القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 9
بالأمس بادرني صد
بالأمس بادرني صد / يق حائر يستفهمُ
أجهنّم نار كما / زعم الهداة و علّموا
أم زمهرير قارس / قاس و كون مظلمُ
فأجببته ما الزمهر / ير و ما اللّظى المتضرّم
بجهنّم لكنّما / أن لا تحبّ جهنّم
يا صاحبي إنّ الخوا / ء هو العذاب الأعظم
القلب إلاّ بالمحـ / ـبّة منزل متردّم
هي للجراحة مرهم / هي للسعادة سلّم
هي في النجوم تألّق / هي في الحياة ترنّم
هي أنفس العشّاق في / غسق الدّجى تتبسّم
قال السماء كئيبة وتجهما
قال السماء كئيبة وتجهما / قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتسم / لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
قال: التي كانت سمائي في الهوى / صارت لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملكتها / قلبي فكيف أطيق أن أتبسما
قلت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها / لقضيت عمرك كله متألما
قال: التجارة في صراع هائل / مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجة / لدم و تنفث كلما لهثت دما !
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها / وشفائها فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في / وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم / أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذمهم / لو لم تكن منهم أجل و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها / و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و علي للأحباب فرض لازم / لكن كفي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم يكفيك أنك لم تزل / حيا و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما / قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما / طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما / أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح لا خطر على شفتيك أن / تتثلما و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى / متلاطم و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا / يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك و الردى / شبر فإنك بعد لن تتبسما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما / وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها / لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا / أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟ / أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدَّ الكرامَ المحسنين وقِسهمُ / بهما تجد هذين منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما / إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذي وهذا ما شدا / عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم / إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا / لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
كم تشتكي و تقول إنّك معدم
كم تشتكي و تقول إنّك معدم / و الأرض ملكك و السما و الأنجم
و لك الحقول وزهرها و أريجها / و نسيمها و البلبل المترنّم
و الماء حولك فضّة رقراقة / و الشمس فوقك عسجد يتضرّم
و النور يبني في السّفوح و في الذّرى / دورا مزخرفة و حينا يهدم
فكأنّه الفنّان فيها عابثا / آياته قدّام من يتعلّم
و كأنّه لصفائه و سنائه / نهر تعوم به الطّيور الحوّم
هشّت لك الدّنيا فما لك واجما / و تبسّمت فعلام لا تتبسّم
إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى / هيهات يرجعه إليك تندّم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة / هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم
أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل / شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم
أنظر فما تطلّ من الثّرى / صور تكاد لحسنها تتكلّم
ما بين أشجار كأنّ غصونها / أيد تصفّق تارة و تسلّم
و عيون ماء دافقات في الثّرى / تشفي السقيم كأنّما هي زمزم
و مسارح فقتن النسيم جمالها / فسرى يدندن تارة و يهمهم
فكأنّه صبّ بباب حبيبة / متوسّل مستعطف مسترحم
و الجدول الجذلان يضحك لاهيا / و النرجس الولهان مغف يحلم
و على الصعيد ملاءه من سندس / و على الهضاب لكلّ حسن ميسم
فهنا مكان بالأريج معطّر / و هناك طود بالشّعاع مهمّم
صور و أيات تفيض بشاشة / حتّى كأنّ الله فيها يبسم
فامش بعقلك فوقها متفهّما / إنّ الملاحة ملك من يتفهّم
أتزور روحك جنّة فتفوقها / كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟
و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا / فتعافها لوساوس تتوهّم
يا من يحنّ إلى غد في يومه / قد بعث ما تدري بما لا تعلم
قم بادر اللّذّات فواتها / ما كلّ يوم مثل هذا موسم
واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه / وارو أحاديث المروءة عنهم
المعرضين عن الخنا فإذا علا / صوت يقول : " إلى المكارم " أقدموا
الفاعلين الخير لا لطماعة / في مغنم إنّ الجميل المغنّم
أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب / منهم و عندك للعواطف منجم
رفعوا لديهم لواء عاليا / و لهم لواء في العروبة معلم
إن حاز بعض النّاس سهما في العلى / فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم
لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم / بقصائدي إنّ الضحى لا يكتم
لكنّني أخشى مقالة قائل / هذا الذي يثني عليهم منهم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم / لا تقبح الدّنيا و فيها أنت
تلك المنازل كيف حال مقيمها
تلك المنازل كيف حال مقيمها / أنّا قنعنا بعدها برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا / نشوى كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى / أزهارها و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها في بؤسنا و نعيمنا / و نحبّها في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا / سكنت و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا / و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه / أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهموا / عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل / تحنو على العشّاق بين كرومها
ما زال بلبلها يغنّي للربى / و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه / من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها / حينا و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى / متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها / ما بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها / و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده / للغائبين و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما / ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق / ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها / و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا / عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها / و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة آه من أصنامها / بوركت يا من جدّ في تحطيمها
و الطائفيّة أنت أوّل معول / في سورها ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها / و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها / و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها / سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه / آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة / فلكم قضيت العمر في تكريمها
ما عزّ من لم يصحب الخذما
ما عزّ من لم يصحب الخذما / فأحطم دواتك واكسر القلما
وارحم صباك الغضّ إنّهم / لا يحملون وتحمل الألما
كم ذا تناديهم وقد هجعوا / أحسبت أنّك تسمع الرّمما
ما قام في آذانهم صمم / وكأنّ في آذانهم صمما
القوم حاجتهم إلى همم / أو أنت مّمن يخلق الهمما؟
تاللّه لو كنت ((ابن ساعدة)) / أدبا ((وحاتم طيء)) كرما
وبذذت ((جالينوس)) حكمته / والعلم ((رسططا ليس)) والشّيما
وسبقت ((كولمبوس)) مكتشفا / وشأوت ((آديسون)) معتزما
فسلبت هذا البحر لؤلؤه / وحبوتهم إيّاه منتظما
وكشفت أسرار الوجود لهم / وجعلت كلّ مبعّد أمما
ما كنت فيهم غير متّهم / إني وجدت الحرّ متّهما
هانوا على الدّنيا فلا نعما / عرفتهم الدّنيا ولا نقما
فكأنّما في غيرها خلقوا / وكأنّما قد آثروا العدما
أو ما تراهم كلّما انتسبوا / نصلوا فلا عربا ولا عجنا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا / والغرب ذو خطلر وما زعما
متخاذلين على جهالتهم / إنّ القويّ يهون منقسما
فالبحر يعظم وهو مجتمع / وتراه أهون ما يرى ديما
والسّور ما ينفكّ ممتنعا / فإذا يناكر بعضه نهدما
والشّعب ليس بناهض أبدا / ما دام فيه الخلف محتكما
يا للأديب وما يكابده / في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
إن باح لم تسلم كرامته / والإثم كلّ إن كتما
يبكي فتضحك منه لاهية / والجهل إن يبك الحجى ابتسما
جاءت وما شعر الوجود بها / ولسوف تمضي وهو ما علما
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت / اللّيث لولا بأسه اهتضما
فلقد رأيت الكون سنّته / كالبحر يأكل حوته البلما
لا يرحم المقدام ذا خور / أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
يا صاحبي وهواك يجذبني / حتّى لأحسب بيننا رحما
ما ضرّنا والودّ ملتئم / أن لا يكون الشّمل ملتئما
النّاس تقرأ ما تسطّره / حبرا ويقرأه أخوك دما
فاستبق نفسا غير مرجعها / عضّ الأناسل بعدما ندما
ما أنت مبدلهم خلائقهم / حتّى تكون الأرض وهي سما
زارتك لم تهتك معانيها / غرّاء يهتك نورها الظّلما
سبقت يدي فيها هواجسهم / ونطقت لما استصحبوا البكما
فإذا تقاس إلى روائعهم / كانت روائعهم لها خدما
كالرّاح لم أر قبل سامعها / سكران جدّ السّكر محتشما
يخد القفار بها أخو لجب / ينسي القفار الأنيق الرسما
أقبسته شوقي فأضلعه / كأضالعي مملوءة ضرما
إنّ الكواكب في منازلها / لو شئت لاستنزلتها كلما
الأربعون لو انّها تتكلّم
الأربعون لو انّها تتكلّم / لروت لنا قصص العظائم عنكم
و لحدّثتنا اليوم عن أعشاشكم / طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم
يوم الفراق كظمتم آلامكم / و أخفّ من ألم الفراق جهنّم
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم / تعصي البكا حزن الجبابر أبكم
أيد تودّع موطنا و عشيرة / و مطامح خلف البحار تسلّم
ضاقت على أحلامهم تلك القرى / فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم / إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم
كاللّيث ليس سلاح في السّرى / مخالبه التي لا تلثم
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا / و انداح بين الشّاطئين لتسلموا
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة / كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم
و الموج 'ذ يطغى و يهدر حولكم / جوقا لطرد همومكم يترنّم
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى / خلتم لأجلكم تضيء الأنجم
و حسبتم شمّ الجبال سلالما / نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم
و الشمس منجم عسجد متكشّف / لذوي الطموح و أنتم أنتم هم
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى / كالأرض يغشاها السراب الموهم
لتطلّ من أرواحنا أشواقها / فنطوف حول خدورها و نحوّم
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم / لكم شراب في الحياة و مطعم
لو أن تكون حياتكم كحياتهم / عبثا يموت به الوقار و يعدم
و تأففا في اللّيل و هو منوّر / و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم
لو أن يكون ترثكم كتراثهم / قصر عفا أو هيكل متردّم
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا / فهم سواء فقي القياس و جرهم
من يقترب من أمس يبعد عن غد / و يعش مع الموتى و يصبح منهم !
و كرهتم أن تنقضي أيامكم / شكوى لمن يرثي و من لا يرحم
أو أن يبيت على احضيض مقامكم / و الدود يزحف فوقه و الأرقم
فنفرتم كالنحل ما من زهرة / فيها جنى إلاّ و فيها مغنم
في كلّ شطّ مارد في كلّ طود / قشعم في كلّ واد ضيغم
المجد مطلبكم و أنتم سهّد / و المجد حلمكم و أنتم نوّم
لا شيء صعب عندكم حتى الردى / ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا
يا بضعة من أمّةهي أمّة / في ذاتها ولها طراز معلم
فيكم جميع صفاتها و خلالها / و الروض يحويه عطورا قمقم
إنّ الألى الجهاد عليكم / علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم / درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم / و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم / ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا " / أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا
و لكم غد و جماله و بهاؤه / و لكم من الأمس النفيس القيّم
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي / عجلان يخترق الدذجى و يدمدم
فسألها مستفهما لربما / سأل العليم سواه عمّا يعلم
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم ! / و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال / قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم / و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم
ما كان أكمل يومكم و أتمّه / لو لم يكن في مهد عيسى مأتم
و كذا الحياة قديمها وحديثها / ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم
سيّرت في فجر الحياة سفيتني
سيّرت في فجر الحياة سفيتني / و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى / ملء الفضا ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها / دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره / فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة / و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص / و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر / و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي / فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي / و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها / و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي كالضّياء ترنّحي / كالفجر زهوي كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي / ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما : / " هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى / أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني / للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها / و نسيت حتّى أنّها أعلامي !
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى / فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس / و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي / و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا / و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا و الأرض ملكي و السما / قد صرت عبد الناس عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي : / " يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك / فإذا تلاشت فالرياض مومي "
" أين العيون تذيبني حركاتها / و تموت في سكناتها آلامي "
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على / ظلّ و أنداء وزهر نام "
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها / أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى / شوقى إلى الخمر التي في الجام "
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" أنظر ألست تراك في أوهامه / أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه / منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى / أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي / قيثارتي خشب بلا أنغام !
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا / فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى / في حومتين الشعر و الإلهام
و سنلتقي و إن افترقنا في غد / في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما / تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى / بالفاتح الرّوحيّ بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه / عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه / و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ / ـقوم الذين شددت أزرك فيهم
ما زلت تكلؤهم بطرف ساهر / يحيي الظلام و هم هجود نوّم
و الغرب يرنو خافا / أجدادهم و يودّ لو لم ينعموا
حتى إذا طرّت شواربهم و بات / من الشباب لهم طراز معلم
خرجوا عليك و أنت لا تدري و هم / لا يشعرون و لو دروا لتندّموا
يا طالما مثلوا لديك كأنّهم / أذد الشّرى فنسيت أنّك تحلم
ورجوت ما يرجوه كلّ أب لدى / أبنائه / أنّ العقوق مذمّم
و لطالما شدت القصور من المنى / خاب الرّجاء و ساء ما تتوهّم
ألهتهم الدّنيا فهذا بالطّلى / صبّ و هذا بالحسان متيّم
و الخمر فاتكة بناعم / ترف يكاد من النّسائم يسقم
قد أصبحوا وقفا على شهواتهم / يستسلمون لها و لا تستسلم
لم يفهموا معنى الحياة و كنهها / إنّ البليّة أنّهم لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهم إنّي أرى / خور الشيوخ بهم و لمّا يهرموا
قد قلّدوا الغربيّ في آفاقه / تقليده الشّرقيّ فيما يعصم
فتنتهم لغة الأعاجم إنّما / لغة الأعاجم منهم تتبرّم
أمسى الذي تهدى إليه لآليء / و كأنّما هو بالحجارة يرجم
لا تعذل الشعراء إن بخلوا به / إنّ القريض على الغبيّ محرّم
بتنا و بات الشّرق يمشي القهقرى / مع ذاك نحسب أنّنا نتقدّم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025