المجموع : 14
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل / يَكفيكَ من أشواقها ما تَحمِلُ
طالَ التّلَوُّمُ والقلوبُ خوافقٌ / يهفو إليكَ بها الحنينُ الأطولُ
القومُ مُذ فارقتَ مكّةَ أعينٌ / تأبى الكرَى وجَوانحٌ تَتململُ
يَتطلّعون إلى الفجاج وقولُهُمْ / أفما يُطالِعُنا النبيُّ المُرسَلُ
أقبلتَ في بِيضِ الثّيابِ مُباركاً / يُزجي البشائرَ وجهُكَ المتهلِّلُ
يا طِيبَ ما صَنَعَ الزُّبيرُ وَطَلحةٌ / ولَصَنعُكَ الأوفى أجلُّ وأفضلُ
خفَّ الرِجالُ إليكَ يَهتفُ جمعهُم / وقلوبُهم فَرَحاً أخفُّ وأعجلُ
هي في رِكَابِكَ ما بها من حاجةٍ / إلا إليكَ وما لها مُتحوَّلُ
هَجرتْ مَنازِلَها بِيثربِ وَانْتَحتْ / أُخرى بِمكةَ دُورُها ما تُؤهَلُ
وفدان هذا من ورائِكَ يرتَمي / عَجِلاً وهذا من أمامِكَ يَنسِلُ
انْظُر بني النّجَارِ حَولك عُكّفاً / يَرِدُونَ نُورَك حِينَ فَاضَ المنهلُ
لم يُنزِلوكَ على الخُؤولةِ وحدَها / كلُّ المواطنِ للنّبوّةِ مَنزلُ
نزلوا على الإسلام عندَك إنّه / نَسَبٌ يَعُمُّ المُسلِمينَ ويَشملُ
ما للديارِ تَهزُّها نَشَواتُها / أهي الأناشيدُ الحِسانُ تُرتَّلُ
رفَّتْ نَضارتُها وطابَ أريجُها / وتردّدتْ أنفاسُها تَتسلسَلُ
فكأنّما في كلِّ مَغنىً رَوضةٌ / وكأنّما في كلِّ دارٍ بُلبُلُ
هُنَّ العذارَى المؤمناتُ أقمنَهُ / عِيداً تُحيّيهِ الملائِك من عَلُ
في مُوكبٍ للهِ أشرقَ نورهُ / فيه وقام جلالهُ يَتمثَّلُ
جَمعَ النَبيِّينَ الكِرَام فآخذٌ / بيدِ الإمامِ وعائذٌ يتَوسَّلُ
يَمشِي به الرُّوحُ الأمينُ مُسلِّماً / وجبينُه بفمِ النبيِّ مُقَبَّلُ
إيهٍ بني النجَّارِ إنَّ محمَّداً / لأَشدُّ حُبّاً لِلَّتي هي أجْمَلُ
خلُّوا سبيلَ اللهِ ما لرسولِه / عمَّا أعدَّ من المنازلِ مَعْدِلُ
ذَهبتْ مَطيّتُه فقيل لها قِفي / هذا مَناخُكِ لستِ ممّن يَجهلُ
النَّاسُ في طَلَبِ الحياةِ وها هنا / سِرٌّ لها خافٍ وكنزٌ مُقفَلُ
أعطِي أبا أيّوب رَحْلَكِ وَاحْمَدِي / من أمرِ ربّكِ ما يجيءُ ويَفعلُ
ودَعِي الزّمامَ لأسعدِ بن زُرارةٍ / فإليهِ بعد اللهِ أَمْرُكِ يُوكَلُ
لمَّا حملتِ الحقَّ أجمعَ والهدى / أمسى بحبلِ اللهِ حَبلُكِ يُوصَلُ
يتنافسُ الأنصارُ فِيك وما دروا / لِمنِ المفازُ وأيُّهُمْ هو أوّلُ
هِيَ كيمياءُ الحقِّ لولا أنّها / تَهدِي العقولَ لَخِلتُها لا تُعقَلُ
دُنيا من العجبِ العجابِ ودولةٌ / يَهوِي النُّضارُ بها ويعلو الجَندلُ
أرأيت أهل الكهف لولا سرها / هل كان يكرم كلبهم ويُبجَّلُ
شكراً أبا أيوب فُزتَ بنعمةٍ / فيها لنفسِكَ ما تُريدُ وتسأَلُ
ما مِثلُ رِفْدِكَ في المواطنِ كلِّها / رِفدٌ يُضاعَفُ أو عطَاءٌ يُجزَلُ
للهِ دارُكَ من مَحلَّةِ مُؤْمِنٍ / نَزلَ الحِمَى فيها وحَلَّ المعقلُ
نَزَلَ النبيُّ بها فحلَّ فِناءَها / مَجدٌ يُقيمُ وسؤددٌ ما يرحلُ
مجدُ النُّبوَّةِ في ضيافةِ ماجِدٍ / سَمحِ القِرى يُسدِي الجزيلَ ويبذلُ
وَسِعَتْ جِفانَ المُطعمين جفانُه / كرماً فما يأبى ولا هِيَ تبخلُ
أضفى على السَّعدينِ بُرْدَ سماحةٍ / فاهتزَّ جُودُهُما وأقبلَ يرفلُ
جذلانَ مُحتفلاً يقرّب منهما / للهِ ما يرضَى وما يتقبَّلُ
جَعلَ القِرَى سَبباً إلى رضوانِه / والبِرُّ والإيمانُ فيما يَجعَلُ
يا زيدُ من صنع الثَّريدَ وما عسى / ترجو بما حَملتْ يداك وتأمُل
بعثتك أمُّك تبتغي في دينها / ما يبتغي ذو الهمَّةِ المتعمِّلُ
شكر النّبيُّ لها وأطلق دعوةً / صعدت كما شقَّ الفضاءَ مُجلجِلُ
أطيب بتلك هديّةً يسعى بها / في اللّهِ ساعٍ بالجلال مُظلَّلُ
لو أنَّها وُزِنَتْ بدنيا قيصرٍ / رَجحتْ وأين من الخِضَمِّ الجدولُ
هي إن عييت بوصفها ما يُجْتنَى / من نعمةِ الإسلامِ لا ما يُؤكلُ
ما في جهادكِ أمَّ زيدٍ ريبةٌ / نار الوغى احتدمت وأنتِ الجحفلُ
شَرَعٌ سرابيلُ الحروب وما اكتسى / من سابغاتِ الخيرِ من يتسربلُ
يا معشر الأنصارِ هل لي عندكم / نادٍ يَضُمُّ النابغين ومحفلُ
عندي لشاعركم تحيةُ شاعرٍ / يَسِمُ القوافِيَ وسمه يَتنخَّلُ
تنميهِ في دُنيا البيانِ رَوائعٌ / منها رواكدُ ما تَرِيمُ وجُفَّلُ
الثّاوياتُ على هُدىً من ربّها / والسّابحاتُ السّائحاتُ الجُوَّلُ
شُغِلَتْ بها الدُّنيا وما هي بالتّي / تُعْنَى بدنيا الجاهلين وتُشغَلُ
تأبى القرارَ بكلّ وادٍ مُمحِلٍ / وتحلُّ بالوادي الذي لا يُمحلُ
حسّانُ أبلغُ من يقول وليس لي / منه إذا ادّعَتِ المصاقعُ مِقْوَلُ
أنتم قضيتم للنَّبيِّ ذمامه / ونصرتُمُ الحقَّ الذي لا يُخذلُ
وصنعتُمُ الصّنعَ الجميل كرامةً / لمهاجرين همُ الفريقُ الأمثلُ
فعرفتُ موضعكم وكيف سما بكم / مجدٌ لكم في المسلمين مؤثَّلُ
وأذعتُه نبأً لكم ما مثله / نبأٌ يُذاعُ ولا حديثٌ يُنقلُ
القومُ قومُ اللهِ ملء دياركم / وكأنهم بديارهم لم يرحلوا
الدينُ يعطفُ والسماحةُ تحتفِي / والحبُّ يرعَى والمروءةُ تكفلُ
والله يشكرُ والنّبيُّ بغبطةٍ / والشركُ يصعقُ والضلالةُ تذهلُ
دِينُ الهدى والحقِّ في أعراسِه / والجاهليَّةُ في المآتم تُعوِلُ
إن هالها الحَدثُ الذي نُكِبَتْ به / فلسوف تُنكَبُ بالذي هو أهولُ
زُولي مُعطِّلةَ العقولِ فمنَ قَضى / أنّ البصائرَ والعقولَ تُعطَّلُ
ألقِي السِّلاحَ فما لخصمكِ دافعٌ / ودَعِي الكِفاحَ فما لجندِكِ موئِلُ
أزرَى بكِ الفشلُ المبرّحُ وارتمى / بِحُماتكِ القَدرُ الذي لا يفشَلُ
السَّهلُ يصعبُ إن تواكلتِ القُوى / والصعبُ إن مَضتِ العزائمُ يسهلُ
أرسى المعاقلِ مؤمنٌ لا نفسُه / تهفو ولا إيمانُه يتزلزلُ
هذا النْذيرُ فإن أبيتِ سوى الأذى / فالأرضُ بالدّمِ لا محالةَ تُغسلُ
علقت بِمَقْتَلِكِ السّهامُ وما عسى / يَبقَى الرَّمِيُّ إذا أُصِيبَ المَقتَلُ
الله أكبرُ كلُّ زُورٍ يَنقضِي / مَرَّ السَّحاب وكلُّ إفكٍ يبطُلُ
المسجد الثَّاني يُقامُ بيثربٍ / ومحمدُ الباني يَجِدُّ ويَعملُ
عَمّارُ أنتَ لها وليس ببالغٍ / عُليا المراتبِ مَن يَكِلُّ وَيَكْسَلُ
إن يَثْقُلِ العِبءُ الذي حُمِّلتَهُ / فَلما يُحمَّلُ ذو التَّباعةِ أثقلُ
ماذا بَلغت من السَّناءِ على يدٍ / أدنَى أنامِلها السِّماكُ الأعزلُ
مَسَحتْه ظهراً مِنكَ طالَ مُنيفهُ / حتَّى تَمنَّى لو يكونكَ يذبُلُ
هذا رسولُ الله ِ في أصحابِه / لا يَشتكِي نَصَباً ولا يَتمهَّلُ
يَأتِي ويذهبُ بينهم فَمُلَثَّمٌ / بالتُّربِ يَغْشَى وَجْهَهُ ومُكَلَّلُ
مِن كلِّ قَوّامٍ على أثقالِه / سامٍ له ظهرٌ أشمُّ وكَلْكَلُ
ما كان أحسنَها مقَالةَ راجزٍ / لو كان يَعرفُ حُكمَها المُتَمثِّلُ
هَتفَ الإمامُ بها فَراحَ يُعيدها / ثُمَّ انْثَنى مُتَلَطِّفَاً يَتَنصَّلُ
عمّارُ يا لكَ إذ تُلامُ ويا لَهُ / مِن ذِي مُحافظةٍ يَلومُ ويَعذِلُ
هِجْتَ ابنَ مَظعونٍ فأقبلَ غاضباً / حَنِقاً يجيش كما يَجيشُ المِرْجَلُ
ولقد يَحيدُ عن التُّرابِ إناقةً / مَن لا يَحيدُ عن الضِّرابِ ويَنْكُلُ
مَهْلاً أبا اليقظانِ قِرنُكَ باسلٌ / وأخوكَ في جِدِّ الوغَى لا يَهْزِلُ
ولئن أهابَ اللُّه يَالَ مُحمّدٍ / صُونوا الحِمَى لَهْوَ الأشدُّ الأبسلُ
السَّيفُ يَعْجَزُ أن يَنالَ غِرارُه / ما ليس يَعجزُ أن ينالَ المِعْوَلُ
إيهٍ أبا بكرٍ ظَفِرتَ بصفقةٍ / شَتَّى مَغانِمُها لمن يَتأَمَّلُ
القومُ عند إبائهم وسَخَائِهم / لو يبذلونَ نفوسَهُم لم يَحفِلوا
لا يقبلون لحائِطٍ ثمناً ولا / يَبغونَها دُنيا تُذَمُّ وتُرذَلُ
اللّهُ يَطلُبُهُ لِنُصرةِ دينِهِ / والدّينُ هُم أنصارُه ما بّدلوا
قالوا أَمِنَّا يا محمدُ يُبتغَى / ما ليس يَخلقُ بالأُباةِ ويجملُ
إنّا لعمرِ اللَّهِ نَعرِفُ حَقَّهُ / ونُعِزُّ مِلَّته التي نتملَّلُ
نُعطِي اليتيمين الكِفَاءَ وإن هما / أَبيا ونَتَّبِعُ التي هي أنبلُ
خُذْ ما أردتَ فلن نبيعكَ مسجداً / يَدعوهُ فيه مُكَبّرٌ ومهلِّلُ
هو رَبُّنا إن نالنا رِضوانُه / فلنا المثوبةُ والجزاءُ الأكملُ
إيهٍ أبا بكرٍ خَليلُكَ مُطرِقٌ / يأبى وأنتَ بما يُريدُ مُوَكَّلُ
لابدَّ من ثمنٍ يَكونُ أداؤُهُ / حَكَماً يُطاعُ وشِرعة ما تُهمَلُ
لولا الرسولُ وما يُعلِّمُ قومَه / جَهل المحجّةَ ظالمٌ لا يَعدِلُ
وإذا قَضَى أمراً فما لقضائهِ / رَدٌّ ولا في غيرِهِ مُتعلَّلُ
الحقُّ ما شَرَعَ النبيُّ وباطلٌ / ما يدَّعِي المرتابُ والمتأوّلُ
لا بدّ من ثمنٍ ولستَ بواجدٍ / في القومِ من يَضِحُ الصّوابُ فَيَغفلُ
أمر الرسولُ به فدونك أدّهِ / ولأنت صاحبُهُ الكريمُ المفضلُ
يا باذِلَ الأموالِ نِلتَ ببذلِها / ما لم يَنَلْ في المسلمين مُموِّلُ
أتبعتَ نفسَكَ ما ملكتَ فمهجةٌ / تَنهالُ طيّعةً وكَفُّ تَهطلُ
أَذِّنْ بِلاَلُ لكَ الوَلاَيةُ لم تُتَحْ / لِسوَاكَ إذ تدعو الجموع فَتُقبِلُ
اللَّهُ أَلبَسَكَ الكرامَةَ وَاصْطَفَى / لك ما يُحبُّ المؤمنُ المتوكِّلُ
يا طولَ ما عُذِّبتَ فيه فلم تَمِلْ / تَبغِي الّتي اتَّبعَ الغُواةُ المُيَّلُ
أَحَدٌ إلهُكَ ما كَذبتَ وما لمن / يرجو النّجاةَ على سواهُ مُعَوَّلُ
أرِني يَدَيْكَ أفِيهما لِأُمَيَّةٍ / وِردٌ من الموتِ الذُّعافِ مُثمَّلُ
لَلسَّيفُ سَيفُ اللَّهِ أَهْوَلُ موقعاً / من صَخرةٍ تُلقَى وحبلٍ يُفتَلُ
لك في غدٍ دَمُه إذا التقتِ الظُّبى / تحتَ العَجاجةِ والرِّماحُ الذُّبَّلُ
أذِّنْ فإنَّ الدِّينَ قامَ عَمُودُه / وَرَستْ جَوانبُهُ فما يَتَقَلقَلُ
هَبَطَ الجزيرةَ فاحتوى أطرافَها / وَانْسَابَ في أحشائِها يَتَغَلْغَلُ
فكأنما طردَ السوائمَ ضيغمٌ / وكأنما ذعرَ الحمائمَ أجدلُ
خَفَّ الرجالُ إلى الصَّلَاةِ وإِنَّها / لأَجلُّ ما تَصِفُ الصّفوفُ المُثَّلُ
عَنَتِ الوجوهُ فراكِعٌ متخشعٌ / يخشى الإلهَ وساجِدٌ مُتَبَتِّلُ
صَلُّوا بني الإسلامِ خَلفَ نبيِّكم / وخُذوا بما شَرَعَ الكتابُ المنزَلُ
اللَّهُ أيَّدكم به وأمدَّكم / منه بنورٍ ساطعٍ ما يأفلُ
آثرتُمُ السَّننَ السويَّ فجدُّكم / يَعلو وجَدُّ ذوي العَمايةِ يَسفُلُ
هل يَستوِي الجمعانِ هذا صاعدٌ / يبني وهذا ساقطٌ يَتهيَّلُ
يتَألّفون على الهَوى وقلوبُهم / شَتَّى يَظلُّ شَعاعُها يتزيّلُ
نَصرٌ على نصرٍ وفتحٌ بعده / فتحٌ يَغيظُ المشركينَ مُحجَّلُ
إنَّ امرأً جمحتْ به أهواؤُه / من بعدِ ما وضَح الهُدى لَمُضلَّلُ
الحقُّ بابُ اللَّهِ هل من داخلٍ / طُوبَى لمن يَبغِي الفَلاحَ فيدخلُ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ / وَأَقامَ فيكَ مَآتِمَ الأَجيالِ
لِلمُسلِمينَ بِكُلِّ أَرضٍ رِنَّةٌ / زَجَلُ المَآذِنِ مِن صَداها العالي
جَدَّدتَ لِلإِسلامِ مِن شُهَدائِهِ / ذِكراً يُجَدِّدُ كُلَّ شَجوٍ بالِ
صَعِقَت لِمَوتِكَ دَولةُ الآمالِ / وَجَلائِلِ الآثارِ وَالأَعمالِ
لَيتَ المَنِيَّةَ أَمهَلَتكَ فَلَم تَرُع / نَهضاتِ أَروَعَ غَيرَ ذي إِمهالِ
ما زِلتَ تَبتَدِرُ الغِمارَ تَخوضُها / شَتّى المَخاوِفِ جَمَّةَ الأَهوالِ
حَتّى طَواكَ المَوتُ غَيرَ مُجامِلٍ / شَعباً يُجِلُّكَ أَيَّما إِجلالِ
أَحيَيتَهُ وَقَتَلتَ نَفسَكَ بِالَّذي / حَمَّلتَها مِن فادِحِ الأَثقالِ
أَحَبَبتَ مِصرَ فَغالَ مُهجَتَكَ الهَوى / وَنَجا بِمُهجَتِهِ الخَلِيُّ السالي
أَصحَوتَ أَم أَنتَ اِمرِئٌ تَبلى وَما / يَصحو فُؤادٌ مِنكَ لَيسَ بِبالِ
حَمَلَ الحَياةَ وَلَن يَموتَ عَلى المَدى / مُحيي العُصورِ وَباعِثُ الأَجيالِ
زَلزَلتَ أَقطارَ البِلادِ فَلَم تَبِت / إِلّا عَلى خَطَرٍ مِنَ الزَلزالِ
مَن يَدفَعُ الغاراتِ بَعدَكَ إِن دَعا / يا للحُماةِ وَلَجَّ في الإِعوالِ
مَن يُسمِعُ القاصينَ شَكوى أُمَّةٍ / ناضَلتَ عَنها الدَهرَ خَيرَ نِضالِ
مَن لِليَراعِ يُذيبُ هَولُ صَريرِهِ / قَلبَ الكَمِيِّ وَمُهجَةَ الرِئبالِ
مَن لِلمَنابِرِ يَرتَقيها صائِحاً / في القَومِ صَيحَةَ مِصقَعٍ مِقوالِ
يا لَهفَ نَفسي إِذ تَنوبُ عَظيمَةٌ / تَنزو القُلوبُ لَها مِنَ الأَوجالِ
يا لَهفَ مِصرَ عَلى مُجَدِّدِ مَجدِها / وَمُقيلُها مِن عَثرَةِ الجُهّالِ
أَمُفَطِّرَ الأَكبادِ بِالتَرحالِ / اللَهَ في مُهجٍ عَلَيكَ غَوالِ
إِن كانَ قَد حُمَّ الفِراقُ فَوَقفَةٌ / تَشفي نُفوساً آذَنتُ بِزَوالِ
هَيهاتَ ما جَزَعُ النُفوسِ لِراحِلٍ / سارَت بِهِ الحَدباءُ غَيرُ ضَلالِ
هَفَتِ العُروشُ وَزُلزِلَت زِلزالا
هَفَتِ العُروشُ وَزُلزِلَت زِلزالا / عَرشٌ هَوى وَقَديمُ مُلكٍ زالا
ريعَت لِمَصرَعِهِ المَشارِقُ إِذ مَشى / فيها النَعِيُّ وَأَجفَلَت إِجفالا
سَلَبَ المُغيرُ حَياتَهُ وَاِستَأصَلَت / أَيدي الجَوانِحِ عِزَّهُ اِستِئصالا
مُلكَ المَوالي كَيفَ طاحَ بِكَ الرَدى / وَسَطا عَلى ذاكَ الجَلالِ وَصالا
بَئسَت حَياةٌ حَمَّلَتكَ خُطوبُها / داءً يَهُدُّ الراسِياتِ عُضالا
مَشَتِ المَمالِكُ حَولَ نَعشِكَ خُشَّعاً / وَمَشى الحَفيظُ وَراءَهُ مُختالا
يَمشي يَسيلُ الزَهوُ مِن أَعطافِهِ / لَو كانَ ذا قَلبٍ يَحُسُّ لَسالا
أَنتَ القَتيلُ وَما جَنَيتَ وَإِنَّما / صادَفتَ مَن تَشقى فَيَنعَمُ بالا
نَبكي فَيُضحِكُهُ البُكى وَيَسُرُّهُ / ما حازَ مِن دِيَةِ القَتيلِ وَنالا
تَنجو المَمالِكُ ما نَجا اِستِقلالُها / فَإِذا اِضمَحَلَّ أَعارَها اِضمِحلالا
أَينَ الخَليفَةُ ما دَهاهُ وَما لَهُ / أَرضى المُغيرَ وَطاوَعَ المُغتالا
يا ذا الجَلالَةِ في مَآلِكَ عِبرَةٌ / لِلمالِكينَ وَساءَ ذاكَ مَآلا
ضَيَّعتَ ما حَفِظَ الحُماةُ فَلَم يَضِع / وَهَدَمتَ ما رَفَعَ البُناةُ فَطالا
وَإذا المُلوكُ اِستَحكَمَت غَفَلاتُها / فَالمُلكُ أَسرَعُ ما يَكونُ زَوالا
التاجُ لا يَحميهِ غَيرُ مُجَرِّبٍ / يَزِنُ الأُمورَ وَيُقدِرُ الأَحوالا
موفٍ عَلى الأَحداثِ يَقمَعُ شَرَّها / وَيُكَشِّفُ الغَمَراتِ وَالأَهوالا
تَعيا خُطوبُ الدَهرِ مِنهُ بِحُوَّلٍ / ما ضاقَ وَجهُ الرَأيِ إِلّا اِحتالا
إِنَّ الشُعوبَ حَياتَها وَمَماتَها / بِيَدِ المُلوكِ هِدايَةً وَضَلالا
ما قامَ شَعبٌ نامَ عَنهُ وُلاتُهُ / وَاِستَشعَروا التَفريطَ وَالإِهمالا
إيهاً مُلوكَ الشَرقِ إِنَّ وَراءَكُم / قَوماً يُوالونَ المَغارَ عجالا
سَدّوا الفَضاءَ وَإِنَّني لَإِخالُهُم / خُبّاً بِأَرضِ الشَرقِ أَو أَغوالا
وَكَأَنَّ ذا القَرنَينِ عوجِلَ سَدُّهُ / وَأَرادَ رَبُّكَ أَن يَحولَ فَحالا
لا يَشبَعونَ وَما يَزالُ طَعامُهُم / شَعباً أَشَلَّ وَأُمَّةً مِكسالا
تَأبى العِنايَةُ أَن تُصافِحَ أُمَّةً / تَرضى الهَوانَ وَتَألَفُ الإِذلالا
حَيرى بِمُضطَرِبِ الحَياةِ يَروقُها / أَلا تَزالَ عَلى الشُعوبِ عِيالا
وَرَهاءَ تَخذُلُ مَن يَقومُ بِنَصرِها / وَتَظَلُّ تَنصُرُ دوَنَهُ الخُذّالا
وَإِذا أَهابَ بِها الهُداةُ رَأَيتَها / تَعصي الهُداةَ وَتَتبَعُ الضُلّالا
تَسعى الشُعوبُ وَنَحنُ في غَفَلاتِنا / نَأبى الفِعالَ وَنُكثِرُ الأَقوالا
رَكِبوا مُتونَ العاصِفاتِ وَشَأننا / أَن نَركَبَ الأَوهامَ وَالآمالا
يا شَرقُ ما هَذا الجُمودُ أَمَيِّتٌ / فَنُطيلُ حَولَ رُفاتِكَ الإِعوالا
لَو لَم تَمُت لَسَمِعتَ دَعوَةَ صائِحٍ / ذَعَرَ الدُهورَ وَأَفزَعَ الأَجيالا
يا باعِثَ المَوتى لِيَومِ مَعادِها / تَنسابُ مِن أَجداثِها أَرسالا
أَعِدِ الحَياةَ لِأُمَّةٍ أَودَت بِها / غَفَلاتُها فَثَوَت سِنينَ طِوالا
وَأَضِئ لَها سُبُلَ النَجاةِ لِيَهتَدي / مَن زاغَ عَن وَضَحِ الطَريقِ وَمالا
وَتَوَلَّها بِالصالِحاتِ وَلَقِّها / مِنكَ الأَمانَ وَوَقِّها الأَوجالا
وَاِمنُن عَلَيها مِن لَدُنكَ بِقُوَّةٍ / توهي القُيودَ وَتَصدَعُ الأَغلالا
لا تَجعَلَنها في المَهانَةِ آيَةً / تُخزي الوُجوهَ وَفي الجُمودِ مِثالا
وَاِجمَع عَلى صِدقِ الإِخاءِ فِضاضَنا / فَلَقَد تَفَرَّقَ يُمنَةً وَشِمالا
أَودى بِنا بَينَ الشُعوبِ تَباغُضٌ / صَدَعَ القُلوبَ وَمَزَّقَ الأَوصالا
ما نَستَفيقُ وَما نَزالُ لِحينِنا / في الخاسِرينَ مِنَ الوَرى أَعمالا
تَستَفحِلُ النَكَباتُ بَينَ ظُهورِنا / وَيَزيدُ مُعضِلُ دائِنا اِستِفحالا
نَلهو وَنَلعَبُ جاهِلينَ وَإِنَّني / لَأَرى حَياةَ الجاهِلينَ مُحالا
لَهفي عَلى الشَرقِ الحَزينِ وَأُمةٍ / لا تَبتَغي عِزّاً وَلا اِستِقلالا
اللَهُ يَحكُمُ في المَمالِكِ وَحدَهُ / وَيُصَرِّفُ الأَقدارَ وَالآجالا
أَنحى عَلى المُلكِ الشَريدِ بِنَكبَةٍ / تَرَكت مَغاني مُلكِهِ أَطلالا
هَلّا تَأَسّى بِالخَواقينِ الأُلى / مَلَأوا الزَمانَ مَهابَةً وَجَلالا
الحافِظينَ المُلكَ بِالبَأسِ الَّذي / هَدَّ المُلوكُ وَزَلزَلَ الأَقيالا
الآخِذينَ عَلى المُغيرِ سَبيلَهُ / بِالسَيفِ يَحمي الغيلَ وَالأَشبالا
صانوا الخِلافَةَ فَاِستَطالَ لِواؤُها / كِبراً وَعَزَّ عَلى العَدُوِّ مَنالا
جَعَلوا دَعائِمَها الأَسِنَّةَ وَالظُبى / وَرَواسِياً شُمّاً يُخَلنَ جِبالا
وَجَواثِياً سوداً يَمُرُّ بِها الرَدى / فَيُراعُ مِن نَظَراتِها وَيُهالا
وَمَقانِياً مِلءَ الوَغى وَكَتائِباً / تَأبى قَراراً أَو تُصيبَ قِتالا
رَضِعتُ أَفاويقَ الحُروبِ فَلَم تُسِغ / مِن بَعدِها خَمراً وَلا سَلسالا
هَمُّ الخَلائِفِ في السَلامِ وَهَمُّها / أَلّا تَزالُ تُقارِعُ الأَبطالا
قَد كانَ يَأنَفُ أَن يَكونَ قَرينَهُم / وَيَعُدُّهُم لِجَلالِهِ أَمثالا
لَعِبَ الغُرورُ بِهِ فَضَيَّعَ مُلكَهُ / وَاِعتاضَ عَنهُ مَذَلَّةً وَخَبالا
وَإِذا أَرادَ اللَهُ شَرّاً بِاِمرِئٍ / تَبِعَ الغُواةَ وَطاوَعَ الجُهّالا
أَخَليفَةً يُعطي البِلادَ وَآخراً / يَهوى القِيانَ وَيَعشَقُ الجِريالا
أَغُرورُ مَفتونٍ وَصَبوَةُ جاهِلٍ / بِئسَ الخَلائِفِ سيرَةً وَفِعالا
إِنّي نَصَحتُكَ فَاِتَّهَمتَ نَصيحَتي
إِنّي نَصَحتُكَ فَاِتَّهَمتَ نَصيحَتي / وَزَعَمتَ أَنَّكَ ذو تَجارِبَ حُوَّلُ
وَذَهَبتَ تَركَبُ كُلَّ رَأيٍ جامِحٍ / حَتّى طَحا بِكَ ما تَقولُ وَتَفعَلُ
يا شُؤمَ رَأيِكَ حينَ تَزعُم أَو تَرى / أَنّا عَلى مَكروهِ حُكمِكَ نَنزِلُ
اغلُل عَصاكَ إِلى لِسانِكَ إِنَّما / يَلقى الهَوانَ الفاحِشُ المُتَبَذِّلُ
لَسنا إِذا أَخَذَت يَمينُكَ بِالعَصا / مِمَّن تَهُشُّ بِها عَلَيهِ فَيَجفَلُ
إِنَّ المُؤَدِّبَ لا يُصادِفُ طاعَةً / حَتّى يَراهُ القَومُ مِمَّن يَعقِلُ
أَرَأَيتَ ما صَنَعَ الَّذينَ زَعَمتَهُم / لا يَجرُأونَ عَلَيكَ ساعَةَ تُقبِلُ
أَخَذَتكَ بَينَ المَوكِبَينِ نِعالُهُم / وَالجُندُ يَنظُرُ وَالصَوافِنُ تَصهلُ
وَرَدَتكَ أَرسالاً تَطوفُ ظِماؤُها / بِدَمِ الجَبينِ تُعَلُّ مِنهُ وَتُنهَلُ
صَدَرت تُحَدِّثُ عَن جَوانِبِ صَخرَةٍ / تَهفو القُوى عَنها وَيَنبو المِعوَلُ
صَمّاءَ لَو قُذِفَ الزَمانُ بِمِثلِها / باتَت جَوانِبُهُ العُلى تَتَهَيَّلُ
مَولايَ إِنَّ مِنَ الأناةِ لَجُنَّةً / يُرمى العدوُّ بِها وَيُحمى المَقتَلُ
وَالحَقُّ ما شَرَعَ الهُداةُ فَما عَسى / يَتَطَلَّبُ الغاوي وَيَبغي المُبطِلُ
إِنّي نَصَحتُ وَلاتَ حينَ نَصيحَةٍ / وَأَرى المُضَلَّلَ بِالمَلامَةِ يَعجِلُ
كُن كَيفَ شِئتَ فَلَو هَمَمتَ بِتَوبَةٍ / لَثَناكَ عَمّا رُمتَ بابٌ مُقفَلُ
فِرعَونُ آمَنَ حينَ حُمَّ قَضاؤُهُ / وَجَرى بِمَهلَكِهِ العُبابُ المُرسَلُ
أَتَرى القُبولَ أَتاهُ في إيمانِهِ / أَم أَنتَ تَعلَمُ أَنَّهُ لا يُقبَلُ
آتاكَ أَعيانُ المَدينَةِ نُصحَهُم / وَنَهاكَ عالِمُها الأَبَرُّ الأَمثَلُ
فَزَعَمتَهُم فَوقَ المَقاعِدِ نِسوَةً / وَسَفِهتَ إِذ حَلُموا وَعَفَّ المَحفَلُ
أَبلِغ ضُيوفَكَ حينَ يَشهَدُ جَمعُهُم
أَبلِغ ضُيوفَكَ حينَ يَشهَدُ جَمعُهُم / كَرَمَ الشُعوبِ يَزينُ شَعبَ النيلِ
أَنَّ الكِنانَةَ لا يَحومُ رَجاؤُها / إِلّا عَلى اِستِقلالِها المَأمولِ
أَنتُم لَها رُسُلُ الحَضارَةِ فَاِشهَدوا / وَضَحَ السَبيلُ وَقامَ كُلُّ دَليلِ
قُصّوا الحَديثَ عَلى المَمالِكِ وَاِصدَعوا / بِسَنا الحَقائِقِ غَيهَبَ التَضليلِ
إِنَّ القَضاءَ عَلى الشُعوبِ يُصيبُها / في حَقِّها الأَوفى لَغَيرُ جَميلِ
ما أَظلَمَ الأَهواءَ يَجمَحُ حُكمُها / وَيَرى سَبيلَ العَدلِ شَرَّ سَبيلِ
لا تَظلِموا الأَقلامَ إِنَّ سَبيلَها / عَونُ الضَعيفِ وَنُصرَةُ المَخذولِ
شرُّ الجرائرِ أن يَخُطَّ أثيمُها / حُمرَ الصحائفِ من دم المقتولِ
لا تَأخُذوا بِيَدِ السِياسَةِ إِنَّها / تَرمي المَمالِكَ عَن يَدَي عِزريلِ
حَكَمَت فَلَم تُنصِف يَسوعَ وَلَم تُطِع / مَأثورَ حُكمِ اللَهِ في الإِنجيلِ
بَنَتِ العُروشَ عَلى الدِماءِ فَلَم يَدُم / ذاكَ البِناءُ الضَخمُ غَيرَ قَليلِ
الظُلمُ يَعصِفُ بِالقَياصِرِ فَاِنظُروا / كَم غالَ مِن تاجٍ وَمِن إِكليلِ
إِنَّ القَضِيَّةَ ما عَلِمتُم فَاِحكُموا / فيها حُكومَةَ صادِقينَ عُدولِ
مِن حَقِّ رَكبِكَ أَن يَهُزَّ النيلا
مِن حَقِّ رَكبِكَ أَن يَهُزَّ النيلا / وَيَشوقَ عَصرِكَ بَهجَةً وَالجيلا
أَرَضيتَ إِلّا بِالعُيونِ رَكائِباً / وَقَنِعتَ إِلّا بِالقُلوبِ سَبيلا
حَيَّت وُفودُ النيلِ مِنكَ مُوَقَّراً / يُزري بِأُبَّهَةِ المُلوكِ جَليلا
لَمّا مَشى بَينَ المَواكِبِ لَم يَدَع / لِمُتَوَّجٍ عَرشاً وَلا إِكليلا
تَمشي الجُموعُ إِلى إِمامِ هُداتِها / وَتَؤُمُّ شَيخَ حُماتِها المَأمولا
قُل لِلكِنانَةِ جَدَّ جِدُّكِ فَاِنظُري / أَتَرَينَ إِلّا سَيفَكِ المَسلولا
خوضي الغِمارَ إِلى الفُتوحِ نَرى لَها / غُرَراً تُضيءُ بِها الدُنى وَحُجولا
دَلَفَ الفَوارِسُ في لِوائِكِ حُسَّراً / وَمَضوا رَعيلاً لِلوَغى فَرعيلا
يَتَقارَعونَ عَلى الشَهادَةِ أَيُّهُم / يُمسي لِطَهَ في الجِنانِ نَزيلا
أَمُعاوِدَ الأَوطانِ بَعدَ فِراقِها / أَنَوَيتَ إِلّا فُرقَةً وَرَحيلا
مازِلتَ مُغتَرِبَ الأَسِنَّةِ وَالظُبى / فَمَتى تُريدُ مِنَ الجِهادِ قُفولا
بَعُدَ القَرارُ فَسِر بِقَومِكَ هادِياً / وَاِطوِ المَدى ميلاً إِلَيهِ فَميلا
قَصُرَت مَسافَتُهُ فَما بَرَحَ الأُلى / رَكِبوا الهَوى حَتّى تَباعَدَ طولا
حَمَلوا الحِمايَةَ فَالبِلادُ مَروعَةٌ / وَالشَعبُ يَنظُرُ نَعشَهُ المَحمولا
لَو كُنتَ شاهِدَهُم غَداةَ مَشَوا بِها / وَجَوانِبُ الوادي تَموجُ طُبولا
أَيقَنتَ أَنَّ مِنَ الشُعوبِ أَجِنَّةً / وَعَلِمتَ أَنَّ مِنَ البِلادِ طُلولا
مَن غابَ عَنهُم مِن بَني الدُنيا فَما / عَرَفَ المَسيخَ وَلا رَأى عِزريلا
هُم فَرَّقوا الشَملَ الجَميعَ وَمَزَّقوا / ما أَلَّفَ الصيدُ الأُباةُ فُلولا
لَو كُنتَ مِن ظُلَلِ الغَمامِ بِمَنزِلٍ / لَرَأَيتَ حِزباً أَو لَقيتَ قَبيلا
ضَرَبوا الأُبُوَّةَ بِالبَنينِ وَقَطَّعوا / ما كانَ مِن أَرحامِهِم مَوصولا
الشَرُّ يَعصِفُ وَالعَدُوُّ بِغَبطَةٍ / وَالنيلُ يَهتِفُ بِالقُرى لِتَزولا
وَمُدَجَّجينَ رَمى الدُعاةُ سَوادَهُم / فَمَضوا سِهاماً لِلعِدى وَنُصولا
طَلَبوا بَني أَعمامِهِم فَكَأَنَّما / طَلَبوا تِراتٍ عندَهم وَذُحولا
قُومٌ شَفوا غَيظَ العِدى وَسِياسَةٌ / لَم تُبقِ مِنهُم مَأرِباً أَو سولا
أَخَذوا عَلى النيلِ السَبيلَ وَصادَفوا / شَعباً يَميلُ مَعَ الرِياحِ ذَلولا
حَمَلوا إِلَيهِ الغولَ في اِستِقلالِهِم / فَسَلِ المَواكِبَ كَيفَ زَفّوا الغولا
تَفَتَرُّ عَن أَنيابِها وَكَأَنَّما / أَمسَت عُيونُ بَني الكِنانَةِ حولا
لَولا المَدارِهُ يَدفَعونَ بَلاءَها / لَرَأَيتَ حُكمَ جُناتِها مَقبولا
اذكُر لَنا القَومَ الغُزاةَ وَحَيِّهِ / شَعباً أَبَرَّ عَلى الشُعوبِ نَبيلا
عَدَتِ الذِئابُ فَهَبَّ مِن غَفَواتِهِ / يَبتَزُّ لِبدَتَهُ وَيَحمي الغيلا
لَم يَستَنِم لِلغاصِبينَ وَلم يُرِد / يَوماً عَلى حُكمِ الجُفاةِ نُزولا
وَإِذا اِستَبَدَّ الغاصِبونَ بِأُمَّةٍ / مُسِخَت وَبُدِّلَ خَلقُها تَبديلا
ما اِنفَكَّتِ الأَشلاءُ نَهبَ سُيوفِهِ / حَتّى تَدارَكَ شِلوَهُ المَأكولا
فَزِعَت خُطوبُ الدَهرِ مِن سَطَواتِهِ / وَاِرتَدَّ صَرفُ الحادِثاتِ مَهولا
وَرَأَت شُعوبُ الأَرضِ مِن نَهضاتِهِ / مِلءَ العُقولِ الواعِياتِ ذُهولا
قومي الأُلى صَحِبوا الصَوافِنَ فِتيَةً / وَقَضوا لُباناتِ السُيوفِ كُهولا
مَثَلُ الحَياةِ لِكُلِّ شَعبٍ باسِلٍ / لا يَستَكينُ وَلا يُريدُ نُكولا
صَلّى الإِلَهُ عَلى المَيامينِ الأُلى / نَصَروا النَبِيَّ وَأَيَّدوا التَنزيلا
أَدِرِ الحَديثَ وَرَوِّ مِن أَنبائِهِم / شَعباً يَزيدُ عَلى الزَمانِ غَليلا
بَيِّن لَهُ مَعنى الثَباتِ فَلَيسَ مِن / خُلُقِ المُجاهِدِ أَن يَكونَ مُلولا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى المَمالِكِ لَم تَجِد / مِثلَ الثَباتِ عَلى الحَياةِ دَليلا
وَلَقَد رَأَيتَ الناهِضينَ فَهَل تَرى / إِلّا خَلائِقَ سَمحَةٍ وَعُقولا
إِنّا لَنَذكُرُ لِلكِنانَةِ حَقَّها / وَنَرى الكَثيرَ مِنَ الوَفاءِ قَليلا
نَأبى الكَرى حَتّى نَقومَ بِنَصرِها / وَنَرُدَّ غاصِبَ حَقِّها مَخذولا
عَهدٌ رَعى وَرَقَ الشَبيبَةِ وَاِنتَحى / ظِلَّ المَشيبِ فَطابَ مِنهُ مَقيلا
لَسنا كَمَن جَهِلَ الحَياةَ رِوايَةً / تُعيي العُقولَ مَناظِراً وَفُصولا
صُوَرٌ يَروعُكَ عَدُّها وَمَلاعِبٌ / تُلقي عَلَيكَ مِنَ الرِياءِ سُدولا
إِنّي أَعوذُ بِمَنصِبي وَمُروءَتي / مِن أَن أَكونَ الشاعِرَ الضَلِّيلا
لِلحُرِّ أَخلاقٌ تَميلُ بِنَفسِهِ / عَن أَن يُغَيِّر عَهدَهُ وَيَحولا
هِيَ صِبغَةُ الباري وَلَستَ تَرى لِما / صَبَغَ الَّذي بَرَأَ النُفوسَ نُصولا
وَلَقَد رَأَيتُ الفاضِلينَ وَما بَنَوا / لِلغابِرينَ مِنَ القُرونِ الأُولى
فَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الرِجالِ ذَخائِراً / وَعَلِمتُ أَنَّ مِنَ الرِجالِ فُضولا
وَرَأَيتُ بَعضَ القَولِ دينَ هِدايَةٍ / يَأتي بِهِ الرَجُلُ الحَكيمُ رَسولا
لَيسَ القَريضُ عَلى النُبوغِ بِنافِعٍ / حَتّى يَكونَ لِذي النُهى إِنجيلا
قُل لِلوَزيرِ إِذا خَلا لَكَ وَجهُهُ
قُل لِلوَزيرِ إِذا خَلا لَكَ وَجهُهُ / وَأَصاخَ مَسمَعُهُ إِلَيكَ فَمالا
ماذا حَمَلتَ مِنَ الأُمورِ لِأُمَّةٍ / حَمَلَت مُلِمّاتِ الزَمانِ ثِقالا
أَنتَ الرِئيسُ حُكومَةً وَمَشيئَةً / وَالوَفدُ أَجمَعُ صورَةً وَمِثالا
اليَومَ يَنبَلِجُ اليَقينُ لِذي العَمى / فَيَرى الأمورَ وَيَعرفُ الأحوالا
أرأيتَ في القومِ الَّذينَ عَرَفتَهُم / مَن لا يُريدُ لِقَومِهِ اِستِقلالا
وَوَجَدتَ في تِلكَ المَمالِكِ أُمَّةً / تَرضى الضَياعَ مَغَبَّةً وَمَآلا
وَعَرفتَ مِن زُعمائِها مَن لا يَرى / صبرَ الشُعوبِ عَلى الهَوانِ مُحالا
قُل لِلأُلى اِشتَروا الحِمايَةَ حَسبُكُم / أَفَتَشتَرونَ لَنا أَذىً وَنَكالا
إِن تُنكِروا حُكمَ الرِجالِ فَشاوِروا / فيها النِساءَ وَحَكِّموا الأَطفالا
خالَفتُمُ العُلَماءَ في تَأويلِها / فَدَعوا التَعَصُّبَ وَاِسأَلوا الجُهّالا
تُخفونَ قاصِمَةَ الظُهورِ وَقَد بَدَت / تُزجي الخُطوبَ وَتَبعَثُ الأَهوالا
نَظَرَت إِلى الأَهرامِ وَهيَ كَأَنَّها / رُكنُ الزَمانِ فَزُلزِلَت زِلزالا
فِرعَونُ مِلكَكَ في جَناحَي طائِرٍ / مَلَكَ العَوالِمَ نَهضَةً وَمَجالا
ارفَع جَناحَكَ وَاِنطَلِق في إِثرِهِ / وَخُذِ الدُهورَ عَلَيهِ وَالأَجيالا
جَمَعَ الحُماةَ بِكُلِّ جَوٍّ حَولَهُ / فَاِجمَع حُماتَكَ وَاِبعَثِ الأَبطالا
أَخَذَ السِماكَ وَنالَ مَنزِلَةَ السُهى / وَأَراكَ أَبعَدَ مَأخَذاً وَمَنالا
تَثِبُ العَزائِمُ مِنكَ في دَمِ أُمَّةٍ / تَأبى الهَوادَةَ أَو يَفيضَ سِجالا
إِنَّ المَمالِكَ إِن لَقينَ هَوادَةً / في النازِلاتِ فَقَد لَقينَ زَوالا
لَبَّيْكَ من حُرِّ المواقفِ عالِ
لَبَّيْكَ من حُرِّ المواقفِ عالِ / بَهرَ النُّهى بروائعِ الأمثالِ
هذا القريضُ سما إليك على يدٍ / تسمو بِقُدْسيِّ الصّحائفِ غالِ
متبلِّج الآثارِ ما ركبَ الهَوى / يوماً ولا خلطَ الهُدى بِضَلالِ
في صُورةِ الأقلامِ إلا أنّه / من عفةٍ وطهارةٍ وجَلالِ
لبّيكَ إذ هَجعَ الذين عَهِدتَهم / وسهرتَ للهمِّ المقيمِ حيالي
لي في الأُلى حفظوا لمصر عهودها / حرم على الايام غير مُذال
حرم الهوى الممنوعِ لم ينزل بهِ / لعبُ الخَليِّ ولا مِراحُ السّالي
لبّيكَ إذ خَذلَ الحُماةُ بِلادَهم / ونهضْتَ تَدفعُ غارةَ المغتالِ
مثّلتَ مِصرَ فما تركتَ لِمُبدعٍ / ثِقةً بمعنىً بارعٍ ومَقالِ
هَبْ لي مكانَكَ في النوابغِ واستمعْ / عِظَةَ الدّهورِ وَعبرةَ الأجيالِ
أمٌّ لها مُلكٌ تَمكّنَ عرشُه / في دولةٍ من مَحْتِدٍ ونِصالِ
رِيعَتْ من القومِ الدُّهاةِ بحُوَّلٍ / جمّ المكائِد ماكرٍ مختالِ
ما برَّ يوماً في الحديثِ ولا ارتضَى / إلا أَلِيّةَ فاجِرٍ مُحتالِ
شاكي سلاح الغدرِ أصدقُ عهدِه / عهدُ الذّئابِ وذِمَّةُ الأصلالِ
جَمعَ الذّرائعَ لاستلابِ حُقوقِها / ومضى يُتابعُ سعيَهُ ويُوالي
فأصاب أولّها عطاءً لأمرئٍ / نائي المواطنِ أجنبيّ الآلِ
وأتى يَقولُ لها دَعيهِ مُضيَّعاً / فلأنتِ في سَعَةٍ وغبطةِ حالِ
سَمِعَ الصغيرُ البَرُّ من أبنائها / فأهابَ يقضي الحقَّ غيرَ مُبالِ
أُمّاه لا تُودِي بحقِّكِ وانبذي / رَأيَ الغُواةِ وخُطّةَ الجُهّالِ
قال الكبارُ لها أمامَ عدِّوها / لا تحفِلي بوساوسِ الأطفالِ
نظروا إليه فعنّفوه وأقبلوا / حَنِقينَ من صَلَفٍ وفرطِ خَبالِ
أَقصِرْ فما لك بالعظائمِ طاقةٌ / وَاسْكتْ فمثلُكَ لا يمرُّ ببالِ
لا تَأسَ يا خيرَ الغُزاةِ لناشئٍ / يهذِي ويَخدعُ نفسه بخيال
نأبى مَشورتَهُ وتُنكِرُ أُمُّه / ما يفتَري من باطلِ الأقوالِ
أرأيتَ أمَّ الطفلِ تَقبلُ حكمه / وتصدُّ عن أبنائها الأبطالِ
طَمعَ المغيرُ فكرَّ إثر فريسةٍ / أخرى يضنُّ بمثلها ويُغالي
فابتزَّ مِفتاحَ الحياةِ وعاث في / يَنبوعها المُتدفِّقِ السيَّالِ
خَدعَ الأميرة وادّعاها شركةً / للزُّورِ فيها هَدّةُ المُنهالِ
ضنّتْ عليه بما يُريدُ وأَيقنتْ / أن سوف يتركها بلا أَوصالِ
فإذا الكبارُ من البنينَ كعهدِهم / أطفالُ أحلامٍ صغارُ فِعالِ
قالوا لها أخطأتِ أنتِ بنجوةٍ / ممّا يروعكِ من أذىً ووَبالِ
يكفيكِ في دَعةٍ وطولِ سلامةٍ / رَشَفاتُ ماءٍ من فمِ الرِّئبالِ
غَضبَ الصّغيرُ وقال أُمّاهُ احذري / وتأهّبِي للخطبِ ذي الأهوالِ
صُدِّي المُغيرَ فإن أبَيْتِ فودِّعي / طِيبَ الحياةِ ونَضرةَ الآمالِ
قال الكبارُ كذبتَ أمَّكَ فازدجْر / أفما تزالُ تُريدُ كلَّ مُحالِ
إن الذي وصف الخيالَ فَرُمْتَه / كالنَّجمِ منزلةً وبُعدَ منالِ
يا أعدلَ الأقوامِ إن نقضوا الحِبَى / وتدافعوا لخصومةٍ وجدالِ
دع ما يقولُ الطفلُ لا تحفل به / لَغْوُ الحديثِ أحقُّ بالإهمالِ
لا تُولهِ منك التفاتةَ سامعٍ / إنّا نَشدُّ لسانَه بِعِقالِ
تلك البقيّةُ من حياةِ مَضيمةٍ / وَلْهى الجوانحِ ما لها من والِ
وَلِعتْ يدُ العادي بها فأرادها / أَخذَ العقيرةَ من سوام المالِ
يسعى ليسلبَ دارها وطعامها / سَعْيَ امْرِئٍ مُتأهِّبٍ لقتالِ
يغتال نضرةَ عيشِها ويُصيبُها / في كلِّ مُضطربٍ لها ومجالِ
ويَعيثُ في مجرى الهواءِ فما ترى / مَسْرَى جَنوبٍ أو مهبَّ شمالِ
تلك البليّةُ من تُصِبْ لا تُلفِهِ / إلا بمنزلةِ الرّميمِ البالي
قال الكبارُ تعالَ نَنظرْ بيننا / في غيرِ ما سَرَفٍ ولا استرسالِ
الأمر إن ياسرتَ ليس بفادحٍ / والدّاءُ إن سامحتَ غيرُ عُضالِ
ماذا تُريد فما بنا من غِلظةٍ / ولسوف ترضى بعد طولِ تَقَالِ
قال الصّغيرُ أَتُذعنون لغاصبٍ / جافي الخلائقِ سيئِ الأعمالِ
أأرادَ إلا أن تكونَ حياتُنا / كالدّارسِ العافي من الأطلالِ
تهوِي جوانبُها ويُصبحُ ساحُها / شجوَ القطينِ وروعةَ النُزّالِ
مَن ذا يُفاوضُ في الحياةِ عَدُوَّهُ / ويرى مآلَ السُّوءِ خيرَ مآلِ
لا تأمنوه فما لكم من عصمةٍ / تُرجَى إذا عَصفتْ يداه ولا لي
أوَ ليستِ الأَغلالُ في أعناقِنا / ممّا جنَى وفوادحُ الأثقالِ
إن كان من شيءٍ يُرادُ فباطلٌ / حتّى يَزولَ بهذِه الأغلالِ
قال الكبارُ لقد أرادَ سفيهُنا / شَططاً وجاوز غايةَ الإيغالِ
يَجدُ الحقائقَ في الخيالِ مَواثلاً / ويرى المشارعَ في بريقِ الآلِ
أَزْرَى به صَلَفُ الغُواةِ وجهلُهم / وجَنَى عليه تعسُّفُ الضُّلّالِ
تلك الروايةُ هل رَأتْ عينُ امرئٍ / في الدَّهرِ من نَمطٍ لها ومثالِ
أُمُّ البنين كنانةُ اللهِ التي / نُصبتْ لكلّ مُناجزٍ صَوَّالِ
وصَغيرُها الحِزبُ الضَّنينُ بحقّها / إن جادَ كلُّ مُسامحٍ بذَّالِ
نَصَح الذين همُ الكبارُ بزعمهم / بأواخرٍ مأثورةٍ وأَوالي
فإذا المسامعُ لا تُنالُ صِمامُها / وإذا القُلوبُ مَنيعةُ الأقفالِ
عَصفَ التَّفرُّقُّ بالقُوَى فأزالهَا / إنَّ التَفرقَ مُؤذِنٌ بزوالِ
هل أبصروا وَرَعَ المُغيرِ وزُهدَه / ورأوا تعفُّفَ نابِه القتّالِ
ومن الحقائقِ في شريعةِ قومنا / وَرَعُ الوحوشِ وعفّةُ الأغوالِ
بَعُدَ المدَى بالمُلحقاتِ وغودرت / منها ودائعُ للبلادِ غَوالِ
وَانْصاعَ بالسّودانِ في آثارِها / عَجِلُ الإغارةِ غيرُ ذي إمهالِ
ما رِيعَ من دعوى الغُزاةِ بباطلٍ / هُمْ عاجلوه فَرِيع باستئصالِ
سلبوا التراثَ المُستباحَ وأولعوا / ببقيّةِ الأسلابِ والأنفالِ
لهمُ الكِنانةُ أرضُها وسماؤُها / ولنا الشَّقاءُ الدّائبُ المُتوالي
يأتونَ كلَّ عظيمةٍ ويريبُهم / صَعَقاتُ شعبٍ دائمِ الأوجالِ
لولا مُراقبةُ الجلاءِ وأنّه / داني المدى لرأوه أوّلَ جالِ
ذهب الرجالُ يُفاوضون فصادفوا / أرواحَ جِنٍّ في جُسومِ رجالِ
مكرَ الدُّهاةُ بهم وزلزلَ رأيَهم / رأيٌ يَميدُ بقوّةِ الزّلزالِ
قالوا دعوا السّودانَ إنّ لنا به / حقَّ الشريكِ من الزّمانِ الخالي
ولنا بمصرَ من الحُقوقِ ومثلِها / ما ليس للنُّظراءِ والأمثالِ
فإذا أبيتم بالضَّمانِ فعندنا / ما عزَّ من ثَمنٍ لكم ونوالِ
أخذوا العطاءَ فما تزالُ عيونُهم / تَعتادُه من رَوْنَقٍ وجَمالِ
جاءوا به يمشون في لَمَعانِه / مَشْيَ المُدِلِّ بنفسه المُختالِ
عرضوه في ضوءِ النّهارِ فزانَه / وَضَحُ الضُّحى وتوهُّجُ الآصالِ
هم زيّنوه لقومهم فتدافعوا / يتنازعون مواكبَ الإجلالِ
نشروا لهم عصرَ الكليمِ فأبصروا / صَفَّيْ عِصييٍّ حولَه وحبالِ
قالوا انصروه فَفيهِ من آمالِكم / ما لا يُنالُ على يدِ الخُذّالِ
فيه المزايا الغُرُّ من حُريَّةٍ / تَشفِي غليل النّيلِ واستقلالِ
نظر الحماةُ النّاقدون فما ترى / غيرَ الزُّيوفِ على يَديْ لأّالِ
نَسَقٌ من التَّزييفِ يقصرُ دُونهُ / ما زَيّفتْ يدُ صانعٍ أو طالِ
قالوا عرفناهُ فمن يَعلقْ به / يَعلقْ بِخزْيٍ دائمٍ ونكالِ
ورموا به فرموا بسمٍّ ناقعٍ / أخذوا عليه مَسارِبَ الآجالِ
ودعوا حذارِ بني الكنانةِ إنّه / كيدُ المُضِلِّ وفتنةُ الدجّالِ
هو دِرهمٌ لا نفعَ فيه وإن زها / في العينِ من نَقْشٍ وحُسن صِقالِ
يَشقَى الفقيرُ من الشُّعوبِ بمثله / ويَزيدُ إقلالاً على إقلالِ
هذا عطاء النّيلِ من يدِ مِلْنر / شيخِ النَّدى وعميدِه المِفضالِ
وردَ الكنانةَ في حقائبَ جمّةٍ / ما تَستقلُّ بها المطيُّ ثِقالِ
فَضَحَ الألُىَ حملوه ما صنعتْ به / أيدي الحُماةِ الرُجَّع الأزوالِ
سُئلوا أترمون البلادَ بزائفٍ / وتُغرِّرون بسوقةٍ ومَوالِ
قالوا رُويدَ اللَّائمين فما بنا / عَجزُ الضّعيفِ يخاف كلَّ سؤالِ
إنّا عَرضناهُ لِيصدعَ قومُنا / سِترَ الخفاءِ وغيهَبَ الإشكالِ
لهمُ الزّعامةُ في الضَّلالةِ والهُدَى / والرأيُ في الإعراضِ والإقبالِ
نَفضوا الحقائبَ مُحنَقينَ وراعَهم / شُؤمُ المطافِ وخَيْبَةُ التّجوالِ
صاح الحُداةُ بآخرين فراعنا / منهم ضجيجُ ركائبٍ ورِحالِ
قالوا أَنُطمِعُ مصرَ في استقلالها / ونَروعُها بمفاوضين ضِآلِ
إنّا سنأخذُه صحيحاً كاملاً / ونَزيده من صحّةٍ وكمالِ
نأتِي به كالصُّبح أبيضَ ساطعاً / لا شكّ فيه كربّنا المتعالى
كذبوا فقد كشفوا مَقاتلَ قومهم / لِمُسارِعينَ إلى النّقيضِ عِجالِ
عكفوا على نار الخلافِ فسرّهم / ما جرَّ مُوقِدُها وذاقَ الصّالي
كلٌّ يقولُ أنا الرئيسُ فَمَن أبَى / فالبطشُ بطشِي والمَحالُ مَحالي
أنا أوّلُ المُتفاوِضينَ مكانةً / عند التقدُّمِ ثم يأتي التالي
شمتَ العدوُّ وقالَ داءُ تَفرُّقٍ / ما ازدادَ سيِّئُهُ سِوَى اسْتفحالِ
مالي أخافُ مُساوِمينَ نِبالُهم / سبقت إليهم أسهُمي ونبالي
لأخادعنَّ القومَ عن آمالهِم / وَلأَدفَعنَّ ضجيجَهم بَمِطالي
نهضوا لغيرِ بلادِهم فعرفتُهم / وعرفتُ نهضتَهم إلى اضمحلالِ
فَليْأخذوا ما ليس فيه لمثلهم / إلا الأَذَى ومَلامةُ العُذّالِ
جاءوا بدرهمهم فأجفل قومُهم / مِلءَ المدائن أيَّما إجفالِ
وكأنّما هَوَتِ القُرى في لُجّةٍ / أو باد ناضرُها من الإمحالِ
جاءوا بأكثرَ من أخيهِ مهانةً / وأشدَّ مَنقصةً وسُوءَ خِلالِ
ما زيّفَ الصُّنَّاعُ فيه وإنّما / صنعوه من حَمَأٍ ومن صَلصالِ
رحلوا عن الوادي بأنحسَ طائرٍ / وأتوا ربُى الوادي بأشامَ فالِ
حملوا إلى الأهرامِ لعنةَ كُرْزُنٍ / فاستغفرْت لمناكبِ الحُمّالِ
ودّتْ على استعلائها لو أنّها / زالت فأمستْ من حَصىً ورمالِ
عبثوا بأبَّهةِ الدُّهورِ وزَلزلوا / مجدَ الملوكِ وعزّةَ الأقيال
خُذِلَ الأئمّةُ في القُبورِ وعُطِّلتْ / عِظةُ القُسوسِ وحكمةُ الآبال
قل للمصاحِف والأناجيلِ اذْهَبي / عُبِدَ الحرامُ وعيبَ كلُّ حَلالِ
يا مصرُ عهدكِ من أذىً ومرارةٍ / وهَواكِ من هَمٍّ ومن بَلبالِ
فَدَحَ الذي بين الجوانحِ فانظري / أدبيبُ حُبٍّ أم دبيبُ سُلالِ
صاحبتُ حُبَّكِ في المشيبِ وفي الصِّبى / وأراه صاحبَ مَوْلدي وفِصالي
بُرهانُه الوَهَنُ الذي في أعظُمي / ودليلُه الوضَحُ الذي بقذالي
وغليلُ نفسي في جوانب مُمحلٍ / والطيرُ بين مناهلٍ وظلالِ
أشدو بذكركِ في الحوادثِ عاطلاً / والصّامتُ اللَّاهي بغيركِ حالِ
إني لَتظفرُ في حُماتِك غارتي / وتفوزُ بالسَّلَب المنيعِ نِصالى
الثّابتين على الهُدى ما زُلزلوا / يوماً ولا عَرفوا سبيل مَلالِ
ما ساوَموا في حقِّ مِصرَ ولا رضوا / بالضْيمِ يُرهقُها ولا الإذلالِ
تَعتزُّ من أقلامهم بمعاقلٍ / وتلوذُ من أعمالهم بجبالِ
نَصروا الأبوَّةَ والبنينَ فأنقذوا / شرَفَ الأُسودِ وسُؤْدُدَ الأشبالِ
شرُّ العجائبِ في زَمانِكَ أن ترى / شَعْباً يُباعُ على يدِ الدَلّالِ
إنّا لنَحفظُ قومَنا ونَعدُّهم / خَيْرَ العتادِ وأنفعَ الأَبدالِ
ما زادنا عَنَتُ الخُطوبِ وكيْدُها / وتوثُّبُ العادي سوى استبسالِ
ميثاقُنا نَسْجُ الحياةِ لأمّةٍ / تَبغِي الحياةَ كريمةَ الأنوالِ
قوميّةَ الحَبَراتِ تَلبسُ وَشْيَها / طَلْقَ الجوانبِ سابغَ الأذيالِ
حان الجلاءُ عن البلاد لمعشرٍ / نكبوا البلادَ بأربعين طِوالِ
يا قومُ لا تَرِدُوا الخلافَ فإنّه / وِردُ الطَّغامِ ومنهلُ الأرذالِ
مَن يشتري السُمَّ الذُّعافَ بسائغٍ / عَذبِ النِّطافِ مُصفَّقٍ سَلْسالِ
سيروا على نُور الأئمّةِ وانهضوا / نَهضاتِ لا الواني ولا المِكسالِ
صَخَبُ التّنازُعِ في الممالكِ مُؤذِنٌ / أُممَ الزّمانِ بضجّةِ الإعوالِ
لا تُنكروا شَغفَ الغُزاةِ بأُمّةٍ / شُعِفتْ بطول تَنافرٍ ونضالِ
يا قومُ ما ذنبُ الرّئي
يا قومُ ما ذنبُ الرّئي / سِ إذا تمسّكَ بالدّليلْ
ما كان من رُسلِ الخيا / لِ ولا دُعاةِ المستحيلْ
إنجيلُه نَشْرُ السّلا / مِ ودينُه أَخْذُ القليلْ
سعدٌ رسولُ الخيرِ وال / إصلاحِ بُورك من رسولْ
ما النّيلُ ما السُّودانُ ما / طولُ التوجُّعِ والغليلْ
ما الملحقاتُ وما الجلا / ءُ وما التّمادِي في العَويلْ
يا قومُ لُوذوا في الجِدا / لِ بحكمةِ الرأيِ الأصيلْ
صَدقَ الرّئيسُ فَقدِّسو / هْ ونزِّهوه عنِ المثيلْ
أَيصيحُ صائحكم بما / يؤذيهِ من قالٍ وقيلْ
ويَرى عليه لنفسه / حقَّ الزّميلِ على الزّميلْ
الله أكبر ما لكم / لا تبتغون ذوي العقولْ
يا معشرَ الشُّعراءِ لَسْ / تُم بالثِّقاتِ ولا العُدولْ
لا تطمعوا في شعبِ مص / رَ فليس بالشّعبِ الجَهولْ
هو ما يقولُ زعيمُه / ويريد من أَرَبٍ وَسُولْ
هو لا يضنُّ بألفِ مص / رٍ في الفداءِ وألفِ نيلْ
فدعوا العَناءَ وآمنوا / بزعامةِ الشّيخِ الجليلْ
نِعمَ الزّعيمُ شِعارُهُ / دُلّوا الزَّعيمَ على السّبيلْ
أَنتَ المثالُ لِكُلِّ حُرٍّ صادقٍ
أَنتَ المثالُ لِكُلِّ حُرٍّ صادقٍ / يأبَى التقلُّبَ في الأُمورِ سبيلا
اطلعْ بآفاقِ الكنانةِ هَادياً / إنّي أراك إمامَها المأمولا
إنّ الأئمةَ غادروك بموقفٍ / وَقَف الوصُّي به يصون الغيلا
تَجِدُ النبيَّ يَجولُ في غَمراتِه / وترى على أرجائِهِ جِبريلا
وصفوكَ بالفردِ الضّعيفِ وإنّنا / لَنراكَ وَحدكَ أُمّةً وقبيلا
ونرى الغُواةَ المُبطلين وإن همو / زَادوا على عدِد الرّمالِ قليلا
أَحْيَيْتَ دُستورَ البلادِ فَردَّهُ / عَبَثُ الحُماةِ الصّادقينَ قتيلا
حُمِلَ الشّهيدُ على رِقاب رُماتِه / فَانْظُرْ أَتدرِكُ نعشَهُ المحمولا
أنت الملومُ وضعتَ في أَيْمانهم / بعد الهزيمةِ سيفَكَ المصقولا
وبَعثتَ مِن ماضِي العُصورِ مُؤدِّباً / حُرّاً يُعلِّمُ عَصرَهم والجيلا
والشّعبُ أَشْقَى ما يكونُ بعلمهِ / إن سَاءَ أخلاقاً وضَلَّ عُقولا
أَأمينُ أَعطيتَ القضيّةَ حَقَّها / وحكمتَ فيها حُكمَكَ المقبولا
وشرَعتَ لِلزُّعماءِ دينَ هِدايةٍ / يمحو الرِّياءَ ويَمحقُ التَّضليلا
دينٌ يلوذُ الحقُّ مِن أحكامِه / بالبأسِ صَدْقاً والجهادِ طويلا
أُمُّ الكبائر فيه أن يَجِدَ الفَتَى / يَأساً وأن يَغْشَى الكفاحَ مَلولا
والكفرُ أجمعُ أن يُساوِمَ خَصْمَهُ / يَبْغِي من الخَطرِ الجليلِ بَديلا
والخَصمُ لا يُعطيكَ مِن مَنزورِه / إلا إذا أَخذَ العَطاءَ جزيلا
هل في كتابِكَ أن يَنالَ حُقوقَهُ / شَعبٌ يَرَى طَلَبَ الحُقوقِ فُضولا
وَيُراعُ من ذِكرِ الحياةِ كأنّما / يَجِدُ الحياةَ من المخافةِ غُولا
رَكْبَ الرّفاقِ الظّاعِنينَ عِجالا
رَكْبَ الرّفاقِ الظّاعِنينَ عِجالا / أَرحِ المطيَّ فقدر رَزَمْنَ كَلالا
هلا اتّخذتَ سوى القُلوبِ ركائباً / وسوى العيونِ الدّامياتِ رحالا
حَدِّثْ عن الوادي وكيف وَجَدْتَهُ / ألقِيتَ للرُّكبانِ فيه مَجالا
ضاقتْ جوانبُه أسىً فتأجَّجتْ / وتفجَّرتْ فيه الدُّموعُ فسالا
لي في مسايلهِ عُصارةُ مُهجةٍ / حَملَتْ تكاليفَ الهُمومِ ثِقالا
ثارَ الزمانُ عليَّ ثورةَ جاهلٍ / هاجَتْهُ نافضةُ الحلومِ فصالا
يطغى فيسلبني سَراةَ عشيرتي / ويُصيبُني في الأكرمينَ خِلالا
العاقدين من الحفيظةِ ذِمّةً / ومن المُروءةِ والوَفاءِ حبالا
القائمين على الحِمَى يَرْمِي بهم / نُوَبَ الزّمانِ ويَدفَعُ الأهوالا
ثَبَتوا بِمُعتركِ الحُتوفِ مَعاقِلاً / ورَسَوْا بِمُصطَدَمِ الصُّفوفِ جبالا
صاحَبتُهُم مِلءَ الحوادثِ نجدةً / وعرفتُهم مِلءَ الزّمانِ نضالا
وبكيتُ حين مَضُوا إلى أجداثهم / شعباً يُعلَّلُ بالحياةِ ضَلالا
عَبد الغُواةَ الجامحينَ فزادهم / شَططاً وزادوهُ أذىً وخبالا
أرأيْتَ إذ زَعموا الكِنانةَ مَلعباً / وبني الكِنانةِ مَنصِباً أو مالا
جَعلوا الضَّحايا الغالياتِ سبيلَهم / يَمشُونَ فوق رُكامِها أرسالا
فترى الصُّدورَ النّاضراتِ مواطئاً / وترى الوُجوهَ المُشرِقاتِ نعالا
حتّى إذا وَردوا المناصبَ فَخمةً / رَدُّوا الأعِنَّةَ واهنين كُسالى
لمّا قَضَى الشَّعبُ المُقيَّدُ سُؤْلَهم / شدُّوا القُيودَ وأحكموا الأغلالا
تركوه يَلهثُ في حبائلِ قانصٍ / يَجدُ الحياةَ على يَدَيْهِ نَكالا
راحوا سِماناً في المواكبِ بُدَّناً / وأراه يُوشكُ أن يموتَ هُزالا
الغاصبُ المغتالُ أعرضَ ساخراً / لمّا دَعَوهُ الواهبَ المِفضالا
إنّا تأمّلنا الأُمورَ فلم نَجِد / حُريةً هِبَةً ولا استقلالا
جَعلوا خيالَ الجاهِلينَ حقيقةً / وحقيقةَ المُسْتَبصرينَ خيالا
عبدَ اللَطيفِ مَضَيْتَ غيرَ مُذَمَّمٍ / وهجعت أنْعَمَ ما عَهِدتُك بالا
سكَنتْ جِراحُكَ وانتهيتَ إلى مدىً / يَنْفي الهُمومَ ويطردُ الأوجالا
تَجري الخطوبُ فإن بَلَغْنَكَ رُكَّضاً / جَنحَ الزّمانُ بهنَّ عنك فمالا
كُنتَ الأَبيَّ الحُرَّ تجتنبُ التي / تَدَع الكريمَ من الرجالِ مُذالا
وتُقاتِلُ البطلَ النَّجيدَ فلا يرى / غيرَ الهزيمةِ نجدةً وقتالا
لكَ في الحُماةِ الصّابرينَ على الأذى / ذِكرٌ يزيدُكَ في النُّفوسِ جلالا
أنصفتَ قومَكَ والمظالمُ وُقَّعٌ / بِكَ لا تُغيِّرُ بعد حالٍ حالا
قَذفَ المُغيرُ بها يُحاولُ مأرباً / كذبَ المُغيرُ لقد أراد مُحالا
إنّ الأُلى وجدوك فوق ظُنونهم / عَرفوا يَقينكَ للحياةِ مِثالا
عَجَموا قِوامَ مُجرَّبينَ وإنّما / عجموا الحُسامَ وجرَّبوا الرِّئبالا
آثرتَ دُنيا المؤمنينَ ودينَهم / ورَضيتَ ربَّكَ مرجعاً ومآلا
حسبُ الكِنانةِ ما قَضيتَ من الهوى / أَتغيبُ عنها أربعين طوالا
ماذا حملتَ إلى الرِّفاقِ عن الأُلى / ألقى الضِّعافُ عليهمُ الأحمالا
نهضوا بأعباءِ الجهادِ أعزَّةً / وتعاوروا أعلامَه أبطالا
لا تستطيروا في المضاجعِ واهدأوا / عزَّ العرينُ على العدوّ منالا
عامٌ أَهابَ به الزّمانُ فأقبلا
عامٌ أَهابَ به الزّمانُ فأقبلا / يُزجِي المواكبَ بالأهِلَّةِ حُفّلا
مَلَكَ الحوادثَ فهي من أجنادهِ / تأتي وتَذهبُ في الممالكِ جُوّلا
آناً يَهُدُّ بها الشُّعوبَ وتارةً / يبني لها المُلكَ الأشمَّ الأطولا
يا أيّها العامُ الجديدُ أما ترى / أمَمَ الكتابِ حِيالَ مَهدِكَ مُثّلا
فَزِعَتْ إليكَ تقصُّ من أنبائها / ما رَاعَ راويةَ الدُّهورِ فأجفلا
وتَسوقُ بين يديك من آمالها / ما أَخلفَ الزّمنُ العَسوفُ وعطّلا
عبثت بها الأعوامُ قبلك فانجلت / عن لاعجٍ صَدَعَ القُلوبَ وما انجلى
صُنْها عنِ اليأسِ المُميتِ وكن لها / عامَ الحياةِ تَنَلْ مراتِبَها العُلى
رَفعتْ على آيِ الكتابِ بِناءَها / زمناً فهدَّ الهادمين وزَلْزَلا
أَرِنا كِتابَكَ أو فَدَعْه مُحجَّباً / إنّا نَراهُ على المغيبِ مُؤمَّلا
لسنا بني الخُلفاءِ إن لم نَبْنِه / مجداً على هامِ النُّجوم مُؤثَّلا
الله علّمنا الحياةَ رشيدةً / وأبى علينا أن نَضِلَّ ونجهلا
قُلْ للأُلىَ جَهِلوا اذْهبوا بكتابكم / إنّا لَنَتَّبِعُ الكتابَ المُنزلا
الحقُّ عِصمتُنا نَصونُ سِياجَهُ / بالعلمِ يَمنعُ أن نُضامَ ونُخْذَلا
والعدلُ قُوّتُنا التي نرمِي بها / أَعْدَى العِدَى فَنُصيبُ منه المقتلا
يا باعثَ الحربِ العَوانِ تَشوقُه / فيشُبُّها مِلءَ الممالكِ مُوغِلا
أَعِدِ المناصِلَ في الغُمودِ بريئةً / فالحقُّ إن حاربتَ أقطعُ مُنْصَلا
وَدَعِ المعاقلَ والحُصونَ فلن ترى / كالعلمِ حصناً للشُّعوبِ ومعقِلا
المجدُ للبطلِ المصونِ لِواؤُه / عن أن يُعَلِّ من الدّماءِ ويُنهَلا
يا طلعةَ العامِ الجديدِ تهلَّلي / فالعهدُ بالأعوامِ أن تتهلّلا
طَلعتْ على الإسلامِ في إقبالِه / نُوراً من الأُفُقِِ المُحبَّب مُقبلا
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا
أعِدِ الرَّجاءَ وجَدِّدِ الأَمَلا / وأَقِمْ لَنا مِن قَومِنا المُثُلا
وَاجْمَعْ على دينِ الهُدَى أُممَاً / غَابَ الهُداةُ فَضَلَّتِ السُبُلا
عَكَفَتْ عَلَى الأصنْامِ واتَّخذَتْ / دينَ العَمَى من دينها بَدَلا
مَلَك الغُواةُ عُقولَها فهَوَتْ / وَعَصَتْ مِنَ النُّصَحاءِ من عَقَلا
ضاقتْ بهم ذَرْعاً وأَهْلَكها / مَا قَالَ فَاسِقُها وَمَا فَعَلا
أُمَمٌ يَظَلُّ الجَهْلُ يَقْتُلُها / فَتزيدُ جَهْلاً كُلّما قَتلا
حَارَ الطَّبِيبُ ورَاحَ مِن أَسَفٍ / يُلقِي العُلومَ ويَنبذُ الحِيَلا
حَمَلَ الدَّواءَ لَها فَأَعْجَبَها / أن تَحمِلَ الأَدواءَ والعِلَلا
مَاذَا عَلى الأقْوامِ إذْ عَبَدُوا / أَهْواءَهم أنْ يَعبُدوا الهُبلا
ماذا يُعاني الشّرقُ من مِحَنٍ / تَمحو الشُّعوبَ وتَمْسَحُ الدُّوَلا
يا وَيْلَتا لِلقَومِ إن هَلَكوا / هَلْ يَملِكوَن لأمرِهمْ حِوَلا
إيهٍ مُحبَّ الدّينِ مِن رَجُلٍ / مَا جَازَه مَن يَنْشُدُ الرَّجُلا
نَزَّهتَ حُبَّكَ عَن مفاسِدِها / دُنيا تَزِيدُ مُحِبَّها خَبَلا
ولَزْمتَ رَبَّكَ لا تُفارِقُه / تَبغِي الخَسيسَ وَتَتْبعُ الهَمَلا
أَعطاكَ مِن رضِوانِه قَلماً / ما نامَ عَن حقٍّ ولا غَفَلا
لولا تُسَكِّنُ مِن حَمِيَّتهِ / عِندَ احْتِدامِ البأسِ لاشْتَعلا
أَحْبِبْ بِه مِن مَاجدٍ بَطلٍ / ما انْفَكَّ يَصْحَبُ مَاجِداً بَطَلا
ما اختار إلا الجِدَّ يَجْعَلُه / نَجواهُ إن قَلمُ امرئٍ هَزَلا
لُغةٌ يُناجي اللهَ قَارِئُها / في فتحهِ وَيُحادثُ الرُّسُلا
يا فَتحُ زِدْنَا حِكمةً وَهُدىً / إنّا نَخافُ الزَّيْغَ وَالزَّلَلا
بَيِّنْ لنا سُبْلَ الأُلىَ رَشَدُوا / وَاضْرِبْ بِسَيْفِ الله مَن عَدَلا
واسْطَعْ بِدُنْيانا التي اعْتكَرَتْ / نُوراً على الأيّامِ مُتَّصِلا
يا فتحُ قُلْها غَيْرَ كَاذبةٍ / أفَمَا رَأيتَ الحادِثَ الجَلَلا
أعَمْىَ يَقودُ النَّاسَ في بَلَدٍ / أَعْمَى يُعظِّمُ قَدْرَ مَن جَهِلا
ما مَنْ تَولَّى الحقَّ يَنصرُهُ / ويَصُونُ بَيْضَتَهُ كمن خَذَلا
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ
لَمِنِ الجلالُ يَفُوقُ كُلَّ جلالِ / أهِيَ العُروبةُ في حِماها العالي
أهِيَ الحميَّةُ هَاجَها مُتَوَثِّبٌ / دَاسَ العرينَ وهمَّ بالرِّئبالِ
تِلكَ الوفُودُ من المشارقِ أَقْبَلَتْ / تَقْضِي الذِّمامَ لِقَوْمِها والآلِ
من كلِّ واضِحَةِ الجَبينِ يَزيُنها / بأسُ الكُماةِ ونجدةُ الأبطالِ
شَتَّى مَناقِبُها تَوارَثَ قومُها / أحسابَ يَعْرُبَ في الزّمانِ الخالي
تَبْغِي الحياةَ عَزيزَةً لِبلادِها / وتَرُدُّ حُكْمَ الطَّامعِ المُغْتالِ
هُنّ ائْتَمَرْنَ بخيرِ دارٍ أُنْشِئَتْ / بالمَشرِقَينِ لِصالحِ الأعمالِ
للناهِضَاتِ الذاَّئِداتِ عنِ الحِمَى / الحامِلاتِ فَوادِحَ الأثقالِ
المُدْرِكاتِ الحقَّ يَفْزَعُ صَارِخاً / ويَضِجُّ بين مَخالِبِ الأغوالِ
أوَمَا كَفَى نَوْمُ الحماةِ وما جَنَتْ / تلك المضاجعُ من أذىً وخَبالِ
شَرَفُ الحياةِ لِكُلِّ نفسٍ حُرَّةٍ / تَأْبَى حَياةَ الضّيْمِ والأذلالِ
والشّعبُ إن خَفَضَ الجَناحَ ولم يَذُدْ / عن حوضهِ أَمْسَى بأسوإ حالِ
هو يا فلسطينُ النِّضالُ وهل نجا / من حَتْفِه وَطَنٌ بغيرِ نِضالِ
لا تُنكِري شِيَمَ النُّفوسِ وأَبْشري / بِأَحَبِّ مُنْقَلَبٍ وخيرِ مآلِ
وثِقِي بربِّكِ إنّه لكِ ناصرٌ / ما مِثلُه من ناصرٍ أو والِ
قُولي لِرُوزْفلْتَ المؤمَّلِ عَدلُهُ / رُوزْفِلْتُ ما لِلظّالمينَ ومالي
أعَليَّ إيواءُ الشرَّيدِ ومن دَمِي / يُسْقَى ويُطْعَمُ بعد قتل عِيالي
شرُّ القُضاةِ سَجِيّةً وأضَرُّهم / قاضٍ يرى الإنصافَ غَيْرَ حلالِ
يا بائِعي عِرضَ العُروبةِ وَيْحَكُمْ / لا تجهلوا عِرضُ العروبةِ غالِ
إن شِئتُمُ البَيْعَ المُباحَ فإنّما / هو بالدّمِ المسفوكِ لا بالمالِ
دنُيا من الأهواءِ إن لم تَسْتَفِقْ / عصفت بها دُنيا مِنَ الأهوالِ
رفعوا على الوهمِ البِناءَ وما دَرَوْا / أنّ الخطوبَ شديدةُ الزِّلزالِ
جَمَحَ الغُرورُ بهم فظنَّ غُلاتُهم / أنّ العروبةَ آذنتْ بِزَوالِ
أَفَما رأوها في منازلِ عِزِّها / غَضْبَى الليوثِ أبيَّةَ الأشبالِ
ذُخْرُ الدُّهورِ فإن تَكُنْ من مِرْيةٍ / بالقومِ فَهْيَ أمانةُ الأجيالِ
إنّي استفدتُ على يدِ الفُضْلىَ هُدَى / أَغْلىَ العِظاتِ وأبلغَ الأمثالِ
كذب الذي زَعمَ المُحالَ لِقومِه / ومَضَى يقولُ مَقالةَ الجُهَّالِ
فَمِنَ العقائلِ للبلادِ معاقِلٌ / ومن الحِسانِ البيضِ بيضُ نِصالِ
كم من أُناسٍ إن نظرتَ رَأَيْتَهُمْ / بين الرجالِ وما هُمو برجالِ
من كُلِّ مُستَلَبِ الحَميَّةِ جامدٍ / واهِي القُوَى مُتخاذِلِ الأوصالِ
جافٍ يَبيتُ الخطبُ يَقْرَعُ قَوْمَه / ويَبيتُ في دَعَةٍ رَخِيَّ البالِ
عزمٌ يُبَرِّحُ بالخطوبِ وهِمّةٌ / تَطْوِي المَدَى وتجولُ كلَّ مَجالِ
أمَمُ العُروبة إن تَتَابَع شُكرُها / فَلِفَضْلِها المُتتابِع المتوالي