المجموع : 11
أمّا الشّبابُ فقد مضت أيّامُهُ
أمّا الشّبابُ فقد مضت أيّامُهُ / وَاِستُلّ من كفّي الغداةَ زِمامُهُ
وتنكّرتْ أيّامُهُ وتَغيّرتْ / جاراتُه وتقوّضتْ آطامُهُ
ولقد درى من في الشبابِ حياتهُ / أنّ المشيبَ إذا علاه حِمامُهُ
عوجا نحيّي الرَّبعَ يدللنا الهوى / فلربّما نفع المحبَّ سَلامُهُ
واِستعبرا عنّي به إنْ خانني / جَفني فلم يمطرْ عليه غمامُهُ
فمن الجفون جوامِدٌ وذوارفٌ / ومن السّحاب رُكامُهُ وجَهامُهُ
دِمَنٌ رضعتُ بهنّ أخلافَ الصِّبا / لو لم يكن بعد الرَّضاعِ فطامُهُ
ولقد مررتُ على العقيق فشفّني / أنْ لم تغنّ على الغصون حَمامُهُ
وكأنّه دَنِفٌ تجلّد مؤنساً / عُوّادَه حتّى اِستَبان سَقامُهُ
من بعد ما فارقتُه فكأنّه / نشوانُ تمسح تربه آكامُهُ
مَرِحٌ يهزّ قناتَه لا يأتلي / أَشَرُ الصِّبا وغرامُهُ وعُرامُهُ
تندى على حرّ الهجير ظِلالُهُ / وَيضيء في وقت العشيّ ظَلامُهُ
وكأنّما أطيارُه ومياهُهُ / للنّازليه قِيانُه ومُدامُهُ
وكأنّ آرامَ النّساءِ بأرضه / للقانِصِي طَرْدِ الهوى آرامُهُ
وكأنّما برد الصّبا حَوْذانُه / وكأنّما ورق الشّباب بَشامُهُ
وَعَضيهةٍ جاءتك من عَبِقٍ بها / أزرى عليك فلم يجُزه كلامُهُ
ورماك مجترئاً عليك وإنّما / وافاك من قعر الطَّوِىّ سِلامُهُ
وكأنّما تَسْفِي الرّياحُ بعالِجٍ / ما قال أو ما سطّرتْ أقلامُهُ
وكأنّ زُوراً لفّقتْ ألفاظُهُ / سِلْكٌ وَهى فَاِنحلّ عنه نظامُهُ
وَإِذا الفتى قعدتْ به أخوالُهُ / في المجدِ لَم تَنهض به أعمامُهُ
وإذا خصالُ السّوءِ باعَدْن اِمرءاً / عن قومه لم تُدنِهِ أرحامُهُ
وَلكَمْ رماني قبل رَمْيكِ حاسدٌ / طاشتْ ولم تخدش سواه سهامُهُ
ألقى كلاماً لم يَضِرْني وَاِنثَنى / وندوبهُ في جلده وكِلامُهُ
هَيهاتَ أَن أُلفى رَسيلَ مُسافِهٍ / ينجو به يوم السّبابِ لِطامُهُ
أو أن أُرى في معركٍ وسلاحُهُ / بدلَ السّيوف قِذافُهُ وعِذامُهُ
ومن البلاء عداوةٌ من خاملٍ / لا خلفه لعُلىً ولا قُدَّامُهُ
كَثُرتْ مَساويه فصارَ كَمدحه / بين الخلائق عيبُهُ أوْ ذامُهُ
والخُرْقُ كلُّ الخُرق من متفاوت ال / أفعالِ يتلو نقضَه إبرامُهُ
جَدِبِ الجَناب فجارُهُ في أزْمةٍ / والضّيفُ موكولٌ إليه طعامُهُ
وإذا علقتَ بحبله مستعصماً / فكفقعِ قَرْقَرَةٍ يكون ذِمامُهُ
وإذا عهودُ القومِ كنّ كنبعهمْ / فالعهد منه يَراعُهُ وثُمامُهُ
وَأَنا الّذي أَعييتُ قبلك مَن رَسَتْ / أَطوادُه واِستشرفتْ أعلامُهُ
وتتبّع المعروفَ حتّى طُنِّبتْ / جوداً على سَنَنِ الطّريقِ خِيامُهُ
وتناذرتْ أعداؤه سطواتِهِ / كاللّيث يُرهب نائباً إرزامُهُ
وترى إذا قابلته في وجههِ / كالبدر أشرق حين تمّ تمامُهُ
حتّى تذلّل بعد لأْيٍ صعبُهُ / وَاِنقادَ مَنبوذاً إليَّ خِطامُهُ
يُهدى إليّ على المغيب ثناؤُهُ / وإذا حضرتُ أظَلَّنِي إكرامُهُ
فمضى سليماً من أداة قوارصي / وَاِستام ذمّي بعده مستامُهُ
والآن يوقظني لنحتِ صَفاتِهِ / مَن طال عن أخذ الحقوق نيامُهُ
وَيَسومني ما لم أزلْ عن عزّةٍ / ونزاهةٍ آباه حين أُسامُهُ
ويلُسُّنِي ولئنْ حَلَوْتُ فإّنني / مَقِرٌ وفي حنكِ العدوّ سِمامُهُ
فلبئسما منّتْه منِّي خالياً / خطراتُه أو سوّلتْ أحلامُهُ
أمّا الطّريفُ من الفخار فعندنا / ولنا من المجد التّليد سنامُهُ
ولنا من البيت المحرّم كلّما / طافتْ به في موسم أقدامُهُ
ولنا الحَطِيمُ وزَمْزَمٌ وتراثنا / نِعْمَ التّراثُ عن الخليل مَقامُهُ
ولنا المشاعر والمواقفُ والّذي / تهدي إليه من مِنىً أنعامُهُ
وبجَدّنا وبصنْوِه دُحِيَتْ عن ال / بيت الحرامِ وزُعزعتْ أصنامُهُ
وهما علينا أطلعا شمس الهدى / حتّى اِستَنارَ حلالُهُ وحرامُهُ
وَأَبى الّذي تَبدو على رغم العِدا / غُرّاً محجَّلةً لنا أيّامُهُ
كالبدر يكسو اللّيلَ أثواب الضّحى / والفجرُ شُبّ على الظلام ضِرامُهُ
وَهو الّذي لا يقتضي في موقفٍ / إِقدامُهُ نُكْصٌ به أقدامُهُ
حتّى كأنّ حياتَه هي حتفُه / ووراءَه ممّا يخاف أمامُهُ
ووقى الرّسول على الفراش بنفسه / لمّا أرادَ حِمامَه أقوامُهُ
ثانِيهِ في كلّ الأمور وحصنُه / في النّائباتِ وركنُه ودِعامُهُ
للَّه دَرُّ بلائه ودفاعِه / واليومُ يغشي الدّارعين قَتامُهُ
وكأنّما أُجمُ العوالي غِيلُهُ / وكأنّما هو بينها ضِرغامُهُ
وترى الصّريعَ دماؤه أكفانُه / وحَنوطُه أحجارُه ورَغامُهُ
والموْت من ماء التّرائب وِرْدُه / ومن النّفوسِ مَرادُه ومَسامُهُ
طلبوا مداه ففاتهمْ سبقاً إلى / أمَدٍ يشقّ على الرّجالِ مَرامُهُ
فمتى أجالوا للفخارِ قِداحَهمْ / فالفائزاتُ قداحُهُ وسهامُهُ
وَإِذا الأمور تَشابَهت واِستَبهمتْ / فَجِلاؤها وشفاؤها أحكامُهُ
وَتَرى النديَّ إِذا اِحتَبى لقضيّةٍ / عوجاً إليها مُصْغِياتٍ هامُهُ
يُفْضِي إلى لُبّ البليد بيانُهُ / فيعِي ويُنشئُ فهمَه إِفهامُهُ
بغريبِ لفظٍ لم تُدِرْهُ أَلْسُنٌ / وَلِطيفِ معنىً لم يُفضّ ختامُهُ
وَإِذا اِلتفتّ إلى التُّقى صادقْتَه / من كلِّ بِرٍّ وافراً أقسامُهُ
فاللّيلُ فيه قيامُه متهجّداً / يتلو الكتابَ وفي النّهارِ صيامُهُ
يطوِي الثلاثَ تعفُّفاً وتكرُّماً / حتّى يُصادفَ زادَه معتامُهُ
وتراه عُريانَ اللّسانِ من الخَنا / لا يهتدي للأمر فيه ملامُهُ
وعلى الّذي يُرضي الإلهَ هجومُه / وَعلى الّذي لا يَرتَضي إحجامُهُ
فمضى بريئاً لم تَشِنْهُ ذنوبُه / يوماً ولا ظفِرتْ به آثامُهُ
ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتَها / فالسّيلُ أطبق لا يعدّ زهامُهُ
تعلو على مَن رام يوماً نيْلَها / من يَذْبُلٍ هَضَبَاتُهُ وإكامُهُ
أرأيتَ ما صنعتْ بنا الأيّامُ
أرأيتَ ما صنعتْ بنا الأيّامُ / ضاع العزاءُ وضلّتِ الأحلامُ
نبأٌ تُفَكّ له الصدور عن الحِجى / وتُهانُ أخطارُ النُّهى وتُضامُ
ومصيبةٍ وَلَجَتْ على ملك الورى / أبوابَه والذّائدون نيامُ
حلّ الرّجال بأمرها عُقَدَ الحُبا / فكأنّهمْ وهمُ القعودُ قيامُ
واِستَوهلتْ آراؤهمْ فتراهمُ / لا نَقْضَ عندهُم ولا إبرامُ
حاروا فليس لديهمُ إنْ خوطِبوا / أو خاطبوا فَهْمٌ ولا إفهامُ
كالغِمْدِ فارق نَصْلَه في معركٍ / والسِّلْكُ مُلْقىً ليس فيه نِظامُ
يا أَيّها الملكُ الّذي لجلاله / يُتَعَلَّمُ التّوقيرُ والإعظامُ
صَبراً فَبِالأدبِ الّذي أسلفتَه / في النّائباتِ تَأَدَّبَ الأقوامُ
أين التَّشَرُّزُ للخطوب وأين ذا / ك الصّبرُ والإطراقُ والإزمامُ
فالثِّقْلُ لا يسطيعه من شارفٍ / كوماءِ إلّا غاربٌ وسنامُ
والنّبعُ تسلبه النَّجابةُ فرعَهُ / ونجا بلؤمٍ خِرْوَعٌ وثُمامُ
والثَّلْمُ ليس يَكون إِلّا في ظُبا ال / ماضى ويخلو منه وهْوَ كَهامُ
والبُخل يتّرِك النّفيسَ وإِنّما / فقد النّفائسَ ما جدون كِرامُ
والحربُ تقتنص الشّجاعَ وآمِنٌ / فيها المَنونَ الواهنُ المِحجامُ
شِبْلٌ محا فيه الرّزيّةَ إِنّه / باقٍ لنا من بعده الضّرغامُ
وثنيّةٍ من يَذْبُلٍ جُدنا بها / إِذْ يَذْبُلٌ خَلَفٌ له وشَمامُ
أخذ الرّدى نفساً وغادر أنفساً / فاِذهَبْ حمامُ فما عليك مَلامُ
وأحقُّ منّا بالبكاء على الّذي / سلب الزّمانُ الفضلُ والإنعامُ
والخيلُ قانيةُ النّحورِ كأنّما / بجلودها الحِنّاءُ والعُلّامُ
لم يدنُ منهنّ النُّزول ولم يَغِبْ / عنهنّ إِسراجٌ ولا إِلجامُ
ولْيَبكِهِ الرّمحُ الأصمُّ تعطّلَتْ / حركاتُهُ والباترُ الصُّمْصامُ
ومؤمِّلون أَناخَ شعْثَ رِكابهمْ / بفِنائِهِ الإنفاضُ والإعدامُ
بكروا ليستلبوا الغِنى ويروّحوا / فحلا لهمْ ثمرُ النّدى فأقاموا
يا نازحاً فَضَلَ الأكابر ناشئاً / وجنى ثمارَ السِّنِّ وهْوَ غلامُ
تَزْوَرُّ عن صَبَواته سُنَنُ الصِّبا / وتطيح عن خَلَواته الآثامُ
وَقَضى ولم تقض اللبانةُ رِيبةً / منه ولا عَلِقَتْ به الأَجرامُ
أمّا القلوبُ فإِنّهنّ رواجِفٌ / حزناً ليومك والدّموعُ سِجامُ
ماذا على الجَدَثِ الّذي أُسكنتَهُ / أَلاّ يمرَّ على ثراه غمامُ
يكفيه منك السّكبُ إِنْ جَمَدَ الحَيا / والمستهلّ إِذا السّحابُ جَهامُ
أو لا يجاورَ روضةً وضريحُهُ / منه بعَرْفِك روضةٌ ومُدامُ
أو لا يُحيّيه الرّفاقُ وعاكفٌ / للَّه منه تحيّةٌ وسلامُ
قبرٌ تُشَقُّ له القلوبُ وقبله / عند القبور تُشقّق الأهدامُ
وتُعَقَّرُ المُهجُ الحرامُ حِيالَهُ / وسواه تُعقر عنده الأنعامُ
ما نَحنُ إِلّا للفناءِ وإِنّما / تغترّنا بمرورها الأيّامُ
ومتى تأمّلْتَ الزّمانَ وجَدْتَهُ / أَجَلاً وأَيّامُ الحياةِ سَقامُ
نُضحِي ونُمسي ضاحكين وإِنّما / لبكائنا الإصباحُ والإظلامُ
ونُسَرُّ بالعام الجديد وإنّما / تسري بنا نحو الرّدى الأعوامُ
في كلّ يومٍ زَوْرَةٌ من صاحبٍ / منّا إلى بطن الثّرى ومقامُ
لا تُرتجى منه إيابةُ قادمٍ / هيهات أعوزَ من ردىً قَدّامُ
فاِسلَمْ لنا ملكَ الملوكِ مُحَصَّناً / في راحتيك من الخطوب زِمامُ
تأبى المقادرُ ما أبَيْتَ ولا تزلْ / تجري بما تختاره الأقلامُ
ولمن هَويتَ نجاحةٌ وفلاحةٌ / ولمنْ شَنِئتَ الكَبْتُ والإرغامُ
فالملك مذْ رُفعتْ إليك أُمورُه / حَرَمٌ على كلّ الرّجالِ حرامُ
صَمَت العواذلُ في أَساكِ وسلّموا
صَمَت العواذلُ في أَساكِ وسلّموا / لمّا رأوْا أنّ العزاءَ محرَّمُ
لاموا وكم من فائهٍ بملامةٍ / هو عند نُقّادِ الملامةِ ألْوَمُ
ما أغفلَ العذّالَ عمّا في الحشا / مِن لاذعاتٍ جَمرها يتضرّمُ
لو أَنصفوا اِعتذروا وقد عاصيتهمْ / وأبَيْتُ نصحَهمُ بأنِّيَ مُغرَمُ
كم بيننا تتنعّمون وأُبتَلى / أوْ تسلمون من الكُلومِ وأُكْلَمُ
في القلب من حرّ المصيبة لوعةٌ / لا تعلمون بها وقلبي أعلمُ
لا يستوي بكُم وما من ثَلمةٍ / بصَفاتِكْم شَعِثُ الصَّفاةِ مُثَلَّمُ
ذاوي القضيب له بَنانةُ آسفٍ / يَجري لطولِ عضاضِها منها الدّمُ
يا للرّجالِ لهاجمٍ بيد الرّدى / أعيا فقيلَ هو القضاءُ المبرَمُ
ومصيبةٍ ليلي وقد ساوَرْتُها / ليلُ اللّديغِ بها ويومي أيْوَمُ
ركبتْ منَ الأثباجِ ما لا يُرتَقى / وتهضّمتْ في القومِ ما لا يُهضَمُ
شوطِرتُ نصفي واِقتسمتُ وأنتُمُ / أشطارُكمْ موفورةٌ لا تُقسَمُ
فَمَتى عَطَستُ فإنّ أنفِيَ أجدعٌ / وإذا بَطَشْتُ فساعِدٌ لِيَ أجذَمُ
وإذا نظرتُ فليس لِي من بعد مَنْ / خُولستُهُ إلّا السوادُ المظلِمُ
وهو الزّمانُ فوافِدٌ ومودَّعٌ / ومؤخَّرٌ فاتَ الرّدى ومقدَّمُ
ومبلَّغٌ آمالُهُ ومُخيَّبٌ / ومُجرِّرٌ ذيلَ الثّراءِ ومُعْدِمُ
لا تَعجَبوا لمُرَزَّءٍ ومُكلَّمٍ / إنّ العجيبَ مُصَحَّحٌ ومُسَلَّمُ
قُلْ للّذي يَبني البناءَ كأنّه / لَم يدرِ أنّ بناءهُ مُتَهدِّمُ
مَهلاً فَما الدّنيا وإنْ طالتْ لنا / إلّا كَظِلّ غَمامةٍ يتصرَّمُ
هلْ حظُّنا منها وإن عظمتْ بها الن / نَعماء إلّا مَشْربٌ أو مطعمُ
أَرِنِي بها صَفْواً بغيرِ تكدُّرٍ / وحلاوةً ما سِيطَ فها العلقمُ
أو لذّةً نِيلتْ وليس يحفُّها / أبدَ الزّمان تكلّفٌ وتجشُّمُ
عُج بالمطيِّ على الدّيار فنادِها / أَينَ الأُلى برُباكِ دهراً خيّموا
مِن كلّ مرهوبِ الشّذاةِ كأنّه / ليثٌ إذا ضغط الفريسةَ يَرزُمُ
يقظان ينتهز الفخارَ إذا خَلَتْ / سُبُلُ الفخار ونام عنها النُّوّمُ
ومُحجَّبون من القِذاعِ كأنّهمْ / بسوى جميلِ الذّكرِ لمّا يعلموا
ومهذّبون وكم يفوت معاشراً / شتّى الشّعوب مهذَّبٌ ومقوَّمُ
وتراهمُ متهجّمين على الرّدى / وإذا رأوا سُبُلَ العَضِيهةِ أَحجموا
الشّاهدين اليومَ وهو عَصَبْصَبٌ / والهازمين الجيشَ وهو عَرَمْرَمُ
والفالقين الهامَ في يوم الوَغى / فمُتَوَّجٌ يهوي ردىً ومُعَمَّمُ
أَخْنى على إثْرائهمْ فأبادَهُ / جودٌ لَهم لا يَنثنِي وتكرُّمُ
وأبى لهمْ كرمُ العروق إذا جَنَوْا / يوماً على أموالهمْ أن يندموا
وَيصونُ عِرضَهمُ الّذي شحّوا به / دينارُهمْ في بذلِهِ والدِّرْهَمُ
وإذا هُمُ سلموا وبات وليُّهمْ / مستهلكاً فكأنّهمْ لم يسلموا
كم فيهمُ قَرِمٌ إلى بذل القِرى / صَبٌّ بأسبابِ العَلاءِ مُتَيَّمُ
متقدِّمٌ واليومُ مسوَدُّ الدّجى / إذ قَلَّ مَن نحو الرّدى يتقدّمُ
في موقفٍ فيه الحسامُ مُثَلَّمٌ / والرّمحُ في طعنِ الكُلى متحطِّمُ
والطّعن يفتق كلَّ نَجْلاءٍ لَها / قَعْرٌ كما فَغَرَ البعيرُ الأعْلمُ
والخيل تُخضَبُ بالنّجيعِ فشُهبُها / محمرّةٌ والوَرْدُ منها أدهمُ
كانوا البدور وبعد أن عصف الرّدى / بهمُ همُ رِمَمُ الثّرى والأَعْظُمُ
سَكَنوا العَراءَ وَطالما اِمتَلأتْ وقد / جُعلتْ لهمْ تلك الأسرّةُ منهمُ
يا ربّةَ البيتِ المحرَّمِ تُربُهُ / عن أنْ يلمّ به فعالٌ يحرُمُ
قطن العَفافُ به وعرّس عنده / كرمٌ كعمر الدّهرِ لا يتثلّمُ
ما إنْ به صبحاً وكلَّ عشيّةٍ / خَشْناءَ إلّا صُوَّمٌ أو قُوَّمُ
ومسهّدون كأنّما حسناتُهمْ / في ليلهمْ ذاك البهيمِ الأنجمُ
ما لي أراكِ وكنتِ جِدَّ حَفِيّةٍ / لا نلتقي أبداً ولا نتكلّمُ
بيني وبينكِ شاسعٌ متباعدٌ / أو حالكٌ شَحِبُ الجوانبِ مظلمُ
آب الرّجالُ الرّاحلون ودوننا / سَفَرٌ طويلٌ ليس منه مَقْدَمُ
ما كان عندي والبلايا جَمَّةً / أَنّي أصابُ بكمْ وأُعرى منكمُ
وأُذادُ حين أُذادُ عن أمواهكمْ / وأُصدّ عن باب اللّقاءِ وأُحْرَمُ
كانَ اِبتِهالُكِ جُنَّةً فإذا رمى / جهتي العِدا تَزْوَرّ عنّي الأسهمُ
ودُعاؤكِ المرفوعُ مصلحُ دائماً / ما أَفسدوا أو ناقضٌ ما أبْرموا
فالآن لِي من بعد فقدك جانبٌ / عارٍ وظُفرٌ في العدوِّ مُقَلَّمُ
لم يمضِ ماضٍ بان وهو محمّدٌ / وَنأى أَشدَّ النّأي وهو مذمَّمُ
لكِ جَنَّةٌ مأهولةٌ فاِستبشري / بِدخلولها فلآخرين جهنَّمُ
وإذا وصلتِ إلى النّعيمِ فهيّنٌ / من قبله ذاك البلاءُ الأعظمُ
صلّى الإلهُ على ضريحك واِلتقتْ / فيه عليك كما يشاء الأنعُمُ
وجرى النّسيمُ عليه كلَّ عشيَّةٍ / وَاِعتاده نَوْءُ السِّماكِ المُرْزِمُ
فالغيثُ فيه ناشجٌ مستعبرٌ / والبرقُ منه ضاحكٌ متبسّمُ
وتروَّضَتْ جَنَباتُهُ فكأنّه / بُرْدٌ تَنشّرَ بالفَلاةِ مُسَهَّمُ
وَإِذا المطيُّ بنا بلغن مكانه / فمكلِّمٌ منّا له ومسلِّمُ
ومن الشَّجا أنّا نكلّم في الثّرى / من لا يُصيخُ لنا ولا يتكلّمُ
أطوادُ عزّك لا تُرامُ
أطوادُ عزّك لا تُرامُ / ولَصِيقُ بيتك لا يُضامُ
ولك المكارمُ قصّرتْ / عن نيل غايتها الكرامُ
وإذا حللتَ ببلدةٍ / فكأنّما حلَّ الغمامُ
ولقد درى كلّ الملو / كِ بأنّك الملك الهمامُ
وإذا هُمُ قِيدوا إلي / ك فأنت رضوى أو شَمامُ
وكأنّما أنتَ الضّيا / ءُ لمبصرٍ وهمُ الظّلامُ
وَإِذا اِقتَسمتم فالشَّوى / لهُمُ وحصّتُك السّنامُ
وسلا الملوكُ عن العَلا / ءِ وأنت صبٌّ مستهامُ
فمتى رأوك مشمّراً / لعظيمةٍ قعدوا وقاموا
ولربّ معضلةٍ يُقَض / ضُ لبُعدِ مطلبها المنامُ
ضاقوا بها ووسعتَها / ورأوك يقظاناً فناموا
للَّه دَرُّك في مُقا / مٍ لا يطيب به المقامُ
والرّمحُ يَنطُفُ في يمي / نِك من نجيعٍ والحسامُ
والخيلُ تعثر في الجما / جم والشّفيع لها القَتامُ
لم يبقَ فوق جلودها / بالطّعنِ سرجٌ أو لجامُ
والدمّ ملءُ فروجها / وإهابُهُ موتٌ زُؤامُ
والأرضُ حمراءُ القَرا / حصباؤها جُثَثٌ وهامُ
يهتزّ فوقهمُ وقد / طُرحوا ثُغامٌ أو بَشامُ
لهمُ بطونُ الطّير أج / داثٌ وأكفانٌ رَغامُ
لاموك في حسدٍ وكمْ / من لائمٍ فيه الملامُ
ورأوا قعودَك في أمو / رٍ والصّوابُ بها القيامُ
وتوهّموا جهلاً بأن / نك مغمداً سيفٌ كَهامُ
حتّى رأوك وقد نَهضْ / تَ بِعبْئِها وهمُ رغامُ
وركبتها متوفّراً / خرقاءَ ليس لها زِمامُ
وملكت منها ما وهبْ / تَ وفي يديك لها اِنتِقامُ
لك من إلهكِ والعُلو / قُ بِحَبلِهِ جيشٌ لُهامُ
والنّصرُ منه وحده / إنْ خان نُصَّارٌ وخاموا
كَم أَخرَجَتك عَن المضا / ئقِ منه أفعالٌ كرامُ
كم ذا أجار ولا مجي / رٌ أو أذمّ ولا ذمامُ
كم أوْقدوا ناراً لها / في كلّ ناحيةٍ ضَرامُ
فنجوتَ منها وهي بَرْ / دٌ لا يَضيرك أو سلامُ
إنّي أودّك والمود / دَةُ خيرُ ما حُبِيَ الأنامُ
وولايتي لك عروةٌ / وثُقى فليس لها اِنفِصامُ
وإذا ذكرتُك عرّجتْ / عن ساحتي الخططُ العظامُ
وقصائدٌ لِي في أبي / ك وفيك زين بها الكلامُ
راقتْ فجُنّ بها رُوا / ةُ الشّعر أوْ غنّى الحَمامُ
فكأنّما هي روضةٌ / بالحَزْنِ جاد بها غَمامُ
أو دِيمةٌ وطْفاءُ ضا / حكها نسيمٌ مُستهامُ
ولها بكلّ مفازةٍ / رَتَكٌ كما رَتَكَ النّعامُ
وصحائحٌ وَلَرُبَّ شِع / رٍ لا يفارقه السَّقامُ
فاِفطرْ فَقد أثني بما / أوْلَيْتَه ذاك الصّيامُ
شهرٌ يمرّ وليس في / ه نزاهةً فعلٌ حرامُ
وصحائفٌ يرفعنها ال / أملاك ليس بها أَثامُ
وكأنّما أَرَجُ الجمي / لِ بها عَبيرٌ أو مُدامُ
فدُمِ الدّهورَ فبعض ما / ذخر الإلهُ لك الدّوامُ
وبناؤك المرفوع في ال / عَيّوق ليس له اِنهِدامُ
وعليك تجتاز الشُّؤو / نُ مخلّداً عامٌ فعامُ
وإذا ألمَّ ردىً فلي / س له لداركُم لِمامُ
وَكَفى به اللَّه الكفا / يةَ كلّما فَغَرَ الحَمامُ
من ذا يؤمّلُ بعدك الأيّاما
من ذا يؤمّلُ بعدك الأيّاما / ويروم في الدّنيا الغداة مراما
خلطت مصيبتك الولاةَ ونظّرَتْ / بين الرّجال وسوّتِ الأقداما
فاليومَ لا حرمٌ يُصان ولا شباً / يُخشى ولا عِزٌّ عليه يحامى
الملكُ زالَ دعامُهُ وقد اِلتوى / والجيشُ ضلّ دليلُهُ فأقاما
والرّأي مشتَرَكٌ بأيدي معشرٍ / لا يحسنون النّقضَ والإبراما
كانَت حَياتُك للزّمان حياتَه / وغدا زمانُك للزّمان حِماما
فَبُكاؤنا حِلٌّ عليك وطالما / كان البكاء على سواك حراما
ماذا الّذي صَنع الحِمام فإنّه / ما جَبَّ إلّا ذُرْوَهً وسناما
وهوى إلى مَطْوى الشّجاعِ فحازه / واِستلَّ مِن أَخياسه الضّرغاما
ما ضرّه لو كان قدّم غيره / لكنّه يتخيّر الأقواما
ومعوَّدٍ جَذْبَ الأزمّةِ في الورى / جذَب الرّدى منه إليه زماما
بلغ المُنى ويزلّ مَن بلغ المُنى / وَكَما اِعتبرتَ النّقصَ كان تماما
يجني الحِمامُ ونحن نُلحِي غيره / فاِذهبْ حِمامُ فقد كُفيتَ مَلاما
تَعدو على مَن شئتَ غيرَ مدافَعٍ / تَلِجُ البيوت وتدخل الآطاما
قُل للّذين بنَوْا عليه ضريحَه / وطَوَوْا عليه صفائحاً وسِلاما
لَم تدفنوه وإنّما واريتُمُ / في التُّربِ منه يَذْبُلاً وشَماما
وَكأنّما الجَدَثُ الّذي وُسِّدْتَه / جَفْنٌ تناول من يديَّ حساما
أرِجُ الجوانبِ لم أُصِبْهُ بمنْدَلٍ / لَدِنٍ ولم أشنُنْ عليه مُداما
ما زال والأوتارُ تحقر غيظَه / يُضوِي الحقودَ ويُسمنُ الأحلاما
وتراه يدّخر المكارمَ والعُلا / وسواه يذخر عسجداً أوْساما
إنّ الجيوش بلا عميدٍ بعده / فَوْضى كسِيد الدَّوِّ راع سَواما
يُغضون من غير العَوارِ عيونَهمْ / جوعاً له ويطأطئون الهاما
فضعوا السّيوفَ عن الكواهل خُشَّعاً / فحسامكمْ قد شامه مَن شاما
وإذا أرادكُمُ العدوّ فأَحجِموا / ذَهب الّذي يعطيكُمُ الإقداما
وإذا عقرتمْ فالجيادُ فلا فتىً / يبغيكُمُ الإسراجَ والإلجاما
كُبّوا الجِفانَ فليسَ تُملأ بعدهُ / للنّازلين من الضّيوفِ طعاما
وتعوّضوا عنه القُطوبَ فلن تَرَوْا / من بعده متبلِّجاً بَسّاما
والثَّغْرَ خافوه فقد أخذ الرّدى / مَن كان للثَّغرِ المخوفِ كِعاما
واِنسَوا نظامَ الأمر بعد وفاتهِ / بَطَلَ النّظامُ فما نحسّ نظاما
قد بصّرتنا الحادثاتُ وأيقظتْ / منّا العقولَ وإنّما نَتَعامى
وأرَتْ مصارعَنا مصارعُ غيرنا / لكننّا نَتَقَوَّتُ الأوهاما
يُفنِي البنينَ اليومَ مَن أفنى لهمْ / من قبله الآباءَ والأعماما
أين الّذين على التِّلاعِ قصورُهمْ / قطعوا السّنينَ وصرّموا الأعواما
من كلّ معتصبِ المفارقِ لم يزلْ / تعنو له قِممُ الرّجالِ غلاما
ومحكّمين على النّفوسِ كرامةً / حَكم الزّمانُ عليهمُ فأَلاما
لمّا بَنَوْا خُططَ العَلاءِ وشيّدوا / قَعدَ الرّدى فيما اِبتَنَوْهُ وقاما
سكنوا الوِهادَ من القبور كأنّهمْ / لم يسكنوا الأطوادَ والأعلاما
أَأَبا عليٍّ دعوةً مردودةً / هيهات يُسمعك الأنيس كلاما
ما لي أراك حللتَ دارَ إقامةٍ / من حيث لا تهوَى الرّجالُ مقاما
هبّ النّيامُ وفارقوا سِنَةَ الكَرى / وأراك مُلْقىً لا تهبّ مَناما
شِبْهَ السّقيمِ وليت ما بك من ردىً / نزلتْ به الأقدارُ كان سقاما
جادتْك كلُّ سحابةٍ هطّالةٍ / وحدا الغمامُ إلى ثراك غماما
وعداك ما كان الجَهامُ فلم تكنْ / لمُريغِ ما تحوي يداك جَهاما
وعليك من ماضٍ سلامُ مودِّعٍ / ويقلّ إهدائي إليك سلاما
كنّا جميعاً ثمّ فرّق بيننا
كنّا جميعاً ثمّ فرّق بيننا / قَدَرٌ إذا ما كفّ صمّ وصمّما
فارقْتُ منه طِيبَ عيشي كلَّه / ورُزِئْتُهُ فرُزِئْتُ منه الأنعما
وحملتُ كلَّ عظيمةٍ من بعدها / خُولِسْتُ مَن كان الأجلَّ الأعظما
وكأنّني من بعد أنْ فارقتُه / كفٌّ يفارق ساعداً أو مِعصما
ما نلتقي من بعد أن صار الثّرى / مَثْواك إلّا أنْ أعوج مسلِّما
والوصلُ كان محلَّلاً حتّى اِهتدتْ / طُرُقاته البَلْوى فصار محرّما
وعليك من ربّ السلام تحيّة / وسقاك منحلّ العَزالِي مفعما
وعليَّ إهداءُ المراثي شُرَّداً / في كلّ يومٍ عشتُهُ متكلّما
جزعتْ أمامَةُ من مشيب الر
جزعتْ أمامَةُ من مشيب الر / رَأسِ إذ سفهتْ أُمامَهْ
وتنكّرَتْ بعد الصُّدو / دِ وقد ألَمَّ بنا لِمامَهْ
واِستعبرتْ لمّا رأتْ / في لِمَّتِي منه اِبتسامَهْ
ورأَتْ على ظُلَمِ المفا / رِقِ من تَوَضّحِهِ علامَهْ
مثلُ الثّغامة لونُها / لكنّها غيرُ الثّغامَهْ
وتظلَّمتْ منه على / أنْ ليس تنفعها الظُّلامَهْ
وَلَقد أَقول لَها وكمْ / من قائلٍ أَمِنَ المَلامَهْ
لا تُنكِرِي ثَمَرَ المشي / ب فإنّه ثَمَرُ السَّلامَهْ
يَومَ الحِمى ما أَنتَ مِن همّي
يَومَ الحِمى ما أَنتَ مِن همّي / فارَقتُ فيكَ الرّوحَ مِن جسمي
حثّوا لفُرقتك الجمالَ وما / حثّوا النّوى إلّا عَلى رغمي
قالوا شكوتَ الحبّ في كَلِمٍ / مَنظومةٍ مِن غَيرِ ما كلمِ
يا لَيتَ زعمَهُمُ وَما صَدَقوا / كانَ المصدَّقَ فيَّ لا زَعمي
يا ربّةَ الخدرِ الّتي اِعتَمَدت / قَتلي فَأَخرَجها إلى سقمي
لَو كانَ لي مُعدٍ عَليك لما / أَقدمتِ آمنةً على ظلمي
وَغريرةٍ في عَصرِ شرَّتها / يَنمي الغرامُ بِها كما ينمي
مَطَلَت وَقد جدّت فليسَ لَها / إِن لُمتَها عُذرٌ منَ العدمِ
فَمَتى شكوتُ الوجدَ أَعطفها / قامَت تُعاقبني بلا جرمِ
لَو كانَ لِلواشينَ مقدرةٌ / ما سوّغوك زيارَة الحلمِ
زُرتِ الأُلى باتوا بكاظمةٍ / مُتَملمِلين جوىً على الرضمِ
طَرحوا الخدودَ عَلى سواعدهم / وَاللّيلُ في أَثوابِهِ السُّحمِ
وَلَقد طَرقتِ وَما طروقُكِ في / عِلمٍ لِقائِفِهِم ولا رجمِ
يَهوى رجالٌ لا حلومَ لَهُم / أنّي خرجتُ لَهُم على الحلمِ
وَيُريد منّي أَن أُساجِلَهُ / من لا خطور له على وهمي
يرمونني ويودّ جاهلهم / أنّي كَما يَرمونني أرمي
هَيهاتَ ما إن قلّ عَن مِدَحي / إلّا اِمرؤٌ قد قلّ عن ذمّي
دقّوا كَما دقّ المحالُ وما / لا طائلٌ فيه عن الفهمِ
لَو كنتُمُ لا كنتمُ أبداً / أُسداً لَما أَطعمتكُم لَحمي
ما بالُكم تَدمى أَظافرُكم / في بَحثِكم عنّي ولا تُدمي
وَكمِ الخصامُ وما يعدُّكمُ / أحدٌ مِنَ الأقوامِ من خصمي
إنّ الهوى وَالرّأيَ ما اِجتَمعا / الرّأي يُبصِرُ وَالهَوى يُعمي
إِن كُنتَ يا ذا الودّ تُنكِرُ ما / قَنَصَتهُ عَينُك فيّ مِن همِّ
فَأدِر كُؤوسَكَ وَهيَ مترعةٌ / صرفاً بِغيرِ سُلافةِ الكرمِ
لا تُعطِنيها ثمّ تُغرِمني / شَيئاً أضنُّ بِهِ عن الغرمِ
بلّغ هَداك اللَّه مألُكةً / ملكَ الملوكِ العُربِ والعجمِ
مِن ناطقٍ بِثناءِ منّتهِ / وَعَطائِهِ المترادِفِ الجمِّ
أَنتَ الّذي أَوليتني نعماً / لَم يحصها نَثري ولا نظمي
وَرَفَعتني عَن أَن تسمِّيَني / فَدَعَوتني شَرفاً بغيرِ اِسمي
يا اِبنَ الَّذين تَبوؤوا قللاً / في المَكرُماتِ مَنيعة الهدمِ
حلّوا اليَفاعَ فَما علَوا شرفاً / حتّى عَلَوا شَرفاً على النجمِ
لا جارُهم يخشى البياتَ ولا / مَن عاقدوه يخاف من هضمِ
أَعيَوا عَلى بُهَمِ الرّجالِ ردىً / ولدى ندىً أعيوا على الذمِّ
بِأَناملٍ تَندى إِذا اِعتصرت / ومعاطسٍ وموارنٍ شمِّ
مِن كلّ غرثان الجنانِ من الش / شَنعاءِ ملآنٍ من الحزمِ
قَومٌ يشنّونَ الغوارَ على / أَرضِ العدوِّ بِقرَّحٍ بهمِ
لا ينذرونَهُمُ وَإِن بعدوا / وَطَناً بِغيرِ قَعاقِعِ اللّجمِ
وَبِأذرُعٍ تَنهلُّ حامِلَةً / إمّا لِبيضٍ أو قناً صمِّ
ساعِد جُدودَك وهيَ كافلةٌ / في النُّجحِ وَالتصمِيمِ والعزمِ
كاللّيثِ يَستَدني فَريسَتهُ / فَيسانِدُ التَظفيرَ بِالعذمِ
وَخذِ الّذي أَسأَرت من طرفٍ / متنظّراً لِندائك الحتمِ
وَاِضمُم أَقاصيها فَلَيسَ لِما / نَشَرَ الرِّجال قواهُ كالضَّمِّ
وَاِختَر لِنَفسكَ مَن عَجَمتَ فَما / حُمِلَ القنا إلَّا على العجمِ
لا تحقرنَّ صَغيرةً عَرَضَت / فَالسمُّ حَشوُ أَصاغرِ الرقمِ
فَدقيقُهنَّ جَليلهنَّ غداً / وَمنَ الأفيل مَنابتُ القرمِ
لَولا مكيداتُ الرّجالِ لما / زلّت صُخور النيق بالعصمِ
وَلَكانَ ما في اليمِّ مِن عَجبٍ / نالَتهُ أَيدي الناسِ في اليمِّ
والأسدُ لَولا خَوفُ بَطشَتِها / وَنَفاذُها سُوِّين بالبهمِ
فَاِسلَم لَنا ملكَ المُلوكِ وَإِن / فُقدَ الورى حرباً وفي سلمِ
فَاِسعَد بِيَومِ المهرجانِ وَنل / ما شِئتَ مِن نفلٍ ومن غنمِ
تَبقى بَقاءَ الطالِعات دُجىً / مِن غَيرِ مَنقصةٍ ولا ثلمِ
في عزِّ مملكةٍ ممنّعةٍ / يَشوي مَراميها ولا يصمي
وَأَصِخ وُقيتَ بِنا لقافيةٍ / تَبقى بقاءَ صُخورها الصمِّ
صَدقت مَعانيها فليس لِمَن / نَظَم الكَلامَ بِها سوى النظمِ
مَحجوبةٍ عمّن سِواك كَما / حَجَب الغباءُ الفهمَ عن فدمِ
لا عَيبَ فيها غيرُ واحدةٍ / وَالبدرُ يَنقصُ لَيلةَ التَّمِّ
إِنّي اِستَنَبتُ سوايَ يُنشدها / وَأَنا الجديرُ بِذلك القسمِ
وَإِذا حُرِمتُ وُصولَها بيَدي / أَنفذتُ نُسخَتها عَلى رَسمي
مِن أين لِي مُعْدٍ على الأيّامِ
مِن أين لِي مُعْدٍ على الأيّامِ / ومعالجٌ فيهنَ طولَ سقامي
أو ضامنٌ لِي أن أُعمّر ساعةً / والموتُ من خلفي ومن قُدّامي
ما لي بما تقضي اللّيالِي طاقةٌ / يا صاحِ في نَقْضٍ ولا إِبرامِ
عصف الرّدى بأقاربي وأصاحبِي / وَاِلتَفّ بالآباءِ والأعمامِ
وَاِجتَثَّ إِخواني مَعاً وقبائلي / وَاِجتذّ نَبْعي تارةً وثُمامي
وأَباتَنِي صِفْرَ الأناملِ من أخٍ / آوي إليهِ أوْ أبلُّ أُوامي
وأرى من الأقوام لمّا أنْ مُحُوا / بيد الرّدى ما حلّ في أقوامي
كم ضلّ عنّي ما أحاول واِهتدى / داري الّذي لم يجر في أوْهامي
وأتى النّجاحُ فتىً وما أنْ سامَهُ / وَمضتْ بخيبتِها يدُ المُستامِ
هَل نَحنُ في الأيّام إِلّا معشرٌ / صُمٌّ بلا فهمٍ ولا إِفهامِ
وكأنّنا فيها نَحُزُّ جلودَنا / حَزَّ المُدى لحماً على أوضامِ
نهوى وِصالَ مَلولَةٍ قطّاعةٍ / ونريد مثوى غير ذاتِ مقامِ
وَأُريد لِي فيها دواماً كاذباً / ما تمَّ في أحدٍ وأين دوامي
والمرءُ في هذي الحياةِ مُحكِّماً / يُمناهُ بين تصامُمٍ وتَعامِ
في أسرِ تقتيرٍ مكانَ تكرُّمٍ / أو قهرِ إقدامٍ مكانَ تحامِ
وَتَقودُه ذُلّاً وصَغراً مَذقَةٌ / من خائلٍ أوْ وَدْقَةٌ لجهَامِ
وَلَنا النّهى وكأنّنا في غَفلةٍ / في هذه الدّنيا من الأنعامِ
نَبكي عَلى الدنيا وَمِنها دَهرنا / فالجَفْنُ منها أو عليها هامِ
ورضاعُها لا دَرّ دَرُّ رضاعها / فهو البليّةُ في جوار فطامِ
وَكأنّما العمرُ الطّويلُ إِذا اِنقضى / طيفٌ رأَتْه مُقلةٌ بمنامِ
ويغرّني فأظنّ أنّي خالدٌ / ما طالَ أَو ما اِمتدّ من أعوامي
وإذا وعظتُ بمن أُصِبتُ من الورى / فحِمامُ كلِّ العالمين حِمامي
كم ذا فرجتُ شدائداً ودفعتُها / بالرّمحِ آونةً وبالصّمصامِ
ورقيتُ في الآدابِ كل ثنيّةٍ / وعلَوْتُ في الأطلاب كلَّ سَنامِ
حتّى إذا أمّ الحِمامُ زيارتي / لم يُنجِ إسراجي ولا إِلْجامي
لا بدّ للسّاري دُجىً من وقفةٍ / والنّاطقين بنا من الإرْمامِ
والصّاعدين على الورى فوق الرُّبى / من أن يُحَطّوا عن ذُرا الأعلامِ
وَمُصيبةٍ غطّتْ عليَّ بَصيرَتي / ورمتْ ضياءَ جوانحي بظلامِ
وغفلتُ عنها والرّزايا زُوَّرٌ / ساحاتِ أيقاظٍ ورَبْعَ نيامِ
وتسلَّمتْ وَسَنَ الكَرى من مُقْلَتِي / وتناولتْ خَفْضِي من الأيّامِ
وتقطّعتْ عِصَمِي وكان حلولُها الس / سَبَبَ القويَّ إلى اِنحلالِ نظامي
ولقد هفا قلبي بها وَلَعثرَةٌ / بِالقَلبِ تُنسي عَثْرةَ الأقدامِ
قُلْ لِلوزيرِ وَقَد حسا مِن حَرّها / لمّا أتَتهُ غَير كَأسِ مُدامِ
حوشيتَ من حزنٍ عقيبَ مسرَّةٍ / فينا ومن نقصٍ بُعَيدَ تمامِ
وَإِذا خَطاك الدّهرُ لم يجتزْ بما / لا نرتضيه فما عليه ملامي
وَإِذا اِلتَوَتْ عن ساحتيك صُروفُهُ / عفواً فقد فُزنا بكلّ مَرامِ
وإذا بقيتَ مُسلّماً فَلَهيِّنٌ / مَن بات حَشْوَ جنادلٍ وسِلامِ
وإذا صححتَ من الكُلومِ فدع بنا / مَن شئتَ مجروحاً بكلّ كِلامِ
وإذا السَّراةُ تَخصَّصَتْ وتمنّعَتْ / فدعِ الشّوى تُرمى بأيّ سِهامِ
فَاِصبِرْ لَها وإنِ اِرتَمَت فطالما / يَزداد في اللّأواء صبرُ كِرامِ
وإِذا جزعتَ فكيف يصبر معشرٌ / ما فيك ليس بهمْ من الأحلامِ
ولَربّما أثِمَ الحزينُ ولم تزلْ / فينا عَرِيَّ الكفِّ من آثامِ
أَنتَ الّذي لمَّا نزلنا شِعْبَه / لُذنا بهَضبَي يَذْبلٍ وشَمامِ
وإِذا تقاسمتِ الرّجالُ وكان في / قسمٍ فذلك أوْفرُ الأقسامِ
وَإِذا اِحتبى فَعلى السّكينةِ والنُّهى / وَإِذا اِختَطى فإِلى المحلِّ السامي
وَمكارمٌ مَشكورةٌ حينَ اِفتَدتْ / فينا طويلَ لِزامها بِلمامِ
وليُسلَ عنه إنّ آخذَه الّذي / أَخَذَ الشُّبُولَ ردىً من الضِّرغامِ
أَنَا مُقتدٍ بك في الأمور وضاربٌ / أنّى حللتَ من البلادِ خيامي
وإذا حللتَ أسىً حَلَلْتُ وإن تُرِدْ / صبراً صبرتُ وفي يديك زِمامي
وبحسبِ ما ترجو قعودِيَ وادعاً / وبحسب ما تخشى يكون قيامي
وضربتُ منك بحدّ عَضْبٍ قاطعٍ / لمّا ضربتُ من الورى بكَهامِ
لا تُنكِرَنْ مَيْلِي إذا ما مِلْتُ في / صَعْبٍ يلمُّ وأنتَ فيه دِعامي
فَجميعُ أَعضاءِ الرّجالِ تصرُّفاً / طولَ الزّمانِ توابعٌ للهامِ
كلُّ الوصائِلِ يُقتَطعنَ على الفتى / إلّا وِصالَ محبّةٍ وغرامِ
يا آلَ عبّاسٍ ومَن لولاهُمُ / كنّا بلا سُرُجٍ على الإظْلامِ
إنْ يمضِ منكمْ شيخُكمْ فلَفَحلكم / باقٍ لكمْ ولنا على الأعوامِ
وَلْيُلْهَ عن ماضٍ مضى ثاوٍ ثوى / وليُسْلَ عن نهرٍ ببحرٍ طامِ
وإذا ذوى غصنٌ فلا جزعٌ وقدْ / أبقى لنا الأصلَ الأشمَّ السّامي
لم يمضِ عنّا من مضى وظلامُهُ / لِتَهجُّدٍ ونهارُهُ لصيامِ
صلّى الإلهُ على الّذي قَنَصَ الرّدى / وعلى ثراه تحيّتِي وسلامي
ولْتَبْكِ فيه غُدْوَةً وعشيّةً / في كلِّ يومٍ عينُ كلِّ غمامِ
فلقد مضى صِفْرَ الحقيبةِ من قذىً / عُرْيانَ من دَنَسٍ وثوبِ حَرامِ
أرضى بطاعتِهِ الصّباحَ ولم يكن / يوماً عليه ملامةٌ لظلامِ
فَلَقَلَّ فيه رعايةً لحقوقِهِ / ما سيّرتْ أو سطّرَتْ أقْلامِي
وزائرٍ ما زار إلّا
وزائرٍ ما زار إلّا / في سوادِ الظُّلَمِ
جاد ولم يدرِ بما / جاد ولمّا يعلمِ
ومتّعَ القَلْبَ من ال / خير بما لم يَدُمِ
بات الكرى يشفع لي / في نيلِ تلك النِّعَمِ
عطيّةٌ ما طُلبتْ / ومِنَّةٌ لم تُرَمِ
لا عيبَ إلّا أنّها / زيارةٌ في الحُلُمِ
خادَعْتَنِي بزيارةِ الحُلُمِ
خادَعْتَنِي بزيارةِ الحُلُمِ / وظلمتَ لمّا جئتَ في الظُّلَمِ
وعددتها جهلاً بموقعها / من جملةِ الإحسانِ والنِّعمِ
وظننتُ أنّك طاردٌ سَقَماً / فجلبتَ لي سُقماً على سَقَمِي
وَصْلٌ بغير رِضىً ولا لِهوىً / وعطيّةٌ ليستْ من الكَرَمِ
كذِبٌ وما شكرٌ على كَذِبِ / ما صحّ في فكرٍ ولا كَلِمِ
ووددتُ من مَقْتي مخادعتي / أنّ الرُّقادَ جفا فلم أنَمِ
قالوا أمَا اِستمتعتَ قلتُ لهمْ / هل متعةٌ لفتىً من العَدَمِ
ما الطّيفُ إلّا كالسّراب ولا / رِىٌّ بغير البارِدِ الشَّبمِ