القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السّيد حَيْدَر الحِلّي الكل
المجموع : 69
يا بن الإمام العسكريّ ومَن
يا بن الإمام العسكريّ ومَن / ربُّ السماءِ لدينه انتجبَه
أفهكذا تُغضي وأنت ترى / نارَ الوباءِ تشبُّ ملتهبه
لا تنطفي إلاِّ بغاديةٍ / من لطفكم تنهلُّ منسكبه
أيضيقُ عنَّا جاهُكم ولقد / وَسِعَ الوجودَ وكنتم سببه
الغوثَ أدركنا فلا أحدٌ / أبداً سواكَ يغيثُ مَن نَدبه
غضِبَ الإِلهُ وأنت رحمتهُ / يا رحمةَ اللهِ اسبقي غَضبَه
هي دارُ غيبتهِ فحيِّ قِبابَها
هي دارُ غيبتهِ فحيِّ قِبابَها / والثم بأجفانِ العيونِ ترابَها
بُذلت لزائرِها ولو كُشف الغطا / لرأيتَ أَملاكَ السما حجّابها
ولو النجومُ الزهرُ تملِكُ أَمرها / لهوت تُقَبِّلُ دهرها أعتابها
سعُدت بمنتظرِ القيام ومَن به / عقدت عيونُ رجائه أهدابها
وَسَمت على أمِّ السما بمواثلٍ / وأبيكَ ما حوتِ السما أضرابها
بضرايحٍ حَجبت أَباه وجدَّه / وبغيبةٍ ضَربت عليه حِجابها
دارٌ مقدَّسةٌ وخيرُ أئمَّةٍ / فَتح الإِلهُ بهم إليه بابها
لهمُ على الكرسيِّ قبّة سؤددٍ / عَقدَ الإِلهُ بعرشهِ أطنابها
كانوا أظلَّةَ عرشهِ وبدينِه / هَبطوا لدائرةٍ غَدوا أقطابها
صَدعوا عن الربِّ الجليل بأمرهِ / فغدوا لكلِّ فضيلةٍ أربابها
فهدوا بني الألبابِ لكن حيَّروا / بظهورِ بعض كمالِهم ألبابها
لا غروَ إن طابت أرومة مجدِها / فنمت بأكرمِ مَغرسٍ أطيابها
فاللهُ صوَّر آدماً من طينةٍ / لهم تخيَّر محضَها ولُبابها
وبراهمُ غُرراً من النُطفِ التي / هي كلَّها غررٌ وسَل أحسابها
تُخبركَ أنَّهمُ جروا في أظهرٍ / طابت وطهَّر ذو العُلى أصلابها
وتناسلوا فإذا استهلَّ لهم فتًى / نسجت مكارمُه له جلبابها
حتَّى أتى الدنيا الذي سيهزُّها / حتَّى يدُكُّ على السهولِ هضابها
وسينتضي للحربِ محتلِب الطُلى / حتَّى يُسيلَ بشفرتيه شعابها
ولسوف يُدركُ حيثُ ينهضُ طالباً / تِرَةً له جعل الإلهُ طِلابَها
هو قائمٌ بالحقِّ كم من دعوةٍ / هزَّتهُ لولا ربُّه لأجابها
سعُدت بمولدِهِ المباركِ ليلةٌ / حَدرَ الصباحُ عن السرورِ نقابها
وزهت به الدنيا صبيحةَ طرَّزت / أيدي المسرَّةِ بالهنا أثوابها
رجعت إلى عصرِ الشبيبةِ غضَّةً / من بعد ما طوت السنينُ شبابها
فاليومَ أبهجت الشريعةُ بالذي / ستنالُ عند قِيامِه آرابها
قد كدَّرت منها المشاربَ عُصبةٌ / جعل الإِلهُ من السرابِ شرابها
يا من يُحاولُ أن يقومَ مهنّياً / إنهض بلغتَ من الأُمور صوابها
وأشر إلى من لا تشير يدُ العُلى / لِسواهُ إن هيَ عَدَّدت أربابها
هو ذلك الحسنُ الزكيُّ المجتبى / من ساد هاشمَ شِيبها وشبابها
جَمعَ الإِلهُ به مزايا مجدِها / ولها أعادَ بعصرِه أحقابها
نشِرت بمن قد ضمَّ طيَّ ردائِه / أطهارَها أطيابها أنجابها
وله مآثرُ ليس تُحصى لو غدت / للحشرِ أملاكُ السما كتّابها
أنَّى وهُنَّ مآثرٌ نبويَّةٌ / كلُّ الخلايقِ لا تُطيق حسابها
ذاك الذي طَلب السماءَ بجدّه / وبمجدِه حتَّى ارتقى أسبابها
ما العلمُ منحلاً لديه وإنَّما / وَرثَ النبوَّةَ وحيَها وكتابها
يا من يريش سهامَ فكرتِه النهى / فلأيّ شاكلةٍ أراد أصابها
ولدتكَ أمُّ المكرماتِ مبرَّءاً / ممَّا يُشينُ من الكرامِ جنابها
ورضعتَ من ثدي الإمامةِ علمَها / مُتجلبباً في حجرِها جلبابها
وبنورِ عصمتِها فُطمت فلم ترث / حتَّى بأمرِ الله نُبت منابها
فاليومَ أعمالُ الخلايقِ عندكم / وغداً تلون ثوابها وعقابها
وإليكم جَعل الإِلهُ إيابها / وعليكم يومَ المعادِ حسابها
يا من له انتهت الزعامة في العُلى / فغداً يروض من الأمور صعابها
لو لامست يدك الصخورَ لفجَّرت / بالماء من صمّ الصخور صِلابها
ورعى ذِمام الأجنبين كما رعى / لبني أُرومةِ مجدِه أنسابها
رُقتَ الأنام طبايعاً وصنايعاً / بهما ملكت قلوبها ورقابها
وجدتكَ أبسط في المكارم راحةً / بيضاءَ يستسقي السحابُ سحابها
ورأتك أنورَ في المعالي طلعةً / غرَّاءَ لم تَنُب النجومُ منابها
للهِ دارك إنَّها قِبَلُ الثنا / وبها المدايحُ أثبتت محرابها
هي جنَّةُ الفردوس إلاّ أنَّها / رضوانُ بِشرك فاتحٌ أبوابها
فأقم كما اشتهت الشريعةُ خالداً / تطوي بنشرِك للهدى أحقابها
بشرى فمولدُ صاحبِ الأمرِ
بشرى فمولدُ صاحبِ الأمرِ / أهدي إليك طرائف البِشرِ
وبطلعةٍ منه مباركةٍ / حيّى بوجهك طلعةَ البدرِ
وكساك أفخر خلعةٍ مكثت / زمناً تُنمِّقُها يدُ الفخر
هي من طِراز الوحي لا نُزعت / عن عِطف مجدك آخر العمر
وإليك ناعمةُ الهبوبِ سرت / قُدسيَّة النفحاتِ والنشر
فحبتك عِطراً ذاكياً وسوى / أرجِ النبوَّة ليس من عطر
الآن أضحى الدين مبتهجاً / وفم الإِمامةِ باسم الثغر
وتباشرت أهلُ السماءِ بمن / حفَّت به البُشرى إلى الحشر
فَرِحت بمن لولاهُ ما حُبيت / شرف التنزُّلِ ليلة القدر
ولما أتت فيه مسلِّمةً / بالأمرِ حتَّى مطلع الفجر
لله مولدهُ غدا / الإِسلامُ يخطُر أيّما خَطر
هو مولدٌ قال الإِلهُ به / كرماً لعينك بالهنا قرّي
وحباك أنظرَ نعمةٍ وَفَدت / فيه برائق عيشكَ النضر
باكر به كأس السُرور فما / أحلاه عيداً مرَّ في الدهر
صقلت به الأيَّامُ غرَّتها / وجلت وجوهَ سعودِها الغُرّ
هو نعمةُ للهِ ليس لها / من في الوجود يقومُ بالشكر
فلكم حشًى من انسهِ حبرت / في روضةٍ مطلولةِ الزهر
ولكم على نشر الحبورِ طوت / طيَّ السجل حشًى على جمر
من عصبة وتروا الهُدى فلذا / حنقوا بمولد مُدركِ الوتر
سيفٌ كفاك بأن طابعهُ / مَلكُ السما لجماجم الكفر
بيديهِ قائمةٌ وعن غضبٍ / سَيَسُلُّه لطلى ذوي الغدر
فترى به كم خدر مُلحدةٍ / نهبٍ وكم دمِ ملحدٍ هدر
حتَّى يعيد الحقُّ دولته / تختالُ بين الفتحِ والنصر
للمجتبى الحسن الزكي زكى / عيصٌ ألفّ بطينةِ الفخر
نشأت بسامرَّاء أنملهُ / دِيماً تعمُّ الأرض بالقطر
وكأنَّه فيها وصفوتُهُ / أهلُ النهى والأوجهِ الغرّ
قمرٌ توسَّط هالةً فغدا / فيها يُحفُّ بشهبها الزُّهر
متضوّعٌ أرجُ السيادةِ من / عطفي علاه بأطيب النشر
عفُّ السرائر طاهرُ الأزر / عذبُ الشمائل طيبُ الذكر
عمَّارُ محراب العبادةِ قد / نشر الإِلهُ به أبا ذرّ
وحباهُ عِلماً لو يقسِّمهُ / في دهره لكفى بني الدهر
حرُّ العوارفِ يسترقُّ بها / في كلِّ آنٍ ألسنَ الشكرِ
ومنزَّهٌ ما غبَّرت يَدهُ / تبعاتُ هذي البيض والصفر
جذلانَ يبدأ بالسخا كرماً / ويعيدُه ويظنُّ بالعُذر
وله شمائلُ بالندى كَرُمت / فغمرنَ مَن في البرِّ والبحر
والمرءُ لم تَكرُم شمائلهُ / حتَّى يهينَ كرائمَ الوفر
مولًى عَلَت فهرٌ بسؤددهِ / وله انتهى إرثاً على فهر
من لو مشى حيثُ استحقَّ إذاً / لمشى على العيّوق والنَسر
الخُلقُ من ماءٍ لرقَّتهِ / والحلمُ مفطورٌ من الصخر
تبري طُلى الأعدام أنملُهُ / بصنايعٍ من مَعدن التبر
لم تَترك خطباً تصادِفُه / إلاَّ ثنته مقلَّم الظفر
يا واحدَ العصر استَطِل شَرقاً / فقد استنابك صاحب العصر
ورأى وليُّ الأمرِ فيك نُهًى / فدعاك قم بالنهيِ والأمر
فمثلتَ في الدنيا وكنتَ لها / علماً به هُدِيت بنو الدهر
يا خير مَن وَفَدت لنائلِهِ / وأجلَّ من يمشي على العَفر
بك إن عدلتُ سواك كنتُ كمن / يَزِنُ الجبال الشمَّ بالذرّ
إن كان زانَ الشعرُ غيرك في / مدحٍ فمدحُك زينةُ الشعرِ
ماذا أقول بمدحكم ولكم / جاءَ المديح بمحكمِ الذكر
كيف الثناءُ على مكارِمكُم / عجز البليغُ وأُفحمَ المُطري
فاسلَم ولا سَلِمت عداك ودم / ولك العُلى ونباهةُ القدر
يا قائماً بالحقِّ حلَّ بنا
يا قائماً بالحقِّ حلَّ بنا / ما لا يفرِّجه سِوى لطفك
بكَ عنه لُذنا حيثُ لا شَرفٌ / عند الإِلهِ أجلُّ من شرفك
ترضى تعودُ نفوسُنا سَلباً / بيدِ الحمام ونحن في كَنفك
ويروعُنا ريبُ المنونِ وقد / عذنا بجاهِ الغرّ من سلفك
كم ذا تُطارحُ في مِنًى ورقاءها
كم ذا تُطارحُ في مِنًى ورقاءها / خفِّض عليك فليس داؤُك داءها
أنظنُّها وَجدت لبينٍ فانبرت / جَزعاً تبُثّك وجدَها وعناءها
فَحلَبت قلبك من جفونِك أدمعاً / وسَمت كربعيّ الحيا جَرعاءها
هيهات ما بنتُ الأراكةِ والجوى / نضج الزفيرُ حشاكَ لا أحشاءها
فاستبقِ ما أبقى الأسى من مُهجةٍ / لك قد عَصرت مع الدُموع دماءها
كذَبتك ورق الأبطحينِ فلو بكيت / شَجَناً لا خضل دَمعها بطحاءها
فاطرح لحاظَك في ثنايا أُنسها / من أيّ ثَغرٍ طالعت ما ساءها
لا إلفُها صَدعتهُ شاعبةُ النوى / يوماً ولا فَطَم الغمامُ كباءها
وغديرُ روضتِها عليه رفرفت / عَذب الأراكِ وأسبغت أفياءها
لكن بزينةِ طوقِها لمَّا زهت / مَزَجت بأشجانِ الأنين غناءها
ورأتِ خِضابَ الراحتينِ فطرَّبت / وظننت تطريب الحَمام بُكاءها
أأخا الملامةِ كيف تطمع ضِلَّةً / بالعَذل من نفسي ترُوضُ إباءها
أرأيتَ ريقةَ إفعوانِ صريمةٍ / نفسُ السليم بها ترُوم شفاءها
عني فما هبَّت بوجديَ ساجعٌ / تدعو هَديلاً صُبحَها ومساءها
ما نبَّهتَ شوقي عشيَّةَ غرَّدت / بظباءِ كاظمةٍ عدِمت ظباءها
لكنَّما نفسي بمُعترك الأسى / أسرَت فوادح كربلاء عَزاءها
يا تُربة الطفّ المقدَّسةِ التي / هالُوا على ابن محمدٍ بَوغاءها
حيَّت ثراكِ فلاطفتهُ سحابةٌ / من كوثرِ الفردوسِ تَحمل ماءها
واريتِ روح الأنبياء وإنَّما / واريتِ من عينِ الرشادِ ضياءها
فلأيّهم تَنعى الملائك مَن لهُ / عَقدَ الإِلهُ ولاءهُم وَوِلاءها
ألآدمٍ تنعى وأين خليفة ال / رحمنِ آدمُ كي يُقيمَ عزاءها
وبكِ انطوى وبقيّة الله التي / عُرضت وعُلّم آدمٌ أسماءها
أم هل إلى نُوحٍ وأين نبيُّه / نوحٌ فليُسعد نوحَها وبُكاءها
ولقد ثوى بثراكِ والسببُ الذي / عَصَم السفينةَ مُغرقاً أعداءها
أم هل إلى موسى وأينَ كليمُهُ / مُوسى لكي وجداً يُطيل نُعاءها
ولقد توارى فيكِ والنار التي / في الطور قد رفع الإله سناءها
لابل غداة عرت رزيتك التي / حَمل الأئمةُ كربها ويلاءها
دفنوا النُبوَّة وحيها وكتابَلها / بك والأمامةَ حُكمها وقضاءها
لا ابيضَّ يومٌ بعد يومك إنّه / ثكلَت سماءُ الدين فيه ذُكاءها
يومٌ على الدُنيا أطلَّ بروعةٍ / ملأت صُراخاً أرضَها وسماءها
واستكَّ مسمعُ خافقيها مُذ بها / هَتف النعيُّ مطبَّقاً أرجاءها
طرقتكِ سالبةُ البهاءِ فقطِّبي / ما بشر من سلب الخطوب بهاءها
ولتغدُ حائمةُ الرَّجاء طريدةً / لا سَجلَ يُنقعُ بُردهُ أحشاءها
فَحشا ابنِ فاطمةٍ بعرصةِ كربلا / بَردت غليلاً وهو كان رُواءها
ولتُطبق الخضراءُ في أفلاكها / حتَّى تصكَّ على الورى غبراءها
فوديعةُ الرحمن بين عبادهِ / قد أودعتهُ أُميةٌ رمضاءها
صرعتهُ عطشاناً صريعة كأسِها / بتنوفةٍ سَدَّت عليه فضاءها
فكستهُ مسلوبَ المطارفِ نقعها / وسقتهُ ضمآنَ الحشا سمراءها
يوم استحال المشرِقانِ ضلالةً / تَبعت به شيعُ الضَلال شقاءها
إذ ألقَح ابنُ طليق أحمد فتنةً / وَلدت قلوبُهم بها شحناءها
حَشدت كتائِبَها على ابن محمدٍ / بالطفّ حيثُ تذكَّرت آباءها
الله أكبر يا رواسي هذه الأ / رضِ البسيطةِ زايلي أرجاءها
يَلقى ابنُ منتجع الصلاحِ كتائباً / عَقدَ ابنُ مُنتجع السفاحِ لِواءها
ما كان أوقحها صَبيحةَ قابلت / بالبيضِ جبهتهُ تُريقُ دِماءها
ما بلَّ أوجُهها الحيا ولو أنَّها / قِطعُ الصفا بلَّ الحيا مَلساءها
من أين تخجلُ أوجهٌ أُمويَّة / سَكبَت بلذَّاتِ الفُجورِ حياءها
قَهرَت بني الزهراء في سُلطانِها / واستأصلت بصفاحها أُمراءها
مَلكت عليها الأمرَ حتّى حرَّمت / في الأرضِ مَطرح جَنبها وثواءها
ضاقت بها الدُنيا فحيثُ توجَّهت / رأت الحُتوف أمامها ووراءها
فاستوطأت ظَهر الحِمام وحوَّلت / للعزّ عن ظهر الهوانِ وطاءها
طَلعت ثنيَّاتِ الحُتوف بعُصبةٍ / كانوا السيوفَ قضاءها ومِضاءها
من كلِّ مُنتجع برائد رُمحه / في الرَّوع من مُهج العِدى سوداءها
إن تعرُ نبعةُ عزّه لبس الوغى / حتّى يُجدّل أو يُعيدُ لِحاءها
ما أظلمت بالنقع غاسقةُ الوغى / إلاَّ تلهَّب سيفهُ فأضاءها
يعشوُ الحِمامُ لشعلةٍ من عَضبه / كرِهت نُفوسُ الدارعين صلاءها
فحسامُه شمسٌ وعزرائيلُ في / يومِ الكفاح تخالُه حِرباءها
وأشمُّ قد مسح النُجوم لواؤُه / فكأنَّ من عَذباته جوزاءها
زحمَ السماء فمن محكّ سنانِه / جرباء لقَّبت الورى خضراءها
أبناءُ موتٍ عاقَدت أسيافها / بالطفّ أن تلقى الكماةُ لقاءها
لقلوبُها امتحنَ الإلهُ بموقفٍ / مَحضتهُ فيه صَبرها وبلاءها
في حيثُ جعجعت المنايا بَركها / وطوائفُ الآجالِ طُفن إزاءها
ووفت بما عقدت فزوَّجت الطُلى / بالمُرهفات وطلقَت جوباءها
كانت سواعدَ آل بيت مُحمدٍ / وسيوفُ نجدتها على من ساءها
جعلت بثغر الحتف من زُبر الضُبا / رَدماً يحوطُ من الردى حُلفاءها
واستقبلت هامَ الكماة فأفرغَت / قطراً على رَدم السيوف دماءها
كرِه الحِمامُ لقاءها في ضنكه / لكن أحبَّ اللهُ فيه لِقاءها
فَثوت بأفئدةٍ صوادٍ لم تجد / ريًّا يَبلُّ سوى الردى أحشاءها
تَغلي الهواجر من هجير غليلها / إذ كان يُوقدُ حرّهُ رمضاءها
ما حال صائمةِ الجوانح أفطرت / بدمٍ وهل تُروي الدِما إضماءها
ما حال عاقرةِ الجسوم على الثرى / نَهبت سُيوفُ أُميةٍ أعضاءها
وأراك تُنشئُ يا غمامُ على الورى / ظلاًّ وتروي من حَياك ضماءها
وقلوبُ أبناءِ النبي تفطَّرت / عطشاً بقفرٍ أرمضت أشلاءها
وأمضّ ما جرعت من الغصص التي / قدحت بجانحة الهُدى إيراءها
هتكُ الطغاة على بناتِ محمدٍ / حُجبَ النبوَّةِ خدرها وخباءها
فتنازعت أحشاءها حُرقُ الجوى / وتجاذبت أيدي العدوّ رداءها
عجباً لِحلم اللهِ وهي بعينهِ / برزت تُطيلُ عويلها وبُكاءها
ويرى من الزفراتِ تجمعُ قلبها / بيدٍ وتدفعُ في يدٍ أعداءها
حالٌ لرؤيتها وإن شمت العدى / فيها فقد نحت الجوى أحشاءها
ما كان أوجعها لمُهجة أحمدٍ / وأمضَّ في كبد البتولة داءها
تَربت أكفُّك يا أُميَّة إنَّها / في الغاضريَّة ترَّبت أُمراءها
ما ذنبُ فاطمةٍ وحاشا فاطماً / حتَّى أخذت بذنبها أبناءها
لا بلَّ منك المُزن غلَّة عاطشٍ / فيما سقيت بني النبي دماءها
فعليك ما صلَّى عليها اللهُ لع / نته يُشابه عَودُها إبداءها
بولاء أبناء الرسالة أتَّقي / يومَ القيامة هولها وبلاءها
آليت ألزمُ طائراً مدحي لهم / عُنقي إذا ما الله شاء فناءها
ليرى الإِله ضجيع قلبي حبها / وضجيع جسمي مدحها ورثاءها
ماذا تظنُّ إذا رفعتُ وسيلتي / لله حمد أئمَّتي وولاءها
أترى يقلِّدني صحيفة شقوتي / ويبزُّ عُنقي مدحها وثناءها
بل أين من عنقي صحيفتي التي / أخشى وقد ضمن الولاءُ جلاءها
يا دارَ جائِلة الوشاحِ
يا دارَ جائِلة الوشاحِ / حيتك نافحة الرياحِ
وسقتكِ من ديم الحيا / وطفاءُ ضاحكةُ النواحي
كم فيك قد نادمت من / قمرٍ يطوفُ بشمس راح
وخريدةٍ تختالُ عن لدنٍ / وتبسم عن أقاح
نشوانةَ الأعطاف من / خمر الصِبا خودٍ رُداح
ملكت قلوب بني الغرام / بلاحظٍ سكرانَ صاحي
جَهِدَ العواذلُ فيَّ أن / أسلو هوى الغيد المِلاح
فَمتى محبّ قد سَلا / هيفاء تسفرُ عن بَراح
ومن الذي قد كلّف ال / طيران محصوص الجناح
هيهات أَخطأَ ظنّهم / أن يستلينَ لهم جُماحي
فإِليَّ يا داعي الجوى / ووراكِ عنيّ يا لَواحي
فيعينيَّ اسودَّ الصباحُ / لرزء مدركة الصياح
حالَ الصياحُ كأنّما / نعيت ذكاءُ إلى الصباح
وتجاوبت فوق السما / غرّ الملائكِ بالنياح
جزعاً ليوم فيه قد / غلب الفسادُ على الصلاح
بل فيه قد غُضَّت لحا / ظُ الفخر من بعد الطِماح
وبنو السفاح تحكَّموا / في أهل حيَّ على الفلاح
وبسبط أحمدَ أحدقت / بشبا الصوارم والرماح
ودعته إمّا يجنحنّ / لسلمها أو للكفاح
ظنَّت بما اقترحت عليه / أن يخيم من الصفاح
فمتى أبو الأشبال رُوّ / ع يا أُميَّة بالنِباح
فزحفتِ في جندِ الضلال / إلى ابنِ مُعتلج البِطاح
فغشاكِ مِن عزماتِهِ / جيش من الأَجل المتاح
وغدا يقي دين الإِله / بحرّ وجهٍ كالصباح
يلقى الكتيبةَ مفرداً / فتفرُّ دامية الجراح
وإذا دعوا حيذي حياد / دعى بحيَّ على الكفاح
وبهامها اعتصَمت مخا / فة بأسه بيض الصفاح
وتسترت منه حياءً / في الحشا سمر الرّماح
ما زال يوردُ رمحَه / في القلب منها والجناح
وحسامه في الله يَسفح / من دماء بني السفاح
حتَّى دعاه إليه أن / يغدو فلبَّى بالرَّواح
ورقى إلى أعلا الجنان / معارجَ الشرف الصراح
وبناتُ فاطمةٍ غدت / حَسرى تجاوَبُ بالنياح
أضحت بأجرد صفصفٍ / متوقّد الرمضاءِ ضاحي
من بعد ما إن كنَّ / في حرم أجلَّ من الضُراح
عجباً لها تغدو سبايا / وهي من حيّ لقاح
تسري بهنَّ لِجلّقٍ / حربٌ على عُجفٍ رزاح
ألله أكبر يا جبال / تدكدكي فوق البِطاح
فبناتُ أحمدَ قد غدت / تُهدى لمذموم الرواح
منهلَّةَ الغبرات بُحّ ال / ندبُ من عِظم المناح
يَندبنَ أَوَّل مُنجدٍ / يوم الوَغى لهف الصياح
ويَنُحنَ من جزع على / أندى البريَّة بطنَ راح
أَين التجملُ والأسى / من ذات صبرٍ مُستباح
ترنو لكافلها قضى / ظمأً لدى الماءِ القُراح
هذا وكم من حُرمةٍ / هتكت لهنَّ بلا جُناح
وأبيح من خطر لها / لله من خطر مباح
لله خطب منه كل حشًى / مكلّمة النواحي
أمَّ الخطوبِ بمثله / فلقد عَقمتِ عن اللقاح
يا من لأعناق البريَّة / طوَّقوها بالسماح
فإليكموها غادةً / أبهى من الخَودِ الرداح
بدويَّةً فاقت نظا / ئرَها بألفاظٍ فِصاح
أرجو القبول بها وإن / قصُرت فذا جُهد امتداحي
وعليكم الصلوات ما / عُرفت بكم سُبلُ الصلاح
لا تحذرنَ فما يقيكَ حِذارُ
لا تحذرنَ فما يقيكَ حِذارُ / إن كانَ حَتفُكَ ساقه المقدارُ
وأرى الضنينَ على الحِمام بنفسه / لا بدَّ أن يفنى ويبقى العارُ
للضيم في حسب الأبيّ جِراحةٌ / هيهاتَ يبلغ قعرَها المِسبارُ
فاقذف بنفسك في المهالك إنَّما / خوفُ المنيَّة ذلّة وصَغارُ
والموت حيثُ تقصفت سمرُ القنا / فوق المطهم عزّةٌ وفخارُ
سائل بهاشم كيف سالمت العدا / وعلى الأذى قرَّت وليس قرارُ
هدأت على حَسكِ الهوانِ ونومُها / قدماً على لِين المهاد غِرارُ
لا طالب وتراً يُجرِّدُ سيفهُ / مِنهم ولا فيهم يُقالُ عِثارُ
ولربَّ قائلةٍ وغربُ عيونها / يُدمي فيخفي نُطقها استعبارُ
ماذا السؤال فمت بدائك حسرةً / قضيت الحميَّةُ واستبيح الجارُ
ما هاشم إن كنتَ تسألُ هاشمٌ / بَعد الحسين ولا نزار نزارُ
ألقت أكفّهُم الصفاحَ وإنَّما / بشبا الصوارِم تُدرك الأوتارُ
أبني لِويّ والشماتةُ أن يُرى / دمكم لدى الطلقاءِ وهو جُبارُ
لا عذر أو تأتي رِعالُ خُيولِكم / عنها تضيق فدافدٌ وقفارُ
مستنهضين إلى الوغى أبناءها / عَجلاً مخافةَ أن يفوت الثارُ
يتسابقون إلى الكفاح ثيابُهم / فيها وعِمّتهم قناً وشِفارُ
متنافسين على المنيَّة بينهم / فكأَنَّما هي غادةٌ مِعطارُ
حيث النهارُ من القتام دُجنّةٌ / ودُجى القتامِ من السيوف نهار
والخيل داميةُ الصدورِ عوابسٌ / والأرض من فيض النجيع غمارُ
أتوانياً ولكم بأشواط العُلى / دونَ الأنام الورد والإِصدار
هذي أُميَّةُ لا سرى في قطرها / غضُّ النسيم ولا استهلَّ قَطارُ
لبست بما صنعت ثيابَ خِزايةٍ / سوداً تولَّى صِبغَهنَّ العارُ
أضحت برغم أُنوفكم ما بينها / بنسائكم تتقاذفُ الأمصارُ
شَهدت قفار البيد أنَّ دموعها / منها القفارُ غَدونَ وهي بِحارُ
من كلِّ باكية تجاوب مثلَها / نوحاً بقلب الدين منه أُوارُ
حُمِلَت على الأكوار بعد خدورها / ألله ماذا تحمل الأكوارُ
ومروعةٍ تدعو وحافلُ دَمعِها / ما بين أجواز الفلا تيَّارُ
أمجشّماً أنضاءَ أغيابِ السُرى / هيماء تمنع قطعها الأخطارُ
مرهوبة الجنبات قائمةَ الضحى / ما للأُسود بقاعها إصحارُ
أبداً يموج مع السراب شجاعها / من حرّ ما يقد النقا المنهارُ
تهوي سِباع الطير حين تجوزها / مَوتى وما للسيد فيها غارُ
يطوي مخارم بِيدَها بمصاعبٍ / للريح دون ذميلها إحسارُ
من كلِّ جانحةٍ تُقاذِفُها الرُّبى / ويشوقها الأنجاد والأغوارُ
حتَّى تريحَ بعُقر دارٍ لم تزل / حرماً تجانب ساحها القدارُ
مَنعت طروقَ الضيم فيها غِلمةٌ / يسري لِواءُ العزّ أنَّى ساروا
سمةُ العبيدِ من الخشوع عليهم / لله إن ضمتهم الأَسحارُ
وإذا ترجَّلت الضحى شهدت لهم / بيضُ القواضب أنَّهم أحرارُ
قف نادِ فيهم أين من قد مُهّدت / بالعدل من سطواتها الأَمصارُ
ماذا القعود وفي الأُنوفِ حميّةٌ / تأبى المذلَّةَ والقلوبُ حِرارُ
أتطامنت للذلّ هامةُ عِزّكم / أم منكم الأَيدي الطوالُ قِصارُ
وتظلُّ تدعوا آل حربٍ والجوى / ملء الجوانح والدموع غزارُ
أطريدةَ المختار لا تتبجّحي / فيما جرت بوقوعه الأَقدارُ
فلنا وراء الثار أغلبُ مدركٌ / ما حالَ دون مناله المقدارُ
أسدٌ تردّ الموتَ دهشةُ بأسهِ / وله بأرواح الكُماة عِثارُ
صلَّى الإِله عليهِ من متحجّب / بالغيب ترقب عدلَه الأَقطارُ
أنى يخالطُ نفسك الأُنسُ
أنى يخالطُ نفسك الأُنسُ / سفهاً ودهرُك سعدُه نحسُ
ومِن الحوادث ليس يمتنعُ ال / ثقلانِ لا جنٌّ ولا إنسُ
بل كلّ ربع فيه ناعيةٌ / وبكلّ فج مربعٌ درسُ
وفجايع الأَيَّامِ طائفةٌ / شرقاً وغرباً شأنُها الخَلسُ
وأجلّها يومُ الطفوف فلا / وهم تَصوَّره ولا حدسُ
يومٌ أبو السجاد ألقَحها / شعواءَ تزهقُ دونها النفسُ
واسودَّ مشرقُها ومغربها / بالنقع حتَّى ماتت الشمسُ
لمَّا طليقةُ جدّه وردت / لِقتاله يقتادها رجسُ
يلقى الرّماح بصدره وكأنَّ / يوم الكريهة صدرُه تُرسُ
فالشوس تأنس بالفرار كما / بالموت منهُ تأنسُ النفسُ
ويرومُ كلٌّ سبقَ صاحبِه / هرباً فيسبق جسمه الرأسُ
للمرهفات نفوسُهم وجسومُهم / للوحش لم يُشفق لها رَمسُ
ألله يا حامي الشريعه
ألله يا حامي الشريعه / أتقرّ وهي كذا مَروعه
بك تستغيثُ وقلبها / لك عن جوى يشكو صدوعه
تدعو وجُرد الخيل مُصغية / لدعوتها سميعه
وتكاد ألسنة السيوف / تجيبُ دعوتها سريعه
فصدورها ضاقت بسرّ / الموت فأذن أن تُذيعه
ضرباً رداءُ الحرب يبدو / منه مُحمرَّ الوشيعه
لا تشتفي أو تنزعنَّ / غروبها من كلّ شيعه
أين الذريعةُ لا قرارَ / على العِدى أين الذريعه
لا ينجعُ الإِمهال بالعا / تي فقم وأرق نجيعه
للصنع ما أبقى التحمّل / موضعاً فدع الصنيعه
طعناً كما دفقت أفاويقَ / الحيا مُزنٌ سريعه
يا بن الترائك والبواتك / من ظُبا البيض الصنيعه
وعميدَ كلّ مغامرٍ / يَقظ الحفيظة في الوقيعه
تنميه للعلياء هاشمُ / أهلُ ذروتها الرفيعه
وذووا السوابق والسوابغ / والمثقفةِ اللموعه
من كلّ عبلِ الساعدين / تراهُ أو ضخمِ الدسيعه
أن يلتمس غرضاً فحدّ ال / سيفِ يجعله شفيعه
ومقارع تحتَ القنا / يلقى الردى منه قريعه
لم يسرِ في ملمومةٍ / إلاَّ وكانَ لها طليعه
ومُضاجع ذا رونقٍ / ألهاهُ عن ضمِّ الضجيعه
نسي الهجوع ومن تيقظَ / عزمهُ ينسى هُجوعه
مات التصبّر بانتظا / رك أيُّها المحيي الشريعه
فانهض فما أبقى التحمّلُ / غيرَ أحشاءٍ جَزوعه
قد مزَّقت ثوبَ الأسى / وشكت لِواصلِها القطيعه
فالسيفَ إنَّ به شفاء / قُلوبِ شيعتك الوجيعه
فسواهُ منهم ليس يُنعِشُ / هذه النفسَ الصريعه
طالت حبال عواتقٍ / فمتى تعود به قطيعه
كم ذا القعودُ ودينكم / هُدمت قواعده الرفيعه
تنعى الفروعُ أُصولَه / وأُصولهُ تنعى فُروعه
فيه تحكَّم مَن أباحَ ال / يوم حرمَته المنيعه
مَن لَو بِقيمة قدره / غاليتُ ما ساوى رجيعه
فاشحذ شبا عضب له الأ / رواحُ مُذعنةٌ مُطيعه
إن يدعُها خفَّت لدع / وَتِه وإن ثقلت سريعه
واطلب به بدم القتيل / بكربلا في خير شيعه
ماذا يُهيجك إن صبرت / لوقعة الطفّ الفضيعه
أترى تجيء فجيعةٌ / بأمضَّ من تلك الفجيعه
حيثُ الحسينُ على الثرى / خيلُ العِدى طحنت ضُلوعه
قتلته آل أُميَّةٍ / ظامٍ إلى جنب الشريعه
ورضيعهُ بدمِ الوريد / مخضَّبٌ فاطلب رضيعه
يا غيرةَ الله اهتفي / بحميَّة الدين المنيعه
وضُبا انتقامكِ جرِّدي / لطلا ذوي البغي التليعه
ودعي جنودَ الله تملأُ / هذه الأرضَ الوسيعه
واستأصلي حتَّى الرضيعَ / لآل حربٍ والرضيعه
ما ذنبُ أهل البيت ح / تَّى منهم أخلوا ربوعه
تركوهم شتَّى مصارعهم / وأجمعها فظيعه
فمغيبُ كالبدر ترتقبُ / الورَى شوقاً طلوعه
ومكابدٌ للسمّ قد سُقيت / حُشاشته نقيعه
ومضرَّجٌ بالسيفِ آثر / عزَّه وأبى خضوعه
ألفى بمشرعة الردى / فخراً على ظمأٍ شُروعه
فقضى كما اشتهت الحميَّةُ / تشكرُ الهيجا صنيعه
ومصفَّدٌ للهِ سلَّم / أمرّ ما قاسى جميعه
فلقسره لم تلق لولا / الله كفًّا مستطيعه
وسبيَّة باتت بأفعى / الهمّ مهجتُها لسيعه
سُلِبت وما سُلبت محا / مد عزّها الغرّ البديعه
فلتغد أخبية الخدور / تطيح أعمدُها الرفيعه
ولتبد حاسرةً عن الو / جه الشريفةُ كالوضيعه
فأرى كريمةَ من يواري / الخدرَ آمنةً منيعه
وكرائمَ التنزيل بين / أُميَّةٍ برزت مروعه
تدعو ومن تدعو وتلك / كُفاة دعوتها صريعه
واهاً عرانينَ العُلى / عادت أُنوفكم جديعه
ما هزَّ أضلعَكم حداءُ / القوم بالعيس الضليعه
حَملت ودائعُكم إلى / مَن ليسَ يعرفُ ما الوديعه
يا ضلَّ سعيُكِ أُمة / لم تشكر الهادي صنيعه
أأضعتِ حافظَ دينه / وحفظتِ جاهلةً مُضيعه
آلَ الرسالة لم تزل / كبدي لرِزؤكُم صديعه
ولكم حَلوبةُ فِكرتي / دَرُّ الثنا تمري ضروعه
وبكم أروضُ من القوا / في كلَّ فاركةِ شموعه
تحكي مخائلُها بروقَ / الغيث معطيةً منوعه
فلديَّ وكَفّها وعنه / سواي خُلّبها لموعه
فتقبَّلوها إنَّني / لغدٍ أُقدمها ذريعه
أرجو بها في الحشر / راحةَ هذه النفسِ الهلوعه
وعليكم الصلواتُ ما / حنَّت مطوَّقةٌ سَجوعه
إن ضاعَ وِترُكَ يا بن حامي الدين
إن ضاعَ وِترُكَ يا بن حامي الدين / لا قال سيفُك للمنايا كوني
أَولم تُناهض آلَ حربٍ هاشمٌ / لا بشّرت علويَّةٌ بجنين
أَمعلّلَ البيضِ الرقاق بنهضةٍ / في يوم حربٍ بالردى مشحون
كم ذا تهزُّك للكريهةِ حنَّةٌ / من كلّ مشجية الصهيل صفون
طال انتظارُ السمرِ طعنتكَ التي / تلدُ المنونَ بنفس كلّ طعين
عجباً لسيفك كيف يألف غمدَه / وشباهُ كافلُ وِتره المضمون
لله قلبُك وهو أغضبُ للهدى / ما كان أصبرَه لهتك الدين
فيما اعتذارُك للنهوض وفيكم / للضيم وَسمٌ فوق كلِّ جبين
أَيمينُكم فقدَت قوائمَ بيضِها / أَم خيلكم أضحت بغير مُتون
لا استكّ سمع الدهر سيفُك صارخاً / في الهام فاصلُ حدّه المسنون
إن لم تُقدها في القتام طوالعاً / فكأنَّها قِطعُ السحابِ الجون
ما إن سطت بحماة ثغرِ تهامةٍ / إلاَّ ذَعرن حماةَ ثغر الصين
يحملن منك إلى الأعادي مخدراً / يرمي المنونَ لقاؤه بمنونِ
غضبانَ إن لبسَ الضواحي مصحِراً / نزعت له الآساد كلَّ عرين
فمتى أراك وأنت في أعقابها / بالرمح تطعنُ صلبَ كلّ ركين
حيث الطريد أمام رمحك دمعهُ / كغروبِ هاضبةِ القطار هتونِ
لم يمسحنَّ جفونَه إلاَّ رأى / شوكَ القنا الأهدابَ رأي يقين
ومن الجسوم تُزاحِمُ الأرض السما / ما بين مضروبٍ إلى مطعون
والموتُ يسأم قبض أرواح العدى / تعباً لِقطعك حبلَ كلِّ وتين
فتمهّد الدنيا بإمرة عادلٍ / وبنهي علاّمٍ وقسط أمين
ومُضاء منصلتٍ وعزم مجرّبٍ / وأناتِ مقتدرٍ وبطشِ مكين
أتُشيمُ سيفَكَ عن جماجم معشرٍ / وتروكم بالذُحل في صفين
وحنينُ بيضهم الرقاقِ بهامكم / ملأَ الزمانَ برنَّةٍ وحنين
وكمينُ حقد الجاهليَّةِ فيهم / أنَّى طلعتم غالكم بكمين
غصبوكم بشبا الصوارم أنفساً / قام الوجودُ بسرّها المكنون
كم موقفٍ حلبوا رقابكم دماً / فيه وأعينكم نجيع شؤون
لا مثلَ يومكم بعرصة كربلا / في سالفات الدهر يَومُ شجون
قد أرهفوا فيه لِجدكَ أنصلاً / تركت وجوهَكم بلا عِرنين
يومٌ أبيُّ الضيم صابَر مِحنةً / تُفدى بجملة عالم التكوين
فثوى بضاحية الهجير ضريبةً / تحت السيوفِ لحدّها المسنون
وقفت له الأفلاكُ حينَ هويّه / وتبدَّلت حركاتُها بسكون
وبها نعاه الروحُ يهتفُ منشداً / عن قلب والهةٍ بصوت حزين
أضمير غيب الله كيف لك القنا / نفذت وراءَ حجابه المخزون
وتصكُّ جبهتك السيوفُ وإنَّها / لولا يمينُك لم تكن ليمين
ما كنتَ حين صُرعتَ مضعوف القوى / فأقول لم تُرفد بنصر معين
وأما وشيبتِكَ الخضيبةِ إنَّها / لأبرُّ كلِّ إليّةٍ ويمين
لو كنتَ تستامُ الحياةَ لأرخصت / منها لك الأقدارُ كلّ ثمين
أو شئتَ محوَ عداك حتَّى لا يُرى / منهم على الغبراء شخص قطين
لأخذتَ آفاقَ البلادِ عليهم / وشحنتَ قطريها بجيش منون
حتَّى بها لم تُبق نافخَ ضرمةٍ / منهم بكلِّ مفاوزٍ وَحصون
لكن دعتك لبذلِ نفسِك عصبةٌ / حان انتشارُ ضلالِها المدفون
فرأيتَ أنَّ لقاءَ ربِّك باذلاً / للنفس أفضلُ من بقاء ضنين
فصبرتَ نفسك حيث تلتهب الضُبا / ضرباً يذيب فؤادَ كلّ رزين
والحربُ تطحن شوسَها برحاتِها / والرعب يَلهم حلمَ كلّ رصين
والسمرُ كالأضلاع فوقك تنحني / والبيضُ تنطبق انطباق جفوني
وقضيتَ نحبَك بين أظهر معشرٍ / حُملوا بأخبث أظهُرٍ وبطون
وأَجلُّ يومٍ بعد يومك حلَّ في / الإِسلام منه يشيبُ كلُّ جنين
يومٌ سرت أسرى كما شاء العدى / فيه الفواطمُ من بني ياسين
أُبرزن من حرم النبيّ وإنَّه / حرمُ الإِله بواضحِ التبيين
من كلِّ محصنةٍ هناك برغمها / أضحت بلا خدرٍ ولا تحصين
سُلبت وقد حجبَ النواظرُ نَورُها / عن حُرّ وجهٍ بالعفاف مصون
قذفت بهنَّ يدُ الخطوبِ بقفرةٍ / هيماءَ صاليةِ الهجير شطون
فغدت بهاجرة الظهيرة بعدما / كانت بفيَّاح الظِلال حصين
حرّى متى التهبت حشاشتُها ظماً / طفِقت تُروِّح قلبها بأنين
وَحَدت بها الأعداءُ فوق مصاعبٍ / ترمي السهولَ من الفلا بحُزون
لا طاب ظلُّكَ يا زمانُ ولا جرت / أنهارُ مائِك للورى بمعين
ما كان أوكَسها لفكّك صفقةً / فيها ربحت ندامةَ المغبون
فلقد جمعت قِواك في يوم به / ألقحت أمَّ الحادثات الجون
وبه مُذ ابتكرت مصيبة كربلا / عقُمت فما لنتاجها من حين
أحماةَ ثغرِ الدين حيثُ سيوفكم / شَرعت محجّةَ نهجهِ المسنون
صلَّى الإِلهُ عليكم ما مِنكم / هتفَ الصوامعُ باسم خير أمين
ضمِنت غلائلُ ربَّةِ الأرج
ضمِنت غلائلُ ربَّةِ الأرج / ما شئت من هِيفٍ ومن دعج
معشوقةُ اللحظاتِ قد كُحلت / بالفاتِنَينِ السحر والغنج
إنَّ الذي لشقاي صوَّرها / بالشهد قال لريقها امتزج
كم أرشفتني الثغرَ قائلةً / هل في حُميَّا الريقِ من حرج
بيضاء تبعث من ضفائِرها / بسلاسل الريحان كالسَبَج
إن قال لليل ادج فاحمُها / للصبح قال جبينها ابتلج
تشدو فتطربُ في تنقّلها / باللحن من رَمَلٍ ومن هَزَج
يا لائمي وشهابُ وجدي ثاقبٌ
يا لائمي وشهابُ وجدي ثاقبٌ / كيفَ العزاء وطودُ صبري ساخا
وقف السهادُ بمقلتي مُتوسِّماً / فرأى بها أثرَ الكرى فأناخا
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ
أبدينَ تُفَّاح الخدودِ / وَسترنَ رمَّانَ النهودِ
ونشرنَ ريحانَ الغدائرِ / فوق أغصانِ القُدودِ
وأتينَ يحملنَ الكؤوسَ / كأَنهنَّ ثغورُ غيدِ
من كلّ ضامية الوشاحِ / رويّة الخلخال رودِ
هيفاء لو طالبتها / بدمي فَوجنتُها شهيدي
لكنَّها عَطَفت عليَّ بصد / غِها سود الجعودِ
فمتى بسفك دمي تقرُّ / وصدغُها لامُ الجحودِ
من مائلاتٍ كالغصونِ / دعت بها النسماتُ ميدي
من مصبياتٍ للحليم / بطرف جازية وجيدِ
من قاسمات الدرّ ما / بين المضاحك والعُقودِ
أنت العميدُ وحبَّذا / بدمي النقا ولعُ العميدِ
فارشف عروساً من طِلًى / جُليت على وَردِ الخدودِ
جاءت إليك تزفُّها / عذراءُ كاعبةُ النهودِ
يا ما أسرَّكِ ليلةً / في الدهر كاملة السعودِ
فلنا صباحُكِ قد تجلَّى / مُسفراً عن يوم عيد
بيض لوتك من العذار / بشقر لاماتٍ وسودِ
إنَّ التي سكنت ضميري
إنَّ التي سكنت ضميري / في حُسنها سَلَبت شعوري
برشاقة الغُصنِ الرطيبِ / ولفتة الظبي الغريرِ
قد أرهفت من لحظها / سيفاً ضريبتُهُ ضميري
قسماً بعامل قدّها الخطَّ / ارِ يخطرُ بالحريرِ
ما أسكرتني خمرةٌ / لولاكِ يا عينَ المديرِ
قد كان داؤُك للشريعة داءا
قد كان داؤُك للشريعة داءا / فالآنَ صار لها شفاك شفاءا
نزعت يدُ الباري سقامكما معاً / وكستهُ شاغلةً به الأعداءا
مسحت غبارَ الداءِ منك بصحَّةٍ / كانت لوجه المكرُمات جلاءا
قرَّت بها عينُ الهداية وانثنت / عينُ الحواسد تشتكي الأقذاءا
والمجدُ أعلنَ في البريَّةِ هاتفاً / بشرى بصحَّة من شفى العلياءا
فاغدوا سواءً في السرور كما غدوا / في شكر نائله الجزيلِ سواءا
فلتهنَ طائفةُ الهدى في شيخها / ولنستدم به بدوامه النعْماءا
فإليه أملاك السماءِ تطلَّعت / فأقرَّ أعينَها غداة تراءا
وتباشرت حتَّى كأَنَّ إلهها / منها أزالَ ببُرئه الأدواءا
وتنزَّلت كيما تهنِّي جعفراً / وهو الجديرُ مودَّةً وإخاءا
لا قلتُ هذا غيرُ ذاك فهل ترى / ماءً تَغايرَ إن قسمت الماءا
هو جعفر الفضلِ الذي أهلُ النهى / يَرِدون منه ويصدرونَ رُواءا
وإذا رقى الأعوادَ أسمع ناطقاً / بالوعظ حتَّى الصخرةَ الصمَّاءا
ولقد سرى في الصالحات لذِكره / أرجٌ يطبقُ نشرهُ الأرجاءا
وأطل دعاك له وناد محمدَ ال / حسنَ المجلِّي نورُه الظلماءا
أأبا الشريعة أنت كافلها الذي / أنسى البنينَ ببرّه الآباءا
وبكم جميعاً أبصرت لكنَّهم / كانوا لها حُدَقاً وكنت ضياءا
أنت المعدّ لحفظ حوزتنا التي / لم تحو سابغةً ولا عدَّاءا
ماذا يضرُّ ومنكباك لواؤُنا / أن لا نهزَّ على العُدات لواءا
ولسانك السيفُ الذي أخذ الهدى / بشباهُ من أعدائه ما شاءا
وإذا جرى قلمٌ بكفِّك خالَهُ / بحشاه خصمك صعدةً سمراءا
ولقد جريتَ إلى المعالي سابقاً / حتَّى تركت السابقينَ وراءا
غفراً لذنب الدهر إنَّ له يداً / عندي نسيتُ لنفعها الضرَّاءا
جلبَ المسرَّة لي بإثر مسرَّةٍ / سبقت فضاعف عندي السرَّاءا
بشفاء مُنتجبٍ وعرس مهذَّبٍ / بَهرَ البريَّةَ فطنةً وذَكاءا
إن غبتُ عن ذاك السرور فلم يكن / ليفوتني ما أطرَبَ الشعراءا
فبعرس عبد الله رونقُ عصرنا / في كلّ آونةٍ يزيدُ صفاءا
وبأيّما وقتٍ حضرتُ فإنَّه / للزهو وقت بالسعود أضاءا
فاهتف ودونكه لتهنئة العُلى / وشياً يفوق صناعةً صنعاءا
بشرى به عُرساً لأيّ ورشحٍ / بعُلى أبيه تجاوزَ الجوزاءا
هو غصنُ مجدٍ ذو مخايل بَشّرت / أن سوف يُثمر سؤدداً وعلاءا
لو أنَّ مَن نظمَ القريضَ بعرسه / نظم النجومَ لزادها لألاءا
سكرت به الدنيا ولكن لم تذق / إلاَّ خلائقَ جدِّه صهباءا
صفه وإخوتَه فكلٌّ منهم / في المجد أحرزَ عزَّةً قعساءا
أحيوا أباهم باقرَ العِلم الذي / قدماً أعاد ذوي النهى أحياءا
متكافئين بفخره وجميعهم / ولدنهم أُمُّ العُلى أكفاءا
فلجدِّه البُشرى وأين كجدِّه / لا تطلبنَّ سوى ذُكاءِ ذُكاءا
وَليَهن فيه عمّه ذاكَ الذي / فاتت مزايا فضله الإِحصاءا
يا من إذا التفَّت عليه مجامعُ / الآراءِ فلَّ بعزمه الآراءا
دُم للشريعة كي تدوم لنا فقد / جعل الإِلهُ لها بقاكَ بقاءا
وأَقم على مرّ الزمان ممدَّحاً / تُحبى صباحاً بالسنى ومَساءا
حيتكَ سارقةُ اللحاظ من الظِبا
حيتكَ سارقةُ اللحاظ من الظِبا / تجلو المدامَ فحيّ ناعمةَ الصِبا
جاءتكَ تَبسمُ والبنان نقابُها / فأرتكَ بدراً بالهلال تنقّبا
وكأَنَّها هي حين زَفَّت كأسها / شمسٌ تزفُّ من المدامةِ كوكبا
عقدت على الوسط النطاقَ مفوَّقاً / ولوت على الخصر الوشاحَ مذهّبا
أحبب إليك بها عشيقةَ مُغرمٍ / راض العواذلُ شوقَه فتعصّبا
هي تلك لاعبةُ العشاء ومن لها / ألفت بناتُ الشوقِ قلبك ملعبا
أمسيتَ منها ناعماً بغريزةٍ / بنسيم ريَّاها تعطَّرت الصَبا
ونديمةٍ لك لو تغنَّى باسمها / حجر لرقَّصه غناها مطربا
سكبت بكأس حديثها من لفظها / راحاً ألذَّ من المدام وأعذبا
وترنَّمت هزجاً فأطربَ لحنُها / قُمريَّ مائسةَ الأراكِ فطرّبا
فكأَنَّما علمت بعرس المصطفى / فشدت غناً لابن الأراكةِ أطربا
في ليلةٍ طابت فساعةُ أُنسها / لم تلقَ عمرَ الدهر منها أَطيبا
وَفَدَ السرورُ بها لمغنى أصيدٍ / كرماً يحيي الوافدينَ مُرحّبا
شملت مسرَّته البريَّة كلَّها / إذ كان في كلِّ النفوس محبّبا
فكأَنَّ عُرس المصطفى فيه الورى / كلّ محمدُ صالحٍ أَن يطربا
قد عاد مغربُها يهنِّي شرقَها / فيه ومشرقُها يهنِّي المغربا
فرحوا وحقَّ لهم به أن يفرحوا / من حيثُ أنَّ الدهر فيه أغربا
في الشيب جاء به سروراً لم يجئ / في مثله مُذ كان مقتبلُ الصِبا
هو في الأنام صنيعةٌ مشكورة / للدهر ما صحبوا لِساناً معربا
للكرخ ناعمةَ الهبوب تحمّلي / منّي سلاماً من نسيمك أطيبا
وصلي إلى بيت قد انتجع الورى / منه جناباً بالمكارم مُعشبا
بيت على الزوراء يقطر نعمةً / فكأَنَّه بالغيث كان مطنَّبا
قولي إذا حييتِ فيه بالرضا / فسواكِ منه هيبةً لن يقرُبا
بشراكَ بسَّام العشيّ بفرحةٍ / ضحكت بها الدنيا إليك تطرُّبا
وجلا عليك اليمنَ فيها طلعةً / غرَّاء ساطع سعدها لن يغربا
فاسعد بقرّة ناظريك فقد غدا / في عُرسه المجدُ المؤثّلُ معجبا
أمقيلَ مَن لبس الهجير تغرُّباً / ومعرّسَ السارين تنزِعُ لغّبا
عجباً لهذا الدهر يصحب بُخلَه / ولجود كفّك ليس يبرح مُصحَبا
ويرى جبينك كيفَ يُشرقُ لِلندى / كرماً ويغدو الوجه منه مقطَّبا
أرحبتَ للأضياف دارةَ جفنةٍ / من دارة القمر الوسيعة أرحبا
وحملت عبء بني الزمان ولو به / يُعنى أبوهم لاستقالك مُتعبا
وأما ومجدك خلفةً لو لم يكن / للعالمين سجالُ جودك مشربا
نَزفَ اغترافُهم البحارَ وبعدها / ترك اعتصارهمُ الغمائمَ خُلّبا
فمتى تقوم بحارُها وقطارُها / لهم مقامك ما جرت وتصبَّبا
يفدي أناملكَ الرطيبة مُعجبٌ / في يبس أنملةٍ بعذلك أسهبا
لو مسَّ وجه الأرض يبسُ بنانه / لرأيته حتَّى القيامة مُجدبا
عذبت مذاقة لا بفيه لبخله / وبفيك طعمُ نعم غدا مستعذبا
فازدادَ حتَّى في مَعيشة نفسهِ / ضيقاً وللوفّاد زدتَ ترحّبا
تسع الزمانَ بجود كفّك باسماً / ويضيق صَدر الدهر منك مقطَّبا
لورعتَ مُهجة نفسه وَزحمته / لفطرتها وَحطمتَ منه المنكبا
وَلقد جريتَ إلى العَلاء بهمَّةٍ / لم ترضَ عالية المجرَّة مركبا
حلَّقت حيث الطرفُ عنك مقصرٌ / فصعدت حيث النجم عنك تصوَّبا
شهدت قناة المجد أنَّك صدرُها / وَعدا أخيك غدا الأماجدُ أكعبا
ما قمت يوم الفخر وحدك موكباً / إلاَّ وقامَ به مثالُك موكبا
أصبحت منتسباً لغرِّ أماجدٍ / ودَّت لهم شهب السما أن تُنسبا
هم أيكة الشرف التي منها الورى / ثمرُ السماحة ما اجتنوه مرجّبا
طابت أرُومتها العريقة في العُلى / وسقت مكارمُها ثراها الطيّبا
وكفى بجودك وهو أعدلُ شاهدٍ / يصف الذي من جودها قد غيبا
ولقد تحقَّقتُ اسمَ غادية الحيا / فوجدت معناه نداك الصيّبا
وأجلت فكري في اسم أنفاس الصَبا / فإذا به خلق الرضا قد لقّبا
سيماءُ عزِّك في أسرَّة وجهه / لله أنت فهكذا مَن أنجبا
زيّنت أُفق الفخر منك بكوكبٍ / ما كان أزهره بفخرك كوكبا
فالشمس قد ودَّت وإن هي أعقبت / قمرَ السماءِ نظيره أن تُعقبا
قد غاض فيضُ ابن الفرات لجوده / إذ كان أغزر من نداه وأعذبا
لا تطر كعباً واطوِ حاتم طيء / وانشر مكارمَه تجدها أغربا
واترك له معناً على ما فيه من / كرمٍ فمعنٌ لو رآه تعجَّبا
ودع الخصيب فلو تملَّك ملكه / الهادي لجاد به لفرد أتربا
الجامع الحَمد الذي لم يجتمع / والواهبُ الرفدَ الذي لن يُوهبا
خلقتَ أدرَّ من السحائب كفُّه / بل أُنشأت منها أعمَّ وأخصبا
هو خير من ضمَّت معاقدُ حبوةٍ / وأخوه فخراً خير من عَقد الحُبا
طلعا طلوعَ النيرين فما رأى / أُفق المكارم مُذ أنارا غيهبا
فعُلاهما في المجد أبعدُ مرتقًى / ونداهما للوفد أقربُ مطلبا
أبقيَّةَ الكرم الذين سواهم / لم يتَّخذ نهجُ المكارم مذهبا
لا زلتم في نعمةٍ ومسرَّةٍ / ما دام ظهر الأرض يحمل كبكُبا
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده
بشرى العَلاء فَذي مطالع سعده / ولدت هلالاً زاهراً في مجده
وحديقةُ المعروف هاهي أنبتت / غصناً سيثمر للعفاة برفده
ونشت بأُفق المكرمات سحابةٌ / من ذلك البحر المحيط لوفده
الآن ردَّ على الزمان شبابهُ / غضًّا فأصبح زاهياً في ردّه
وجلت له الدنيا غضارةَ بِشرها / عن مَنظر شغلَ الحسودَ بوجده
وحلا اصطباحُ الراحِ من يد أغيدٍ / في خدِّه تزهو شقائقُ ورده
تُجلى بكفّ رقيق حاشية الصِبا / متمايل الأعطافِ ناعمُ قدّه
يكسو الزجاجةَ خدُّه فيديرها / حمراءَ تحسب أنَّها من خدِّه
رقص الحبابُ على غناء نديمها / طرباً وودَّ يكون موضعَ عِقده
شهد الضميرُ بأنَّها من ريقه / مُزجت بأطيبَ لذَّةٍ من شهده
فاشرب فِدا الساقي عذولك واسقني / كأساً وَفى فيها الزمانُ بوعده
وانهض كما اقترح السرورُ مهنِّياً / بفتى به الوهابُ جاد لعبده
ميلاده الميمون بُورك مولداً / قد أصبح الإِقبال خادمَ سعده
تتوسّم العلياءُ وهو بحجرها / فيه مخائلَ من أبيه وجدِّه
جدٌّ له انتهت العُلى من هاشمٍ / وعلاءُ هاشم لا انتهاءَ لحدِّه
وكساه في عصر الشبيبة والصِّبا / والشهب تهوى أنها من وِلده
نضت الحميَّةُ منه سيفَ حفيظةٍ / ماءُ الحيا الرقراق ماء فرنده
لمَّا رأيت الشام يبعد قصده / عن ركب فيحاء العراق ووخده
أودعتُ تهنئتي إليه رسالةً / تُهدى على شحط المزارِ وبعده
ودعوت حاملها لأشرف منزلٍ / بالشام خذ عنِّي السلام وأدِّه
حيّ السعيدَ محمداً فيه وقُل / بُشرى بأشرف طالع في سعده
بأغرَّ يُنميه إلى عمرو العُلى / حَسَبٌ محمَّده عليُّ معدّه
حملته أُمُّ الفخر سيّدَ قومه / وأتت به والفضل ناسج بُرده
ولد سيرفع عن علاك بولده / ويشدُّ أزرك في بلوغ أشدّه
لو لم يكن فلكُ المجرَّةِ مهدَهُ / لم تطلع الشعرى العبورُ بمهده
قرَّت به عينُ الفخارِ لأنَّها / لم تكتحل أبداً برؤية نِدّه
فليهنين حمى السيادة إنَّه / قد أطلعت شبلاً عرينةُ أسده
وانشقَّ مسك ثرى النبوَّة فيه عن / ريحانة الهادي ووردةِ مجده
فاليوم كفّ لويّ عاد بنانها / فيها وسُلَّ حُسامها من غِمده
وتباشرت طيرُ السما كأنَّما / نُشر ابن هاشم للقِرى من لحده
وكأَنَّ كلّ الناس منطق واحدٍ / يشدو ليُهن الفخر مولدُ فرده
وبديعةٍ في الحسن قد أهديتها / جهد المقلِّ لمكثرٍ من حمده
خطبت له بلسان أشرف من بنى / في الكرخ بيتاً سقفه من مجده
بيت يظلّل بالنعيم إذا أوى / ضيفٌ إليه رآه جنَّة خلده
وإليكما غرَّاء بأرج عطفها / بنسيم غالية الثناء وندّه
نطقت بناديك العليّ وأرَّخت / ولد النهى للفضل أسعد ولده
إيماضُ برقٍ أَم ثغورِ
إيماضُ برقٍ أَم ثغورِ / في ضمنها نُطَفُ الخمورِ
حلبُ الغمامِ رضابُها / وحديثُها حلبُ العصيرِ
لما نشرن لنا حديثَ / الوصلِ كالروض النضيرِ
ساقطن عن بَرَدٍ تنظّم / رائقَ الدرّ النثيرِ
سقياً لليلة لهونا / في ذلك الرشأِ الغريرِ
والكأسُ دائرةٌ عليَّ / تعينها عينُ المديرِ
فمفاصلي وجفونه ال / وسنا سواءٌ في الفتورِ
نشوات سكرٍ أمكنتني / من محالات الأُمورِ
لو يعتفيني عندها / ربُّ الشويهة والبعيرِ
لَوَهبتُ من طربي له / رب الخورنق والسديرِ
الآن دع يا سعد قا / صرةَ الغواني للقصورِ
وانهض لبشرى طبَّق / الدنيا بها صوتُ البشيرِ
بشفاء من عبرت معا / ليه على الشعرى العبورِ
كم عين داعٍ إذ شكى / شخصت إلى الملك القديرِ
واستوهبته شفاءَ بدر / المجد وهاب البدورِ
فأجاب دعوتَها وقال / رجعتِ في جفنٍ قريرِ
فبه لك البشرى وفي / أعداه راعية الثبورِ
أقسمت ما لكفاية الأ / حرار فادحة الأُمورِ
إلاَّ محمّد صالحٌ / ولنعم جارُ المستجيرِ
مولًى غدت بشفائه الأ / يامُ باسمةَ الثغورِ
عَبِقٌ بعطفيه عبيرُ ال / مجدِ لا عَبَقُ العبيرِ
نظر الزمانُ بأعين / أبداً إلى علياه صورِ
عدد النجوم جفانُه / والراسيات من القدورِ
تقف المكارمُ عنده / وتسير حيث يقول سيري
فإذا نظرت إلى الزمان / بعين منتقدٍ بصيرِ
لم تلقه إلاَّ صحيفة / مأثراتِ بني الدهورِ
وسوى مآثره الجميلة / ليس فيها من سطورِ
تغنيه أوَّل نظرةٍ / في الرأي عن نظر المشيرِ
ويرى بعين وروده / في الأمر عاقبةَ الصدورِ
تغدو حلوبةُ جودِهِ / العافينَ بالدَّرِّ الغزيرِ
يتشطَّرون ضروعَها / لا بالتلوّث ولا الشطورِ
زرعوا رجاءهم بجا / نب جودِه العذب النميرِ
فنما ورفَّ عليه مثلُ / النبت رفَّ على الغديرِ
لولا نظارة ولده / لحلفت عزَّ عن النظيرِ
إذ مِن بهاه بهاؤهم / وكذا الشعاع من المنيرِ
أوما ترى للبدر ما / للشمس من شرفٍ ونورِ
خير الكرام وفيهم / ما شئتَ من كرمٍ وخيرِ
تروي قديمَ المجد / تسنده صغيراً عن كبيرِ
يا مَعشراً لولاهم / أضحى السماحُ بلا عشيرِ
قرَّت عيونكم بصحَّة / صفوة الشرف الخطيرِ
وهناكم المنشور من / هذا السرور إلى النشورِ
أرأيت كيفَ بدا يشيرُ
أرأيت كيفَ بدا يشيرُ / بلحاظه الرشأُ الغَريرُ
خطّ ابن مُقلته الهوى / وارتاحَ يقرأهُ الضميرُ
في طُرس خدٍّ من خيال / الهدبِ لاحَ به سطورُ
فصحيفةُ البشرى محيَّاه / ورونقه البشيرُ
حيَّا بيوم كادَ يقطر / من غضارته السرورُ
وأدارَ لامعةً تشفُّ / كخدّه بأبي المديرُ
أَهلاً وقد حدرَ اللثا / مَ كأنَّه القمرُ المنيرُ
رشأٌ إذا كسرَ الجفونَ / فقلبُ عاشِقه الكسيرُ
والجفنُ أصرع ما يكون / غداةَ يصرعهُ الفتورُ
خصر اللمى تحيي وتق / تل في تكسّرها الخصورُ
يا جاهلاً نبأَ اللحاظ / وذاكَ يعقله البصيرُ
أفلا سقطتَ على الخبير / بوحيها فأنا الخبيرُ
إنَّ الوجوهَ لكالزجاجة / تستبينُ بها الأُمورُ
وتشفُّ عمَّا خلفها / فله بها أبداً ظهورُ
وإذا القلوبُ تراسلت / فمن اللحاظ لها سفيرُ
بشراك زرتك يقظة / فالطيف طارقه غُرورُ
فدعوت لي فيه الهنا / ولغيري الجدّ العثورُ
أحبب إليك بهالةٍ / فيها تنادمتِ البدورُ
هي جنَّة لكن سقاةُ / رحيقها المختوم حورُ
بين الخدور ولا أُصرّحُ / باسم من حوت الخدورُ
بيضاء مطعمةُ الهوى / شهدت بعفَّتها الستورُ
كلفي بصائدة القلوب / ومن حبائلها الشعورُ
ما بين قرطيها إلى الخل / خال روض صباً نظيرُ
والوجنتانِ شقيقةٌ / ماء الشباب لها غديرُ
كيف الوصول لخدرها / ووراء كِلّتها الغيورُ
لامَ العذولُ بها وقالَ / من الصبابة لا عذيرُ
لا تخدعنَّك غريرةٌ / هي أمّها الدنيا الغرورُ
والعشقُ لا يملك فؤاد / ك فهو سلطانٌ يجورُ
كم مغرمٍ حكمت بمهجته / الترائبُ والنحورُ
ثم انثنت ولها حُشا / شة صدره وله الزفيرُ
قسماً بأيدي الرامياتِ / إلى مِنًى عنقاً تسيرُ
قلَّ الكرامُ وإنَّما / بكم قليلهم كثيرُ
ولكِّ عصرٍ أوَّل / منهم لأوَّلكم أخيرُ
نفر إلى غير المساعي / العزّ ليس لكم نفيرُ
للمجد كلّكم بدور / فلك السعود بها يدورُ
وعلى ارتشاف طلى الهنا / أبداً نديمكم السرورُ
أصبا القريض قفي فقد / بلغَ المقامَ بك المسيرُ
حُطِّي اللثامَ فهاهنا / روضُ المباكر والغدير
ومن القوافي فتِّحي / زهراً به تبهى العصورُ
يبقى كما اشتهت العُلى / غضًّا تهاداه الدهورُ
سبحان من بالمصطفى / أسرى فطابَ له المسيرُ
حملته همَّته وتلك / هي البُراق به تطيرُ
للحجّ سارَ ومن رأى / ركناً إلى رمن يسيرُ
فالأرضُ تشهد كلّها / لك إنَّك النوء الغزيرُ
حيّت أغرّ كأن طلع / ةَ وجهه قمرٌ منيرُ
لا النَسرُ طارَ لها ولا / عبرت بها الشعرى العبورُ
قِرّي شقاشق غيرها / فبذا النديّ لها الهديرُ
أسقتك يا ربع الحبيب قطارَها
أسقتك يا ربع الحبيب قطارَها / ديمٌ إليك حدى النسيمُ عِشارها
من كلّ هاضبةٍ تألّف برقُها / فأتتك تتبع عينها أبكارها
نفَّاحة وسمت رُباك فروّضت / من بعد ما محت الصَبا آثارها
وبأيمن العلمين أمثال لها / لا يستطيع أخو الغرام مزارها
علّمن أغصان النقا فتمايلت / طرباً وعلّمت الشجى أطيارها
إن تمنع الأعرابُ روضةَ ريمها / عنِّي وتأبى أن أشم عرارها
فلأعدلنَّ بصبوتي عنها إلى / فئةٍ على الروحين أعهدُ دارها
حيّ من الأتراك بين خدورهم / هيفاءُ تمنح وصلها من زارها
وافت تبرقع وجهَها قمرَ الدجى / وَتزرّ في شهب السما زِنَّارها
فصم السوار لفعمة من زندها / فكأَنَّما كان الهلال سوارها
فدنوتُ منها لا أهِمُّ بريبةٍ / فيها ولم تطرح لديَّ أزارها
لكن ليقضي ناظري من حسنها / الأوطار لا أقضى لها أوطارها
ماتوا بغيظهم وليت نفوسهم / فيها المنيَّة أنشبت أظفارها
ما مدَّ في أعمارهم لكرامةٍ / لكنَّما كرهَ الإِله جوارها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025