المجموع : 3
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا / خَطْبٌ أَنَاخَ بكَلْكَلٍ وأَقَامَا
أَخْلَى الكِنَانَةَ مِنْ أَمَرِّ سِهَامِها / عُوداً وَرَاع النِيلَ والأَهْرَاما
وعدَا عَلَى رَوْضِ الشَّبَابِ وظِلِّهِ / فَغَدَا بِه رَوْضُ الشَّبَابِ حُطَاما
غُصْنَان هَزهُمَا الصِّبَا فتَمَايلا / وسَقَاهُما الأَمَلُ الرَّوِيُّ جِمَاما
نَجْمان غالهُما الزَّمانُ فأصْبحَا / بَعْدَ التَّألُّقِ والسُّطُوعِ رُكَاما
نَسْران لو رَضِيَ القَضَاءُ لحلَّقا / دَهْراً على أُفُقِ الدِّيارِ وَحَاما
اِبْكِ الشَّبَاب الغَضَّ في رَيْعَانِه / وأَفِضْ عَليه مِنَ الدُّمُوعِ سِجَامَا
وانْثُرْ أَزَاهِيراً عَلَى الزَّهْرِ الَّذي / كانَتْ لَه كُلُّ القُلوبِ كِماما
وابْعَثْ أَنينَكَ للسَّحابِ شِكَايةً / فإلاَمَ تحْتَبِسْ الأَنِينَ إِلاَما
لَهْفِي عَلَى أَملٍ مَضَى في لَمْحةٍ / لوْ دَامَ في الدُّنْيا السُّرورُ لَدَاما
لمْ نَشْكُرِ الأيَّامَ عند بَريقِهِ / حَتَّى أَخذْنَا نَشْتَكِي الأيَّاما
لم تَلْمَحِ العَيْنُ الطَّمُوحُ شُعَاعَه / حَتَّى رَأَتْ ذَاكَ الشُّعاعَ ظَلامَا
حَجَّاجُ لاقيْتَ اليقينَ مكَافِحاً / بَطَلاً ويا شُهْدِي قَضَيْتَ هُمَامَا
رَكِبَا الهَوَاءَ وكلُّ نفْسٍ لَو دَرَتْ / غَرَضٌ تَنَازَعُهُ المنُونُ سِهَامَا
والمَوْتُ يَلْقَى الأُسْدَ في عِرِّيسِها / ويَغُولُ حَوْلَ كِنَاسِها الآرَاما
الدِّرْعُ تُصْبِحُ حينَ تَبْطِشُ كَفُّه / دِرْعاً ولاَ السَّيْفُ الْحُسَامُ حُسَاما
رَكِبَا جَمُوحَ الْجَوِّ يَلْوِي رَأْسَه / كِبْراً ويَأْنَفُ أَنْ يُنيلَ زِمَامَا
في عَاصِفَاتٍ لم تُزَعْزِعْ مِنْهُما / عزْماً كَحَدِّ السَّيْفِ أَوْ إِقْدَاما
والْجَوُّ أَكْلَفُ والسَّماءُ مَرِيضَةٌ / واللَّيْلُ دَاجٍ والْخُطُوبُ تَرَامَى
والموْتُ يَخْفِقُ في جَنَاحَيْ جَارِحٍ / مَلأَ الفَضَاءَ شَرَاسَةً وعُرَاما
بسَمَا إِلى الْخطْب العَبُوسِ وإنّما / يَلْقَى الكميُّ قَضَاءَه بَسّاما
لَهْفِي عَلَى البَطَلين غالَهُمَا الرَّدَى / لَمْ يَمْلِكا دَفْعاً ولاَ إِحْجَاما
المَوْتُ تَحْتَهما يَصُولُ مُخاتِلاً / والمَوتُ فَوقَهما يَحُومُ زُؤَاما
ثَبَتَا لِحُكْمِ اللّه جَلَّ جَلاَلهُ / والْخطْبُ يَلْقَاه الكِرَامُ كِرَاما
والسَّيْفُ أَكْثَرُ ما يُلاقِي حَتْفَه / يومَ الكَرِيهةِ صَارِماً صَمْصَاما
قد يُنْسىءُ المَوتُ النِّمالَ بِجُحْرِها / ويَغُولُ في آجَامِه الضِّرْغَاما
يا هَوْلَها من لَحْظةٍ لا نَارُها / بَرْدٌ ولاَ كانَ اللَّهيبُ سَلاَما
هَلْ أَخْطَرا فِيها عَلَى بَالَيْهما / النيلَ والآباءَ والأَعْمَاما
والمَوْطِنَ الصَّدْيَانَ يَرْقُبُ عَوْدةً / وَيْلاَه قَدْ عادَا إِليه رِمَاما
أَتَقَاسَما فيها الوَدَاعَ بلَفْظَةٍ / أَمْ لَمْ تدَعْ لَهُمَا المَنُونُ كلاَما
هل فَكَّرا في الأُمِّ تندُب حَظَّها / والزَّوْجِ تُسْكِتُ وَالهِينَ يَتَامَى
إنّ السَّلامَةَ قد تَكُونُ مَذَلَّةً / ويَكُونُ إقْدامُ الجريءِ حِمَاما
والمرءُ يَلْقَى باختيارِ كِلَيْهِما / حَمْداً يُحلِّقُ بِاسْمِه أَوْ ذَاما
والمَجْدُ يَعْتَدُّ الْحَيَاةَ قَصِيرةً / ويَرَى فَناءَ الْخَالِدِين دَوَاما
عَاج الْخَيالُ فلم يَبُلَّ أُوَامَا
عَاج الْخَيالُ فلم يَبُلَّ أُوَامَا / ومَضَى وخَلَّفَ في الضلُوعِ ضِرامَا
مالي ولِلْكَحْلاءِ هِجْتُ عُيُونَها / فَمَلأْنَ قَلْبِي أَنْصُلاً وسِهاما
يا قَلْبُ وَيْحَك ما سَمِعْتَ لناصِحٍ / لَمَّا ارْتَميْتَ ولا اتَّقيْتَ مَلاما
لَعِبَتْ بِكَ الْحَسْناءُ تَدْنُو ساعةً / فَتُثِيرُ ما بِكَ ثُمَّ تَهْجُرُ عَاما
والْحُبُّ ما لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمائِلٌ / غُرَ يَعُودُ مَعَرَّةً وَأَثاما
والْحُبُّ أَحْلاَمُ الشَّبابِ هَنِيئةً / ما أطْيَبَ الأَيَّامَ والأَحْلاَما
والْحُبُّ نازِعَةُ الْكَرِيمِ تَهُزُّهُ / فَيَصُولُ سَيْفاً أَو يَسِيلُ غَماما
والْحُبُّ مَلْهَاةُ الْحَياةِ وَطِبُّهَا / وَلَقَدْ تكُونُ بِهِ الْحَياةُ سَقامَا
والْحُبُّ نِيرَانُ الْمَجُوسِ لَهِيبُهَا / يُحْيِي النفُوسَ ويَقْتُلُ الأَجْساما
والْحُبُّ شِعْرُ النَّفْسِ إنْ هَتَفَتْ بِهِ / سَكَتَ الْوُجُودُ وَأَطَرَقَ استْعظَاما
وَالْحُبُّ مِنْ سِرِّ السَّماءِ فَسمِّهِ / وَحيْاً إِذَا ما شِئْتَ أو إِلْهَامَا
لَوْلاَهُ ما أَضْحَى وَلِيدُ زَبيبَةٍ / يَوْمَ التَّفَاخُرِ سَيِّداً مِقْداما
وَلَمَا رَمَى في الْجَحْلَلَيْنِ بِصَدْرِهِ / لاَ يَتَّقِي رُمْحاً ولا صَمْصَاما
الْحُبُّ أَلْبَسَهُ الْمُرُوءَةَ يافِعاً / وَأَعَدَّهُ لِلْمَكْرُماتِ غُلاما
يا شَدَّ ما فَعَلَ الْغَرَامُ بِمُهْجَةٍ / ذابَتْ أَسىً وَصَبابَةً وَهُيَاما
كَانَتْ صَؤُولاً لا تُنِيلَ خِطامَها / فَغَدتْ أَذَلَّ السَائِماتِ خِطَاما
سَكنَتْ إِلَى حُلْوِ الْغَرَام وَمُرِّهِ / ورَعَتْ عُهُوداً لِلْهَوَى وذِمَاما
وَطَوَتْ أحَادِيثَ الْجَوَى فَطَوَتْ بِها / دَاءً يَدُكُّ الرَاسِيَاتِ عُقَامَا
نَالَ الضَّنَى مِنْها الَّذِي قَدْ نَالَهُ / فَعَلامَ رَوَّعَها الصُدُودُ عَلاما
يا زَهْرَةً نَمَّ النَسِيمُ بِعَرْفِهَا / وَجَرَى بِها ماءُ النَّعِيمِ جِمَاما
يا جنَّةً لَوْ كانَ يَنْفَعُ عِنْدَهَا / نُسْكٌ لَبِتْنَا سُجَّداً وقِيَاما
يا طَلْعَةَ الروْضِ النضِيرِ تَحِيَّةً / ومُجَاجَةَ المِسْكِ الذكيِّ سَلاَما
أرشيدُ لا جُرْحٌ ولا إيلامُ
أرشيدُ لا جُرْحٌ ولا إيلامُ / عاد الزمانُ وصحّتِ الأحلامُ
وتمثّلتْ فيكِ الحياةُ فَتِيّةً / من بعدِ ما عبثَتْ بكِ الأيام
يا زينةً بيْنَ الثغورِ وفتنةً / سحرَ الممالكَ ثغرُكِ البسّام
يا وردةً بين الرمالِ نضيرةً / تُزْهَى بها الأغصانُ والأكمام
يا درّةَ البحرِ التي بوميضها / ضحِكَ الصباحُ وأشرق الإظلام
يا دَوْحةً نَبت القريضُ بأرضِها / فأصولُها وفروعُها إلهام
يا روضةً فتن العيونَ جمالُها / وتحدّثت بأريجِها الأنسامُ
يا همسةَ الأملِ الوسيمِ رُواؤه / لو كان للأملِ الوسيم كلام
يا صحوةَ المجدِ القديمِ تحدَّثي / طال الزمانُ بنا ونحن نيام
يا طلعةً للحسنِ شاع ضياؤها / وانجاب عنها البحرُ وهو لِثامُ
أرشيدُ يا بلدي ويا ملهَى الصبا / بيني وبين مَدَى الصبا أعوام
أيامَ لي في كلِّ سَرْحٍ نَغْمَةٌ / وبكلِّ ركنٍ وقفةٌ ولِمام
أيام لا أمسِي يجُرُّ وراءه / أسفاً ولا يومي عليّ جَهام
ألهو كما تلهو الطيورُ حديثها / شدْوٌ وَرَفُّ جَناحِها أنغام
متنقِّلاتٍ بين أزهارِ الرُّبا / الجوُّ مَتْنٌ والنسيمُ زِمامُ
ومطالبي لم تَعْدُ مدَّةَ ساعدي / بُعْداً فما استعصَى عليّ مرام
لهوُ الطفولة خيرُ أيامِ الفتَى / إنّ الحياةَ وكَدَحَها أوهام
أرشيدُ فيكِ لُبانتي وصَبابتي / والصِّهْرُ والأخوالُ والأعمام
لمستْ حنو الحبِّ فيكِ تمائِمي / ورأيتُ فيكِ الدهرَ وهو غلام
ونشأتُ في ظلِّ النخيل يَهُزُّني / شوقٌ إلى أفيائِها وغرام
أرختْ شعوراً للنسيمِ كأنّما / أظلالُها تحت الغَمامِ غمام
تهفو ويمنعها الحياءُ فتنثني / كالغيدِ روّعَ سِرْبَها اللُّوام
إنا كبِرْنا يا نخيلُ وحبُّنا / بين الجوانحِ شُعْلةٌ وضِرامُ
كم طوَّقَتْ منكِ القُدودَ سواعدي / ولكم شفاني من جَناكِ طعام
ولكم هززتِ فتاكِ حين حملتهِ / كالأمِّ تُلْهي الطفلَ حين ينام
إن يُقْصِني عنكِ الزمانُ وأهْلهُ / فالْحُبُّ عهدٌ بيننا وذِمام
مِيسي كأيامِ الطفولةِ وارْفُلي / فالجوُّ صَفْوٌ والنعيمُ جِمام
غنَّى لك القلمُ الذي أرهفتهِ / أرأيتِ كيف تغرِّدُ الأقلام
هذا وليدُك جاء يُنشد شعرَه / ما كلُّ ما تحوي الخيوطُ نِظام
أصغَى له الوادي وغنّتْ باسمه / بغدادُ واهتزَّت إليهِ الشام
إن قال مال له الوجودُ برأسهِ / ورنَت له الأسماعُ والأفهامُ
ملك العَصي من القريضِ بسحره / طَوْعاً فما استعصَى عليه خِطام
أرشيدُ هل في أن يبوحَ أخو الهوى / حَرَجٌ وهل في أن يَحِنَّ ملام
يا مَرْتعَ الآرامِ رَنحها الصِّبا / كيف المراتعُ فيكِ والآرام
من كلِّ لفَّاء المعاطفِ طَفلْةٍ / جِيدٌ كما يهَوى الهوَى وقَوام
سترت ملاحتَها المُلاءَةُ مثلما / ستر الغمامُ البدرَ وهو تمامُ
يدنو الجمالُ بها فيحجبها التُقَى / كَظباءِ مكةَ صيدُهنّ حرَام
فإذا نظرتَ فخذْ لنفسِك حِذْرها / إنّ العيونَ كما علمتَ سهام
أرشيدُ مجدُكِ في القديمِ صحيفةٌ / بيضاءُ لا لبْسٌ ولا إبهَامُ
ملأتْ مآذِنكِ السماءَ شوامخاً / بين السحابِ كأنّها أعلام
كم شاهدتْ قوماً زهتْ أيامُهم / حيناً وجاءت بعدَهم أقوام
سبحانَ من لا مجدَ إلاّ مجدُه / نَفْنَي وَيبقَى الواحدُ العلاَّم
خذْ من زمانِكَ ما استطعْت فما لما / أخذتْ يداكَ من الزمان دوام
وارضَ الحياةَ نعيمَها أو بؤسَها / نُعْمى الحياةِ وبؤسُها أقسام
أرشيدُ لم نسمَعْ لصدرِك أَنّةً / للنّازلاتِ الدُّهْمِ وهي جِسام
أجملتِ صبراً للحواديثِ فانثنت / إنّ الكرامَ على الخطوبِ كِرام
اليومَ جدّدْتِ الشبابَ فأَقْدِمي / معنى الشبابِ العزمُ والإقدامُ
سعت الوفودُ إلى مصيفِك سبّقاً / يتلو الزحامَ إلى سناه زحام
النيلُ والبحرُ الْخِضَمُّ يحوطُه / والباسقاتُ على الطريق قيام
والتوتُ والصَّفْصافُ يهتفُ طيرُه / فتردِّدُ الكُثْبانُ والآكامُ
والزهرُ في جِيدِ الرياضِ قلائدٌ / والنهرُ في خَصْرِ الرياضِ حِزام
والموجُ كالخيلِ الجوامحِ أُطْلِقت / وانحلّ عنها مِقْوَدٌ ولجام
تجري السفائنُ فوقَه وكأنّها / والريحُ تدفع بالشراعِ حمام
ومناظرٌ يَعْيا القريضُ بوصفِها / ويضِلُّ في ألوانها الرّسام
والناسُ بين ممازحٍ ومداعبٍ / والأنسُ حتمٌ والسرورُ لِزَامُ
من شاء في ظلِّ السعادةِ ضَجْعَةً / فهنا تُشادُ صُرُوحُها وتُقام
أو رام نِسْيانَ الهموم فها هنا / تُنْسَى الهمومُ وتذهَبُ الآلام