المجموع : 3
ما بالُ قَلبِك لا يَزالُ مُولَّها
ما بالُ قَلبِك لا يَزالُ مُولَّها / لا الحلمُ يردعُه الغداةَ ولا النُهى
أَأَعادَ عيدَ غرامه طيرٌ شَدا / فَغَدا يحنُّ إِلى زَمانٍ قد زَها
ما زادَه اللاحون عذلاً في الهَوى / إِلّا وَزادَ تولُّعاً وتولُّها
وتوجُّعاً وتحزُّناً وتَملمُلاً / وَتشوُّقاً وتحرُّقاً وتأَوُّها
ما أَنتَ أَوَّل من نأى عن دارِه / وَرَمَت به أَيدي النَوى فتدلَّها
قد آن أَن تَثني غرامَك سلوةٌ / فَتُفيقَ منه طائعاً أَو مُكرَها
أَصَفا لدمعِكَ أَن يَبيتَ مُرقرقاً / وَحَلا لِقَلبكَ أَن يظلَّ مولَّها
عبثت صروفُ النائبات به فَلا / جزع يأَوِّبُه ولا صَبرٌ وهى
ما إِن شَدت ورقاءُ فوق أَراكة / إلّا وَكانَ له حَنينٌ مثلَها
وَلَقَد نَهاهُ الناصحون عَن الهَوى / فأَبى وَكان هو الرَشيدَ لو اِنتَهى
سَفهاً لرأيكَ أَن رجوتَ لما مَضى / رَجعاً وقد وزَعَ المشيبُ ونهنا
هَيهات أَيّامُ الشَباب وعهدُه / إِذ كنتَ في ظلِّ الشَبابِ مُرفَّها
لا تحسبَن أَنَّ المعاهدَ بالحِمى / تلكَ المعاهدِ والمها تلك المَها
قد أَقفرَت تلك الربوعُ وفُرِّقَت / تلك الجموعُ فلا البهيُّ ولا البَها
أَقصِر فَقَد خَلَت الديارُ فَلا هَوىً / يُصبى إليه ولا مَليحٌ يُشتَهى
لَم تبق إِلّا لَوعَةٌ أَو حَسرَةٌ / يُمسي بها الصَخرُ الأَصَمُّ مدلّها
عَجباً لمن منَّ الحَبيبُ عليه
عَجباً لمن منَّ الحَبيبُ عليه / وَحَباهُ بالتَقبيل وهو لَديهِ
كَيفَ اشتَكى ضعفَ الفؤاد من الجوى / ومفرِّحُ الياقوتِ في شَفتَيهِ
تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها
تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها / نَفسٌ عليكَ تقطَّعت بأساها
يا كوكباً قد خرَّ من أفق العُلى / في لَيلَةٍ كَسَت الصباحَ دُجاها
كانَت حياتُك للنواظر قرَّةً / وَاليومَ موتُك للعيون قَذاها
يا لَيتَني غُيّبتُ قبلَك في الثَرى / وَسُقيتُ كاسَ الموت قبل تَراها
أَو ليتَ عيني قبلَ تبصرُ يومَك ال / محتوم كحَّلها الردى بعَماها
لَم لا تَمنّى الموتَ دونك مهجةٌ / قد كنتَ تجهدُ طالباً لرضاها
أَم كَيفَ لا تَهوى العَمى لك مقلةٌ / قد كنتَ قرَّتها وكنت سَناها
آهٍ ليومكَ ما أَمضَّ مُصابَه / وأَحرَّ نارَ مصيبةٍ أَوراها
لا وَالَّذي أَبكى وأضحكَ والَّذي / أَفنى نفوساً بعدما أَحياها
لَم يَبقَ لي في العيش بعدَك رغبةٌ / ما لي وللدنيا وطولِ عَناها
هَيهات ترغبُ في الحياة حشاشةٌ / قد كنتَ أَنتَ حياتَها وَمُناها
كانَت تؤمِّل أَن تَكونَ لك الفِدا / فأَبيتَ إلّا أَن تَكونَ فداها
وَبررتَها حتّى كأَنَّك رأفَةٌ / وَتعطُّفاً كنتَ اِبنها وأَباها
أفٍّ لها إِذ لم تشاطِركَ الرَدى / ما كانَ أَغلظَها وما أَقساها
قسماً بربِّ العاكفين بمكّةٍ / والطائفين بِحجرها وَصفاها
لَولا يقيني أَنَّني بك لاحقٌ / لقهرتُها حتّى تذوقَ رداها
تاللَّه خابَ السعيُ واِنفصمت عُرى ال / آمال مِمّا نابَها وَعَراها
لا مُتِّعَت بالعيش بعدَكَ أَنفسٌ / كانَت حياتُك روضَها وَجَناها
بَل لا هَنا للقَلب غيرُ غليله / أَبَداً ولا للعين غيرُ بُكاها
يا دوحةً للمجد مثمرةَ العُلى / ذَهبت نَضارتُها وجفَّ نَداها
قد كنتَ ساعديَ الَّذي أَسطو به / وَيدي الَّتي يَخشى الزَمانُ سُطاها
تَنفي الأَسى عنّي وتحمي جانبي / من كُلِّ كارثةٍ يعمُّ أَذاها
وَاليومَ قد هجمت عليَّ حوادثٌ / ما كُنتُ أَحذرُها ولا أَخشاها
طوبى لأَيّام الوصال وطيبها / ما كانَ أَحلاها وما أَهناها
أَيّام لي من حسنِ وجهك بَهجةٌ / بجمالها بين الوَرى أَتَباهى
فإذا جلستَ بجانبي فكأَنَّني / قارنتُ من شمس النهار ضُحاها
وإذا رأَيتُك بين آل المُصطَفى / عوَّذتُ منظَرك الجَميل بطاها
كانَت بقُربكَ في الزَمان مواردي / تَصفو ويعذُبُ وردُها ورواها
فمُنيتُ من حرِّ الفِراق بغلَّةٍ / حكم الرَدى أَن لا يبلَّ صَداها
وَبُليتُ من أَرزائِه برزيَّةٍ / عظُمت مصيبتُها وَطالَ جَواها
إنّي ليملكني التأَسُّفُ والأَسى / فيعزُّ من نَفسي عليكَ عزاها
فإذا ذكرتُ فناءَ دُنيانا الَّتي / لا لفظها يَبقى ولا مَعناها
خفَّ الأَسى عنّي وهان عليَّ ما / أَلقاه من أَهوالها وَبَلاها
كَيفَ البَقاءُ بهذه الدار الَّتي / من قد بَناها للفَناءِ بناها
دارٌ قَضَت أَن لا يَدومَ نعيمُها / لا كانَ مسكنُها ولا سُكناها
لا يُسرُها باقٍ ولا إِعسارُها / سيّانَ حالا فقرها وغناها
مقرونةٌ خَيراتُها بشرورِها / وَنَعيمُها بعنائِها وَشَقاها
إِن أَضحكت أَبكت وإِن برَّت بَرَت / وإِذا شَفَت شفَّت عليلَ ضَناها
أَينَ المُلوكُ المالكون لأَمرها / والعامِرو أَمصارِها وقُراها
أَينَ القياصرُ والأَكاسرةُ الألى / شادوا مَباني عزِّها وَعُلاها
أَينَ الخواقينُ الَّذي تمسَّكوا / بعهودِها واِستمسَكوا بعُراها
غَرَّتهم بشَرابها وَسَرابها / حتّى اِنتشوا من كأسِها وطلاها
بطشت بهم بطشَ الكمين بِغرَّةٍ / اللَه أَكبَرُ ما أَقلَّ وَفاها
قَد ضَلَّ رشدُ من اِطّباه جمالُها / فَصَبا إِليها واِزدَهاهُ زُهاها
يَهوى الأَنامُ بها البقاءَ وإنَّما / شاءَ الإلهُ بقاءَهم بِسواها
ما هذه الأَيّامُ غيرُ مراحلٍ / تُطوى وأَنفاسُ النفوس خُطاها
حتّى إِذا بلغت نهايةَ سَيرها / أَلقَت عَصاها واِستقرَّ نَواها
يا قُرَّةً للعين أَسخَنها الرَدى / وعزيمةً للقَلب فَلَّ شَباها
تَبكي عليكَ النفسُ من فرط الأَسى / وَتَنوحُ وجداً من عظيم شَجاها
وَتَقولُ حقّاً حين يَنكشفُ العَمى / عنها وَتبصرُ رشدَها وَهُداها
وُفِّقتَ حين رَفضتَ ألأَمَ منزلٍ / ورقيتَ من عُليا الجنان ذُراها
جارَيتَني فبلغتَ قَبلي غايةً / للحقِّ لم يبلغ أَبوكَ مَداها
ما زلتَ تسهر كلَّ لَيلَةِ جمعةٍ / لِلَّه إِذ يَغشى العيونَ كَراها
حَتىّ دَعاكَ اللَهُ فيها راضياً / لِتَنالَ منه مثوبةً تَرضاها
لِلَّه همّتُك الَّتي فاقَت عَلى / هِمم الأَعاظِم شيخِها وَفَتاها
سعت الرجالُ لنيل دُنياها الَّتي / قد دُنِّست فعزفت عن دُنياها
وَسعيتَ للأخرى المقدَّسة الَّتي / لَم يرعَ غيرُ الطاهرين حِماها
فحويتَها وَالعمرُ مُقتَبل الصِبا / واهاً لهمَّتك العليَّة واها
إِن كنتَ أحلِلتَ الجنانَ منعَّماً / فأَبوكَ حلَّ من الهموم لَظاها
حزِنت لموتك طيبةٌ وبقيعُها / وَبكت لفوتِكَ مكَّةٌ ومِناها
وَغَدا الغريُّ عليك يُغري بالأَسى / طُوساً وبغداداً وسامرّاها
أَقررتَ أَعينَ من بها بنزاهَةٍ / حلَّتكَ في سنِّ الصِبا بحُلاها
صَلّى عليكَ اللَهُ من مُستودَعٍ / في رَوضَةٍ ضمَّ الكمالَ ثَراها
وَتواتَرت رحماتُ ربِّك بُكرةً / وَعشيَّةً يَسقي ثَراك حَياها
ما حنَّ مُشتاقٌ إِلى أَحبابِه / وتذكّرت نفسٌ أهَيلَ هَواها