المجموع : 9
ماذا أصابك أيها البستاني
ماذا أصابك أيها البستاني / وذويك ما هذا الجموحُ الجاني
الأنَّ أهلكَ أورثوك نسيتَ ما / وهبوا وما ابتدعوا من الاحسان
لا خيرَ في الانسانِ من ميراثه / الا الدمُ المحَيبه للانسان
ضَيَّعتَ غَرساً صوحَّت أفنانُه / وَشغلتَ بين مهازلٍ وغواني
الليلُ ينفقُ في القمار وفي الزنى / رجسان ماثورانِ للشيطان
ومن الفراش شكا النهارُ تُذيلهُ / وكأنه نَجسٌ من العبدان
تتضاءل الحسناتث منك وتمحى / في حين جمسك بعدها جسمان
ماذا دَهَى الأملَ العريضَ فطالما / أوحى لنا والآن لطمةٌ عانِ
كنا نرى ذاك الشباب ملاذَنا / مُذ خاننا الجبناءُ لا الحدثان
كنا نثشيد به وُنزجى حُبَّنا / سَمحاً إليه فشال في الميزان
كنا نرى الوجه الصبيحَ كأنه / رمزٌ لكل تطلع روحاني
ونصيخ للعذب الحديث كأنه / تفسيرُ أحكامٍ من القرآن
كنا حواليه نطوف بفرحةٍ / مترّنمين بأعذب الايمان
ماذا دَهَى هذى الغوالي كلَّها / وشخُوصها ما زلن في وجداني
ماذا أصابك أيُّها البساتي / وذويك ما هذا الجموحُ الجاني
كنا نزفُ إِليك أحلام العلى / والآن ليس سوى الرثاءِ يُداني
ما بالكم صرتم زبانيةً وقد / كنتم ملائكة ورُسلَ حنان
أُهوَ الخضوعُ الى الدخيل وَكم له / جولاتُ خَدّاعٍ لكسب رهان
الأجنبيث مسيطرٌ في بيتكم / ومبيحُ عرضكمو لكل لسان
مزقٌ بحيث يُعُّد اى مُدافع / عنه قرينَ سفاهةٍ وهوانِ
حين الورودُ تناثرت وتعثَّرت / في شوكها القدمانِ والعينان
هذا انتحارٌ لو دَريتض فهلُ ترى / تدري أم استسلمتَ للبهتان
هيهاتَ يُفلح فاسقٌ مستهترٌ / أو يستقُّل بعزةٍ ومكان
ما زلتُ أخلصكَ النصيحة فاتعظ / وتحاشَ من خُّروا الى الأذقان
فإذا أَبيتَ فأنت آخرُ هادمٍ / ويظل ذكرك عبرةَ الأزمان
واذا انتصحتَ ملكتَ عمراً ثانياً / وَغدوتَ في الأحياءِ أعقلَ بان
هيهاتَ ينفعكَ التمُّلق والرقىَ / وجميعُ ما يوحى جنونُ أناني
مهلاً ومهلاً أيها البستاني / ارجعِ لغرسكَ أيها البستاني
طَرَفت فلما أغرورقت عيني
طَرَفت فلما أغرورقت عيني / وصحت صحوتُ للوعة البينِ
خمسٌ من السنوات قد ذهبت / بأعزِّ ما سميتهُ وطني
ما زالت الأفراح تنهبهُ / وهي المآتمُ في رؤَى الفطنِ
أفراحُ ساداتٍ له نُجبٍ / من كلِّ صُعلوكٍ وُممتنِّ
طالت أياديهم واذ لمسوا / أعلى الُّذَرى سقطوا عن القنن
ياليتهم سقطوا وما تركوا / زُمَراً تُتابعهم بلا أَينِ
تركوا الوصوليين صاعدهم / صنوٌ لها بطهم أخو ضَغنِ
وكأنَّهم أكوازُ ساقية / دوَّارةٍ بالشِّر للفطنِ
لا شئَ يشغلهم ويُسعدهم / إلاّ الأذَى في السِّر والعلن
عبثوا بنا وبكل ما ورثت / مصرُ العزيزةُ من غِنىَ الزَّمن
هذا الربيعُ السمحُ واكفهُ / دمعي ودمعُ البؤسِ في وطني
خَلفَّته أسوانَ قد سلبوا / قَهراً وشائجَ نفعهِ مِنِّى
خَلفَّتهُ لا شئَ يَشغلني / إلاَّهُ وهو بِشغلهِ عَنِّي
وتركته الأَغلى الذي فُتنت / رُوحي به وأشاحَ عن فَنِّي
يا للربيعُ ممازِحاً فرِحاً / ولئن بكى ومُشنِّفاً أُذني
أصغي إليهِ ولا أحسُّ به / وَهوَاه في قلبي وفي عَيني
يَجريِ ويقفزُ في مُداعبةٍ / نشوانَ من فَننٍ إلى فَننِ
والشمسُ قد تَركَت غلائلها / نَهباً لديه فَلجَّ في الفِتنِ
وَبَدت عرائِسهُ وقد وُلِدت / في الفجرِ راقصةً تُغازُلني
عَرِيَت وكل كيانها عَبقٌ / ورؤىً وأطيافٌ من اللَّونِ
يا لطفها فيما تُبادلني / بمنَّوعٍ من سحرها الفنِّى
وأنا كأنيّ لم أَخصَّ بها / شعري ولم يزخر بها زمني
وكأنّما غفرت مُجانبتي / ورأت أساىَ أجلَّ من ديني
مَن ذا يُحسُّ شُعورَ مُغتربٍ / غيرُ الربيع بدمعهِ الهتن
غُير الطبيعةِ وهي حانيةٌ / تسعى وتمنحنا الذي تجني
هيَ بي وَلوعَةِ مُهجتي أدرَى / وبكلِّ ما ألقاهُ من مِحنِ
ولئن تكن عَصفت فَغضبتها / شِبهُ العتاب يُساق للوَسن
إن حالَ دوُنَ لقائِها مرضى / وغدا الفراشُ مُحاصِراً ذِهني
جارحةٍ لها شَغفي / وبها أَظل مُناجِياً وطني
أتوسوسين لنا بسرٍّ قد خبأتِ مدى الشتاء
أتوسوسين لنا بسرٍّ قد خبأتِ مدى الشتاء /
هذى البراعم إذ تُفتَّحُ لا يُخالطها الرياء /
تروى لنا الأزهارُ والأوراقُ من نفح الحياة /
سراً ومن قُبلِ الجمالِ أحب ما تهوى الشفاه /
النحل تفهمها فكيف الناسُ هل معنى الوجود /
لغزٌ يفوت العقلَ إذ يعلو ويُخطئه الصُّعود /
أنا من فهمتكِ بل عشقتكِ إذ أنا شئٌ صغير /
أنا بعضُ هذا النحلِ في شغفى وفي حلمي القرير /
الشاعر القرويّ في تكريمنا
الشاعر القرويّ في تكريمنا / اشمى وأكرم من مقام زعيمنا
علقت به آمالنا وتشبّثت / أحلامنا فاعتدّ رمز صميمنا
أمم العروبة ذاته فصفاته / سير البطولة من عريق كريمنا
هو رائد الآتي ونفحة أمسنا / والثار العاتي على تسليمنا
ما اعتزّت الفصحى بشعر صاغهُ / إلا اعتزاز سمائنا وأديمنا
أو تاهت الأخلاق من أندائه / إلا كتيه النور من تكريمنا
أو بشّت الأديان عند عظاته / غلا لروح مسيحنا وكليمنا
أو هزت الألباب ثورة فنه / إلا وأرضخه إلى تعليمنا
العبقرية بضعة من شخصه / والبضعة الأسمى مدار حلومنا
ما كان ذاك الشعر شعر فصاحة / عزّت فحسب ففيه كل نجومنا
وبه الطبية في جميع فصولها / وبه أحب عبيرنا ونسيمنا
وبه تشبّ لنا هموم جمة / وبه الشفاء لياسنا وهمومنا
من لم يحز ديوانه فكأنه / حرم الجنان ففيه كل نعيمنا
كم متعة لي لا تحد جديدة / وتزيد جدتها يبعث قديمنا
أمم العروبة لو قدرت مكانه / قدست مجد حكيمنا ومديمنا
من غير التاريخ من إيحائه / وأثار نخوتنا برغم رميمنا
الأمة الحكماء قبل جنودها / الخالقو الجنات رغم جحيمنا
ما قيمة الأجناد لا يزجيهم / شرف ولا لهف لغير تخومنا
ولرب شاعر أمة مهضومة / كرشيد عاش ضمين حق عديمنا
هيهات أعدل ثروة بتراثه / وأنا الفقير دون حظ عليمنا
فيم اعتذار النابهين إذا نسوا / للشعر حق إمامنا وحميمنا
نمنا ونام الحاكمون بأمرهم / والغاصبون سعوا إلى تنويمنا
حتى غدونا جاهلين رجالنا / الماهدين ونحتفي يخصيمنا
لا بدع إن جلى تذبذب راينا / وغدا الشعار لنا صياح سقيمنا
واليوم إذ طلع الصباح وإن يكن / فيه الضباب معكرا لشميمنا
ولو أن الوان الجهالة لم تزل / شرعا تقدّس بل ودين بهيمنا
نحني الرؤوس له وإن تك قلة / عزّت ولكنا هداة عميمنا
ونود تكتحل العيون بنوره / أبدا وإن يك مائلا بفهومنا
سيجيء عهد نحتفي شرفا به / كالشمس والجوزاء غب غيومنا
ويسابق الأقوام بعضا بعضهم / ليترجموا الآيات في تقويمنا
شعر كهذا الشعر ذخر للورى / جمعا وإن يحسب تراث زعيمنا
أيّار كاد يذوب عطرا سابغا
أيّار كاد يذوب عطرا سابغا / وجمال ألوان وجمّ حنان
وأراك يا ورد الربيع بنومة / طالت كأنك لم تذق إيماني
أتظنّ عهد أبيك عهدا غادرا / وتخاف ما يأتي به الحدثان
أو لا ففيم إذن رقادك هاجرا / للناس في الأكمام والأردان
ولمن تبرّجت الطبيعة بعدما / أعطتك عهد سماحة وأمان
أولست فاتنها المليك وطالما / جملتها بنفائس التيجان
أسفر جواهر نمقت اصباغها / أيدي النجوم ولهفة الفنّان
ما زلت مرتقبا فشعري لم يزل / ظمآن مفتقرا إليك يعاني
لم تغنه هذي الموائد كلها / عن وحيك المتحجب الظمآن
مثلي ظمئت كأننا غرباء في ال / دنيا عن الإلهام والإحسان
ما قدرتنا رغم تقدير لنا / أو أنصفت بالري للريان
بي حرقة الفنان مثلك قابعا / في خلوتي وتوثب الفنان
فمتى أراك إذن تهم ممزقا / هذي الستائر واثبا لعياني
حتى أرتل في سناك تحية / بالنور عابقة وبالألوان
أفصح ولاتك مبهما كقصيدة / مطويّة بمشاعر وجنان
أو كالأغاني في الغدير تستّرت / بالموج فاحتجبت عن الإنسان
أو كالصبابة في القلوب دفينة / وتنم عن خطراتها العينان
أو كالحقيقة حجبت بعزوفنا / عنها وما خفيت عن الوجدان
أفصح فينتفض الربيع مجدّدا / والحب والنعمى بكل مكان
أمودّعي من قبل أن يلقاني
أمودّعي من قبل أن يلقاني / ماذا تركت لحلمي الفتان
ليلان قد مرا مرور جحافل / والآن أحرم وحيك النوراني
حين الغبار المستثار يحف بي / والشمس قد ضاعت ضياع هوان
هلا بقيت لكي أمتع ناظري / زمنا وكيف تغيب في نيسان
يا تارك الشعر الوضيء ذخيرة / كبرى وقد خلّفت ما أغناني
الشعر أنت وكل ما أودعته / ديوانك الحي المعزّ زماني
هيهات يغني رغم ذلك شاعرا / يهوى بك المثل الرفيع الساني
يا أوحد العصر الذي إيمانه / بالحق اسعد دائما إيماني
يا من تفنن في ابتداع عوالم / شتى وجدد من نهى الفنان
يا من رأته العبقرية ندها / في الخلق والآداب والإحسان
يا من شأى صور الحياة مصورا / عجبا من الإحساس والوجدان
يا من أحبته الطبيعة حبها / لله في ملكوته الروحاني
يا ن يرف النقش نفض يراعه / بيتيمة الألحان والألوان
يا من مآثر نبله وشموخه / كمآثر الأضواء في لبنان
يا من يحرّرني متى ناجيته / وإذا برمت ببيئتي ناجاني
يا من يخفف من لواعج حسرتي / بدموعه ودموعه أوطاني
يا من خواطره تزيد خواطري / ألقا ويرفع حبه إمكاني
أزجي إليك تحية من مهجة / عرفت بك الفنان في الإنسان
وأزف أغنية الوداع وإنها / قبل وأشواق لحلم ثان
إن كان هذا الجو يخلق روحنا / فالحب يخنقه عتو أناني
عم الضباب مع الغبار مخلفا / رهقا من الآلام والأحزان
ما كان أولانا بنبلك بيننا / كيما نصد وساوس الشيطان
العابث الجاني على ألبابنا / وممرغ الألباب اسفل جان
كم موقف للخبث يرقص عنده / ويعضّ في الأعراض كالثعبان
ويصول في سرقاته متفنّنا / كتفنّن الشغور في الروغان
يطريه اطفال ويطري نفسه / وكلاهما نوع من الهذيان
ما كنت أحسب أن أعمر كي أرى / هذي المهازل من خصال زماني
في موطن للعقل اسمى منزل / فيه وفيه الخلق أعظم بان
من لي بمثلك كالنبي مكرما / في موطن الإلهام والعرفان
يتلو الخوالد من هدى إنجيله / فيبر بالإنجيل والقرآن
ويهز آلاف المشاعر بعدما / ماتت من التغرير والبهتان
ويطهر الجيل الجديد بشعره / من كل شعوذة ومن كفران
يا من أوّعه ولست مودعا / من ظل يشغل بي أعز مكان
وتخوننا الدنيا وليس يخونه / منّي سوى دمعي وفرط خناني
الفتنة الكبرى تطلّ قرونها
الفتنة الكبرى تطلّ قرونها / أم دير ياسين أعيد جنونها
يا وصمة الإنسان من وحشيّة / أقسى الوحوش لها تراع عيونها
صفر الخراب لها بفرحة فاجر / وإذا الدماء شرابها ومجونها
العصبة الأنذال لم يتورّعوا / عن كل ما لطخ الوغى ويشنيها
باسم العدالة والحقوق تشدّقوا / وكأنما حامي الحقوق خؤونها
وبكل مذبحة لهم تهليلة / وبكل مجزرة يعيد دونها
ويمثلون من المهازل للورى / صور المىسي القارحات جفونها
كبش الفداء همو وأما من بغوا / وعدوا عليهم فالوغى وأتونها
جعلوا المروّع جانيا بل صوروا / جثث الضحايا في الحقول تخونها
كانت لقوم في أمان بيوتهم / ناموا فأين بيوتها وسكونها
ذهبت بهم وبحلمهم وتبعثرت / اشلاؤهم ودماؤهم وحنينها
الله في الباغي وعندي تستوي / كل الفئات وما يسوغ دينها
فالبطش ليس له حلال مرّة / مهما أحل الموبقات خدينها
والظلم ليس يحد بين خطوبه / من لم يصد خطوبه فمعينها
إيها بني الأرجاس أية نصفة / ترجونها وشروركم مضمونها
كثرت دعاويكم كوفرة خبثكم / والأبرياء طعينها ودفينها
من تخدعون وتلك قبية شاهد / والدينميت غريمها وقرينها
هل هيئة الأمم التي قد كفنت / في المهد أم أسر يمض أنينها
أم هل ترى أمم العروبة بعدما / رزئت بكم وبكم تشل يمينها
أم صادق التاريخ وهو مدون / آثامكم إن فاتكم تدوينها
قد كنت أرجو العدل بعد تفاهم / فإذا العدالة تستباح حصونها
وإذا القذائف وحدها قد أصبحت / لسن العدالة إن يصخ مفتونها
أواه من دول العروبة كلها / خابت وضاع أسودها وعرينها
هيهات تنهض والثعالي فوقها / يتحكمون وما تعد طنينها
صهيون ليس بمحض خصم واحد / فبكل باطن دولة صهيونها
من ذا ألوم إذا الجناة أقارب / وأباعد وإذا اللصوص زبونها
وإذا الدم الغالي يذال ولم تثر / همم وفي وقف الجيوش سجونها
أبطال قبية أنتمو وكفاكمو / فخرا بتدمير لكم تمدينها
من كان في ريب إزاء حضارة / شقيت بكم فصنيعكم تأبينها
من ذا يصور بد ذلك أنكم / من أمة بالغار خص جبينها
إن التسامح بعد ذاك جريمة / يا ضيعة الإنسان حين يزينها
يا سلم خير أن نراك مزعزعا
يا سلم خير أن نراك مزعزعا / من أن نرى للحرب سوقا بيننا
يا جاعل النيران جنات لنا / ومطهر الإنسان حتى آمنا
لا تلقنا يأسا وصبرا ربما / علمتنا وصقلتنا فخلقتنا
إن كنت ترجونا الفداء فكن لنا / بعض الفدى فنرى السعادة والغنى
يا نفحة الأرباب حين تجاوبوا / والفن فابتدعوا سناك فهيمنا
إن تبق حارسنا رفعت نفوسنا / وإلى الحضيض نزل إما فتنا
ولئن تمادى الأشقياء بغبننا / فكن الملاذ ولا تسوغ غبننا
إن نحن ضعنا ضعت أنت وإن تصن / آمالنا صانتك كنزا يقتنى
ويجيء يوم للحياة مقدّس / فتكون معبود الحياة المعلنا
لولاك كانت مثل أشباح الردى / بجهنّم لا مثل أطياف المنى
فأجب دعاء للبرية شاملا / من قد أساء لنا ومن قد أحسنا
أنا من يفتّش عن محاسن ناقدي
أنا من يفتّش عن محاسن ناقدي / فأذيعها كمحاسن لجناني
حب الجمال أراه فوق خصومة / وأرى الجمال موزّع الإحسان
وأرى الحقيقة لا تحدّ فما لنا / نهوى التعصب في غرور جان
لم لا نفتش في شعور مخلص / للحق دون تحزّب وهوان
ليست أنانية الحياة جميلة / كلا ولا عجز الضرير الواني
وإذا تأملت الخلاف وجدتهُ / يحوي بذور الحق للإنسان