المجموع : 19
كَم موقف للحب فيه تكلمت
كَم موقف للحب فيه تكلمت / بعيونها الفَتيات وَالفتيانُ
فتن الجَميع الحسن في ريعانه / وَالحسن في ريعانه فتّان
يا مَنزِلاً فيه تعاطينا الهَوى / لا أَنتَ أَنتَ وَلا الزَمان زَمان
جاءَ الخَريف مبكراً فَتَجَرَّدَت / في الدوح من أَوراقها الأغصان
قَد كانَ ريحان وَكانَت روضة / وَاليَوم لا روض وَلا ريحان
يبني الهزار عَلى الغصون لنفسه / عشاً فتهدم عشه الغُربان
لا يَعلَم الغرثانَ في آلامه
لا يَعلَم الغرثانَ في آلامه / إلا الَّذي هُوَ مثله غرثانُ
ما إِن يعينك مثل عقلك وحده / في مَوقف قلت به الأعوان
افعَل بغيرك ما تُريد ليفعَلوا / بك مثله وَكما تُدينُ تُدان
الكذب راقك إنه متجمل / وَالصدق ساءَك إنه عَريان
ظهر اللَّئيم عَلى الكَريم بأَرضه / وَسلاحه في حربه البهتان
العقد منفرط بأَيدي عابِث / لكنما ذاكَ الجمان جمان
اعمَل لأن تبقى الحَياة لَذيذَة / لك وَليكن من بعدك الطوفان
من ساءَ من مرض عضال طبعه / يَستقبح الأيام وَهيَ حسان
قالوا اِعتمر يفرح أَبوك بقبره / هَذا لعمر أَبي هو الهذيان
رمنا حَياة ما بها من حادِث / وإذا الحَياة جَميعها حدثان
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ / فيه تتم لذاذة الإنسانِ
كَم فيه من زهر يروقك لونه / كَم فيه من روح ومن ريحان
الروض يَزهو نوره في فصله / بِبَدائع الأشكال والألوان
زهر به ثغر الروابي باسم / والجو منه معطر الأردان
في مثل ذلك من زمان مبهج / تَمشي ثلاث كواعب أخدان
لَيلى وَترباها سعادُ وَزينبٌ / يمرحن فوق مناكب الكثبان
مثل الدمى بل فائقات للدمى / في منطق عذب وحسن بيان
من أرفع الأبيات منزلة وقد / جمَّعن كُل محاسن النسوان
فرجحن في الحي النساء صباحة / وَالحي يعبدهن كالأوثان
أَحببن شرح الصدر من أوصابه / فبرزن للصحراء باستئذان
متلاعبات فوق أذيال الربى / وَشعابها كتلاعب الغزلان
ينظمن في سمط الحَرير أزاهراً / فينطنها بالرأس كالتيجان
وَيَضَعنَ منها في الرقاب قَلائداً / تزري بعقد الدرِّ وَالمرجان
لَيلى تغرد أو سعاد وَزينب / تترنمان بأَطيَب الألحان
في روضة غناء يبسم زهرها / عَن أبيضٍ يققٍ وأحمرَ قاني
يَمشين في مرح عَلى أعشابها / مشى القطا الكدري للغدران
من نسوة لعب الصبا بقدودها / لعب الصبا بمعاطف الأغصان
غادرن في المَشي الخيام بعيدة / ما إِن تَرى أَشباحَها العَينان
وَلهون بالأزهار إعجاباً بها / وَجهلن ما أَخفت يد الحدثان
حَتّى التقين عَلى الأباطح بغتة / بمدججين ثلاثةٍ فرسان
فرأوا نساءً كالمها من غير ما / حامٍ بأَبعَد موضع وَمَكان
فأثارهم طمعٌ هناك فهاجَموا / مثل الذئاب تعيث في الحملان
فَعلا الصراخ وَزادهن مخافة / أن لَيسَ ثمَّة من نصير داني
راع المقام فؤادَ لَيلى فاِختفت / في ظهر زينب وَهي في رجفان
تَرنو العيون الى السماء كأَنَّها / تَرجو هبوطَ مفرِّج رباني
وَتذكرت سعد العَشير خَطيبها / نجل الرَئيس عَلى بني حردان
وإذا بنقع ثائر من جنبهم / يَدنو كَزوبعة بغير تواني
وَرأوا هنالك فارساً فإذا به / فرد أَتى يَعدو بلا أعوان
وَعلمن حين نظرن لون جواده / أن ذاكَ سعدٌ فارس الدهمان
فهدأْنَ عند وصوله في وقته / وَشكرن بعد الخوف للرحمن
لما أتاه أن لَيلى قد نحت / مع جارتيها البرَّ للسلوان
رجَّى اللقاء فسار يطلب ظاهراً / بركوبه متصيدَ الغزلان
وَرأى فوارس من بعيد قصدها / غصب النساء فشدَّ في العدوان
قالَت أغث يا سعد إنا نَحتَمي / بك من أولاء الطغمة الخوان
فازورّ من غضب وأوقف طرفه / في القرب يَزفر زفرة الغيران
طلبوا إليه أن يسير لوجهه / وَيكف مدخله بهذا الشان
فأبى وأبدى النصح أَن يتجبنوا / فِعلاً يَسوء صداه في البلدان
واستحقروه إِذ رأوه أمرداً / غرّاً وعدّوه من الصبيان
وَرَماه منهم فارس برصاصة / أشوت فكر يجول في الميدان
وَهوى إليه طاعناً في ظهره / بسنان رمح لان كالثعبان
وارتد يفتقد النساء فأطلقا / ناراً عليه وَلَيسَ كالنيران
فخلا لها لكن أَصابَت رمية / لَيلى قضَت منها لبضع ثواني
صرخت لمصرعها سعادُ وَزينبٌ / جزعاً يذيب القَلب بالأحزان
فهناك شد عليهما بعزيمة / سعد كليث خادر غضبان
فاستأنفا رمياً وكان يداهما / من خوف ما شهداه ترتجفان
فدنا ففرّا فاِستحث جواده / وَهوى هويَّ جوارح العقبان
حتّى إذا لحق الجواد تَضَرَّعَا / متوسلينِ إليه في استئمان
فأبى وَجاشَ بغيظه متذكراً / لَيلى وَمصرعها عَلى التربان
وَسطا وجدَّل واحداً بقناته / وأَطار بالصمصام رأس الثاني
نظر العروس وسيفه متصببٌ / علقاً فظل يجيش في غليانِ
لَم يَدرِ لما راءَها مصروعة / تَبدو بأَحسن منظر مزدان
أَهُناكَ جسم فارقته روحه / للموت أَم روح بلا جثمان
الخد موضوع بجانب زهرة / وَالشعر منبسط عَلى الريحان
يَحلو لِعَين المرء مدُّ يمينها / وَتَروق منها فترة الأجفان
أشجاه منظرها فأسبل عبرة / وَمشى يردد زفرة الوَلهان
حملوا عَلى ظهر المطهم جسمها / وَنحوا منازلَهم بذي سعدان
لما دنوا من حيهم وفشا الَّذي / قَد كانَ قامَت ضجة النسوان
فأقمن من أسف عليها مأتماً / فَتَّتْنَ فيه مرارة الإنسان
ولطمن وجهاً صين من مسِّ الأذى / وَشققنَ جيبَ الواجد الثكلان
وَنشرنَ شعراً للرزية صاغراً / وَخمشنَ خداً ذل للحدثان
والأم بين نوائح وَنوادب / شمطاء تزفر من أحر جنان
تحثو التراب عَلى جوانب رأسها / وَتَصيح من قلب لها حران
فَتَقول وَيلي بل وويل عشيرتي / للرزء يا لَيلى وَللخسران
لَهفي عليك فَقَد تجرعت الردى / ومن الشَبيبة أنت في ريعان
لِلَّه أَنتِ وَما ملكت من النهى / وَجمعت من حسن ومن إحسان
عجلت في الترحال يا لَيلى وَما / قبلت أمك آه من حرماني
ووددتُ أني في مَكانك للردى / غرض وأنك عنه كنت مكاني
وَحرمت عيني أن تراك بملئها / فتركتها وقفاً عَلى الهملان
أطوي الضلوع عَلى فؤاد خافق / وأعض من أسف عليك بناني
أَنتِ العَروس دنا زَمانُ زفافها / لِلَّه ذلك مِن زَفاف داني
أَسَفي عليك يَطول من مقتولة / برصاص أَهل البغي وَالعدوان
أَدرجن بعد الغسل ناعم جسمها / فيما أَطابوه من الأكفان
وَسعى العَشيرة كلهم في حملها / للقبر آخر منزل الإنسان
ما بين باك شارق بدموعه / وَممزق لثيابه وَلهان
دفَنوا العَروس بحفرة وَتَقهقَروا / متأسفين مقرَّحي الأجفان
وَتَبينوا أَحد الرؤوس فأَيقَنوا / أن ذاك رأس معدد الديران
قَد جاءَ متخذاً وَظيفته من ال / والي وَكيل جلالة السلطان
ما زالَ مذ ورد القضاء معدداً / مَع حارسين ملازم الدوران
فَجَرى القَضاء بأن يموت بخبثه / موتاً يخازيه مَدى الأزمان
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ / يرقى إلى السروات فيه هوانُ
ثقل المَريض وَلا أَقول ببرئه / حتىّ يَزول هنالك البحران
الحرب أَول ما تثور عجاجة / وَالنار أَول ما تشب دخان
ثارَت عَلى شرق الفرات وَغربه / حربٌ كَما شاءَ الدفاع عوان
الناس طراً في العراق تقاربوا / من بعد ما اِبتعدت بهم أضغان
كانوا خصوماً ثم حاقَت فتنةٌ / وإذا الخصوم كأَنهم إخوان
هلعت قلوب القوم في اليابانِ
هلعت قلوب القوم في اليابانِ / للبحر حين طغى وَللنيرانِ
جُزُرٌ غلين كمرجلٍ فتهدَّمت / أَعلامُها من شدَّة الغَليان
وكأن أَسباب السماء تقطعت / وكأن قلب الأرض ذو خفقان
عرت البلاد زلازلٌ فتقوَّضت / فيها بهنَّ منازلٌ وَمَغاني
سل من أَلَمَّ بها يقيس خرابها / ماذا يرى فيها من العمران
وكأَنَّما اِعتاضَت جحيماً تَلتَظي / عَن جنة ملتفة الأغصان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمرانِ / في الحادِثات كنكبة اليابان
صعقت تخر إِلى الوجوه حلولها / للصيحة الكبرى بكل مَكان
مُنيَ القُلوب وكل حي عندها / والأرض ذات العرض بالرجفان
كَم مرضعٍ ذهلت لها عَن طفلها / فرمت به عنها من الأحضان
وَكَم استجار أَبٌ عَليل بابنه / فأَشاح بالإعراض وَالخذلان
كل اِفتراقٍ لا أبا لك هينٌ / إلا افتراق الروح والجثمان
ما للأعزة في مناعة أَرضهم / هانوا وَما خلقوا بها لهوان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
نار وَطوفان وَزلزال معا / لَم تُبق من صرحٍ ومن إيوان
أكئبْ بهاتيك الطلول وَما بها / من مشهدٍ يدعو إلى الأشجان
تَبكي العيونُ عَلى عفاء ربوعها / وَمصارع الفتيات وَالفتيان
يا للشقاء وَنكبة نزلت بمن / نَزلوا بتلك الأرض من سكان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَخذت تصب بها الطَبيعة غيظها / وَتَثور حانقة عَلى الإنسان
ماذا أَثار الأرض حتى أَصبحت / تَرنو إلى الإنسان بالعدوان
النار شبت في البلاد فأَحرقت / فيها الَّذين نجوا من الطغيان
وَالماء أَغرق من نجوا بفرارهم / من تلكم النيران في البلدان
عصفت بهم في اللَيل عاصفة الردى / فَبَدا الحَريق بجانِب الطوفان
إن صُدَّ عَن بحر فنار قد بَدَت / أَو صد عَن نار فَلُجٌّ داني
النار تدفعهم إلى أَمواجه / وَالموج يقذفهم إلى النيران
الماء وَالنيران قَد فَتكا بهم / وَالماء وَالنيران يستبقان
النار تَشوي وَجههم بشواظها / وَالماء يغرقهم بلا تحنان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الأرض تقصف كالمدافع تحتهم / وَالجو يلمع باللَهيب القاني
وَتَرى البروق وَقَد تتابع وَمضُها / تَبدو ضواحك في سحاب دخان
وإذا الصواعق أَرزَمَت من فوقهم / خروا لخشيتها إلى الأذقان
بل كُلَّما سمعوا هزيمَ رعودها / وَضعوا أَصابعَهم عَلى الآذان
وَإِذا أَضاءَت أَغمضوا حذر الردى / أَو خطفها الأبصار باللمعان
إنَّ الغشمشم وَالجبان كلاهما / في مثل تلك الحال يستَويان
وكأنما تلك الجَزيرَة كلها / لَيسَت عَلى وسع سوى بركان
قَد كانَ في اليابان يا لشقائها / ما لَم يكن في الظن والحسبان
أكبر بها من نكبةٍ سوداء قد / أَخنت عَلى الآباء والولدانِ
أَما الوجوه فإنها قد بدلت / ألوانهن بأَسوأ الألوان
مسودة بالنار تحسب أَنَّها / مطلية بالقار وَالقطران
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الرجَّة الأولى وَكانَت بغتةً / أَودَت بأكثرهم ببضع ثوان
ماتوا وَماتوا ثم ماتوا ثم لم / يسلم سوى القاصي من الموتان
أَما الألى ظنوا النجاة لنفسهم / فالظن صار بهم إلى الخذلان
لا يعرفون أَأبعدوا عَن حتفهم / أَم أَنَّ ساعات الحمام دواني
لَم يطو من أَسَفي عليهم كونهم / متوارثين عبادة الأوثان
بل كلنا بشر أَبوهم مِن أَبي / عند الرجوع وَكلهم إخواني
ما تلك إلا أُمَّة شرقية / قامَت قيامتها بغير أوان
كَم كانَ فيهم من خَطيب مصقع / طلب البيان ولات حين بيان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
خطب جسام لَم يشاهد مثله / وَلَقَد مضت حقب من الأزمانِ
لَو أنهم كانوا أَمام جحافل / طَلَبوا النزال وَسارعوا لطعان
لكنهم عرفوا بأن عدوهم / لا يَنتَهي بشجاعة الشجعان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَما الخسار فإنه في نفسه / لأَجلُّ من وصفٍ ومن تبيان
بل ليس يَدري غير زائر جزرهم / ما قَد أَصابَ القوم من خسران
ذاكَ الثراء الوفر من مجهودهم / لَم يغنهم شيئاً عَن الحدثان
وَهَل الحَياة اذا أَلَمَّت نكبة / ما يَشترى بالأصفر الرنّان
أَهُناك من نفس المساوم مانع / أَم حيل بين العير وَالنزوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
يا زهرة الشرق الَّتي قد أزهرت / حيناً كأحسن كوكب نوراني
قَد كانَ وجهك فاتني لمعانه / لَهفي عَلى لَمعانه الفتان
أَي الصروف عرا يسومك ذلة / وَهَل النجوم تذل للصرفان
الشرق لَيسَ وإن تعدد رزؤه / عَن نكبة اليابان ذا سلوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
وَلَقَد يريك الدهر في حدثانه / ما للطَبيعة فيه من سلطان
لا يسلم الإنسان من عدوانها / فالوَيل كل الوَيل للإِنسان
إِنَّ الطَبيعة لا تُسالِم أَهلها / في كل أَرض أَو بكل زَمان
تأَتي الكوارِث يتّبعن كوارثاً / فتلمُّ بالإنسان وَالحَيوان
الأرض تَحتَ المرء يَغلي جأَشها / وَينام ملء العين في اطمئنان
لَيسَ الَّذي تأَتيه عند هدوِّها / مثل الَّذي تأَتيه في الثوران
في جوفها النيران تذكو وهي لا / تنفك حول الشمس عن دوران
إِنّا من الأرض الفضاء ببقعة / لَيسَ الحَياة بها سوى حدثان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
إن الزَلازِل لا تَزال خفيَّة / أَسباب ثورتها عَن الأذهان
كثرت ظنون العقل في تَعليلها / وَالكل مفتقر إلى برهان
وَلَقَد تَكون الكَهرباء يثيرها / في الأرض طبق ظروفها القمران
الكَون نسج الكَهرباء وإنها / هي هذه الحركات في الأكوان
وَهُناك ناس جاهِلون يَرون في / أمر الزَلازل أصبع الشَيطان
وَالبَعض يزعم أن جملة أَرضه / حملت عَلى ثور له قرنان
فإذا تعمد أن يحرك قرنه / أَخذت جَميع الأرض بالرجفان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
سيهذب المستقبل الإنسانا
سيهذب المستقبل الإنسانا / حتى يَكون أبرَّ مِمّا كانا
حتى يبدل من خصومته رضىً / ومن القساوة رأفةً وحنانا
حتى يوالي غيره في أَرضه / حتى يرى كل الورى إخوانا
حتى يَكون الناس أَجمعهم يداً / تجنى الثناء وتزرع الإحسانا
حتى يكون البعض مسعد بعضهم / وَجميعهم لجميعهم أَعوانا
حتى يشيع العلم بعد نزوره / بين الوَرى فينور الأذهانا
حتى تعز الأرض بعد هوانها / وَتنال بعد خرابها عمرانا
حتى يسود الأمن في أَكنافها / حتى يعم فيسعد السكانا
حتى يكون العدل حارسها الَّذي / يحمى بفضل رجاله الأوطانا
وحكومة البلدان جمهورية / ما إن تطيع لمفردٍ سلطانا
فهناك يتخذ السلام بطبعه / بين الأنام عن الحروب مكانا
وهناك تشتهر العدالة بينهم / وتعم حتى تشمل الحيوانا
وهناك تبتسم المنى في أَوجه / صعب عليها أن ترى حرمانا
تعساً لثائرة الحروب فإنها / تردي النفوس وتتلف الأبدانا
وتؤيم النسوان من أَزواجها / في ساعة وتيتم الولدانا
لا دارنا بعد الأحبة في اللوى
لا دارنا بعد الأحبة في اللوى / دار ولا جيراننا جيرانُ
الدمع يشهد أن بالأوطان لي / شغفاً به لا تعلم الأوطان
الناس إن ثاروا فثورتهم
الناس إن ثاروا فثورتهم / عن خفة فيهم وعن أفنِ
لا يدرك الجمهور ثورته / إلا إذا انطفأت مع الزَمَن
يمشي الشعوب مهرولي
يمشي الشعوب مهرولي / نَ وإِنَّنا نَمشي الهوَينا
أَرأَيت ماذا من تَرَيْ / يُثِنا هنالك قد جنينا
أزفَ الفراق أتسمحين بقبلةٍ
أزفَ الفراق أتسمحين بقبلةٍ / يروى بها مني فمٌ ظمآنُ
أزف الفراق فقبليني مرةً / قبل الوداع فإنني حرانُ
تفديك نفسي لا تقولي ليس ذا / إبانه ما للهوى إبانُ
وسيهجر الغريد بعدك روضه / والروض منذ وعى له أوطان
أكبر بنفس قد رأت لإبائها / أنَّ البقاءَ على الشقاء هوان
إني سأحمل في فؤادٍ خافقٍ / ذكراك ما مرت بي الأزمان
قالوا سلا عمن أحبَّ فؤاده / أما السلو فإنه بهتان
ما للمتيم بعد أن قذفت به / أيدي النوى في عزلة سلوان
لم يبقَ من ماضٍ عهدناه سوى / ذكرى لها ما عندنا نسيان
وعن المناهل قد وردناها سوى / وشلٍ به لا يرتوي الصديان
طالت عليَّ من الهواجس ليلتي / هل بالصباح لليلتي إيذان
أدركت غيدان الشباب فلم يدم / ذاك الشباب وذلك الغيدان
لا بدَّ من يوم على كره به / تتفارق الأرواح والأبدان
لا شيء في الدنيا على ما بان لي
لا شيء في الدنيا على ما بان لي / كالدين محبوب إلى الإنسان
ما إن يضر الدين بعد شيوعه / ما فيه من خطأ ومن هذيان
يا أرض أنت الأم للإنسان
يا أرض أنت الأم للإنسان / يا أم ضميني إلى الأحضان
إني سئمت من الحياة وطولها / وسئمت ذكر اللَه والشيطان
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان
قد أسمعتكَ أنينها الأوطان / بضعيف صوت ملؤه الأشجانُ
مدَّت إليك يد الشكاة لأنها / قد عاث فيها الظلم والعدوان
أدرك بها الضعفاء واستعجل فقد / عزَّ النصير وقلَّت الأعوان
إن كنت تنصرها وتحمي حوضها / عن غاصبٍ فلقد أتى الإبَّانُ
أدرك بنصرك أمرَ قومِك إنهم / ظلموا فريع الشيب والشباب
وجرت دموع الحزن فوق خدودهم / وتقرحت منهم بها الأجفان
لا بدَّ من أن تستهل دموعهذ / من كان تضغط قلبه الأحزان
قد يُستدل على الحزين بدمعهِ / مثل الكتاب دليله العنوان
يا غيرةَ اللَه ابطشي بعصابة / الهاهمُ الجبروت والطغيان
فلقد أهين العدل في ديوانهِ / ولقد أهين العلم والعرفان
ولقد أهينت للمساجد حرمة / وأهين في محرابها القرآن
جعلوا الحكومة في البلاد ذريعة / للغدر حتى رجَّت البلدان
لا شيء يحظى من قلوب سراتهم / بالحب إلا الأصفر الرنان
قوم جفاة مالهم من رحمة / لو لان صخر جامدٌ ما لانوا
سلبوا القبائل مالها بوسائل / لا يستطيع كخلقها الشيطان
لم يرتضوا من بعد سلب ثرائها / إلَّا بأن تتهتك النسوان
حتى إذا وقفت عن استرضائهم / ظنوا بأن وقوفها عصيان
فتواثبوا يتصيدون رجالها / بقوى الرصاص كأنهم غزلان
وتهاربت منها البقية خشيةً / من أن تنال حياتها النيران
لم تبق في تلك الديار أمامهم / إلا نساء الحيِّ والولدان
فتفرَّق العادون بين بيوتها / وأتوا فظائع جمة وأهانوا
يا ويلها بالمال منهم ما نجت / هذا لعمر أبي هو الخسران
ويح المواطن إنها لبست بهم / ثوب الخراب فما بها عمران
محقورة في عينهم لا أهلها / أهل ولا إنسانها إنسان
تاللَه يا طمع الولاة عَرَقتنا / وأكلت ما لا يأكل الغرثان
يا عدل إنك أنت محبوب لنا / حتامَ هذا الصدُّ والهِجران
يا عدلُ ألقى الياس في أرواحنا / يا عدل منك المطلُ والليانُ
يا عدل منذ صددت عنا مالنا / يا عدل عنك بحالة سلوان
يا عدل إنا قد تفارقنا كما / تتفارق الأرواح والأبدان
يا ربّ قد شاع الفساد كما ترى / وتهدمت من دينك الأركان
يا رب قد بيعت حقوق ضعافنا / للأقوياء وحيزت الأثمان
يا ربّ ضاع الصدق بين سراتنا / يا رب عم الزُّور والبُهتان
حتامَ يختار الشقاقُ مقامه / في المسلمين وإنهم إخوان
حتام هذا الحقد بين رجالنا / حتام هذا البغض والخذلان
حتام لا تأتي النفوس صلاحها / حتام لا تتنبه الأذهان
قوم لعمري في الجهالة نوَّم / والشرُّ فيهم وحدَه يقظان
كل الأنام تقدموا في أمرهم / ونصيبنا من بينهم حرمان
انظر إلى إيران كيف تملصت / من خطة فيها أذى وهوان
جاءت بإصلاح يعلِّى شأنها / لِلّهِ ما جاءت به إيران
عمدت إلى الشورى فسنت مجلساً / فيهِ لرأي الأمة السلطان
رفعت لواء العدل فوق بلادها / حتى استوى المسكين والخاقان
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا
حَمَلت فؤاداً للفراق حزينا / فبكت فكان لها البكاء معينا
جاء الربيع وورّد الرمان
جاء الربيع وورّد الرمان / فكأنما شبت به النيران
ما اجمل الليمون يحكى غادة / جلبابها بلآلئ مزدان
لولا علاقات هنالك جمة / للحب لم تتعانق الاغصان
ولقد تفرد كالعروس بقامة / هيفاء بين المورقات البان
يا دوح لا تقفن دون السير في / وجه النسيم فانه عجلان
خلب الربيع بحسنه البابنا / ان الربيع لساحر فتان
في شرخ نيسان الجميل تفتحت / ازهاره يا حبذا نيسان
وكأنما في كل ارض جنة / تنبثّ فيها الحور والولدان
او مرقص للهو في قاعاته / تتخاصر الفتيات والفتيان
حسن الربيع بزهره فكأنما / خلعت عليه جمالها الازمان
أهو الخزام الى جوار شقيقه / ام لؤلؤ في جنبه مرجان
الورد لا تقطفه من افنانه / فاخاف ان تتألم الافنان
انظر اليه من قريب يبتسم / لك وابتسامات الحسان حسان
قد اخرجت للناس زخرفها الثرى / والسهل والآكام والوهدان
وكأنما في كل ارض عصبة / للحسن فوق رؤوسها تيجان
الشيح والقيصوم والجوريّ و / الخيريّ والنسرين والحوذان
متجمعات في منابتها معاً / فكأنهن عرائس اخدان
تلقى العرائس ثم لا تدري لمن / منها على اخواتها الرجحان
في الروض ازهار الربيع بناته / اما البنات فانهن حسان
حي الجمال فانه إما بدا / فله على كل امرئ سلطان
وكأنما زهر الربيع قصيدة / منثورة والسوسن العنوان
والجلنار كأنه الياقوت قد / حملته فوق زبرجد قضبان
والاقحوانة ثغرها متبسم / ابداً كما يتبسم الجذلان
يلوى البنفسج جيده فكأنه / بين الازاهر وحده وسنان
حمل الشقيق الى العرار بكفه / قدحا ومال كأنه نشوان
والنرجس الفياح تنظر عينه / شزراً اليه كأنه حردان
والياسمين من الصبا اذ اجهزت / يرجو الامان وما هناك امان
وارى الكنار معاتباً في حدة / للياسمين كأنه غيران
صحح ذهابك يا كنار ولا تغر / فالياسمين من الحسان حصان
والورد من جذب النسيم تشققت / منه الجبوب الخضر والاردان
في الليل قد ادجى اذا برق بدا / شهق الهزار وزغرد الكروان
الليل ساج بالدجى متجلبب / اما النهار فانه عريان
والليل ذو شكّ وان صباحه / لعلي فساد شكوكه برهان
دنيا كما تهوى النفوس جميلة / لو كان ذا ذوق بها الانسان
حبسته عن لذاته اوهامه / فهو السجين النكد والسجان
الطير فوق الدوح يخطب ثائراً / فيرج منه المنبر الفينان
ما عندليب الروض الا شاعر / في كل مورقة له ديوان
كل الازاهر حين يبدو اعين / واذا شدا فجميعها آذان
غرد يبدل نغمة من نغمة / وكذلكم يتفنن الفنان
هتفت فانصتت الطيور لصوتها / ورقاء تخفى جسمها الافنان
في جنة غناء تحت نخيلها / قد نور الليمون والرمان
البلبل الصيداح موسيقارها / فاذا شدا خرت له الاذقان
يشدو بالحان على مخضرة / غرداً فتطرب تلكم الالحان
وترنمت فوق الغدير جميلة / عصفورة اوطانها الغدران
تبدو هنالك او هنا فكأنها / طيف به لا يستقر مكان
ورد يطيح وبلبل اسوان
ورد يطيح وبلبل اسوان / ما للرياض من الخريف امان
هجرت عنادلها العشاش فاقبلت / بعد العنادل تنعب الغربان
البرد يهرو كل نابتة بها / لا الزهر مستثنى ولا الافنان
ما انت واطئه برجلك زهرة / اخنى عليها الدهر والحدثان
اصفرت الاوراق تفرق حينما / هجم الخريف كأنه ثعبان
جاء الخريف مبكراً فتجردت / في الروض من اوراقها الاغصان
قد كان ريحان وكانت روضة / واليوم لا روض ولا ريحان
هبت على الاشجار ريح صرصر / تعثو بها وكذلك العدوان
اني التفت رأيت مرأى مشجيا / او مشهداً تندى له الاعيان
فهناك ساق فارقته فروعه / وهنا فروع ما لها سيقان
ونشدت قبر العندليب فلم يكن / في الروض يجمعني به النشدان
ماذا وقوفك بالدوارس بعدما / سارت بمن تهواهم الاضعان
في كل يوم للزعازع غارة / شعواء فيها للمنايا شان
وكأنما بين الرياح شديدة / والدوح ضرب قاتل وطعان
واذا الرياح من الخريف تناوحت / فالخطب ان تتكسر الافنان
الارض امّ للنبات جميعه / ولها من الماء القراح لبان
تحيي الطبيعة ولدها وتميتهم / فلها عليهم قسوة وحنان
يا زهرة الروض الجميلة انني / لمن الفراق وويله خشيان
اني ليحزنني غموضك هكذا / ويحز قلبي طرفك الوسنان
لم يبق فيك كما عهدتك سابقاً / ذاك الرواء وذلك اللمعان
أيموت زهر الروض وهو معزز / ويعيش شوك الروض وهو مهان
ليس الفجيعة ان تلم ملمة / بالشيب بل اني هلك الشبان
يا زهرة البستان ان قصيدتي / تبكى كمن احبابه قد بانوا
ما لفظها الا دموع ثرة / اما الدموع فانها احزان
ولانت من وقع الخريف ونوئه / اسوانة يرثى لها اسوان
فرغت عيوني من دموعي في البكى / اما الفؤاد فبالأسى ملآن
ازف الفراق اتسمحين بقبلة / يروى بها مني فم ظمآن
ازف الفراق فقبليني مرة / قبل الوداع فانني حران
تفديك نفسي لا تقولي ليس ذا / إبانه ما للهوى إبان
وسيهجر الغريد بعدك روضه / والروض منذ وعى له اوطان
اكبر بنفس قد رأت لابائها / ان البقاء على الشقاء هوان
اني ساحمل في فؤاد خافق / ذكراك ما مرت بي الازمان
قالوا سلا عمن احب فؤاده / اما السلو فانه بهتان
ما للمتيم بعد ان قذفت به / ايدي النوى في عزلة سلوان
لم يبق من ماض عهدناه سوى / ذكرى لها ما عندنا نسيان
وعن المناهل قد وردناها سوى / وشل به لا يرتوي الصديان
طالت علي من الهواجس ليلتي / هل بالصباح لليلتي ايذان
ادركت غيدان الشباب فلم يدم / ذاك الشباب وذلك الغيدان
لا بد من يوم على كره به / تتفارق الارواح والابدان
قالوا امتدح فخر البرية أحمدا
قالوا امتدح فخر البرية أحمدا / بقصيدة تشدو برفعة شانه
فأجبتهم ماذا أقول بمدح من / اثنى عليه الله في فرقانه
كالشمس قد حفت بنور ساطع / ليس السواد هناك من الوانه
اكبر باصلاح اقام مناره / يهدي به والجهل في طغيانه
وبنى به رب العباد لحزبه / دينا سيظهره على اديانه
ما اسطاعت الاحداث مهما حاولت / نقضاً لركن قام من اركانه
حسب العروبة انها ارتفعت به / شأنا وعزّ الحق بعد هوانه
وتوسع الملك الذي اسطاعوا له / فتحا مبينا زاد في عمرانه
ليت العروبة حافظت في سيرها / بعد الظهور به على سلطانه
ليت الشعوب تظافرت ما بينها / لتعيد مجداً زال في ريعانه
انا لست للملأ الشتيت مكلما / ما ليس حين يهمّ في امكانه
المؤمنون وان تناءوا اخوة / والمرء محتاج الى اخوانه
ليس الحياة سوى جهاد دائم / لا تنكص الابطال عن ميدانه
ولرب امر ليس يعرف ماله / من قيمة الا لدى فقدانه
اما الكتاب فقاطع برهانه / من صدق لهجته وحسن بيانه
قد لاح وجه الحق في توحيده / عند انغماس الشرك في بطلانه
ولو انني اعملت فكري حقبة / ما زدت برهانا على برهانه
من ذا اناحتي اقوم بمدحه / بل اين شعري من علو مكانه
كم قد رددت الشعر عنه قائلا / هذا مجال لست من فرسانه
شعري كطفل قد مشى متعثراً / يهدي اليه الورد في اردانه
الشعر في معناه سر جلاله / لا في قواقيه ولا اوزانه
اما معاني ما اقول فانها / دون الذي ارمى الى احسانه
اني لمعترف بعجزي وهولي / عذر يضيق الصدر عن كتمانه
واذا امرؤ ظن الكمال لنفسه / فالظن برهان على نقصانه
يا صاحبي إني حزي
يا صاحبي إني حزي / ن في الحياة فسلني
وضللت في سيري الطري / ق إلى السرور فدلني
كثر الألى قد أبنوك دفنيا
كثر الألى قد أبنوك دفنيا / والباكيات عليك والباكونا
ما كنت تسمع يوم دفنك في الثرى / إلا نشيجا خانقا وأنينا
أكبر بيومك إنه يوم به / قد فجر الحزن العميق عيونا
يا راحلين لغير عود إننا / لا نستطيع فراقكم فخذونا
يا واردي حوض المنية قبلنا / ما أعذب الحوض الذي تردونا
سيروا خفافا إن أردتم أوقفوا / إنا على آثاركم آتونا
يا بيت آمالي انهدمت وإنما / قد كنت آمل أن تكون رصينا
ما كنت أعرف قدر شعرك قبلما / وفرت في تجديده التحسينا
لك في روايات نظمت فصولها / درجات فضل هن عليونا
قد كنت تقتحم الحساب مغامرا / حينا وتجنح للسلامة حينا