القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد شَوقي الكل
المجموع : 11
وَطَنٌ يَرُفُّ هَوىً إِلى شُبّانِهِ
وَطَنٌ يَرُفُّ هَوىً إِلى شُبّانِهِ / كَالرَوضِ رِفَّتُهُ عَلى رَيحانِهِ
هُم نَظمُ حِليَتِهِ وَجَوهَرُ عِقدِهِ / وَالعِقدُ قيمَتُهُ يَتيمُ جُمانِهِ
يَرجو الرَبيعَ بِهِم وَيَأمَلُ دَولَةً / مِن حُسنِهِ وَمِنِ اِعتِدالِ زَمانِهِ
مَن غابَ مِنهُم لَم يَغِب عَن سَمعِهِ / وَضَميرِهِ وَفُؤادِهِ وَلِسانِهِ
وَإِذا أَتاهُ مُبَشِّرٌ بِقُدومِهِم / فَمِنَ القَميصِ وَمِن شَذى أَردانِهِ
وَلَقَد يَخُصُّ النافِعينَ بِعَطفِهِ / كَالشَيخِ خَصَّ نَجيبَهُ بِحَنانِهِ
هَيهاتَ يَنسى بَذلَهُم أَرواحَهُم / في حِفظِ راحَتِهِ وَجَلبِ أَمانِهِ
وَقَفوا لَهُ دونَ الزَمانِ وَرَيبِهِ / وَمَشَت حَداثَتُهُم عَلى حَدَثانِهِ
في شِدَّةٍ نُقِلَت أَناةُ كُهولِهِ / فيها وَحِكمَتُهُم إِلى فِتيانِهِ
قُم يا خَطيبَ الجَمعِ هاتِ مِنَ الحَلي / ما كُنتَ تَنثُرُهُ عَلى آذانِهِ
فَلَطالَما أَبدى الحَنينَ لِقِسِّهِ / وَاِهتَزَّ أَشواقاً إِلى سَحبانِهِ
نادِ الشَبابَ فَلَم يَزَل لَكَ نادِياً / وَالمَرءُ ذو أَثَرٍ عَلى أَخدانِهِ
اُمدُد حُداءَكَ في النَجائِبِ تَنصَرِف / يَهوى أَعِنَّتِها إِلى تَحنانِهِ
أَلقَ النَصيحَةَ غَيرَ هائِبِ وَقعِها / لَيسَ الشُجاعُ الرَأيِ مِثلَ جَبانِهِ
قُل لِلشَبابِ زَمانُكُم مُتَحَرِّكٌ / هَل تَأخُذونَ القِسطَ مِن دَوَرانِهِ
نِمتُم عَلى الأَحلامِ تَلتَزِمونَها / كَالعالَمِ الخالي عَلى أَوثانِهِ
وَتُنازِعونَ الحَيَّ فَضلَ ثِيابِهِ / وَالمَيتَ ما قَد رَثَّ مِن أَكفانِهِ
وَلَقَد صَدَقتُم هَذِهِ الأَرضَ الهَوى / وَالحُرُّ يَصدُقُ في هَوى أَوطانِهِ
أَمَلٌ بَذَلتُم كُلَّ غالٍ دونَهُ / وَفَقَدتُمُ ما عَزَّ في وُجدانِهِ
اللَيثُ يَدفَعُكُم بِشِدَّةِ بَأسِهِ / عَنهُ وَيُطعِمُكُم بِفَرطِ لِبانِهِ
وَيُريدُ هَذا الطَيرَ حُرّاً مُطلَقاً / لَكِن بِأَعيُنِهِ وَفي بُستانِهِ
أَوفَدتُمُ وَفداً وَأَوفَدَ رَبُّكُم / مَعَهُ العِنايَةَ فَهيَ مِن أَعوانِهِ
العَصرُ حُرٌّ وَالشُعوبُ طَليقَةً / ما لَم يَحُزها الجَهلُ في أَرسانِهِ
فاضَ الزَمانُ مِنَ النُبوغِ فَهَل فَتى / غَمَرَ الزَمانَ بِعِلمِهِ وَبَيانِهِ
أَينَ التِجارَةَ وَهيَ مِضمارُ الغِنى / أَينَ الصِناعَةُ وَهيَ وَجهُ عَنانِهِ
أَينَ الجَوادُ عَلى العُلومِ بِمالِهِ / أَينَ المُشارِكُ مِصرَ في فِدانِهِ
أَينَ الزِراعَةُ في جِنانٍ تَحتَكُم / كَخَمائِلِ الفِردَوسِ أَو كَجِنانِهِ
أَإِذا أَصابَ القُطنَ كاسِدُ سوقِهِ / قُمنا عَلى ساقٍ إِلى أَثمانِهِ
يا مَن لِشَعبٍ رُزؤُهُ في مالِهِ / أَنساهُ ذِكرَ مُصابِهِ بِكَيانِهِ
المُلكُ كانَ وَلَم يَكُن قُطنٌ فَلَم / يُغلَب أُبُوَّتُنا عَلى عُمرانِهِ
الفاطِمِيَّةُ شُيِّدَت مِن عِزِّهِ / وَبَنى بَنو أَيّوبَ مِن سُلطانِهِ
بِالقُطنِ لَم يَرفَع قَواعِدَ مُلكِهِ / فِرعَونُ وَالهَرَمانُ مِن بُنيانِهِ
لَكِن بِأَوَّلِ زارِعٍ نَقَضَ الثَرى / بِذَكائِهِ وَأَثارِهِ بِبَنانِهِ
وَبِكُلِّ مُحسِنِ صَنعَةٍ في دَهرِهِ / تَتَعَجَّبُ الأَجيالُ مِن إِتقانِهِ
وَبِهِمَّةٍ في كُلِّ نَفسٍ حَلَّقَت / في الجَوِّ وَاِرتَفَعَت عَلى كَيوانِهِ
مَلِكٌ مِنَ الأَخلاقِ كانَ بِناؤُهُ / مِن نَحتِ أَوَّلِكُم وَمِن صَوّانِهِ
فَأتوا الهَياكِلَ إِن بَنَيتُم وَاِقبُسوا / مِن عَرشِهِ فيها وَمِن تيجانِهِ
سِر يا صَليبَ الرِفقِ في ساحِ الوَغى
سِر يا صَليبَ الرِفقِ في ساحِ الوَغى / وَاِنشُر عَلَيها رَحمَةً وَحَنانا
وَاِدخِل عَلى المَوتِ الصُفوفَ مُواسِياً / وَأَعِن عَلى آلامِهِ الإِنسانا
وَاِلمُس جِراحاتِ البَرِيَّةِ شافِياً / ما كُنتَ إِلّا لِلمَسيحِ بَنانا
وَإِذا الوَطيسُ رَمى الشَبابَ بِنارِهِ / خُض كَالخَليلِ إِلَيهُمُ النيرانا
وَاِجعَل وَسيلَتَكَ المَسيحَ وَأُمَّهُ / وَاِضرَع وَسَل في خَلقِهِ الرَحمانا
اللَهُ جارُكَ في عَوانٍ لَم تَهَب / لِلَّهِ لا بِيَعاً وَلا صُلبانا
وَسَلِمتَ يا حَرَمَ المَعارِكِ مِن يَدٍ / هَدَمَت لِسِلمِ العالَمينَ كَيانا
يا أَهلَ مِصرَ رَمى القَضاءُ بِلُطفِهِ / وَأَرادَ أَمراً بِالبِلادِ فَكانا
إِنَّ الَّذي أَمرُ المَمالِكِ كُلِّها / بِيَدَيهِ أَحدَثَ في الكِنانَةِ شانا
أَبقى عَلَيها عَرشَها في بُرهَةٍ / تَرمي العُروشَ وَتَنثُرُ التيجانا
وَكَسا البِلادَ سَكينَةً مِن أَهلِها / وَوَقى مِنَ الفِتَنِ العِبادَ وَصانا
أَوَما تَرَونَ الأَرضَ خُرِّبَ نِصفُها / وَدِيارُ مِصرٍ لا تَزالُ جِنانا
يَرعى كَرامَتَها وَيَمنَعُ حَوضَها / جَيشٌ يَعافُ البَغيَ وَالعُدوانا
كَجُنودِ عَمروٍ أَينَما رَكَزوا القَنا / عَفّوا يَداً وَمُهَنَّداً وَسِنانا
إِنَّ الشُجاعَ هُوَ الجَبانُ عَنِ الأَذى / وَأَرى الجَريءَ عَلى الشُرورِ جَبانا
أُمَمُ الحَضارَةِ أَنتُمُ آباؤُنا / مِنكُم أَخَذنا العِلمَ وَالعِرفانا
رَقَّت لَكُم مِنّا القُلوبُ كَأَنَّما / جَرحاكُمُ يَومَ الوَغى جَرحانا
وَمِنَ المُروءَةِ وَهيَ حائِطُ دينِنا / أَن نَذكُرَ الإِصلاحَ وَالإِحسانا
وَلَئِن غَزاكُم مِن ذَوينا مَعشَرٌ / فَلَرُبَّ إِخوانٍ عَزَوا إِخوانا
حَتّى إِذا الشَحناءُ نامَت بَينَهُم / لَم يَعرِفوا الأَحقادَ وَالأَضغانا
دَرَجَت عَلى الكَنزِ القُرون
دَرَجَت عَلى الكَنزِ القُرون / وَأَتَت عَلى الدَنِّ السُنون
خَيرُ السُيوفِ مَضى الزَما / نُ عَلَيهِ في خَيرِ الجُفون
في مَنزِلٍ كَمُحَجَّبِ ال / غَيبِ اِستَسَرَّ عَنِ الظُنون
حَتّى أَتى العِلمُ الجَسو / رُ فَفَضَّ خاتَمَهُ المَصون
وَالعِلمُ بَدرِيٌّ أُحِل / لَ لِأَهلِهِ ما يَصنَعون
هَتَكَ الحِجالَ عَلى الحَضا / رَةِ وَالخُدورَ عَلى الفُنون
وَاِندَسَّ كَالمِصباحِ في / حُفَرٍ مِنَ الأَجداثِ جون
حُجَرٌ مُمَرَّدَةُ المَعا / قِلِ في الثَرى شُمُّ الحُصون
لا تَهتَدي الريحُ الهَبو / بُ لَها وَلا الغَيثُ الهَتون
خانَت أَمانَةَ جارِها / وَالقَبرُ كَالدُنيا يَخون
يا اِبنَ الثَواقِبِ مِن رَعٍ / وَاِبنَ الزَواهِرِ مِن أَمون
نَسَبٌ عَريقٌ في الضُحى / بَذَّ القَبائِلَ وَالبُطون
أَرَأَيتَ كَيفَ يَثوبُ مِن / غَمرِ القَضاءِ المُغرَقون
وَتَدولُ آثارُ القُرو / نِ عَلى رَحى الزَمَنِ الطَحون
حُبُّ الخُلودِ بَنى لَكُم / خُلُقاً بِهِ تَتَفَرَّدون
لَم يَأخُذِ المُتَقَدِّمو / نَ بِهِ وَلا المُتَأَخِّرون
حَتّى تَسابَقتُم إِلى الإِح / سانِ فيما تَعمَلون
لَم تَترُكوهُ في الجَلي / لِ وَلا الحَقيرِ مِنَ الشُؤون
هَذا القِيامُ فَقُل لنا ال / يَومُ الأَخيرُ مَتى يَكون
البَعثُ غايَةُ زائِلٍ / فانٍ وَأَنتُم خالِدون
السَبقُ مِن عاداتِكُم / أَتُرى القِيامَةَ تَسبِقون
أَنتُم أَساطينُ الحَضا / رَةِ وَالبُناةُ المُحسِنون
المُتقِنونَ وَإِنَّما / يُجزى الخُلودَ المُتقِنون
أَنَزَلتَ حُفرَةَ هالِكٍ / أَم حُجرَةَ المَلِكِ المَكين
أَم في مَكانٍ بَينَ ذَ / لِكَ يُدهِشُ المُتَأَمِّلين
هُوَ مِن قُبورِ المُتلَفي / نَ وَمِن قُصورِ المُترَفين
لَم يَبقَ غالٍ في الحَضا / رَةِ لَم يَحُزهُ وَلا ثَمين
مَيتٌ تُحيطُ بِهِ الحَيا / ةُ زَمانُهُ مَعَهُ دَفين
وَذَخائِرٌ مِن أَعصُرٍ وَل / لَت وَمِن دُنيا وَدين
حَمَلَت عَلى العَجَبِ الزَما / نَ وَأَهلَهُ المُستَكبِرين
فَتَلَفَّتَت باريسُ تَح / سَبُ أَنَّها صُنعُ البَنين
ذَهَبٌ بِبَطنِ الأَرضِ لَم / تَذهَب بِلَمحَتِهِ القُرون
اِستَحدَثَت لَكَ جَندَلاً / وَصَفائِحاً مِنهُ القُيون
وَنَواوِساً وَهّاجَةً / لَم يَتَّخِذها الهامِدون
لَو يَفطُنُ المَوتى لَها / سَرَحوا الأَنامِلَ يَنبِشون
وَتَنازَعوا الذَهَبَ الَّذي / كانوا لَهُ يَتَفاتَنون
أَكفانُ وَشيٍ فُصِّلَت / بِرَقائِقِ الذَهَبِ الفَتين
قَد لَفَّها لَفَّ الضِما / دِ مُحَنِّطٌ آسٍ رَزين
وَكَأَنَّهُنَّ كَمائِمٌ / وَكَأَنَّكَ الوَردُ الجَنين
وَبِكُلِّ رُكنٍ صورَةٌ / وَبِكُلِّ زاوِيَةٍ رَقين
وَتَرى الدُمى فَتَخالُها اِن / تَثَرَت عَلى جَنَباتِ زون
صُوَرٌ تُريكَ تَحَرُّكاً / وَالأَصلُ في الصُوَرِ السُكون
وَيَمُرُّ رائِعُ صَمتِها / بِالحِسِّ كَالنُطقِ المُبين
صَحِبَ الزَمانَ دِهانُها / حيناً عَهيداً بَعدَ حين
غَضٌّ عَلى طولِ البِلى / حَيٌّ عَلى طولِ المَنون
خَدَعَ العُيونَ وَلَم يَزَل / حَتّى تَحَدّى اللامِسين
غِلمانُ قَصرِك في الرِكا / بِ يُناوِلونَ وَيَطرَدون
وَالبوقُ يَهتِفُ وَالسِها / مُ تَرِنُّ وَالقَوسُ الحَنون
وَكِلابُ صَيدِكَ لُهَّثٌ / وَالخَيلُ جُنَّ لَها جُنون
وَالوَحشُ تَنفُرُ في السُهو / لِ وَتارَةً تَثِبُ الحُزون
وَالطَيرُ تَرسُفُ في الجِرا / حِ وَفي مَناقِرِها أَنين
وَكَأَنَّ آباءَ البَرِي / يَةِ في المَدائِنِ مُحضَرون
وَكَأَنَّ دَولَةَ آلِ شَم / سٍ عَن شِمالِكَ وَاليَمين
مَلِكَ المُلوكِ تَحِيَّةً / وَوَلاءَ مُحتَفِظٍ أَمين
هَذا المُقامُ عَرَفتُهُ / وَسَبَقتُ فيهِ القائِلين
وَوَقَفتُ في آثارِكُم / أَزِنُ الجَلالَ وَأَستَبين
وَبَنَيتُ في العِشرينَ مِن / أَحجارِها شِعري الرَصين
سالَت عُيونُ قَصائِدي / وَجَرى مِنَ الحَجَرِ المَعين
أَقعَدتُ جيلاً لِلهَوى / وَأَقَمتُ جيلاً آخَرين
كُنتُم خَيالَ المَجدِ يُر / فَعُ لِلشَبابِ الطامِحين
وَكَم اِستَعَرتَ جَلالَكُم / لِمُحَمَّدٍ وَالمالِكين
تاجٌ تَنَقَّلَ في الخَيا / لِ فَما اِستَقَرَّ عَلى جَبين
خَرَزاتُهُ السَيفُ الصَقي / لُ يَشُدُّهُ الرُمحُ السَنين
قُل لي أَحينَ بَدا الثَرى / لَكَ هَل جَزِعتَ عَلى العَرين
آنَستَ مُلكاً لَيسَ بِالشا / كي السِلاحِ وَلا الحَصين
البَرُّ مَغلوبُ القَنا / وَالبَحرُ مَسلوبُ السَفين
لَمّا نَظَرتَ إِلى الدِيا / رِ صَدَفتَ بِالقَلبِ الحَزين
لَم تَلقَ حَولَكَ غَيرَ كَر / تَرَ وَالنِطاسِيِّ المُعين
أَقبَلتَ مِن حُجُبِ الجَلا / لِ عَلى قَبيلٍ مُعرِضين
تاجُ الحَضارَةِ حينَ أَش / رَقَ لَم يَجِدهُم حافِلين
وَاللَهُ يَعلَمُ لَم يَرَو / هُ مِن قُرونٍ أَربَعين
قَسَماً بِمَن يُحيي العِظا / مَ وَلا أَزيدُكَ مِن يَمين
لَو كانَ مِن سَفَرٍ إِيا / بُكَ أَمسِ أَو فَتحٍ مُبين
أَو كانَ بَعثُكَ مِن دَبي / بِ الروحِ أَو نَبضِ الوَتين
وَطَلَعتَ مِن وادي المُلو / كِ عَلَيكَ غارُ الفاتِحين
الخَيلُ حَولَكَ في الجِلا / لِ العَسجَدِيَّةِ يَنثَنين
وَعَلى نِجادِكَ هالَتا / نِ مِنَ القَنا وَالدارِعين
وَالجُندُ يَدفَعُ في رِكا / بِكَ بِالمُلوكِ مُصَفَّدين
لَرَأَيتَ جيلاً غَيرَ جي / لِكَ بِالجَبابِرِ لا يَدين
وَرَأَيتَ مَحكومينَ قَد / نَصَبوا وَرَدّوا الحاكِمين
روحُ الزَمانِ وَنَظمُهُ / وَسَبيلُهُ في الآخَرين
إِنَّ الزَمانَ وَأَهلَهُ / فَرَغا مِنَ الفَردِ اللَعين
فَإِذا رَأَيتَ مَشايِخاً / أَو فِتيَةً لَكَ ساجِدين
لاقِ الزَمانَ تَجِدهُمو / عَن رَكبِهِ مُتَخَلِّفين
هُم في الأَواخِرِ مَولِداً / وَعُقولُهُم في الأَوَّلين
مَن صَوَّرَ السِحرَ المُبينَ عُيوناً
مَن صَوَّرَ السِحرَ المُبينَ عُيوناً / وَأَحَلَّهُ حَدَقاً وَجُفونا
نَظَرَت فَحُلتُ بِجانِبي فَاِستَهدَفَت / كَبِدي وَكانَ فُوادِيَ المَغبونا
وَرَمَت بِسَهمٍ جالَ فيهِ جَولَةً / حَتّى اِستَقَرَّ فَرَنَّ فيهِ رَنينا
فَلَمَستُ صَدري موجِساً وَمُرَوَّعاً / وَلَمَستُ جَنبي مُشفِقاً وَضَنينا
يا قَلبُ إِنَّ مِنَ البَواتِرِ أَعيُناً / سوداً وَإِنَّ مِنَ الجَآذِرِ عينا
لا تَأخُذَنَّ مِنَ الأُمورِ بِظاهِرٍ / إِنَّ الظَواهِرَ تَخدَعُ الرائينا
فَلَكَم رَجَعتُ مِنَ الأَسِنَّةِ سالِماً / وَصَدَرتُ عَن هيفِ القُدودِ طَعينا
وَخَميلَةٍ فَوقَ الجَزيرَةِ مَسَّها / ذَهَبُ الأَصيلِ حَواشِياً وَمُتونا
كَالتِبرِ أُفقاً وَالزَبَرجَدِ رَبوَةً / وَالمِسكِ تُرباً وَاللُجَينِ مَعينا
وَقَفَ الحَيا مِن دونِها مُستَأذِناً / وَمَشى النَسيمُ بِظِلِّها مَأذونا
وَجَرى عَلَيها النيلُ يَقذِفُ فَضَّةً / نَثراً وَيَكسِرُ مَرمَراً مَسنونا
يُغري جَوارِيَهُ بِها فَيَجِئنَها / وَيُغيرُهُنَّ بِها فَيَستَعلينا
راعَ الظَلامُ بِها أَوانِسَ تَرتَمي / مِثلَ الظِباءِ مِنَ الرُبى يَهوينا
يَخطُرنَ في ساحِ القُلوبِ عَوالِياً / وَيَمِلنَ في مَرأى العُيونِ غُصونا
عِفنَ الذُيولِ مِنَ الحَريرِ وَغَيرِهِ / وَسَحَبنَ ثَمَّ الآسَ وَالنَسرينا
عارَضتُهُنَّ وَلي فُؤادٌ عُرضَةٌ / لِهَوى الجَآذِرِ دانَ فيهِ وَدينا
فَنَظَرنَ لا يَدرينَ أَذهَبُ يَسرَةً / فَيَحِدنَ عَنّي أَم أَميلُ يَمينا
وَنَفَرنَ مِن حَولي وَبَينَ حَبائِلي / كَالسِربِ صادَفَ في الرَواحِ كَمينا
فَجَمَعتُهُنَّ إِلى الحَديثِ بَدَأتُهُ / فَغَضِبنَ ثُمَّ أَعَدتُهُ فَرَضينا
وَسَمِعتُ مَن أَهوى تَقولُ لِتُربِها / أَحرى بِأَحمَدَ أَن يَكونَ رَزينا
قالَت أَراهُ عِندَ غايَةِ وَجدِهِ / فَلَعَلَّ لَيلى تَرحَمُ المَجنونا
يا حُسنَهُ بَينَ الحِسان
يا حُسنَهُ بَينَ الحِسان / في شَكلِهِ إِن قيلَ بان
كَالبَدرِ تَأخُذُهُ العُيو / نُ وَما لَهُنَّ بِهِ يَدان
مَلَكَ الجَوانِحَ وَالفُوا / دَ فَفي يَدَيهِ الخافِقان
وَمُنايَ مِنهُ نَظرَةٌ / فَعَسى يُشيرُ الحاجِبان
فَعَسى يُزَكّي حُسنَهُ / مَن لا لَهُ في الحُسنِ ثان
فَدَعوهُ يَعدِلُ أَو يَجو / رُ فَإِنَّهُ مَلَكَ العِنان
حَقَّ الدَلالُ لِمَن لَهُ / في كُلِّ جارِحَةٍ مَكان
يا ناعِماً رَقَدَت جُفونُهُ
يا ناعِماً رَقَدَت جُفونُهُ / مُضناكَ لا تَهدا شُجونُهُ
حَمَلَ الهَوى لَكَ كُلَّهُ / إِن لَم تُعِنهُ فَمَن يُعينُهُ
عُد مُنعِماً أَو لا تَعُد / أَودَعتَ سِرَّكَ مَن يَصونُهُ
بَيني وَبَينَكَ في الهَوى / سَبَبٌ سَيَجمَعُنا مَتينُهُ
رَشَأٌ يُعابُ الساحِرو / نَ وَسِحرُهُم إِلّا جُفونُهُ
الروحُ مِلكُ يَمينِهِ / يَفديهِ ما مَلَكَت يَمينُهُ
ما البانُ إِلّا قَدُّهُ / لَو تَيَّمَت قَلباً غُصونُهُ
وَيَزينُ كُلَّ يَتيمَةٍ / فَمُهُ وَتَحسَبُها تَزينُهُ
ما العُمرُ إِلّا لَيلَةً / كانَ الصَباحَ لَها جَبينُهُ
باتَ الغَرامُ يَدينُنا / فيها كَما بِتنا نُدينُهُ
بَينَ الرَقيبِ وَبَينَنا / وادٍ تُباعِدُهُ حُزونُهُ
نَغتابُهُ وَنَقولُ لا / بَقِيَ الرَقيبُ وَلا عُيونُهُ
المَشرِقانِ عَلَيكَ يَنتَحِبانِ
المَشرِقانِ عَلَيكَ يَنتَحِبانِ / قاصيهُما في مَأتَمٍ وَالداني
يا خادِمَ الإِسلامِ أَجرُ مُجاهِدٍ / في اللَهِ مِن خُلدٍ وَمِن رِضوانِ
لَمّا نُعيتَ إِلى الحِجازِ مَشى الأَسى / في الزائِرينَ وَرُوِّعَ الحَرَمانِ
السِكَّةُ الكُبرى حِيالَ رُباهُما / مَنكوسَةُ الأَعلامِ وَالقُضبانِ
لَم تَألُها عِندَ الشَدائِدِ خِدمَةً / في اللَهِ وَالمُختارِ وَالسُلطانِ
يا لَيتَ مَكَّةَ وَالمَدينَةَ فازَتا / في المَحفِلَينِ بِصَوتِكَ الرَنّانِ
لِيَرى اَلأَواخِرُ يَومَ ذاكَ وَيَسمَعوا / ما غابَ مِن قُسٍّ وَمِن سَحبانِ
جارَ التُرابِ وَأَنتَ أَكرَمُ راحِلٍ / ماذا لَقيتَ مِنَ الوُجودِ الفاني
أَبكي صِباكَ وَلا أُعاتِبُ مَن جَنى / هَذا عَلَيهِ كَرامَةً لِلجاني
يَتَساءَلونَ أَبِالسُلالِ قَضَيتَ أَم / بِالقَلبِ أَم هَل مُتَّ بِالسَرطانِ
اللَهُ يَشهَدُ أَنَّ مَوتَكَ بِالحِجا / وَالجِدِّ وَالإِقدامِ وَالعِرفانِ
إِن كانَ لِلأَخلاقِ رُكنٌ قائِمٌ / في هَذِهِ الدُنيا فَأَنتَ الباني
بِاللَهِ فَتِّش عَن فُؤادِكَ في الثَرى / هَل فيهِ آمالٌ وَفيهِ أَماني
وِجدانُكَ الحَيُّ المُقيمُ عَلى المَدى / وَلَرُبَّ حَيٍّ مَيتِ الوِجدانِ
الناسُ جارٍ في الحَياةِ لِغايَةٍ / وَمُضَلَّلٌ يَجري بِغَيرِ عِنانِ
وَالخُلدُ في الدُنيا وَلَيسَ بِهَيِّنٍ / عُليا المَراتِبِ لَم تُتَح لِجَبانِ
فَلَو أَنَّ رُسلَ اللَهِ قَد جَبَنوا لَما / ماتوا عَلى دينٍ مِنَ الأَديانِ
المَجدُ وَالشَرَفُ الرَفيعُ صَحيفَةٌ / جُعِلَت لَها الأَخلاقُ كَالعُنوانِ
وَأَحَبُّ مِن طولِ الحَياةِ بِذِلَّةٍ / قِصَرٌ يُريكَ تَقاصُرَ الأَقرانِ
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ / إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها / فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
لِلمَرءِ في الدُنيا وَجَمِّ شُؤونِها / ما شاءَ مِن رِبحٍ وَمِن خُسرانِ
فَهيَ القَضاءُ لِراغِبٍ مُتَصَلِّعٍ / وَهيَ المَضيقُ لِمُؤثِرِ السُلوانِ
الناسُ غادٍ في الشَقاءِ وَرائِحٌ / يَشقى لَهُ الرُحَماءُ وَهوَ الهاني
وَمُنَعَّمٌ لَم يَلقَ إِلّا لَذَّةً / في طَيِّها شَجَنٌ مِنَ الأَشجانِ
فَاِصبِر عَلى نُعمى الحَياةِ وَبُؤسِها / نُعمى الحَياةِ وَبُؤسِها سِيّانِ
يا طاهِرَ الغَدَواتِ وَالرَوحاتِ وَال / خَطَراتِ وَالإِسرارِ وَالإِعلانِ
هَل قامَ قَبلَكَ في المَدائِنِ فاتِحٌ / غازٍ بِغَيرِ مُهَنَّدٍ وَسِنانِ
يَدعو إِلى العِلمِ الشَريفِ وَعِندَهُ / أَنَّ العُلومَ دَعائِمُ العُمرانِ
لَفّوكَ في عَلَمِ البِلادِ مُنَكَّساً / جَزِعَ الهِلالُ عَلى فَتى الفِتيانِ
ما اِحمَرَّ مِن خَجَلٍ وَلا مِن ريبَةٍ / لَكِنَّما يَبكي بِدَمعٍ قاني
يُزجونَ نَعشَكَ في السَناءِ وَفي السَنا / فَكَأَنَّما في نَعشِكَ القَمَرانِ
وَكَأَنَّهُ نَعشُ الحُسَينِ بِكَربُلا / يَختالُ بَينَ بُكاً وَبَينَ حَنانِ
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَبِرِّهِ / ما ضَمَّ مِن عُرفٍ وَمِن إِحسانِ
وَمَشى جَلالُ المَوتِ وَهوَ حَقيقَةٌ / وَجَلالُكَ المَصدوقُ يَلتَقِيانِ
شَقَّت لِمَنظَرِكَ الجُيوبَ عَقائِلٌ / وَبَكَتكَ بِالدَمعِ الهَتونِ غَواني
وَالخَلقُ حَولَكَ خاشِعونَ كَعَهدِهِم / إِذ يُنصِتونَ لِخُطبَةٍ وَبَيانِ
يَتَساءَلونَ بِأَيِّ قَلبٍ تُرتَقى / بَعدَ المَنابِرِ أَم بِأَيِّ لِسانِ
لَو أَنَّ أَوطاناً تُصَوَّرُ هَيكَلاً / دَفَنوكَ بَينَ جَوانِحِ الأَوطانِ
أَو كانَ يُحمَلُ في الجَوارِحِ مَيِّتٌ / حَمَلوكَ في الأَسماعِ وَالأَجفانِ
أَو صيعَ مِن غُرِّ الفَضائِلِ وَالعُلا / كَفَنٌ لَبِستَ أَحاسِنَ الأَكفانِ
أَو كانَ لِلذِكرِ الحَكيمِ بَقِيَّةٌ / لَم تَأتِ بَعدُ رُثيتَ في القُرآنِ
وَلَقَد نَظَرتُكَ وَالرَدى بِكَ مُحدِقٌ / وَالداءُ مِلءُ مَعالِمِ الجُثمانِ
يَبغي وَيَطغى وَالطَبيبُ مُضَلَّلٌ / قَنِطٌ وَساعاتُ الرَحيلِ دَواني
وَنَواظِرُ العُوّادِ عَنكَ أَمالَها / دَمعٌ تُعالِجُ كَتمَهُ وَتُعاني
فَلَوَ اَنَّ بِالهَرَمَينِ مِن عَزَماتِهِ / بَعضَ المَضاءِ تَحَرَّكَ الهَرَمانِ
عَلَّمتَ شُبّانَ المَدائِنِ وَالقُرى / كَيفَ الحَياةُ تَكونُ في الشُبّانِ
مِصرُ الأَسيفَةُ ريفُها وَصَعيدُها / قَبرٌ أَبَرُّ عَلى عِظامِكَ حاني
أَقسَمتُ أَنَّكَ في التُرابِ طَهارَةٌ / مَلَكٌ يَهابُ سُؤالَهُ المَلَكانِ
أَوحَت لِطَرفِكَ فَاِستَهَلَّ شُؤونا
أَوحَت لِطَرفِكَ فَاِستَهَلَّ شُؤونا / دارٌ مَرَرتَ بِها عَلى قَيسونا
غاضَت بَشاشَتُها وَقَضَّت شَملَها / دُنيا تَغُرُّ السادِرَ المَفتونا
نَزَلَت عَوادِيَ الدَهرِ في ساحاتِها / وَأَقَلَّ رَفرَفِها الخُطوبَ العونا
فَتَكادُ مِن أَسَفٍ عَلى آسي الحِمى / مِن كُلِّ ناحِيَةٍ تَثورُ شُجونا
تِلكَ العِيادَةُ لَم تَكُن عَبَثاً وَلا / شَرَكاً لِصَيدِ مَآرِبٍ وَكَمينا
دارُ اِبنِ سينا نُزِّهَت حُجُراتُها / عَن أَن تَضُمَّ ضَلالَةً وَمُجونا
خَبَتِ المَطالِعُ مِن أَغَرِّ مُؤَمَّلٍ / كَالفَجرِ ثَغراً وَالصَباحِ جَبينا
وَمِنَ الوُفودِ كَأَنَّهُم مِن حَولِهِ / مَرضى بِعيسى الروحِ يَستَشفونا
مَثَلٌ تَصَوَّرَ مِن حَياةٍ حُرَّةٍ / لِلنَشءِ يَنطِقُ في السُكوتِ مُبينا
لَم تُحصَ مِن عَهدِ الصِبا حَرَكاتُهُ / وَتَخالُهُنَّ مِنَ الخُشوعِ سُكونا
جَمَحَت جِراحُ المُعوِزينَ وَأَعضَلَت / أَدواؤُهُم وَتَغَيَّبَ الشافونا
ماتَ الجَوادُ بِطِبِّهِ وَبِأَجرِهِ / وَلَرُبَّما بَذَلَ الدَواءَ مُعينا
وَتَجُسُّ راحَتُهُ العَليلَ وَتارَةً / تَكسو الفَقيرَ وَتُطعِمُ المِسكينا
أَدّى أَمانَةَ عِلمِهِ وَلَطالَما / حَمَلَ الصَداقَةَ وافِياً وَأَمينا
وَقَضى حُقوقَ الأَهلِ يُحسِنُ تارَةً / بِأَبيهِ أَو يَصِلُ القَرابَةَ حينا
خُلُقٌ وَدينٌ في زَمانٍ لا نَرى / خُلُقاً عَلَيهِ وَلا تُصادِفُ دينا
أَمُداوِيَ الأَرواحِ قَبلَ جُسومِها / قُم داوِ فيكَ فُؤادِيَ المَحزونا
رَوِّح بِلَفظِكَ كُلَّ روحِ مُعَذَّبٍ / حَيرانَ طارَ بِلُبِّهِ الناعونا
قَد كالَ لِلقَدَرِ العِتابَ وَرُبَّما / ظَنَّ المُدَلَّهُ بِالقَضاءِ ظُنونا
داوَيتَ كُلَّ مُحَطَّمٍ فَشَفَيتَهُ / وَنَسيتَ داءً في الضُلوعِ دَفينا
كَبِدٌ عَلى دَمِها اِتَّكَأتَ وَلَحمِها / فَحَمَلتَ هَمَّ المُسلِمينَ سِنيا
ظَلَّت وَراءَ الحَربِ تَشقى بِالنَوى / وَتَذوبُ لِلوَطَنِ الكَريمِ حَنينا
ناصَرتَ في فَجرِ القَضِيَّةِ مُصطَفى / فَنَصَرتَ خُلُقاً في الشَبابِ مَتينا
أَقدَمتَ في العِشرينَ تَحتَ لِوائِهِ / وَرَوائِعُ الإِقدامِ في العِشرينا
لَم تَبغِ دُنيا طالَما أَغضى لَها / حُمسُ الدُعاةِ وَطَأطَؤوا العِرنينا
رُحماكَ يوسُفُ قِف رِكابَكَ ساعَةً / وَاِعطِف عَلى يَعقوبَ فيهِ حَزينا
لَم يَدرِ خَلفَ النَعشِ مِن حَرِّ الجَوى / أَيَشُقُّ جَيباً أَم يَشُقُّ وَتينا
ساروا بِمُهجَتِهِ فَحُمِّلَ ثُكلَها / وَقَضَوا بِعائِلِهِ فَمالَ غَبينا
أَتَعودُ في رَكبِ الرَبيعِ إِذا اِنثَنى / بَهِجاً يَزُفُّ الوَردَ وَالنِسرينا
هَيهاتَ مِن سَفَرِ المَنِيَّةِ أَوبَةٌ / حَتّى يُهيبَ الصُبحُ بِالسارينا
وَيُقالُ لِلأَرضِ الفَضاءِ تَمَخَّضي / فَتَرُدُّ شَيخاً أَو تَمُجُّ جَنينا
اللَهُ أَبقى أَينَ مِن جَسَدي يَدٌ / لَم أَنسَ رِفقَ بَنانِها وَاللينا
حَتّى تَمَثَّلَتِ العِنايَةُ صورَةً / تومي بِراحٍ أَو تُجيلُ عُيونا
فَجَرَرتُ جُثماني وَهانَت كُربَةٌ / لَولا اِعتِناؤُكَ لَم تَكُن لِتَهونا
إِنَّ الشِفاءَ مِنَ الحَياةِ وَعَونِها / ما كانَ آسَ بِالشِفاءِ ضَمينا
وَاليَومَ أَرتَجِلُ الرِثاءَ وَأَنزَوي / في مَأتَمٍ أَبكي مَعَ الباكينا
سُبحانَ مَن يَرِثُ الطَبيبَ وَطِبِّهِ / وَيُري المَريضَ مَصارِعَ الآسينا
قَد وَدَّ نوحٌ أَن يُباسِطَ قَومَهُ
قَد وَدَّ نوحٌ أَن يُباسِطَ قَومَهُ / فَدَعا إِلَيهِ مَعاشِرَ الحَيوانِ
وَأَشارَ أَن يَلِيَ السَفينَةَ قائِدٌ / مِنهُم يَكونُ مِنَ النُهى بِمَكانِ
فَتَقَدَّمَ اللَيثُ الرَفيعُ جَلالُهُ / وَتَعَرَّضَ الفيلُ الفَخيمُ الشانِ
وَتَلاهُما باقي السِباعِ وَكُلهُم / خَرّوا لِهَيبَتِهِ إِلى الأَذقانِ
حَتّى إِذا حَيّوا المُؤَيَّدَ بِالهُدى / وَدَعَوا بِطولِ العِزِّ وَالإِمكانِ
سَبَقَتهُمُ لِخِطابِ نوحٍ نَملَةٌ / كانَت هُناكَ بِجانِبِ الأَردانِ
قالَت نَبِيَّ اللَهِ أَرضى فارِسٌ / وَأَنا يَقيناً فارِسُ المَيدانِ
سَأُديرُ دِفَّتَها وَأَحمي أَهلَها / وَأَقودُها في عِصمَةٍ وَأَمانِ
ضَحِكَ النَبِيُّ وَقالَ إِنَّ سَفينَتي / لَهِيَ الحَياةُ وَأَنتِ كَالإِنسانِ
كُلُّ الفَضائِلِ وَالعَظائِمِ عِندَهُ / هُوَ أَوَّلٌ وَالغَيرُ فيها الثاني
وَيَوَدُّ لَو ساسَ الزَمانَ وَمالَهُ / بِأَقَل أَشغالِ الزَمانِ يَدانِ
سألوا أمينا كيف يبكى الناى في
سألوا أمينا كيف يبكى الناى في / يده ويستبكى الملا بشجونه
فأجاب خِلى لا عدمت وداده / أبكى على عينى بكل عيونه
لله أنت مؤلفا ومدوِّنا
لله أنت مؤلفا ومدوِّنا / وجليل سفرك منشئا ومعنونا
فيه الجواهر قد عُرفن وإنما / قبل الجواهر قد عرفنا المعدنا
زينت معناه بلفظك شائقا / وأتيت بالمعنى للفظك أزينا
وملأته من حكمة وفكاهة / وجلوته مثل الرياض وأحسنا
وهو كالندىِّ وأنت بين سطوره / ملك الحديث تنقلا وتفننا
أو تلك جنات البيان تفجرت / فيها المعارف للبصائر أعينا
والعلم ليس بكامل في حسنه / حتى يصيب من البيان محسِّنا
ويكاد قارئه لكل عبارة / يزداد إِنسانية وتمدنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025