المجموع : 66
تَفديك أَنفُسنا من الأَسواءِ
تَفديك أَنفُسنا من الأَسواءِ / وَتَقيكَ شَرَّ حوادث الضَرّاءِ
وَبَقيتَ ما بَقيَ الزَمانُ مهنّأً / بالسَعد مَنصوراً على الأَعداءِ
وَهِمَ الَّذي قالَ اِعتللت مخبراً / ما اِعتلَّ غَيرُ المجد وَالعَلياءِ
أَنتَ الَّذي أَضحى الزَمانُ بجوده / متبلِّجاً عَن غَرَّةٍ بَيضاءِ
وَلكم شَفى الآمال كَفُّك بالنَدى / من علَّة إِذ لاتَ حينَ شفاءِ
فاسلم سلمتَ من المَكاره راقياً / دَرَجَ العُلى متبوّئ النعماءِ
سَقياً لمَثناةِ الحجاز وطيبها
سَقياً لمَثناةِ الحجاز وطيبها / ولسوحِ رَوضَتِها وَسفح كثيبها
وَظِلالِ دوحٍ في شَريعتها الَّتي / تَنسابُ بين مَسيلها ومَسيبِها
وَرياضِ بَحرتها الَّتي فاقَت عَلى / كلِّ الرِياض بحسنِها وَبطيبها
يَنفي الوَبا عن مائِها وهوائِها / وَترابِها ما صَحَّ من تَركيبها
لِلَّه عقوتُها الَّتي نالَت بِها / نَفسي من اللَذّات كُلَّ نصيبها
كَم بِتُّ فيها ساحباً ذيلَ الصِبا / أَختالُ بين رَبابِها ورَبيبها
وَيكفُّني حلمُ الحِجا حتّى إِذا / دَبَّت حُميّا الكأسِ بعض دَبيبها
مزَّقتُ جلبابَ الوَقار بصبوَةٍ / ما زالَ دَهري مُعجَباً بعجيبها
واهاً لَها مِن لَيلَةٍ لم يأَلُ لَو / نُ سُلافها الذَهبيّ في تذهيبِها
كَم شنَّفت كأَساً بدُرِّ حَبابها / بل كم شفت نفساً بِقُرب حبيبها
يا ساقيَ الراح الشهيَّة هاتِها / وأَرح براحَتها فؤادَ كئيبها
قرِّب كؤوسَك لا نأَيتَ فَلا غِنىً / إِن رمتَ بُعدَ الهَمِّ من تقريبها
أَدِم اِصطِباحاً واغتِباقاً شربَها / فالأُنسُ مَوقوفٌ على شَرِّيبها
صِفها بأَحسنِ وصفِها ونُعوتها / واِختَر لها الأَلقابَ في تَلقيبها
حَمراءُ تسطعُ في الكؤوس كأَنَّها / ياقوتَةٌ ذابَت بكفِّ مُذيبها
صَرفت همومَ الشاربين بِصِرفها / واِفترَّ ثَغرُ الكأس من تَقطيبها
لو لَم يكن في الرَوض مغرسُ كرمها / ما رجَّعت ورقاءُ في تَطريبها
دعتِ العقولَ إِلى الذُهول فَلَم يفز / بجوامعِ اللذّات غَيرُ مُجيبها
وَمليحةٍ قد أَشبَهت شَمسَ الضُحى / في الحُسنِ عندَ طلوعها ومَغيبها
تَبدو فتختطِفُ العيونَ مضيئةً / بِشروقها وَتَغيبُ في غِربيبها
شبَّت فَشَبَّت في الحشا نارُ الأَسى / فقصرتُ أَشعاري على تشبيبها
ناسبتُها وَنَسَبتُ في شِعري بها / فاِعجب لحُسن نَسيبها لنَسيبها
ومنَ العجائب أَنَّ جمرةَ خدِّها / تَذكو فيشكو القَلبُ حرَّ لهيبها
ما زالَ منذُ فقدتها وَصَبي بها / يَقضي بصبِّ مدامعي وصَبيبها
ما ساغَ موردُ وَصلها لي ساعةً / الّا أَغصَّتني بعين رَقيبِها
باللَّه ربِّكم اِسمَعوا أَشرَح لكمِ / في الحُبِّ أَحوالي على تَرتيبها
أَبصَرتُها فعشقتُها فطلبتُها / فمُنِعتُها فَقَضيتُ من كلفي بها
يا عاذِلي ما رمتَ راحةَ مُهجتي / مِن وجدها بل زدتَ في تعذيبها
لا تكثرن نُصحي فتلكَ نصائحٌ / يَكفيكَ صدقُ هوايَ في تكذيبها
ما هُنَّ غَيرُ وساوسٍ تهذي بها / عندي وإن بالغتَ في تَهذيبها
هَيهات يَسلو بالمَلامة مغرَمٌ / يَزدادُ فَرطُ هواهُ من تأنيبها
وَيَرى السلوَّ مصيبةً من بعدما / رشقته نبلُ لحاظِها بمصيبها
ما زِلتُ أَنتخبُ القَريضَ لوصفها / وَلمدح مُنتخَب العُلى ونجيبها
مُولي المَعارِف والعوارفِ والنَدى / وَعريفِ ساداتِ الهُدى وَنَقيبها
إِن عُدَّت الأَنسابُ فهو نسيبُها / وَحسيبُها المَشهور واِبنُ حسيبها
حازَ الفخارَ بِنسبةٍ نبويَّةٍ / هي في غنىً عن بُردها وقضيبها
وَروى مُعنعنَ مجده بروايةٍ / جَلَّت عن ابن قَرينها وقَريبها
ندبٌ إِذا اِفتُرِعَت منابرُ مِدحةٍ / كانَت مناقبه لسانَ خَطيبها
وَإِذا المَجالسُ بالصدور تَزاحمَت / فَحسينُها الحسنيُّ صَدرُ رَحيبها
هو كَعبةُ الفَضلِ الَّتي يَهوي لَها / من أُمَّة الفُضلاءِ قَلبُ مُنيبها
ذَلَّت وأَذعَنتِ الأباةُ لمجدِهِ / إِذعانَ هائبها لبأس مهيبها
يا أَيُّها الشَهمُ الَّذي سَبقَ الوَرى / بِبَعيدِ غاياتِ العُلى وَقَريبها
جُزتَ السَماءَ بمُرتَقىً قد قصَّرت / عن أَن تَنالَ عُلاه كفُّ خَضيبها
وَحويتَ إِبّانَ الشَباب مَفاخراً / لم يحوِها شيبٌ أَوانَ مَشيبها
لِلَّه دَرُّكَ من جَواد ماجِدٍ / ضحِكت به الآمالُ بعد نَحيبها
وإِليكها غَرّاءَ تستلبُ النُهى / بأَوانسِ الأَلفاظِ دونَ غَريبها
وافتكَ تشرحُ شوقَ نَفسي عندما / حنَّت إلى لُقياكَ حَنَّة نيبِها
قايس بها الأَشعارَ في حُسنٍ تجد / شعرَ المحبِّ يَفوقُ شِعرَ حَبيبِها
واِسلم ودُم في نعمةٍ طولَ المدى / تَختالُ من أَبرادِها بقَشيبها
ما رنَّحت ريحُ الصبا زهرَ الرُبى / أَو غرَّدت وَرقاءُ فوقَ قضيبها
أَرأَيتَ بين المأزِمين كواعبا
أَرأَيتَ بين المأزِمين كواعبا / أَسفرنَ أَقماراً ولُحنَ كواكِبا
رنَّحنَ من أَعطافِهنَّ ذوابلاً / وَنَضَونَ من أَجفانهنَّ قواضِبا
وَغَدونَ يَمنحنَ العيونَ مواهِباً / حُسناً ويَسبينَ القُلوبَ نواهِبا
ما رحنَ في كِلَل الجَلال غوارِباً / حتّى أرينَ من الجَمال غَرائِبا
من كُلِّ واضحةِ الجَبين كأَنَّها / قَمَرٌ يُنيرُ مِن الفُروع غياهبا
تَختالُ من مَرح الشَبيبةِ والصِبا / فَتُعيدُ فَودَ أَخي الشَبيبةِ شائِبا
فاقَت عَلى أَترابِها لَمّا جَلَت / تَحتَ العُقود مَع النُهودِ ترائبا
لا تَعجَبوا لتهتُّكي فيها وقد / أَبدَت من الحُسن البَديع عَجائبا
تَرنو لواحظُها فَيفري طرفُها / عَن حَدِّه المسنونِ قَلبي الواجِبا
فحَذارِ من تِلكَ اللِحاظِ فإنَّها / أَمضى من البيض الرِقاق مَضاربا
ما زالَ دَمعُ العين منّي صائِبا / وَجداً وَسَهمُ العينِ منها صائبا
وَصَبا بِها قَلبي فَراقَ لَهُ الهوى / عَذباً وَلَم يَرَه عَذاباً واصِبا
وتزيدُني ظمأً مَواردُ حُبِّها / وَلَقَد وردتُ من الغَرام مَشارِبا
لَم أَصحُ قطُّ وَكَيفَ يَصحو في الهَوى / مَن راحَ مِن راحِ المحبَّة شارِبا
لَم تَرضَ لي أَنّي أَهيمُ بحُسنِها / حتّى هَجَرتُ أَحبَّةً وَحَبائِبا
أَدنو فيُقصيني جَفاها راهِباً / منها وتُدنيني الصَبابَةُ راغِبا
يا صاحبي إِن كنتَ غيرَ مُلائمي / فَدَع المَلامَة لي عِدمتُكَ صاحِبا
لي مَذهَبٌ فيما أَراهُ وقد أَرى / لِلناسِ فيما يَعشَقون مذاهِبا
قسماً بصدقِ هوايَ وهو أَليَّةٌ / يُلفى لدَيها كُلُّ واشٍ كاذِبا
لَو أَنَّني أَفنَيتُ فيها مُهجَتي / وَقَضَيتُ نَحبي ما قَضيتُ الواجِبا
قَد حالَ ما بيني وَبَينَ مآربي
قَد حالَ ما بيني وَبَينَ مآربي / سُخطي تحمُّلَ منَّةٍ من واهِبِ
لَو كُنتُ أَرضى بالخضوع لمطلبٍ / ما اِستصعَبت يَوماً عليَّ مطالبي
خيَّرتُ نَفسي بَينَ عزِّ المكتفي / بِأَقلِّ ما يَكفي وَذُلِّ الراغبِ
فتخيَّرت عزَّ القَنوع وأَنشدَت / دَعني فَلَيسَ الذلُّ ضَربةَ لازِبِ
لا فَرقَ ما بَينَ المَنيَّة والمُنى / إِن نالَ من عِرضي لِسانُ الثالبِ
إنّي لأَسغبُ والمَطاعِمُ جمَّةٌ / حذراً وخوفاً من مقالةِ عائِبِ
أَصدى ولا أَرِدُ الزُلالَ المُشتَهى / ما لَم ترُق مِمّا يَشينُ مَشاربي
وَعلى اِحتمالي للفَوادِح أَنَّني / ليروعُني هَجرُ الحَبيب العاتبِ
وَيشوقُني ذِكرُ الصَبابة والصِبا / وَيَروقُني حُسنُ الرداح الكاعِبِ
لا تَملكُ الأَعداءُ فضلَ مقادَتي / وَيقودُني ما شاءَ ودُّ الصاحِبِ
إِنّي لأَعذُبُ في مذاقِ أَحبَّتي / وَعدايَ منّي في عَذابٍ واصبِ
وَمَتى يَظُنُّ بي الصَديقُ تملُّقاً / لَم يَلقَني إلّا بظنٍّ كاذِبِ
وإذا رأى منّي الحضورَ لرغبةٍ / أَولَيتُهُ ودَّ الصديق الغائبِ
سيّان عندي مَن أَحَبَّ ومَن قَلى / إِن غضَّ طَرفاً عَن رِعاية جانبي
جرَّبتُ أَبناءَ الزَمان فَلَم أَجِد / من لم تُفدني الزُهدَ فيه تَجاربي
يا ربِّ كَم لَكَ من يَدٍ عظُمَت
يا ربِّ كَم لَكَ من يَدٍ عظُمَت / عِندي فنِلتُ بها المُنى سَرحا
وأَجَلُّهنَّ يَدٌ كتبتُ بها / لزبورِ آل مُحمَّدٍ شَرحا
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ / تَفديكَ نَفسي من شَريفٍ ماجدِ
البِرُّ حقُّك سَيِّدي فبرَرتَني / متفضِّلاً فاِعجب لبِرِّ الوالدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ / تحتَ الدُجى كالخادِرِ الوَردِ
في لَيلَةٍ مَدَّت غياهبَها / من فَرعها كالفاحِمِ الجَعدِ
وَالصبحُ يَستَهدي لمطلَعِه / نجمَ الدُجُنَّة وهو لا يَهدي
وَمُصاحِبي من ليس يَحفُرني / ماضي الضَريبة مُرهفُ الحَدِّ
فسَريتُ مُعتَسِفاً أَنُصُّ عَلى / عَبلِ المُقَلَّد مُشرِفٍ نَهدِ
لا أَهتَدي وَاللَيلُ معتَكِرٌ / إلّا بنَشرِ المِسك والنَدِّ
حتّى اِقتحمتُ الخدرَ مُجتَرئاً / أدلي بِقُربى الحبِّ والودِّ
فتنبَّهت مُرتاعَةً فَزَعاً / رَيّا المُخَلخَل طفلةُ الخَدِّ
قالَت مَن المَقتولُ قُلتُ لها / من قد قَتَلتِ بلوعةِ الصَدِّ
قالَت قَتيلُ هَوايَ قُلتُ أَجل / قالَت أجلُّك عَن جَفا الردِّ
فَوَقَفتُ مُهري غَيرَ مرتَقِبٍ / وَنَزَلتُ من نَهدٍ إِلى نَهدِ
وَدَنَوتُ منها وَهي عاتِبَةٌ / أُبدي العتابَ لها كما تُبدي
ثمَّ اِعتنَقنا وهي مُغضِيَةٌ / عنّي وَبات وِسادها زَندي
وَضمَمتُ سيفي بينَنا فَغدَت / غَيري تُدَفِّعُه عَلى عَمدِ
حتّى إِذا ضاقَ العِناقُ بنا / ضمّاً يَذوبُ له حَصى العِقدِ
قالَت فدَيتُك دَعه ناحيَةً / يُغنيكَ ضَمُّ الرُمح من قَدّي
سَل عن فؤادِك حين طاشَ بك الهَوى
سَل عن فؤادِك حين طاشَ بك الهَوى / إِن كنتَ تملِكُ في الغَرام فؤادا
هَيهات عَهدي يوم مُنعَرجِ اللِوى / قادَت أَزمَّتَه الهَوى فاِنقادا
مِن أَينَ يا ريحَ الصَبا هَذا الشَذا
مِن أَينَ يا ريحَ الصَبا هَذا الشَذا / إِن كانَ من حَيِّ الحَبيبِ فحبَّذا
باللَه هَل يمَّمتَ شَرقيَّ الحِمى / ووردتَ مَنهَلَه المصون عن القَذى
أَم هَل سحبتَ الذَيلَ بين أَراكِهِ / فأَخذتَ من تلك الشَمائِل مأخَذا
أَم هَل حَظيتَ بلثم مَسحب بُردِه / فكسبتَ من أَنفاسِه طيبَ الشَذا
وَبمُهجَتي إِن كانَ يَرضاه فِدىً / رشأ على كُلِّ القُلوب اِستَحوَذا
لَمّا رأَت منه المحيّا عُذَّلي / فدّاه كُلٌّ بالنُفوس وعوَّذا
وَغَدا يَقولُ مكلِّفي بسلوِّه / ما كُنتُ أَحسَبُ من كُلِفتَ به كَذا
لَمّا جلا ياقوتَ صفحةِ خَدِّه / أَبدى لنا من عارضَيه زُمرُّذا
وَرَمى القُلوبَ فكانَ سَهمُ لحاظِهِ / أَمضى من السَهم المُصيب وأَنفَذا
لَيتَ الَّذي أَورى بِقَلبي حُبَّه / أَنجاه من نارِ الصُدود وأَنقَذا
وَعلى جَفاهُ ما أَلَذَّ غَرامَهُ / لَو كُنتُ أَسلمُ في هَواهُ من الأَذى
ظنَّ العذولُ بأن هَداني نصحُه / بعدَ الضَلال وما هدى لكن هَذى
سَفرَت أُميمةُ لَيلةَ النَفرِ
سَفرَت أُميمةُ لَيلةَ النَفرِ / كالبَدرِ أَو أَبهى مِن البَدرِ
نزلت مِنىً تَرمي الجمارَ وقد / رَمتِ القلوبَ هناك بالجَمرِ
وَتنسَّكت تَبغي الثَوابَ وَهَل / في قَتل ضَيفِ اللَه من أَجرِ
إِن حاولت أَجراً فقد كسبَت / بالحَجِّ أَضعافاً من الوِزرِ
نحرَت لواحظُها الحَجيجَ كَما / نحرَ الحَجيجُ بَهيمَةَ النَحرِ
تَرمي وما تَدري بما سَفكت / منها اللَواحِظُ من دَمٍ هَدرِ
اللَه لي من حبِّ غانيَةٍ / تَرمي الحَشا مِن حيث لا تَدري
بَيضاءَ من كَعبٍ وكَم مَنعَت / كَعبٌ لها من كاعِبٍ بِكرِ
زعمَت سُلوّي وهي ساليَةٌ / كلّا وربِّ البَيتِ وَالحِجرِ
ما قَلبُها قَلبي فأَسلوها / يَوماً ولا مِن أَمرِها أَمري
أَبكي وَتَضحَكُ إِن شكوتُ لها / حدَّ الصدود ولوعةَ الهِجرِ
وَعلى وُفورِ ثَرايَ لي وَلَها / ذلُّ الفَقير وعزَّةُ المُثري
لَم يُبقِ منّي حُبُّها جَلَداً / إِلّا الحَنين ولاعجَ الذِكرِ
وَيَزيدُ غَليَ الماءِ ما ذُكرَت / وَالماءُ يُثلجُ غلَّةَ الصَدرِ
قد ضَلَّ طالِبُ غادَةٍ حُميَت / في قومها بالبيض والسُمرِ
وَمؤنّبٍ في حبِّها سَفَهاً / نَهنَهتُهُ عَن منطقِ الهُجرِ
يَزدادُ وَجدي في مَلامَتِهِ / فكأَنَّه بِمَلامِه يُغري
لا يكذبنَّ الحُبُّ أَليقُ بي / وبشيمَتي من سُبَّةٍ الغَدرِ
هَيهاتَ يأبى الغَدرَ لي نَسَبٌ / أُعزى بِهِ لِعليٍّ الطُهرِ
خيرِ الوَرى بعدَ الرَسولِ ومَن / حازَ العُلى بِمَجامِعِ الفَخرِ
صِنو النَبيِّ وَزَوجِ بضعَتِه / وأَمينه في السِرِّ وَالجَهرِ
إِن تُنكر الأَعداءُ رُتبتَه / شَهِدت بها الآياتُ في الذِكرِ
شكرت حُنينُ له مساعيَه / فيها وَفي أُحُدٍ وفي بَدرِ
سَل عنه خَيبرَ يَومَ نازَلَها / تُنبيكَ عن خَبَرٍ وعن خُبرِ
مَن هَدَّ منها بابَها بيَدٍ / وَرَمى بها في مَهمَهٍ قَفرِ
واِسأل براءَةَ حين رتَّلها / من ردَّ حاملَها أَبا بكرِ
وَالطَيرَ إِذ يَدعو النَبيُّ له / من جاءَه يَسعى بلا نُذرِ
وَالشَمسَ إذ أَفلَت لمن رَجَعت / كيما يُقيمَ فريضةَ العَصرِ
وَفراشَ أَحمدَ حين هَمَّ به / جمعُ الطُغاة وعصبةُ الكفرِ
من باتَ فيه يَقيهِ مُحتَسِباً / من غير ما خَوفٍ ولا ذُعرِ
وَالكَعبةَ الغَرّاء حين رَمى / من فوقها الأَصنامَ بالكسرِ
من راحَ يَرفعُه ليَصعَدَها / خَيرُ الوَرى منه على الظَهرِ
وَالقَوم من أَروى غَليلَهُمُ / إذ يَجأرون بمَهمَهٍ قَفرِ
وَالصَخرةَ الصَمّاءَ حوَّلَها / عن نهر ماءٍ تَحتَها يَجري
وَالناكثينَ غداةَ أَمَّهُمُ / من ردَّ أُمَّهُمُ بلا نُكرِ
وَالقاسطينَ وقد أَضَلَّهُمُ / غيُّ اِبنِ هندَ وخِدنِه عَمرِو
مَن فَلَّ جيشَهُمُ على مَضَضٍ / حتّى نَجوا بخدائع المَكرِ
وَالمارقينَ من اِستباحهُمُ / قَتلاً فَلَم يُفلِت سوى عَشرِ
وَغَديرَ خُمٍّ وهو أَعظَمُها / من نالَ فيه ولايةَ الأَمرِ
واِذكر مُباهَلَةَ النَبيِّ به / وَبزوجه واِبنَيه للنَفرِ
واِقرأ وأَنفُسَنا وأَنفُسَكُم / فَكَفى بها فَخراً مَدى الدَهرِ
هَذي المَكارِمُ وَالمفاخرُ لا / قَعبان من لَبنٍ ولا خَمرِ
وَمناقبٍ لَو شئتُ أَحصُرها / لحصِرتُ قبل الهَمِّ بالحَصرِ
وإِلى أَمير المؤمنين سَرَت / تَبغي النَجاحَ نجائبُ الفكرِ
من كُلِّ قافيَةٍ مهذَّبَةٍ / خلَصَت خلوصَ سبيكة التَبرِ
تَرجو بساحتِه لمُرسِلِها / محوَ الذنوب وحطَّة الوِزرِ
وَمطالبٍ شَتّى ستجمعُها / بالنُجح منه عوائدُ البِرِّ
يا خَيرَ من أَمَّ العفاةُ له / في الدَهرِ من بَرٍّ ومن بحرِ
إِنّي قصَدتُك قصدَ ذي أَمَلٍ / يَرجوكَ في عَلَنٍ وفي سِرِّ
لتردَّ عَنّي كُلَّ فادِحَةٍ / وَتفكَّ من قَيدِ الأَسى أَسري
فَلَقَد تَرى ما طالَ بي أَمَداً / من فادح اللأواءِ والعُسرِ
فاِسمح بنُجحِ مآربي عَجِلاً / واِمنُن بِما يَعلو به قَدري
وَسعادةُ الدارين أَنت لَها / فَلَقَد جعلتُك فيهما ذُخري
وإِليكَها غَرّاءَ غانيَةً / رامت بمدحك أَكرمَ المَهرِ
نظمت قَريحتيَ الكلام لها / نظمَ الصَناعِ قَلائدَ الدُرِّ
قد أَعجزَت بِبَديع مِدحَتِها / أَهلَ البَديع وَصاغَةَ الشِعرِ
جلَّت بوَصفِكَ عن مُعارضَةٍ / بالعَصر بل في سالف العَصرِ
لَولا مَديحُكَ صانَها شَرَفاً / عُدَّت لرقَّتها من السِحرِ
ثمّ الصَلاةُ مع السَلام عَلى / خيرِ الهداة وَشافِعِ الحَشرِ
وَعَليكَ يا من حازَ كلَّ عُلاً / وَعلى بنيك الأَنجُم الزُهرِ
ما لاحَ وسطَ أَريكةٍ قَمَرٌ / أَو ناحَ فوقَ أَراكة قُمري
لمن الكتائبُ في العَجاج الأَكدَرِ
لمن الكتائبُ في العَجاج الأَكدَرِ / يَخطُرنَ في زَردِ الحَديدِ الأَخضرِ
ضَربت عليهنَّ الرِماحُ سُرادِقاً / دُعِمت بساعد كُلِّ شَهمٍ أَصعَرِ
وَالبيضُ تَلمَعُ في القتام كأَنَّها / لَمعُ البوارِقِ في رُكامِ كَنَهوَرِ
وَصَليلُ وَقعِ المرهفاتِ كأَنَّه / رَعدٌ يُجَلجِلُ في أَجشَّ مُزمجِرِ
وَالرايَةُ الحَمراءُ يَخفِقُ ظِلُّها / يَهفو عليها كُلُّ لَيثٍ مُزئِرِ
وَالخَيلُ قد حَملَت على صَهَواتِها / من كُلِّ أَصيَدَ باسلٍ ذي مغفرِ
مُتسربلٍ بالقَلب فوقَ دِلاصِه / متلثِّمٍ بالنَقع لَمّا يُسفِرِ
في مَوقفٍ كسَف الظَهيرَةَ نقعُه / فأَضاءَها بشرُوقِ وَجهٍ مُقمرِ
يَختالُ في حَلَق الدِلاصِ كأَنَّه / يَختالُ منها في مُفَوَّف عَبقري
من فتيةٍ أَلِفوا الأَسنَّة وَالقَنا / فقِبابهم قصبُ الوَشيج الأَسمَرِ
يَقرونَ بيضَهمُ الرِقابَ ويُنهلوا / زُرقَ الأَسنَّة من نَجيعٍ أَحمَرِ
شادوا عمادَهم بكلِّ مثقَّفٍ / لَدنٍ ومجدَهم بكلِّ مُشهِّرِ
حلّوا من العَلياء قمَّة رأسِها / وحووا بسالةَ أَكبرٍ عن أَكبَرِ
مَن مِنهمُ الملكُ المَهيبُ إذا بَدا / خضعَت له ذُلّاً رِقابُ الأَعصرِ
فَخرُ المَفاخِر والمآثِر والجحا / فِل وَالمَحافِل والعُلى والمِنبرِ
القائدُ الجيش العرمرم مُعلَماً / مِن كُلِّ لَيثٍ ذي بَراثِنَ قَسورِ
السائقُ الجُردَ المَذاكى شُزَّباً / تَخطو وَتَخطرُ بالرِماح الخُطَّرِ
الفالقُ الهامات في يوم الوَغى / وَالسمرُ بين مُحطَّمٍ وَمكسَّرِ
الشامخُ النَسبين بين ذَوي العُلى / وَالباذِخُ الحسبين يَومَ المفخرِ
الواهبُ البَدرات يتبعها النَدى / مِن جوده بسحاب تِبرٍ مُمطرِ
يَجلو دُجى الآمال منه بنائِلٍ / متلألئٍ وَبوجه جودٍ مُسفرِ
وَلكم جلا رَهجَ القتامِ بباترٍ / متأَلِّقٍ وَسنانِ أَسمر سَمهَري
ملِكٌ إذا ما جاد يوماً أَو سَطا / فالخلقُ بين مُمَلَّكٍ ومعفَّرِ
من دَوحةِ المَجدِ الرَفيعِ عمادُهُ / وَالفَرعُ يُعرب عَن زكيِّ العُنصرِ
ما يَنقَضي يَوماً شَهيرُ نَوالِه / إِلّا وأَتبعه بآخرَ أَشهرِ
هَذا الَّذي صَدعَ القلوبَ مهابةً / وأَذلَّ كلَّ عملَّسٍ وغَضَنفَرِ
هَذا الَّذي غَمرَ الأَنامَ سَماحةً / من جودِه الطامي الجَليلِ الأَبهَرِ
هَذا الَّذي حازَ المَعالي قُعَّساً / وَسِواه يلطمُ خدَّ حَزنٍ أَقفَرِ
هَذا نظامُ الدين واِبنُ نظامه / نَسَبٌ يؤولُ إِلى النَبيِّ الأَطهَرِ
لمعَت أَسِرَّةُ نوره في وجهه / فاِزورَّ عنها كُلُّ لَحظٍ أَخزَرِ
يَجلو لَنا من حلمه في حَزمِه / أَخلاقَ أَحمدَ في بسالة حيدَرِ
بَينا تَراه مُصَدَّراً في رَسته / ملِكاً تَراهُ فَوقَ صَهوة أَشقَرِ
أَربيبَ حجر المكرُمات ورَبّها / وَرَضيعَ ثدي العارض المُتَعَنجرِ
لِلَّه جدُّكَ أَيُّ مَجدٍ حُزتَه / فَشأوتَ كُلَّ مقدَّم ومؤخَّرِ
أَنتَ الَّذي أَحرَزتَ كلَّ فَضيلَةٍ / وَوردتَ بحرَ الفضل غير مُكدَّرِ
ظَمئت أَمانيُّ الرِجال لَدى العُلى / فوردتَ منهلَها وَلَمّا تَصدُرِ
وَإليكها غَرّاءَ قد أَبرَزتُها / تُجلى بشكرَك في نَديِّ المحضرِ
أَحكَمتُ نظمَ قَريضها فَتَناسقَت / كالعِقد يَزهو في مُقلَّد جُؤذَرِ
يَذكو بمدحك نشرُها فكأَنَّني / أَذكيتُها منه بمِسكٍ أَذفَرٍ
ما ضاعَ نشرُ ثنائِها في مَجلسٍ / إِلّا تفتَّق عن ذَكيِّ العنبَرِ
واِسلم على دَرَج المَعالي راقياً / بأَجلِّ أَخبارٍ وأَصدَقِ مخبَرِ
لا تَحسبنَّ فرِندَ صارمِه به
لا تَحسبنَّ فرِندَ صارمِه به / وَشياً أَجادَته القُيونُ فأَبهَرا
هَذا نَدى يمناهُ سال بمتنه / فغدا يَلوحُ بصَفحَتيهِ جَوهرا
وافى خيالك بعد طول نِفارِ
وافى خيالك بعد طول نِفارِ / فجعلتُ موطِئَهُ سَنى الأَبصارِ
أَنّى اِهتَدى منك الخَيالُ لبلدةٍ / أَقصى وأَجهل من بلاد وَبارِ
لا والَّذي جعل المحصَّبَ دارَها / والهندَ من دون الأَحِبَّة داري
لَم يَهدِه إلّا تَصعُّد زَفرَتي / فكأَنَّها نارٌ تُشبُّ لسارِ
حَيّا فأَحيا ذكرَ من لم أَنسَهُ / ما كانَ أَغناهُ عن التذكارِ
آهٍ لأَيّام الحجاز وَساكني / أَرضِ الحِجاز ورَوضهِ المِعطارِ
حيث السَلامةُ مربعي ورُبى الخما / ئِل مرتعي وَحِماهُ دارُ قَراري
كَم فيه من قمر قمِرتُ بحسنه / أَوفى بغرَّته على الأَقمارِ
ما شُكَّ فيه أَنَّه شَمسُ الضحى / لو كانَ مَطلَعُها من الأَزرارِ
فالطَرفُ من إِشراقِه متردِّدٌ / ما بين بدرِ دجىً وَشَمسِ نَهارِ
ولربَّ لَيلٍ بتُّ فيه معَلَّلاً / من ريق مبسمه بكأسِ عُقارِ
أَلهو به واللَهوُ داعيَةُ الصبا / ومن الغَرام تهتُّكي وَوقاري
أَيّامَ لم تلوِ الديون عَلى اللِوى / سُعدى ولا نأت النَوى بنوارِ
يا حَبَّذا زَمنُ الوصال وحبَّذا / عَهدُ الحَبيب ودارُه من داري
زَمَنٌ أَطَعتُ به الصَبابة والصِبا / وَقَضيتُ فيه من الهَوى أَوطاري
أَرضَيتُ أَحبابي وغِظتُ لوائمي / وطرحتُ عُذري واِطَّرحتُ عِذاري
إِذ لا رَبيعُ الوصل فيه محرَّمٌ / كلّا وَلَيسَ خُطى المُنى بقصارِ
لم أوفِه حقّاً أَحال به على / قَلبي الكَئيبِ وَمدمعي المدرارِ
قسماً بمكَّةَ وَالحطيم وَزَمزَمٍ / وَالبيت ذي الأَركانِ والأَستارِ
ما عنَّ لي ذكرُ الحجاز وأَهله / إِلّا عَدِمتُ تجلُّدي وقَراري
أَدرِ المُدامَةَ بالكَبير
أَدرِ المُدامَةَ بالكَبير / فالوَقتُ ضاقَ عَن الصَغيرِ
واِستَجلها في كأسِها / كالشَمسِ في البَدرِ المُنيرِ
نَزلت من الفَلَك المُدا / رِ تَلوحُ في كفِّ المُديرِ
لَولا شِباكُ حَبابها / كادَت تَطيرُ من السُرورِ
بِكرٌ تتيحُ لك المَسَر / رة في المَساءِ وفي البُكورِ
صدرَت بأنسِ ورودها / خَيلُ الهموم من الصُدورِ
تُعشي العيونَ إذا اِنجَلَت / بالضوءِ من نارٍ وَنورِ
ذَهَبيَّةٌ لهبيَّةٌ / عُصِرت بأَحقابِ العُصورِ
وافَت بسَورَة نشوَةٍ / ذهبت بأَلباب الحضورِ
يَسقيكَها ساقٍ أَغَر / ر يَميسُ كالظَبي الغَريرِ
وَيُريكَ من إِشراقِه / قمراً على غُصنٍ نَضيرِ
يَرتاحُ من مَرَحِ الصِبا / وَيتيهُ من فَرطِ الغُرورِ
نَشوانُ يَمزجُ أنسَه / عند التكَلُّم بالنُفورِ
يَرنو إليكَ بمقلةٍ / وَسنى الجُفون من الفُتورِ
لَو قيلَ من سَلَبَ النُهى / لَم تعدُهُ كفُّ المُشيرِ
في رَوضَةٍ مَطلولَةِ ال / أزهارِ في اليوم المَطيرِ
تَثني الرياحُ غصونَها / ثنيَ المعاطِفِ والخُصورِ
وَالغيثُ يَسكبُ دمعَه / والزَهر مفترُّ الثُغورِ
قد غرَّدت فيها المَثا / نِي قبلَ تَغريد الطّيورِ
ولربَّ لَيلٍ بِتُّهُ / بين النُحور إِلى السُحورِ
من غانياتٍ كالرَّبا / رِب قاصرات الطَرفِ حورِ
طلعَت به كأسُ المُدا / مَةِ مطلعَ الشِّعرى العَبورِ
وَالبَدرُ في كَبِدِ السَّما / ءِ كَسابِحٍ وَسطَ الغَديرِ
وَسَنى المجرَّة في الدُجى / كالنَهر ما بَينَ الزَهورِ
وَاللَيلُ شَمَّرَ للسُرى / وَالصبحُ آذَنَ بالسُفورِ
في فتيةٍ عَقدوا مآ / زرهم على خَيرٍ وَخيرِ
وَتَراضَعوا درَّ المُدا / مِ من المَسَرَّة في حُجورِ
من كُلِّ أَروع ماجِدٍ / عَفِّ الشَبيبَةِ وَالضَميرِ
لم تَرضَ همَّتُهُ الكَبي / رَةُ غَيرَ شِربٍ بالكَبيرِ
فالراحُ في لهَواتِهِ / كالشَمسِ تَغربُ في ثَبيرِ
كانَت لَيالي عَهدِهم / غُررَ اللَيالي والشُهورِ
خِلّانُ صِدقٍ إِن عرا / خَطبٌ بِمَكروهِ الأُمورِ
ذَهَبوا فأخلفَتِ اللَّيا / لِي عَنهم خلّانَ زورِ
لَم يَبقَ لي خِلٌّ يتم / مُ بأنسِ صحبته سُروري
إلّا حسينٌ عَينُ أَع / يان العُلى صَدر الصُدورِ
السَيِّدُ الشَهمُ الهما / مُ الفَردُ مَفقودُ النَظيرِ
فَخرُ المَفاخِرِ وَالمآ / ثِرِ والأَعاصرِ والدُهورِ
نافَت مآثرُه العُلى / شَرَفاً على الفَلَكِ الأَثيري
وَزَها بِهِ دَستُ الوِزا / رَةِ منذ لُقِّبَ بالوَزيرِ
وَعَنا لمفخَرِهِ المؤث / ثَلِ كُلُّ مُختالٍ فَخورِ
لَو جُسِّمَت أَخلاقُه / أَغنتكَ عن نور البُدورِ
في كَفِّه كفُّ العدى / وَبفكِّه فَكُّ الأَسيرِ
كَم صاغ مِن مِننٍ له / أَضحَت قَلائدَ للنُحورِ
وأَبانَ عَن عَزمٍ أَبا / دَ عَزائِم اللَّيث الهَصورِ
أَغناهُ عَن مَدح الوَرى / ما حازَ من مَجدٍ شَهيرِ
طالَت بيوتُ جُدودِه / وَهُمُ ذوو النَسب القَصيرِ
قَومٌ بَنوا شرفَ العُلى / بين الخُورنقِ وَالسَديرِ
وردوا الفراتَ فأَخجَلو / هُ بِبَحرِ جودِهُمُ الغَزيرِ
قُل للمُكاثِر مجدَهم / أَينَ القَليلُ من الكثيرِ
سَلِّم لجيرانِ الوصي / يِ وَسِر سَبيلَ المُستَجيرِ
فَهمُ هُداةُ أولي الضَلا / لِ وَهم ضياءُ المُستَنيرِ
يا سَيِّدا كَلماتُه / شرفُ المَهارقِ والسُطورِ
لِلَّه دَرُّكَ من خَطي / بٍ شاعِرٍ نَدبٍ خَطيرِ
أَهديتَ لي دُرَرَ الكَلا / مِ فخلتُها دُررَ النُحورِ
أَبيات شعرٍ كالقُصو / رِ وَلَيسَ فيها من قُصورِ
ما حازَ رقَّةَ لفظِها / شِعرُ الفَرَزدَقِ أَو جَريرِ
بل لا مَقاماتُ البَدي / عِ وَلا مَقاماتُ الحَريري
وافَت كَما وافى النَّسي / مُ بِطيب أَنفاسِ العَبيرِ
وشفَت فؤاداً لم يَزَلِ / من حَرِّ شَوقِكَ في سَعيرِ
فوردتُ من سَلسالها / أَحلى من العَذبِ النَميرِ
وإِليكَها مَنظومةً / وافتكَ من فِكرٍ حَسيرِ
نظَّمتُها نظمَ العُقو / دِ وَصُغتُها صوغَ الشُّذورِ
تَروي مناقِبَكَ الَّتي / نُشِرَت إِلى يوم النُشورِ
وَاِسلَم ودُم في نِعمَةٍ / غرّاءَ في دارِ السُرورِ
ما لاحَ طَيفٌ في الكَرى / أَو ناحَ طَيرٌ في الوكورِ
شَقَّ الدُجى عن نحره الفَجرُ
شَقَّ الدُجى عن نحره الفَجرُ / وَبَدَت عليه غَلائِلٌ خضرُ
واِفترَّ يبسمُ عن تبلُّجهِ / ضوءُ الصَباح كأَنَّه ثغرُ
وَالشَمسُ قد نهضَت لمشرِقها / فاِنهض بشمسِكَ أَيُّها البَدرُ
واِشفَع بها شمسَ الصباح وإِن / أَضحت وبدءُ شروقها العَصرُ
واِستَضحِكِ الدهرَ العَبوسَ بها / فبمثلها يُستَضحَكُ الدَهرُ
واِستجلِها بِكراً مُعتَّقةً / تَصبو إِليها العاتِقُ البِكرُ
حَمراءُ تَسطعُ في زجاجتِها / فكأَنَّها لو لم تذب جَمرُ
وَكأَنَّما إِبريقُها سَحَراً / إِذ قَهقَهَت لحَمامِه وَكرُ
جُليت على خُطّابِها فحكَت / عَذراءَ ما عَن وَصلِها عُذرُ
يَسعى بها ساقٍ لواحِظُه / سَكرى وَصفو رُضابِه خَمرُ
حلوُ الهَوى عَذبٌ مقبَّلُه / لكن مذاقُ مِطاله مُرُّ
أَو غادَةٌ رؤدٌ غدائِرُها / لَيلٌ وَضوءُ جَبينها فَجرُ
هَيفاءُ لَولا عَقدُ منطقها / لَم يستقلَّ بِرِدفها الخصرُ
خُرعُوبَةٌ جمٌّ محاسِنُها / لكنَّما إِحسانُها نَزرُ
في رَوضَةٍ وَشّى الرَبيعُ لها / حُللاً فطرَّزَ وشيَها القَطرُ
وَالبَرقُ شقَّ بمرجِها طَرَباً / جيبَ الحَيا فتبسَّم الزَهرُ
وَشَدَت بها الوَرقاءُ مَطربةً / فَتَمايسَت أَغصانُها الخُضرُ
واهاً لمجلِسنا وقد جمعَت / فيه المُنى وتهتَّك السِترُ
إِبريقُنا ذَهَبٌ وخمرتُه / ياقوتَةٌ وَحَبابُها دُرُّ
وليومِنا وَسُقاةِ أَكؤسِنا / صُبحٌ أَغَرُّ وأَوجهٌ غُرُّ
دعتِ المُدام إِلى الصَبوح به / من ليسَ يُثقلُ سمعَه وَقرُ
إِن لَم يَطِب سُكرٌ لشارِبها / فَمَتى يَطيبُ لشارِبٍ سُكرُ
فاِشرب ولا تقل الزَمانُ قَضى / أَن لا يَفوزَ بلذَّةٍ حُرُّ
شَملَ الزَمانَ ندى أَبي حسنٍ / فَصَفا وَزالَ بِيُسره العُسرُ
وَسرت تَهلَّلُ من أَنامِلِهِ / لبني الرَجاءِ سحائِبٌ عشرُ
سحبٌ ولكن وَدقُ صَيّبها / تِبرٌ ولَمعُ وَميضِها بِشرُ
فالخَلقُ من يُمنى يَدَيه لهم / يُمنٌ ومن يُسراهُما يُسرُ
وَحَكَت عوارفُه معارفَه / فتدفَّقا فَكِلاهُما بَحرُ
بَحرٌ وَلكن لجُّ نائِله / ما رَدَّ سائِلَ فَيضهِ نَهرُ
برَّت بإخلاصٍ سريرتُه / فهو التَقيُّ المخلصُ البَرُّ
أَسمِع بِهِ واِنظر إِليه تَجِد / خَبَراً يحقِّقُ صدقَهُ الخُبرُ
ذو هِمَّة كادَت لعزمتها / صُمُّ الصُخور يُذيبها الذُعرُ
لَو رامَ يَصطادُ النجومَ بها / لم يأَو وَكرَ سَمائِه النَسرُ
من دَوحة سُقيت أَرومتُها / ماءَ العُلى وَنَما بها الفَخرُ
فتهدَّلت أَغصانُها كرماً / زكت الفروع وأَنجبَ العِترُ
يا أَيُّها البَدءُ الَّذي شكرت / جَدوى يديه البَدوُ وَالحَضرُ
شعري بمدحك لا أَضنُّ به / فَلمثل مدحك يُنظمُ الشِعرُ
وإِليكها عِقداً مفصَّلة / لم يحلُ قطُّ بمثلها نحرُ
وافَت مُهنِّئة بمرتبةٍ / بك قَد سما لمقامها قَدرُ
واِسلم مدى الأَيّام مُرتَقياً / رُتباً يضيق لعدِّها الحصرُ
زُهرُ الدراري أَم نظامُ الجوهر
زُهرُ الدراري أَم نظامُ الجوهر / وَشَذا السُلافَة أَم شَميمُ العَبهرِ
أَم زَهر روضٍ قد تبسَّم ضاحِكاً / إِذ جادَه صوبُ الغمام المُمطرِ
وَشُذورُ تبرٍ أَم جمانُ قَلائِدٍ / تَزهو وَتزهرُ في مقلَّد جؤذرِ
أَم هذه أَلفاظُ مولىً ماجِدٍ / وَرِث البلاغةَ أَكبراً عن أَكبرِ
يُزري بنظَمِ الدُرِّ باهرُ نظمه / وَيَفوقُ مسكره مُذابَ السُكَّرِ
فلِشعرِه الشِعري العَبورُ تَضاءَلت / كَرهاً وودَّت أَنَّه لم يشعُرِ
وَالنَثرةُ العَليا هوت من نَثره / خَجَلاً وَقالَت ليتَه لم ينثرُ
قد أَعجز البلغاءَ مُعجزُ أَحمَدٍ / فأقرَّ كلُّهمُ بعجزِ مُقصِّرِ
يا مُهدياً لي من سَنيِّ نظامِه / وَنثارِه دُرّاً بهيَّ المَنظَرِ
شُكراً لفضلكَ شكر مَمنونٍ فقد / حَلَّيت جيدي من عقودِ الجَوهرِ
وَحياتكم يا ساكني أُمِّ القُرى
وَحياتكم يا ساكني أُمِّ القُرى / ما كانَ حبُّكمُ حَديثاً يُفترى
أَهوى ديارَكمُ الَّتي من حلَّها / حلَّ الجنانَ بها وعلَّ الكوثرا
واهاً لهنَّ منازِلاً ومراتعاً / تَرعى الظِباءَ بهنَّ آسادُ الشَرى
إِن هزَّت الآرامُ سُمرَ قدودِها / هزَّت ضراغمُها الوَشيجَ الأَسمرا
اِنظر بعينك هَل ترى فيها سوى / رشأً يَصيدُ بمقلَتيهِ قَسورا
أو ليثِ عاديةٍ تنمَّر غائراً / يَحمي بأَنياب الأَسِنَّة جؤذَرا
اللَه أَكبرُ كم يَرُعنَ ومن رأى / تلك الجآذرَ وَالقساورَ كبَّرا
وَبمهجتي رشأٌ أَغنُّ إذا جفا / جفت العيونُ لصدِّه طيبَ الكرى
يوفي على الشمس المنيرة في الضحى / حُسناً إِذا حَسرَ اللثامَ وأَسفرا
لَم يسلُ قَلبي عشقَ أَحمَرِ خدِّه / حَتّى أسال لي العذارَ الأَخضرا
قال العَذولُ وقد أَطالَ مَلامَتي / فيه ألا تُصغي فَقُلتُ أَلا تَرى
هَذا الَّذي جعلَ القُلوبَ لحسنه / رِقّاً وما اِبتاعَ القُلوبَ ولا اِشتَرى
لا وَالَّذي فتنَ العقولَ بحُسنِه / ما اِرتابَ قَلبي في هواهُ ولا اِمترى
فارقتُه كَرهاً وواصلتُ النَوى / قَسراً وأَضحى الصَبرُ مُنفصمَ العُرى
لَم أَدرِ أَيُّ الغُصَّتين أسيغُها / إن عنَّ لي ذكرُ الفراق أَو اِعتَرى
أَفراقَ إِلفي أم فراقَ مَواطني / وَكلاهما لهبٌ بِقَلبيَ قد وَرى
لِلَّه أَيّامي بمكّةَ والصبا / تهدي إلى فَوديَّ مِسكاً أَذفَرا
أَشري بكلِّ الدَهر منها ساعةً / لَو أَنَّها مِمّا تُباع وَتُشتَرى
ما طابَ لَيلُ الوصل إلّا واِنبرى
ما طابَ لَيلُ الوصل إلّا واِنبرى / يُهدي لنا مِسكاً وَيوقِدُ عَنبرا
وَكَسا معاطِفَنا بجُنح ظَلامه / مسكيَّ بُردٍ بالنُجوم مُدنَّرا
وَجلا لَنا لَمّا تجلَّت زُهرهُ / زَهراً تَفتَّق في السَماء ونوَّرا
أَخفى عَن الواشين موقعَنا فَلَم / يَدرِ الرَقيبُ بنا هنالكَ لا دَرى
أثني عليه شاكِراً منه يَداً / لا بل أَياديَ حقُّها أَن تُشكرا
فَلكم سَريتُ بجُنحه مستخفياً / أَخفى من الطيف الملمِّ إذا سَرى
حتّى قضيتُ به لُباناتِ الهَوى / وَحمدتُ عند الصُبح عاقبةَ السُرى
واهاً لها من لَيلةٍ قد أَخجلت / بِظَلامها الداجي الصَباحَ المُسفِرا
كَيفَ السَبيلُ إلى لِقاه وقد غدت / داري برار ودارُه أمَّ القرى
مَن قاسَ جَدوى راحتَيك إذا هَمَت
مَن قاسَ جَدوى راحتَيك إذا هَمَت / بالغَيث أَخطأ في القياس وما دَرى
إذ أَنتَ تُعطي ضاحِكاً مُستَبشِراً / وَالغَيثُ يُعطي باكياً مُستَعبِرا
يا طودَ مَجدٍ في المَكارِم راسِ
يا طودَ مَجدٍ في المَكارِم راسِ / سامي العماد موطَّد الآساسِ
لا غرو إِن سقط الجوادُ لعثرةٍ / عثرت لَها قدمُ النَدى والباسِ
فَلَقَد حملتَ عليه أَثقالَ العُلى / فَغَدا ذَلولاً بعد طولِ شِماسِ
حتّى إِذا أَلقيتَ فضلَ عِنانِه / سَبقاً إِلى الغايات قَبلَ الناسِ
لَم يَستَطِع حَملاً لما أَوقَرتَه / فَهوى كَما يَهوي العَظيمُ الراسي
هَيهات أَن يَسطيعَ يحملُ راكِضاً / جبلَ العُلى فرسٌ من الأَفراسِ
فَليذهَب النَغلُ الحَسودُ لما به / وَليحظَ مِمّا رامَه بالياسِ
واِسلم على مرِّ اللَيالي راتعاً / في طيبِ عيشٍ طيِّب الأَنفاسِ