أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى
أمنَ البُروجِ تُعدُّ أكناف الحِمى / فلقد حَوتْ منه المَلاعبُ أنجُما
مغنىً توهّمَتِ الحِسانُ بأرضِهِ / أنّ الهُبوطَ به العُروجُ إلى السّما
أكرِم بها من أوجُهٍ في أوجِه / طلعَتْ على جيشِ الدُجى فتصرّما
فلكٌ تدلّى أطلَساً وإذا اِستوى / هبطَتْ به مصرٌ فصارَ منجّما
في كلِّ سِربٍ من فرائِدِ سربِه / وضعَ الجمالُ من الفراقِدِ توأَما
حسدَ الهِلالُ به السِّوارَ فودّ أنْ / لو حالَ من بدَلِ الذِراعِ المِعصَما
حتّى إذا سطَعَتْ مجامرُ ندِّهِ / لبِسَ النّهارُ عليهِ ليلاً مُظلِما
إن كان ما بينَ الدِيارِ قرابةٌ / فله إلى دارِينَ أطيبُ مُنتَمى
حرَمٌ به يُمسي المهنّدُ مُحرِماً / وترى به الماءَ المُباحَ محرَّما
أروَتْهُ ضاحكةُ السّيوفِ بدَمْعِها / حتّى نهَتْ عن تُربِه المتيمّما
سقياً له من منزلٍ نزلَ الهَوى / بربوعِه وبنى الخِيامَ وخيّما
وبمُهجَتي العرَبُ الألى لولاهُمُ / لم تُعرِبِ الأجفانُ سرّاً مُعجَما
عربٌ إذا ما البرقُ ضاحكَ بينَهم / خجَلاً بأذيالِ السّحابِ تلثّما
يا قلبُ أينَكَ من بُلوغ بُدورِهم / ولو اتّخَذْتَ حِبالَ شمسِكَ سُلَّما
غُرٌّ تغانَوا بالقُدودِ عنِ القَنا / وكفاهُمُ حورُ العيونِ الأسهُما
لبِسَتْ أسودُهمُ الحَديدَ مُسرّداً / وظباؤهُم وشْيَ الحريرِ مسهَّما
تبدو بحيّهِم الغزالةُ في الدُجى / والبدرُ يطلُعُ بالنّهارِ مغَمِّما
من كُلّ ضِرغامٍ بظهرِ نعامةٍ / للطّعن يُمسِك في الأناملِ أرقُما
مَحَتِ السّوادَ خُدودُهُم فتورّدت / وجِفانهُم ممّا سفكْنَ من الدِّما
تجري لَطافتُه بشدّةِ بأسِه / فيَلينُ خَطّيّاً ويَبْسِمُ مِخْذَما
عشِقوا الرّدى فتطلّبوا أسبابَه / فلِذاكَ هاموا في العُيونِ تتيُّما
وترشَّفوا شَهْدَ الشِفاهِ لأنّها / تحكي اِسْمِرارَ اللُدْنِ في لَونِ اللَّمى
ولحبّهم سفكَ الدماءِ وشُربها / شربوا لخَمرَتِها المُدامَ توهُّما
سجنوا العذارى في الخِيامِ فأشبهَتْ / خَفِراتُها بقبابِهم صُوَرَ الدُمى
سدّوا الكَرى من دونِهنّ على الصِّبا / كيْلا يمرَّ بها النّسيمُ مُسلِّما
بوجوهِ فِتيتِهم مَلاحةُ يوسُفٍ / ومآزِرِ الفَتَياتِ عِفّةُ مَريَما
ظهرَ الجمالُ وكان معنىً ناقِصاً / حتّى ألمّ بحيّهمْ فتتمّما
والدُرُّ في الدُنيا تفرّق شملُه / حتّى حوَتْهُ شِفاهُهُم فتنظّما
عذَلوا السُلوَّ عنِ القُلوبِ وحكّموا / فيهنّ سُلطانَ الهَوى فتحكّما
للّهِ كم في حيّهمْ من جُؤذرٍ / يَسطو بمُهجتِه فيصرَعُ ضَيْغما
ولكَمْ بهِم خدٌّ تورّد لونُه / جَدِلاً وخدٌّ بالدُموعِ تعَنْدَما
نظراتُهم تُردي القُلوبَ كما غدَتْ / يدُ مُحْسِنٍ تروي العِطاشَ الهُوَّما
غيثٌ لديهِ رياضُ طُلّابِ النّدى / تَزهو بنُوّارِ النُضار إذا هَمى
سمْحٌ أيادِيه لنا كم أوضحَتْ / من غُرّةٍ بجَبينِ خَطْبٍ أدْهَما
حسَنٌ أزيدَ به الزمانُ مَلاحةً / فحلَتْ مَلاحتُه وكانت عَلقَما
تلقاهُ في الأيّامِ إمّا ضارِباً / أو طاعِناً أو مُعطِياً أو مُطْعِما
طَوراً تَراهُ لجّةً مَورودةً / عذُبَتْ وأونَةً شِهاباً مُضْرَما
لبِسَ العُلا قبل القِماطِ وقبل ما / خلعَ التّمائِمَ بالسّلاحِ تختَّما
في وجهِه نورُ الهُدى وبغِمدِه / نارُ الرّدى وبكفِّه بَحرٌ طَمى
لو أنّ بعضاً من سَماحةِ كفِّه / بيَمينِ قارونٍ لأصبحَ مُعدِما
علَمٌ على ظهرِ الجَوادِ تظنّهُ / علَماً تعرّضَ للكتائِبِ مُعلَما
يهتزّ من طرَبٍ مهنّدُهُ فلَوْ / غنّى الجمادُ لكادَ أن يترنّما
ويكادُ ينطِقُ في البنانِ يراعُهُ / لو أنّ مقطوعَ اللّسانِ تكلّما
وافى وطَرْفُ المجدِ غُضَّ على القَذى / دهراً فأبصرَ فيه من بعدِ العَمى
وأتى الزّمانَ وقد تقطّب وجهُه / غضَباً على أبنائِه فتبسّما
قمرٌ تَلوحُ بوجهِه سِمةُ العُلا / فترسّما آثارها وتوسّما
وتأمّلاهُ فتمّ نورُ سعادةٍ / وسيادةٍ يأبى العُلا أن يُكتَما
تَهمي براحتِه السيوفُ على العِدا / نِقَماً تعودُ على الأحبّةِ أنعُما
نارُ الحديدِ لديهِ في حَرِّ الوغى / أشهى من الماءِ الزُلالِ على الظّما
ليسَ الحَيا طَبعاً خليقَتُهُ السّخا / بل علّمَتْهُ أكُفُّه فتعلّما
لولا فصاحتُه ونسبةُ حَيدَرٍ / لظنَنْتُه يومَ الكريهةِ رُستما
ولدٌ لأكرَمِ والدٍ من معشَرٍ / ورِثوا المكارمَ أكرَماً عن أكرَما
عن جدِّه يروي أبوهُ مآثِراً / لأبيه وهوَ اليومَ يروي عنهُما
وكذاكَ إخوتُهُ الكِرامُ جميعُهم / نقلوا رواياتِ المحامِدِ منهُما
من كلِّ أبلج طلعةٍ من حقِّها / شرَفاً على الأقمارِ أن تستخدِما
مَنْ شئتَ منهُم تلقَهُ في حربِه / والسِّلْم ليثَ وغىً وبحراً مُنعَما
غُرٌّ بأخلاقِ الكِرامِ تشابَهوا / حتّى رأينا الفرْقَ أمراً مُبهَما
فهُمُ البُدورُ السّاطعاتُ وإنّما / بالعدلِ بينَهم الكمالُ تقسّما
مولايَ أنتم سادَتي وسيادتي / منكم وقَدْري في مدائِحِكُم سَما
قرّبتُموني من رفيعِ جَنابِكُم / فغدَوْتُ مرفوعَ الجَنابِ معظَّما
لو لم تُكلّفْني السّجودَ لشُكرِها / نَعماؤُكُم عندي بلغْتُ المِرْزَما
للَّهِ دَرُّك من لَبيبٍ رأيُهُ / لم يُخطِ أغراضَ الزّمانِ إذا رَمى
هُنّيتَ بالوَلَدِ السّعيدِ وخَتْنِه / ورَعاهُ خالقُه الحفيظُ وسلّما
ولدٌ تصوّر يومَ مولدِه النّدى / والمجدُ عادَ إلى الشبيبةِ بعدَما
حملَتْهُ من قمرِ الدُجى شمسُ الضُحى / نالَتْ به نَجلاً تخيّلهُ هُما
طهّرْتُهُ بالخَتْن وهو مطهَّرٌ / قبل الخِتانِ تشرُّعاً وتكرّما
أنّى يطَهّرُ بالخِتان صبيّكُم / أو تنجُسونَ وأنتمُ ماءُ السّما
شهدَتْ لكم آيُ الكِتابِ بأنّكُم / منذُ الوِلادةِ طامِرونَ وقبلَ ما
أنتم بَنو المختارِ أشرفُ عِترةٍ / فعليكمُ صلّى الإلهُ وسلّما