القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 15
يا حامِلينَ أَمانَةَ الأَبناءِ
يا حامِلينَ أَمانَةَ الأَبناءِ / اللَه في مصر وَفي الشهداءِ
فَتَحَت لَكُم صُحُفَ الفَخارِ فَسَطِّرُوا / ما يَذخرُ الآباءُ لِلأَبناءِ
لا تُورِثوا أَعقابَكُم ما ذُقتمُو / في الأَسرِ مِن مِحَنٍ وَمِن لأواءِ
وَالعِزُّ أَفضَلُ ثَروَةٍ يَرِثُونَها / وَلَو انَّهُم في ثَروَةِ الفُقَراءِ
كَم مُكتَسٍ حُلَل الرَفاهةِ فاقِدٍ / عزَّ الطَليق يُعَدُّ في البُؤساءِ
أَلقَت عَلَينا الطَيرُ في أَفنانِها / عِظَةَ البَصيرِ وَحِكمَةَ الحُكَماءِ
رَضِيَت بِرزق الكادِحينَ وَغَرَّدَت / فَرَحاً بِعيشَتِها مَعَ الطُلَقاءِ
يا مُقسِمينَ بِحُبِّ مصرَ وَإِنَّهُ / قَسَمٌ أَحَقّ بَحُرمَةٍ وَوَفاءِ
وَمُحَمَّلينَ وَديعَةً مَسؤولَةً / عِبءُ الوَدائِعِ أَثقَلُ الأَعباءِ
عُرِضَت عَلى السبع الطباقِ فَأَشفَقَت / وَأَبَين مِن ضَعفٍ وَمِن إِعياءِ
رَفَعتكُم الأَجيالُ ما أَعددتُم / بِصَحائِفِ الأَجيالِ مِن أَنباءِ
وَتَطلَّعَت نَحوَ الحَياةِ أَجِنَّةٌ / أَحياةُ يَأسٍ أَم حَياةُ رَجاءِ
وَأَطلَّتِ الشُهَداءُ مِن جَنّاتِها / لِتَرى ثمارَ الغرسِ في الأَحياءِ
فَتَدارَكُوا أَملَ البِلادِ فَقَد مَضَت / بِمُنى البِلادِ ضَراعَةُ الرُؤساءِ
يُستَوزَرونَ وَكُلُّ عُدَّتِهم لَها / أُذُنُ الأَصَمِّ وَمُقلَةُ العَشواءِ
وَإِذا تَضَرَّعَتِ البِلادُ إِليهمُو / فَالصَبرُ كُلُّ نَصيحَةِ النُصَحاءِ
يَصفونَ أَدواءَ البِلادِ وَعِندَهُم / أَنَّ السَكينةَ بَلسَمُ الأَدواءِ
فَكَأَنَّما لَفظُ السَكينَةِ آيَةٌ / ما أُنزِلَت إِلّا عَلى الوُزَراءِ
لا تَقنَطوا إِنَّ القُنوطَ مطيَّةٌ / تقِفُ الشُعوب عَلى بِلىً وَفَناءِ
وَخُذوا بِحَزمٍ في عَدوٍّ دَأبُهُ / بَطشُ القويِّ وَحِيلَةُ الضعفاءِ
رُدُّوا لِأُمتكم حَياةً لَم تَدَع / مِنها عُهودُ الذُلِّ غَيرَ ذَماءِ
قُتِلَ الإِسارُ فَكَم أَماتَ مَواهِباً / وَأَضاعَ مِن فِطَنٍ بِها وَذكاءِ
نالَ الغَبيُّ بِهِ أَعَزَّ مَكانَةٍ / وَطَغَت مَظالِمُهُ عَلى العلماءِ
جَعلَ المَناصِبَ في البِلادِ وراثَةً / لِذَوي الغِنى وَصَنائِعِ العُظَماءِ
حُرِمَ المَعالي مَن يَمتُّ بِعلمه / وَتُنالُ بِالأَنسابِ وَالوُسَطاء
جِدُّوا إِلى نَشرِ المَعارِفِ جهدَكم / تُهدَى البِلادُ بِنورها الوَضّاءِ
جَهلُ المَمالِك عُدَّةٌ لِعَدوِّها / كَاللِص يَحمدُ حالِكَ الظلماءِ
لا تُنسينّكمُ المَناصِبُ ما حَوَت / في طَيِّها مِن شِقوَةٍ وَعَناءِ
سُبُل العُلا ما تسلُكونَ وَإِنَّما / تَأوي الصعابَ مسالكُ العَلياءِ
لَيسَت كَراسيُّ النِيابَةِ رُتبَةً / يَعلو بِها مَن كانَ في الوُضَعاءِ
دارُ النِيابَةِ فُتِّحَت أَبوابُها / ماذا أُعدَّ لَها مِن الآراءِ
إِن شئتُمُ كانَت لِمصرٍ نِعمَةً / أَو شِئتُمُ كانَت سَبيلَ شَقاءِ
إِنّي أُعيذُ رِجالَها وَأُعيذُها / مِن أَن يُشادَ بِناؤُها لِبِناءِ
لَم يُغنِ عَن إِيرانَ مَجلِسُها الَّذي / حَشَدوه إِذ مالوا مَعَ الأَهواءِ
حَسِبتهُمُ إِيرانُ نُخبَةَ شَعبِها / رَأياً فَكانوا نُخبَةَ الأَعداءِ
اللَهُ كافِلُ أَمرِكُم وَمُعزُّكُم / بِنَصيرِ مِصرَ وَسَيدِ الزُعَماءِ
وَلَدتهُ مصرُ فَكانَ أَوفى موثِقاً / وَأَبرَّ مَن وَلَدَت مِن الأَبناءِ
وَبنَت عُلاهُ كَما بَنَت أَهرامها / فَخراً عَلى الدُنيا وَطُول بَقاءِ
يا أُمَّةً لَعِبَ الهَوى بِبنِيها
يا أُمَّةً لَعِبَ الهَوى بِبنِيها / حَصَدت لَها ثَمَرَ الرَدى أَيدِيها
سارَت سَفينتُها فَلمّا قارَبَت / ضَلَّت وَحادَ عَن الهُدى مُجرِيها
عَصَفت بِها ريحُ الخِلافِ بلُجَّة / لَم يَدرِ غايتَها سوى مُرسيها
رَبّاه إِن آخَذتَ قادَتَها بِما / كَسَبوا فَنجِّ بِرَحمَةٍ مَن فيها
صَدَقُوا الجِهادَ وَفَرَّقتهم عُصبَةٌ / أَنتَ الَّذي بِذُنوبِها تجزِيها
كانُوا الحُماةَ مِن العَدُوِّ فَأَصبَحوا / وَهُم العَدوُّ لَها فَمَن يَحميها
كُلٌّ يُهيبُ بِنا لِنتبعَ خَطوَهُ / كَالشاءِ تَجعَلُ ذِئبَها راعيها
هَذا بِسابِقَةٍ يَمُنُّ وَإِنَّهُ / إِن يسد فَهو لِنَفسِهِ يُسدِيها
وَيُدِلُّ آخرُ بِالعُلا في قَومِه / وَصَواعق الدولاتِ مِن عاليها
وَيُريك ماضِيَه وَيَطوِي حاضِراً / لَو في المَلائِكِ لَم يُفِد ماضيها
وَمُطاوِلونَ بِعلمهم لَم يُطفِئُوا / فِتَناً شَقائِقُ عِلمِهم تُذكيها
وَالعلمُ إِن قَسَمَ الشُعوبَ طَوائِفاً / أَثنى عَلى جُهّالِها مُثنيها
وَالوَيلُ مِن كُلٍّ إِذا لَم يجزِه / بِصَنيعِهِ التَقديسَ وَالتأليها
كَم ذا هَتَفنا بِالحَياةِ لَهُم وَما / وَجَدت بِلادُ النيلِ مَن يَحميها
وَدَمٍ سَقَينا الأَرضَ مِنهُ فَأَنبَتَت / مِن خَلفِنا شُؤماً عَلى أَهليها
يا أُمَةً طَمَسَ الهَوى أَحلامَها / قَصَّرتِ في طَلَبِ العُلا فَدَعِيها
إِن الشُعوبَ إِذا تَفرَّق سَعيُها / عَضَّ البنانَ نَدامَةً ساعيها
يا فِتنَةً عَصَفت بِمصرَ وَما لَها / جَلَدٌ لِعاصِفَةِ الخِلافِ يَقيها
قَد مَكَّنت لِلغاصِبينَ بِأَرضِها / وَمَشى إِلى إِذلالِها ماشِيها
أَودَت بِأَخلاقِ الشَبابِ وَدَنَّست / ما أَخجَل الأَزهارَ مِن صافيها
وَأَتَت عَلى أُسَرِ البِلادِ فَفَرَّقَت / بَينَ الفَتاةِ وَأمِّها وَأَبيها
ذَهَبت بِما تَرجوه مصرُ وَأَهدَرَت / ما سالَ مِن دَمِنا عَلى واديها
فَكَأَنَّنا لَم نَفدِها بِنُفوسِنا / حينَ اِستَبَدَّ عَدوُّها بِذَويِها
رَبّاه ضلَّ سَبيلَها كبراؤُها / فَأَفِض عَلَيها حِكمَةً تَهديها
رُحماكَ قَد مَلأَ النِفاقُ سَرائِراً / لَم تَعرِف التَضليلَ وَالتَمويها
شِيَعٌ تَقاذفُ بِالسِبابِ حقودُها / أَعيا مبرِّحُها عَلى آسيها
يَتَجاذَبُونَ المَجد لَم يَسعوا لَهُ / وَالقَوسُ لا تُعطى سِوى باريها
خُطَبٌ بِمَأفونِ المَقالِ حَفِيلَةٌ / سُمّاعُها لِمآربٍ تُطرِيها
يَرمي بِها كُلٌّ أَخاهُ وَإِنَّما / يَرمي بِها الأَوطانَ إِذ يَرميها
كَلِمٌ مردَّدَةٌ إِذا ما مَجَّها / سمعُ الكَريم أَعادَها مُبديها
أَبني أَبي إِنَّ العَدوَّ بمرقَدٍ / كَشَفَت لَهُ الأَحقادُ عَن خافيها
نارٌ لَكُم مِنها الحريقُ وَنورُها / لِعَدوِّكُم وَمجُوسكم عَبدوها
حَشَدَ الزَمانُ عَلَيكُمُ أَعداءَكُم / وَأَلدُّها الفِتَنُ الَّتي تُورِيها
أَوَ لَم تَرَوا كَيفَ اِنطَوَت بِخلافِها / أُمَمٌ أَطاعَت في الهَوى غاوِيها
أَولَى بِمَن جَمَحت بِهِ الأَيّام
أَولَى بِمَن جَمَحت بِهِ الأَيّام / صَبرٌ يَرُدُّ العَضبَ وَهوَ كَهامُ
وَيكُفُّ غَربَ الدَهرِ مِن غَلوائِهِ / وَيُعيد نارَ الخَطبِ وَهيَ سَلامُ
لا تُلوِيَنَّ بِكَ الخُطوبُ إِذا عَدت / فَالصَبرُ ماءٌ وَالخُطوبُ ضِرامُ
وَهَبِ الحَوادثَ مِن فُؤادٍ صَخرَةً / عَنها يَزِلُّ المُزنُ وَهوَ رُكامُ
وَالدَهرُ حَربٌ فَاحتَمِل حَمَلاتِه / وَاِثبُت لَها إِن زَلَّتِ الأَقدام
إِنّ الفَتى كُلَّ الفَتى مَن حِلمُه / راسٍ إِذا ما خَفّتِ الأَحلامُ
فَالدَوحُ لا يُعطي الرِياحَ قِيادَه / وَلَقَد يَميلُ مَعَ الرِياحِ ثُمامُ
ما لِلمَصائِبِ سُحبُهنَّ مَواطِرٌ / وَتَمُرُّ سُحبُ الخَيرِ وَهيَ جَهام
ما إِن يُلِمُّ بِنا خَيالٌ مُسعِدٌ / بِالخَيرِ لَكن لِلرَدى إِلمام
قُولا لِلائِم دَهرِهِ مُستَعتِباً / أَقصر فَما يُجدي عَلَيكَ مَلامُ
لا تَشكُوَن إِلى اللَيالي ظُلمها / هَيهاتَ يَنقضُ حُكمَه ظَلّامُ
عَجَباً لِمُغتَبِطٍ بِطُولِ حَياتِه / إِنَّ الحَياةَ لَواعِجٌ وَسَقامُ
أَتَسُرُّني الأَيّامُ وَهيَ مَريرَةٌ / وَيَسوغُ كَأسُ العَيشِ وَهوَ سُحامُ
ماذا تُؤمِّل بَعدَ طُولِ سَلامَةٍ / هَل لِلزَمان مَواثِقٌ وَذِمامُ
في كُلِّ يَومٍ لي نَذيرٌ بِالرَدى / يَقِظٌ يُنادي وَالعُقولُ نِيامُ
في ذِمةِ الرَحمَنِ خَيرُ عَقِيلَةٍ / سَلَبَت بِها ما أَسدتِ الأَيامُ
مَلَكُ السَماءِ اليَومَ يُدفَن في الثَرى / هَل لِلمَلائِك في التُرابِ مُقامُ
وَأَظُنُّه وَحياً أَتانا بِالهُدى / فَأَتاه مِن قبل الصُعودِ حِمامُ
سائل بِغابِ الأُسدِ أَينَ حُماتُه / أَم أَينَ كانَ الباسِلُ المِقدامُ
لَكنَّهُ قَدَرٌ يُسَدِّدُ سَهمَه / سِيّان فيهِ سَيِّدٌ وَغُلامُ
لَفُّوكِ في عَلمٍ لأَنَّكِ مِثلُه / عَلَمٌ تُنكَّسُ فَوقَهُ الأَعلامُ
لَهفي عَلَيكِ تَرَكتِ جفناً ساهِداً / للعلمِ لَيسَ عَلى نَواكِ يَنامُ
قَد كُنتِ حَلي الدَهرِ وَهوَ مُعَطّلٌ / وَسِراجَ نادي العِلم فَهوَ ظَلامُ
فَلئِن قَضَيتِ فَما قَضَى من ذِكرُهُ / حيٌّ تُجدِّدُ عَهدَه الأَيامُ
نَفسي الفِداءُ لِزَهرةٍ أَمسى لَها / بَينَ الجَنادِل وَالثَرى أَكمامُ
أَودَت فَأَودَت بِالقُلوبِ هُمومُها / وَتَشَقَّقت لِمصابِها الأَقلامُ
خَلَّفتِ للعَلياءِ قَلباً خافِقاً / وَتَرَكتِ دَمع المَجدِ وَهوَ سِجامُ
وَمَع الحِجابِ بَلغتِ أَبعدَ غايَةٍ / في المَجدِ تَقصُر دونَها الأَفهامُ
لَيسَ الحِجابُ يَعوقُ عَن طَلبِ العُلا / فيما أَرى لَكنّها أَوهامُ
قالوا السفورُ فَقُلتُ شَعبٌ جاهِلٌ / وَالناسُ ما جَهِلوا فهم أَنعامُ
إِنّ السُفورَ مَع الجَهالةِ محنَةٌ / هَل يَدفَعُ الأَسَد الهصورَ سَوامُ
ها عَلِّموها وَاِفعَلوا ما شِئتمو / فالعلمُ حِصن لا يَكادُ يُرامُ
إِمّا الحِجابَ أَو السُفورَ أَردتُمو / وَالخَيرُ فيما اِختارَه الإِسلامُ
قولوا لِحفني استَبق دَمعَك حَسبها / ما قَد بكاها النيلُ وَالأَهرامُ
وَتَعزَّ عَن مَلَكٍ فَإِنَّك قائِلٌ / أَيامَ شَبَّ بِعابدينَ ضِرامُ
واقبل معاذيرَ الزَمانِ فَرُبَّما / قَبِلت مَعاذيرَ الكِرامِ كِرامُ
يا أيُّها الجَدَثُ الَّذي أَمسَت بِهِ / مِنّا عَلَيكَ تَحيَةٌ وَسَلامُ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ / هَيهاتَ تَبني ركنَهُ يَدُ عاطِلِ
وَضَح الهُدى وَالقَوم بَينَ أَخي كَرى / لا يَستَفيق وَبَينَ صاحٍ غافِلِ
قُل لِلَّذي طَلَبَ المَعالِيَ قاعِداً / لا مَجدَ في الدُنيا لِغَيرِ العامِلِ
بَنَتِ الشُعوبُ عَلى الصِناعَةِ عزَّها / فَالنَجمُ يَرمقُه بِعَينِ الذاهِلِ
دَعَموا الحَضارَةَ بِالعُقولِ وَصَيَّروا / مَدنيَّةَ الأَسلافِ زُخرفَ باطِلِ
تَرَكوا الزهادَة في الحَياةِ لِعاجِزٍ / راضٍ مِن الدُنيا بِعَيشِ الخامِلِ
وَتَراءَتِ الدُنيا لَهُم في جِدِّها / إِذ نَحنُ نَرميها بِعَينِ الهازِلِ
خَلَقُوا مِن العَدَم الوُجودَ وَأَوشَكوا / أَن يَجعلوا لِلصَخرِ عَقلَ العاقِلِ
وَاِستَنبَئُوا الأَكوانَ عَن أَسرارِها / لَم يَسألوا عَنها سُطورَ أَوائِلِ
خَضَعت لِأَمرِهمُ البِحارُ فَأُثقِلت / مِن سُفنِهم بِمدائِن وَمَعاقِلِ
تَجري وَمَوجُ اليَمِّ يَصخب حَولَها / مَرَّ الكَريم عَلى سِفاهِ الجاهِلِ
وَعَلوا سراة الريحِ فَوقَ مَناطِدٍ / نَظَرت لَها الأَفلاكُ نَظرَةَ واجِلِ
كَم ذاقَ في الأَسفارِ قَبلَهُم الوَرى / مِن شُقَّةٍ بَعُدَت وَهَول هائِلِ
فَتدارَكتها آيةٌ مِن عِلمِهم / جَعَلت رِحابَ الأَرضِ كِفَّةَ حابِلِ
تركت بعيدَ الدارِ مِثلَ قَرِيبِها / وَأَخا النَوى في نَأيهِ كمواصِلِ
لَو أَسعَفوا قَيساً وَقَد أَزِفَ النَوى / لَم يَبكِ لَيلاهُ بُكاءَ الثاكِلِ
فيمَ الفخارُ إِذا الشُعوبُ تَفاضَلت / أَبِذِلَّةٍ تُزرى وَجَهلٍ قاتِلِ
لا تَذكروا ما شَيَّدَت أَسلافُكُم / مِن كُلِّ صَرح كَاليفاعِ الماثِلِ
لَولا جُهودُ الغَربِ حُجِّبَ علمُها / وَتَشابَه المَسئولُ فيهِ بِسائِلِ
زَخَرت نَوادي لَهوِكُم بِمَجالسٍ / مَوصولَةٍ غَدواتُها بِأَصائِلِ
لِلنَّردِ وَالشطرنج فيها ضَجَّةٌ / فَتَخالُها قَد بُدِّلَت بِمَعامِلِ
وَتمدُّها بِالعاطِلين مَدارِسٌ / تَهمي بِسَيلٍ مِن بَنيها هاطِلِ
ضاقَت رحابُ الأَرضِ وَهيَ فَسيحَةٌ / عَنهُم وَضاقَ بِهم ذِراعُ العائِلِ
أَلقَوا عَلى دُورِ الحُكومَةِ عبأهم / حَتّى شَكا الإِعياءَ جُهدُ الحامِلِ
مَن فاتَهُ عَيشُ الوَظائِفِ بَينها / فَنصيبُهُ في العَيشِ خَيبَةُ آمِلِ
وَخلت مَتاجركم وَأَقفر سُوقُكُم / مِن سِلعَةٍ إِلّا طَعامَ الآكِلِ
فَعَلامَ نُزهَى بِالثيابِ وَما لَنا / في صُنعِها يَدُ ناسِجٍ أَوغازِلِ
أَيَجرُّ ذَيلَ الفخرِ غِرٌّ ما لَهُ / في ثَوبِهِ حَتّى أَداة الغاسِلِ
وَإِذا امرُؤٌ حَذَق الصِناعَة منكمو / غالَى بِسلعَتِهِ غلوَ الباخِلِ
يَشكو الكَسادَ وقَد جَناه خلقهُ / طَمَعٌ يَلجُّ بِهِ ووعدُ الماطِلِ
وَتَرى سراةَ القَومِ في لَذّاتِهم / يَسخُو شَحيحُهم سَخاءَ الباذِلِ
وَإِذا البِلادُ دَعتهمُو لِمُصابِها / فَدعاء مَخذولٍ أَهابَ بِخاذِلِ
كَم ذا تُؤَدِّبُنا الخطوبُ بِنُصحِها / وَكَأَنَّ صَوتَ النصحِ صَوتُ العاذِلِ
وَنصيح بِالمَجدِ القَديم وَلا أَرى / صَيحاتِنا إِلّا تَثاؤُبَ كاسِلِ
فَتَجَرَّعُوا عُقبى البَطالَةِ مَورِداً / رَنقَ المَشارِبِ لا يَسُوغُ لِناهِلِ
لا تَظلموا صَرفَ اللَيالي إِنَّما / سَبَح الوَرى وَوَقفتمُو بِالساحِلِ
وَالبُؤسُ في الدُنيا جَنى لذَّاتِها / لا نَقض في حُكمِ الزَمانِ العادِلِ
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ / نَفسي فِداؤُكِ مِن بَنانِ
وَشَدَت بِعاجٍ مِن أَنا / مِلِها عَلى عاجِ البيانِ
مَرَّت عَلَيهِ مِثلَما / مَرَّت عَلى القَلبِ الأَماني
أَو مِثلَما مَرّ الخَيا / لُ يُعيدُ تذكارَ المَغاني
واِفتَنَّ في سِحر النُهى / شَدوُ الأَنامِلِ وَاللِسانِ
وَهَفا بِلُبِّكَ في أَفا / نِينِ الصَبابَةِ ساحِرانِ
رَنّاتُ ساحِرَةِ الغِنا / ءِ تُجيبُ رَناتِ المَثاني
بَثَّت إِلى الأَوتارِ مِن / حَرِّ الصَبابَةِ ما تُعاني
كَم أَودَعَت أَلحانَها / في الشَوقِ مِن سِحرِ المَعاني
فَتُحِسُّ أَوتارَ البيا / نِ وَقَلبها يَتَشاكَيان
لَم يَعرِفِ الحُبَّ المُبر / رحَ مِثل أَفئِدَةِ الغَواني
فَلرُبَّ حابِسَة الدُمو / عِ وَدَمعُها في الصَدرِ قاني
حَبَس الحَياءُ بُكاءَها / فَبَكَت بِتَرجيعِ الأَغاني
نَشَرَت صَحيفَةَ لَحنِها / رَمزاً يَدِقُّ عَلى البَيان
رَمَزُوا إِلى أَلحانِهِم / صَوناً لَها عَن الامتهانِ
وَاللَحنُ مِن سِرِّ المَلا / ئِكِ غَيرُ مُبتَذَلِ الصِيانِ
وَحيٌ تَنزَّلَ مِن سَما / ءِ قَريحَةٍ ذاتِ افتِنانِ
تُنسِي الوَقُورَ وَقارَهُ / طَرَباً وَتَمضي بِالجَبانِ
وَتَخالُ بِالأَوتارِ نا / رَ الشَوقِ تُضرِمُها اليَدان
لاقَت أَنامِلُها البيا / نَ كَما تَلاقى عاشِقان
يَتَضاحَكانِ مِن السُرو / رِ وَفي الأَسى يَتباكَيانِ
في نَغمَةٍ أَحسَستُ مِن / طَرَبٍ بِها طَربَ المَكان
وَتَجاذَبا ذِكرَ الهَوى / وَحَديثَ أَيّامٍ حِسان
وَلَيالياً طابَت وَأَث / مارُ المُنى فيها دَواني
وَمَجالِساً هَبَطت إِلى الد / دُنيا بِها عُليا الجِنان
زَمنٌ تَولّى صَفوُهُ / أَيَعودُ صَفوُكَ يا زَماني
آناءُ لَهوٍ خَلَّفَت / حُزناً عَلَيها كُلَّ آنِ
لَم أَنسَها يا صاحِبي / وُدّي وَلَكن ذَكِّراني
إِني لَيُطرِبُني الحَدِي / ثُ وَإِن مَلَأتُ بِها جَناني
زِيدا فُؤادي لَوعَةً / لا تَطَمَعا أَن تُسلِياني
مَن لَم يَذُق أَلَمَ الحَيا / ةِ قَضى سِنِيها وَهوَ فانِ
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه
هاتِ اِسقِني فَاللَيلُ شابَ ذَوائِبُه / وَتَكادُ تَجنَح لِلفرار كَتائِبُه
بِكراً تُضِيءُ إِذا بدَت في كَأسِها / حَتّى يَكادَ الأُفقُ يُشرِقُ جانِبُه
مَحبوسَةً في دَنِّها حَتّى غَدَت / كَالشَكِّ في أَمرٍ تَحَيَّر صاحِبُه
أَمسَت خَيالاً ما تَكادُ تبينُها / أَتَرى خَيالَ الراح يَأثَمُ شارِبُه
لَطُفَت كَثافتُها فَتِلكَ بَشاشَةٌ / مِنها لِعَيشِكَ إِن تَجهَّم قاطِبُه
صَهباءُ لَو أَسَدُ العَرينِ حَسا بِها / خَمساً لأَلفَيتَ الظِباءَ تُداعِبُه
يَسعى بِها عَذبُ اللَمى مُتَأَوِّداً / كَالغُصنِ تَثنيهِ الصَبا وَتُلاعِبُه
يَمشي وَيُوشكُ أَن يَذوبَ مِن الخُطا / فَكَأَنَّما كَسَلُ الدَلالِ يُجاذِبُه
بَدرٌ يُديرُ مِن الكُؤوسِ كَواكِباً / تَعنو لَها شُهُبُ الدُجى وَكَواكِبُه
في لحظه حَوَرٌ وَبَينَ شَتِيتِه / خَصرٌ مُقَبَّله فَيروى شارِبُه
لاحَظتُه فاحمرَّ زاهرُ خَدِّهِ / خَجَلاً وَأَطرَقَ وَالفُؤادُ يُعاتِبُه
نَفحُ العَبيرِ يَضُوعُ مِن أَعطافِهِ / يُزري بِرَوضٍ باكَرته سَحائِبُه
ما إِن شَربتُ وَلا شَهِدتُ وَإِنَّهُ / شِعرٌ تَأَنَّقَ في التَخيلِ كاتِبُه
عَجباً أَأَشربُها وَذاكَ محمَّدٌ / راحُ النُهى آراؤُهُ وَمَذاهِبُه
أَفريدُ أَوضحتَ الطَريقَ لأمّةٍ / تَعشُو بِلَيلٍ ما تَرِيمُ غَياهِبُه
عَمَرَت رُبوعَ العِلم قَبلُ وَأَطلَعَت / نَجماً تَأَلَّقَ في الغَياهِبِ ثاقِبُه
كانَت مَوارِدُها تفيض فَما لَها / غاضَ المَعينُ بِها وَخُلّيَ طالِبُه
عَبِثَت بِها أَيدي الزَمانِ وَطَوَّحَت / بِتُراثِها أَحداثُهُ وَنَوائِبُه
بَشّت بِكَ الدُنيا لِمصرٍ بَعدَ ما / أَروَته بِالدَمعِ الهَتُونِ نَوادِبُه
أَهلاً بِدائِرَةِ المَعارِفِ إِنَّها / ثَمَرُ النُهى تُجنى لِمصرَ أَطايِبُه
عِلمٌ كَما فاضَ النَميرُ وَمَنطِقٌ / فَصلٌ إِذا ما البُطلُ أَوهَمَ كاذِبُه
حُجَجٌ قَواطِعُ لَو رَميتَ بِبَعضِها / جَبَلاً مِن الشُبُهاتِ هُدِّمَ غارِبُه
وَمَباحِثٌ فاضَت بِما يَشفي الصَدى / فَكَأَنَّها بَحرٌ تَجِيشُ غَوارِبُه
لَم تَبغِ مَرتَبَةً وَلا جاهاً بِها / ما كانَ مِن حُسنٍ فَإِنَّكَ كاسِبُه
وَكَذا الفَتى إِن لَم يَشُب أَعمالَه / دَنَسُ الهَوى فَالباقِيات مَراتِبُه
أَفنى لَها شَرخَ الصِبا لَم يَثنِه / عَنها صُروفُ زَمانِهِ وَمصاعِبُه
وَمَضى يَجِدُّ إِلى الهُدى مُستَبطِناً / عَزماً تَنُوءُ بِمَن سِواهُ مَتاعِبُه
فَلو انَّ لِلعَضبِ الصَقيلِ مَضاءَهُ / لَم تَنبُ في كَفِّ الجَبانِ مَضارِبُه
ولَو انَّ لِلأَيامِ نُورَ ذَكائِهِ / كانَ الظَلامُ ضُحاً تُضيءُ جَوانِبُه
وَلَو انَّ أُمَّتَه جَزَته بِفَضلِهِ / مَلأت نَواحِيَ أَرضِ مصر مَواكِبُه
لا تَلحَهم إِن هُم أَساءوا إِنَّهُم / كانُوا ذَوي فَضل فَمُكِّنَ غاصِبُه
وَالشَعبُ إِن يُسلِم مَقالِدَ أَمرِه / لِسواهُ أَودَت في الإِسارِ مَواهِبُه
يَهنِيكَ ما أُوتيتَه مِن حِكمَةٍ / وَسَدادِ رَأَيٍ لَيسَ يُخطِئُ صائِبُه
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ / فَأَميرُ دَولَتِهِ فَرِيدُ
أُستاذُ هَذا الفَنِّ مُب / تَكِرٌ وَكلُّهُمُ مُعِيدُ
يَمشون إِثرَ خُطاه لَو / يَقفو خُطا النَجمِ الصَعِيدُ
يَدنو لِفكرَتِهِ إِذا / ما راقَهُ المَعنى البَعيدُ
يَسمُو بِأَجواءِ الخَيا / لِ وَلَيسَ يُجهِدُه الصُعودُ
مُتَنَقِّلاً في أُفقِهِ / يَختارُ مِنهُ وَيَستَجيدُ
يَتَأَلَّفُ المَعنى إِلى / أَن يَطمَئِنَّ لَهُ الشَرِيدُ
مُتَلَطِّفاً حَتّى تَرا / هُ لِلبَراعَةِ يَستَقيدُ
وَيَصُوغُه في لَفظِهِ ال / عالي كَما تُزهى العُقُودُ
صَوغ المُقَدِّرِ لا يَقل / لُ اللَفظُ عَنهُ وَلا يَزيدُ
أَلفاظُهُ في جِيدِ مَع / ناهُ قَلائِدُ لا قُيودُ
نَثرٌ بِهِ تَذكو الطُرُو / سُ كَأَنَّهُ الزَهرُ النَضِيدُ
فَتنَت رَوائِعُه العُقو / لَ فَلَيسَ يَبلُغُهُ قَصيدُ
يَومٌ نَشَرتَ بِهِ جُحا / يَومٌ عَلى القُرّاءِ عيدُ
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ
إِن يَفخر العُربُ الكِرامُ بِكاتِبِ / فَليَفخروا بِيَراعِ ذاكَ الكاتِب
قَلَمٌ بِتَصوير السَرائِرِ مُولَعٌ / غَيبُ النُفوسِ عَلَيهِ لَيسَ بِغائِب
يَسري إِلى طَيِّ الصُدورِ شُعاعُهُ / أَمضَى وَأَثقَبُ مِن شِهابٍ ثاقِب
يَصِفُ النُفوسَ كَما بَراها رَبُّها / وَيُميطُ عَنها كُلَّ ثَوبٍ كاذِب
فَكَأَنَّما يَدعو النُفوسَ فَتَلتَقي / في الطِّرسِ سافِرَةً سفُورَ الكاعِب
سحرُ البَيانِ يُبينُ كُلَّ خَفِيَّةٍ / أينَ المُصَوِّرُ مِن يَراعِ الكاتِب
إِيهٍ أَديبَ الشَرقِ هاتِ رَوائِعاً / قِصَصاً تُوَشِّيها بِظَرفٍ خالِب
وَأَفِض عَلى اللُغة الكَريمَةِ ثَروَةً / فَالعُربُ أَشكَرُ أُمّةٍ لِلوَاهِب
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا
فَخرٌ بِهِ التاريخُ قامَ خَطِيبا / يَتلو عَلى الأَسماعِ مِنهُ عَجِيبا
ما إِن يَمَلُّ عَلى المَدى تَرديدَهُ / وَيَظَلُّ فيهِ سائِلاً وَمُجيبا
وَيَصوغُ لِلأَجيالِ مِنهُ قَصيدَةً / يَشدُو بِها صَوتُ الزَمانِ طَرُوبا
نَبأٌ سَرى فَالشَرقُ مَزهُوٌّ بِهِ / وَغَدا بِهِ تاريخُ مصر خَصيبا
وَالجامِعاتُ عَلَيهِ تَحسُد أُختَها / في مِصرَ يافِعَةً تَبذُّ الشِيبا
أُمَمُ البَيانِ تَساجَلَت فَرَحاً بِهِ / وَتَناقَلَته في المَمالِكِ طِيبا
إِن لَم يُقيمُوا لِلتَهاني حَشدَهُم / فَالشَرقُ مُحتَشِدٌ لِذاكَ قُلوبا
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ / وَمَدَدتَ لِلفُصحى يَدَ الإِحسانِ
أَطلَقتَ مِن أُمِّ اللُغاتِ عِنانَها / فَشَأَت لُغات الغَربِ في المَيدانِ
وَأَرَيتَ عائِبها بِعَجز أَدائِها / أَنَّ الجَهالَةَ آفَةُ الإِنسانِ
جَهِلوا ذَخائِرَها وَقَصَّر عِلمُهم / عَن سرِّها فَرَمَوا بَني عَدنانِ
يا كاتِباً يَكسو المَعاني حُلَّةً / مِن حُسنِ تَصويرٍ وَسِحرِ بَيانِ
فَرِحَت بِمَوطِنِها الجَديدِ كَأَنَّها / لَم تَنأَ أَوطاناً إِلى أَوطانِ
نُقِلَت فَلَم تَفقِد بِنَقلِكَ رُوحَها / نَقلَ الغُروسِ عَلى يَدي بُستاني
كَلِمٌ يُؤَلِّفُ بَينَ مُفتَرِق الهَوى / ما أَبعَدَ السكسُونَ عَن قَحطانِ
إِن حَيَّتِ اللُغَةُ الكَريمَةُ كاتِباً / فَتَحيَّةُ الفُصحى إِلى بَدرانِ
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً / أَم صُغتَ أَوقاتَ الوِصالِ فَرائِدا
أَم تِلكَ أَفوافُ الرَبيعِ نَسَجتها / لَفظاً يَضُوعُ شَذىً وَمَعنىً شارِدا
أَم ذاكَ قَلبُكَ طامِحاً أَودَعتهُ / في شِعركَ العالي مُنىً وَمَقاصِدا
بَل ذاكَ نَبعٌ بِالعَواطِفِ زاخِرٌ / يُزهى بِصَفحَتِه وَيُغري الوارِدا
في كلِّ بَيتٍ مِن قَصائِدِهِ أَرى / نَفساً مُوَلَّهةً وَطَرفاً ساهِدا
وَبِكُلِّ لَفظٍ قِطعَةٌ مِن نَفسِهِ / بَثَّت غَراماً طارِفاً أَو تالِدا
فَكَأَنَّ أَفئِدَةَ الشَبابِ جَمَعتَها / فيما تَجيشُ بِهِ فُؤاداً واحِدا
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً
أَدَبٌ يَرُدُّ شيوخَ مصرَ شَباباً / وَبَيانُ أَروَع يَخلبُ الأَلبابا
لَمَحَ الشيوخُ شُعاعَ فَضلِكَ مِثلَما / لمَحُوا بِمُعتَرَكِ الشُكوكِ صَوابا
قُم يا أَديبَ المَجلِسَينِ بِمُسكِرٍ / مِن خَمرِ لَفظِكَ حُثَّها أَكوابا
وَاِسجَع عَلى أَيكِ النِيابَةِ بُلبلاً / جَعَل الرُواةَ لِسحرِهِ الأَحقابا
وَاِنثُر عَلى الأَسماعِ مِن تِلكَ الحُلى / ما يُعجِزُ الأَسلافَ وَالأَعقابا
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ السَوابِقَ ظُلَّعاً / مِن خَلفِهِ لا يَملِكُون خِطابا
فَاِبعَث بِهِ في الشَيبِ ماضِيَ عَزمَةٍ / حَتّى تَرُدَّ شُيوخَها نُوّابا
وَالرَأيُ مَهما جَلَّ لَيسَ بِبالِغٍ / في النَفس إِن لَم يَصحَبِ الآدابا
خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا
خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا / وَأَصابَ مِن حَبل الرَجاءِ المَقطَعا
أَهدى إِلى القَلبِ التَلَهُّفَ وَالجَوى / وَإِلى الجُفونِ سُهادَها وَالأَدمُعا
عَمَّ الأَسى فَالناسُ فيهِ مُفَجَّعٌ / شاكٍ يُساجِلُ في الشكاةِ مُفَجَّعا
كَيفَ العَزاءُ وَلَستُ أُبصرُ بَهجَةً / في الدَهرِ إِلا وَدَّعت مُذ وَدَّعا
وَبَشاشَةُ الدُنيا حَوَتها حُفرَةٌ / في الأَرضِ قَد خُطَّت لِصَبري مَضجَعا
دَفَنُوا شَمائِلَ كَالسُلافَةِ رقَّةً / وَالماءِ رِيّاً وَالرِياضِ تَضَوُّعا
شِيَمٌ هِيَ الإِيناسُ يَجلو وَحشَةً / أَو نِعمَةُ الدُنيا تُصادِفُ مُدقِعا
خُلُقٌ هُوَ الجَنّاتُ لَو يُجزى بِهِ / ذُو طاعَةٍ لَم تُلفِ إِلا طَيِّعا
عَفُّ اللِسانِ عَن الجَليسِ إِذا نَأى / يُرضيكَ حاضِرُهُ وَغائِبُهُ مَعا
وَإِذا تَوَسَّطَ في النَديِّ رَأَيتَهُ / يُرضي الشَمائِلَ سامِعاً أَو مُسمِعا
يَسبي قُلوبَ الزائِرينَ بِبشرِهِ / أَكرِم بِهِ مُستَقبِلاً وَمُشَيِّعا
هَشٌّ لِزائِره أَأَكثَر أَم وَنى / لَم يَلقَه سَئِماً وَلا مُتَمَنِّعا
فَكِهُ الحَديثِ حَكيمُهُ لا مُضجِرٌ / مِنهُ الغَويَّ وَلا التَقِيَّ الأَورَعا
لَم يَعتَذِر بِمزاحِهِ عَن زَلَّة / يَوماً وَلا نَطَق السَفاهَ وَلا وَعى
ثَبتُ الوِدادِ نَأَى المَعاشرُ أَو دَنا / راعٍ لَهُ نَسيَ المَودَّةَ أَو رَعى
لَم تُوهِ مِن أَخلاقِهِ أَسقامُه / وَلَو انَّها في شامِخٍ لتَصدَّعا
يَلقاكَ مُبتَسِماً عَلى عِلّاتِهِ / لا شاكياً أَلَماً وَلا مُتَضَرِّعا
وَإِذا تَغَيَّرتِ اللَيالي غَيَّرت / مَن كانَت الأَخلاقُ فيهِ تَطَبُّعا
يَهفُو إِلى قُربِ الصَديق كَما هَفا / ناءٍ تَذكّر في نَواهُ الأَربُعا
يُصغي إِذا ذُكِرَ الصِّحابُ كَأَنَّما / ذُكِرَ الشَبابُ لَهُ فَحنَّ وَرَجَّعا
خُلُقٌ طَواهُ المَوتُ عَنّا غدوَةً / فَطَوى عَلى الحَسراتِ مِنّا أَضلُعا
أَمُجمِّعَ الأَخلاقِ رُزؤُك لَم يَدَع / حُزناً مِن الأَحزانِ إِلا جَمَّعا
قالوا الربيع فَداوِ همَّك وَاِبتَدِر / أَيّامَه مِن قَبل أَن تَتَقَشَّعا
وَاِهنأ بِهِ عَيشاً وَطِب نَفساً وَرِد / مِنهُ صَفاءَ اللَهوِ وَانعَم مَرتَعا
مَهلاً فَروضُ الشعرِ صَوَّحَ نَبتُه / وَمَرابِعُ الآدابِ أَمسَت بَلقَعا
فَأَرى المَلاهي مَأتَماً وَأَرى السُرو / رَ تَأَلماً وَالماءَ يَجري مَدمَعا
بَكرَ النَعِيُّ بِأَن قَضَيتَ فَلَم يَدَع / أَمَلاً مِن الآمالِ إِلّا ضَيَّعا
يَا أَيُّها الناعي رُوَيدَك إِنَّهُ / رُكنُ القَرِيضِ هَوى وَطودٌ زُعزِعا
يا هاجِعاً مِلءَ الجُفونِ وَقَد حَمى / عَينَ القَوافي بَعدَه أَن تَهجَعا
مَن ذا يُصرِّعُها وَيُحكِمُ نَسجَها / هَيهاتَ لاقى الشعرُ بَعدَكَ مَصرَعا
أَم مَن يَرُوض عَصِيَّها وَلَقَد ثَوى / في التُربِ مَن راضَ العَصِيَّ وَأَخضَعا
أَيَغِيضُ طَبعُكَ في التُرابِ وَطالَما / رَوّى الجَديبَ فَعادَ خِصباً مُمرِعا
فَلَو انَّ شِعرَكَ كانَ سَجعاً لِلقَطا / كادَ الأَراكُ مَع القَطا أَن يَسجَعا
وَلَو اَنَّ مَعمودَ الفُؤادِ بَكى بِه / طَللاً لرقَّ لَهُ أَسىً وَتَوجُّعا
وَلَو انَّ مُبتَئِساً بِصَرفِ زَمانِه / عَتَب الزَمانَ بِهِ لَتابَ وَأَقلَعا
شعرٌ لَو انَّ الدَهرَ أَقفر حُسنُه / نُشِرَت صَحائِفُه فَكانَت مَربَعا
مَلَكَ النُفوسَ بِسِحرِهِ فَتَخالُهُ / نَغَماً عَلى نَبضِ القُلوبِ مُوقَّعا
هُوَ سَلوةُ العاني وَنِعمَةُ بائِسٍ / وَبَشيرُ مُغتَرِب يُحاوِلُ مَرجِعا
الطَّبعُ وَالأَخلاقُ يَنبوعٌ لَهُ / وَالشعرُ يَصفُو حينَ يَصفُو مَنبَعا
طبُّ النُفوسِ يُعيدُ في مَيتِ المُنى / رُوحاً وَيَبعَثُ في القُنوطِ المَطمعا
مُتَلَمِّسٌ من كلِّ نَفسٍ سِرَّها / ومُلامِسٌ من كلِّ قَلبٍ مَوضِعا
جاوَزت فيهِ مُنى النُفوسِ وَصُنتَه / عَن زَهوِ مُفتَتِنٍ تَغالى وَاِدَّعى
لَم تَفتَتِن يَوماً وَشِعرُكَ فِتنَةٌ / يا مُبدِعاً لَم يَزهُهُ ما أَبدَعا
شِعرٌ إِذا يُتلى تَكادُ لِحُسنِه / تَثِبُ القُلوبُ مِن الصُدُورِ تَطَلُّعا
فَكَأَنَّها في كُلِّ بَيتٍ تَبتَغي / نَبَأً عَنِ الأَحبابِ فيهِ أودِعا
لَهفَ القَوافي يَومَ بانَ فَإِنَّها / فَقَدَت بِإِسماعيلَ رُكناً أَمنَعا
فَقَدت صِباً لِمَشيبها وَعَشِيرَةً / لِغَريبِها وَالأَمنَ مِمّا رَوَّعا
عِش ما تَشاءُ بِما تُخلِّدُ مِن عُلاً / في الدَهرِ لَيسَ المَرءُ إِلّا ما سَعى
فَلَربَّ ذِي صَمتٍ أَصَمَّ بِقَبرِهِ / جَعَل الزَمانَ لِسانَهُ وَالمَسمَعا
وَمُشَيَّعٍ في الذاهِبينَ وَفَضلُهُ / مَلأَ العُصورَ فَما نَعاهُ مَن نَعى
يَبلى وَلا يَبلى بِقَلبٍ ذِكرُهُ / فَكَأَنَّهُ في كُلِّ يَومٍ شُيِّعا
وَجُسومُ هَذا الناسِ أَنفاسُ الثَرى / لا بُدَّ يَوماً لِلثَرى أَن تَرجِعا
الدَهرُ يَرمي ما تَطيشُ سِهامُه
الدَهرُ يَرمي ما تَطيشُ سِهامُه / وَلَقَد وَنَيتُ وَما وَنَت أَيّامُه
لَو أَنَّ مَن يَلهُو يَرى مِن دَهرِه / ما قَد أَرى ما أَسكَرته مُدامُه
وَلَو انَّ ذاكَ البَدرَ يَدري أَنَّه / رَهنُ الأُفُولِ لَما زَهاهُ تَمامُه
وَالزَهرُ لَو يَدري بِأَنَّ ذُبُولَه / رَصَدٌ لَهُ ما فُتِّقَت أَكمامُه
خَيرٌ لِمَن أَرخى العِنانَ لِطِرفِه / مِن قَبلِ كَبوَتِه بِه إِلجامُه
ماذا يَسرُّكَ في الزَمانِ وَإِنَّهُ / حَربٌ عَلَيكَ ضِياؤُهُ وَظَلامُه
وَالعَيشُ نَومٌ أَنتَ فيهِ حالِمٌ / سَتُفِيقُ مِنهُ وَتَنقَضي أَحلامُه
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ / يَمضي بِها جيلٌ وَيُقبِلُ جِيلُ
تَتَوارَثُ الأَيّامُ طِيبَ حَدِيثِها / الدَّهر يَسمَع وَالفَعالُ يَقُولُ
وَلِذي المَواهِبِ وارِثانِ فَعَصرُه / يَرِثُ الثَناء وَلِلبَنين فُضُولُ
وَلَهُ حياتانِ الأَخيرةُ مِنهُما / في الذكرِ وَالأُولى إِلَيهِ سَبيلُ
لا تَبكِ مَن قَد عاشَ عُمراً واحِداً / إِنَّ التُرابَ عَلى التُرابِ مَهيلُ
هَل عاشَ أَو هَل ماتَ لا تَسأل بِهِ / فَمَماتُهُ بِحَياتِهِ مَوصُولُ
ما زادَ عَن تَعَبِ الوِلادِ لأُمّهِ / وَالناسِ وَهوَ إِلى الثَرى مَحمولُ
وَمِنَ البَليَّةِ أَنَّ أَكثَرَ مَن تَرى / في الناسِ ذاكَ العائِشُ المَثكُولُ
فاملأ مَوازِينَ الزَمانِ فَلَن تَرى / في الناسِ مِيزانَ الزَمانِ يَميلُ
تَقضي العُصورُ عَلى الرِجالِ بِحُكمِها / وَالباقِياتُ الصالِحاتُ عُدُولُ
تَيمورُ إِن نَفقِد حَديثَك بَينَنا / فَصَداهُ في أُفقِ الزَمانِ يَجُولُ
مُتَنَقِّلاً بَينَ العُصورِ كَأَنَّهُ / تاجٌ عَلى الأَيّام أَو إِكليلُ
عرفَت نَفاسَتهُ العُصورُ فَبالَغَت / حِرصاً عَلَيهِ وَلِلعُصورِ عُقولُ
فُجِعَت بِكَ الفُصحى فَجيعَةَ أَهلِها / بِكَيانِهم حِينَ العَزاءُ قَليلُ
قَد كُنتَ مُعجَمها الَّذي ما فاتَهُ / لا في القَديم وَلا الجَديد فَتيلُ
صُحُفٌ بِآثارِ العُصور زَواخِرٌ / فِيها لِكُلِّ دَقيقَةٍ تَفصيلُ
لَم تَروِ عَن جِيلٍ خَلا إِلّا سَما / مِن حُسنِ نَقلِكَ ذَلِكَ المَنقُولُ
لا يَدَّعِ الأَدَبَ الصَميمَ عِصابَةٌ / جَهِلَت قَدِيمَ العُربِ وَهو أَصيلُ
شَنّوا عَلى أَدَبِ العُروبَةِ غارَةً / شَعواءَ قائدُ جَيشِها مَخذُولُ
أَمضى سِلاحهمُ السِبابُ وَإِنَّهُ / سَيفٌ عَلى مَن سَلَّهُ مَسلُولُ
عُصَبٌ يُؤَلِّفُها العقوقُ فَجَيشُهُم / في غَيرِ مَيدانِ الجِهادِ يَصُولُ
مِن كُلِّ أَلكَنَ نابِغٍ في عِيِّهِ / لَهِجٍ بِدَعوى العِلمِ وَهوَ جَهُولُ
وَيَكادُ يَرشَحُ عَقلُهُ أُمِّيَّةً / حَتّى عَلَيهِ يُشكِلُ التَشكيلُ
إِن رامَ شِعراً لَم يُقِم مِيزانَه / وَرَوِيُّه قَيدٌ عَلَيهِ ثَقِيلُ
أَو رامَ نَثراً عَيَّ دُونَ مُرادِهِ / لَفظٌ يَطُول وَما بِهِ مَعقُولُ
وَإِذا يُتَرجِمُ كانَ في تَعقيدِهِ / قَبرٌ بِهِ المَعنى البَريءُ قَتيلُ
كَم كاتِبٍ في الغَربِ شَوَّه فَنَّه / عَيُّ اللِسانِ عَلى البَيانِ دَخيلُ
لا نَجحَدُ الغَربيَّ سِحرَ بَيانِهِ / لَكنَّ سُوءَ العَقلِ عَنهُ يُحيلُ
سُفَراءُ سوءٍ باعَدَت ما بَينَنا / وَلَربَّما جَلبَ الشقاقَ رَسُولُ
مَن لَم يُقَوِّم بِالقَديمِ لِسانَه / فَبَيانُه مَهما يجده صَهيلُ
كنزٌ مِن الأَدَبِ الرَفيع مُضَيَّعٌ / يُعشى النَواظِرَ درُّهُ المَجهولُ
يا خُسرَ بائِعِهِ بِزُخرُفِ غَيرِهِ / خَزَفٌ مِن الدُرِّ اليَتيمِ بَديلُ
كَم عَبقريٍّ لَو نَشَرنا فَضلَه / في الغَربِ مَسَّ الغَربَ مِنهُ ذُهُولُ
وَلَو انَّهُم نَفَذُوا لِسِحر بَيانِهِ / عَكَفُوا عَلَيهِ كَأَنَّهُ الإِنجيلُ
هَذا المَعرِّي وَهوَ فَردٌ واحِدٌ / ماذا سَمِعنا الغَربَ عَنهُ يَقولُ
سَل مُشكِلاتِ العُربِ في آدابِهم / مَن عالِمُ الفُصحى مَن المسئولُ
سَل مُشكِلاتِ الشَرقِ في تاريخِهِ / مَن غَير تَيمورٍ بِهنَّ كَفيلُ
عِلمٌ يزيِّنهُ الحَياءُ وَلَن تَرى / ذا العِلم عَن سنَنِ الحَياءِ يَميلُ
آلامُنا في مِصرَ لَو حقَّقتَها / رَجَعت إِلى أَنَّ الحَياءَ قَليلُ
وَإِذا الجِدالُ اِحتَدَّ لَم يَجمح بِهِ / نَزَقٌ فَلا شَتمٌ وَلا تَجهيلُ
يُغضي على سَفهِ السَفيهِ تَكَرُّماً / إِن الكَريمَ عَنِ الأَذى مَشغولُ
وَإِذا جَزَيتَ أُولي السَفاهَةِ بِالَّذي / قالُوا فَأَنتَ لِمَن جَزَيتَ مَثِيلُ
دينٌ إِلى دُنيا وَعلمٌ زانَهُ / خُلُقٌ نَمتهُ إِلى الفروعِ أُصُولُ
نِعَمٌ تَزيدُ عَلى الثَناءِ وَإِن غَلا / ويقِلُّ عَنها الشُكرُ وَهوَ جَزيلُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025