القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 5
بدَّدتِ يا قيثارتي أنغامي
بدَّدتِ يا قيثارتي أنغامي / ونسيتِ لحنَ صبابتي وغرامي
مرَّتْ ليالٍ كنتِ مؤنستي بها / وعزاءَ نفسٍ جمَّةِ الآلامِ
تروَين من طرب الصِّبا وحنينه / وتُذهِّبينَ حواشيَ الأحلامِ
كالبلبل الشّاكي رويتِ صبابتي / لحناً تمشَّى في دمي وعظامي
أنشودةُ الوادي ولحنُ شبابه / ذابتْ على صدر الغديرِ الطامي
شاقَ الطبيعةَ من قديمِ ملاحني / أصداؤُك الحيرى على الآكامِ
وشجا البحيرةَ واستخفَّ ضفافها / لحنٌ كفائرِ موجها المترامي
يا ربَّةَ الألحان غنِّي وابعثي / من كلِّ ماضٍ عاثرِ الأيامِ
هل من نشيدكِ ما يجدد لي الصِّبا / ويعيدُ لمحة ثغره البسَّامِ
ويصور الأحلامَ فتنةَ شاعرٍ / تُوحي الخيالَ لريشة الرسَّامِ
وادي الهوى ولَّتْ بشاشةُ دهرهِ / وخَلَت مغانيهِ من الآرامِ
طارت صوادحهُ وجفَّ غديرهُ / وذوى بشطَّيهِ النضيرُ النَّامي
واعتاضَ من هَمْسِ النسيم بعاصف / داوٍ يشقُّ جوانبَ الأظلامِ
وهو الصَّدى الحاكي لضائع صرختي / وصداكِ بين الغورِ والآكامِ
قد كُنَّ أُلَّافي ونزهةَ خاطري / وسماءَ وحي الشعرِ والإلهامِ
ما لي بهنّ سكتنَ عن آلامي / أنسينَ عهدَ مودتي وذمامي
يا ربَّة الألحان هل من رجعةٍ / لقديم لحنكِ أو قديم هيامي
فاروي أغانيَّ القُدامى وانفثي / في الليل من نفثات قلبي الدامي
علَّ الذي غنيتُ عرشَ جماله / وطفقتُ أرقبُ أفقه المتسامي
تُشجيه ألحاني فيسعدني به / طيفٌ يضنُّ عليَّ بالإلمامِ
ما لي أراكِ جمدتِ بين أناملي / وعصيتِ أنّاتي ودمعي الهامي
خرساءَ لا تتلو النشيدَ ولا تعي / سرَّ الغناءِ ولا تعيدُ كلامي
يغري الكآبةَ بي ويكسفُ خاطري / أني أراكِ حبيسةَ الأنغامِ
كالنجمِ في خفقٍ وفي ومضِ
كالنجمِ في خفقٍ وفي ومضِ / متفرداً بعوالم السُّدُمِ
حيرانَ يتبعُ حيرةَ الأرضِ / ومصارعَ الأيامِ والأُمَمِ
مستوحشاً في الأفق منفردا / وكأنَّه في سامرِ الشُّهُبِ
هذا الزحامُ حيالَهُ احتشدا / هوَ عنه ناءٍ جِدُّ مغتربِ
مترنحاً كالعاشقِ الثملِ / ريّانَ من بَهجٍ ومن حَزَنِ
نشوانَ من ألمٍ ومن أملِ / مستهزئاً بالكونِ والزَّمَنِ
تلك السماءُ على جوانبه / بحرُ الحياة الفائرُ الزَّبدِ
كم راحَ يلتمسُ القرارَ به / هيمانَ بين شواطىء الأبدِ
تهفو على الأمواج صورته / وشعاعهُ اللمَّاحُ في الغوْرِ
نفَذتْ إلى الأعماقِ نظرتُهُ / فإذا الحياةُ جليةُ السرِّ
ويمرُّ بالأحداثِ مبتسماً / كالشمسِ حينَ يلفُّها الغيمُ
زادَتهُ عِلماً بالذي عَلِمَا / دنيا تناهى عندها الوهمُ
بَلغَ الروائعَ من حقائقها / فإذا السعادةُ توأمُ الجهلِ
هتف المحدِّقُ في مشارقها / ذهبَ النهارُ فريسةَ الليلِ
يا قلبُ مثلُ النَّجمِ في قلقِ / والناسُ حولك لا يُحسُّونا
لولا اختلافُ النورِ والغَسَقِ / مرُّوا بأفقكَ لا يُطلُّونا
فاصفحْ إذا غمطوك إدراكا / واذكر قصورَ الأدميينا
أتريدهم يا قلبُ أملاكا / كلَّا وما هم بالنبيينا
هم عالمٌ في غيِّه يمضي / مُستغرقاً في الحمأةِ الدنيا
نزلوا قرارةَ هذه الأرضِ / وحللتَ أنتَ القمةَ العليا
عُبَّادُ أوهامٍ وما عبدوا / إلَّا حقيرَ مُنىً وغاياتِ
ومُناكَ ليس يحدّها الأبدُ / دنيا وراء اللا نهاياتِ
ولكَ الحياةُ دنىً وأكوانُ / عزَّتْ معارجُها على الراقي
تحيا بها وتبيدُ أزمانُ / وشبابُها المتجدِّدُ الباقي
يا قلبُ كم من رائعِ الحلَكِ / ألقاكَ في بحرٍ من الرُّعبِ
كم عُذْتَ منه بقبَّةِ الفلَكِ / وصرختَ وحدكَ فيه يا قلبي
ومضيتَ تضربُ في غياهبِه / وتردُّ عنكَ المائجَ الصَّخِبا
تترقب البرقَ المطيفَ به / وتسائلُ الأنواءَ والسُّحبا
وخفقتَ تحت دَجاهُ من وَجَلِ / كالطيرِ تحت الخنجر الصلْتِ
وعرفتَ بين اليأسِ والأملِ / صحوَ الحياةِ وسكرةَ الموتِ
يا قلبُ عندكَ أيُّ أسرارِ / ما زِلنَ في نشرٍ وفي طيِّ
يا ثورةً مشبوبةَ النَّارِ / أقلقت جسم الكائنِ الحيِّ
حَمَّلْتَه العبءَ الذي فَرقَتْ / منهُ الجبالُ وأشفقتْ رَهَبا
وأثرتَ منه الرُّوحَ فانطلقتْ / تحسو الحميمَ وتأكلُ اللهبا
وملأت سِفَرَ المجد من عَجَبِ / وخلقتَ أبطالاً من العَدَمِ
وعلى حديثِك في فمِ الحِقَبِ / سِمَةُ الخلودِ ونفحة القِدَمِ
كم من عجائبَ فيكَ للبشرِ / أخذَتهمُو منها الفجاءاتُ
متنبئاً بالغيبِ والقدَرِ / وعجيبةٌ تلك النبوءاتُ
وعجبتُ منك ومن إبائكَ في / أسرِ الجمالِ وربقةِ الحبِّ
وتَلفُّتِ المتكبر الصَّلِفِ / عن ذِلَّةِ المقهور في الحربِ
يا حرُّ كيف قبِلتَ شِرعتَه / وقنِعتَ منه بزادِ مأسورِ
آثرت في الأغلال طلعتَه / وأبيتَ منه فكاكَ مهجورِ
فإذا جفاكَ الهاجرُ الناسي / وقسا عليكَ المشفقُ الحدِبُ
فاضت بدمعك فورةُ الكاسِ / وهَفَتْ بكفِّكَ وهي تضطربُ
وفزِعتَ للأحلام والذِّكرِ / تبكي وتنشدُ رجعةَ الأمسِ
وودِدْتَ لو حُكِّمتَ في القَدَرِ / لتعيدَ سيرتَها من الرَّمْسِ
ووهِمْتَ ناراً ذات إيماضِ / فبسطتَ كفَّك نحوها فزَعا
مَرَّتْ بعينكَ لمحةُ الماضي / فوثبت تُمْسِكُ بارقاً لَمعا
وصحوتَ من وهْمٍ ومن خَبَلِ / فإذا جراحُك كُلَّهن دَمُ
لجَّتْ عليك مرارةُ الفشلِ / ومشى يحزُّ وتينَك الألمُ
والأرضُ ضاق فضاؤها الرحبُ / وخَلتْ فلا أهلٌ ولا سَكنُ
حالَ الهوى وتفرَّق الصحْبُ / وبقيتَ وحدكَ أنتَ والزَّمنُ
وصَرختَ حين أجنّك الليلُ / مُتمَرِّداً تجتاحُكَ النَّارُ
وبدا صراعُك أنت والعقلُ / ولأنتما بحرٌ وإعصارُ
ما بين سلمِكما وحربِكما / كونٌ يَبِينُ ويختفي كونُ
وبنيتما الدُّنيا وحسبكما / دنيا يقيمُ بناءَها الفنُّ
ما بالرُّعاةِ آثارَهم فترنَّموا
ما بالرُّعاةِ آثارَهم فترنَّموا / هلْ طافَ بالصحراءِ منهم مُلهمُ
أم ضوّأتْ سيناءُ في غسَقِ الدُّجى / وجلا النبوءةَ برْقُها المتكلمُ
نظَروا خِلالَ سمائِها وتأملوا / وتقابلتْ أنظارُهم فتبسَّموا
إيه فلاسفةَ الزمانِ فأنتمو / ببشائر الغيبِ المحجَّبِ أعلمُ
هذا النشيدُ الأسيويُّ مَعادُهُ / نبأٌ تقَرُّ به الشعوبُ وتنعَمُ
وطريقُكم مصرٌ وإنّ طريقها / أثرٌ من الوحي القديم ومعلمُ
ألا يكونَ الفجرُ هَديَ خُطاكمو / فدليلُكم قبَسُ الخلود المُضْرَمُ
هو سحرُ مصرَ وعرشُها ولواؤها / والصّولجانُ وتاجُها المتوسمُ
وجبينُ صاحِبها العزيزِ وإنّهُ / نورٌ على إصباحها مُتقدِّمُ
أوفى على الوادي بضاحكِ ثغرهِ / وجهٌ تُقبِّلهُ السماءُ وترأمُ
مُسترسِلُ النظرِ البعيدِ كأنّهُ / مَلك يُفكِّرُ أو نبيٌّ يُلهمُ
وكأنما الآمالُ عبْرَ طريقهِ / أنفاسُ روْضٍ بالعشيّة ينسِمُ
يتنظّرُ الحقلُ المنوّرُ خطوَهُ / والنهرُ والجبلُ العريضُ الأيهمُ
فكأنّ روحاً عائداً من طيبةٍ / فيه شبابُ ملوكِها يتبسمُ
هتفَ البشيرُ به فماجتْ أعصرٌ / وتلفّتتْ أممٌ ودارتْ أنجمُ
هذا هو الملِكُ الذي سعِدتْ به / مِصرٌ وهذا حُبُّها المتجسِّمُ
لمن البُنُودُ على العُبابِ خوافِقاً / لِمن النسورُ على السّحابِ تُحوِّمُ
لمن المواكبُ مائجاتٍ مثلما / أومتْ عصا موسى فشُقَّ العيْلمُ
ولِمَ الصباحُ كأنما أنداؤُه / كأسٌ تُصفّقُ أو رحيقٌ يسجمُ
ولِمَ اختلاجُ النيلِ فيه كأنه / شيخٌ يُذكرُ بالشبابِ ويحلمُ
ولمن هتافٌ بالضِّفاف مُردّدٌ / أشجى من الوترِ الحنونِ وأرخمُ
ولمن عواصمُ مصرَ حاليةَ الذُّوى / تغزو بوارقُها النجومَ وتزحُمُ
ولِمَ احتشادُ سرائري وخواطري / ولمن شفاهٌ بالدعاءِ تتمْتمُ
أسكندريةُ قد شهدتِ فحدِّثي / فاليومَ قد وضَحَ الحنينُ المبهمُ
هاتي املأي كأسي وغنِّي واعصري / خمراً أعلُّ بها ولا أتأثّمُ
إن كنت أفقَ الملهَمينَ وأيكَهم / إنِّي إذاً غرِّيدُك المترنِّمُ
يا درّة البحرِ التي لم يتّسِمْ / جِيدُ البحار بمثلها والمعصمُ
جدّدْتِ أعراسَ الزمانِ وزانها / ركبٌ لفاروق العظيمِ ومَقدِمُ
ما عادَ جبَّارُ الشعوبِ وإنما / قد عادَ قيصرُكِ الرشيدُ المسلمُ
في مهرجانٍ لم يُحِط بجلاله / وصفٌ ولم يبلغْ مداهُ توهُّمُ
يومُ الشباب ولا مِراءَ وإنه / للشرقِ عيدٌ والكنانةِ مَوسِمُ
قد فَتّحَ التاريخُ في كتابه / يُصغِي إليهِ ويشرئبُّ المِرْقَمُ
مولايَ أمْلِ عليه أوّلَ آيةٍ / لشبابِ شعبٍ خالدٍ لا يهرَمُ
هو من شبابكَ يستمدُّ رجاءَهُ / ويَسود باسمكَ في الحياةِ ويحكُمُ
فابعثهُ جيلاً واثباً متقحِّماً / إن الشبابَ توثُّبٌ وتقحُّمُ
هزّ الفتى الأمويّ تحت إهابهِ / منه مَضاءٌ كالحسامِ مُصمِّمُ
فمشى يطوِّحُ بالعروش كأنه / شمشونُ في حِلَقِ الحديد يحطمُ
دونَ الثلاثينَ استثيرَ فأجفلتْ / أُمَمٌ وراءَ تخومهِ تتأجَّمُ
والمجد موهبةُ الملوك وإنما / تَبْني المواهبُ والخلائقُ تدْعَمُ
ويضيقُ بالشعبِ الطموحِ يقينهُ / ويُثيرُ مِرّتهُ الخيالُ فيَعْرُمُ
قوتُ الشعوبِ ورِيُّها أحلامُها / إنّ الخيالَ إلى الحقيقةِ سُلّمُ
يا عاقدَ التاجِ الوضيءِ بمفرقٍ / كالحقِّ مَعْقِدُهُ هُدىً وتبسُّمُ
أعظِمْ بتاجكَ جوهراً لم يحوهِ / كنزٌ ولم يحرزْ جُلاهُ مِنجَمُ
ميراثُ أول مالكينَ سما بهم / عرشٌ أعزُّ من الجبالِ وأضخَمُ
نوابُ شعبكَ حينما طالعتهم / طافَ الرحيق البابليُّ عليهمُ
هتفوا بمجدِكَ واستخفّ وقارَهمْ / أملٌ يجلُّ عن الهتافِ ويعظمُ
أقسمتَ بالدستور والوطن الذي / بك بعد ربِّكَ في العظائم يُقسمُ
براً بوالدِكَ العظيم وذِمَّةً / لجدودك الصيدِ الذين تقدَّموا
وتطلّعَتْ عَبرَ المدائن والقرى / مُهَجٌ يكادُ خفوقُها يتكلمُ
تُصغي لصوتكَ في السحاب ورجعُهُ / لحنٌ على أوتارهنَّ يُنغّمُ
خشعتْ له النَّسَمات وهي هوازجٌ / وتنصّتَ العصفورُ وهو يُهينمُ
وَصَغَتْ سَنابلُ مثلما أوحَى لها / تأويلُ يوسفَ فهي خُضرٌ تنجمُ
يا صوتَ مصرَ ويا صدى أحلامها / زدْ روعتي مما يهزُّ ويُفْعِمُ
ألقى المقادَة في يديكَ وديعةً / شعبٌ لغير خُطاكَ لا يترسمُ
فَتَلَقَّ تاجَك من يديه فإنه / في الدهرِ عُروتهُ التي لا تُفصَمُ
فليهنأ الملِكُ الهمامُ بعيدهِ / ولْيعرضِ الجيشُ الكميُّ المعلمُ
مولايَ جندك ماثلونَ فأولهِمْ / سيفاً يُقبّل أو لواءً يُلثمُ
لما رأوْكَ على جوادكَ قائماً / وضعوا السيوف على الصدور وأقسموا
وكأن إبراهيمَ طيفك ماثلاً / وكأنك الرَّوحُ الشقيقُ التوأمُ
يا قائدَ الجيشِ المظفّر تِه بهِ / إن الشعوبَ بمثل جيشِك تُكرمُ
الأرضُ تعرفهُ وتشهدُ أنه / سيلٌ إذا لمعَ الحديدُ وقشعمُ
طوروسُ أم عكاءُ عن أمجادِهِ / تروي أم البيت العتيق وزمزمُ
أم حومةُ السودانِ وهي صحيفة / السيف خطّ سطورها واللهذمُ
أم مورةُ الشماءُ يوم أباحها / والنارُ حول سفينه تتهزّمُ
لولا قراصنةٌ عليها تآمروا / لم يَعْلُ نافارين هذا الميسمُ
فاغفر لما صنع الزمان فإنها / بؤسى تمرُّ على الشعوبِ وأنعُمُ
وانفخ به من بأسِ روحكَ سورةً / يرمي سُطاها المستخفّ فيُحجِمُ
فالرفقُ من نبل النفوسِ وربما / يُلحَى النبيلُ بفعله ويُذمّمُ
إنّا لفي زمنٍ حديثُ دُعاتِه / نُسْكٌ ولكنّ السياسةَ تأثّمُ
ووراءَ كلِّ سحابةٍ في أفقهِ / جيشٌ من المتأهِّبينَ عَرمرمُ
قالوا فتىً عشقَ الطبيعةَ واغتدى / بغرائب الأشعارِ وهو متيّمُ
وطوى البحارَ على شراعِ خيالهِ / يرتادُ عاليةَ الذُّرى ويُؤمِّمُ
أنا من زعمتمْ غيرَ أنِّي شاعرٌ / أرضى البيانَ بما يصوغُ ويرسُمُ
إنِّي بنيتُ على القديم جديدَهُ / ورفعتُ من بنيانهِ ما هدَّموا
الشعرُ عندي نشوةٌ عُلويةٌ / وشُعاعُ كأسي لم يُقبِّلها فمُ
ولحونُ سِلمٍ أو ملاحمُ غارةٍ / غنَّى الجبالَ بها السحابُ المرزِمُ
أرسلتهُ يومَ النداءِ فخلتُه / ناراً وخلتُ الأرضَ خضَّبها الدمُ
ودعاهُ عرشكَ فاستهلَّ خواطراً / فأتيتُ عن خَطراتهنَّ أترجمُ
ورفعتُ رأسي للسماءِ وخِلتُني / أتناولُ النجمَ البعيدَ وأنظمُ
فاقبلْ نشيديَ إنْ عطفتَ فإنه / صوتُ الشباب وروحهُ المتضرِّمُ
وسَلِمتَ يا مولايَ للوطن الذي / بكَ يستظلُّ ويستعزُّ ويسلمُ
كم ليلةٍ حمراءَ خِلْتُ ظلامَها
كم ليلةٍ حمراءَ خِلْتُ ظلامَها / يَدَ ماردٍ سلَّتْ خضيبَ حُسامِ
وكأنَّ كلَّ سحابةٍ أُفقها / شَبَحُ الخطيئةِ فوق عِرْضٍ دامي
وكأنَّ أنجمها نوافذُ حانةٍ / شَرِبَ الدّخانُ بها بريقَ الجامِ
وكأنَّ أنوارَ المدينةِ تحتها / سُرُجُ الغَوايةِ في طريق حَرامِ
همدَ الهواءُ بها فجهدُ حَراكهِ / هَبَواتُ نارٍ في نفيثِ قَتامِ
وكأنما اختنقَ الفضاءُ فكلُّ ما / فيه صريعٌ أو وشيكُ حِمامِ
ألفيتني جسداً تُسارقُ روحَهُ / قُبَلٌ عواصفُ ضُرّجتْ بأثامِ
أجتاحُها وأضجُّ من لذعاتها / فكأنها بدمي نقيعُ سمامِ
وعلى يَدَيْ مسمورةٍ مخمورةٍ / ألتذُّ كالمقرورِ حرَّ ضرامِ
متضائلَ الأفكار مهدورَ القُوى / متزايلَ الأهواءِ والأحلامِ
هي من تُرى هيَ هنَّ هنَّ جواذبي / بأنيقِ ثوبٍ أو رشيقِ قوامِ
الشارداتُ العائداتُ مع الضحّى / الطارداتُ وراءَ كلِّ ظلامِ
هن اللواتي إنْ صحوتُ فإنني / منهنّ طالبُ مَهْربٍ وسلامِ
أخمدتُ فوق شفاههنّ شبيبتي / وذبحتُ بين عيونهنَّ غرامي
رزءُ العروبةِ فيكَ والإِسلامِ
رزءُ العروبةِ فيكَ والإِسلامِ / رزءُ النُّهَى وفجيعةُ الأقلامِ
هو مأتمُ الأحرار في متوثّبٍ / بصفوفهم مستقتلٍ مقدامِ
أأنا المثاليين صوتُكَ لم يزل / في الشرق وحيَ براعةٍ وحسامِ
ونداءَ فادٍ تسأل الدنيا به / أصريعَ حربٍ أم شهيد سلامِ
لخلاص دارٍ أو فكاك عَشِيرةٍ / خُضْتَ الحياةَ كثيرةَ الآلامِ
واجتزتَ جِسْرَ العمر بين عواصف / هُوجٍ وموجٍ مُزْبدٍ مترامي
وشهرتها حرباً على مستعمر / مُتجبّرٍ أو غاصبٍ ظلَّامِ
تلقَى ببسمتك العريضةِ نارها / في موكب من ذائدين كرامِ
متفرِّقين على البعاد منازلاً / متجمِّعين على هوىً ووئامِ
كالبحر ماجَ وفي غواربهِ التَقى / سيلُ الرُّبَى وشوامخ الأعلامِ
وقفوا الحياة على الجهاد وقرَّبوا / دعَةَ النفوس وصحَّةَ الأجسامِ
إِرثُ الجدود الصيد أنت وهَبتَهُ / قلماً يصاول دونه ويحامي
وشبابَ مهدور الدماءِ مجاهد / في اللّه عَن عربٍ وعن إِسلامِ
الشاعرُ الغرِّيدُ نازحُ جَنّة / مَسْحُورةِ الأفنانِ والأكمامِ
أفياؤها ظُللُ الدهور وأرزها / أعلامُ آلهةٍ على آطامِ
قامت على جَبلٍ أشمّ سماؤه / مسرَى البيان ومسبحُ الإِلهامِ
تُهدِي إِليه بكل مغربِ كوكبٍ / أشواقَ نِضوى لوعة وغرامِ
أُمُّ تحنُّ إلى لقاءِ نجيبها / وأبٌ هو الوطن المشوق الظامي
يتساءَلان متى الإِيابُ ويومُهُ / يومُ الرحيل ولات حين مقامِ
مرَّتْ جنيفُ بخاطري فتمثَّلتْ / صُوَرُ الشهيد كأنهنَّ أمامي
متوحِّداً في غُرْبةٍ متوقِّداً / بصبابةٍ متفرِّداً بسقامِ
شيحٌ يدبُّ على عصاهُ وقلبُهُ / متوثِّبُ الآمال والأحلامِ
يطوي الثمانين الوضاءَ مَليئَةً / بمواكبٍ للذِّكريات ضخامِ
وجلائل للمأثرات مواثل / وجَحافل للحادثات جسامِ
هيهات ما أوهتْ قواه ولا ثَنَتْ / من خطوهِ عن غاية ومرامِ
هيهات ما نالتْ على إرهاقها / من قلبه في نَضْرَةٍ ووسامِ
هيهات ما شابتْ بِمُرِّ مذاقها / فيه حلاوةَ روحه البسَّامِ
طَلْقُ الجبين على نديِّ شمائل / كالفجر بين أشعةٍ وغَمَامِ
يا ابن الإمارة نافضاً من إِرثها / يَدَهُ لِنُصْرَةِ مبدأٍ وذمامِ
حين الغِنَى والجاهُ فتنةُ معشر / عن قومهم متخلفين نيامِ
صف كيف أبصرت الحياة وأنت في / عزِّ الملوكِ وهيبة الحكّامِ
ورأيتَ دنيا المالكين بعالم / متخوِّن متلوِّن هَدَّامِ
تومِي إليكَ قصورُهم وكأنها / عينٌ مقرَّحةٌ وقلبٌ دامي
ومشيتَ تُنذرُ والوغَى مُتَسَعِّرٌ / والأرض غرقى في دم وضِرامِ
في حومةٍ من قاهرين تربَّصوا / بالمضعفين منافذَ الأيامِ
عَنَتِ الشعوبُ لسيفهم فتألَّبوا / يتنازعون مصايرَ الأقوامِ
يأبى يَراعُك أن يُفارق راحةً / خُلِقَتْ لردِّ تحيّةٍ وسلامِ
بيضاءُ ملهَمةُ البنان مِزاجُها / فَيْضٌ من الأضواءِ والأنغامِ
أخذتْ خِناق الظلم فاسْتحذَى لها / وارتدَّ يستر وجهه بِلِثامِ
وَتَعَقَّبَتْهُ تهزُّ قبضة ثائر / فإِذا الحديدُ بها صديعُ حطامِ
وإِذا الحصونُ الشامخاتُ حجارةٌ / منثورةٌ والنارُ سُحبُ قتامِ
وإِذا المجاهدُ تحتَ غار جهاده / طُهْرُ اليدين مُخضَّبُ الصمصامِ
روحٌ يَهزُّ الشرق من أعماقه / وسنىً يمزِّق عنه كل ظلامِ
وَيَدٌ تُعانِقهُ برغم مَنيَّةٍ / وفَمٌ يُقَبِّلُهُ برغم حِمامِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025