المجموع : 4
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي / مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زَبَدِ الوعود / يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ / في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ / كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ / مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَوْمُ / المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا / نامي على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ / ويومَ يُؤْذَنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ / تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
زَخَّارة ً بشذا الأقَاحِ / يَمدُّهُ نَفْحُ الخُزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ / كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِ / لم تُحَلَّ به ميامي
نامي فقد أضفى العَرَاءُ / عليكِ أثوابَ الغرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ / عارياتٍ للحِزَامِ
متراقِصَاتٍ والسِّيَاط ُ / تَجِدُّ عَزْفَاً رْتِزَامِ
وتغازلي والنَّاعِمَات / الزاحفاتِ من الهوامِ
نامي على مَهْدِ الأذى / وتوسَّدِي خَدَّ الرَّغَامِ
وا;ستفرِشِي صُمَّ الحَصَى / وَتَلَحَّفي ظُلَلَ الغَمَامِ
نامي فقد أنهى مُجِيعُ / الشَّعْبِ أيَّامَ الصِّيَامِ
نامي فقد غنَّى إلهُ / الحَرْبِ ألْحَانَ السَّلامِ
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / الفَجْرُ آذَنَ بانْصِرامِ
والشمسُ لنْ تُؤذيكِ بَعْدُ / بما تَوَهَّج من ضِرَامِ
والنورُ لَنْ يُعْمِي! جُفوناً / قد جُبِلْنَ على الظلامِ
نامي كعهدِكِ بالكَرَى / وبلُطْفِهِ من عَهْدِ حَامِ
نامي.. غَدٌ يسقيكِ من / عَسَلٍ وخَمْرٍ ألْفَ جَامِ
أجرَ الذليلِ وبردَ أفئدةٍ / إلى العليا ظَوَامِي
نامي وسيري في منامِكِ / ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ / الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي / من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المبا / هِجَ واللذائذَ لِلئامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ / بالسجودِ وبالقيامِ
نامي على الخُطَبِ الطِّوَالِ / من الغطارفةِ العِظَامِ
نامي يُسَاقَطْ رِزْقُكِ المو / عودُ فوقك بانتظامِ
نامي على تلكَ المباهجِ / لم تَدَعْ سَهْمَاً لِرَامِي
لم تُبْقِ من نُقلٍ يسرُّكِ / لم تَجِئْهُ .. ومن إدَامِ
بَنَتِ البيوتَ وَفَجَّرَتْ / جُرْدَ الصحارى والموامي
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ / عليكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ / من سوادِكِ والجُذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسلُ / عنكِ أدرانَ السَّقَامِ
نامي فحِرْزُ المؤمنينَ / يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى جسرٍ! / على نَكَدٍ مُقَامِ
نامي ولا تتجادلي / القولُ ما قالتْ حَذَامِ
نامي على المجدِ القديمِ / وفوقَ كومٍ من عِظَامِ
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ! / منكِ على عِصَامِ
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ / فَرَشْتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ / يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما / حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَ / تطلُبُ أنْ تنامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / النومُ مِن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه / ويُتَّقَى خَطَرُ الصِدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني / الصُّفوفُ عَنِ انقسامِ
إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقِّي / بالنُهوضِ عصا الوئامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْجَئِي / مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
النفسُ كالفَرَسِ الجَمُوحِ / وعَقْلُها مثلُ اللجامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ / فاسدٍ في أن تنامي
والعُرْوَةُ الوثقى إذا استيقَظْ / تِ تُؤذِنُ بانفصام
نامي وإلا فالصُّفوفُ / تَؤُول منكِ إلى انقِسامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَة ٌ / إيقاظُها شرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِي / فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / لا تقطعي رِزْقَ الأنامِ
لا تقطعي رزقَ المُتَاجِرِ / والمُهَنْدِسِ والمُحَامِي
نامي تُرِيحِي الحاكمينَ / من اشتباكٍ والتحَامِ
نامي تُوَقَّ بكِ الصَّحَافَةُ / من شُكُوكٍ واتِّهَامِ
يَحْمَدْ لكِ القانونُ صُنْ / عَ مُطَاوِعٍ سَلِسِ الخُطَامِ
خَلِّ الهُمَامَ! بنومِكِ / يَتَّقِي شَرَّ الهُمَامِ
وتَجَنَّبِي الشُّبُهَاتِ في / وَعْيٍ سَيُوصَمُ اجْتِرَامِ
نامي فجِلْدُكِ لا يُطِيقُ / إذا صَحَا وَقْعَ السِّهَامِ
نامي وخَلِّي الناهضينَ / لوحدِهِمْ هَدَفَ الرَّوَامِي
نامي وخَلِّي اللائمينَ / فما يُضِيرُكِ أن تُلامِي!
نامي فجدرانُ السُّجُونِ / تَعِجُّ بالموتِ الزُّؤَامِ
ولأنتِ أحوجُ بعدَ أتعابِ / الرُّضُوخِ إلى جِمَامِ
نامي يُرَحْ بمنامِكِ الزُّ / عَمَاءُ! من داءِ عُقَام
نامي فحقُّكِ لن يَضِيعَ / ولستِ غُفْلاً كالسَّوَامِ
إن الرُّعَاةَ! الساهرينَ / سيمنعونَكِ أنْ تُضَامِي
نامي على جَوْرٍ كما / حُمِلَ الرَّضِيعُ على الفِطَامِ
وَقَعي على البلوى كما / وَقَعَ الحُسامُ! على الحُسامِ
نامي على جَيْشٍ مِنَ / الآلامِ محتشدٍ لُهَامِ
أعطي القيادةَ للقضاءِ / وحَكِّمِيهِ في الزِّمَامِ
واستسلمي للحادثاتِ / المشفقاتِ على النِّيَامِ
إنَّ التيقظَ - لو علمتِ- / طليعةُ الموتِ الزؤامِ
والوَعْيُ سَيْفٌ يُبْتَلَى / يومَ التَّقَارُعِ انْثِلامِ
نامي شَذَاةَ الطُّهْرِ نامي / يا دُرَّةً بينَ الرُّكَامِ
يا نبتةَ البلوى ويا / ورداً ترعرعَ في اهتضامِ
يا حُرَّةً لم تَدْرِ ما / معنى اضطغانٍ وانتقامِ!
يا شُعْلَةَ النُّورِ التي / تُعْشِي العُيُونَ بلا اضطرامِ!
سُبحانَ رَبِّكِ صُورةً / تزهو على الصُّوَرِ الوِسَامِ
إذْ تَخْتَفِينَ بلا اهتمامٍ / أو تُسْفِرينَ بلا لِثَامِ
إذْ تَحْمِلِينَ الشرَّ صا / برةً مِنَ الهُوجِ الطَّغامِ
بُوركْتِ من شَفْعٍ فإنْ / نزلَ البلاءُ فمن تُؤَامِ
كم تصمُدِينَ على العِتَابِ / وتَسْخَرينَ من الملامِ!
سُبحانَ ربِّكِ صورةً / هي والخطوبُ على انسجامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / النومُ أَرْعَى للذِّمَامِ
والنومُ أَدْعَى للنُزُولِ / على السَّكِينَةِ والنِّظَامِ
نامي فإنَّكِ في الشَّدائدِ / تَخْلُصِينَ من الزِّحَامِ
نامي جياعَ الشَّعْبِ لا / تُعْنَيْ بِسَقْطٍ من كلامي
نامي فما كانَ القَصِيدُ / سوى خُرَيْزٍ في نظامِ
نامي فقد حُبَّ العَمَاءُ / عَنِ المساوىء والتَّعَامِي
نامي فبئسَ مَطَامِعُ الوا / عِينَ! من سَيْفٍ كَهَامِ
نامي: إليكِ تحيّتِي / وعليكِ نائمةً سلامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلهةُ الطعامِ
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ / بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً / علمُ الحساب وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم / تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه / وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون وجوهُهُم / سودٌ وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ / ما يجرَعون من الهَوان طَغام
ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي / ذَنباً ولا شُرطاً يحوز " امام"
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا / هذي الجموعَ كأنها أنعام
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها / هدراً وديست حرمةٌ وذِمام
ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا / وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا
خَلَصَ النعيمُ لهم فهم من رقةٍ / وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام
وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا / فيه كما تَتَلألأ الأجرام
يتدلَّلون على الزمان كما اشتَهت / شهواتُها قُبُّ البطون وِحام
ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم / شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام
يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه / بَقَر الزَريب ويرتَعي ويَنام
سيُحاسَبون فان عَرتْهم سَكْتَةٌ / من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم / حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام
يومَ الشهيد ! وما الخيالُ بسادر / بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام
الشعر – يا يومَ الشهِيد – تجارِبٌ / وبلاؤُها لا لؤلؤٌ ونِظام
كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى / تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام
أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما / سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام
أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه / عما قريبٍ راحةٌ وجِمام
حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ / وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام
ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها / عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام
ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً / وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام
عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ / أفباليَسير من العَناء تُرام
يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ / وَعرٌ ولا نُصُبٌ ولا اعلام
في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية / وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام
وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها / وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام
وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا / بَرمٌ بها ولمُحرِبين هُيام
بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي / مما ابتدأتَ من النِضالِ ختام
سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ / ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام
ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ / وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام
ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ / ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام
سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ / حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام
لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها / منّا ومنه غارِبٌ وسَنام
وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم / من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام
اذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ / بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام
تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا / أن " الحكومةَ " بالسِياط تُدام
والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم / إن فرَّ عن " حُلمٍ " يَروع منَام
وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها / حَنَقاً كما تتفجّر الألغام
وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي / وإذا بما ركنوا إليه رُكام
وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ / " وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام "
يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ / يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام
ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه / قَدَرٌ وما تَتَمخَّضُ الأيّام
ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه / إن حانَ حِينٌ واستتم تمام
امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ : / " النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام "
اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني / ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام
علماً بأن دِماءَهم ليست لهم / وبأنها للجائعينَ طَعام
للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى / ومَماتُه ورَضاعةٌ وفِطام
يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى / داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام
تَعِبَ الأساةُ به وجافَى أهلَه / يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم
وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى / منه الجذورُ وتُقطَعَ الأَجذام
يوم الشهيد! بك النُّفوس تفتَّحت / وَعياً كما تَتَفَتَّحُ الأكمام
كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه / والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام
طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ / أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام
وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم / وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام
وأعضَّ قوم بالسكوت وأفصَحَتْ / عن غير ما عُرِفَت به أقوام
وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ / جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام
وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة / من حولها تتراكمُ الآلام
شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه ! / ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام
وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم / في المُخزِيات فأرْتَعوا وأساموا
وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه / من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام
فالوعيُ بَغىٌ والتحرُّرُ سُبَّةٌ / والهَمْسُ جُرْمٌ والكلامُ حَرام
ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ / ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام
ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها / الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام
وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها / خِططٌ تولَّى امَرها إحكام
فكرامةٌ يُهزَى بها وكرامةٌ / يُرثى لها وكرامةٌ تُستام
وانصاعَ يغزُو اهلَه وديارَه / جيشٌ من المتعطلِّين لُهام
وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ / ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام
ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ / ولكل مُمتدِح النثا شَتّام
ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ / ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام
مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه / فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام
ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم / ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا
ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ / صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا
ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ / وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام
أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ / وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟
أفوعدُ مُرتقِبِ " القيامةِ " خُلَّبٌ / وبريقُ منتظِر " النُشور " جَهام ؟
أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم / بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟
فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى / ذابوا فلا بطلٌ ولا مِقدم
أفلا تكون مغارةٌ ؟ أو ما انتَهى / ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟
أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة / وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟
حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه / ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام
وتنافَسَ " الفادون" لم يتمنَّنوا / فضلاً ولم يُبطرْهُمُ الانعام
وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا / وملامةً لشبابها " فألاموا "
ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها / بصُدورهم اذ عزَّهن دِعام
حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا / فعلى الصدور من الدِماء وِسام
تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ / إنَّ الحمى من فوقه قَوّام
نَكِروا النفوسَ وفجَّروا اعراقَها / صَمْتاً فلا صَخَبٌ ولا إرزام
وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ / فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام
ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ / تَركوا الحِمى للطارئات وناموا
يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ / ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام
دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به / ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام
ومَضَى الحُداةُ " بحاتِمٍ " وبرهَطِه / وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام
فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ / وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام
وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم / للفقر في ساحاتِهم إلمام
وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه / السَجْنُ والتشريدُ والإِعدام
والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه / في سَمع محترِسٍ به أنغام
وكأنَّه " للمستغيث" إغاثةٌ / وكأنَّه " للجائعين " إدام
جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى / للطارئات الصبرُ والآلام
يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم / فلها لحومٌ منهُمُ وعظام
ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى / والحقَّ يُغصَب والديارَ تُضام
يتقامَرون على المنايا بينَهم / حُمْراً فلا الأيسارُ والأزلام
لاهُمَّ عفَوكَ لا الشجونُ قليلةٌ / عندي ولا أنا أخرسٌ تَمتام
قلبٌ يذوبُ أسىً وشعرٌ كلُّه / ضَرَمٌ وبيتٌ كلُّه آلام
أخنَى بوحشتِه على جيرانِه / وهَفَا به رعباً فطارَ حَمام
ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه / ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام
ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني / هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام
وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها / حَرَجٌ وكَبْتُ أُوارها إيلام
لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى / عنه الضميرُ وعَقَّه الإِلهام
وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ / والساهرونَ الليلَ والنُّوام
أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ / غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام
او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما / يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام
والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى / والفارِغونَ كأنَّهم أصنام
والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ / فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام
والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ / فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام
ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ / أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام
لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم / شُبُهاً فلا وَضَحٌ ولا إبهام
من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة / قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام
يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه / او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام
الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى / فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام
واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ / عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام
حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها / كأساً " إياسٌ " مرةً و " عِصام "
وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها / مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام
زَحَموا الصُّفوفَ " مشَيَّعين " كأنَّهم / بين المواكبِ قادةٌ أعلام
ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما / يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام
ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم / نَفْخَ الطُّبول وأقعدوا وأقاموا
يومَ الشهيد : وما تزال كعهدِها / هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام
قَصَروا عن العليا فلم يتناوَشوا / ما احتازَ منها فارعونَ جِسام
وتقطَّعتْ بالمَكْرُمات حِبالُهم / وبما ابْتَنتْ هِممٌ فهُنَّ رِمام
وعناهُمُ أخذُ الكِرامِ عِنانَها / من بعد ما داروا عليه وحاموا
وتجاهَلوا أنْ ليس تربُ مسامحٍ / بدمائه نَهّازةٌ غَنّام
وبأنَّ أُمّاتِ المآثرِ برزَةٌ / عملاقة وبأنهمْ أقزام
فهُمُ وقد ذَكَتِ الحزازةُ عندهم / " كوب " من الحقد الدفين وجام
يُسْقَونَ جذوتَها وفيما يجتلي / تِربُ النّدي لأُوارِها إضرام
حتى إذا ألقى الكريمُ بوجهه / فتمايَزَ الإشراقُ والإِظلام
وتَضَوَّرتْ جُوعاً فلم تَرَ عنده / ما تأكُّلُ الأوغارُ والأوغام
ومشى الفَعال لهم صَريحاً لم يَشُبْ / آياتِه عَيٌّ ولا إعجام
وتَخارَسوا وعَموا فملءُ عُيونِهِمْ / رَمَدٌ وملُّ حُلوقِهم إفحام
لجأوا إلى " الأنساب " لو جَلَّى لهم / " نَسَب " ولو صَدَقَتْ لهم أرحام
وتنابَزُوا بالجاهلية شجَها / من قبل نورُ " الفكر " و " الإسلام "
فأولاءِ أعرابٌ ! فكل مُحَرَّمٍ / حِلٌّ لهم! وأولئِكمْ أعجام
وأولاءِ " أغمارٌ " فلا رأسٌ ولا / كَعبٌ ولا خَلفٌ ولا قُدام
وأولاءِ " أشرارٌ " لأنّ شعارهم / بين الشُعوب محبَّةٌ وسلام
وكأنَّ " أرحاماً " تُرَصُّ ! فريضةٌ / وكأنَّ " أفخاذاً " تُلَزُّ لِزام
وكأنَّ من لم يَحوِ تلكِ وهذه / وإنْ استقامَ بهيمةٌ وسَوام
نُكرٌ لو استَعلى لما استَعْلَت يَدٌ / بالعُروة الوثْقى لها استِعصام
ولما تمَايزَتِ النُّفوسُ بخَيرها / وبشرِّها ولما استَتَبَّ نِظام
لزَكا " ابولَهَبٍ " وكانُ مُرجَّماً / ودَنَا " صُهَيبُ " وإنه لامام
قَبَليَّةٌ يلجا إليها مُقْعَدٌ / لا الحزمُ يُنجده ولا الإعزام
وبها تَسَتَّرَ عن صَغارةِ نفسِهِ / خَزيانَ يأكُلُ زادهُ ويَنام
بل قد تَفَيَّأ ظِلَّها من حِطّةٍ / نسَبٌ يَسومُ رخيصَه المستام
من كل مُعدٍ في الصَغارِ كأنَّه / جَرَبٌ تُخاف شُذاتُه وجُذام
" سلمانُ " أشرف من أبيكمْ كعبُهُ / " وعِصامُ " ما عَرَفَ الجدودَ عِصام
ومحمدٌ رَفَعتْ رسالةُ ربَّه / كَفّاهُ لا الأخوالُ والأعمام
ولقد يُذِلُّ مُسوَّداً أعقابُه / ولقد يسودُ عشيرةً حَجّامُ
أأُخَيَّ : لو سمِع النداءَ رُغامُ / ولو استجابَ إلى الصريخِ حِمام
مني عليك تحيةٌ وسلامُ / ولذكرِك الإجلالُ والإِعظام
واللهِ لولا طائفٌ من سَلوةٍ / ولُمامةٌ من مُسْكةٍ تَعتام
ورسالةٌ ندعو لها وأداؤُها / فرضٌ ورَعْيُ حقوقِها إلزام
وَبنّيةٌ للسالكين طريقَهم / والقادمينْ على الطريق تُقام
ودعاةُ حقٍ يخرُجون سواهُمُ / عارٌ إذا لزِموا البيوتَ وذام
لعكفتُ حولَك لا أريمُ ولم يكن / الا بحيث أقمتَ انتَ مُقام
يا نائماً والموتُ ملءُ جُفونِه / أعلمتَ من فارقتَ كيف ينام؟
وملاءَماً بيد المَنون جِراحَه / جُرح المُقيم عليكَ لا يلتام
قد كنتَ تقدِرُ ان تُظلَّكَّ بهجةٌ / ونَضارةٌ لا ظُلمةٌ ورَغام
أو أنْ يرِفَّ عليك في رَيْعانِهِ / هذا الربيعُ – كوَجهِك – البسام
لو شئتَ أعطتكَ الحياةُ زِمامَها / ولها على كَفِّ الشَباب زِمام
لِتَضمَّك الغُدرانُ في أحضانها / وتُقِلَّك الهَضَباتُ والآكام
وشقيقُك القَمرُ المُدِلُّ بلُطفه / نَشوانُ يَصحو تارةً ويُغام
لو شئتَ عن شرفٍ اردتَ فصِدْتَهُ / بَدَلاً لكانت صبوةٌ وغَرام
ولجئتَ مُقتَنصَ الشباب ولارتمَتْ / من حولك الظَبيَاتُ والآرام
لوشئتَ ؟ لكن شاءَ مجدُك غيرَها / فتلقَّفَتْك من الثرى أكوام
رَدّ البكاءَ عليكَ أنك قائدٌ / ولو استبدَّ بك الثَرى وإمام
تمشي الجُمُوعُ على هُداك كما هَدى / الضُلاّلَ برقٌ في الظَلام يُشام
لو غَيْرُ ذلك أطاحَ رأسَك لارتَمى / بِشِراك نعلِكَ طائحاً " هَمّام "
ولما استَقَلَّ برأس " مُرةَ " خِنصِرٌ / لكَ واستقادَ بوجهه إبهام
قد كانَ يَعطِفُني عليك مَلامُ / ان لو ذخرتُكَ أيها الصِمصام
ان لو سلمتَ فلا شبايَ مُزنَّدٌ / أسفاً ولا حَدَيّ عليك كَهام
لو لم تُجبني من رفاتك هَمةٌ / صبراً جميلاً ايُّها اللُّوام
ما كنتَ " نحاماً " بنفسِك للورى / افأنت بي من أجلهم نَحام
نحنُ الضَحايا : للشعوب فَقاره / ولكل ما يبني الشعوبَ قِوام
هذي القُبورُ قنابرٌ مَبثوثة / لمكابرٍ وحَفيرُها ألغام
ما كانَ جيلٌ تستقيمُ قناتُه / الا ومَوتٌ يستقيمُ زُوآم
فالثُكْلُ والعَيْشُ السَويُّ سَويةٌ / ودَمُ الضحايا والحياةُ تُؤام
يومَ الشهيد! ونعمتِ الأيامُ / لو تستِتمُّ أخوّةٌ ووِئام
لو يَرْعَوي المتنابذونَ وكلُّهم / بهمُومِهم وشُعورهم أرحام
ولو التَقى من بعدِ طُولِ تَفَرُّقٍ / الشَيخُ والقِسيّسُ والحَاخام
ولو اتفقنا كيف يهتِفُ هاتِفٌ / فينا وكَيفَ تُحرَرُ الأعلام!
وبمِن يقودُ الزاحفيينَ أخالدٌ / ومحمدٌ ام أحمدٌ وهِشام ؟
هي امةٌ خافَ الطُغاة شَذاتَها / فسعَوا بها فاذا بها أقسام
واذا بها والذلُ فوق رءوسها / قُبَبٌ له مَضروبةٌ وخِيام
يحتازُها والجوعُ ينهَشُ لحمَها ! / باسم " الرغيف " معرَّةٌ وصِدام
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ سلامُ
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ سلامُ / ألقت إليك بِثْقلِها الأعوامُ
ورمْت بكلكلِها عليك فوادحٌ / مما تجنّى " السادرون " جسام
ألْقْت إليك وأنتَ أشرفُ ناهضٍ / ثقلَيهمْا الآمال والآلام
فرمى لكَ الماضي الأليم بِوزْرِهِ / ورنا لكَ المستَقبلُ البسام
والحاضرُ المرتجّ بينهما شجاً / وتطُّلعاً تهفو به الأحلام
ألقى إليك" الخائنون" نَتاجَ ما / سدروا وشطوا وارتَعَوْا وأساموا
والمخلصون رجاؤهم أن تنجلى / كُرَبٌ وأن يِلد الصباحَ ظلام
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ وطالما / لصقت بغير ذواتِها الأعلام
ولطالما اشتطّ الطغاةُ وأرجفوا / للمصلحين وأقعدوا وأقاموا
سَمَّوكَ " هدّاماً " لأنكَ تَجْتَوي / ما البغيُ سَنَّ وما جنى الإِجرام
ولانك استمت العدالةَ خطةً / من في يديه النقضُ والإِبرام
وغضِبت أن تجدَ الرعايا مَغْنَماً / بيدِ الرُّعاة كأنهم أنعام
وشجبت أنّ الحكم في قاموسِهِمْ / سوطٌ يشدُّ وشهوة وعُرام
هوّنْ عليكَ فكلُّ ذلكَ فِريةُُ / تَفْنى . ويَبْقى السعي والإِقْدام
وكذاك كلُّ " مخرّبٍ " لرذيلة / بانٍ وكلُّ " مُعَمِّرٍ " هدّام
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ / بَلَدٌ يوفّي حقَّ كلِّ زعيمِ
البصرةُ الفيحاءُ ضاق خِناقُها / ومشتْ بقلبِ مقرّحٍ مكلوم
عَطَفَتْ على الذكرى الاليمةِ عطفةً / نمّت على شَجَنٍ هناك أليم
ياسين إنّ هضيمةً ما ذقتَهُ / غدراً ولم تكُ قبلُ بالمهضوم
ما كنتَ بالرجلِ الذي يمشى له / خَتَلاً كمِشيةِ قانصٍ لظليم
أسَفاً فكلُّ عظيمةٍ غلاّبةٌ / مغلوبةٌ بمقدَّرٍ محتوم
يكفيك فخراً أن تُكادَ بمثلها / مستورةً خَفيِتْ على التنجيم
جُبناً وعَجْزاً أنْ تُقابَل جَهرةً / شأنَ المُغارِمِ في اطّلاب غريم
هذا مقامٌ لا يليقُ بمثله / قولٌ فطيرُ الرأي غيرُ حكيم
فمن الحَراجةِ أن يُبَدِّلَ زِيَّهُ / من كان مرتدياً ثيابَ خصوم
خوفَ الغلو وليس من يُزْجي الثنا / لخصيمه في محنةٍ بمَلوم
قد كنتَ فذاً في الرجال نبوغُهم / وقفٌ على التبجيل والتعظيم
وجهادُهٌمْ خيرُ الجهاد لأمة / تُهدى إلى نَهْجٍ أغَرَّ قويم
وسياسة هي ملكُ شعبٍ قولُه / فصلٌ لرفضٍ كان أو تسليم
سايرتُ حكمكَ ناقماً لم ادّرعْ / حزبا ولم أزحَفْ بظلِّ زعيم
حاشا ولم أهتِفْ لغيرك داعيا / أو أن أخُصَّ سواك بالتقديم
لكن طموحٌ ليس يَرْضي أهلُهُ / أن تستمرَّ سياسةُ الترميم
كنا نرى المعوجّ من أوضاعنا / في حاجةٍ قصوى إلى التقويم
ونُحِسُّ أنّا بالغون أشُدَّنا / ومعلّلون تَعِلةَ المفطوم
ونرى شتاتَ جهودِنا وصفوفنا / ليست على شيءٍ من التنظيم
ووعودَ من يتحضّنون شؤوننا / ملأى من التخدير والتنويم
نبغي المزيدَ وتقتضينا ساسةٌ / أن نرتضي بنصيبنا المقسوم
ونراك جباراً يكونُ لفكره / في المعضلات مردُّ كلِّ جسيم
ولقد يكون العذرُ أنا طُمَّحٌ / ولقد تكون وأنت غيرُ ملوم
اما مُقامُك فهو غيرُ منازعٍ / ومدى حجاك فليس بالمكتوم
سايرتُ حكمَك ناقماً ووجدتُني / بازاء شهمٍ في الخصام حليم
رحبٍ بنقد خصومه متفتحٍ / بالبشر آونةً وبالتفهيم
يُعطيهِمُ نَصَفاً ويعلمُ أنّه / رجلٌ يَسوس وليس بالمعصوم
ياسين إن خسارةً أن يغتدي / ذاك الدماغُ الفذُّ محضّ رميم
وفجيعةٌ أن نبتغيك فلا تُرى / لجلاء جوٍّ بالبلاد مَغيم
يا درعَ مملكةٍ متينٍ نسجُها / وحسامَ مُلْكٍ ليس بالمثلوم
إن العراقَ وقد نُعيت موكِّلٌ / مما دهاه يمُقْعِدٍ ومقيم
إنا فقدنا يومَ فقدِك كوكبا / ما ان تعوِّضُ عنه غُرُّ نُجوم
لله طِبُّك في السياسة إنه / رَوْح الوَنَى ودواءُ كلّ سقيم
كم فترة دهتِ العراقَ عصيبةٍ / فرّجَتها بدهائك المعلوم
لله درُّك أيَّ زعزعِ عاصفٍ / فيما تدبّرُهُ وأيَّ نسيم
تعلوك سيماءُ الخليِّ جلادةً / ولقد تكونُ نموذجَ المهموم
كنتَ الحفيظَ على السياسة داعماً / ركنَ المُفاوضِ أيَّما تدعيم
قسطاسَ حكمٍ كان حلمُك وحده / نِعْمَ الضمانُ عن انزلاقِ حُلوم
فيما يولّد حرُّ رأيك تَتّقي / نزواتِ رأيٍ يستجدّ عقيم
كم موقفٍ معصوصبٍ متلابس / جَلّى وكم داءٍ به محسوم
كنت المضيءَ سبيلَ كلِّ عَميّةٍ / تَيَهْاءَ تعتورُ البلادَ بهيم
صُلبَ العقيدةِ لا يردُّك حادثٌ / في كل ما تَبْني عن التصميم
واذا البلادُ تفرّقت آراؤها / شِيعاً بلا نَهْجٍ لها مرسوم
أطلعتَ رأيك بينها فتطايحت / لك عن مكانِ السيدِ المخدوم
كنا إذا ضاق الخِناقُ وحَشْرَجَتْ / نَفْسٌ بغيظٍ حانقٍ مكظوم
وبدا لنا الدستورُ وهو مخلَّعٌ / عريانَ غيرَ تستُّرٍ مزعوم
لذنا بياسينٍ فكانت قوةٌ / جبارةٌ في وجه كلِّ غَشوم
واليومُ نخشى أن يَضيعَ توازُنٌ / في الكِفَّتَيْنِ وأنت غيرُ مقيم