المجموع : 11
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ / واليمنُ في فمهِ وَفْوَق جَبينِهِ
وَافَى إمامَ المُرسلينَ مُبشّراً / بالمؤمنينَ من الملوكِ بدينهِ
بعثوا إليه رسولهم وكتابَهم / أن ليس مُتَّبَعٌ لهم مِن دونه
قالوا اعْتَصمنا باليقينِ فَزادنا / دِينُ الهُدى والمرءُ عِندَ يقينِهِ
ولقد قتلنا المشركينَ نُريدُه / فتحاً يَشُجُّ الشِّركَ في عِرْنِينهِ
أقيالُ حِمْيَرَ لانَ جانِبُ عِزِّهم / لِمُسلَّطٍ لِينُ الظُّبَى مِن لِينهِ
سَنَّ السّبيلَ بِسيفهِ وَلِسانِهِ / فتهافتَ الأقوامُ في مَسْنُونِه
لا شيءَ كالحقِّ المُسلَّحِ للفتى / يَشفِيهِ من كَلَبِ الهَوى وجُنونِهِ
اللّيثُ في مِحرابِهِ وكتابِهِ / واللّيثُ في أشبالِهِ وعَرِينهِ
رَجَع الرسولُ على هُدَىً برسالةٍ / فيها الهُدَى يَمحُو الظّلامَ لِحينهِ
فيها قُوى الإسلامِ مُحكَمةُ العُرَى / لِمَن ابْتَغَى الخيراتِ في تَمكينهِ
فيها شَعائرهُ ومَظهرُ مجدهِ / ونظامُ دَولتِهِ وأُسُّ شُؤونِهِ
أخَذَ الملوكَ بواضحٍ من هَدْيهِ / مُتبلِّجٍ لم يَأْلُ في تَبْيينهِ
وَرَمى إليهم بالوصيَّةِ سمحةً / يَقضِي الأمينُ بها زِمامَ أمينِهِ
أن أكْرِموا رُسلِي الذين تَرَوْنَهم / يرجون فضلَ الله عِندَ ديُونهِ
أَوصيتُ زرعةَ أن يكونَ لهم يداً / كَيَدِ القرينِ يَشُدُّ أزْرَ قرينِهِ
ولقد جعلتُ إلى معاذٍ أمرهُمْ / فجعلتُه لِزَعيمهِ وضَمينهِ
لا يرجعنَّ إليَّ إلا راضياً / والله عَوْنُ نَصيرِه وَمُعينِهِ
يا حارثُ اشْكُرْ فَضْلَ رَبِّكَ إنّه / أعطاكَ حَظّاً زَادَ في تَحسينِهِ
أوَ لستَ أوّلَ مُسلمٍ من حِمْيَرٍ / وَرَدَ الهُدى وَمَضى بِصَفْوِ مَعينِهِ
وأقامَ للشركِ المذمَّمِ مَأتماً / يَستعذِبُ الإسلامُ رَجْعَ أنينِهِ
أبْشِرْ بخيرٍ غيرِ مقطوعِ الجنَى / مِن ربّكَ الأعلى ولا مَمْنونِهِ
هَذا السّبيلُ فأينَ يذهبُ من أبى / أوَ ليس نُور اللهِ قد كشفَ الدُّجَى
ليس الذي رَكِبَ الغَوايةَ فَالْتوى / كَمَن استقامَ ولا الضَّلالةُ كالهُدَى
أحسنتَ فروةُ إنّ دِينَ مُحمدٍ / لَهُوَ الذي يَشفِي القُلوبَ مِنَ العَمَى
هذا رسولُكُ جَاءَهُ بِهَديّةٍ / فيها لنفسِك كلُّ ما تَهَبُ المُنَى
أنت السّعيدُ بها ولو أتْبعَتها / كُلَّ الذي لك لم تَزِدْ إلا غِنَى
ماذا يغيظُ الرُّومَ من مُسْتَبْصِرٍ / صَرَفَ العِنانَ عن الغوايةِ وارْعَوَى
سجنوه حين رَأوْهُ يُطلِقُ نفسَهُ / في المعشرِ الطُلَقاءِ من سِجنِ الهَوى
وتكنَّفوهُ لِيفتنُوه فزادَ في / إيمانِهِ ما جَرّعوهُ من الأذَى
لو يعقِلُ الملكُ الغَبيُّ لمَا رأى / رَأْيَ الأُلى ضلّوا السّبيلَ ولا غَوَى
قال اعْتَزِلْ دِينَ الذينَ هُمُ العِدَى / إن كنتَ تُؤثِرُ أن تُرَدَّ على رِضَى
لك عند قومِكَ ما تحبُّ وتَشتهِي / في ذلكَ الحَرمِ المُمنَّعِ والحِمَى
المجدُ والشرفُ الرفيعُ وما ترى / من نعمةٍ خضراءَ دانيةِ الجَنى
قال اقْتصِدْ ما أنْتَ أنْتَ ولا أنا / أنا قد مضى من أمرِنا ما قد مَضى
إنّي اصطفيتُ مُحمداً وهو الذي / أوصى به عيسَى فَنِعمَ المُصطفى
وأراكَ تَعلمُ غيرَ أنّكَ مُولَعٌ / بالمُلكِ تكرهُ أن يكونَ له مدَى
قال اقتلوهُ فراحَ يَلقى ربَّهُ / فَرِحاً بما حَفِظَ الأمانةَ وَاتَّقَى
صَلبوهُ من حَنَقٍ عليه فويحهم / أفَلَمْ يكنْ في قتلِ فروةَ ما كَفَى
نِعْمَ الشهيدُ وبِئْسَ ما صَنعوا به / وسيعلمون لِمَنْ يكونُ المُنتهى
تِلكَ العقيدةُ حكمُها وسبيلُها / إمّا سبيلُ المؤمنينَ أوِ الرَّدى
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ / وَمِنَ السَعادَةِ سَيرُكَ المَيمونُ
الحَزمُ هادٍ وَالسِياسَةُ مَركَبٌ / وَالعَزمُ حادٍ وَالمَضاءُ قَرينُ
لَكَ كُلَّ عامٍ رِحلَةٌ تَبغي بِها / ما عَزَّ مِن آمالِنا فَيَهونُ
تَرِدُ المَوارِدَ ما يُكَدِّرُ صَفوَها / قَولُ الوُشاةِ وَلِلوُشاةِ شُؤونُ
سِر فَالقُلوبُ عَلى ركابِكَ حُوَّمٌ / يَبدو لِعَينِكَ سِرُّها المَكنونُ
صَحِبَتكَ تَعلَمُ أَنَّ بِرَّكَ زادُها / وَالبِرُّ بِالحُبِّ الصَريحِ ضَمينُ
اطلُع بِيَلدِزَ كَوكَباً مُتَوَقِّداً / تَنجابُ عَنهُ غَياهِبٌ وَدُجونُ
وَالقَ الخَليفَةَ قَد تَهَلَّلَ وَجهُهُ / بِشراً وَخَفَّ إِلَيكَ وَهوَ رَصينُ
وَتَذَكَّرا العَهدَ القَديمَ وَجَدِّدا / عَهداً عَنِ الوُدِّ المَتينِ يُبينُ
كَثُرَت ظُنونُ الجاهِلينَ وَقَلَّما / تَبقى إِذا وَضَحَ اليَقينُ ظُنونُ
كَذَبوا فَما اِنتَقَضَ الَّذي أَبرَمتُما / وَالظَنُّ في بَعضِ الأُمورِ يَخونُ
أَتَهيجُهُم طَشيوزُ وَهيَ سَحابَةً / تَمضي كَما يَمضي السَحابُ الجُونُ
إِنَّ الخَليفَةَ لَيسَ يِعدُو عِلمُهُ / أَنَّ الأَميرَ حُسامُهُ المَسنونُ
وَمِنَ السِياسَةِ أَن يَظَلَّ مُذَرَّباً / تَعنو لَهُ هامُ العِدى وَتَدينُ
عَبّاسُ إِنَّكَ لِلَّذينَ تَسوسُهُم / حِصنٌ يَرُدُّ العادِياتِ حَصينُ
يَأبى اِشتِدادَ الخَطبِ حينَ تَروضُهُ / عَزمٌ لَهُ النُوَبُ الشِدادُ تَلينُ
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى
عَرشَ القَياصِرِ وَالقَضاءُ إِذا جَرى / هَوَتِ العُروشُ وَطارَتِ التيجانُ
أَخَذَتكَ في عالي جَلالِكَ هِزَّةٌ / صَعِقَت حِيالَ جَلالِها الأَزمانُ
خَفَقَت حَوالَيكَ الشُموسُ وَأَيقَنَت / أَنَّ البُروجَ تَخونُها الأَركانُ
صَدَعَ القَياصِرَ أَجمَعينَ وَهَدَّهُم / ما هَدَّ مِنكَ الدَهرُ وَالحِدثانُ
أَلوى بِميخائيلَ فيكَ وَبِطرُسٍ / ما ذاقَ بولُسُ وَاِشتَكى إيفانُ
رَفَعوا بِناءَكَ صاعِدينَ فَما اِنتَهوا / حَتّى تَصَدَّعَ وَاِنتَهى البُنيانُ
ما زِلتَ تَقتَنِصُ المَمالِكَ رامِياً / حَتّى رَماكَ الواحِدُ الدَيّانُ
عَرشٌ تَأَلَّبَتِ الرَواجِفُ حَولَهُ / فَهَوى بِشامِخِ عِزِّهِ الرَجفانُ
رامَتهُ فَاِستَعلى فَجاشَ مَغيظُها / فدنا وَغالَ إِباءَهُ الإِذعانُ
ضَجَّت شُعوبُ الأَرضِ عِندَ هُوِيِّهِ / وَاِرتَجَّتِ الأَقدارُ وَالبُلدانُ
انظُر إِلى مَجدِ العُروشِ وَعِزِّها / في آلِ رومانوفَ كَيفَ يُهانُ
وَإِلى القَياصِرِ كَيفَ يَسلُبُ مُلكَهُم / رَيبُ الزَمانِ وَصِرفُهُ الخَوّانُ
إِنَّ الَّذي هَزَّ المَمالِكَ بَأسُهُ / أَمسَت تَهُزُّ فُؤادَهُ الأَشجانُ
ثارَت عَلَيهِ شُعوبُهُ وَهُمومُهُ / فَتَأَلَّبَ الطوفانُ وَالبُركانُ
عَبَدوهُ فَوقَ سَريرِهِ مِن هَيبَةٍ / حَتّى هَوى فَإِذا بِهِ إِنسانُ
تَرضى الشُعوبُ إِلى مَدىً فَإِذا أَبَت / رِضِيَ الأَبِيُّ وَطاوَعَ الغَضبانُ
وَالحُكمُ إِن وَزنَ الأُمورَ بِواحِدٍ / غَبَنَ الشُعوبَ وَخانَهُ الميزانُ
في عِصمَةِ الشورى وَتَحتَ ظِلالِها / تُحمى المَمالِكُ كُلُّها وَتُصانُ
تُدني الشُعوبَ إِذا تَباعَدَ أَمرُها / فَالكُلُّ تَحتَ لِوائِها إِخوانُ
وَالرَأيُ أَسطَعُ ما يَكونُ إِذا اِنجَلَت / شُبُهاتُهُ وَأَضاءَهُ البُرهانُ
المَجدُ أَجمَعُ وَالجَلالُ لِأُمَّةٍ / صَدَقَت عَزيمَتُها وَعَزَّ الشانُ
جَمَحَ الإِباءُ بِها وَأَذعَنَ غَيرُها / فَالعَيشُ ذُلٌّ وَالحَياةُ هَوانُ
اللَهُ يَحكُمُ في المَمالِكِ وَحدَهُ / وَلِكُلِّ شَيءٍ مُدَّةٌ وَأَوانُ
طَرِبَ الحَطيمُ وَكَبَّرَ الحرَمانِ
طَرِبَ الحَطيمُ وَكَبَّرَ الحرَمانِ / وَاِعتَزَّ دينُ اللَهِ بَعدَ هَوانِ
قامَت سُيوفُ الفاتِحينَ بِنَصرِهِ / وَالنَصرُ بَينَ مُهَنَّدٍ وَسِنانِ
ظَمِئَت جَوانِحُهُ إِلى حَرِّ الوَغى / فَسَقَتهُ شُؤبوبَ النَجيعِ القاني
تَعدو الذِئابُ عَلى مُمَنَّعِ غيلِهِ / وَالأُسدُ غَضبى وَالسُيوفُ عَوانِ
لا قُبَّةُ الإِسلامِ قائِمَةٌ وَلا / مُلكُ الخَلائِفِ ثابِتُ الأَركانِ
يَمضي تُراثُ المُسلِمينَ مُوَزَّعاً / وَالمُسلِمونَ نَواكِسُ الأَذقانِ
ما بَينَ مِصرَ إِلى طَرابُلسٍ إِلى / عَدَنٍ إِلى القَوقازِ فَالبَلقانِ
كَرَّ الصَليبُ عَلَيهِ كَرَّةَ حانِقٍ / ضَرِمَ العَداوَةِ ثائِرِ الشَنآنِ
مُتَوَثِّبٍ مِن خَلفِهِ وَأَمامِهِ / مُتَأَلِّبٍ يَلقاهُ كُلَّ أَوانِ
يَرميهِ مِن فَوقِ الزَمانِ وَتَحتِهِ / وَيُريهِ كَيفَ يَدينُ لِلحِدثانِ
حارَ الهِلالُ فَما يُحاوِلُ نَهضَةً / إِلّا رَماهُ مُحَلِّقُ الصُلبانِ
تَمضي السُيوفُ فَما تُجاوِرُ مَقتَلاً / إِلّا حَماهُ تَعَصُّبُ الجيرانِ
نُعطي الوَقائِعَ حَقَّها وَيَسوءُنا / حَنَقُ الظُبى وَتَعَتُّبُ الفُرسانِ
زَعَموا الحَضارَةَ أَن يُبيدَ طُغاتُهُم / دينَ الحَياةِ وَمِلَّةِ العُمرانِ
ماذا يَروعُ الظالمينَ وَبَينَنا / أَمنُ المَروعِ وَنَجدَةُ اللَّهفانِ
إِنّا بَنو القُرآنِ وَالدينِ الَّذي / صَدَعَ الشُكوكَ وَجاءَ بِالتِبيانِ
ضاعَت حُقوقُ العالَمينَ فَرَدَّها / وَأَقامَها بِالقِسطِ وَالميزانِ
ظَلَمَ العَزيزُ فَهَدَّهُ وَأَهانَهُ / وَحَمى الذَليلَ فَباتَ غَيرَ مُهانِ
نَعفو وَما اِشتَفَتِ السُيوفُ وَلا هَفا / بِصُدورِها شَوقٌ إِلى الأَجفانِ
عَصَفَ الزَمانُ بِنا فَكُنّا بَينَهُم / كَالشاةِ بَينَ مَخالِبِ السِرحانِ
جاروا عَلى المُستَضعَفينَ وَرَوَّعوا / مَن باتَ في دَعَةٍ وَطيبِ أَمانِ
مَنّوا عَلَيهِم بِالحَياةِ ذَليلَةً / مَحيا الذَليلِ وَمَوتُهُ سِيّانِ
يَشكون حَشرَجَةَ القَتيلِ وَعِندَهُم / أَنَّ الحَياةَ تَكونُ في الأَكفانِ
وَلَقَد رَأَيتُ فَما رَأَيتُ كَظالِمٍ / جَمِّ الشَكاةِ وَقاتِلٍ مَنّانِ
مَنَعَ الخِلافَةَ أَن تُضامَ وَحاطَها / حامي الحَجيجِ وَناصِرُ القُرآنِ
جَيشٌ يَسيرُ بِهِ النَبِيُّ وَحَولَهُ / جُندُ المَلائِكِ بَينَهُ العُمَرانِ
يَهتَزُّ عَمرٌو في اللِواءِ وَخالِدٌ / وَيَمورُ حَيدَرَةٌ بِكُلِّ عِنانِ
خاضَ الحُروبَ فَما تَدافَعَ لُجُّها / إِلّا تَدافَعَ فيهِ يَلتَطِمانِ
يَطفو عَلى ثَبَجِ الدِماءِ إِذا هَوَت / في الهالِكينَ رَواسِبُ الشُجعانِ
وَيَشُقُّ مُصطَفَقَ العُبابِ إِذا طَغى / يَرمي عُبابَ الشَرِّ وَالطُغيانِ
ما لِلجُنودِ الباسِلينَ وَإِن عَلَوا / بِجُنودِ رَبِّ العالَمينَ يدانِ
الحافِظينَ عَلى الخِلافَةِ عِزَّها / الناصِرينَ خَليفَةَ الرَحمَنِ
غَدَرَ العَدُوُّ فَعَلَّمَتهُ سُيوفُهُم / صِدقَ العُهودِ وَصِحَّةَ الإيمانِ
السَيفُ إِنجيلُ الهِدايَةِ إِن دَجا / لَيلُ الضَلالِ فَطاحَ بِالعُميانِ
يَجلو عَماياتِ النُفوسِ بِأَسرِها / ما فيهِ مِن عِظَةٍ وَحُسنِ بَيانِ
دينُ اليَقينِ لِكُلِّ شَعبٍ جاحِدٍ / سَنَّ العُقوقَ وَدانَ بِالعِصيانِ
قَومٌ إِذا رَفَعوا اللِواءَ فَإِنَّهُ / وَالنَصرُ بَينَ سُيوفِهِم أَخَوانِ
ما يَفتِآنِ إِذا الوَغى جَمَعتُهُما / يَتَناجَيانِ بِها وَيَعتنقانِ
بَينَ الدَمِ الجاري نَديمَي لذَّةٍ / إن لَذَّتِ الصَهباءُ لِلنُدمانِ
يَنبَتُّ حَبلُ الأَصفِياءِ وَيَنطَوي / وَهُما بِحَبلِ اللَهِ مُعتَصِمانِ
سَيفُ الخَليفَةِ وَالسُيوفُ كَثيرَةٌ / وَالقَومُ بَينَ تَضارُبٍ وَطِعانِ
ما في القَواضِبِ وَالكَتائِبِ إِن مَضى / وَمَضَيتَ غَيرَ مُفَلَّلٍ وَجَبانِ
تُمضيكَ مِنهُ عَزيمَةٌ مِن دونِها / يَقِفُ الزَمانُ وَيَرجُفُ الثَقَلانِ
لَمّا أَطَلَّ عَلى الخِلافَةِ كَبَّرَت / وَمَشَت إِلَيهِ بِبَيعَةِ الرِضوانِ
صَدَعَت بِهِ أَغلالَها وَتَدافَعَت / تَختالُ بَعدَ الجهدِ وَالرَسَفانِ
أَخَذَت بِرَأيِ المُستَبِدِّ وَغودِرَت / زَمَناً تُعالِجُ حُكمَهُ وَتُعاني
ظُلمٌ عَلى ظُلمٍ وَسوءُ سِياسَةٍ / وَفَسادُ تَدبيرٍ وَطولُ تَوانِ
وَإِذا القُلوبُ تَفَرَّقَت عَن مالِكٍ / لَم يُغنِ عَنهُ تَمَلُّكُ الأَبدانِ
تَهوي الأَسِرَّةُ أَو تَقومُ وَما لَها / غَيرُ السَرائِرِ هادِمٌ أَو بانِ
لا يَخدَعَنَّكَ ظاهِرٌ مِن مُحنِقٍ / خافَ الشَكاةَ فَلاذَ بِالكِتمانِ
إِن قامَ عَرشُ المُستَبِدِّ فَإِنَّما / قامَت قَواعِدُهُ عَلى بُركانِ
وَالمَرءُ إِن أَخَذَ الأُمورَ بِرَأيِهِ / طاشَت يَداهُ وَزَلَّتِ القَدَمانِ
اللَهُ أَدرَكَ دينَهُ بِخَليفَةٍ / بَرِّ السَريرَةِ صادِقِ الإيمانِ
أَخَذ السَبيلَ عَلى العَدُوِّ بِقَسوَرٍ / دامي المَكَرِّ مُخَضَّبِ المَيدانِ
ريعَت له أُمَمُ النِمالِ وَأَجفَلَت / دُوَلُ الثَعالِبِ مِنهُ وَالذُؤبانِ
لَمّا تَرَدَّدَ في فَروقَ زَئيرُهُ / رَجَفَت جِبالُ الصينِ وَاليابانِ
في مِخلَبَيهِ إِذا الحُصونُ تَهَدَّمَت / حِصنانِ لِلإِسلامِ مُمتَنِعانِ
جَرَحَ الأُلى صَدَعوا الخِلافَةَ فَاِشتَفى / جُرحانِ في أَحشائِها دَمِيانِ
حَمَلا الهِلالَ عَلى عُبابٍ مِن دَمٍ / الدينُ وَالدُنيا بِهِ غَرِقانِ
المُلكُ مُعتَصِمٌ بِهِ مُستَمسِكٌ / مِنهُ بِأَوثَقِ ذِمَّةٍ وَضَمانِ
سَيفُ الخِلافَةِ جَرَّبوهُ فَكَشَّفَت / مِنهُ التَجارِبُ عَن أَغَرَّ يَمانِ
خَيرُ الغُزاةِ الفاتِحينَ أَعانَهُ / أَوفى الصِحابِ وَأَكرَمُ الأَخدانِ
طَلَبوا شَبابَ المُلكِ وَاِحتَسَبوا الفِدى / في اللَهِ مِن شيبٍ وَمِن شُبّانِ
وَسَمَت بِأَركانِ الخِلافَةِ أَنفُسٌ / يَسمو الأَمينُ بِها إِلى رِضوانِ
كانَ الدَمَ المَسفوحَ أَكبَرُ ما بَنوا / وأَجَلُّ ما دَعَموا مِنَ الجُدرانِ
في الدَردَنيلِ وَفي الجَزيرَةِ بَعدَهُ / رُعبُ المِياهِ وَرَوعَةُ النيرانِ
بَرَزَت تَماثيلُ المَنِيَّةِ كُلُّها / شَتّى الضُروبِ كَثيرَةَ الأَلوانِ
كُلٌّ يَموجُ بِها وَكُلٌّ ساكِنٌ / فَالحَربُ في قَلَقٍ وَفي اِطمِئنانِ
نارانِ بَرَّحَ بِالكَتائِبِ مِنهُما / حالانِ في الهَيجاءِ مُختَلِفانِ
هَذي تَفيضُ مِنَ البُروجِ وَهَذِهِ / تَنسابُ بَينَ أَباطِحٍ وَرِعانِ
البحرُ يَفتَحُ لِلبَوارِجِ جَوفَهُ / فَتَغورُ مِن مَثنىً وَمِن وُحدانِ
وَالبَرُّ مُلتَهِبُ الجَوانِحِ مُضمِرٌ / حَنَقَ المَغيظِ وَلَوعَةَ الحَرّانِ
مَدَّ الشِراكَ إِلى العَدُوِّ وَبَينَها / طَرَبُ المَشوقِ وَهِزَّةُ الجَذلانِ
حَتّى إذا أَخَذَ الدَهاءُ بِلُبِّهِ / أَخَذَ البَلاءُ عَلَيهِ كُلَّ مَكانِ
ظَمِئَت إِلى وِردِ الأُسودِ نُفوسُهُم / وَالمَوتُ يَنقَعُ غُلَّةَ الظَمآنِ
شَرِبوا المَنايا الحُمرَ يَسطَعُ مَوجُها / بَينَ المُروجِ الخُضرِ وَالغُدرانِ
تَرمي بِها لُجَجٌ يَظَلُّ شُواظُها / مُتَدَفِّقاً كَتَدَفُّقِ الطوفانِ
عَصَفَت بِأَحلامِ الغُزاةِ وَقائِعٌ / رَكَدَت بِأَحلامٍ هُناكَ رِزانِ
أَإِلى الأُسودِ الغُلبِ في أَجماتِها / تَرمي شِعابُ البيدِ بِالجِرذانِ
غالوا بِمُلكِ الفاتِحينَ وَأَيقَنوا / أَنَّ النُفوسَ رَخيصَةُ الأَثمانِ
تِلكَ المَصارِعُ ما تَكادُ مَنِيَّةٌ / تَجتازُ جانِبَها بِلا اِستِئذانِ
ما الجَيشُ مِن نَصرِ الإِلَهِ وَفَتحِهِ / كَالجَيشِ من فَشَلٍ وَمِن خِذلانِ
وَيحَ الأُلى زَعَموا الحُروبَ دُعابَةً / ما غَرَّهُم بِالتُركِ وَالأَلمانِ
سَيفانِ ما اِستَبَقا مَقاتِلَ دَولَةٍ / إِلّا مَضى الأَجَلانِ يَستَبِقانِ
يَجري قَضاءُ اللَهِ في حَدَّيهِما / وَيَجولُ في صَدرَيهِما المَلكانِ
أَينَ المَنايا السابِحات حَوامِلاً / فَزَعَ البِحارِ وَرَعدَةَ الخُلجانِ
غَرَّت جِرايَ فَجاءَها مِن تَحتِها / ما لَم يَكُن لِجِرايَ في الحُسبانِ
قَدَرٌ جَرى في الماءِ تَحتَ سُكونِهِ / وَجَرى الرَدى فَاِستَرسَلَ القَدَرانِ
سِرُّ المَنِيَّةِ جائِلٌ في جَوفِهِ / كَالروحِ حينَ تَجولُ في الجُثمانِ
سُفُنٌ هَوَت بِالحوتِ حينَ تَبادَرَت / تَنسابُ بَينَ الحوتِ وَالسَرَطانِ
صُنعُ الأُلى فاتوا العُقولَ وَجاوَزوا / مَرمى القُوى وَمَواقِعَ الإِمكانِ
كَشَفوا عَنِ العِلمِ الغِطاءَ وَأَدرَكوا / سِرَّ التَفَوُّقِ فيهِ وَالرَجَحانِ
مَلَكوا العَناصِرَ فَالعَصِيُّ مُطاوِعٌ / وَالصَعبُ سَهلٌ وَالبَعيدُ مُدانِ
المَوتُ يَسبَحُ في الغِمارِ بِأَمرِهِم / وَالمَوتُ يَمرَحُ في حِمى كيوانِ
فَالناسُ نَهبٌ وَالعَوالِمُ ساحَةٌ / عِزريلُ فيها دائِمُ الجَوَلانِ
هاجوا المَنايا الرائِعاتِ وَهاجَهُم / جَشَعُ العِدى وَتَأَلُّبُ القُرصانِ
شابَت لَها الأَجيالُ وَهيَ أَجِنَّةٌ / لَم تَدرِ بَعدُ مَراضِعَ الوِلدانِ
فَزِعَت بِأَحشاءِ الدُهورِ وَغالَها / طولُ الوُثوبِ وَشِدَّةُ النَزَوانِ
أُوتوا كِبارَ المُعجِزاتِ وَمُيِّزوا / بِرَوائِعِ الإِحكامِ وَالإِتقانِ
جذبوا بِسِرِّ الكيمياءِ عَدُوَّهُم / فَأَطاعَ بَعدَ شَراسَةٍ وَحِرانِ
مَدَّ العُيونَ إِلى اللِواءِ فَرَدَّهُ / أَعمى وَأَطفَأَ نارَهُ بِدُخانِ
ضَلَّ المُلوكُ فَجَدَّدوا لِشُعوبِهِم / دينَ العَمى وَعِبادَةَ الأَوثانِ
رَكِبوا العُقوقَ فَتِلكَ عُقبى أَمرِهِم / إِنَّ العُقوقَ مَطِيَّةُ الخُسرانِ
مَسَحَ الأَذى وَمَحا وَصِيَّةَ بُطرِسٍ / ماحي العُروشِ وَماسِحُ التيجانِ
جَيشٌ مِنَ النَصرِ المُبينِ مَشى لَهُ / جَيشٌ مِنَ التَضليلِ وَالهَذَيانِ
نُظِمَت فَما اِطَّرَدَ الخَيالُ لِشاعِرٍ / إِلّا بِأَلفاظٍ لَها وَمَعانِ
هَدَّ الكَنائِسَ ما وَعَت جُدرانُها / مِن موبِقاتِ البَغيِ وَالعُدوانِ
اَفَيُؤمِنونَ بِقَولِ بُطرُسَ أَم لَهُم / فيهِ كِتابٌ لِاِبنِ مَريَمَ ثانِ
لَيتَ القُبورَ إِلى العَراءِ نَبَذنَهُ / لِيَرى مَصيرَ المُلكِ رَأيَ عَيانِ
مُلكٌ تَأَلَّفَ في عُصورٍ جَمَّةٍ / وَاِنحَلَّ بَينَ دَقائِقٍ وَثَوانِ
يا آلَ رومانوفَ أَصبَحَ مُلكُكُم / عِظَةَ الشُعوبِ وَعِبرَةَ الأَزمانِ
ضَجَّ النُعاةُ فَما بَكى حُلَفاؤُكُم / أَينَ الدُموعُ وَكَيفَ يَبكي الجاني
تَبكي الطُلولُ لَكُم وَيَقضي حَقَّكُم / عاوي الذِئابِ وَناعِقُ الغِربانِ
اللَهُ هَدَّ كِيانَكُم بِكَتائِبٍ / يَرمي بِها فَيَهُدَّ كُلَّ كِيانِ
لا تَجزَعوا لِلمُلكِ بَعدَ ذَهابِهِ / المُلكُ لِلَهِ العَلِيِّ الشانِ
سيناءُ تيهي بِالغُزاةِ وَفاخِري / وَاروي الحَديثَ لِسائِرِ الرُكبانِ
ماذا بَدا لَكِ مِن أَعاجيبِ الوَغى / وَشَهِدتِ مِن أَسَدٍ وَمِن قِطعانِ
ماذا رَأَيتِ مِنَ البَواسِلِ إِذ دَعا / داعي العَوانِ فَطارَ كُلُّ جَنانِ
أَرَأَيتِ أَبطالَ الرِجالِ مُشيحَةً / تَلهو بِبيضِ كَواعِبٍ وَغَوانِ
أَعلِمتِ مَن يَلقى الحُتوفَ إِذا الْتَقى / ضاري اللُيوثِ وَناعِمُ الغِزلانِ
مَلَكوا الشِعابَ عَلى العَدُوِّ وَزاحَموا / شَعبَ النُسورِ وَأُمَّةَ العِقبانِ
الجَوُّ يَهتِفُ لِلمَلائِكِ خاشِعاً / وَالأَرضُ تَشهَدُ صَولَةَ الجِنّانِ
رَكِبوا العَزائِمَ فَالرِياحُ جَنائِبٌ / تَنقادُ طَيِّعَةً بِلا أَرسانِ
وَالشُهبُ بَينَ أَكُفِّهِم مَقذوفَةٌ / حَمراءُ تَصبُغُ خُضرَةَ القيعانِ
رُسُلٌ يُشَيِّعُها الرَدى وَرَسائِلٌ / يَرمي بِها مَلَكٌ إِلى شَيطانِ
أَمراقِصَ الفَتَياتِ حينَ تَأَلَّبوا / ظَنّوا الوَغى وَملاعِبَ الفِتيانِ
هَمُّ الفَوارِسِ في القِتالِ وَهَمُّهُم / في قَرعِ أَكوابٍ وَعَزفِ قِيانِ
كانَت مِنَ الأَقوامِ نَشوَةَ جاهِلٍ / وَالسَيفُ يَكشِفُ غَمرَةَ النَشوانِ
يا مِصرُ إِن رَجَعَ المَشوقُ فَقَد وَفى / حُسنُ البَلاءِ بِحُسنِكِ الفَتّانِ
وَلّى عَلى كُرهٍ وَبَينَ ضُلوعِهِ / وَجدٌ يُغالِبُهُ عَلى السُلوانِ
كَم في المَمالِكِ مِن شَجِيٍّ مُغرَمٍ / يَهفو إِلَيكِ وَشَيِّقٍ وَلهانِ
مايَشتَفي بِالوَصلِ مِنكِ مُعَذَّبٌ / إِلّا أَسَأتِ إِلَيهِ بِالهِجرانِ
عَبَثَ الهَوى بِالفُرسِ فيكِ هُنَيهَةً / وَعَبَثتِ بِاليونانِ وَالرومانِ
رَمسيسُ يَعلَمُ أَنَّ بَرقَكِ خُلَّبٌ / وَهَواكِ لَيسَ يَدومُ لِلخِلّانِ
عَقَدَ الهَوى لَكِ بَيعَةً يُدلي بِها / ما شِئتِ مِن زُلفى وَمِن قُربانِ
ضَمَّ الضُلوعَ عَلى هَواكِ وَضَمَّهُ / بَيتُ الشُموسِ وَمَجمَعُ الكُهّانِ
يَهذي بِحُبِّكِ وَالهَياكِلُ خُشَّعٌ / وَالشَعبُ يَسجُدُ وَالشُموسُ رَوانِ
وَالجُندُ مِن حَولِ المَواكِبِ واقِفٌ / صَفَّينِ مِن حَولَيهِما صَفّانِ
تَحتَ البُنودِ الخافِقاتِ يَزينُها / غالي الحَريرِ وَخالِصُ العِقيانِ
وَكَأَنَّ أَعناقَ الجِيادِ مَزاهِرٌ / وَكَأَنَّ تَردادَ الصَهيلِ أَغانِ
تَرمي بِأَعيُنِها الفِجاجَ كَأَنَّما / جُلِبَت صَوافِنُها لِيَومِ رِهانِ
لَم تُنصِفيهِ وَلا ذَكَرتِ عُهودَهُ / بَينَ الوُلوعِ الجَمِّ وَالهَيَمانِ
لا تُنكري عِظَةً يُريكِ سُطورَها / زاهي النُقوشِ وَشامِخُ البُنيانِ
عِظَةٌ تُشيرُ إِلى الدُهورِ وَكُلُّها / قَلبٌ يُشيرُ إِلَيكِ بِالخَفَقانِ
الدَهرُ كَأسُكِ وَالمَمالِكُ كُلُّها / ظَمآى إِلَيكِ وَأَنتِ بِنتُ الحانِ
طوفي بِكَأسِكِ في النَدامى وَاِصرَعي / ما شِئتِ مِن أُمَمٍ وَمِن بُلدانِ
مُدّوا بَني التاميزِ مِن أَبصارِكُم / وَخُذوا أصابِعَكُم عَنِ الآذانِ
وَاِستَقبِلوا سودَ الصَحائِفِ وَاِعلَموا / أَنَّ الكِنانَةَ أَوَّلُ العُنوانِ
آذَيتُمونا مُدمِنينَ فَجَرِّبوا / عُقبى الأَذى وَمَغَبَّةَ الإِدمانِ
كُنتُم ضُيوفَ الدَهرِ ما لِجَلائِكُم / عَن مِصرَ مِن أَجَلٍ وَلا إِبّانِ
هَل كانَ صَوتُ الحَقِّ غَيرَ سَحابَةٍ / زالَت غَواشيها عَنِ الأَذهانِ
هَل كانَ صِدقُ العَهدِ غَيرَ دُعابَةً / هَل كانَ عَدلُ الحُكمِ غَيرَ دِهانِ
رُمنا حَياةَ العامِلينَ فَلَم نَجِد / مِن ناصِرٍ فيكُم وَلا مِعوانِ
حارَبتُمُ الأَخلاقَ حَربَ مُناجِزٍ / يَرمي بِزاخِرَةِ العُبابِ عَوانِ
شَرُّ الجَرائِرِ وَالمَساوي عِندَكُم / شَمَمُ الأَبِيِّ وَنَخوَةُ الغَيرانِ
وَالكُفرُ أَجمَعُ أَن يُحِبَّ بِلادَهُ / حُرُّ السَريرَةِ مُؤمِنُ الوُجدانِ
ما أَولَعَ المَوتَ الزُؤامَ بِأُمَّةٍ / تَرجو الحَياةَ مِنَ العَدُوِّ الشاني
جاءوا فَكانَ مِنَ التَناحُرِ بَينَنا / ما كانَ مِن عَبسٍ وَمِن ذُبيانِ
لَمّا تَأَلَّبَتِ القُلوبُ حِيالَهُم / حَشَدوا لَها جَيشاً مِنَ الأَضغانِ
شَرَعوا لَنا سُبُلَ العَداوَةِ بَينَنا / حَتّى الفَتى وَإِلَهُهُ خَصمانِ
لِلكيمياءِ مِنَ العَجائِبِ عِندَهُم / سِرٌّ يُريكَ تَفَوُّقَ الإِنسانِ
فَتَحتَ خَزائِنُها لَهُم عَن صِبغَةٍ / تَدَعُ الشُعوبَ سَريعَةَ الذَوَبانِ
ساسوا المَمالِكَ وَالشُعوبَ سِياسَةً / رَفَعوا الجَمادَ بِها عَلى الحَيَوانِ
مَلَكوا عَلَينا البُغيَتَينِ فَلَم نَذُق / طَعمَ الحَياةِ وَلَذَّةَ العِرفانِ
الفَقرُ يَرفَعُ بَينَنا أَعلامَهُ / وَالجَهلُ يَضرِبُ فَوقَنا بِجِرانِ
عَضّوا عَلى أَموالِنا بِنَواجِذٍ / أَكَلَت خَزائِنَ مِصرَ وَالسودانِ
تَهمي المُكوسُ عَلى العِبادِ فَلا يَفي / صَوبُ النُضارِ بِصَوبِها الهَتّانِ
تُجبى لِساداتِ البِلادِ وَبَينَها / مُهَجُ الإِماءِ وَأَنفُسُ العِبدانِ
القوتُ يُسلَبُ وَاللِباسُ وَما حَوَت / دارُ الفَقيرِ مِنَ المَتاعِ الفاني
المالُ جَمٌّ في الخَزائِنِ عِندَهُم / وَالجوعُ يَقتُلُنا بِغَيرِ حَنانِ
وَتَرى عَميدَ القَومِ يَبسُطُ كَفَّهُ / يَرجو المَعونَةَ في ذَوي الإِحسانِ
نامَ الَّذي أَفنى الخَزائِنَ ظُلمُهُ / وَأَبو البَنينَ مُسَهَّدُ الأجفانِ
القصر يسبحُ في النعيمِ بربِّهِ / والدار تشهدُ مَصرَعَ السُكّانِ
في كُلِّ يَومٍ مَغرَمٌ وَإِتاوَةٌ / يَتَفَزَّعُ القاصي لَها وَالداني
نَقِموا الشَكاةَ عَلى الحَزينِ فَأَمسَكوا / مِنّا بِكُلِّ فَمٍ وَكُلِّ لِسانِ
نَفَضوا الكِنانَةَ مِن ذَخائِرِها فَهَل / نَفَضوا جَوانِحَها مِنَ الأَحزانِ
غَضِبوا عَلى الأَحرارِ في أَوطانِهِم / وَرَضوا بِكُلِّ مُداهِنٍ خَوّانِ
أَسرٌ وَتَشريدٌ وَضَربٌ موجِعٌ / وَأَذىً يُبَرِّحُ بِالبَريءِ العاني
هُم قَدَّموا القَومَ الطَغامَ وَأَخَّروا / مَلَأَ السُراةِ وَمَعشَرَ الأَعيانِ
نُبِّئتُ ما زَعَمَ الشَريفُ وَقَومُهُ / فَسَمِعتُ ما لَم تَسمَعِ الأُذنانِ
وَرَأَيتُ ما زانَ المُلوكَ فَلَم أَجِد / كَطِرازِ مُلكٍ بِاِسمِهِ مُزدانِ
خَدَعوهُ إِذ ضاقَ السَبيلُ بِمَكرِهِم / وَرَموا بِآمالٍ إِلَيهِ حِسانِ
فَأَباحَ ما مَنَعَت فَوارِسُ هاشِمٍ / وَحَمَت وُلاةُ البَيتِ من عدنانِ
يا ذا الجَلالَةِ لا سَعِدتَ بِتاجِهِ / مُلكاً سِواكَ بِهِ السَعيدُ الهاني
أَمَلَكتَ ما بَينَ البَقيعِ فَجُدَّةٍ / وَأَبَحتَ جَيشَكَ ما وَراءَ مَعانِ
وَبَصَرتَ بِالوُزراءِ حَولَكَ خُشَّعاً / تُمضي أُمورَ المُلكِ في الإيوانِ
يُجبى إِلَيكَ مِنَ البِلادِ خَراجُها / ما بَينَ ذي سَلَمٍ إِلى عُسفانِ
مُلكٌ أَمَدَّكَ مِن خَزائِنِهِ بِما / أَعيا الجُباةَ وَناءَ بِالخُزّانِ
الجُندُ مَعقودُ اللِواءِ لِفَيصَلٍ / بَينَ الظُبى وَعَوامِلِ المُرّانِ
يَلقى النَبِيَّ مُدَجَّجاً في جُندِهِ / وَبَنو أَبيهِ عَلى اللِواءِ حَوانِ
أَيَقودُ جَيشَكَ أَم يَقودُ عُيَينَةٌ / شُمَّ الفَوارِسِ مِن بَني غَطفانِ
سَلَبوا اللِقاحَ وَإِنَّ دينَ مُحَمَّدٍ / لَأَعَزُّ مِن إِبلٍ عَلَيهِ وَضانِ
أَهدى إِلَيكَ مِنَ المَفاخِرِ مِثلَ ما / أَهدى يَزيدُ إِلى بَني شَيبانِ
فَتَحَ الحِجازَ رِمالَهُ وَصُخورَهُ / وَأَتى إِلَيكَ بِرَندِهِ وَالبانِ
اعذُر شُعوبَ المُسلِمينَ إِذا هَفَت / إِنّي أَرى الحَرَمَينِ يَنتَفِضانِ
وَلَئِن جَرَت حَولَ النَبِيِّ عُيونُها / فَلَقَد رَأَت عَينَيهِ تَنهَمِلانِ
تَمحو السُيوفُ وَلِلحَقائِقِ حُكمُها / مُلكَ الخَيالِ وَدَولَةَ الصِبيانِ
ما المُلكُ مِن عِزٍّ وَبَأسٍ صادِقٍ / كَالمُلكِ مِن كَذِبٍ وَمِن بُهتانِ
صونوا بَني الأَعرابِ مِن عَوراتِها / دَعوى لَعَمرِ اللَهِ غَيرَ حَصانِ
غَشّى عَلى أَبصارِكُم وَقُلوبِكُم / كَاللَيلِ مِن حُجُبٍ وَمِن أَكنانِ
أَنَسيتُمُ الآياتِ بالِغَةً فَما / بِصَحائِفِ التاريخِ مِن نِسيانِ
التُركُ جُندُ اللَهِ لَولا بَأسُهُم / لَم يَبقَ في الدُنيا مُقيمُ أَذانِ
خُلَفاؤُهُ الأَبرارُ نَزَّهَ حُبَّهُم / فيهِ وَطَهَّرَهُم مِنَ الأَدرانِ
لَم يَخذُلوهُ وَلا أَضاعوا حَقَّهُ / في شِدَّةٍ مِن أَمرِهِم وَلَيانِ
صانوا بِحَدِّ السَيفِ حَوزَةَ مُلكِهِم / وَحِفاظَ كُلِّ مُشَيَّعٍ صَلَتانِ
يَأتَمُّ فيهِ خَليفَةٌ بِخَليفَةٍ / وَيَزيدُ خاقانٌ عَلى خاقانِ
بِالمَغرِبَينِ مَمالِكٌ أَودى بِها / عَبَثُ الخَلائِفِ مِن بَني قَحطانِ
أَودى بِها عَبدُ العَزيزِ وَقَومُهُ / قَومُ الخَليعِ وَشيعَةُ السَكرانِ
تَشقى رَعِيَّتُهُ وَيَظمَأُ مُلكُهُ / فَيَلوذُ مِنهُ بِناعِمٍ رَيّانِ
ذَعَرَ الجَآذِرَ وَالظِباءَ فَما وَفَت / أَفياءُ مِصرَ وَلا رُبى لُبنانِ
مَلِكٌ أَحاطَ بِتاجِهِ وَسَريرِهِ / جَيشُ القِيانِ وَعَسكَرُ الغِلمانِ
تَحمي حِماهُ بِصافِناتِ كُؤوسِها / وَتَصونُهُ بِصَوارِمِ الأَلحانِ
عَصَفَت بِأَندَلُسٍ رِياحُ جَهالَةٍ / مادَت لَها الدُنيا مِنَ الرَجفانِ
صَدَعَت قُوى الإِسلامِ بَينَ مُلوكِها / وَرَمَت بَنيهِ بِأَبرَحِ الأَشجانِ
راحوا يُديرونَ الشِقاقَ وَحَولَهُم / عَينُ المُغيرِ تَدورُ كَالثُعبانِ
يَتَنازَعونَ رِداءَ مُلكٍ مونِقٍ / خَضِلِ الحَواشي مُذهَبِ الأَردانِ
لَبِسَ العَدُوُّ ظِلالَهُ وَتَكَشَّفوا / لِبَني الزَمانِ تَكَشُّفَ العُريانِ
صَدَّ النَبِيُّ مِنَ الحَياءِ بِوَجهِهِ / وَلَوَت أُمَيَّةُ صَفحَةَ الخِزيانِ
وَأَهَلَّ موسى في القُبورِ وَطارِقٌ / يَتَفَجَّعانِ مَعاً وَيَنتَحِبانِ
خَطبٌ تَباعَدَ حينُهُ وَإِخالُهُ / أَدنى الخُطوبِ وَأَقرَبَ الأَحيانِ
أَبكي وَرُزءُ المُسلِمينَ وَما لَقوا / في العالَمينَ أَشَدُّ ما أَبكاني
أَبكي لِدامِيَةِ الجَوانِحِ هاجَها / ما هاجَني مِن دائِها وَشَجاني
الدَهرُ أَندَلُسٌ وَكُلٌّ ذِكرُها / وَعُهودُ سُكّانٍ لَها وَمَغاني
وَالكائِناتُ قَصيدَةٌ تَروي لَنا / عَنها فُنونَ الوَجدِ وَالتَوَقانِ
اللَيلُ فيها وَالنَهارُ كَلاهما / بَيتانِ طولَ الدَهرِ يَبتَدِرانِ
فَهُما رَسولاها إِلى أَهلِ الهَوى / وَهُما الهَوى وَالشَوقُ يَتَّصِلانِ
مُلكٌ هَوى بَينَ الكُؤوسِ جَنازَةً / وَمَضى عَلى نَعشٍ مِنَ الرَيحانِ
يا أَيُّها الشَعبُ الذَلولُ أَما كَفى
يا أَيُّها الشَعبُ الذَلولُ أَما كَفى / ما قالَ أَقطابُ السِياسَةِ فينا
بورِكتَ مِن شَعبٍ يُقادُ بِشَعرَةٍ / لَو كانَ قائِدُكَ المُطاعُ أَمينا
أَخَذَتكَ ثالِثَةُ الصَواعِقِ فَاِستَفِق / أَفَما تَزالُ مُضَلَّلاً مَفتونا
هَل أَنتَ إِذ مَضَتِ البُعوثُ مُخَبِّري / أَتُريدُ دُنيا أَم تُحاوِلُ دينا
إِنَّ الَّذينَ زَعَمتَهُم حُلَفَاءَنا / نَصَروا العِدى نَصراً عَلَيكَ مُبينا
يَتَنازَعونَ تُراثَنا فَإِذا رَضوا / عادَ الضَجيجُ هَوادَةً وَسُكونا
أَعمَلتَ رَأيَكَ في الوَساوِسِ حِقبَةً / وَشَغَلتَ نَفسَكَ بِالمُحالِ سَنينا
وَطَفِقتَ تَهذي بِالعُهودِ وَقَد أَبى / عَهدُ السِياسَةِ أَن يَكونَ مَصونا
الذِئبُ أَصدَقُ مِن أولَئِكَ مَوثِقاً / وَأَبَرُّ مِنهُم ذِمَّةً وَيَمينا
اللِصُّ يَغضَبُ إِن جَعَلنا ذِكرَهُ / يَوماً بذكر زعيمِهم مقرونا
وَأَرى البَغِيَّ عَلى اِختِلافِ شُؤونِها / أَدنى إِلى شَرَفِ الخِلالِ شُؤونا
ضَجَّ الدَمُ المَسفوكُ في يَدِ عُصبَةٍ / جُنَّت بِقَتلِ الأَبرِياءِ جُنونا
بِئسَت حَضارَةُ هادِمينَ رَموا بِها / شُمَّ الفَضائِلِ وَالعُلا فَهَوَينا
جَعَلوا الأَذى في العالَمينَ لَها يَداً / وَالإِثمَ وَجهاً وَالفُسوقَ جَبينا
وَيحَ المَعارِفِ وَالفُنونِ فَإِنَّهُم / جَعَلوا الشُرورَ مَعارِفاً وَفُنونا
ظَنّوا الظُنونَ بِها وَأَعلَمُ أَنَّها / سَتَذوبُ في الدَمِ وَالحَديدِ يَقينا
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها
وَفدَ الكِنانَةِ هَل حَمَلتَ رَجاءَها / أَم قَد حَمَلتَ أَمانَةَ الأَوطانِ
الدَهرُ عَينٌ وَالمَمالِكُ أَلسُنٌ / وَالنيلُ قَلبٌ دائِمُ الخَفَقانِ
قُل لِلأُلى وَزَنوا الشُعوبَ تَذَكَّروا / في مِصرَ شَعباً راجِحَ الميزانِ
وَإِذا رَماكَ أولو الخُصومَةِ فَاِرمِهِم / بِالحُجَّةِ الكُبرى وَبِالبُرهانِ
وَاِصدَع غَيابَةَ كُلِّ شَكٍّ مُظلِمٍ / بِشِهابِ عِلمٍ ساطِعٍ وَبَيانِ
سَكَنَت أَكُفُّ الضارِبينَ عَنِ الظُبى / فَاِضرِب بِقَلبٍ قاطِعٍ وَلِسانِ
إِنَّ الحَياةَ لَنا لَحَقٌّ ثابِتٌ / وَالحَقُّ أَغلَبُ قاهِرُ السُلطانِ
ما لِلقَوِيِّ إِذا تَجاوَزَ حُكمُهُ / يَبغي التَعَسُّفَ بِالضَعيفِ يَدانِ
بَلغتْ مَطيُّكَ أَوّلَ الرُّكبانِ
بَلغتْ مَطيُّكَ أَوّلَ الرُّكبانِ / ورَمتْ بَرحْلِكَ أبعدُ الأوطانِ
حَدَتِ النَّوى بك أربعينَ عَوابساً / شُوهَ الوُجوهُ ذميمةَ الألوانِ
مالَ الأسَى بِرحالِها وجرَى دماً / ماءُ الشُّؤونِ فمالَ بالأرسانِ
تمضِي جَوافلُها بأغبرَ مُوحَشٍ / تَنسابُ فيه نواعبُ الغِربانِ
وادي النَّوى اختطّتْ به لذويِ الأَسَى / مَسْرَى الهُمومِ ومَسرحَ الأحزانِ
يُزجِي الرّكائبَ كلَّ يومٍ شَطْرَهُ / غادى الفراقِ ورائحُ الإخوانِ
زالوا سِراعاً كالحُصونِ هَوَى بها / قَدَرٌ من الزَّلزالِ ذي الرَّجَفانِ
عَدَتِ الخطوبُ فَطاحَ في غَمَرَاتِها / شَعبٌ بأفياءِ الكِنانةِ عانِ
ضاحِي المَقاتلِ ما يَزالُ يَنوشُه / ضاحي العَداوةِ بارزُ الشَّنآنِ
ما انفَّك يُجزَعُ بالحُماةِ أعزّةً / مُستكبرينَ على ذَوِي التِّيجانِ
مُتمرِّدينَ على الزَّمانِ يَسومُهم / سِمةَ الهَوانِ وخُطَّةَ الإِذعانِ
نهضَ الأُباةُ بهم إلى مُستشرفٍ / تَنجابُ عنه قوارعُ الحِدْثانِ
عَالٍ لَوَ اَنَّ الجِنَّ في سُلطانهِا / هَمَّتْ به لَهَوتْ على الأذقانِ
يَستصغرُ الخَطرَ المَهِيبَ نَزيلُه / ويراه أَهْيَبَ مَنزلٍ ومكانِ
مَرقَى الرّجالِ إلى الخُلودِ وسُلَّمٌ / يَنحطُّ عنه العاجزُ المُتواني
وإذا رُزِقْتَ النَّفسَ دائبةَ القُوى / فَاهْنَأْ فلستَ على الزَّمانِ بفانِ
أَعليُّ ما بكَ غيرُ رَوْحةِ نازعٍ / قَلِقِ المطالبِ ثائرِ الأشجانِ
ضاقت به الدّارُ الشَّقيَّةُ فَانْتَحى / دارَ النَّعيمِ ومنزلَ الرِّضوانِ
عَزَّ الشّهيدُ وراح تاركُ حقِّهِ / في ذِلَّةٍ من عَيْشهِ وهَوانِ
هتفَ النعيُّ فما ملكتُ بياني
هتفَ النعيُّ فما ملكتُ بياني / ليت النعيَّ إلى الإِمام نعاني
ذَعر الحطيمَ وراع يثربَ عاصفٌ / للموت ضجّ لهوله الحرمانِ
سهمٌ أصابَ المسلمينَ وجال في / كبدِ الهُدَى وحُشاشةِ الإيمانِ
جَرحَ الأئمّةَ واستمرَّ فما ارعوى / حتّى استباح مقاتلَ الفُرسانِ
ذهبَ الإِمامُ يُقيمُ حائطَ دينهِ / ويراه أنفعَ ما يُقيمُ الباني
ذهب المجاهدُ يشتري لبلادهِ / عِزَّ الحياةِ بأشرفِ الأثمانِ
بالنّفس تَستبقُ الحتوفَ كريمةً / بين السُّيوفِ وبالنّجيع القاني
إن كنتَ تجهلُ في الكريهةِ بأسَهُ / فالعلم عند كتائبِ الطلّيانِ
قذف الغرورُ بها إلى أوطانِه / بطلاً يصونُ محارمَ الأوطانِ
عَجلَ المغارِ إذا يُؤامرُ نَفسَهُ / أَيُقيمُ أم يمضي الضّعيفُ الواني
يأبى على البَطِرِ المُدِلِّ ببأسِه / ما استنَّ من عَنَتِ ومن عُدوانِ
نزل البلاءُ بقومه فإذا الحمى / بيد المغير يُسامُ كلَّ هَوانِ
أخذ البلادَ فَرُوِّعت أقطارُها / ورمى الفضاءَ فلم يَبِتْ بأمانِ
البحرُ أحمرُ يستطير شُواظُه / والبرُّ أغبرُ دائمُ الرَّجَفانِ
والموتُ بين بُروقِه ورُعودِهِ / يرمى البقاعَ بوابلٍ هتّانِ
ملكَ البسيطةَ والعُبابَ ولم يَدَعْ / مَسرى النُّسورِ ومسرحَ العِقبانِ
ما عفَّ عن ذاتِ القناعِ ولا رعَى / حقَّ الرّضيعِ ولا الكبيرِ الفاني
هاجوا الإمامَ فهاجها قُرشيَّةً / يختالُ في غَمراتِها العُمرانِ
هاجت لنا ذكرى وقائعَ سمحةٍ / مأثورةٍ لابن الوليدِ حِسانِ
جندُ النبيِّ يسير حول لوائِه / وقواضبُ الله العليِّ الشّانِ
التركُ والعربُ الأُباةُ أنوفُهم / سيفان في لُجَجِ الوَغى غَرِقانِ
آناً بمُلْتَطَمِ الدّماءِ وتارةً / في جَوْفِ مُحتدَمٍ من النّيرانِ
الله ألّفَ بينهم فهمُ على / نُعمَى الحياةِ وبُؤسِها أَخَوانِ
سببان من دُنيا الشُّعوبِ ودينهم / تتفرَّقُ البلوى ويفترقانِ
ما زالتِ الأحداثُ تعصِفُ ريحُها / حتّى الْتَوَى وتقطَّع السّببانِ
وَارَحمتا للمسلمينَ تفرّقوا / وتباعدوا في الأرضِ بعد تَدانِ
فلئن بكيتُ فقد وجدتُ مُصابَهم / في مَنكِبي وجوانحي وجَناني
ما بالدّموع المُستهلَّةِ رِيبةٌ / هِيَ في الجُفونِ عُصارةُ الوِجدانِ
مَن كان أبصرَ خطبَهم فأنا الذي / مارستُه ولمستُه بِبناني
ما زلتُ أجمعُ بالقريضِ شَتاتَهم / حتّى انقضى أدبي وضاع زماني
انظرْ إلى الباني المُهدَّمِ واعتبرْ / بالدّهرِ يصدعُ شامخَ البُنيانِ
يا مأتمَ الإسلامِ بات شهيدُه / عَبِقَ الموسَّدِ طيِّبَ الأكفانِ
هل للهدايةِ منكَ لوعةُ جازعٍ / أم للحَميَّةِ فيك لهفةُ عانِ
وهل اكتستْ ثوبَ الحِدادِ لفقدهِ / أُمَمٌ تَدينُ بِمُحكَمِ الفُرقانِ
فَدحَ المصابُ فلا البكاءُ أراحَني / مّما لَقيتُ ولا الرِّثاءُ شفاني
من حقِّ أحمدَ أن يكون رثاءَه / زَجَلُ المُكِّبر عند كلّ أذانِ
لو زِيد ركنٌ في الصلاةِ على يدي / لجعلتُه من أَوثق الأركانِ
جار النَّبي غَنِمْتَ طيبَ جِوارِه / وظَفِرْتَ منه بذمَّةٍ وضمانِ
ونَزَلتَ من غُرَفِ الجِنان بناضرٍ / بَهِجِ القطينِ مُنَعَّم الجيرانِ
انفُضْ أذى الدنيا ودَعْ ما زيّنت / للنّاسِ من زُورٍ ومن بُهتانِ
واحْمَدْ مكانكَ في النَّعيمِ وطيبهِ / إنّ الهمومَ مَلأْنَ كل مكانِ
إن جلّ خطبُ المسلمين فإنّه / دينُ الزّمانِ وسُنّةُ الحَدَثانِ
دُنيا الشُّعوبِ وللحياةِ كِتابُها / سَلَبُ الكُماةِ ومغنمُ الشُّجعَانِ
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ / فأَضاءَ وَجهٌ واسْتنارَ جَبينُ
وبَدَتْ مواكبُه حِساناً طلقةً / فَشَدا اللّهيفُ وغَرَّدَ المحزونُ
وَيحِي أأنتَ انْشقَّ قَبرُك وانْقَضى / عَبَثُ الخُطوبِ ورأيُها المأفونُ
إن غِبْتَ عن نَظرِ العُيونِ هُنيهةً / فَقلوبُنا الحرَّى عليكَ عُيونُ
ماذا تَظنُّ بِكَ البلادُ وأهلُها / تلك القيامةُ لو يكون يقينُ
مَن أطلقَ الأفكارَ من أوهامِها / أَيَظلُّ طُولَ الدّهرِ وَهْوَ سجينُ
أوَلَمْ يقولوا مِحنةٌ حاقَتْ بنا / هَيهاتَ يكشُفها فتىً مَفتونُ
أَلَهُ جُنودٌ حوله محشودةٌ / وبَوارجٌ مَبثوثةٌ وسَفِين
هذا الذي بَعثَ الشُّعورَ وبَثَّهُ / مِلءَ الكنانةِ والشُّعورُ دَفينُ
نَادَى بلادِي فَاسْتجابتْ أُمّةٌ / ليست بغيرِ هَوى البلادِ تدينُ
تبغي الحياةَ عزيزةً ويَغيظُها / أن يُستباحَ من اللّيوثِ عَرينُ
أَبَتِ القُعودَ مع الخوالفِ بعدما / أَخذَ اللّواءَ القائدُ الميمونُ
ومَضَتْ تذودُ اليأسَ عن آمالها / وتُعلِّمُ الأحداثَ كيف تلينُ
هذا الذي شَرعَ الجهادَ لِقومِه / فَهَدى الكتائبَ نهجُه المسنونُ
إنّ المُضلَّلَ في الحياةِ لَمن يَرَى / أن الحياةَ وَساوِسٌ وظُنونُ
هيَ ما رأيتَ فكلُّ شيءٍ دونها / إن كنتَ تكرَهُ أن تضامَ يَهونُ
إنّا وَفَيْنا للبلادِ فلم نَخُنْ / والدّهرُ يَظلِمُ والخُطوبُ تَخونُ
نَسخُو بأَنفُسِنا نُريدُ حياتها / إنْ صَدَّ هَيّابٌ وكفَّ ضنينُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ / وقَضَى عَليكَ قَضاءَهُ الحِدثانُ
أوَ لم تكن بالأمسِ صَرحْاً قَائماً / لِصُروفِ دَهرِكَ حَوْلَهُ رَجفَانُ
جَثَمَتْ جَوانِبُه على آسَاسِها / وسَمَتْ إلى غَاياتِها الأركانُ
ما زالتِ الأقدارُ تَعصِفُ ريحُها / حتّى تَهدَّمَ ذَلكَ البُنيانُ
يا مُنصِفَ الإسلامِ من أعدائهِ / لا الظُّلمُ جَاوَزَهُ ولا العُدوانُ
أَتنامُ عَن حَالٍ تظلُّ لِمثلها / تَهفو القُبورُ وتَفزعُ الأكفانُ
قُمْ لِلكفاحِ فَلاتَ حِينَ هَوادةٍ / ضَجَّ الصَّريخُ وجَالتِ الفُرسانُ
الحربُ يَقْظَى والجنودُ بَواسِلٌ / فَمَتَى يُفيقُ القائدُ الوَسنانُ
قُم في سِلاحِكَ مَا لِمثلِكَ صَاحبٌ / إلا حُسامٌ قاطعٌ وَسِنَانُ
ماذا يظنُّ أُولوا الحِفاظِ بِبَاسلٍ / عَالي اللّواءِ سِلاحُه القرآنُ
مُتجرِّدٌ للهِ حَشْوُ قَميصهِ / تَقْوَى وَمِلءُ فُؤادهِ إيمانُ
يَرْمِي ويُرْمَى لا يَضِنُّ بِنَفْسِهِ / إنّ الضَّنينَ بِنَفْسِه لجبانُ
يَنهاهُ عن حِرصِ الغَبيِّ وَجُبْنِهِ / أنّ المحَارِمَ بالدّماءِ تُصانُ
سَيفٌ بأعناقِ الغُواةِ مُوكَّلٌ / تَعْفَى السُّيوفُ وَحدُّه يَقْظانُ
عَضْبُ المضاربِ مُشرِقٌ ذُو رَوْنَقٍ / تهفو الحُلومُ إليهِ وَهْيَ رِزانُ
للهِ فيه يَدٌ يُضئُ شُعاعُها / سُبُلَ الحياةِ وللنبيِّ لِسانُ
أوَ ما رَأَيْتُم كيف كان يَزِينُه / للحقِّ نُورٌ سَاطِعٌ وبَيانُ
عبدَ الحميدِ ألا تَهزُّكَ صَيْحَةٌ / فَزعتْ لها الأقطارُ والبُلدانُ
أَلقَى بها الإِسلامُ ناراً تَرْتَمي / فَإذا الجوانحُ والقُلوبُ دُخانُ
جَاشَتْ لِفقدِكَ نَفْسُه وطغَى الأَسَى / في قلبهِ فَكأنّه البُرْكانُ
أَوَ لم تكن لِلمُسلمينَ مثابةً / يَأوِي إليها الشِّيبُ والشُّبَّانُ
لَكَ في مُقارعةِ الخُطوبِ مَواقِفٌ / فيها لقومِكَ عِصمةٌ وأمانُ
يُؤذيكَ أن يُرْمَى الضّعيفُ بِظالمٍ / شَرِسِ الخلائقِ دَأبُهُ الطُّغيانُ
ويُثيرُ سُخْطَكَ أن يضيعَ لِمُسلمٍ / حَقٌّ ويَغشاهُ أذىً وهَوانُ
ما كُنتَ كالجافي يَبيتُ مُنعَّماً / وتَبيتُ تُعوِلُ حوْلَهُ الجيرانُ
المسجدُ الأقصَى لِموتِكَ خَاشِعٌ / والبيتُ بَعدَك جَازعٌ أَسْوَانُ
وعلى المدينةِ مِن مُصابِكَ آيةٌ / هِيَ لِلأسَى وكتابهِ عُنوانُ
لمّا خَلَتْ مِنكَ المنابرُ بغْتةً / لم يَخْلُ مِن أَسَفٍ عَليكَ مكانُ
لَكَ مِن زَمانِكَ بالبقاءِ وطُولهِ / وَمِنَ الحَوادِثِ ذِمّةٌ وضَمانُ
تَتنازعُ الأجيالُ ذِكركَ طَيِّباً / عَبِقاً وتَهتفُ باسمكَ الأزمانُ
ما لِلبلَى في العبقريّاتِ العُلىَ / أمرٌ يُطاعُ ولا لَهُ سُلطانُ
سِرْ في الدُّهورِ وقُمْ على هَاماتِها / عَلَماً يُضييءُ فَتهتدِي الرُّكبانُ
وَاطْوِ الجِواءَ إلى مَكانِكَ صَاعِداً / فَمداكَ حيثُ تُحلِّقُ العِقبانُ
ما زِلتَ تَجتازُ المنازلَ تَبْتغِي / ما يَبتغِي المُتزوِّدُ العَجلانُ
حتّى حَللتَ من الإلهِ مَحلّةً / ما جازها عُمرٌ ولا عُثمانُ
أَنْعِمْ بهِ جاراً وَطِبْ نَفْساً فما / سَقطَ اللّواءُ ولا خَلا المَيْدانُ
الجُندُ سَمحٌ والخليفةُ صَالحٌ / والأمرُ وَافٍ ما بهِ نُقْصانُ
واللهُ نِعمَ المُستعانُ إذا الهَوَى / غَلبَ النُّفوسَ وقَلَّتِ الأَعْوانُ
لِلحقِّ صَوْلَتُه وشِدّةُ بأسهِ / وَلِمَنْ يُحارِبُ جُندَه الخِذلانُ
لولا صَرامَتُه وقُوَّةُ بَطشِه / ما عَزَّ مَظهرُه وجَلّ الشَّانُ
الأرضُ حَيرَى ما يزالُ هُداتُها / في غَمْرَةٍ وكأنّهم عُميانُ
لِلشَّرِّ زلزالٌ تَبيتُ شُعوبُها / ترتَجُّ منه وللأَذَى طُوفانُ
الوَحْشُ تَعجبُ أُسْدُها وَذِئابُها / ممّا يَجئُ ويَصنعُ الإنسانُ
انْظُرْ إلى الدُّنيا وسَلْ سَاداتِها / أَيُصانُ فيها للضّعيفِ كِيانُ
أهِيَ المطامعُ أهلكت عُبّادَها / دُنيا الحضارةِ أم هي الأوثانُ
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا / وبما وَراءَ النَيِّريْنِ مَكانا
رُمْتُ الرّثاءَ فَما ظَفِرتُ بِمنبَرٍ / يَسَعُ الرّثاءَ ولا وَجدتُ بَيانا
ضَاقَ البيانُ وبَرَّحتْ بِي لَوْعةٌ / مَلكتْ عليَّ الصّبرَ والسُّلوَانا
يا طُولَ همِّي مَاتَ مَن كُنّا بهِ / نَنْفِي الهُمومَ ونكشفُ الأحزانا
الصّادعُ الأزماتِ يَتركُ لَيْلُها / أَهْدَى الهُداةِ مُضَلَّلاً حَيْرانا
والرَّادعُ الأحداثَ تَلتهِمُ القُوى / وتُغادِرُ البَطَلَ الشُّجاعَ جَبانا
ما اسْتصرخَتْهُ بِلادُه في نكبةٍ / إلا رأته الماجِدَ المِعوانا
رَجَفَتْ قَضيَّتُها أَسىً وتَفزّعتْ / ذُعراً فَكانَ لها حِمىً وأمانا
مَكَر القُضاةُ فَقِيلَ ما بُرهانُها / حتَّى انْبَرى فكفاهُمُ البُرهانا
مَالوا بِميزانِ الحُقوقِ مع الهَوَى / فَأقامَ في أيديِهمُ المِيزانا
المالُ أَيْسَرُ ما أَضاعَ ولم يَضِعْ / مالٌ شَفَى مِن دَائها الأوطانا
أوَ لَمْ تكن أَعْلَى الذَّخَائرِ لامْرئٍ / يَبغِي الغِنَى وأَجلَّها أَثْمانا
والمرءُ إن هَانتْ عليه بلادُه / وَجدَ الحياةَ مَذلَّةً وهَوانا
كَذَبَ المُضلَّلُ لن يَصونَ كِيانَهُ / مَن لا يَصونُ مِن البلادِ كِيانا
كانت بلاغةُ فولكَ مِن نَفحاتهِ / لمّا اسْتَثارَ بَيانَهُ الفَتَّانا
نفحاتُ سمحٍ هَيّجتهُ حِسانُها / فَمَضى يُردِّدُ صَوتَه الرَّنّانا
أيّام ينصرُ حقَّ مصرَ ويَبتغي / لِحُماتِها الأنصارَ والأعوانا
لمّا دَعا الأحرارَ من غُرمائِها / لم يُلْفِهمْ صُمَّا ولا عُميانا
أبطالُ سعدٍ يعرفون مُحمّداً / أيَّ الرّجالِ على الشّدائدِ كانا
ما كان إلا صَخرةَ الحقِّ التي / لانَ الحديدُ وبَأسُها ما لانا
ما أَنْجَبتْ مِصرٌ أشدَّ صرَامةً / مِنه وأثبتَ في الخُطُوبِ جَنانَا
تهفو الوَساوِسُ بالنُّفوسِ ونفسُه / مِلءُ الزَّمانِ وأهله إيمانا
سَلْها لِتعلمَ أيَّ خَطبٍ خَطبها / إن كُنتَ تَبغِي العِلمَ والعِرفانا
لمّا سَقوهُ النَّفْيَ مُرّاً طَعمُهُ / وَجَدوهُ حَرّانَ الحَشا ظَمآنا
لذَّتْ مَذاقتُه فلولا أَنَّهُ / جَمُّ الوقارِ طَوَى المَدَى نَشْوَانا
لم يُنكرِ المَنْفَى ولم يَعْدَم بهِ / مِن عزمهِ أهلاً ولا جِيرانا
جَمَعَ الحُماةَ بدارهِ فَتألَّفُوا / بعد الشِّقاقِ وأصبحوا إخوانا
عَقدوا العُهودَ بها لِمصرَ على يَدٍ / تَشفِي الصُّدورَ وتَنزعُ الأَضْغَانا
ما كان أعجبَ أمرَهم إذا أَطفَأُوا / نُورَ السلامِ وأَوْقَدوا النِّيرانا
يَرْثُونَ لِلوطنِ الجريحِ وقد غَدَوْا / حَرباً على الوطنِ الجريحِ عَوانا
نَزَلُوا بِسَاحَةِ ماجدٍ مُتكَرِّمٍ / لم يَألُهمْ بِرّاً ولا إحْسَانا
ومَضوا بِعافِيةٍ يَقولُ كبيرُهم / حَيَّاكَ رَبُّك مِن أبٍ يرعانا
إنّ الذي يبني الصُّفوفَ لِقومهِ / لأَجَلُّ مَن رَفعَ الذُّرَى بُنيانا
حكمَ البِلادَ فَسارَ سيِرةَ عادلٍ / يَأبَى الأذَى ويُجانِبُ العُدوانا
ويُقيمُ مِيزانَ الأمورِ بِحكمةٍ / تُعطِي الضعيفَ من القويِّ ضَمانا
بَثَّ الحَضارةَ في المدائِنِ والقُرَى / وأجالَ في أرجائِها العُمرانا
وأعدَّ لِلمَرْضَى الحياةَ قَويَّةً / تَبنِي النُّفوسَ وتَدْعَمُ الأبدانا
الحكمُ يَعرِفُه نَبيلاً كَابِراً / ما زَادَهُ جَاهاً ولاسُلطانا
وَرِثَتْ مَناقِبُه مَناقبَ بَيْتهِ / فَبِأيِّ مَنْقَبةٍ أرادَ ازْدَانا
بَيتٌ بَنَى الإسلامُ حَائطَ مَجدِه / وَحمىَ الجوانبَ منه والأركانا
دَارَ الزمانُ وما يزالُ كعهدهِ / يَأْبَى الصَّغارَ ويُنكِرُ الدَّوَرانا
لَكَ يا مُحمّدُ في المَفاخرِ رُتبةٌ / مَلكتْ عليَّ الوَصفَ والتِّبيانا
جَالدتَ هندرسونَ بالرّأيِ الذي / يُعيِي الدُّهاةَ ويَغلبُ الشُّجْعَانا
أَعْطَتْ على يَدِكَ السِّياسةُ ما أَبَتْ / أقطابُها أن تُعطِيَ الأقرانا
أَرْضَيْتَ قَومَكَ بالفعالِ كريمةً / تَرجو بها مِن رَبّكَ الرّضوانا
وغَضِبتَ للفلّاحِ غَضْبَةَ مُكرِمٍ / لِلنّيلِ يَأنَفُ أن يَراهُ مُهانا
اللهُ أَلهَمَهُ الهُدَى وأقَامَهُ / رَمزاً لمجدِ النّيلِ أو عُنوانا
يا مُكرِمَ الأدبِ الرّفيعِ فَجعتَهُ / وتَركتَهُ في خَاطِري أشجانا
أَوليْتَني البرَّ الجزيلَ فلم أَجِدْ / مِن قبلُ بِرّاً مِثلهُ وحَنانا
ما أنتَ بالجافي ولا أنا بالذي / يَرْضَى الجُحودَ ويُؤثِرُ النِّسْيانا
إنّي لأَذكُرها خِلالاً سَمْحةً / وخَلائقاً تُصبِي الكريمَ حِسانا
يا معشرَ الأحرارِ صَبراً إنّه / قَدَرٌ جَرَى ومُصابُ شَعْبٍ حَانا
أنتم على الأيّامِ عَوْنُ بلادِكم / إن أَزمعتْ أحداثُها طُغْيانا
رُدُّوا على مِصرَ القَرارَ وأَمْسِكُوا / بِيَدِ التَّجلُّدِ دَمْعَها الهتَّانا
نِعمَ الخليفةُ في السّياسةِ شَيْخُكُم / إن ضَلَّلتْ شُبهاتُها الأَذْهانا
هُوَ مَنْ عَلِمنا في القضيّةِ شَأنَهُ / بُوركتَ من شيخٍ وبُوركَ شانا