المجموع : 3
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ / هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ / بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ / بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ / أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَت / أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ
لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ / لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرى / أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلى / أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ / أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في ال / هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد / إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ / في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ
إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدابِ الوَغى / فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ
في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ / فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ / كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ / يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحاً / يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ / يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ / تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ / وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ / وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ
وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ / عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها / تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ / مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى / راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ
المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ / ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ
مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم / مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ
يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ / أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ
خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً / وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ / وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
وَالطُرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا / وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما / يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها / فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
ما زِلتَ تَضرِبُهُم دِراكاً في الذُرى / ضَرباً كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ
خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما / جاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ
فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا / يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً / بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ / آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ / شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ / كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمِ / فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم / فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني / فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم / كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ / مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت / قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما / أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلى عَدنانِ
يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ / أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري / وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا / وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا
لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى / مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ الضَنا
بِنّا فَلَو حَلَّيتَنا لَم تَدرِ ما / أَلوانُنا مِمّا اِمتُقِعنَ تَلَوُّنا
وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَد / أَشفَقتُ تَحتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنا
أَفدي المُوَدِّعَةَ الَّتي أَتبَعتُها / نَظَراً فُرادى بَينَ زَفراتٍ ثُنا
أَنكَرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةً / ثُمَّ اِعتَرَفتُ بِها فَصارَت دَيدَنا
وَقَطَعتُ في الدُنيا الفَلا وَرَكائِبي / فيها وَوَقتَيَّ الضُحى وَالمَوهِنا
وَوَقَفتُ مِنها حَيثُ أَوقَفَني النَدى / وَبَلَغتُ مِن بَدرِ اِبنِ عَمّارِ المُنا
لِأَبي الحُسَينِ جَدىً يَضيقُ وِعائُهُ / عَنهُ وَلَو كانَ الوِعاءُ الأَزمُنا
وَشَجاعَةٌ أَغناهُ عَنها ذِكرُها / وَنَهى الجَبانَ حَديثُها أَن يَجبُنا
نيطَت حَمائِلُهُ بِعاتِقِ مِحرَبٍ / ما كَرَّ قَطُّ وَهَل يَكُرُّ وَما اِنثَنى
فَكَأَنَّهُ وَالطَعنُ مِن قُدّامِهِ / مُتَخَوِّفٌ مِن خَلفِهِ أَن يُطعَنا
نَفَتِ التَوَهُّمَ عَنهُ حِدَّةُ ذِهنِهِ / فَقَضى عَلى غَيبِ الأُمورُ تَيَقُّنا
يَتَفَزَّعُ الجَبّارُ مِن بَغَتاتِهِ / فَيَظَلُّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنا
أَمضى إِرادَتَهُ فَسَوفَ لَهُ قَدٌ / وَاِستَقرَبَ الأَقصى فَثَمَّ لَهُ هُنا
يَجِدُ الحَديدَ عَلى بَضاضَةِ جِلدِهِ / ثَوباً أَخَفَّ مِنَ الحَريرِ وَأَليَنا
وَأَمَرُّ مِن فَقدِ الأَحِبَّةِ عِندَهُ / فَقدُ السُيوفِ الفاقِداتِ الأَجفُنا
لا يَستَكِنُّ الرُعبُ بَينَ ضُلوعِهِ / يَوماً وَلا الإِحسانُ أَن لا يُحسِنا
مُستَنبِطٌ مِن عِلمِهِ ما في غَدٍ / فَكَأَنَّ ما سَيَكونُ فيهِ دُوِّنا
تَتَقاصَرُ الأَفهامُ عَن إِدراكِهِ / مِثلَ الَّذي الأَفلاكُ فيهِ وَالدُنا
مَن لَيسَ مِن قَتلاهُ مِن طُلَقائِهِ / مَن لَيسَ مِمَّن دانَ مِمَّن حُيِّنا
لَمّا قَفَلتَ مِنَ السَواحِلِ نَحوَنا / قَفَلَت إِلَيها وَحشَةٌ مِن عِندِنا
أَرِجَ الطَريقُ فَما مَرَرتَ بِمَوضِعٍ / إِلّا أَقامَ بِهِ الشَذا مُستَوطِنا
لَو تَعقِلُ الشَجَرُ الَّتي قابَلتَها / مَدَّت مُحَيِّيَةً إِلَيكَ الأَغصُنا
سَلَكَت تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ مِن / شَوقٍ بِها فَأَدَرنَ فيكَ الأَعيُنا
طَرِبَت مَراكِبُنا فَخِلنا أَنَّها / لَولا حَياءٌ عاقَها رَقَصَت بِنا
أَقبَلتَ تَبسِمُ وَالجِيادُ عَوابِسٌ / يَخبُبنَ بِالحَلَقِ المُضاعَفِ وَالقَنا
عَقَدَت سَنابِكُها عَلَيها عِثيَراً / لَو تَبتَغي عَنَقاً عَلَيهِ أَمكَنا
وَالأَمرُ أَمرُكَ وَالقُلوبُ خَوافِقٌ / في مَوقِفٍ بَينَ المَنِيَّةِ وَالمُنى
فَعَجِبتُ حَتّى ما عَجِبتُ مِنَ الظُبى / وَرَأَيتُ حَتّى ما رَأَيتُ مِنَ السَنا
إِنّي أَراكَ مِنَ المَكارِمِ عَسكَراً / في عَسكَرٍ وَمِنَ المَعالي مَعدِنا
فَطِنَ الفُؤادُ لِما أَتَيتُ عَلى النَوى / وَلِما تَرَكتُ مَخافَةً أَن تَفطُنا
أَضحى فِراقُكَ لي عَلَيهِ عُقوبَةً / لَيسَ الَّذي قاسَيتُ مِنهُ هَيِّنا
فَاِغفِر فِدىً لَكَ وَاِحبُني مِن بَعدِها / لِتَخُصَّني بِعَطِيَّةٍ مِنها أَنا
وَاِنهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيَّ بِضَلَّةٍ / فَالحَرُّ مُمتَحِنٌ بِأَولادِ الزِنا
وَإِذا الفَتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضاً / في مَجلِسٍ أَخَذَ الكَلامَ اللَذعَنا
وَمَكايِدُ السُفَهاءِ واقِعَةٌ بِهِم / وَعَداوَةُ الشُعَراءِ بِئسَ المُقتَنى
لُعِنَت مُقارَنَةُ اللَئيمِ فَإِنَّها / ضَيفٌ يَجِرُّ مِنَ النَدامَةِ ضَيفَنا
غَضَبُ الحَسودِ إِذا لَقيتُكَ راضِياً / رُزءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِن أَن يوزَنا
أَمسى الَّذي أَمسى بِرَبِّكَ كافِراً / مِن غَيرِنا مَعَنا بِفَضلِكَ مُؤمِنا
خَلَتِ البِلادُ مِنَ الغَزالَةِ لَيلَها / فَأَعاضَهاكَ اللَهُ كَي لا تَحزَنا
يا بَدرُ إِنَّكَ وَالحَديثُ شُجونُ
يا بَدرُ إِنَّكَ وَالحَديثُ شُجونُ / مَن لَم يَكُن لِمِثالِهِ تَكوينُ
لَعَظُمتَ حَتّى لَو تَكونُ أَمانَةً / ما كانَ مُؤتَمَناً بِها جِبرينُ
بَعضُ البَرِيَّةِ فَوقَ بَعضٍ خالِياً / فَإِذا حَضَرتَ فَكُلُّ فَوقٍ دونُ