المجموع : 8
هذا الزمانُ يَزُفُّ أبكارَ العُلَى
هذا الزمانُ يَزُفُّ أبكارَ العُلَى / ويغُضُّ طرفاً بالرجاء موكَّلا
يرنو إليكَ بطرفِ جانٍ آملٍ / نسيانَ ذنبٍ من جرائمِه خَلا
ولئِنْ أساءَ صنيعَهُ فيما مضَى / فليحسِنَنَّ صنيعَهُ مستقبلا
هذي المُنَى رحبُ الذِراعِ غليلُها / بعد التَّوَقُّد قد غَدا متبللا
فليُحْيينَّ معالِماً مطموسةً / وَلْيُسْقِينَّ جنابَ مجدٍ أمحلا
لمعتْ تباشيرُ العَلاء وأعرضتْ / سُحُبٌ من العِزِّ الجديد لتَهْطِلا
ولقد رأيتُ الدهرَ في أفعالهِ / مستعجلاً وتخالُه متمهِّلا
ليس امرؤٌ تَخِذَ الغريمَ سلاحَهُ / إذْ شاجَرتْهُ الحادثاتُ بأعْزَلا
يزَعُ الخطوبَ ببأسهِ وعُرامه / فرْداً وقد قادتْ إليه جَحْفَلا
لم تلقكَ الأعداءُ تشكو حادثاً / حتى رأوا رُكناً لِيذبُلَ زُلزلا
وإِذا الكرامُ رأوكَ كنتَ أَمَدَّهُمْ / في مجدهم شأواً وأبهرَ مجتلى
وإِذا همُ حمِيَ الوطيسُ عليهِمُ / في مُشْكلٍ دَعَوُا الْأجلَّ الأفضلا
وإِذا الخطوبُ تضايقتْ أرجاؤها / أوسعتَها رأيا وقولاً فيصَلا
لم تُعْضِل الأحداثُ إلا طبَّقَتْ / منهنَّ عزمتُك المُبِرَّةُ مفصِلا
أشكو إليك الحادثاتِ فإنَّها / صَّبتْ على نحري الطِوالَ الذُّبَّلا
قد كنت تدرؤُها وتدفعُ كيدَهَا / عني إِذا اخترطت عليَّ المُنْصُلا
فالآن ترجِعُ عن دمي إن أشرَعتْ / نحوي سِنانَ الحادثاتِ مُرَمَّلا
ولقد غدوتُ وللضِجاجِ إقامةٌ / عندي كظلِّ الطير حين تَنَقَّلا
تغشى سهامُ النائباتِ مقاتلي / زُرقاً ويتَّبِعُ الأخيرُ الأوَّلا
من كل غائرة المشَقِّ تخالُها / شِدقاً تثاءبَ أو ملاحِظَ أنجلا
ولقد تمضمضُ بي الخطوبُ فلم تجدْ / لي في مَساغِ لَهاتِها مُسْتَسْهَلا
أقصَرْنَ عن متمرّنٍ متعوِّدٍ / للخطب أن ألقَى عليه كلكلا
ثَبْتُ الجَنانِ فإنْ تلسَّنَ بارِقٌ / بذراكَ مادَ بشجوهِ متململا
وتحوز نارُ الشوقِ في أحشائِه / فيرى بياضَ اليومِ ليلاً أليَلا
فالآنَ أقلعتِ النوائبُ وارعوتْ / وتركتُ حدَّ حُسامِها متفلِّلا
ولبستُ سربالَ التماثُلِ بعدما / ساء الظُّنونُ وصرتُ نِضواً مُثْقَلا
وتداركتني بعد يأسٍ نعمةٌ / اللّهُ مَنَّ بلطفه متفضِّلا
فلعلَّ شملَ الوصلِ يُجمعُ بعدَما / أصبحتُ في بُرْدِ النَّوى متفتّلا
وتبوخُ نارٌ في الأضالع أوقدتْ / ويجفُّ شجوٌ في الفؤاد توغَّلا
عِشْ ما تألَّقَ في الدُّجُنَّةِ كوكبٌ / ثرَّ الندَى سمحَ اليدينِ مؤثَّلا
تُردي عدوَّاً كاشِحاً وتُبِيدُهُ / وتُنيلُ معتفياً وتكشِفُ مُعْضِلا
في راحتيكَ الرِزقُ والأجَلُ
في راحتيكَ الرِزقُ والأجَلُ / وبعزمتيكَ الأمنُ والوَجَلُ
ولك الكتائب وهي مُشعَلَةٌ / والبيضُ في الهامات تشتعلُ
والرأيُ يمضي حيثُ لا أسَلٌ / يمضي لِطيَّتهِ ولا بَطَلُ
والمكرُماتُ يضِلُّ إنْ حُصِرتْ / في عدِّها التفصيلُ والجُمَلُ
ويدٌ تَهُدُّ المالَ راحَتُها / أبداً ويعمُرُ ظهرَها القُبَلُ
ومجالسٌ يُكْنَى الكلامُ بها / لِيناً وتُغْضِي دونَها المُقَلُ
بكَ دانتِ الدنيا لصاحبِها / وانقادَ منها السهلُ والجبلُ
مادتْ غُصونُ العيشِ مُثْقَلةً / حَمْلاً وغصنُ الدِين مُعتدلُ
وأعادتِ الأيامُ بهجَتَها / فالملك غَضُّ العود مقتبلُ
ولعَ العُداةُ بهم فذادَهُمُ / يَقظانُ في استعجاله مَهَلُ
كالسيلِ لولا أنه دُفَعٌ / والليلِ لولا أنهُ ظُلَلُ
وذَعرتَ ريبَ الدهرِ منتقِماً / من كيدِه فصِعابهُ ذُلُلُ
لو دبَّ رأيُك في كعوبِ قَناً / ما مسَّها طنبٌ ولا خَطَلُ
أو كان ضوؤُكَ للغزالةِ لمْ / يحجُبْ ضياءَ جبينها الطَفَلُ
في كلِّ مكرمةٍ وإن عظُمَتْ / بجميلِ فعلكَ يُضربُ المثلُ
سُسْتَ الأنام برأي مشتمِلٍ / بالحزمِ لا سأمٌ ولا مَلَلُ
ترعَى إِذا غفلوا وتسهرُ إنْ / ناموا وتَحلم كلَّما جَهِلُوا
أنت الذي لولا مَداهُ عفتْ / طرقُ الهُدى واستبهمَ السُّبُلُ
في كل شعبٍ من رويَّتِه / شُعَبٌ ومن آرائِه شُعَلُ
تمضي الأمورُ على إرادتِه / فتكادُ قبلَ الفِعل تنفعلُ
يرتدُّ عنه جَفنُ حاسدِهِ / وكأنهُ بالنارِ مكتحِلُ
وجهٌ كيومِ الصحوِ مبتسمٌ / ويدٌ كلَيلِ الدّجْنِ تنهملُ
متخرِّقٌ في العُرْف منبسطٌ / متأزِّرٌ بالمجدِ مشتمِلُ
لا الهولُ يملأُ ناظريهِ ولا / يجتابُ فُرضةَ سمعِه عَذَلُ
ما شئتَ من وعدٍ يساوِقُه / نُجْحٌ وقولٌ تِلوُهُ عملُ
مُسِحتْ على الأنواءِ راحَتُهُ / فانساقَ منها العارضُ الهَطِلُ
وتبرَّجَتْ للمجدِ همَّتُهُ / فانصاعَ منها الجبنُ والبُخُلُ
هو عِلّةُ المعروفِ لو صدقوا / أنّ الأمورَ لكونها عِلَلُ
إنْ ضَنَّ غيثٌ أو جنَى قمرٌ / فيمينُه وجبينُه البَدَلُ
تغدُو بنو الدنْيَا وليس لهمْ / من طولِ ما أغناهمُ أمَلُ
أغناهُ عن سعيٍ وعن طَلَبٍ / جَدٌّ حثيثٌ خطوُهُ عَجِلُ
وكفاهُ جهدَ الرأي يَشْغَلُهُ / عفوُ البديهةِ ما بها شُغُلُ
فالرأيُ مثلَ القول مبتدَهٌ / والقولُ مثلَ الطعنِ مرتَجَلُ
من دوحةِ العلياء حيثُ نَبَا / عن صفحتيها القادِحُ العَمِلُ
صمَّاءُ ما في عودِها خَوَرٌ / عيطاءُ ما في عِطْفِها مَيَلُ
زمَّ الممالكَ أوّليّتَه / حتى أقامَ قناتَها الدوَلُ
الساكتينَ وما بهم حَصَرٌ / والقائلينَ وما لهم خَطَلُ
فَعلوا وما قالوا وأينَ هُمُ / من معشرٍ قالوا وما فعلوا
إنْ أطرقُوا هِيبُوا وإنْ نطقُوا / قالوا الجميل وإن وَلُوا عَدَلوا
وإِذا الخطوبُ رسَتْ كلاكِلُهَا / وتشابهَ الأَعجازُ والقُلَلُ
وتبادرتْها البُزْلُ وانعكستْ / فيها على أصحابِها الحِيَلُ
سبقتْ بديهتُه رويَّتَهُ / كالبرقِ لا ريثٌ ولا كَسلُ
يهوى اللَّحاقَ بشأوِه نفَرٌ / عن شأوِهِ غَفلوا وما عَقِلُوا
ألِفُوا الهُوينَا فاستطارَ بهِ / متمهِّلٌ بالبرقِ منتعِلُ
لوْ أنَّ شُرْبَ الماءِ منقصةٌ / لم يُصْبِهِ نهلٌ ولا عَلَلُ
فإليكَ مجدَ الدينِ مُعلِمَةً / بالشكرِ أقطعُها وتتَّصِلُ
فالمدحُ مختارٌ ومنتخَبٌ / والشكرُ معتامٌ ومنتخَلُ
واسلمْ على الأيام تأمُرُها / أبداً بما تهوَى وتمتثلُ
أيامكَ الأعيادُ ناصعةٌ / غُرٌّ وبالُكَ ناعِمٌ جَذِلُ
حسَدَ الفتَى لما تقاعسَ دونَهُ
حسَدَ الفتَى لما تقاعسَ دونَهُ / وأبَى له قِصَرُ الزمانِ منالَهُ
قد قلتُ لمَّا سَلَّ فيه لسانَهُ / سَفَهاً وعارضَ بالمصونِ مُذالَهُ
مهلاً فقد أُوتيتَ بسطةَ جاههِ / وأجلَّ منه فما عشرتَ خِصالَهُ
هل عِبتَ إِن أنصفَت إِلّا أنه / طلبَ العَلاءَ وجدَّ فيه فنالَهُ
هلّا ذكرتَ له كرائمَ خِيمهِ / ونشرتَ عنه فعالَهُ ومقالَهُ
حذفَ الزمانُ فضولَ عيشٍ شاغلٍ / عنهُ وخلَّدَ مجدَهُ وفَعالَهُ
فأبانَ عنه بُخلَهُ ونَوالَهُ / وأشاع فيه هَدْيَهُ وضلالَهُ
ما الدهرُ إِلّا عاطلٌ من بعدِه / ضاحي المُحَيَّا مذ أزاحَ ظِلالَهُ
ولعلَّهُ يوماً يُحِسُّ بقبْحِه / من بعدِه فيُعيدُ فيه جَمالَهُ
أو حالَ ما بيني وبينَ مطالبي
أو حالَ ما بيني وبينَ مطالبي / خطبٌ فذلك حائلٌ متحوِّلُ
لا تأمُلُنَّ بني الزمان فطالما / أكدَى وخابَ الآمِلُ المتأمِّلُ
كان المروءةُ والفتوَّةُ والنَّدى / وابنُ الكمالِ الفاضلُ المتفضِّلُ
فاليوم قد نُسخَتْ وأقبلَ بعدَهُ / خَلَفٌ فمثلي عاطِلٌ متعَطِّلُ
وجفتنيَ الدنيا وسوف تَبُرُّنِي / إِن عادَ ذاك المقبِلُ المتقَبِّلُ
عتَبُوا على فضلي وذمُّوا حِكمتي
عتَبُوا على فضلي وذمُّوا حِكمتي / واستوحشوا من نقصِهم وكمالي
إِنى وكيدَهُمُ وما نَبحُوا بهِ / كالطَوْدِ يحقرُ نطحةَ الأوعالِ
وإِذا الفتَى عرفَ الرشادَ لنفسِهِ / هانتْ عليهِ ملامةُ الجُهَّالِ
بذلوا الوفاءَ وكان آخرُ عهدِهمْ
بذلوا الوفاءَ وكان آخرُ عهدِهمْ / غَدْراً وأخلفَ ما رآهُ الباذِلُ
ما كان أنضرَ عهدَنا لو صحَّ ما / ألوى المطولُ بهِ وضنَّ الباخِلُ
فتبِعتُهُمْ أنا والرفيقُ ومقلةٌ / تَذري النجيعَ وأريحيٌّ بازلُ
حتَّى تكشَّفت الدُّجَى عن واضحٍ / كالبَيض أسلمهُ النَعامُ الجافِلُ
ولحقتُ آثارَ الحمول ودونَها / غيرانُ سطوتُهُ القضاءُ النازلُ
ونظرْنَ من خَللِ السُّجوفِ بأعيُنٍ / أهدابُهنَّ وقد نُصبنَ حَبائِلُ
ما كنتُ أعلمُ قبل أن عرضتْ لنا / أنّ العيونَ قواتلٌ ومقاتِلُ
واستوقفتْ عجلَى الركاب فمُقلةٌ / للركبِ شاخصةٌ وقلبٌ ذاهِلُ
إنّ الألى ضربوا لنا مثلاً
إنّ الألى ضربوا لنا مثلاً / في البيض قالوا الحق في المثلِ
جعلوه من تدبيرهم وسطاً / والبدء محذوفا من العمل
حضنوه أياما لها عددٌ / جمٌّ بلا سأم ولا مللِ
واستخرجوا منها فراخهمُ / ألوانها شتى على مهل
فيهن طاووسية نجت / حلل الغراب ودكنة الحجل
ماءٌ ومحٌ صار قشرُهما / كنفاً وواقية من الخلل
مثل ضربناه فَضًلَّ به ال / جهّالٌ أهل النوك والخبلِ
اخلط بمائك صمغنا فهما
اخلط بمائك صمغنا فهما / رطبان يلتزقان في العملِ
فإذا هما اتحدا نظرت إلى / جسد صحيح الوزن معتدلِ
أجمده بالأجساد فهو بها / يقوى وفيه السر بالثقلِ
والصمغ يجمع ذات بينهما / حتى تفوز بغاية الأملِ