المجموع : 4
جاءَ المَسِيحُ مِنَ الإلهِ رَسُولا
جاءَ المَسِيحُ مِنَ الإلهِ رَسُولا / فأبَى أَقَلُّ العالَمِينَ عُقُولا
قَوْمٌ رَأَوْا بَشَرَاً كريماً فادَّعَوْا / مِنْ جَهْلِهِمْ للَّهِ فيهِ حُلولا
وَعِصَابَةٌ ما صَدَّقَتهُ وَأَكثَرَت / بالإِفكِ والبُهْتانِ فيهِ القِيلا
لَمْ يَأْتِ فيهِ مُفْرِطٌ ومُفَرِّطٌ / بالحَقِّ تَجرِيحاً وَلا تَعدِيلا
فكَأَنَّما جاءَ المَسِيحُ إليهمُ / لِيُكَذِّبُوا التَّوْراةَ والإِنْجِيلا
فاعجَب لِأُمَّتِهِ الّتي قد صَيَّرَتْ / تَنْزِيهَها لإِلهِها التَّنْكِيلا
وإِذا أرادَ اللَّهُ فِتْنَةَ مَعْشَرٍ / وَأَضَلَّهُمْ رَأَوُا القَبِيحَ جَمِيلا
هُمْ بَجَّلوهُ بِباطِلٍ فابْتَزَّهُ / أَعْداؤُهُ بالباطِلِ التَّبجِيلا
وتَقَطَّعُوا أَمْرَ العَقائِدِ بينهم / زُمَراً ألَم تَرَ عِقدَها مَحْلُولا
هَوَ آدَمٌ فِي الفَضْلِ إِلَّا أنّهُ / لَمْ يُعْطَ حالَ النَّفْخَةِ التَّكْمِيلا
أسَمِعْتُمُ أنَّ الإِلهَ لحَاجَةٍ / يَتَنَاوَلُ المَشْرُوبَ وَالمَأْكُولا
ويَنَامُ مِنْ تَعَبٍ وَيَدْعُو رَبَّهُ / ويَرُومُ مِنْ حَرِّ الهَجِيرِ مَقِيلا
ويَمَسُّهُ الألَمُ الَّذِي لَمْ يَسْتَطِع / صَرْفَاً لَهُ عنهُ ولا تَحْوِيلا
يا ليتَ شِعْرِي حِينَ ماتَ بِزَعْمِهِم / من كانَ بالتَّدْبِيرِ عنه كَفِيلا
هَلْ كانَ هذا الكَوْنُ دَبَّرَ نَفْسَهُ / مِنْ بَعْدِهِ أَمْ آثَرَ التَّعْطِيلا
اجْزُوا اليَهُودَ بِصَلْبِهِ خَيْراً ولا / تُخْزُوا يَهُوذَا الآخِذَ البِرْطِيلا
زَعَمُوا الإلهَ فَدَى العَبيدَ بِنَفْسهِ / وأراهُ كانُ القاتِلَ المَقْتُولا
أيَكونُ قَوْمٌ في الجَحِيمِ ويَصْطَفِي / منهم كَلِيماً رَبُّنا وخَلِيلا
وإذا فَرَضْتُمْ أنَّ عيسى ربّكُمْ / أفَلَمْ يَكُنْ لِفِدَائِكُمْ مَبْذُولا
وأُجِلُّ رُوحاً قامَتِ المَوْتَى بهِ / عَنْ أَنْ يُرَى بِيَدِ اليَهودِ قَتِيلا
فَدَعُوا حديثَ الصَّلْبِ عَنْهُ ودُونكُمْ / مِن كُتبِكُم ما وافَقَ التَّنْزِيلا
شَهِدَ الزَّبُورُ بِحِفْظِهِ ونَجاتِهِ / أَفَتَجْعَلُونَ دَلِيلَهُ مَدْخُولا
أَيَكُونُ مَنْ حَفِظَ الإلهُ مُضَيَّعاً / أَوْ مَنْ أُشِيدَ بِنَصْرِهِ مَخْذُولا
أَيَجُوزُ قَوْلُ مَنَزِّهٍ لإِلههِ / سبحانَ قاتِلِ نَفْسِهِ فأَقُولا
أَو جَلَّ مَنْ جَعَلَ اليَهُودُ بِزَعمِكُمْ / شَوْكَ القَتادِ لِرَأْسِهِ إكلِيلا
ومَضَى بِحَمْلِ صَلِيبِهِ مُستَسلِماً / لِلموتِ مَكتُوفَ اليَدَينِ ذَلِيلا
كَم ذا أُبَكِّتُكُم وَلَمْ تَستَنكِفُوا / أنْ تَسْمَعُوا التَّبْكِيتَ والتَّخجِيلا
ضَلَّ النَّصارَى في المَسِيحِ وَأَقْسَمُوا / لا يَهْتَدُونَ إلَى الرَّشادِ سَبِيلا
جَعَلُوا الثَّلاثَةَ واحِداً وَلوِ اهتَدَوا / لَمْ يَجْعَلوا العَدَدَ الكَثيرَ قليلا
عَبَدُوا إلهاً مِنْ إلهٍ كائِناً / ذَا صُورَةٍ ضَلّوا بها وهَيُولَى
ضَلَّ النَّصارَى واليَهُودُ فلا تَكُنْ / بِهِم عَلَى سُبُلِ الهُدَى مَدلُولا
والمُدَّعُو التَّثلِيث قَوْمٌ سَوَّغُوا / ما خالف المنقولَ والمَعْقُولا
والعابِدُونَ العِجْلَ قد فُتِنُوا به / ودُّوا اتِّخاذَ المُرْسَلِينَ عُجُولا
فإذا أتَتْ بُشْرَى إليهِم كَذَّبُوا / بِهَوَى النُّفُوسِ وقُتِّلُوا تَقْتِيلا
وَكَفَى اليهودَ بأنهم قد مَثَّلُوا / مَعْبُودَهمْ بِعِبادِهِ تَمثيلا
وبأَنَّ إسرائيلَ صارعَ رَبَّهُ / ورَمَى به شُكْراً لإِسْرائيلا
وبأنَّهم رحَلُوا به في قُبَّةٍ / إذْ أَزْمَعُوا نَحْوَ الشآمِ رَحِيلا
وبِأنَّهمْ سَمِعُوا كلامَ إلهِهِمْ / وسَبِيلُهُم أنْ يَسْمَعُوا المَنْقُولا
وبِأنَّهمْ ضَرَبُوا لِيَسْمَعَ ربُّهُمْ / في الحَربِ بُوقاتٍ لَهُ وَطُبُولا
وبأَنَّ رَبَّ العالَمِينَ بَدا لَهُ / في خَلْقِ آدَمَ يَا لَهُ تَجْهِيلا
وبَدا لَهُ في قَوْمِ نوح وانثَنَى / أسَفاً يَعُضُّ بَنَانَهُ مَذْهُولا
وبِأَنَّ إبراهيمَ حاولَ أَكْلَهُ / خُبْزَاً وَرامَ لِرِجلِهِ تَغْسِيلا
وبأَنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْ / لهُمُ رباً وخيانَةً وَغُلولا
وبِأنَّهم لَم يَخْرُجُوا مِنْ أَرضِهِم / فكأنّهم حسِبُوا الخُروجَ دُخُولا
وحَدِيثُهُم في الأَنبِياءِ فلا تَسَل / عنه وخَلِّ غِطاءهُ مَسْدُولا
لَم يَنتَهُوا عَن قَذفِ دَاوُودَ وَلا / لوطٍ فكيفَ بِقذْفِهِمْ رُوبِيلا
وَعَزَوْا إلَى يَعقُوبَ مِن أَولادِهِ / ذِكْراً مِنَ الفِعْلِ القَبِيحِ مَهولا
وَإلى المَسِيحِ وَأُمِّهِ وَكَفَى بها / صِدِّيقَةً حَمَلَتْ به وَبَتُولا
وَلِمَنْ تَعَلَّقَ بالصَّلِيبِ بِزَعمِهِم / لَعْناً يَعُودُ عليهمُ مكفولا
وَجَنَوْا عَلَى هارونَ بالعِجْلِ الّذي / نَسَبُوا لَهُ تَصْوِيرَهُ تَضْلِيلا
وَبأنَّ موسى صَوَّرَ الصُّوَرَ التي / ما حَلَّ منها نَهْيُهُ مَعْقُولا
ورَضُوا لهُ غَضَبَ الإِلهِ فلا عَدا / غَضَبُ الإلهِ عَدُوَّهُ الضِّلِّيلا
وبأنَّ سِحْراً ما اسْتطاعَ لآيَةٍ / منه وَلا اسطاعَتْ لهُ تَبْطِيلا
وبأنَّ ما أبْدَى لهُمْ مِنْ آيَةٍ / أبْدَوا إلَيهِ مْلَها تَخييلا
إِلَّا البَعُوضَ ولا يَزالُ مُعانِداً / لإِلهِهِ بِبَعُوضَةٍ مَخْذُولا
ورَضُوا لِمُوسى أنْ يقولَ فواحِشاً / خَتَمَتْ وَصِيَّتُهُ لهنَّ فصُولا
نَقَلوا فَواحِشَ عَن كليمِ اللَّهِ لَم / يَكُ مِثلُها عَنْ مِثلِهِ مَنُقُولا
وأَظُنُّهُمْ قد خالفوه فعجَّلتْ / لهُمُ العُقوبة بالخنا تعْجِيلا
وَشَكَتْ رِجالُهُمُ مَصادِرَ ذَيْلِها / ونِساؤُهُمْ غيرَ البُعُولِ بُعولا
لُعِنَ الَّذينَ رَأوْا سَبِيلَ مُحَمَّدٍ / وَالمُؤْمِنِينَ بِهِ أضَلَّ سَبِيلا
أَبْناءُ حَيَّاتٍ ألَم تَرَ أنّهم / يَجِدُونَ دِريَاقَ السُّمومِ قَتولا
مُذْ فارَقوا العِجْلَ الّذي فُتِنُوا به / وَدُّوا اتِّخاذَ الأنبياءِ عُجُولا
فإِذا أتَى بَشَرٌ إليهم كَذَّبُوا / بِهَوَى النُّفُوسِ وقُتِّلُوا تَقْتِيلا
أَخلَوا كِتابَ اللَّهِ مِن أَحكَامِهِ / عَدواً وَكانَ العامِرَ المَأهُولا
جَعلوا الحَرامَ بهِ حَلالاً وَالهُدَى / غَيّاً وَمَوْصولَ التُّقَى مَفْصُولا
وَدَعَاهُم ما ضَيَّعُوا مِنْ فَضْلِهِ / أنْ يَمْلَؤُوهُ مِنَ الكلامِ فُضُولا
كَتَمُوا العِبَادَةَ والمعادَ وَما رَعَوْا / لِلحَقِّ تَعجِيلاً وَلا تَأجِيلا
عَجَباً لَهُم وَالسَّبتُ بَيعٌ عِندَهُم / لَم يَلقَ منهُ المُشتَرُون مَقِيلا
هَلَّا عَصَوا في السَّبتِ يُوشَعَ إذ غَدا / يَدْعُو جُنُوداً للوَغَى وخُيُولا
أَو خالَفُوا هارُونَ في ذبحٍ وَفي / عَجْنٍ به لَمْ يُبْدِ عنهُ نُكُولا
أو أَلْحَقُوا بهما المَسِيحَ وَسَوَّغُوا ال / تَحْرِيمَ في الحالَيْنِ والتَّحْلِيلا
أو أثبَتُوا النَّسخَ الَّذي في كُتبِهم / قد نُصَّ عنْ شَعْيا وعَنْ يُوئِيلا
أوَ لَمْ يَرَوْا حُكْمَ العَتِيقَةْ ناسِخاً / أحكامَ كُتْبِ المُرْسَلِينَ الأُولى
أفَيَأنَفُ الكُفَّارُ أنْ يَستَدرِكُوا / قَوْلاً عَلَى خيرِ الوَرَى مَنحُولا
لا دَرَّ دَرُّهُمُ فإنَّ كلامَهم / يذَرُ الثَّرَى مِنْ أَدْمُعِي مَبْلولا
فكأنَّني ألفَيْتُ مُقْلَةَ فاقِدٍ / ثَكْلَى ومُوجَعَةٍ تُصِيبُ عَوِيلا
ظَنُّوا بربِّهِمُ الظُّنُونَ ورُسْلِهِ / وَرَمَوْا إناثاً بالأَذَى وَفُحُولا
إن يَبخسُوهُ بِكَيْلِ زُورٍ حَقَّهُ / فَلأُوسِعَنَّهُمُ الجزاءَ مَكِيلا
وَمِنَ الغَبِينَةِ أنْ يُجازي إفْكَهُم / صِدْقِي ولَسْنا في الكَلامِ شُكُولا
لَو يَصْدُقُونَ لَمَا أتَت رُسُلٌ لهُمْ / أتَرَى الطَّبِيبَ غَدَا يَزورُ عَلِيلا
إنْ أنكَرُوا فضلَ النبيِّ فإنّما / أرخَوا عَلَى ضَوءِ النَّهارِ سُدُولا
اللَّه أَكبَرُ إنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ / وكتَابَهُ أَقْوَى وَأَقْوَمُ قِيلا
طَلَعَت بهِ شمسُ الهِدَايَةِ لِلوَرَى / وَأبى لَها وصْفُ الكمالِ أُفُولا
والحَقُّ أَبْلَجُ في شريعَتِهِ الّتي / جَمَعَتْ فروعاً لِلْوَرَى وأُصُولا
لا تَذْكُروا الكتبَ السَّوالِفَ عندَهُ / طَلَعَ النَّهارُ فأَطْفِئُوا القِنْدِيلا
دَرَسَت معالِمُها ألا فاستَخبِرُوا / منها رُسوماً قد عَفَتْ وطُلُولا
تُخبِركُمُ التَّوراةُ أنْ قد بَشَّرَتْ / قِدْماً بأَحْمَدَ أَمْ بإسْماعِيلا
وَدَعَتهُ وَحشَ النَّاسِ كلُّ نَدِيَّةٍ / وَعَلَى الجَمِيعِ لَهُ الأَيادِي الطُّولَى
تَجِدُوا الصحيحَ مِنَ السَّقِيمِ فطالما / صَدَقَ الحَبِيبُ هَوَى المحِبِّ نُحولا
مَنْ مِثْلُ موسَى قد أُقِيمَ لأَهْلِهِ / مِنْ بَيْنَ إخْوَتِهِمْ سِواهُ رَسولا
أَو أنَّ إخْوَتَهمْ بنو العِيصِ الّذي / نُقِلَتْ بَكارَتُهُ لإِسْرائيلا
تَاللَّهِ ما كانَ المُرادُ به فَتَى / موسَى ولا عِيسَى وَلا شَمْوِيلا
إذْ لَنْ يَقُومَ لَهُمْ نَبِيٌّ مِثْلُهُ / منهم ولو كانَ النَّبِيُّ مَثيلا
طوبى لِمُوسى حينَ بَشَّرَ باسمِهِ / ولِسامِعٍ مِنْ فَضْلِهِ ما قيلا
وَجِبالُ فارانَ الرَّواسِي إنّها / نالت عَلَى الدُّنيا به التَّفضيلا
واستَخبِرُوا الإِنْجِيلَ عنه وحاذِرُوا / مِنْ لَفْظِهِ التَّحْرِيفَ والتَّبْدِيلا
إنْ يَدْعُهُ الإِنْجِيلُ فارِقْلِيطَهُ / فلَقَدْ دَعاهُ قبلَ ذلكَ إيلا
ودَعاهُ رُوحَ الحَقِّ لِلوَحيِ الّذي / يُتْلَى عَليه بُكْرَةً وَأَصِيلا
وأراهُ لا بِتَكلُّمٍ إِلَّا إذا / أرفَعتُ عنكم للإِلهِ مَقُولا
إنْ أنْطَلقْ عنكم يَكُنْ خيرٌ لكم / لِيَجِيئَكُمْ مَنْ تَرْتَضُوهُ بَدِيلا
يَأتِي على اسْمِ اللَّهِ منه مُبارَكٌ / ما كانَ مَوْعِدُ بَعْثِهِ مَمْطُولا
يَتْلُو كِتَابَ البَيِّنَاتِ كِتابُهُ / ويَرُدُّ أَمْثالِي به التَّأوِيلا
وَيُفَنِّدُ العُلَماءَ تَوْبِيخاً لَهُم / وكَفَاهُمُ بِخَطِيئَةٍ تَخْجِيلا
ويُزِيحُ مُلْكَ اللَّهِ منكم عَنوَةً / لِيُبيحَهُ أهلَ التُّقَى ويُنيلا
وكما شَهِدْتُ لهُ سَيَشهَدُ لِي إذا / صار العليمُ بما أتَيْتُ جَهُولا
يُبْدِي الحوادِثَ والغُيُوبَ حَدِيثُهُ / وَيسوسُكُمْ بالحَقِّ جِيلاً جِيلا
هُوَ صَخْرَةٌ ما زُوحِمَتْ صَدَمَتْ فلا / تَبْغُوا لها إلَّا النُّجُومَ وُعُولا
والآخِرونَ الأَوَّلونَ فَقَوْمُهُ / أَخَذُوا عَلَى العَمَلِ القَلِيلِ جَزِيلا
والمُنْحَمنَّا لا تَشْكُّوا إنْ أتَى / لَكُمُ فليسَ مَجِيئُهُ مَجْهُولا
وَهُوَ المُوَكَّلُ آخِراً بالكَرمِ لا / يَخْتَارُ مالِكُهُ عليه وكيلا
وَهوَ الَّذي مِن بعدِ يَحيَى جاءهم / إذْ كانَ يَحيَى لِلْمَسِيحِ رَسيلا
وَسَلُوا الزَّبورَ فإنَّ فيه الآن مِن / فصْلِ الخطابِ أوامِراً وفصولا
فهوَ الَّذي نَعَتَ الزَّبورُ مُقَلَّداً / ذا شَفْرَتَيْنِ مِنَ السُّيوفِ صَقِيلا
قُرِنَت بِهَيبَتِهِ شَريعَةُ دِينِهِ / فَأَراكَ أَخْذَ الكافِرِينَ وبِيلا
فاضَت عَلَى شَفَتَيْهِ رَحْمَةُ رَبِّهِ / فاستَشْفِ مِنْ تِلْكَ الشِّفاه عَلِيلا
وَلِغالِبٍ مِنْ حَمْدِهِ وَبَهَائِهِ / مَلأَ الأَعادِي ذِلَّةً وخُمولا
فِي أُمَّةٍ خُصَّتْ بِكلِّ كَرَامَةٍ / وتَفَيَّأَتْ ظِلَّ الصَّلاحِ ظَلِيلا
وَعَلَى مَضاجِعهِم وكلِّ ثَنِيَّةٍ / كلٌّ يُسِرُّ وَيُعلِنُ التَّهْلِيلا
رُهْبانُ لَيْلٍ أُسْدُ حَرْبٍ لم تَلِج / إِلَّا القَنا يَوْمَ الكَرِيهَةِ غِيلا
كم غادَروا الملك الجليلَ مُقَيَّداً / والقَرْمَ مِنْ أشْرَافِهِمْ مَغْلُولا
فاللَّهُ مُنتَقِمٌ بِهِم مِن كُلِّ مَنْ / يَبْغِي عَلَى الحَقِّ المُبينِ عُدُولا
أَعَجِبْتَ مِنْ مَلكٍ رَأَيْتَ مُقَيَّداً / وَشرِيفِ قَوْمٍ عِنْدَهمْ مَغْلولا
خَضَعَتْ مُلوكُ الأرضِ طائِعَةً لَهُ / وغَدا به قرْبانُهُمْ مَقْبُولا
ما زَالَ لِلمُستَضعَفِينَ مُؤَازِراً / وَأُلي الصَّلاحِ وَلِلعُفاةِ بَذُولا
لمْ يَدْعُهُ ذُو فاقَةٍ وضَرُورَةٍ / إِلَّا ونالَ بِجُودِهِ المَأْمُولا
ذاكَ الَّذِي لم يَدعُهُ ذُو فاقَةٍ / إِلَّا وكانَ لهُ الزَّمانُ مُنِيلا
تَبْقَى الصَّلاةُ عليهِ دائمَةً فَخُذ / وَصْفَ النبيِّ مِنَ الزُّبُورِ مَقُولا
وَكِتابُ شَعْيا مُخْبِرٌ عَنْ رَبِّهِ / فاسْمَعْهُ يُفْرِحُ قَلْبَكَ المَتْبُولا
عَبْدِي الَّذي سُرَّتْ به نَفسِي وَمَن / وَحْيِي عليه مُنزَّلٌ تَنزِيلا
لَمْ أُعْطِ ما أَعْطَيْتُهُ أَحَداً مِنَ ال / فَضْلِ العظيمِ وحَسْبُهُ تَخْوِيلا
يَأتِي فَيُظهِرُ في الوَرَى عَدْلِي وَلم / يَكُ بالهَوَى في حُكْمِهِ لِيَمِيلا
إنْ غَضَّ مِنْ بَصَرٍ وَمِنْ صَوْتٍ فما / غَضَّ التُّقَى والفَضلُ مِنهُ كلِيلا
فَتَحَ العُيُونَ العُورَ لكنَّ العِدا / عَنْ فضلِهِ صَرَفُوا العُيُونَ الحُولا
أَحيا القلوبَ الغُلفَ أَسمَعَ كلَّ ذِي / صَمَمٍ وَكَمْ داءٍ أزالَ دَخِيلا
يُوصِي إلى الأُمَمِ الوصايا مِثْلَمَا / يُوصِي الأَبُ البَرُّ الرَّحِيمُ سَلِيلا
لا تُضْحِكُ الدُّنيا لهُ سِنّاً وَما / لَمْ يُؤْتَ منها عَدَّهُ تَنوِيلا
منْ غيرُ أحمدَ جاءَ يَحْمَدُ رَبَّهُ / حَمْداً جَدِيداً بالمزِيدِ كَفِيلا
وَكِتابُهُ ما ليسَ يُطْفَأُ نُورُهُ / والحَقُّ مُنْقَادٌ إليه ذَلولا
خَصَمَ العِبادَ بِحُجَّةِ اللَّهِ الَّتي / أمْسَى بها عُذْرُ الوَرَى مَتْبُولا
فَرِحَتْ بهِ البَرِّيَّةُ القُصْوَى وَمَنْ / فيها وفاضَلَتِ الوُعُورُ سُهولا
فَزَهَت وَنالَت حُسنَ لُبنانَ الَّذي / لَولا كَرامَةُ أَحمَدٍ ما نِيلا
مُلِئت مَساكِنُ آلِ قَيْدارٍ به / عِزّاً وطابَتْ مَنْزِلاً ونَزِيلا
جَعَلُوا الكَرامَةَ لِلإِلهِ فَأُكرِمُوا / فاللَّه يَجْزِي بالجَمِيلِ جَمِيلا
وَلِبَيتِهِ الحَرَمِ الحرامِ طَرِيقُهُ / يَتْلُو رَعِيلَ المخلِصِينَ رَعِيلا
لا تَخطُرُ الأَرجاسُ فيهِ وَلا يُرَى / لِخُطاهُمُ في أَرْضِهِ تَنقِيلا
كَتِفاهُ بينهما علامَةُ مُلكِهِ / للَّهِ مُلكٌ لا يَزالُ أثيلا
مَن كانَ مِن حِزبِ الإلهِ فَلَم يَزَل / منه بِحُسْنِ عِنايَةٍ مَشْمُولا
هُوَ راكِبُ الجَمَل الَّذي سَقَطَتْ بهِ / أصْنامُ بابِلَ قد أتاكَ دَلِيلا
وَالغَرْسُ في البَدْوِ المُشار لِفَضْلِهِ / إنْ كُنْتَ تَجْهلُهُ فَسَلْ حِزْقِيلا
غُرِسَتْ بأَرْضِ البَدْوِ منه دَوْحَةٌ / لَمْ تَخْشَ مِنْ عَطَشِ الفَلاةِ ذُبُولا
فَأَتَتْكَ فاضِلَةَ الغُصُونِ وأَخرَجَت / ناراً لِمَا غَرَسَ اليَهُودُ أَكُولا
ذَهَبَتْ بِكَرْمَةِ قَوْمِ سَوءٍ ذُلِّلَتْ / بِيَدِ الغُرورِ قُطُوفُها تَذلِيلا
وَسَلو المَلائِكَةَ التي قد أَيَّدَتْ / قَيْدارَ تُبْدِي العِلَّةَ المَعْلولا
وسَلنَّ حَبقُوقَ المُصَرِّحَ بِاسمِهِ
وسَلنَّ حَبقُوقَ المُصَرِّحَ بِاسمِهِ / وَبِوَصْفِهِ وَكَفَى به مَسؤولا
إذْ أوْصَلَ القَوْلَ الصَّريحَ بذِكْرِهِ / للسَّامِعِينَ فأَحْسَنَ التَّوصِيلا
والأرضُ مِنَ تَحمِيدِ أحمدَ أَصبَحَت / وبِنُورِهِ عَرْضاً تُضِيءُ وطُولا
رَوِيَتْ سِهَامُ مُحَمَّدٍ بِقِسِيِّهِ / وغَدا بها مَن ناضَلَت مَنضُولا
وَاسمَع بِرُؤيا بُخْتَنَصَّرَ وَالتَمِس / مِنْ دانِيالَ لها إذَنْ تَأْوِيلا
وَسَلُوهَ كَمْ تَمْتَدُّ دَعْوَةُ باطِلٍ / لتُزِيحَ عِلَّةَ مُبطِلٍ وَتُزِيلا
وَارمِ العِدا بِبَشائِرٍ عَن أَرمِيا / إذ كَفَّ نَبلُ كِنانِهِ مَتبُولا
إذ قالَ قد قَدَّستُهُ وعَصَمتُهُ / وَجَعَلتُ لِلأَجْناسِ منهُ رَسُولا
وَجَعَلتُ تَقْدِيسِي قُبَيْلَ وُجُودِهِ / وَعداً عَلَيَّ كَبَعثِهِ مَفعُولا
وحَدِيثُ مَكَّةَ قد رواهَ مُطَولاً / شَعْيا فخُذهُ وَجَانِبِ التَّطوِيلا
إذْ راحَ بالقَوْلِ الصَّرِيحِ مُبَشِّراً / بالنَّسلِ مِنها عاقِراً مَعضولا
وتَشَرَّفَت باسمٍ جَدِيدٍ فادعُها / حَرَمَ الإِلهِ بَلَغْتَ منه السُّولا
فَتَنَبَّهَت بعدَ الخُمولِ وَكُلِّلَت / أَبوابُها وسُقُوفُها تَكلِيلا
وَنَأَت عَنِ الظُّلمِ الّذي لا يَبتَغِي / لِخضابِهِ شَيْبُ الزَّمانِ نُصولا
حَرَمٌ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ مُحَرَّمٌ / فكأنّما يَسْقِي السُّيُوفَ فُلولا
وَتَخَالُ مِن تَحرِيمِ حُرمَتِهِ العِدا / عُزلاً وإن لَبِسُوا السِّلاحَ ومِيلا
لَمْ يُتَّخذ بَيْتٌ سِواهُ قِبْلةً / فازدَد بِذَاكَ لِمَا أَقُولُ قَبُولا
وبَنُو نَبايُتَ لَمْ تَزَل خُدَّامُها / لا تَبْتَغِي عنها لَهُمْ تَحوِيلا
جُمِعَت لَهُ أَغنامُ قَيدارَ الَّتي / قد كانَ منها ذِبحُ إِسْمَاعِيلا
فَنَمَتْ وأُمِّنَ خَوْفُها وَعَدُوُّها / قد باتَ منها خائفاً مَهْزُولا
وَكَلامُ شَمْعُونَ النبيِّ تَخالُهُ / لكلامِ موسى قد أتى تَذْيِيلا
وَجَمِيعُ كُتبِهِمُ على عِلَّاتِها / نَطَقَت بِذِكر مُحَمَّدٍ تَعلِيلا
لَم يَجهَلوهُ غَيرَ أنَّ سُيُوفَهُ / أَبقَت حُقُوداً عِنْدَهُم وذُحُولا
فاسمَع كلامَهُمُ ولا تَجعَل عَلَى / ما حَرَّفُوا مِنْ كُتبِهِم تَعوِيلا
لولا استِحَالَتُهُم لَمَا ألفَيتَنِي / لَكَ بالدَّليلِ عَلَى الغَرِيمِ مُحِيلا
أوَ قَد جَهِلتَ مِنَ الحَدِيثِ رِوايَةً / أمْ قد نسيتَ مِنَ الكتاب نُزُولا
فاترُك جِدَالَ أخِي الضَّلالِ ولا تكُن / بِمِراءِ مَنْ لا يَهْتَدِي مَشْغُولا
ما لي أُجادِلُ فيهِ كلَّ أخِي عمىً / كَيْمَا أُقِيمَ عَلَى النَّهارِ دَلِيلا
واصْرِفْ إلى مَدْحِ النبيِّ مُحَمَّدٍ / قَولاً غَدا عَن غَيرِهِ مَعدُولا
فإذا حَصَلتَ عَلَى الهُدَى بِكِتابِهِ / لا تَبْغِ بَعْدُ لِغَيْرِهِ تَحْصِيلا
ذِكْرٌ بهِ تَرْقَى إلَى رُتبِ العُلا / فَتَخالُ حامِلَ آيِهِ مَحْمُولا
يَذَرُ المُعارِضَ ذا الفصاحَةِ أَلْكَناً / في قولِهِ وأخا الحِجا مَخْبُولا
لا تَنْصِبَنَّ لَهُ حِبالَ مُعانِدٍ / فَتُرَى بِكفَّةِ آيةٍ مَحبُولا
إن كُنتَ تُنكِرُ مُعجِزاتِ مُحَمَّدٍ / يَوْماً فَكُنْ عَمَّا جَهِلْتَ سَؤولا
شَهِدَت لهُ الرُّسلُ الكِرامُ وَأَشفَقَوا / مِن فاضِلٍ يَستَشهِدُ المَفضُولا
قارَنتُ نُورَ النَّيِّرَينِ بِنُورِهِ / فَرَأَيتُ نُورَ النَّيِّرَيْنِ ضَئيلا
ونَسَبتُ فضلَ العالَمِينَ لفضلِهِ / فَنسَبتُ مِنهُ إِلى الكَثيرِ قَليلا
وَأرانِيَ الزَّمَنُ الجَواد بجودِهِ / لَمَا وَزَنتَ بِهِ الزَّمانَ بَخِيلا
ما زالَ يَرقَى فِي مَواهِبِ رَبِّهِ / وَيَنالُ فضلاً مِن لَدُنهُ جَزِيلا
حتَّى انْثَنَى أَغْنَى الوَرَى وَأَعَزُّهم / يَنْقادُ مُحْتاجاً إليهِ ذَليلا
بَثَّ الفضائِلَ فِي الوجودِ فَمَنْ يُرِد / فضلاً يَزِدْهُ بِفَضلِهِ تفصيلا
فالشَّمسُ لا تُغنِي الكَواكِبُ جُمْلَةً / فِي الفَضْلِ مَغْناها وَلا تفضيلا
سَلْ عَالَمَ المَلكُوتِ عنهُ فَخيرُ ما / سأَلَ الخَبِيرُ عَنِ الجَليلِ جَليلا
فَمَنِ المُخَبِّرُ عَن عُلاً مِن دونِها / ثَنَتِ البُراقَ وَأَخَّرَت جِبرِيلا
فَلوِ استَمَدَّ العالمونَ عُلومَهُ / مَدَّتهُمُ القَطَراتُ منهُ سُيولا
فَتَلَقَّ ما تَسطِيعُ مِنْ أَنْوَارِهِ / إنْ كانَ رَأْيُكَ فِي الفَلاحِ أَصيلا
فَلرُبَّمَا أَلْقَى عليكَ كِتابُهُ / قَولاً مِنَ السِّرِّ المَصُونِ ثَقِيلا
ذاكَ الَّذِي رفَعَ الهُدَى بيمينِه / عَلَماً وجَرَّدَ صارِماً مَصْقُولا
أوَ ما تَرَى الدِّينَ الحَنِيفَ بِسَيْفِهِ / جَعَلَ الطّهورَ لهُ دَماً مَطلولا
وَالشِّركُ رِجسٌ فِي الأَنامِ وخيرُ ما / أَلفَيتَهُ بِدَمِ العِدَا مَغْسولا
داعٍ بِأَمرِ اللَّهِ أَسمَعَ صَوتُهُ ال / ثقلينِ حتى ظُنَّ إسْرافِيلا
لَم يَدعُهُم إِلَّا لِمَا يُحييهُمُ / أبداً كما يَدعُوا الطَّبِيبُ عَليلا
تَحْدُوا عَزَائمُهُ العِبادَ كأنَّما / تَخِذَتْ عزائِمُهُ الفضاءَ سَبيلا
يُهْدِي إلى دار السَّلامِ مَنِ اتَّقَى / وغَدا بِنُورِ كِتابِهِ مَكْحُولا
وَيَظَلُّ يُهْدِي لِلجَّحِيمِ بِسَيفِهِ / مِمَّنْ عَصَى بعدَ القتيلِ قتيلا
حتّى يقولَ النّاسُ أَتْعَبَ مالِكاً / بِحُسامِهِ وأَراحَ عِزرِيلا
فَاسمَع شَمائِلَهُ الَّتي ذِكري لَها / قدْ كادَ تَحْسِبُهُ العُقُولُ شَمُولا
مَن خُلقُهُ القرآنُ جَلَّ ثَناؤُهُ / عَن أَن يَكُونَ حَدِيثُهُ مَملولا
وَإِذا أتَت آياتُهُ بِمَدِيحِهِ / رَتَّلتُ منها ذِكرَهُ تَرتِيلا
إنَّ امرَأً مُتَبَتِّلاً بِثَنائِهِ / مُتَبَتِّلٌ لِإلهِهِ تَبتِيلا
إِنّي لَأُورِدُ ذِكرَهُ لِتَعَطُّشِي / فإخالُ أنّي قَد وَرَدتُ النِّيلا
وَالنِّيلُ يُذكِرُني كَرِيمَ بَنانِهِ / فأُطِيلُ مِن شَوقِي لهُ التَّقبِيلا
مَن لِي بِأَنّي مِن بَنانِ مُحَمَّدٍ / بِاللَّثمِ نِلتُ المَنهَلَ المَعسُولا
مِن رَاحَةٍ هِيَ فِي السَّماحَةِ كَوثَرٌ / لكِنَّ وارِدَها يَزِيدُ غَلِيلا
سارَت بِطاعَتِها السَّحاب كَأَنَّما / أمَرَتْ بما تَختارُ مِيكائيلا
أنَّى دَعَا وأشارَ مُبْتَهِلاً بها / لِمِياهِ مُزْنٍ ما يَزالُ هَطُولا
وَأَظُنُّه لو لَمْ يُرِدْ إِقْلاعَهُ / لأَتَى بِسَيْلٍ ما يُصِيبُ مَسِيلا
وَكَم اشْتَكَتْ بَلَدٌ أذاهُ فأُلْبِسَت / بِدُعائِهِ مِنْ صَحْوَةٍ إكليلا
يا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ أَلَم يَكُن / طِفلاً لِضُرِّ العالَمِينَ مُزيلا
إذ قامَ عَمُّكَ فِي الوَرَى مُستَسقِياً / كادَتْ تَجُرُّ عَلَى البِطَاحِ ذُيُولا
وَرَفَعتَ عَامَ الفِيلِ عَنهُم فِتنَةً / أَلْفَيْتَ فيها التابِعينَ الفِيلا
بِسَحائِبِ الطَّيْرِ الأَبَابِيلِ الّتي / جَادَتْهُمُ مَطَرَ الرَّدَى سِجِّيلا
فَفَدَوكَ مَولوداً وَقَيتَ نُفُوسَهُم / شِيباً وَشُبَّاناً مَعاً وَكُهُولا
حتّى إِذا ما قُمتَ فيهِم مُنْذِراً / أَبدَوا إِلَيكَ عَداوَةً وذُحولا
فَلَقِيتَهُم فَرْداً بِعَزْمٍ ما انْثَنَى / يَوْماً وَحُسْنِ تَصَبُّرٍ ما عِيلا
وَوَكَلْتَ أَمْرَكَ لِلإلهِ وَيا لَها / ثِقَةً بَنَصْرِ مَنِ اتَّخَذْتَ وَكِيلا
وَأَطَلْتَ فِي مَرْضاةِ رَبِّكَ سُخْطَهُم / فَجَرَعتَ مِنهُم عَلقَماً مَغسُولا
وَطَفِقتَ يَلقاكَ الصَّدِيقُ مُعادِياً / والسِّلْمُ حَرْباً والنَّصِيرُ خَذُولا
ودَعَوتَهُم بالبَيِّنَاتِ مِنَ الهُدَى / وَهَزَزْتَ فيهمْ صارماً مَسْلولا
وَأَقَمْتَ ذاكَ العَضْبَ فيهمْ قاضِيا / ونَصَبْتَ تلكَ البيِّنَاتِ عُدولا
فَطَفِقْتَ لا تَنْفَكُّ تَتْلو آيةً / فيهمْ وَتَحْسِمُ بالحُسامِ تَلِيلا
حتَّى قضَى بالنَّصْرِ دينُكَ دِينهُ / وغَدَا لِدِينِ الكافِرِين مُزيلا
وعَنَتْ لِسَطْوَتِكَ المُلوكُ وَلَمْ تَزَل / بَرّاً رَحِيماً بالضَّعِيفِ وَصُولا
لَم تَخشَ إِلَّا اللَّهَ فِي أَمرٍ وَلَم / تَملِك طِبَاعَكَ عادَةٌ فَتَحُولا
اللَّه أَعْطَى المصطفى خُلقَاً عَلَى / حُبِّ الإلِهِ وَخَوْفِهِ مَجْبولا
غَمَرَ البَرِيَّةِ عَدلُهُ فَصَدِيقُهُ / وعَدُوُّه لا يُظْلَمُونَ فَتِيلا
وَإذَا أرَادَ اللَّهُ حِفظَ وَلِيِّهِ / خَرَجَ الهَوَى مِنْ قَلْبِهِ مَعْزُولا
عُرِضَتْ عليهِ جبالُ مكَّةَ عَسْجَداً / فأبى لِفَاقَتِهِ وكانَ مُعِيلا
أَمُعَنَّفِي أَنِّي أُطِيلُ مَدِيحَهُ / مَنْ عَدَّ مَوجَ البَحرِ عَدَّ طَوِيلا
إنِّي تَرَكْتُ مِنَ الكلامِ نُخَالَهُ / وأَخَذْتُ منه لُبابَهُ المَنْخُولا
ماذا عَلَى مَنْ مَدَّ حَبْلَ مدائحٍ / فيهِ بحَبْلِ مَوَدَّةٍ مَوْصولا
قَيَّدتُهُ بالنَّظمِ إِلَّا أَنَّهُ / سَبَقَ الْجِيادَ إلى المَدَى مَشْكُولا
وأَضاءَتِ الأَيّامُ مِنْ أنوارِهِ / فَاستَصحَبَت غُرَراً بها وحُجُولا
إنّي امرُؤٌ قَلبي يُحِبُّ مُحَمَّداً / ويَلومُ فيهِ لائِماً وَعَذُولا
أَأُحِبُّهُ وَأَمَلُّ مِن ذِكرِي لَهُ / ليسَ المُحِبُّ لِمَنْ يُحِبُّ مَلُولا
يا لَيْتَنِي مِنْ مَعْشَرٍ شَهِدُوا الوغَى / مَعَهُ زَماناً والكِفاحَ طَوِيلا
فَأَقُومَ عنه بِمِقْوَلٍ وبصارِمٍ / أبَداً قَؤُولا فِي رِضاهُ فعُولا
طَوْراً بِقَافِيةٍ يُرِيكَ ثَباتُها / كَفَّ الرَّدَى عَن عِرضِهِ مَشلولا
وبِضَرْبَةٍ يَدَعُ المُدَجَّجَ وِترُها / شَفْعاً كما شاء الرَّدَى مَجدُولا
وبِطَعْنَةٍ جَلَتِ السِّنانَ فَمثَّلَت / عَيناً لِعَيْنِكَ فِي الكَمِيِّ كَحِيلا
فِي مَوقِفٍ غَشِيَ اللِّحَاظَ فلا يرَى / لَحْظٌ بهِ إِلَّا قَناةً مِيلا
فَرَشَفتُ ثَغرَ المَوتِ فيهِ أَشنَبا / وَلَثَمْتُ خَدَّ المَشْرَفِيِّ أَسِيلا
والخَيْلُ تَسْبَحُ فِي الدِّماءِ وَتَتَّقِي / أَيْدِي الكُمَاة مِنَ النَّجِيعِ وُحُولا
فاطرَب إِذَا غَنَّى الحَدِيدُ فخيرُ ما / سَمِعَ المَشُوقُ إلى النِّزالِ صَليلا
تاللَّهِ يُثْنَى القلْبَ عنه ما ثَنَى / خَوْفُ المَنِيَّةِ عامِراً وَسَلولا
أَيَضِنُّ عَنهُ بِمالِهِ وَبِنَفسِهِ / صَبٌّ يَرَى لَهُما الفَواتَ حُصُولا
فَلأَقطَعَنَّ حِبالَ تَسْوِيفِي الّتي / مَنَعَت سِوَايَ إِلى حِماهُ وُصولا
وَلأَمنَعَنَّ العَينَ فيهِ مَنامَها / وَلأَجْعَلَنَّ لها السُّهَادَ خَلِيلا
وَلأَرْمِيَنَّ لهُ الفِجاجَ بِضُمَّرٍ / كالنَّبْلِ سَبْقاً والقِسِيِّ نُحولا
مِن كلِّ دامِيَةِ الأَيَاطِلِ زِدتُها / عَنَقاً إذا كلَّفْتُها التَّمهِيلا
سارَتْ تَقِيسُ ذِرَاعُها سَقفَ الفَلا / فكأنَّما قاسَتْ بِمِيل مِيلا
حَتَّى تُرِيكَ الحرْفَ مِن صَلدِ الصَّفا / أَخفافُها بدِمائِها مَشْكُولا
وَكأنَّما ضَرَبَت بِصَخرٍ مِثلَهُ / مِن مِبسمٍ فتكافئا تَقتيلا
قَطَعَت حِبالَ البُعْدِ لَمَّا أَعمَلَت / شَوْقاً لَطَيْبَة ساعِداً مَفْتُولا
حتّى أَضُمَّ بِطَيبَةَ الشَّملَ الَّذي / أنْضَى إليها العِرْمِسَ الشِّملِيلا
وَأُرِيحَ مِنْ تَعَبِ الخَطايا ذِمَّةً / ثَقُلَت علَيها لِلذُّنوبِ حُمُولا
وَيُسَرُّ بالغُفرانِ قلبٌ لَمْ يَزَل / حِيناً بِطُولِ إساءَتي مَشكولا
وأَعُودَ بالفضلِ العظيمِ مُنَوَّلاً / وَكَفَى بِفضلٍ منه لي تَنْوِيلا
وإذا تعَسَّرَتِ الأُمورُ فإنّني / راجٍ لها بِمُحَمَّدٍ تَسْهِيلا
يا رَبِّ هَبنا للنبيِّ وَهَب لنا / ما سَوَّلَتهُ نُفُوسُنا تَسوِيلا
واستُر علينا ما عَلِمتَ فَلَم يُطِق / مِنَّا امْرُؤٌ لِخَطِيئَةٍ تَخجِيلا
وَاعطِف عَلَى الخَلقِ الضَّعِيفِ إِذَا رَأى / هَولَ المَعادِ فأَظهَرَ التَّهوِيلا
يَوْمٌ تَضِلُّ به العُقُولُ فَتَشْخَصُ ال / أَبْصَارُ خَوْفاً عندهُ وَذُهولا
وَيُسِرُّ فيهِ المُجرِمُونَ نَدَامَةً / حيناً وحيناً يُظْهِرُونَ عَوِيلا
وَيَظَلُّ مُرْتَادُ الخَلاصِ مُقَلِّباً / فِي الشَّافِعِينَ لِحَاظَهُ وَمُجِيلا
لِتنالَ مِنْ ظَمَإ القيامَةِ نفسُهُ / رِيّاً ومِن حَرِّ السَّعِيرِ مَقيلا
وَاجعَل لنا اللَّهُمَّ جَاهَ مُحَمَّدٍ / فَرَطاً تُبَلِّغُنَا بهِ المَأْمولا
واصرِف بِهِ عنَّا عَذابَ جَهَنَّمٍ / كَرَماً وكُفَّ ضِرامَها المَشْعُولا
واجعَل صَلاتَكَ دائِماً مُنهَلَّةً / لَم تُلفِ دونَ ضَرِيحِهِ تَهْلِيلا
ما هَزَّتِ القُضبَ النَّسِيمُ وَرَجَّعَتْ / وَرقَاءُ فِي فَنَنِ الأَراكِ هَدِيلا
اليَوْمَ قد حَكَمَ الهَوَى بالمَعْدَلَهْ
اليَوْمَ قد حَكَمَ الهَوَى بالمَعْدَلَهْ / وأَراحَ قَلْبِي مِنْ مُكابَدَةِ الوَلَهْ
وتَبَدَّلَتْ مِنِّي الصَّبابَةُ سَلْوَةً / صِينَتْ بها عَبَراتِي المُتَبَذَّلَهْ
مالي وَلِلعُشَّاقِ أَتْبَعُ منهمُ / أُمَماً تَضِلُّ عَنِ الرشادِ مُضَلَّلَهْ
مِنْ كلِّ مَنْ يَشْكُو جِنايَةَ نَفْسِهِ / وَيَرُومُ مِنْ أَحْبَابِهِ ما ليسَ لَهْ
إني امْرُؤٌ أُعْطَى السُّلُوَّ قيادَهُ / وَأًراحَ مِنْ تَعَبِ المَلامَةِ عُذَّلَهْ
وَدَعَا جميلَ ابنِ الزُّبَيْرِ مَدِيحَهُ / فأَطَاعُهُ وعَصَى الهَوَى وتَغَزُّلَهْ
مَوْلَىً عَرَفْتُ بِجاهِهِ وبمالِهِ / عِزَّ الغِنَى وجَهِلْتُ ذُلَّ المَسْأَلَهْ
وأَتَمَّ حَظِّي بَعْدَ نُقْصانٍ فَكَمْ / مِنْ عَائِدٍ لِي من نَدَاهُ ومِنْ صِلَهْ
وَجَبَتْ عليَّ لهُ حُقُوقٌ لَمْ / أَقُمْ منها بماضِيَةٍ ولا مُسْتَقْبِلَهْ
لا أَسْتَطِيعُ جُحُودَها وشُهُودُها / عِنْدِي بما أَوْلَتْ يَداه مُعَدَّلَهْ
ما طالَ صَمْتُ مَدائِحِي عَنْ مَجْدِهِ / إِلاَّ لأَنَّ صِلاتِهِ مُسْتَرْسِلَهْ
فمتى هَمَمْتُ بشُكْرٍ سالفِ نِعْمَةٍ / أَلْفَيْتُ سالِفَتي بأُخْرَى مُثْقَلَهْ
مَنْ مِثْلُ زَيْنِ الدِّيِنِ يَعْقُوبَ الذي / أَضْحَتْ بِهِ رَتَبُ الفَخَارِ مُؤَثَّلَهْ
عَمَّ الخَلائِقَ جُودُهُ فكأَنَّما / يَدُهُ بأَرْزاقِ الوَرَى مُتَكَفَّلَهْ
حَكَمَتْ أَنامِلُها لهُ بالرَّفْعِ مِنْ / أفعالِهِ الحُسْنَى بِخَمْسَةِ أمْثِلَهْ
وأَحَلَّهُ الشَّرَفَ الرَّفِيعَ ذَكاؤُهُ / فرَأَيْتُ منهُ عطارِداً في السُّنْبُلَهْ
سَلْ عنه وَاسْأَلْ عَنْ أبيهِ وجَدِّهِ / تَسْمَعْ أحاديثَ الكرامِ مُسَلْسَلَهْ
إنْ صالَ كانَ اللَّيْثُ منهُ شَعْرَةً / أَوْ جادَ كانَ البحْرُ منه أُنْمُلَهْ
كَمْ أَظْهَرَتْ أَقْلامُهُ مِنْ مُعْجِزٍ / لِلطَّرْسِ لَمَّا أنْ رَأَتْهُ مُرْسَلَهْ
مَلأَتْ بإمْلاَءِ الخواطِرِ كُتْبَهُ / حِكَماً عَلَى وفْقِ الصَّوابِ مُنَزَّلَهْ
وَبَدَتْ فَواصِلُهُ خِلالَ سُطُورِها / تُهْدِي لِقَارِئِها العُقودَ مُفَصَّلَهْ
ما صانَها نَقْصُ الكمال وَلَمْ تَفْتْ / في الحُسْنِ بَسْمَلَةُ الكِتابِ الحَمْدْلَهْ
قد أَغْنَتِ الفَقَراءَ وافْتَقَرَتْ لَهمْ / هِمَمُ الملوكِ فما تَزالَ مُؤَمِّلَهْ
مِنْ مَعْشَرٍ شَرَعُوا المَكارِمَ والعُلَى / وتَبَوَّءُوا مِنْ كلِّ مَجْدٍ أَوَّلَهْ
آلُ الزُّبَيْرِ المَرْتَجَى إِسْعَادُهُم / في كُلِّ نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمُعْضِلَهْ
المكْثِرُونَ طَعَامَهُم وَطِعَانُهُمْ / يَوْمَ النَّزالِ وَفي السِّنِينَ المَمْحِلَهْ
قَوْمٌ لِكُلِّهِمُ عَلَى كُلِّ الوَرَى / أَبَداً يَدٌ مَرْهُوبَةٌ ومَنَوَّلَهْ
إنْ يُسْأَلوا كَرَماً وَعِلْماً أُعْجَزُوا / بِبَدِيعِ أَجْوِبَةِ لتلكَ الأَسْئِلَهْ
أنِفُوا ذُنُوباً ودَّ كلُّ مُقَبَّلٍ / لو أنها حسناتُهُ المتَقَبَلَهْ
لولا مَناقِبُكُمْ لَكانت هذه الدُّ / نيا مِنَ الذِّكْرِ الجَميلِ مُعَطَّلَهْ
إنَّ النَّصَارَى واليَهودَ مَعاشِرٌ
إنَّ النَّصَارَى واليَهودَ مَعاشِرٌ / جُبِلوا على التَّحْرِيفِ والتبْدِيلِ
لوْ أنَّ فيهمْ عُوَّرٌ عَنْ باطِلٍ / أَبْقَوْا على التَّوراةِ وَالإِنجِيلِ