ناحّ الحمامُ على غصونٍ البانِ
ناحّ الحمامُ على غصونٍ البانِ / فأباحَ شيمةَ مُغرمٍ ولهانِ
ما خلته مذُ صاح إلا أنه / أضحَى فقيدَ أليفه ومعاني
وكأنه يُلقى إليّ إشارةً / كيف اصطباري مُذ نأي خِلاني
مع أنني والله مذ فارقتهم / ما طابَ عيشي وصفُو زَماني
لكنني صبٌّ أصونُ تلهفي / حتى كأني لستُ باللهفانِ
وبباطنٍ الأحشاءِ نارٌ لو بَدَتْ / جمراتُها ما طاقها الثَّقلانِ
أبكى دماً من مهجتي لفراقهم / وأودُّ أنْ لا تشعرَ العينان
لي مذهبٌ في عشقهم ورايتُه / ومذاهب العشاق في إعلان
ماذا عليّ إذا كتمت صبابتي / حتى لو أن الموتَ في الكتمان
ما أحسنَ القتلى بأغصان النقى / ما أطيبَ الأحزان بالغزلان
قالوا أتهوى والهوى يكسو الفتى / أبداً ثيابَ مذلةٍ وهوان
فأجبتهم لو صحَّ هذا إنني / أختارُ ذلي فيه طولَ زماني
والذلُّ للعشاقِ غيرُ مَعرة / بل عينُ كل مَعزّةٍ للعاني
أصبو إلى من حاز قداً أهيفا / يزرى ترنحهُ بغصن البان
وأحن نحون شقيق تمٍ خدِّه / قد نمَّ فيه شقايقُ النعمان
ويروقني أبداً نزاهةُ مقلتي / في حُسنِ طلعةِ فاتكٍ فتّان
أمسى وأصبحُ بين شَعْرٍ حالكٍ / ومُنيرِ وجهٍ هكذا الملوان
ولطالما قضَّيتُ معه حِقبة / ونسيمُ مصرَ معطّرُ الأردان
زمنٌ عليّ به لمصر فديتُهات / حقٌّ وثيقٌ عاطلُ النكران
لو شابهتْ عيناي فائضَ نيلها / لم توفِ بعض شفائه أحزاني
أو لو حكى قلبي بحارَ علومها / طرباً لما أخلو من الخفقان
ولكم بأزهرها شموسٌ أشرقتْ / وأنارتْ الأكوانَ بالعرفان
فشذا عبير علومهم عمَّ الورى / وسرتْ مآثرهم لكل مكان
وحوتهمو مصرُ فصارت روضةً / وهمو جناها المبتغى للجاني
قد شبهوها بالعروس وقد بدا / منها العروسي بهجةَ الأكوان
قالوا تعطَّر روضُها فأجبتهم / عطارُها حسنٌ شذاه معاني
حَبرٌ له شهدت أكابرُ عصره / بكمال فضلٍ لاحَ بالبرهان
لو قلتَ لو يُوجد بِمصرَ نظيرُه / لأجبتُ بالتصديق والإذعان
هذا لعمري اليومَ فيها سادةٌ / قد زُينوا بالحسنِ والإحسان
يا أيها الخافي عليك فخارُها / فإليكَ إن الشاهدَ الحسنان
ولئن حلفتُ بأن مصرَ لجنَّةٌ / وقطوفها للفائزين دواني
والنيلُ كوثرها الشهيُّ شرابه / لأبرُّ كل البر في أيمانِي
دار يحق لها التفاخرُ سيما / بغريزها جَدوى بني عثمان
حاز المحامدَ إذ دُعي بمحمدٍ / ورقي العُلا فعلى على الأقران
من كل مثل أميرنا فقرينه / اسكندرٌ أو كسرى أنوشروان
في وجهه النصرُ المبين على العدا / لاحتْ بشائرهُ لكل معاني
في كفه سيفانِ سيفُ عناية / والشهمُ إبراهيم سيفٌ ثاني
سلْ عنهُ يُنبيك الحجاز مشافهاً / بدمار أهلِ الزيْغ والبهتان
من قبل كانت سُبْله مذعورةً / والآن صارت في كمال أمان
لا غروَ إن نجْداً أدامتْ شكرَه / فلقد كساها حُلةَ الإيمان
وسعتْ إلى زنجٍ طلائعُ جيشه / فأطاعها العَاتي من السودان
وتقلبُ الأروام عدلٌ شاهدٌ / كم منه قد نالُوا شديدَ طعان
حتى لقد باءوا بوافرٍ خزيهم / وتقاسموا حظاً من الخسران
لم تُخْطِ قامةُ رُمحِه أغراضَها / وإصابةُ الأغراضِ نيلُ أماني
أحيا بدولته علوماً قد غدتْ / لوضوحِها تُجلى على الأذهان
بطلٌ مكارمه الجليلةُ قلَّدت / هامَ الزمانِ مكللِ التيجان
يهنيك يا مصرُ لقد خرت البها / بمحمدٍ باشا على الشان
فأخطى بغاخر حكمِه وتمتعي / وبذلك افتخري على البلدان
مُدّي أكفّ الشكر وابتهِلي بأن / يُبقيه مولاه طويلَ زمانِ