظل نامية الشبوب
حلم سفكت دم الشبا / ب فدى لمبسمه الشنيب
حب الخلود وكم أري / ق عليه من جفن سكيب
لولاه لم تلد الطرو / س الحمر إكليل الأديب
آليت أقتحم الجحي / م على جواد من ذنوبي
فأغوص في الأبدية ال / خرساء والأزل القطوب
أتلمس الأشباح والأ / رواح من خلل الحقوب
حتى إذا انكشف الجحي / م يئز بالضرم الصخوب
سكنت ثائرة الضلو / ع وكاد يصرعني وجيي
وسألت عن دانتي وعن / شيخ المعرة ذي الريوب
أحقيقة عرفا لظى / أم وصف مبتدع نجيب
لجميل ليلى فيه ما / شاء التفنن من ضروب
صور ملونة الجنا / ح على مخيلة خلوب
آليت اقتحم الجحي / م على جواد من ذنوبي
آليت لكني ارعوي / ت وقلت يا نفسي اهدئي بي
مهما سما عقل الحكي / م يزل عن حجب الغيوب
يا فيلسوف العرب وال / أيام كالحة النيوب
هلا ذكرت لنا العرا / ق ومجد غابره الذهيب
يفتر عن مثل ابن سي / نا والنواسي الأريب
إرث وهبت له الصبا / وسقيته دمع المشيب
ونشرت أنجمه على / بغداد من كفن المغيب
شيخ القريض أبا الرصي / ن الجزل والمرح اللعوب
ما زلت ألمحها على / لبنان طافرة الوثوب
من معصم النبع الدفي / ق لمعطف الغصن الرطيب
وأخو الوفا لبنان يرف / ل منه في الثوب القشيب
هو والعراق الحر مه / د هوى وأيكة عندليب
فجران من مزن السما / ء ووردتان على قضيب
يا هندُ قد ألِفَ الخميلَةَ بُلبلٌ
يا هندُ قد ألِفَ الخميلَةَ بُلبلٌ / يشدو فتصطفِقُ الغصونُ وتطرَبُ
تتعَشّقُ الأزهار عذبَ غنائهِ / فإذا شدا فبكُلّ ثغر كوكَبُ
والغصنُ والأوراقُ آذانٌ له / ماذا ترى فيها النسيم يُتَبتِبُ
هو شاعر الأطيار لا متكبّرٌ / صلفٌ ولا هو بالإمارة معجَبُ
وإذا الضحى لمعت بوارق ثغره / نادى بأجناد الطيور تأهبوا
فسمعت للأطيار موسيقى على / نغماتها يأتي النهار ويذحب
والصوت موهبةُ السماء فطائر / يشدو على غصن وآخر ينعب
وسعوا به فإذا الهزار مقفصٌ / والبوم منطلق الجوانحِ يلعبُ
يا هند إني كالهزار فإن يكن / هو مذنبا فأنا كذلك مذنب
رضيت وقد ذهب الجفا
رضيت وقد ذهب الجفا / وكذا الهوى لين وشدّه
وتبسمت فعلمت أن / رجعت لناتلك الموده
ورمى الهوى بي فارتميت / وكان نهداها المخدّه
فأنا بصدر حبيبتي / كفراشة في قلب ورده
فدَتِ المنائِرُ كلُهُنّ منارةً
فدَتِ المنائِرُ كلُهُنّ منارةً / هي في فم الدنيا هدىً وتبسُمُ
ما جئتها إلا هداك معلّمٌ / فوق المنابر أو شجاك متيّمُ
بيروتُ هل ذرفت عيونك دمعة / إلا ترشّفها فؤادي المغرمُ
أنا من ثراك فهل أضِنُّ بأدمعي / في حالتيك ومن سمائك ألهمُ
كم ليلة عذراء جاذبها الهوى / أنا والعنادل والربى والأنجمُ
لهفي عليك أكُلّ يوم مصرعٌ / للحق فيك وكلّ عيد مأتَمُ
والأمر أمركِ لو رجعتِ إلى الهدى / ألحُبّ يبني والتباغُضُ يهدِمُ
رباه هل ترضى الشقاء لأمّة / ما اذنبت إلا لأنك تحلمُ
عدلٌ قصاصك كم نبيّ جاءهم / واراد أن يتجمعوا فتقسّموا
ضمنَ الثناء وَفَتّ في الأحقاد
ضمنَ الثناء وَفَتّ في الأحقاد / قدرٌ أخفُ من الحسود العادي
وهبوا نبوغكَ في الحياة لحفنةٍ / من أدمعٍ مجبولة برماد
كم صاحب أحرقت نفسك دونه / فهوى عليك بقسوة الوقاد
وأخي انكسار رحت ترأب صدعه / فعدى عليك مع الزمان العادي
ورضيع آداب أقلتَ عثارهُ / فإذا رمى الأعداء كان البادي
حسب الذكاء عليك دهر باخل / وضع القرائح في يدي نقاد
عصفورةَ الوادي أراك حزينة / أعلمت من حملوا على الأعواد
ألنسر ذا نَزَقِ على هضباتِهِ / والعضب ذا حنق على الأغماد
فتقطّعت مهجٌ وفاضت أعين / رمت الخدود بكل أوطَفَ صاد
مطَرٌ كما انتثر الجمان على اللظى / وتكسّر البلور في الأجياد
هجر الفراخ أبوهمُ لمفازضةِ / مجهولة ولعلّها لمعاد
فتجمعوا في الوكر حول حمامةٍ / بيضاء جللها الأسى بسواد
لهفي على تلك الهواتف في الدجى / أفعائدٌ غير الصدى لمُناد
الله في مهج تذوب وموطنٍ / حرب على المتَقَحّم الذّوادِ
يلقي على قدم الغريب بنفسه / ويشيح عن أبنائه الأنجاد
قلل للوديع أفي جوارك منزل / بين القبور لأمة وبلاد
فالقبر إن عق البلاد رجالها / وتبدلت بالأصدقاء أعادي
وهوت غلى الدرك السحيق وقادها / في الغي شرذمة من الأوغاد
أوفى وأكرضمُ فهو يشفِقُ أن ترى / عطف العذول ورحمةَ الأضداد
قالوا الصحافة قلتُ أيُّ حشاشة / سفِكَت على سنّ من الفولاذِ
وتخالها ما قد تجمّد من دم / خلل السنين على يدي جلاّد
ألله أي شهبدة عربيّة / تمشي على جيل من استشهاد
أدّى بها الظلم الحقوق لأهلها / حمرا ككُفر رعتَه بجهاد
قالوا الصحافةُ قلت أين عميدها؟ / إن الطراد بحاجة لجوادِ
طلق القوائمِ لا يعَضّ لجامَهُ / من غيظهِ ويخُبّ في الأصفاد
تتدحرجُ التيجانُ من ذرواتها / إن راح ينسِفُ أسّها بمِدادِ
تاللهِ ما معنى الوجود وحُكمُهُ / حكم الفناء وأمرهُ لنفادِ
إلا مشقّات الطريق إلى الثّرى / بينَ الأسى وتَفَتّتِ الأكباد
أنا كالمعَرّي لست أسأل رحمةً / إلا من الآباء للأولاد
ألعبقَرِيّةُ ما حيِيتَ جنايِةٌ / فخذ الذمام لها من الألحاد
تمشي على حسك الصدور وشوكها / وتُلَفُّ بعد الموت بالأورادِ
آلى الهدى أن لا يطِلّ على الورى / إلا على جبلٍ من الأجساد