القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 4
ما للقبور كأنّما لا ساكن
ما للقبور كأنّما لا ساكن / فيها و قد حوت العصور الماضية
طوت الملايين الكثيرة قبلنا / و لسوف تطوينا و تبقى خالية
أين المها و عيونها و فتونها ؟ / أين الجبابر و الملوك العاتية ؟
زالوا من الدنيا كأن لم يولدوا / سحقتهم كفّ القضاء القاسية
إنّ الحياة قصيدة أعمارنا / أبياتها و الموت فيها قافية
متّع لحظك في النجوم و حسنها / فلسوف تمضي و الكواكب باقية
كم بين طيّات الدهور الخالية
كم بين طيّات الدهور الخالية / عظة لأبناء الدهور الآتية
عبر اللّيالي كاللّيالي جمّة / لكنّما النزر القلوب الواعية
الدّهر يفنينا و نحسب أنّه / يفني بنا أيّامه و لياليه
فاذا مشى فينا الفناء فراعنا / خلق الخيال لنا الحياة الثانية
إنّ الحياة قصيدة أبياتها / أعمارنا و الموت فيها القافية
كم تعشق الدنيا و تنكر صدّها / أنسيت أنّ الخلف طبع الغانية ؟
و تودّ لو يبقى عليك نعيمها / أجهلت أن عليك ردّ العارية ؟
خل الغرور بما لديك فإنّما / دنياك زائلة و نفسك فانية
إنّ الألى وطئت نعالهم السّهى / و طئت جبالهم نعال الماشية
لو أنّ حيّا خالد فوق الثّرى / ما مات " هرون " و زال " معاوية "
أو كان عزّ دائما ما أصبحت / " بغداد " في عدد الطلول البالية
أخنت عليها فدورها / خرب تعاودها الرياح السّافية
يأوى إليها البوم غير مروّع / من كلّ نعّاب أحمّ الخافيه
نزل القضاء فما حماها سورها / ولطالما ردّ الجيوش الغازية
و اجتاح مجتاح العروش ملوكها / فكأنهم أعجاز نخل خاوية
أين القصور الشاهقات و أهلها / باد الجميع فما لهم من باقية
درست معالمها و غيّرها البلى / و لقد ترى حلل المحاسن كاسية
أيّام لا دوح المعارف ذابل / ذاو و لا دور الصّناعة خالية
أيّام لا لغة " الكتاب " غريبة / فيها و لا همم الأعارب وانية
أيّام كان العلم يغبط أهله / أهل الثراء ذوو البرود الضافية
أيّام كان لكلّ حسن شاعر / كلف به و لكلّ شعر راويه
أيّام " دجلة " مطمئن هاديء / جذلان يهزأ بالبحور الطامية
" النيل " خادمه الأمين و عبده / " نهر الفرات " و كلّ عين " جارية "
تهوى الكواكب أنّها حصباؤه / أو أنّها شجر عليه حانيه
و تودّ كلّ سحابة مرّت به / لو أنّه سحب عليها هامية
و ترى الغزاله طيفها عند الضحى / في سطحه فتبيت عطشى راوية
أيّام كان الشرق مرهوب / يكسو الجلال سهوله و روابيه
أيّام تحسها العواصم مثلما / حسد العواطل أختهنّ الحالية
و لطالما كانت تعزّ بعزّها / " مصر " و يحمي ذكرها " أنطاكيه "
أيّام " هرون " يدير شؤونها / يا عصر ط هرون " عليك سلاميه
ملك أدال من الجهالة علمه / و أذلّ صارمه الملوك العاتيه
ز مشت تطوّف في البلاد هباته / تغشى حواضرها و تغشى البادية
ملأ البلاد عوارفا و معارفا / و الأرض عدلا و النفوس رفاهيه
فتحضّر البادون في أيّاه / و استأنست حتّى الوحوش الضارية
و تسربلت " بغداد " ثوب مهابة / ليست تراه أو " تراه " ثانيه
هاتيك أيّام تلاشت مثلما / تمحو من الرقّ الحروف الماحية
لم يبق إلاّ ذكرها يا حسنها / ذكرى تهشّ لها العظام الباليه
لو أنّ هذا الدهر سفر كنت يا / عصر الحضارة متنه و الحاشية
عصر لئن جاء البشير بعودة / فلأخلعنّ على البشير شبابيه !..
إيه " أبا المأمون " ذكرك آبد / في الأرض مثل الشامخات الراسيه
باق على مرّ العصور بقاءها / و كذاك ذكر ذوي النفوس السامية
إن لم يكن لك مثال بيننا / فلأنّ روحك كلّ حين دانيه
هي في الخمائل زهرة فيّاحة / هي في الكواكب شمسها المتلالية
إنّي لأعجب كيف متّ و في الروي / حيّ و كيف طوتك هذي الطاوية
و من الزمان يهدّ ما شيّدته / ويح الزمان أما تهيّب بانيه ؟
تشكو إليك اليوم نفسي شجوها / فلأنت مفزع كلّ نفس شاكية
أتراك تعلم أنّ دارك بدّلت / من صوت " إسحق " بصوت النّاعية ؟
أتراك تعلم أنّ ما أثلته / قد ضيّعته الأنفس المتلاهية ؟
يا ويح هذا الشرق بعدك إنّه / للضعف بات على شفير الهاوية
ما كان يقنع بالنجوم وسائدا / و اليوم يقنع أهله بالعافية !
مسترسلون إلى الذهول كأنّما / سحروا أو اصطر عوا ببنت الخابية
مستسلمون إلى الفضاء كأنّما / أخذوا و لمّا يؤخذوا بالغاشية
ألمجد إدراك النفيس و عندهم / ما المجد إلاّ شادن أو شادية
يهوى الحياة الناس طوع نفوسهم / و هم يريدون الحياة كما هيه
صغرت نفوسهم فبات عزيزهم / يخشى الجبان كما يخاف الطاغية
حملوا المغارم ساكتين كأنّما / كبرت على أحناكهم لا الناهية
لم تسمع الدنيا بقوم قبلهم / ماتوا و ما برحوا الديار الفانية
الله لو حرصوا على أمجادهم / فتلك عنوان الشعوب الراقية
ملك " العلوج " أمورهم و متاعهم / حتّى سوامهم و حتّى الآنية
وا خجلة العربيّ من أجداده / صارت عبيدهم الطغاة موالية !..
أبني الغطارفة الجبابرة الألى / و طئوا " اللّوار " و دوّخوا " إسبانية "
من حولكم و أمامكم تاريخهم / فاستخبروه فذاك أصدق راويه
قادوا الجيوش فكلّ سهل ضيّق / ورموا المعاقل فهي أرض داحيه
و سطوا فأسقطت العروش ملوكها / رعبا و أجفلت الصروح العالية
و مشوا على هام النجوم فلم تزل / في اللّيل من وجل تحدّق ساهية
وردت خيولهم المجرّة شزّبا / و الشهب من حول المجرّة صادية
أعطاهم صرف الزمان زمامه / أمنوا و ما أمن الزمان دواهيه
لا أستفزّكم لمثل فتوحهم / لكن إلى حفظ البقايا الباقية
أتذلّ آناف الملوك جدودكم / و تسومكم خسفا رعاة الماشية ؟
كم تصبرون على الهوان كأنّكم / في غبطة و الذّلّ نار حامية
يا للرجال ! أما علمتم أنّكم / إن لم تثوروا أمّة متلاشية ؟
" دار السّلام " تحيّة من شاعر / حسدت مدامعه عليك قوافية
فأراق ماء شؤونه و لو أنّه / في الغاديات أراق ماء الغادية
لو كل مجدك مستردا بالبكا / قطرت محاجره الدماء القانية
فعليك تذهب كلّ نفس حسرة / و لمثل خطبك تستعار الباكية !!
لمّا سألت عن الحقيقة قيل لي
لمّا سألت عن الحقيقة قيل لي / الحقّ ما اتّفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضّحى / و الهند ساجدة هناك لديه
نرضى بحكم الأكثريّة مثلما / يرضى الوليد الظّلم من أبويه
إمّا لغنم يرتجيه منهما / أو خيفة من أن يساء إليه
شاهدتها كالميْت في أكفانه
شاهدتها كالميْت في أكفانه / فوجئت إلاّ عبرة أذريها
مهجورة كسفينة منبوذة / في الشّطّ غاب وراءه ماضيها
نسجت عليها خيوطها / و كسى الغبار غلالة تكسوها
أقوت و باتت كالمسامع بعدها / لا شيء يطربها و لا يشجيها
و كأنّها في صمتها مشدوهة / أن لا ترى بهتافها مشدوها
لاحسّ في أوتارها لا شوق في / أضلاعها لا حسن في باقيها
فارزح بحزنك يا حزين فإنّها / لا تنشر الشّكوى و لا تطويها
و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى / فالنّفس يشفقيها الذي يرديها
لله عهد مرّ لي ظلّها / أبكى عليه و تارة أبكيها
كانت كأنّ ضاوعها موصوله / بأضالعي و سرائري في فيها
كم مرّة حامت غرابيب الأسى / لتقيت من قلبي الجريح بنيها
فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها / سور يصون حشاشتي و يقيها
كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت / نفسي همومما أوشكت تبليها
فإذا أنا مثل البنفسجية التي / ذبلت فباكرها النّدى يحييها
و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى / و حفيفها في نغمة توحيها
فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء / بالخمر أترع كأسه ساقيها
ورأيتني من جنّة سحريّة / لا يرتوي من حسنها رائيها
و لمحت أحلام الشّباب مواكبا / تتلاى أمامي و الهوى حاديها
سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى / لا كفّ تثبتها و لا تمحوها
و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى / عند المسا في أنّه تزجيها
فذكرت ثمّ محاسنا الثرى / غابت و شوّهها البلى تشويها
فإذا أنا كالسنديانه شوشت / أغصانه الريح التي تلويها
أو كالسفينة في الضباب طريقها / ضلّت و غابت أنجم تهديدها
شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع / لسكونها جزع الغدير أخيها
ما أن سمعت أنينه و نشيجه / إلاّ و يعرو النفس ما يعروها
روّى الثرى يا ليت روحي في الثرى / أو في النبات لعلّة يرويها
يا صاحبيّ و في حنايا أضلعي / همّ يكظّ الروح بل يدميها
إنّ التي نقلت حكايات الهوى / لم يبق غير حكاية ترويها
كمدينة دكّ القضاء صروحها / دكّا و كفّن بالسكوت ذويها
نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى / ما كان أهونها على ناعيها
لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا / و عويلها إنّ الصّبا ترثيها
لو تسمعان نجّيها متمشّيا / كالسّحر في الأرواح يستهويها
لعلتما أنّ القضاء اغتالها / كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025