كلا ولا لغة له إلا الذي
كلا ولا لغة له إلا الذي / قد جال في عينيك أو عينيّا
أو لفظة جمدت على شفتيك من / فزَع كما ماتت على شفتيّا
أو حسرة مني إليك وحسرة / مرتدة من ناظريك إليّا
لا أنت نائيةٌ ولا أنا ناءِ / إني لديك مُقَيَّدٌ بوفائي
بعضُ الهَوى يُسدي كمِنَّةِ مُنعمٍ / وجميلُهُ دَينٌ رهينُ قضاء
ويقلُّ عُمر الدهر تَوفيَةً لما / أسدَيتِه بجمالكِ الوضَّاء
عُمر الزمان فِدى لساعةِ مُلتقًى / سمحت بها الأقدارُ ذاتَ مساء
أنتِ التي علَّمتِني معنى الحيا / ةِ حبيبةً ونجيَّةً وصديقا
أنكرتُ معناها بغيرِك واستوت / وتشابهت سعةً عليَّ وضيفا
وَوَددتُ لو غال الخلائقَ غائلٌ / مُفنٍ أو اشتعَل الصباحُ حريقا
وسلمتِ أنتِ فأنتِ أدناهم إلى / روحي وأبعدهُم عليَّ طريقا
لا تسألِيني عن غدٍ لا تسألي / فغداً أعودُ كما بدأتُ غريبا
هَتَكَ الستارَ مُقنَّعٌ حسناتُه / يخفين خلفَ ريائِهن الذِّيبا
كان التلاقي بيننا كَفَّارةً / للدهر عن آثامِه لِيَتوبا
فلتَذهَبِ الحسناتُ غيرَ كريمةٍ / سأَعُدُّهُنَّ على المتابِ ذنوبا
أرنو وحيداً للمكانِ الخالي / كأسي وكأسُك فارغانِ حِيالي
مرَّ المساء مُخَيّباً فتساءلا / وتَلَفَّتا لكِ في المساء التالي
حتى إذا مَلا تَرَقُّبَ عائدٍ / يُحيي وَيبعَثُ ميّتَ الآمال
بَكَيَاكِ بالحبَبِ الحزينِ وربّما / بكت الكؤوس على النديم السالي
أرنو إلى الصهباء غامَ شعاعُها / وامتدَّ نحو النفسِ ظلُّ جنابها
وكأنما روحي هناك حبيسةٌ / تطفو وتَرسُبُ في خطوطِ حَبابها
وكأن راهبةً هناك سجينةً / مغمورةً بدموعها وعذابها
ظلَّت تُقيم على الشموعِ صلاتها / حتى تلاشى النُّور في مِحرابها
كم ذكرياتٍ في الحياةِ عزيزةٍ / مَرَّت عليَّ فكنتِ أغلاهُنَّ
حتى إذا عَفتِ الصبابةُ وانقضى / ما بيننا أَقبَلتُ أسأَلهنَّ
وسألتُ عنك العمر ماضِيَه وحا / ضِرَه فكان العُمر أنتِ وهُنَّ
والله ما غدَر الزمانُ وإنما / هانَت عليكِ الذكرياتُ وهُنَّا
يا زهرةً عذراء تنشر عِطرَها / وتُذيعُ في جفنِ الضُّحى أحلامَها
لاقيتُها والريحُ تجمعُ شملَها / والسُّحبُ تجمع بَرقَها وغَمامَها
عانقتُها ظمآنَ أشربُ راحَها / واستقطرت قلبي لتملأ جامَها
فإذا الرياحُ نَزَعنَها عن خافقي / ضَمَّت على أنفاسِه أكمامَها
حُلمٌ كما لمع الشهابُ تَوارى / سَدَلَت عليه يد الزمانِ ستارا
وحبيسُ شَجوٍ في دمي أطلقتُه / متدفِّقاً وَدَعوتُه أشعارا
ووديعةٌ رَجَعت فما خطبي إذا / رُدَّ الذي كان الزمانُ أعارا
قد كان قلباً فاستحال على المدى / لحناً تَنَاقَلهُ الرُّواة فسارا
يا حِصنِي الغالي فقدتُك وانطوى / رُكني وأقفَرَ مَوئِلي ومَلاذي
نعطي ونأخُذ في الحديث ومُقلتي / مسحورةٌ بجمالك الأخَّاذ
والدهرُ يُغريني فأُعرِضُ لاهياً / فيَظَلُّ يَفتِنُني بتلكَ وهذي
والدهرُ يَهزِلُ والغرامُ يَجدُّ بي / ما كنتِ ساخرةً ولا أنا هاذي
هل كان عهدُك قبل تشتيت النَّوى / إلا مخالسةَ الخيالِ الطارقِ
إشراقةٌ وطغى عليها مَغرِبٌ / غيرانُ يَخطفُها كخطفِ السارقِ
أو لمعةٌ لم تَتَّئد ذهبت بها / دَكنَاءُ مدَّت كفّها من حالقِ
وكأن ثغرك والنوَى تَعدُو بنا / شَفَقٌ يلوحُ على نضيدِ زنابقِ
شفتاك في لُجِّ الخواطرِ لاحَتَا / كالشاطِئين وراءَ لُجٍّ ثائر
لهما إذا التقتا على أغرُودةٍ / خرساءَ في ظلِّ الجمالِ الساحر
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ / وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافر
وبراءةُ الملكِ المُتَوَّجِ حُسنُه / بجمالِ رحمنٍ وطيبةِ غافر
صَحِبَ الحياةَ فآدَهُ استصحابُها / ركبٌ على طُرُقِ الحياةِ كليلُ
خدعت ضلالاتُ الحياةِ تبيعها / والدَّربُ وَعرٌ والطريقُ طويل
فتلفَّتَ السارِي لعَلَّ لعينهِ / يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
فبدا له نورٌ وأشرق منزلٌ / أَلِقٌ ورفَّت جنةٌ وخميل
لكِ في خيالي روضةٌ فينانةٌ / غَنَّى على أغصانِها شاديها
يَحمِي مغارسَها وَيَرعَى نبتها / راعٍ يُجَنِّبُها البِلَى ويقيها
فإذا النوى طالَت عليّ وشَفّني / جُرحي وعاد لمهجَتي يُدميها
نَسَقَ الخيالُ زهورَها وورودها / فقطفتُها وشَمَمتُ عِطرَكِ فيها
بعضُ الهوى فيه الدمارُ وإنما / بعضُ النفوسِ على الدّمارِ حِرَاصُ
فيكونُ فيه القيدُ وهو تَحرُّرٌ / ويكون فيه الموتُ وهو خَلاصُ
آمنتُ بالحبِّ القويّ وحتمِهِ / ما من هوايَ ولا هواكِ مَنَاص
إن كان داءً فالسّقامُ دواؤُه / أو كان ذنباً فالمَتَابُ قِصاص
أصبحتُ والدنيا وداعُ أحِبَّةٍ / ودموعُ خُلانٍ وحزنُ رِفاق
فسخِرتُ من صَرَخاتهم وبكائهم / لا دمعَ إلا الدمعُ في أحداقي
لا صوتَ إلا صوتُ حُبّك في دَمي / أُصغي له وأراه في أطواقي
متدفقاً مثل العُباب ومُزبداً / متفجراً كالسَّيل في أعماقي
ساهرتُ أحلامَ الظلام وكلُّها / أشباحُ هجر أو طيوفُ وَداع
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً / وإلى الفناء مَشَينَ جِدَّ سِراع
حتى إذا سَفَكَ الصباحُ دماءَه / وهوى قتيلُ الليلِ بعد صِراع
أبصرتُ في المرآةِ آخرَ قصّتي / ونَعَى بها نفسي إليّ الناعي
يا ربّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا / وهناك تُشرِقُ في الحِمَى والدُّورِ
ومن الشّموسِ دفينةٌ في خاطري / مخبوءةُ الأضواء طيَّ شعوري
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها / أصفَى بِرَونقِها من البَلُّور
يا ربِّ أودعتَ الضّحى في مهجتي / وأنا الذي أشقَى بهذا النور