المجموع : 4
طَيفٌ أَلَمَّ فَزادَ في آلامي
طَيفٌ أَلَمَّ فَزادَ في آلامي / أَلمٌ وَلَم أَعهَدُهُ ذا إِلمامِ
لَمّا تَجَنَّبَ رُؤيَتي مُستَيقِظاً / جاءَت بِهِ الأَضغاث في الأَحلامِ
وَأَتَت بِهِ في حَندَسٍ مُتَنَكِّراً / كَالبَدرِ مُستَتِراً بِثَوبِ جَهامِ
فَطَفِقت الحَظُ لؤلؤاً مِن ثَغرِهِ / وَأَضمُّ غُصناً تَحتَ بدر تَمامِ
في لَيلَةٍ ما أَن أَقوم بِشُكرِها / لَمّا خَلوتُ بِه مِنَ اللُوامِ
حَتّى إِذا برق الصَباحُ لِناظِرٍ / فارَقته كُرهاً عَلى إِرغامي
وَأَقامَ مُعتَكِفاً عَلى هِجرانِهِ / فَهَجَرتُ صَبري حينَ عَزَّ غَرامي
نادَيته وَمَدامِعي مُنهلَّة / كَالغَيثِ مُنهَمِراً بودَقِ رهامِ
يا مسقمي من طَرفِهِ بِسِقامِهِ / رِفقاً بِقَلبي قَد أَطَلتَ هُيامي
لا تَجمَعَن عتباً وَطول قَطيعَةٍ / يَوماً فَتَركَب مقطع الآثامِ
يا مَن يَرى حِلُّ الوِصال مُحَرَّماً / وَيَرى حَرام الوَصلِ غير حَرامِ
إِن دامَ هَجرك لي وَعَزَّ تَصَبُّري / رَغماً وَطال تَشَوُّقي وَسِقامي
وَغَدا لَك الدَهر الخَؤونُ مُساعِداً / في هَجرتي وهجرت طَيف مَنامي
فَإِلى أَبي نَصرٍ أَبُثُّ ظُلامتي / وَأَكونُ منه في حِمىً وَذِمامِ
مَن لا أَرى إِقبال دَهرٍ مُقبِلٍ / حَتّى أَراهُ وَلا كَريمَ كِرامِ
وَإِذا برَت يُمناهُ أَسمَرَ ناصِلاً / يَوماً زَرى بِفَصاحَةِ الأَقلامِ
قَلَمٌ إِذا ناجاهُ وَهوَ ضَميره / نطقت فَصاحَته بدمع هامي
بَقضي بآجال وَفَيضِ مَواهِبٍ / وَتُطيعُهُ الأَقدارُ في الأَحكامِ
لَم يَبقَ من يُرجى لِدَفعِ ملمةٍ / وَيجير من ظلم أَو اِستِهضامِ
إِلّا أَبو النَصر الَّذي أَنعامه / مُتواتِرٌ يَهمي كَصوب غَمامِ
حَتّى إِذا عَلِمَ الزَمانُ بِأَنَّني / من لائِذيه حادَ عَن إِقدامي
وَأَتى إِليَّ بِذُلِّه مُتَنَصِّلاً / مِن بعد عِزَّتِهِ وَعادَ غُلامي
نادَيته يا دهر قَدكَ فَقَد وَهى / صَبري وَفارَقَني بَنو الأَعمامِ
وَرَحَلتُ عَن بَلَدٍ يَعز علَيهِمُ / مِنّي مُفارَقَتي وَبُعد مَرامي
نَحوَ امرىءٍ ما زالَ مُرتَقى العُلى / حَتّى سما وَعَلا عَلى بُهرامِ
وَلَكَ الذِمام بِأَنَّني لك آخِذٌ / منهُ أَماناً فاِنصَرَفَ بِسَلامِ
أَلا تروعك نَبوَة من عَزمِهِ / حَتّى تَقَلَّدَ ظالِماً آثامي
ثُمَّ اِنبرأت إِلَيكَ أَدَّرعُ الفَلا / متنسّشماً لنَداكَ وَهوَ أَمامي
أَطوي الفَيافي وَهيَ غير مهولَةٍ / عِندي بِقَطع سَباسِبٍ وَأَكامِ
بأمونَةٍ حَرفٍ سَمَت بِمَناسِمٍ / فيها من الرَمضاء كالأَوشامِ
وَمكان سوطي في المسير إِرادَتي / في سيرها وَاللَيلُ بحر ظَلامِ
سيري على إِسمِ اللَهِ نَحوَ مُجَلببٍ / دونَ الوَرى بالعِزِّ والإِعظامِ
فتسفّ بي كالطَير حَنَّ لِوَكرِهِ / وَتَزيف في رقل لَها وبُغامِ
أَلقى الهَجير بِصَفحَتي مُستَقبِلاً / لا أَرعَوي عنهُ بِرَدِّ لِثامي
وَمُقارِني هجر الكرى وَمُساعدي / في سَفرَتي عَزمي وَحَدُّ حُسامي
حَتّى حَلَلتُ بِبابِ ربعكَ آمِناً / وَالسَعدُ من خَلفي وَمِن قُدّامي
لَمّا دَعوت المدح فيكَ أَجابَني / منه بِقَولٍ بَيِّنِ الإِفهامِ
لَم يَبقَ ذو كرم لِدفع مُلِمَّةٍ / إِلّا أَبو نصر الخِضَمِّ الطامي
ملك يَداه المكرماتُ بِأَسرِها / فَغَدا يُذَلِّلُها بِغَير لِجامِ
نادى المَكارِمَ وَالحِجا فَأَتَت لَهُ / مُنقادة طوعاً بِغَيرِ لِجامِ
ذو هِمَّةِ في المكرمات عَليِّها / ذو عزمةٍ أَمضى من الصِمصامِ
ضُربت لَهُ فَوق السِماكِ مَنابِراً / مَحفوفَةٍ بِمَضارِبِ وَخيامِ
وَإِذا بَدا ذكر له في سادَةٍ / قاموا لهيبَتِهِ عَلى الأَقدامِ
لو كانَ يَعبُدُ مُفضلٍ بِفَضيلَةٍ / جَلَّت لَكان بِذاكَ غير مُلامِ
لَمّا رأى مَولاهُ نَجدَةَ رأيه / في كُلِّ عَبدٍ ناصِحٍ وَكِتامي
رَدَّ الأُمورَ إِلَيهِ في إِبرامِها / فَكَفاهُ مَعنى الحَلِّ وَالإِبرامِ
يا سائِلي عنه لتخبرُ فَضلَهُ / اِصغِ لِتَسمَعَ مَنطِقي وَكَلامي
اللَه يَصنَع ما يَشاء بِقُدرَةٍ / جَلَّت دَقائِقها عَنِ الأَوهامِ
جَعَل البَريَّة كُلَّها في واحِدٍ / فَغَدا لَهُ فَضلٌ مبينٌ نامي
بِفَصاحة وَسَماحَة وَبَشاشَةٍ / وَشَجاعَةٍ تُزري عَلى الضِرغامِ
وَبَلاغَةٍ لَو قِستَ سَحباناً بِها / أَلفيته ذا مَنطِقٍ تِمتامِ
مِن حاتِمٍ جوداً إِذا ذكر النَدى / مِن سَيفِ ذي يَزَنٍ مِنَ الأَقوامِ
مِن قُسَّهم نظماً ومن فُصحائِهِم / نَثراً وَمِن لُقمانَ في الأَحكامِ
مِن يوسِفٍ في عِفَّةٍ وَصَباحَةٍ / مَن مِثلُهُ عَلماً لفَصل خِصامِ
هاتيك أَسماءٌ خلت وَفِعالها / مِنّا كَأَشباحٍ بِلا أَجسامِ
خُذ ما تَرى وَدَعِ السَماح فَرُبَّما / زادَ السَماع عَلى ذَوي الأَفهامِ
هوَ أَوَّلُ آخِرٌ في فَضلِهِ / هوَ باطِنٌ هوَ ظاهِرُ الإِنعامِ
هوَ مفرَدٌ في بَذلِهِ وَنواله / هوَ معتِقُ الأَسرى من الإِعدامِ
هَذا أَبو نصر الَّذي ورث العُلى / عَن سادَةٍ نُجُبٍ بِغَير كَلامِ
يُعطي التِلادَ لِسائِليه تَكَرُّماً / وَطَريفه يَحبو عَلى الإِتمامِ
وَإِذا انتَضى قلماً لِدَفعِ كَريهَةٍ / خَضَعت لَهُ الأَشبال في الآجامِ
تَغدو الصَوارِم وَهيَ طوع مُراده / تَقضي أَوامره بِغَيرِ سَلامِ
وَكَذا قَضى لِلمشرفية أَنَّها / أَبَداً تطيع أَوامِر الأَقلامِ
واِعلم بِأَنّي لَم أَعره شهادَةً / مُتَغالِياً وزراً وَلا مُتَحامي
لَكِن مناقبه تفرَّق جِمعُها / بَينَ الوَرى فجمعتُها بِنِظامِ
قَلَمٌ إِذا اِفتَتَحت يَداهُ لِنائِل / فاضَت عَلى الآفاقِ بِالأَقسامِ
إِنّي قَصَدتُك مِن بلاد قَد نأت / وَبعدت عَن أَهلي وَعَن آطامي
وَيَقودني حسنُ الرَجاء بِأَنَّني / قَد نلت ما أَهوى مِنَ الأَيّامِ
فاِصرِف إِليَّ تَصَرُّفاً أُحظى بِهِ / وَأَكون مَعدوداً مِنَ الخُدّامِ
فَإِذا رَأَيتَ كِفايَتي وَأَمانَتي / وَصيانَتي عرضي وَحُسن قِيامي
فيما نُدِبتُ لَهُ وَحسن سِياسَتي / كنتَ المُخَيَّرُ أَنتَ في اِستِخدامي
أَولا فجد لي بِاليَسير فَإِنَّني / أَرضى بِما تولي مِنَ الإِكرامِ
وَعلمتُ أَنَّ الأَرض يَصغر قدرها / وَجَميعُ ما تَحوي مِنَ الأَنعامِ
إِنَّ قستها كرماً وَضِعفاً ضِعفُها / ما قَلَّ ما تَحوي مِنَ الأَنعامِ
جُد لي بِما يبلى أَجد لَكَ بِالَّذي / يَبقى لجدَّته عَلى الأَعوامِ
واسلم وَعش ما لاح نجم في العُلى / وَدعا الحمام بأيكِهِ لِحَمامِ
نَفسي الفِداء لِلَحظِها من رامِ
نَفسي الفِداء لِلَحظِها من رامِ / وَلطَرفِها من أَنصُلٍ وَسِهامِ
وَلِثَغرِها من ضَوءِ بَرقٍ لامِعٍ / لَو أَتبعته لَنا بِصَوب غَمامِ
قالوا تأسَّ بِجَفنِها في سُقمِهِ / شَتّان بَينَ سِقامه وَسِقامي
سقم الجُفونِ وَإِن تَزايَد صِحَّة / أَبَداً وَسُقمي كل يَوم نامي
جُرحَ العُيون النُجل جرح كاتِم / لِدمائهِ أَشوى الجِراح الدامي
لَو لَم يَكُن هَذا الهَوى سِحراً لما / صادَ الليوثَ الغُلبَ بِالآرامِ
تَبَّعتهم يَومَ الرَحيل بِمُهجَتي / تبع الفَلاء الخَيل بَعدَ فِطامِ
وَأَقَمت بَعدَ وَلِلزَّمان عَجائِب / منها ترحُّل مُهجَتي وَمُقامي
رَحَلوا بمثل البَدر إِلّا أَنَّهُ / عند المَحاقِ يَكون بدر تَمامِ
وَجَلونَ من خَلَلِ البَراقِعِ أَوجُهاً / كالوَردِ بَينَ أَكنَّة الأَكمامِ
كل الأُمور إِذا تَقادَم ناقِص / أَبَداً وَوِدّي كل يَوم نامي
وَأَرى خَيال العامِريَّة أَنَّهُ / وآفٍ إِذا غَدَرَت بِعَقد ذِمامِ
وَآفى إِليَّ الشَوق يَحدو غيره / حَتّى تَلاهُ وَأَهله بِالشامِ
فَلَثَمنَني فَجَعَلتُ ثَمَّ تَحرُّجاً / بَيني وَبَينَ اللَثمِ ثَنيَ لِثامي
وَهَجَرتُ رَشفَ رِضابهنَّ لأَنَّهُ / خَمرٌ وَلَستُ بِراشف لِمُدامِ
وَهَبُوهُ غَيرَ الخَمرِ لَستُ بِذائِقٍ / مَع تَركِهِ الشُبَهات شبه حَرامِ
عَفُّ الظَواهِرِ وَالضَمائِر لَم أَزَل / مُتَنَزِّهاً في يَقظتي وَمَنامي
نهوى الظِباء وَلا نَصيد تَقيَّة / نَدَع الظِباء لِقانِصٍ أَو رامِ
دَع عَنكَ ذكر العامِريَّة إِنَّهُ / وَأَبيك مَغناطيس كل غَرامِ
أَما فَضائلها عَلى أَترابِها / فَكَفضلِ حَيدَرَةٍ عَلى الحُكّامِ
خَيرُ القُضاةِ عَلى القَضاء اِختاره / بَعدَ اختيار منه خَير إِمامِ
فَقَضى بِحُكمِ الجور في أَموالِهِ / وَقَضى بِحُكم اللَهِ في الأَيتامِ
أَلفَ اِمتِثال العَدلَ في أَحكامِهِ / حَتّى بِتَقسيم الطُلى وَالهامِ
تَتَيَقَّنُ الأَموال حينَ تَحُلُّ في / كفَّيه أَن لَيسَت بِدارِ مُقامِ
وَإِذا أَتى مال خَزائنه بَدا / بوداعه الخَزّان قَبلَ سَلامِ
خرق يعد صِلاته كَصَلاته / فَرضاً يؤديه أَداء تَمامِ
طَلقَ الجَبين مَع اليَمين مُوقَّر / في الحالَتَينِ النَقض وَالإِبرامِ
وَمُهَذَّب الأَقوالِ وَالأَفعال / وَالأَخوالِ وَالآباء وَالأَعمامِ
وَمَعين ماء الجودِ يَشرَبُ وَفده / فيهِ وَيَصدُر وَهوَ بَحر طامي
وَتَرى بوجه أَبي الحُسَين بشاشة / مثل الفِرندِ بِصَفح كل حُسامِ
وَيَلوحُ منه عَلى أَسرَّة وَجهِهِ / نور الهُدى وَسَكينَة الإِسلامِ
بَحر الفَصاحَةِ وَالسَماحَةِ وَالنُهى / وَالبأس وَالآلاء وَالأَنعامِ
يَخفي النَوال إِذا أَتاهُ تَظَرُّفاً / حَتّى كَأَنَّ الجود فعل أَثامِ
تَدنو سِهام الوَصفِ دونَ عُلائِهِ / أَوَهل يصيب الشَمس سَهم الرامي
أَعدى نَدى كفَّيه صور وَأَهلها / وَالبَدرُ يَقلِبُ طبع كُلِّ ظَلامِ
وَلَو أَنَّ صوراً جنة ما اِستكثرَت / وَأَبيك مِن غِلمانِهِ لِغُلامِ
يَعفو فَيَفعل حلمه بِعَدوِّهِ / ما تَفعَل الأَسياف بِالأَجسامِ
وَالحلم في بَعض المَواطن نقمة / تَسطو بِها أَبَداً عَلى الأَقوامِ
وَاللَيثُ أَعبَس ما بَدا وَجهاً إِذا / أَبصَرته في صورَة البسّامِ
وَإِذا تنمَّر مُغضِباً فاِنظر إِلى / جَيش عَلى ظهر الحِصانِ لهامِ
جَيش لَهُ ظهر الحِصان مُعَسكر / ذو يَمَنَتينِ وساقه وَأَمامِ
وَكأَنَّما جَمَع الأَعادي جَوهَر / وَسِنانِهِ في الجَمعِ سِلك نِظامِ
لَبِق الأَنامِلِ بِالرِماحِ وَطالَما / أَغنى عَن الأَرماحِ بِالأَقلامِ
ما قَطَّ قَطُّ إِلى العدى قَلماً له / إِلّا وَنابَ بِهِ عَن الصِمصامِ
قَلم يُقلم ظُفرَ كُلِّ ملمَّةٍ / وَيكفُّ كَفَّ نَوائِب الأَيّامِ
وَتَرى بِحافَتِهِ المَنايا وَالمُنى / وَمقاتِل الأَعداءِ وَالإِعدامِ
من آل حيدرة الَّذينَ شعارهم / فيض النَدى الهامي وَضرب الهامِ
قَهَروا بِحار الأَرض أَجمَع بِالنَدى / وَجِبالِها بِرجاحَةِ الأَحلامِ
يَتَسنَّمون مِنَ المَعالي مُرتَقىً / عَنه تَزِل مَواطىءَ الأَقدامِ
يَتَتابَعونَ إِلى العُلاء تَتابُعاً / كَتَتابُعِ الأَقدامِ في الإِقدامِ
يَقعونَ من هَذا الزَمان وَأَهله / كَمواقِعِ الأَعيادِ في الأَيّامِ
أَلفَيتَ مِنهُم في طَرابُلُسٍ نَدىً / ترك الكِرام لَديَّ غَيرَ كِرامِ
القَومَ جِسم أَنتَ روحهم وَهُم / في الناس كالأَرواحِ بِالأَجسامِ
لا زِلتَ في نِعَمٍ يُخلَّد ملكها / كَرمُ الإِلَهِ القادِرِ العَلّامِ
ذُكِرَ الحِمى فَبَكى لسجع حَمامِهِ
ذُكِرَ الحِمى فَبَكى لسجع حَمامِهِ / وَغَدا غَريماً لِلنَّوى بِغَرامِهِ
يا مَنزِلاً ما كنت أَحسَبُ أَنَّني / أَحيا إِذا ما بِنتُ عَن آرامِهِ
مِنّي السَلام عَلى رباك تَحِيَّة / إِن كنت تَقنَع من جَوٍ بِسَلامِهِ
وَإِذا السَحابُ عَداكَ صوب غَمامِهِ / فَسَقاكَ دَمع العين صَوب سجامِهِ
مَغنىً غَنيتُ لضدى شُموسِ فِنائِهِ / وَنَعمتُ وَصلاً من بِدورِ خيامِهِ
مِن كُلِّ مَعلول اللِحاظ أَعَلَّني / وَجَداً وَعَلَّلَني بِكأسِ مُدامِهِ
لَم أَنسَهُ إِذ زارَني مُتَلِّثماً / كالغُصنِ في حَركاتِهِ وَقَوامِهِ
عانَقتُ غُصن البانِ تَحتَ وِشاحِهِ / وَلثمتُ بدر التَمِّ تَحتَ لِثامِهِ
وَجَعَلتُ أَرعي العَينَ روض جَمالِهِ / مُتَمَتِّعاً وَالسَمع دُرّ كَلامِهِ
هَذا وَدون إِزارِهِ لي عِفَّة / صَدَّت بِحَمدِ اللَهِ عَن آثامِهِ
نِعمٌ شكرت بِها الأَمير لأَنَّهُ / خلع العَفاف عَليَّ في إِنعامِهِ
لَبِسَ العَفافَةَ قَبلَ لُبسِ نِطاقِهِ / واِعتاد بَذلَ الجودِ قَبلَ فِطامِهِ
وَرأى بِعَيني رأيه ما خلفه / ذُهناً كَرأي العين من قُدّامِهِ
مَلأ القُلوبَ مَهابَة وَمَحَبَّة / منه فَباتَ النَجم دون مَرامِهِ
وَأَنالَ من بَذلِ النَدى في يَومِهِ / ما لَم يَنَلهُ حاتِم في عامِهِ
وَسَخا فَأَدرَكَ قاعِداً مِن مَجدِهِ / ما لَم يَنَله سِواهُ عند قِيامِهِ
ما باتَ يَنقُضه فَلَيسَ بِمُبرَمٍ / أَبَداً وَلا نقض عَلى إِبرامِهِ
طلق المُحَيّا للعفاة وَإِنَّما / يَلقى العبوس به عَلى لُوّامِهِ
تَتَقاصَرُ الأَفهام دونَ صِفاتِهِ / وَيُغضُّ عَنه الطَرفَ من إِعظامِهِ
يَقظان في كَسبِ العَلاء وَإِن يَنَم / فَكأَنَّهُ يَقظان عِندَ مَنامِهِ
وَإِذا بَدا بِالأَمرِ أَتعَبَ نَفسَهُ / وَرأى الهَوى يَهواهُ في إِتمامِهِ
يَلقى الوزارة وَهيَ دونَ مَحَلِّهِ / وَيَرى المخدّم وَهوَ من خُدّامِهِ
تَنبو الصَفائِح عَن صَحائِف كُتبِهِ / وَتقلّم الأَقلام من أَقلامِهِ
وَيَذُمُّ صَفوَ حَياتِهِ من لَم يَبِت / مِستَعصياً بِوَلائِهِ وَذِمامِهِ
كالغَيث في إِسجامه وَاللَيث في / إِقدامه وَالسَيف في إِخذامِهِ
عِزٌّ طَويل الباع لَم يضك خامِلاً / في جاهِليَّته وَلا إِسلامِهِ
إِن شاءَ عَدَّ العِزَّ من أَخوالِهِ / أَو شاء عدَّ العزَّ من أَعمامِهِ
قَوم إِذا ما المَجد أَصبَحَ قَسمَة / فَلَهُم أَعالي رأسه وَسَنامِهِ
مِن كُلِّ مَن يَسمو بأَرثِ سَريره / وَالتاج عَن كسراه أَو بُهرامِهِ
يَكبو زِناد الذَم عَن أَعراضِهِ / وَيُضيءُ طرز المَدح عَن أَكمامِهِ
نسب كمثل الصُبح عَمَّ ضِياؤُهُ / وَتَمَزَّقَت عَنه جُيوب ظَلامِهِ
خلط الشَجاعَة بِالنَدى فَالرِزق / وَالآجالُ بَينَ بَنانِهِ وَحُسامِهِ
فَضلٌ لَو أَنَّ الدَهرَ قَدَّمَ عَصرَهُ / لأَبانَ نَقصُ زياده وَهِشامِهِ
فاِسلم عَلى رَغم الحَسودِ وَلا تَزَل / لِلدَّهرِ رُكناً دائِماً بِدَوامِهِ
حَتّى يُسِرُّ بك الوَلي وَيَغتَدي / أَنف الحَسودِ به حَليف رُغامِهِ
قَسَماً بِوَصلِكَ إِنَّ بُعدَ مَرامِهِ
قَسَماً بِوَصلِكَ إِنَّ بُعدَ مَرامِهِ / أَغرى فُؤاد مُتَيَّمٍ بِغَرامِهِ
وَيَلومه فيكِ العَذول وَفي الهَوى / شُغل له عَن عذلِهِ وَمَلامِهِ
وَلربَّما هَجَرَ الصَبا واِقتاده / سِحرُ العُيونِ إِلى الصبا بِزمامِهِ
وَبِنَفسي الرَشأ الَّذي لحظاته / في القَلب أَسرَعَ من غرار حُسامِهِ
هَل يَشفين كَبِدي بِبَرد عِناقه / أَو يُظفِرنَ كَفّي بِحَلِّ لِثامِهِ
قَد كُنتُ آمل عَطفَهُ لَو لَم يَجِر / صَرف الفِراقِ عَليَّ في أَحكامِهِ
وَلَقَد مَلأتُ يَديَّ من عَفِّ الصِبا / وَعَفَفتُ عَن حُرُماتِِ وَآثامِهِ
نهنه فُؤادك عَن ملابَسَةِ الصِبا / وَأَرغَب بِنَفسك عَن تَحَمُّلِ ذامِهِ
أَو لَيسَ في قرب الوَزير جَميعُ ما / أَلهاكَ عَن يَوم الوِصالِ وَعامِهِ
قُل لِلوَزير ابن الفُراتِ وَلَم تَزَل / تَتَوَكَّفُ الآمال ضَوبَ غَمامِهِ
إِن صَدَّني عَنكَ الزَمان فَإِنَّهُ / صَدَّ امرىءٍ يَلقاكَ في أَحلامِهِ
إِن أَنأَ عنك فَرُبَّ ناءٍ حَسَّنت / عُقباه لِلمُشتاقِ قرب حِمامِهِ
أَو عذت بِالصَبرِ الجَميل فَإِنَّهُ / صَبر الجُفونِ عَن الكرى وَلِمامِهِ
فَبِأَيِّ وَجهٍ أَشنتكي الزَمَنَ الَّذي / أَيّام قربك كنَّ من أَيّامِهِ
وَجمال وجهك في النَديِّ فَإِنَّهُ / وَجهٌ حَكاه البَدرُ عند تَمامِهِ
وَوَحَقَّ وُدِّك فَهوَ أَبعَد غايَةٍ / يَجري إِلَيها البِرُّ في أَقسامِهِ
ما حالَ قَلبي عَن هَواك وَلا جَرى / حسن التَصَبُّرِ مِنك في أَوهامِهِ
إِنّي وَإِن عادَ الزَمان إِلى الَّذي / أَهواهُ بَعدَ جِماحِهِ وَعَرامِهِ
لا أَشكُر المَعروف إِلّا منك أَو / ما قَرَّبت كَفّاك بَعدَ مَرامِهِ
أَو حَيثُ ما يَجِبُ الثَناء بِغَير ما / أَولى الوَزير القرب مِن إِنعامِهِ
كَم قَد تَمَلَّكَني الزَمان فَعادَ لي / مُستَخدِماً إِذ صرت من خُدّامِهِ
وَإِلى الوَزير رَفعَتُ فيهِ ظُلامَة / عنوانها من عَبدِهِ وَغُلامِهِ
يا من إِذا بَدأ الجَميل جَرى إِلى / أَقصى مَدى الغاياتِ في اِستتمامِهِ
أَرغَب بِعَبدِك أَن يُدنس لفظهِ / بِشكاة صرف زَمانه وَخِصامِهِ
وَأَجره مِن أَيّامِهِ وَأَقلَهُ من / إِجرامه وَأَنِرهُ في إِظلامِهِ
يا من يُباري الغُرَّ من أَخواله / كرماً وَيَحكي الصيدَ مِن أَعمامِهِ
كَالبَدرِ عِندَ تَمامِهِ وَالغَيث / في إِرهامِهِ وَاللَيث في إِقدامِهِ
ما المُرهفات البيض من أَسيافه / كالمُؤهفات السود مِن أَقلامِهِ
وَيَقول عند سَماع رائق لَفظِهِ / لا فَرق بَينَ لِسانِهِ وَحُسامِهِ
يا ابنَ الفُراتِ وَما الفُراتُ بِجَدوَلٍ / مِن بَحرك المورود فيض جَمامِهِ
اسمَع مَديحَ فَتىً لِبَرِّكَ شاكِرٍ / متبدِّهٍ في نَثرِهِ وَنِظامِهِ
واِسلمَ عَلى قُرب الحَوادِث ما دَعَت / وَتَجاوَبَت في الأَيكِ ورق حَمامِهِ