المجموع : 411
كَم حكمةٍ لِلّه بَين عباده
كَم حكمةٍ لِلّه بَين عباده / مَستورة إلا على المتدبِّرِ
آثارها دلت عليه وَحسبنا / بِدلالة التأثير في المتأثر
صور تغيّرها الحَوادث بَيننا / وَحَقائق تَبقى بِغَير تَغيّر
صور تَناوَبُ في وُجودٍ دائمٍ / كَتناوب الأَعراض مَركزَ جوهر
يا مَن يُحول بحولهِ
يا مَن يُحول بحولهِ / بَينَ المؤمِّل وَالأَملْ
يا مَن يَطول بطوله / مِن بَعد ما جلَّ الوَجلْ
يا مَن يَتوب بِفَضله / مَنّاً عَلى من جا وذل
يا مَن يُرجَّى فَضله / وَيُخافُ مِنهُ إِذ عَدل
يا مَن يُجيبُ دُعاءَ من / يَدعو وَيُعطي مَن سأل
يا مَن لَهُ البَطش الشَدي / دُ ومن هوَ الفَرد الأَجل
يا مَن تَقوم بِأَمره ال / أكوان يفعل ما فَعل
يا مَن تنزّه عَن شَبي / ه أَو نظير أَو مثل
يا مَن لَهُ الملك العَظي / مُ وَمَن لَهُ أَمرُ الدُول
يا واحداً في علمه / يا مَن قضى سرَّ الأَزل
يا مَن عوائده عَلى / كُل الوَرى هَطلٌ وَطَل
يا مَن يؤمَّلُ حَيث لا / يرجى سِواه لَما نَزل
أَدعوك يا مَولاي كُن / لي عِندَ ظَني وَالأَمل
ثُم الصَلاة عَلى النَبي / ي وَآله الغر الجلل
ما غرَّد القمريّ أَو / ما ناح عَبدٌ وَابتهل
ذُكِرَ الغَضا فَتلهب الأَحشاءُ
ذُكِرَ الغَضا فَتلهب الأَحشاءُ / وَبَكى العَقيقُ وَما يَحير بُكاءُ
غَنّى بترداد الحنين فَهامت ال / ورقاء حيث بَكَت لَهُ العَيناءُ
هاج الهَوى مِنهُ فؤاداً شيقاً / لَما تبدى لِلخَيال شظاء
صحب الجُنون جَوىً وَفارق عَقله / في حيرة راحَت بِهِ الرَوحاء
وَثَوى الأَسى في صَدره فَأَباده / مَيتاً وَما رقّت لَهُ الأَحياء
وَلَوى بِهِ سَفح اللَوى عَن سَلوةٍ / وَأَبى عَلَيهِ إباءه الإبواء
وَعَلى شُؤون الجزع أَضحى جازعاً / إِذ جرّعته شُؤونَه الجَرعاء
متطلع يَهوَى بدور طويلع / قَد تيمته بشوقها تَيماء
وَلَكَم يُعالج لاعجاً مِن عالج / وَجواه حَيثُ أَحبة وَجَواء
أَمسى بكاظمة الفُؤاد وَأَصبَحَت / تِلكَ القباب يَصونهن قباء
تِلكَ المَعاهد وَالرُسوم حدودها / في القَلب فهوَ مَع الفِناء فِناء
فَتوقد الشفقُ الوَضوحُ بِناره / وَتسربلت بهمومه الزَرقاء
عجبت تَصاريف الرِياح لفكره / وازّينت بدموعه الغَبراء
مُذ أَوحشته آنساتُ الإنس كَم / أَنست بِهِ الآجام وَالفَيفاء
حزنت صعابُ سهولها لهيامه / وَتزعزعت أَجبالها الشماء
تتصرف الأَكدار في أَفكاره / إِن لاحَ في لَوح الضَمير صَفاء
وَتُجزِّئُ الأَحزانُ جَوهرَ عَقله / مَهما تُعارضُ رَأيَه الآراء
وَتخاله ذا جِنَّة مِما جَرى / وَلربما خضعت لَهُ العقلاء
وَيبين بَين تَجاهل وَتجهُّل / عرفت بِهِ حَق الهَوى العرفاء
لِلّه أَيُّ هَوى تَجمَّع في حَشىً / مُتفرقٍ وَلَهُ الهيام ثَواء
يُطرَى وَيَطرَبُ وَحدَه في وَجده / فَيروعه الإِطراب وَالإِطراء
وَلطالما أَلهاه عَن مَولاه مِن / هَذا الوُجود وَأَهله أَهواء
وَلطالما أَغرى بنور جَبينه / صبحٌ وَخبعجت السَرى لَيلاء
كَم فرّ مِن أَلم الفراق إِلى اللقا / فَإِذا الَّذي اجتلب الفراق لقاء
وَلَقد كَفته تجاربٌ في طيها / عبرٌ تحذِّر ما دَهى الإِغراء
يا قَلب كم هَذا التَقلب في الهَوى / أَتعبت نَفسك وَالجَميع عَناء
هَل في الأَنام مِن الأَمان حَقيقة / أَو في الوُجود عَلى الوَفا أَمناء
إِن الَّذي تَرجوه مِن هَذا المُنى / قَد رَدَّ عَنهُ قَبلنا القدماء
ما الود إلا عارضٌ يَفنى وَإِن / بَقيت جَواهر فَهيَ طينٌ ماء
فَإليك عَمّا أَنتَ فيهِ حالم / فَالناس عَن ذَنب الوَفا بُرآء
إِن الأَنام وَإِن رَأَيت جسومهم / إنساً فَإِن قُلوبهم حرباء
لَم يَصف قَلب فيهِ طَبع تَقلّب / إِلا وَذاك لغدره إِيماء
فَدَع النَديم وَما دَعا مِن أُنسه / إِن النَدامة ما يَرى الندماء
وَاخلع إِذاً ثَوب الخَلاعة وَاتّئد / فَلربما هانَت بِها العظماء
وَاختر مرير الصَبر عَن حُلو الهَوى / فَالحُلو داء وَالمَرير دَواء
وَانظر سِواك كَما يَراك فللفتى / بِالنَفس عَن كُل الوَرى استغناء
وَالبس مَع التَقوى العفاف تجملاً / إِن التقى بَعد العَفاف بَهاء
لا تَشتغل بِالغَير عَنكَ فَربما / تَتَقلب الأَدوار وَالخلصاء
لا يذهلنك مقبل أَو مدبر / فَحقيقة العَيش النَضير فَناء
إِن اللَيالي إِن تسالم معشراً / تؤذن بحربٍ صرفُها عَدّاء
وَالدَهر إن يُسألْ يجبْ عَن كُنه ما / لَقيَ الرِجالُ وَجرّب النبهاء
فاقرأ عَلى الدُنيا دروسَ تجارب / أَبقى الحَكيم وَصنف الأُدباء
فَاليَومُ يَكتبُ وَالعُصور صَحائفٌ / وَالعُمر يَنشرُ وَالنُهى قرّاء
ما خَلف الآباء فيهِ سيرةً / إِلا ليدرك سرها الأَبناء
فَارض النَصيح وَلِنْ لتغنم نَصحه / فَبِلينها تَتقوّم العَوجاء
وَاصحب رِجال الحَق تبلغْ ما تَشا / فَبجمعها تَتَجسم الأَجزاء
لم تَرض عَنكَ الناس أَجمع إِنَّما / فَلترض عَنكَ السادة الحُنفاء
وَاربأ بنفسك إِن أَردت سَلامة / فَلَقَد بَدا خافٍ وَزال غِطاء
وَالجأ لأعتاب النَبي المُصطَفى / فَهوَ الرَجاء إِذا اِستَحال رَجاء
وَانزل بِها حُصناً حَصيناً يُرتَجى / إِن همهَمت بجيوشها الأَرزاء
وَاقصد بِهِ طوداً عَليّاً وَاعتصم / إِن أَرسلت طوفانَها الدهياء
وَالزم بِهِ رُكناً شَديداً تَتَقي / بِجنابه إِن عَمَّت الأَسواء
فَهوَ الَّذي تُرجَى هدايةُ نُوره / إِن تكفهرَّ بجُونها الدَهماء
وَهوَ الَّذي تَأتَمُّ ساحتَه إِذا / ضاقَت بِكَ الساحات وَالأَرجاء
إِن الَّذي سمك السماء أَقامه / باب العياذ إِذا دَهت لأواء
أَحيى بِهِ مَيتَ القُلوب فَأَبصرت / نَهجَ النَجاة الأَعيُنُ العَمياء
شِيدت بِهِ أَعلامُ أَبيات الهُدى / فَأَقامَها وَرَمى الضَلالَ عَفاء
فَتيقظت بخطابه أَفهامُنا / مِن بَعد ما أَودى بِها الإغفاء
بِجَوامع الكلم الكِرام وَما تَلا / خضعَ الفَصيحُ وَأذعنَ البلغاء
كَم أَعجَمَ العربيْ الفَصيحُ بَلاغةً / وَأَتَت إِلَيهِ فَأَفصَحَت عَجماء
كَم محنة سَوداء جلّى ليلها / فَأَزالها وَلَهُ اليد البَيضاء
خمدت بِهِ نارُ المجوس لِأَنَّها / سطعت لَها بقدومه الأَضواء
وَتزلزل الإيوان يعلن أَنَّهُ / سيُظلُّه علَمٌ لهُ وَلواء
وَاسأل بني سعد عَن الأَمر الَّذي / شَهدت بِما شهدت لَهُ البَيداء
وَتنزّل القرآن في الغار الَّذي / آوى فشُرِّفَ واستقل حراء
وَلكَم حباه معجزاتٍ آيةً / من ضمنها المعراج وَالإِسراء
أَسفاً لِمَن آذاه أَقربُ قومِه / فَتقربت لَولائه البُعَداء
هم حكَّموه قَبل بعثته فَما / أَغراهم إِذ حَقَّت الأَنباء
كَتبوا القَطيعة في الصحيفة بَينَهُم / فَإِذا بِها مجلوَّةٌ وَضّاء
عَجَباً لجَزْع الجِذْع عِندَ فراقه / أَيحنّ نبتٌ وَالقُلوب جفاء
جحد الطغاة حُقوق مَولاهم وَكَم / قَد سبّحت في كَفه الحَصباء
همّوا فَهاجرَ ثم طابَت طيبة / وَتَأيد المَنصور وَالنصراء
وَليومِ بَدرٍ أَيُّ فَخرٍ دائمٍ / حَيث التظت بِأُوارها الهيجاء
نَزلت مَلائكة السَماء تحفُّه / فَكأنما تِلكَ الدِيار سَماء
ذلت لعزة دينه أَعداؤه / وَتصاغرت لجلاله الكبراء
إِن عُلِّمَ الأَسماءَ آدمَ قبلها / فهوَ الَّذي عُلِمت بِهِ الأَسماء
أَبدى وَأَيَّد كُل حَق غامض / فتوضح الحسناء وَالشنعاء
علمت بهِ الجهلاء سرَّ وجودها / وَتحققت بعلومه العلماء
وَهدى الأَنامَ فجمعت أَشتاتهم / وَعَلى اليَقين تحبب الأَعداء
جمع المفرّقَ عدلُه وَلطالما / قَد فرّقت بِالباطل الحُلَفاء
ضحك اليقين على بكاء الشك إِذ / عز الحَليم وَذلت السفهاء
دانَت لدين اللَه وَهوَ نبيه ال / دنيا وَساد المعشرُ النجباء
وَلكَم مخالفةُ القُلوب تَألفت / بِالحَق إِذ شمل الجَميع إِخاء
وَضع الموازينَ الحقيقةَ بيننا / بِالقَسط وهيَ الشرعة الغَراء
يا قبلة الحاجات إِني مُقبلٌ / بكَ مُستَجير وَالخَصيم قَضاء
سمعاً رَسولَ اللَه دَعوةَ ضارعٍ / يدنيه مِنكَ تذللٌ وَنِداء
حرِّر عُبيدَك من متَاعب أَسره / بيد الهَوى فإلى مَتى وَيساء
كُن عونه في ضيق صَدرٍ غاله / فَالمَوت فيهِ وَالحَياة سَواء
وَاصفح بعفوك عن ذُنوب طالما / بأقلها غلب النَعيم شَقاء
فَلئن مَضى ما قَد مَضى لسبيله / وَعدت وَعَدَّت شدةٌ وَرخاء
فَلَقد صحوت كما ثملت وَقد بَدا / كنه الخفي فَما هناك مراء
وَلَقد رَجعت إِلَيك أَرجو بعدَ ما / حققت أَن كل الوُجود هباء
فاقبَل بحقك مُقبلاً بذنوبه / فلمثل جاهك يَرجع الضعفاء
ضيعت عمري في سِواك جهالة / وَلبئسما يتحمّل الجهلاء
لكنني سَأبيد ذلك جفوة / تمحو الهُموم فتَثبُتُ السراء
وَأَقول حسبي مدح طَه المُصطَفى / نَصراً إِذا ما ذلت النصراء
عجباً لمثلي كَيفَ يمدح سيداً / وَصفاته لم يحوها إحصاء
إِن الذي جاء الكِتاب بمدحه / هيهات تُحسن مدحَه الشعراء
صلى عَليهِ اللَه ما سرَتِ الصبا / وَترنمت في عُودها الورقاء
لصَبا الحجازِ بَكى وَإِن لَم يَطربِ
لصَبا الحجازِ بَكى وَإِن لَم يَطربِ / صبٌّ تمسك من شذاه الطيِّبِ
يشكو الهَوى مما به بلسانه / وَيعيذها من قلبه المتلهب
بالله يا ريح الصبا حيي الحِمى / وَببثِّ ما يشكو إِليهِ تقرّبي
وَتردّدي بَيني وَبين أَحبتي / فَإِذا بَلغت فِنا الديار فشبّبي
وَتحملي عني السَلام تحيةً / وَلِجي إِلى تِلكَ الرُبى وَتَأدّبي
وَتبتلي وَصفي مذلة والهٍ / للأكرم الثاوي بطيبة يَثرب
وَقفي عَلى الأَعتاب ثمَّ وَسلِّمي / منّي عَلى قَبرٍ تشرّف بالنبي
قولي عُبيدُك يا رسول اللَه قَد / عرف الحقيقة بَعدَ أَيّ تَشعُّب
فَلَكَم أَطاع النَفس حينَ عَصى الهُدى / جهلاً وَكَم أَرضى الغرور بمغضب
ما قدّمت أَيديه إِلا حَسرةً / لِلنفس شيمة مسرفٍ لم يحسب
أَفنى الليالي في سِوى ما ينبغي / وَأَضاع سحبَ رضاً ببرقٍ خُلَّب
صحب الزَمانَ وَأَهلَه حتى إِذا / وَضح الرَشاد كَأَنه لَم يصحب
وَصَلَ الغرورَ وَفصَّلَ الأَوقاتَ في / غَير الحَقائق شأنَ من لم يَدأب
في الحَزم فرّطَ حيث أَفرط في الهَوى / سُلبَ الفراغَ بغير شغل موجب
ذهب المذاهبَ في انتِقا رأَيِ السوى / بشؤونه يا ليته لم يذهب
وَلَكَمْ صبا حيث الصِّبا ومع الشبا / ب مضى يُشبِّبُ بالغرير الربرب
وَلَكَم قضى الليل الطويل مفكراً / في شأن كل أَخ كمثل الكَوكَب
وَلَكَم بكى زيداً وحنّ لخالد / وَرعى هوى هندٍ وَتاه بزينب
كَم أَحرِمُ الأَجفانَ من سنة الكَرى / للغير ما رَقَبَت وَما لم ترقب
كَم أُجهِدُ النفس الأَبيةَ في هَوى / مَن لَم يَكُن بِأَخي الشَقيق وَلا أَبي
وَلَكم سَطا نَحوي الظَلامُ بِأَدهم / مِن هَمه وَدَهى الصَباح بأشهب
حجبتني الأَغيار عن دَرَكِ الهُدى / حَتّى بَدَت فَإِذا بِها لَم تحجب
شُكراً لعاقبة التجارب إِنَّها / كشفت عن الدُنيا نقابَ الغيهب
فإليك يا خير البرية حاجتي / وَجَّهتُها وَلأنتَ أَولى الناس بي
قدّمتُ نفساً قَد تؤّمن خوفَها / آمالٌ معترفٍ ذليلٍ مذنب
وَعرضتُ وجهاً سوّدَتهُ جنايةٌ / سينال نوراً منك إِن تك تجتبي
وَبسطتُ بالأعتاب خدّاً خاضعاً / سيفوز منها بالمنى وَالمطلب
وَعَلى رحابك قَد أنختُ مطيةً / إِن لَم يكرّم نُزْلُها لم تركب
يا رحمة الرَحمن بَين عباده / ارحم ذليلاً في معزتكم رَبِي
ارحمه وهو الكهل شارف شيبه / فَلَكَم رأفت بِهِ وَقد كان الصبي
يا حجة الديان ما لي حجةٌ / إلا الوقوف بذلةٍ وتأدّب
فَأَقل عثاري وَقل نجوتَ فطالما / بكَ قَد أَراح اللَه بالَ المتعب
وَلئن مدحتُ سواك وَهِيَ ضلالة / لا لاجتلاب عُلاً وَلا لتكسُّب
وَلئن شكا قلمي الدجى وَأَناملي / يا بئس ما كتبت وَما لم تكتب
فلأمحون ذنوبَها بقصائدٍ / تسعى بمدحك وَالثنا في مَوكب
حنّ المحبُّ إِلى الحَبيب فَناحا
حنّ المحبُّ إِلى الحَبيب فَناحا / وَغَدا عَلى حُكم الغَرام وَراحا
أَمسى هواه مؤانساً وهيامُه / خدناً وَكلٌّ بِالهَوى يتَلاحا
أَخذ الهَوى بفؤاده وعيونه / فَصَبا وَصبَّت واستباح وَباحا
فَالقَلب ضنّ بصبره وَجفونه / جادَت وَكانَت قبلَ ذاكَ شِحاحا
هَذا تكلَّم بِالسُكوت وَهذِهِ / بِلسانها الجاري رَأَت إفصاحا
لبست لياليه السواد لِأَنَّها / قَد بايعت من شَأنِهِ السفاحا
في جيدها نُظمت لآلئُ زُهرها / وَتوشحت نهر المجرّ وَشاحا
فكأنها طافت عَلى أَفلاكها / إِذ رقرقت بنجومها أَقداحا
أَو أَنها رصدت لهن مراصداً / أَو أَنها ضربت بهنّ قداحا
فقدت ضياء الشَمس فهي بقلبها / تبدي لنا شفقَ الغروب جراحا
عجباً لها تبكي لفرقة آيب / وَتريد سلوى للوفا فضّاحا
وَأَظنُّ ما بين الكواكب معركاً / وَلذاك تُبرزُ أترساً وَرِماحا
وَمِن العَجائب أن منها أَعزلاً / يبغي وَيأنف ذو اليدين كفاحاً
وَتَرى الثريّا قد بدت في هودج / وَبنات نعش يتَّبعنَ صياحا
يدأبن سيراً لا قرار يصدُّه / قلَّدن في ملك السما السُّوّاحا
وَلذاك لم تلق العصيَّ وَربّما / أَلقت إِذا بلغت مدى وَمداحا
أَسفاً لتلك الجاريات توقفت / في حيرة لي ما تروم سَراحا
وَلها الجَميل على التباعد بيننا / ثبتت وقد زال القريب وَطاحا
وَأَخالها قد أَوقدت من شهبها / لتزيل ظلمةَ حالتي مصباحا
أَرسلن لي طيبَ النسائم عائداً / فَأَراحني إِذ بثها أَرواحا
وَرَأى ضنى جسدي عليلاً قَد حوى / من جوهر الودّ القَديم صحاحا
قلباً عَلى جهدٍ يقلّبه النوى / ما بينَ بينِ مُنىً وَلاحٍ لاحا
أَمْلَت صبابتُه وَسطَّرَ دمعُه / في وَجنتيه بما جرى أَلواحا
ما مثّل الأَغصانُ قامةَ حبِّه / إِلا وَساجل بُلبلاً صياحا
أَبداً وَلا مرّ النسيم بطيبه / إلا تروّح بالهوى وارتاحا
وَلَواضحٌ عذرُ النَواظرِ إن تكن / نظرت أَحاسنَ ما سواه قِباحا
صبٌّ يزيدك أَدمعاً ما زدتَه / لوماً وَيحزن ما رأى الأفراحا
كم توضِحُ المكتومَ ذكرى توضحٍ / وَيزيد في القَلب الغضا إلفاحا
وَلَكم جَرى سبلُ العقيق بغربه / فَروى وَأَعشب شِعبَه الفيّاحا
غلب الجنون فنونه بفتونه / فغدى يرى جدَّ الوجود مزاحا
سحرته آرام بوَجْرَةَ حُسَّرٌ / فَغدا أَسير شعوبها ملتاحا
فاحذر نَصيحتهُ أَو انصح يا فَتى / سَتَرى لجاجاً أَن تُرِدْ إلحاحا
ماذا يُفيد النصح مَن في قَلبه / حكمَ الغَرامُ فَبَعَّدَ النُّصّاحا
عَجَباً تؤمّل مِنهُ سَلوى بَعد ما اع / تقدَ الفَسادَ مِن الغَرام صَلاحا
دَعني أُخَيّ مِن المَلامة إنَّني / لمتُ المَلام لِما هَويتُ مَلاحا
حَسبي بِأَعقاب التَجارب رادعاً / عَن غَيّ نَفسي وَاعظاً وَضّاحا
فَلَقَد لجأت إِلى النَبي مُحَمَدٍ / فَوَجَدتُ مِنهُ مَع النَجاة نَجاحا
وَلَزمت منّاع الجوار إِذا دَهَت / ظُلَمُ الخطوب وَلِلنَدا منّاحا
وَافيتُه وَالقَلب طمّاعاً لِما / يَهبُ الكَريم وَناظِريَّ طِماحا
وَقَدَمت وَالخسران يُثقلُ كاهلي / فَأَفادَني بَعد الجوار رباحا
وَقَصَدتهُ وَالأَمر ضنكٌ ضَيّقٌ / فَوَجدتُ ساحات الرَجاء فِساحا
وَلمثلها لا يُرتَجى إِلّا الَّذي / أَحيى النُفوسَ وَطَهّر الأَرواحا
إِن حرّمت يَوماً عَلَيك صُروفَها / صَفواً فَلُذ تَلقى المَنيع مُباحا
وَإِذا اكفهرّ الدَهرَ وَانبهم الهُدى / فَاطلب حماه تجد بِهِ إصباحا
وَمتى دَهى أَمرٌ وَراب غُموضُه / فَاطلُب بِهِ المنجاةَ وَالإيضاحا
لا تَخشَ ضَيماً أَنتَ فيهِ جارُه / وَاعلم بِأَنك قاصدٌ جحجاحا
إِن كانَ جسّاس بناقة جاره / أَنكى كُليباً وَاِجتَرى فَانداحا
فَلأَنت أَكرَم من سَراب وَشأوه / أَعلا فَلا تحمل بِهِ أَتراحا
وَلَكَم فَتى أَنضى مطيَّ رجائه / نَحوَ الحِمى حَتى أَناخ أَتاحا
قف مَوقف العَبد الذَليل تَنل بِهِ / صَفحاً يَصد مِن الهُموم صفاحا
كَم طائر الأَحشاء قرَّ لما هو ات / تخذ اليَقينَ إِلى النَجاة جَناحا
فَاخفض جَناح الذُلِّ وَاجنح وَابتعد / غش الجَوانح وَالق عَنكَ جُناحا
وَصن الجَوارح عَن جَوارح سَعيها / فَلطالَما اِجترحت عَليكَ جِراحا
وَإِذا اللَيالي أَغلقت باب المُنى / فاقصد بذكر جَنابِهِ مِفتاحا
وَقُل الصَنيعة يا رَسول اللَه في / عَبد دَعاك يَروم مِنكَ فَلاحا
إِن ساءَ في عَملٍ فَحسنُ ظُنونه / بكَ عَونُه فامنُن عَلَيهِ سراحا
فَفُؤاده بِكَ واثق وَلِسانُه / لَكَ مادحٌ وَرجاه أَمّ الساحا
وَلَأَنتَ أَكرَمُ مَن يَرجَّى فَضلُه / وَإِلَيهِ يَسعى غَدوة وَرَواحا
بِكَ خَصّنا المَولى فَعمَّ برحمة / فَبِذا نمدّ إِلَيكَ نَحنُ الراحا
وَإَلَيكَ بَعدَ اللَه نَجعل أَمرَنا / فَبِأَي عُذرٍ تَخذل الكدّاحا
وَلَديك أَنزلت القُلوب حمولَها / تَرجو القِرى وَلأَنتَ أَكرَم باحا
إِن الكِرام وَأَنتَ أَكرمهم تُجي / رُ المستجيرَ وَتَمنح المدّاحا
فَاجعل جَزائي ما كَمالك أَهلُه / وَهوَ الفَلاح لِمَن تَرى إفلاحا
صَلى عَليك اللَه جَل جَلاله / ما غنّى طَيرٌ في الرِياض وَناحا
بَعُدَ اللِّقا وَنأَى الصَفا عَن خاطِري
بَعُدَ اللِّقا وَنأَى الصَفا عَن خاطِري / فَوفى السُهادُ عَلى البِعاد لِناظري
وَجرت غُروبُ العَين وَجداً وَالتَظى / قَلبي لِطُول تَواصلٍ وَتهاجُر
لا الطَيف يَسمَح بِالمَزار وَلا الكَرى / يُدني وَلا دَهري يُعزّز ناصري
لِلّه ما أَلقى بِبُعدِ أَحبتي / وَبقربِ أَفكاري وَصَون سَرائري
أَجتابها وَأَجوز كُل تنوفةٍ / شَوقي نَديمي وَالخَيال مسامري
لا أَشتكي بَأسي لِغَير تَأمّلي / فَأَجولها فكراً بنظرة حائر
فَإِذا شَجى قَلبي حَنينُ حَمامة / أَو شاقَني مَرأى بَهيج ناضر
نادَيت وَا شوقي لسكان اللَوى / وَمعاهدٍ عَهدي بِها مِن حاجر
وَلّى الشَباب وَفيهمُ أَفنيتُه / وَمَضى فَخلّف ما تُكنّ سَرائِري
خانوا وَقَد خانَ الزَمان وَأَهله / وَغَدا الوَفاء رَهين حكم الغادر
لَم يَبقَ فيهِ مِن مَتاعٍ يُقتَنَى / إِلا التَوسل بِالنبي الطاهر
نُور الهِداية في البِداية وَالنِها / ية مُقتدَى الدُنيا لِيَوم الآخر
هُوَ أَشرف الأَكوان أَكرم مرسلٍ / وَمبشَّرٍ للمتقين وَزاجر
فَالعروة الوثقى لمُمتَسكٍ بِهِ / وَالغاية القُصوى بِهِ للفاخر
كَم جاءَنا بِالبينات مِن الهُدى / وَمحا الضَلالة بِاليَقين الظاهر
ذو الفَضل وَالجَدوى وَأَفضل مَن سَعى / وَدَعى وَلَبّى لِلعَزيز الغافر
أَسرى بِهِ لَيلاً فَأَعلى قَدرَه / حَتّى اِستَوى مِن فَوق عَرش القادر
أَدناه وَاستدناه جلّ جَلاله / فَرآه بِالأَبصار بَعد بَصائر
مَن مثله في المُرسلين وَما له / مِن مشبهٍ في فَضله وَمَناظر
صَلى عَليهِ اللَه خَير صَلاته / ما نَوّرت ذكراه مهجةَ ذاكر
ريح القُبول عَن الحِجاز تَنسّمي
ريح القُبول عَن الحِجاز تَنسّمي / وَإِذا بَلغت فِنا الدِيار فَسلّمي
وَاخشَ العُيون الدعجَ مِن عَين الحمى / وَإِذا مررتَ فَغُضَّ غَضَّ المُحرم
فَهناك آرامٌ تَحوط كناسَها / أُسدُ الشَرى مِن كُل ضارٍ ضَيغم
وَهناك أَقمارٌ تَرى هالاتِها / صافي الفرند غَرارُه لَم يُثلَم
وَهناك جَناتُ الجَمال تَحصنت / مِن سُمر حُرَّسها بشبه الأَنجم
قَوم محرّمةٌ عروسُهمُ عَلى / وَهمِ المنى وَسيوفُهم لم تحرم
قَوم تكفل كُلُّ لاج جاهَهم / وَنَوالَهم ضَمِن الغِنى للمعدم
ضَربوا عَلى الغَبراء أُسَّ عمادهم / وَرقوا إِلى زرقائها بِالسُلَّم
لا تدرك الأَكدارُ جارَ نزيلهم / فَنزيلهم جار الذَليل المحتمى
بلغهمُ عَني السَلام وَحيِّهم / وَاذكر لَهُم ما بي لَهُم وَتتيمي
هُم خلَّفوني مُدنفاً ذا لَوعة / وَعلى الحَقيقة قُلت غير مجسم
لَو أَنزلته العين في أَنسانها / ما حال دُون تَأمّل المستبهم
عبد لكم حرّ الضَمير مَع النَوى / عف السَريرة عرضه لَم يُكلَم
يَشتاق ناد فيهِ أَشرقت الذكا / تَمحو دَياجرَ لَيل هَمٍّ مظلم
وَجَفا الزَمان وَذا الزَمان فَلَيسَ في / غَير الثَناء عَلى النبيّ بَمغرم
فَهوَ الَّذي يُغنيك لَثمَ رحابه / عَن أَن تَقول لخلق أَسعد وَاسلم
وَهوَ الَّذي مَهما أَطلت مَديحه / لَم تَخش مِن نَدَم وَلم تَتلوّم
وَهوَ الَّذي يرضيك دومُ سَماحِه / إن أَغضب السؤّال بذخُ المُنعم
لا تَخش في أَعتابه من ذلة / إِن الذَليل هُناك من لم ينتم
فَاحرص عَلى عمر يمرّ بِغَيره / وَاقصد بِهِ وَابتع جداه وَاغنم
وَاعلم بِأَنك مِن سِواه يائس / يَوماً وَلَست تَنال غَير مقسم
وَافقَهْ فإِنك سَوف تَلقى رِفدَه / إِن حشرجت وَتذلل الأَنف الحمى
وَالعَيش مَكفول بِما قسم القَضا / وَرجاء غَير اللَه دَأبُ الأَلأم
لا تَبذلن ماء الوُجوه لِغاية / فَالغاية القُصوى ممات المعدم
لذ بِالَّذي تُرجَى شَفاعتُه إِذا / طالَ الزحام عَلى الذَليل المجرم
ما العَيش إلا عيش تِلكَ مخلدا / بَعد التيقظ مِن خيال النُوَّم
وَالنَفس طفل قَد يَدعلج فاحتفظ / أَبداً عَلَيهِ بِالحَكيم القيِّم
وَذر اللمَى يَصفو لسكير الهَوى / فَإِذا ظمئتَ فَذُق مَراشف أَرقم
وَاعلم بِأَن حلاوة الدُنيا لِمَن / يَزهى بِها تُبدي مَرارةَ علقم
فَإِذا أَرَدتَ سَلامةً فَدَع الهَوى / وَتزوّد التَقوى بِدين قيّم
وَاقصر حَياتك في مَديح مُحمد / تَلق النَجاة مِن الحَياة وَتُرحَم
صلى عَلَيهِ اللَه ما وَضح الضِيا / وَتطرّزت بُردُ الدُجى بِالأَنجُم
زجّ الصَوافن في تنو
زجّ الصَوافن في تنو / ف البين من وادي الصحاب
وَاترك وَلَست بِتارك / ما بِالفُؤاد من التصاب
وَاهجر ديارك وَاجفُها / وَاشكو الجَميع إِلى الركاب
فَالسَيف يُغمد في الرقا / ب إِذا سللت من القِراب
وَالرمح يَعمل في الصدو / ر إِذا تَمادى في الضراب
فَإِلَيك عَن دار الشبا / ب وَقَد مَضى أَهل الشباب
قَد كانَ صُبحاً طالِعاً / وَاليَوم أَضحى في حجاب
خلِّ الدِيار وَأَهلها / وَدَع المَنازل وَالقباب
وَاستغن عن ظل القصو / ر بظل آجام وَغاب
وَاظمأ عن الماء الفرا / ت وَرِدْ أَجاجا من سَراب
وَارحل عَن السهل المضا / ع لصون عرضك في الصعاب
وافزع لِأَنَّة باشق / وَاطرب إِذا حجل الغراب
لَولا الحَياة وَحبها / وَاللَه ما ذلت رقاب
يا أَيُّها الرجل الَّذي / تَدري لِمَن أَعنى الخِطاب
ما بالإِقامة حَيث قَدْ / رٌ لا يُجَلُّ وَلا تهاب
وَالمَوت أَشهى للاسو / د بحدِّ أرهافٍ غضاب
مِن راحة في نعمة / تَقضي مرافقة الكلاب
كُل الدِيار إِذا صفت / دار وَأَهلوها صحاب
فَبجيرة تَعتاض جي / رانا وَلو خفي الصَواب
ما دام أَصل الناس صل / صالاً وَآخراهم تراب
إِني لأعجب كَيفَ يَقصدني القَضا
إِني لأعجب كَيفَ يَقصدني القَضا / مِن بَعد ما غالبته وَغلبته
أَم كَيفَ يَرزأني الزَمان بريبه / وَجَميع مَن أَخشى عَلَيهِ فَقَدته
فَاصلت من أَحببته وَوصلت مَن / أَبغضته وَعدمت ما أَمّلته
قُولوا لَهُ فلأيّ شَيء غاضب / مِن بَعد ما باليأس قَد أَرضيته
قومي هُمُ وسواهمُ خدم لهمْ
قومي هُمُ وسواهمُ خدم لهمْ / من كُلِّ ذي بذخ يطيخ فيشمخُ
مثل الدَوائر نحن مركزها وَلا / كَالقُطب إِذ دارَت عَلَيهِ الفَيلخ
نَحنُ الأُسود وَغَيرنا أَشبالنا / نَحنُ النُسور وَما سِوانا أَفرخ
سدنا وسوّدنا فَسُحْبُ نوالنا / أَبَداً عَلى كُل الوَرى متطخطخ
كَم أُمّةٍ هَزُلَت بدولةِ غَيرنا / وَغَدت بِنا بيضَ الوُجوه تدلّخ
فَنعيمنا أَفياؤه مسدولةٌ / وَعذابنا نيرانه لا تنضخ
فينا الخِلافةُ وَالشهامةُ وَالعلا / حكْمُ الإِلَه وَحكمُه لا ينسخ
فَإِذا تحركنا فبرقٌ خاطف / وَإِذا سكنا فَالشوامخ ترسخ
نَحنُ الأُلى حطموا المُلوك وَجدّلوا / وَتبوّأوا عرض الوُجود وَدوّخوا
نَحنُ الذين وَقَوا شريعةَ أَحمدٍ / إِذ غيرُنا من ذلة يَستصرخ
وَإِذا ذُكرنا كان عنبرُ ذكرنا / طيباً به طيب الزَمان يضمَّخ
فَاسأل بنا ذا خبرة وَتجارب / يخبرك أَنا للخليقة برزخ
أَملاكنا وَملوكنا وَفعالنا / من عَهد يافث وَالزَمان يؤرّخ
طالعت في الآثار وَالتاريخِ
طالعت في الآثار وَالتاريخِ / وَقضيت بالنسّاخ وَالمنسوخِ
وَعَلوت كيواناً بهمة ضيغمٍ / وَقدمت بالعظمى عَلى المريخ
وَفهمت معنى ما يقال وَقلته / مِن قَبل نَفخ الرُوح في اليافوخ
وَسمت بي العلياء حَتّى علمت / عَني الرَواسي آية التبذيخ
وَنظمت درّاً بل نثرت جَواهراً / وَأَعنت ملهوفاً بعزم صريخ
وَظننت أَني أَعتلي بعزائمي / فَإِذا بِهِ مبنى عَلى الشاروخ
وَإِذا بآمالي كأيامي قَضت / في حالتي بغرائب التمسيخ
فَعلى الحَياة بل الممات بل الجَمي / ع يَد العَفاء تحية التوبيخ
يا مَن إِذا غبنا تخاف وَترتجي
يا مَن إِذا غبنا تخاف وَترتجي / وَيجلك الناري وَيحذرك الأَخُ
لا تدّعي إِلا لديك مصدّق / لَيسَ البغاث وَإِن علا يترخّخُ
يا دَهر كُفَّ عَن الفؤادْ
يا دَهر كُفَّ عَن الفؤادْ / سَهمَيْ فجورِك وَالعنادْ
يا دَهر خلِّ عَن التجا / في لَيس هذا من مرادْ
ماذا تؤمّل من فتى / يَلقى شدادك بالسداد
ما ضلّ في غيّ الصِبا / أَبداً وَلا جهل الرَشاد
فَاصرف خطوبك صاغراً / عَن دافع إِن صدّ عاد
أَو لا فدونك ما تشا / فلسوف تختبر الجلاد
إِني ذكرتُكَ والزَمان معبِّس
إِني ذكرتُكَ والزَمان معبِّس / وَالخطب يدهم وَالكروب تعربد
وَالأُنس يدبر وَالهُموم مُكِرّةٌ / وَالمَوت يبرق وَالحَشاشة ترعد
فجعلت أنظر ذا بوجه باسم / وَأَظنّ أنكَ بعد ذا تتودّد
وَيقال لي إِن المُصيبة موعد / بِسَلامة العُقبى وَذاكَ مردّد
دَع عَنكَ خائنة الوساوسْ
دَع عَنكَ خائنة الوساوسْ / فَالذل عاقبة الدسائسْ
وَاخش الكَلام فَكم جنت / حرب البَسوس وَسَبق داحس
ماذا تريد بشنها / دَهياءَ توحشُ كُلَّ آنس
ماذا تَروم بزجها / شعثاء تَخترق البسابس
حاولت بالتغرير أَن / تَهتاج آساداً أَشاوس
بل رُمت تَفريق اللفي / ف وَصدع جَمع بِالهَواجس
وَجهلت أنَّ حصوننا / بِالحَق تَدفع كُل جائس
خفض مقالك أَو فبا / در للوَغى إِن كُنت فارس
فَالترك جَنات الرضا / في ظلهم تنمو الغرائس
وَالترك نران اللظى / فاقدم ورم إِن كُنت قابس
وَالترك قَد تَركوا أَبا / ك وَمثلَه بالخزي ناكس
وَالترك قَد سادوا الوَرى / عزاً وَظل اللَه حارس
وَالترك حامية العلا / وَالترك أَرباب المَجالس
وَالترك ذلل عزهم / مَن كانَ في الخيلاء شامس
مِن عهَد يافث دوّخوا ال / آفاق حَتّى ملك فارس
فَاسأل بهم ذا خبرة / وَاحفظ وَقائعهم وَدارس
وَانظر إِلى آثارهم / وَالحَق قُله وَلا تخالس
من ذو الألى تبكيهم / تَحتَ المَلاحد وَالرَوامس
ماذا الَّذي قد جرّهم / للحتف أَو لخمود بائس
هَل كانَ إِلا أَن بَغوا / بغي المحاقد وَالمنافس
أَبني أُميّة تَبتَغي / وَحسين دامي القَلب واجس
أَم عَن بَني العَباس تذ / كر كُلَّ سفّاح وَعابس
مَن فيهمُ كَأَبي الفُتو / ح وَنسله الصَيد القَناعس
من فيهم تَرجو لَهُ / عَوداً وَتَبكيه كَخائس
أَوليسَ هم أَلفوا الهَوى / فَدهاهم الخطب المكاوس
وَتجمعوا وَتضاحكوا / فتفرّقوا فَرقاً عَوابس
مَن ذا الَّذي أَولاكمُ / كفلاً وَأَعينكم نَواعس
لَولا بَنو عثمان ما / نبست لشرقيّ نَوابس
سهروا وَنمتم وَالتقوا / وَحَشاً وَأَمسيتُم أَوانس
بَرزوا لساعرة الوَغى / وَهمامكم كَالظبي كانس
سدتم بهم فغدوتمُ / تَدعون ما مَعنى النَفائس
وَجلوتم أَوطانَكُم / في ظلهم مثل العَرائس
بهم أَمنتم من سطا / بَعد التغاير وَالتجانس
لا تكفروها نعمة / فَيظل رطب العَيش يابس
يا حية تَسعى لَنا / قَد أَلبست ريش الطواوس
تَردى متى تَجد الوُصو / ل وَقَد تلين لكف لامس
يا جاهِلاً حَق الوَلا / فَكّر عَواقب ما تدالس
وَاعلم بِأَن البَغي لا / يَنمو ولو يَأوي الفَرادس
وَالناس فيهم عالم / يَدري وَلو جهلت أَبالس
وَالجَمع يعصم حَوضه / رَأي وَطيد الأس سائس
وَالحَق وَضاح الضيا / وَالغش داجي الحَظ دامس
فَإِذا أَردت سَلامة / دَع عَنكَ خائِنة الوَساوس
عاهَدت أخلاقي عَلى حفظِ الوَفا
عاهَدت أخلاقي عَلى حفظِ الوَفا / حَتّى حَفظت وَداد غَير الحافظِ
وَنَظرت للدُنيا بعين بصيرَتي / فَوجدتها تغني الفَتى عَن واعظ
كَم صورةٍ تُزري بِصورة يُوسفٍ / تَحتاج أَن تَسمو بفضل الجاحظ
غَيري تَغيّره الصُروفْ
غَيري تَغيّره الصُروفْ / وَسِواي تفزعه الحتوفْ
وَأَنا الَّذي لا عَيب لي / إِلا اقتحامي للمخوف
لا أَتقي بَأس القوي / ي وَلا يَرى بَأسي الضَعيف
أَهوى الخلاعة وَالصَفا / بَين الوَصيفة وَالوَصيف
وَيروقني كَأسُ الطِّلا / مِن راحَتي ساق لَطيف
وَيسرني أَن لا أَرى / في مَجلسي إِلا الظَريف
وَأَعد مِن نَيلي العُلا / حَمد الأَحبة وَالضُيوف
وَأَحب أَن لا أَكتفي / بِتأدّبي حَتّى ينيف
حَسبي يقال سكوته / أَدب وَمنطقه شَريف
هَذا لعمري دُونه / بذل التَوالد وَالطَريف
قَد كُنت طوداً في استحالة دكِّهِ
قَد كُنت طوداً في استحالة دكِّهِ / أَو كُنت رَوضاً في غضارة أَيكهِ
لا بُلِّغَت نَفسي أَماناً من عُلا / إِن رامَ هَضمي ظالم لم أَنكه
وَالناس يَشكوني وَلَست بمشتك / من لَم يذق ظُلم الفَتى لَم يَشكه
أَنا أَعرجٌ لا ضير لَكني فَتى / هَيهات يرزأني العَدو بافكه
لا راقني عَزمي إِذا شُلَّت يَدي / عَن نيل ما أَمّلته من دركه
لا سلمت نَفسي العَزيزة من ردَى / إِن قصرت عَما أَرى من هلكه
ما ضرّ إن تكن المنية زاخِراً / أن لا تكون هياكلي من فلكه
قلمي شجاع حيثما وَجهته / وَكَذا لِساني صائب في فتكه
وَحقيقتي رجل لكل سجية / عِندي المَجال لِأَخذه وَلتركه
أَفنى وَتَبقى في الزَمان مَقالتي / كَالدرّ منظوماً بِأَبهى سلكه
فلذي العلا عن عربها نطقي وَعِن / دَ تفاخري فَأَنا ذؤابة تِركه
وَلَقد ذكرتك وَالرياح عَواصف
وَلَقد ذكرتك وَالرياح عَواصف / قَد كحّلت بالرمل عَينَ الباكي
وَالشَمس تَلفحُ في الوُجوه أُوارَها / والقَوم بَين تبرّم وَتشاك
وَالأَرض قفر والسماء مغبر / وَكلاهما لي مؤذن بهلاك
وَالحال حالت وَالنُفوس عَلى شَفا / مما جَرى وَالجسم في إنهاك
وَمطيّنا تشكو الطَوى وَحلومنا / قَد بدّلت بتدلُّهٍ شكّاك
وَظنوننا ساءَت وفي آمالنا / بُعدٌ وَفي يَأس من الإِدراك
وَالدار فيما بَين ذَلِكَ غربة / وَالقَلب يُحزنه نَوى وَتَباك
فَظننت أن الدَهر يَجمَع بَيننا / وَأَنا كَما كُنا أَراك أراك
وَالراح تُجلَى وَالمديرُ يديرها / وَلَها جَمال من شعاع سَناكي
وَالعود يُغرب حينَ يُعرب لحنه / عَن نَغمة القانون ذاكَ الذاكي
فلذاك همت إِلى الهَوى بَعد النَوى / وَقضيت بِالتَوحيد في الإِشراك
وَبسطت كَفي للإله ضراعة / أَرجو وَإِن جلّ الرجاء لقاكي
إِني لَأَمدح مادحي لو أنه
إِني لَأَمدح مادحي لو أنه / هَيْنٌ قِليل المال رث الحالِ
يَزداد إِجلالاً لقدري كُلَّما / أَوليته نَوعاً من الإِجلالِ
فَأفي لَهُ بحقوقه وأزيده / فَضلاً يتيه بهِ عَلى الأَمثال
وَأَعفّ عَن مَدح العظام صيانة / للنفس عَن هَون وَعَن إِذلال
وَلذاك خَير من مديح مخرفج / تُزري بقدري عنده أَقوالي
إِن زدته مدحاً يزيد تكبّراً / ظَناً بَأَنّي مِن ذَوي الآمال
وَأَحق ما صان الفَتى ديباجة / لَيسَت تَقوم بِها صُنوف المال