أللمحةٍ من بارقٍ مُتَبَسِّمِ
أللمحةٍ من بارقٍ مُتَبَسِّمِ / أرسلتَهُ دمعاً تضرَّجَ بالدمِ
وللمحة تهفو ببانات اللوىَ / يهفو فؤادك عن جوانح مغرمِ
هي عادة عذرية من يوم أن / خُلِقَ الهوى تعتاد كلَّ مُتَيَّمِ
قد كنتُ أعذل ذا الهوى من قبل أن / أدري الهوى واليوم أعذلُ لُوَّمي
كم زفرة بين الجوانح ما ارتقت / حَذَرَ الرقيب ومدمع لم يُسجمِ
إن كان واشي الدمع قد كتم الهوى / هيهات واشي السقم لما يكتمِ
ولقد أجدْ هوايَ رسمٌ دارسٌ / قد كان يَخْفَى عن خفيِّ توهُمِ
وذكرت عهداً في حماه قد انقضى / فأطلت فيه تردّدي وتلوُّمي
ولربما أشجى فؤادي عنده / ورقاءُ تَنْفُثُ شجوها بترنُمِ
لا أجدَبَ الله الطلولَ فطالما / أشجى الفصيحَ بها بكاءُ الأعجمِ
يا زاجر الأظعان يحفزها السُّرى / قف بي عليها وقفة المتلوِّمِ
لترى دموع العاشقين برسمها / حمراً كحاشية الرداء المعْلَمِ
دِمَنٌ عهدتُ بها الشبيبة والهوى / سقياً لها ولعهدها المتقدِّمِ
وكتيبةٍ للشوق قد جهزتها / أغزو بها السلوانَ غزوَ مُصمِّم
ورفعت فيها القلبَ بنداً خافقاً / وأريت للعشاق فضلَ تهمّمي
فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى / لكنَّ من أهواه ضايق مقدمي
فطُعنتُ من قدِّ القوامِ بأَسمرٍ / ورُميتُ من غنج اللحاظِ بأَسْهُم
يا قاتلَ الله الجفونَ فإنها / مهما رمتْ لم تُخْطِ شاكلةَ الرمي
ظلَمَتْ قتيلَ الحب ثم تَبيَّنتْ / للسقم فيها فترة المتظلّمِ
يا ظبيةٌ سنحت بأكناف الحمى / سُقي الحمى صوبَ الغمام المسجم
ما ضرَّ إذ أرسلت نظرة فاتكٍ / أن لو عطفت بنظرة المترحِّمِ
فرأيت جسماً قد أصيب فؤادُه / من مقلتيك وأنت لم تتأثّمي
ولقد خشيتِ بأن يقادَ بجرحه / فوهبت لحظك ما أحلَّك من دمي
كم خضتُ دونك من غمار مفازةٍ / لا تهتدي فيها الليوث لمجْثَمِ
والنجمُ يسري من دجاه بأدهمٍ / رحب المقلّدِ بالثريا مُلجمِ
والبدرُ في صفح السماء كأنّه / مرآة هندٍ وسط لُجِّ ترتمي
والزُّهرُ زَهُرٌ والسَّماءُ حديقةٌ / فتقتْ كمائمُ جنحها عن أَنجُمِ
والليلُ مربدُّ الجوانح قد بدا / فيه الصباح كغُرّة في أدهَمِ
فكأنما فلق الصباح وقد بدا / مرأى ابن نصر لاح للمتوسِّم
ملك أفاض على البسيطة عدلَهُ / فالشاةِ لا تخشى اعتداء الضَّيْغَمِ
هو منتهى آمال كلّ موفَقٍ / هو مورد الصادي وكنز المعدِم
لاحت مناقبُه كواكبَ أسعُدٍ / فرأت ملامحَ نوره عينُ العمي
ولقد تراءى بأسُهُ وسماحُه / فأتى الجلالُ من الجمال بتوْءَمِ
مثل الغمام وقد تضاحك برقه / فأفاد بين تجهْم وتبسّم
أنسى سماحة حاتم وكذاك في / يوم اللقاء ربيعةَ بن مكدّمِ
سيرٌ تسير النيِّراتُ بهديها / وتُعير عَرفَ الروض طيبَ تنسُّمِ
فالبدر دونك في عُلاّ وإنارةٍ / والبحر دونك في ندى وتكرمِ
ولك القباب الحمرُ تُرفع للندى / فترى العمائمَ تحتها كالأنجمِ
يذكي الكِباءُ بها كأن دخانَهُ / قطعُ السحاب بجوها المتغيّم
ولك العوالي السمرُ تُشرعُ للعدى / فتخرُّ صرعى لليدين وللفَمِ
ولك الأيادي البيضُ قد طوّقتها / صيدَ الملوك ذوي التلاد الأقدمِ
شِيَمٌ يُقرُّ الحاسدون بفضلها / والصبح ليس ضياؤُهُ بمكتّمِ
ورِثَ السماحة عن أبيه وجَدّهِ / فالأَكرمُ ابنُ الأكرم ابنِ الأكرمِ
نقلوا المعالي كابراً عن كابرٍ / كالرمح مطّردِ الكعوبِ مقوَّمِ
وتسنَّموا رُتَبَ العلاء بحقها / ما بين جدٍّ في الخلافة وابنمِ
يا آل نصر أنتم سُرُجُ الهدى / في كلّ خطب قد تجهم مظلم
الفاتحون لكل صعب مقفلٍ / والفارجون لكل خطب مبهم
والباسمون إذا الكماة عوابسٌ / والمقدمون على السوادِ الأعظمِ
أبناء أنصار النَّبيّ وحزبه / وذوي السوابق والحوار الأعصمِ
سلْ عنهمُ أُحُداً وبدراً تلقَهُمْ / أَهلَ الغَناء بها وأهلَ المغنمِ
وبفتح مكَّةَ كم لهم في يومه / بلواء خير الخلق من متقدّمِ
أقسمتُ بالحرم الأمين ومكةٍ / والركنِ والبيتِ العتيقِ وزمزمِ
لولا مآثرهم وفضلُ علاهمُ / ما كانََ يُعزى الفضلُ للمتقدِّمِ
ماذا عسى أثني وقد أثنت على / عليائهم آيُ الكتابِ المحكمِ
يا وارثاً عنها مآثرها التي / قد شيَّدَتْ للفخر أشرف معلم
يا فخر أندلسٍ لقد مدَّتْ إلى / عليك كفُّ اللاّئذ المستعصم
أما سعودك في الوغى فتكفَّلتْ / بسلامةِ الإسلامِ فاخلُدْ واسْلَمِ
وافَيْتَ هذا الثغرَ وهو على شفاً / فشفيْتَ معضلَ دائه المستحكمِ
ورعيتَه بسياسةٍ دارتْ على / مُخْتَطِّهِ دورَ السوار بمعصم
كم ليلةٍ قد بتَّ فيها ساهراً / تهدي الآمانَ إلى العيون النُّومِ
يا مظهر الألطاف وهي خفيّةٌ / ومُهِبَّ ريحِ النصر للمتنسِّم
لله دولتك التي آثارها / سِيَرُ الرِّكاب لمنجد أو مُتْهمِ
ما بعد يومك في المواسم بعدما / أَتْبَعْتَ عيد الفطر أكرمَ موسمِ
وافتك أشراف البلاد ليومه / من كل ندب للعلا مُتَسَنِّمِ
صرفوا إليكَ ركابَهم وتيمموا / من بابك المنتاب خير مُيّمَمِ
تَبَوَّأُوا منه بدار كرامةٍ / فالكل بين مقرّبٍ ومنعَّمِ
ودّتْ نجوم الأفق لو مثلت به / لتفوز فيه برتبة المستخدمِ
والروض مختالٌ بحلية سندسٍ / من كل مَوشيِّ الرقوم منمنَمِ
ورياحُهُ نسمت بنشر لطيمة / وأقاحُهُ بسمت بثغر ملثّمِ
وأَرَيْتَنا فيه عجائب جمةٌ / لم تجر في خَلّدٍ ولم تُتَوَهَّمِ
أرسلت سرعان الجياد كأنها / أسرابُ طيرٍ في التنوفة حُوَّمِ
من كل منحفز بخطفة بارق / قد كاد يسبق لمحة المتوهمِ
طرفٌ يشك الطَّرْفَ في استثباتهِ / فكأيْه ظنُّ بصدر مرجِّمِ
ومسافرٍ في الجو تحسبُ أنه / يرقى إلى أوج السماء بسلَّمِ
رام استراق السمع وهو ممنّع / فأصيب من قضب العصي بأسهمِ
رَجَمَتْهُ من شهب النِّصال حواصبٌ / لولا تعرضه لها لَمْ يُرجَمِ
ومدارة الأفلاك أعجز كُنْهُها / إبداعَ كلِّ مهندس ومهندمِ
يمشي الرجال بجوفها وجميعهم / عن مستوى قدميه لم يتقدمِ
ومنوّعِ الحركات قد ركب الهوا / يمشي على خط به متوهّمِ
فإذا هوى من جوّه ثم استوى / أبصرتَ طيراً حول صورة آدم
يمشي على فَنَنِ الرّشاء كأنه / فيه مساور ذابل أو أرقمِ
وإليك من صون العقول عقيلةً / وقفت بِبابِك وِقْفَةَ المسترحمِ
ترجو قَبولك وهو أكبر منحة / فاسمحْ به خُلَّدتَ من متكرْمِ
طاردتُ فيها وصف كل غريبةٍ / فنظمّتُ شاردَهُ الذي لم ينظم
ودعوتُ أرباب البيان أُريهمُ / كم غادرَ الشّعراء من متردِّمِ
ما ذاك إِلاّ بعض أنعُمك التي / قد عَلَّمَتُنا كيف شكر المُنْعِمِ