المجموع : 11
إن كانَ يلبَسُ ما أفادَ تَجَمُلاً
إن كانَ يلبَسُ ما أفادَ تَجَمُلاً / فبياضُ هذا الجِيدِ تَلبَسُهُ الحِلَى
وإذا تزيَّنتِ العُيونُ بكُحلها / فلقد نَراهُ بمُقلتَيكَ تكحَّلا
يا ناحِلَ الأعطافِ معشوقاً تُرَى / أتَلُومُ مِثلي عاشقاً أن يَنْحَلا
أعدَدتَ لي حربَ البَسُوسِ ولم أكُنْ / أعدَدتُ دُونَكَ في القتالِ مُهَلْهِلا
حاوَلتَ سفْكَ دمي بعينِكَ ثانياً / هيهاتِ قد سَفكَتْهُ عيني أوَّلا
ونَهَبتَ قلباً ليس فيهِ سوِىَ الهَوَى / وسَلَبتَ جسماً ما عليهِ سِوَى البلَى
خُذْ ما أرَدتَ سِوَى أغَرَّ مُحجَّلٍ / ألقى بهِ الشيخَ الأغرَّ مُعَّجلا
وأرَى لطائفَهُ التي نَهَبتْ بها الشْ / شُعَراءُ أبياتَ القريضِ تَغَزُّلا
العالِمُ الصَّدرُ الكبيرُ العاملُ ال / بدرُ المنيرُ اللامعُ السامي العُلى
أقوالُهُ دُرَرٌّ تُقلَّدُها النُهَى / وفِعالُهُ غُرَرٌ تُقلَّدُها الطُلَى
أجرَى من البحر العَرَمْرَمِ لُجَّةً / وألَذُّ من سَلسالِ دِجلةَ مَنْهَلا
وأشَدُّ من زَهرِ الحدائقِ نَضْرةً / وأجَلُّ من زُهرِ الكواكبِ مَنزِلا
يمشي وقد كثُرَ الوُقوفُ أمامَهُ / فَرْداً يَجُرُّ من المَهابةِ جَحْفَلا
وإذا أشارَ إلى الكَتيبةِ أَجفَلتْ / فكأنَّ من سُمرِ الذَوابلِ أُنْمُلا
هُوَ يَشغَلُ الأقلامَ وَهْيَ بوصفِهِ / في النّاسِ قد شُغِلَتْ فكانت أشغَلا
تتَنازَعُ الشّعراءُ فضلةَ شعرِهِ / في مدحِهِ وتَخافُ أنْ لا يَفضُلا
طَفَحَتْ عليَّ صفاتُ أحمدَ مَرَّةً / فَلحِقْتُ منها عارضاً مُستقبِلا
واخَتَرْتُ إجمالَ الثَّناءِ لأنَّني / ألفَيتُهُ لا يُستطاعُ مُفصَّلا
شوقي إليكَ كما علِمْتَ طويلُ
شوقي إليكَ كما علِمْتَ طويلُ / ولَعلَّ صبري في هواكِ جميلُ
يا غائباً في القلبِ يحضُرُ شخصُهُ / فكأنَّهُ لي منكَ عنكَ بديلُ
بَعُدَ المزارُ على ضعيفٍ قاصرٍ / هذا الكتابُ إليكَ عنهُ وكيلُ
إن كُنتَ تُنكِرُ لوعةً بفُؤادهِ / فلهُ شُهودٌ من ضَناهُ عُدولُ
حالت موامي الأرضِ دُونكَ بالنَّوَى / ولطَالما دُونَ البُدورِ تَحُولُ
ورأيتُ شخصَكَ في البِعادِ فإنَّهُ / قَمَرٌ نراهُ وما إليهِ وُصولُ
يا دُرَّةَ الغَوَّاصِ دُونَ لِقائها / لُجَجٌ فَدَيتُكَ هل إليكَ سبيلُ
نَترتْ صُروفُ الدهرِ عِقدَ نِظامنا / فنَثَرتُ دمعي وهو فيكَ قليلُ
شَطرُ الفُؤادِ حبيبُهُ فإذا نأي / نُهِكَ الفُؤادُ فطُلَّ منه قتيلُ
طال انتِظاري والحَياةُ قصيرةٌ / وكلاهُما سببٌ عليَّ ثَقيلُ
ويلاهُ قد ضاعَ الزَمانُ فساقطٌ / يومٌ يَمُرُّ ولا يَراكَ خليلُ
رُكنُ الحياةِ نعيمُها إن لم يكُنْ / في العَيشِ طيبٌ فالحياةُ فضولُ
بأبي المريضُ السالمُ الشَرَفِ الذي / يَشتاقُ عَوْدَةَ مثلِهِ جبريلُ
مَن ليسَ يَرَغبُ في سلامةِ نفسهِ / إن كانَ لم يَسلَمْ لديهِ جميلُ
يا ناحِلَ البَدَنِ العليلِ بلُطفِهِ / لا صَحَّتِ الدُنيا وأنتَ عليلُ
يا ليتَ عندي صِحَّةً تُفدَى بها / لكن عليَّ منَ الفِراقِ نُحولُ
سَيَزُولُ سُقمٌ مثلَ عافيةٍ مَضَتْ / إذ كلُّ ما تحتَ السماءِ يزُولُ
هذا الخُسوفُ عراكَ يا بدرَ الدُجَى / ونَرَى خُسوفَ البدرِ ليس يطولُ
أعطَى مُحَّمدُ عِزَّةٍ من فَضلِهِ
أعطَى مُحَّمدُ عِزَّةٍ من فَضلِهِ / شَرَفاً لِساحَتِنا بوَطْأةِ نَعلهِ
قَسَمَ اسمَهُ السَّامي فنالَ مُحَمَّداً / منهُ وأعطَى عِزَّةً لمَحلِّهِ
هذا الوزيرُ وزيرُ سُلطانِ الوَرَى / وخليفةِ اللهِ العليِّ وظِلِّهِ
أخفَيتُ عن داري بِشارةَ وَفْدِهِ / كي لا تصفِقَ بالسُّرورِ لأجلهِ
يا زائراً بيتي أراك فَتَنْتَهُ / فَعَليكَ بَيتٌ غيرُهُ من مِثلِهِ
أجْلَلتَهُ عَنّي فصِرتُ أهابُهُ / حَتَّى كأنّي لم أكُنْ من أهلِهِ
خَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ
خَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ / ومَضَى النَزِيلُ كأنَّهُ لم يَنزِلِ
والمَرْءُ في دُنياهُ يعرِفُ حاصلاً / فإذا مَضَى فكأنَّهُ لم يَحصُلِ
إنَّ الذي مَلأَ العُيُونَ بأُنسِهِ / مَلأَ القُلوبَ كأنَّهُ لم يَرحَلِ
في كُلِّ نادٍ منهُ ذِكرٌ يُجتَلَى / ولِكُلِّ عينٍ منهُ شَخصٌ ينجلي
يا نازلاً في الأرضِ أكرَمَ بُقعةٍ / إنَّ النزيلَ يَكونُ حَسْبَ المَنزِل
لم تَلقَ أهلاً للإقامةِ عِندَنا / فأقَمْتَ في القُدسِ الشريفِ بمَعزِلِ
لمَّا وَفْدتَ على الدِّيارِ تَعجَّبت / من بعثِ بُولُسَ قبلَ يومِ المَحفَلِ
أنتَ الخَليقُ بأنْ يَزُورَكَ ماشياً / مَن زارَ آثارَ الزَّمانِ الأوَّلِ
تَشْتاقُ طَلعَتُكَ المنابرُ كُلُّها / ويَرِفُّ من طرَبٍ جَناحُ الهَيكَلِ
وتَعافُ أرواحَ الكِباءِ وفَوقَها / لَكَ طيبُ أنفاسٍ كَعرْفِ المَنْدَلِ
نُهدي لصهيُونَ الهَناءَ كحُسَّدٍ / ولثَغرِ بيروتَ العَزاءَ كعُذَّلِ
ظَمأٌ تأجَّجَ في الرِّكابِ فعندما / وَرَدتْ أتاها الرِيُّ قبلَ المَنهَلِ
قَصُرَتْ ليالينا فكُنتَ بِدارنا / كمُسافرٍ لكنَّهُ لم يَعجَلِ
والوَردُ ليسَ يطُولُ عهدُ لِقائهِ / والبدرُ ليسَ بثابتٍ في مَنزلِ
والدَّهرُ بينَ النَّاسِ ليسَ بعادلٍ / والناسُ بينَ الدهرِ ليسَ بأعدَلِ
فانزِعْ إلى دارِ السَّلامةِ في النَّقا / وإذا مَرَرتَ على الحُصَيب فهَرْولِ
وإذا أتيتَ القَومَ فارِبضْ جانباً / وإذا استَطعتَ العيشَ وَحدَكَ فافَعلِ
ماذا الوُقوفُ على رُسوم المَنزِلِ
ماذا الوُقوفُ على رُسوم المَنزِلِ / هَيهاتِ لا يُجدي وُقوفُكَ فارحَلِ
تِلكَ الأثافي في العِراصِ تَخلَّفَتْ / أظَنَنْتَ قبلكَ بَينَها فتأمَّلِ
دارٌ عَفَتْها الذارِياتُ فأبرَزَتْ / فيها خُطوطاً مثلَ رَقْمِ الجُمَّلِ
ومتى سألتَ رُبوعَها عن أهلِها / صَدَرَ الجَوابُ عن الصَّبَا والشَمْألِ
هَيهاتِ ما دارُ الحَياةِ بمَنزِلٍ / يُرجَى ولا ماءُ الحَياةِ بمَنَهلِ
ولَطالما سَرَّتْ فساءَت فانقَضَتْ / فكأنَّ ذلكَ كُلَّهُ لم يَحصُلِ
يا أيُّها النِحرِيرُ جِهبِذُ عَصرِهِ / ما لي أُبثُّكَ علمَ ما لم تَجهَلِ
إن المُقَدِّمَ للحكيمِ إفادةً / كمُقَدِّمٍِ للشمسِ ضَوْءَ المِشْعَلِ
بَعُدَ المَزَارُ على مَشُوقٍ لم يكن / يُشْفى على قُرب المَزار الأوَّلِ
يُدني إليهِ الوَهْمُ دارَ حبيبِه / حتى يكادُ يَمَسُّها بالأنُملِ
للناسِ أيامٌ تَمُرُّ كأنَّها / خَيلُ البَريدِ مُغيرةً في الهَوجَلِ
إن كُنتَ تأمَنُ جانبَ الماضي بها / فالخَوفُ بينَ الحالِ والمُستَقبَلِ
ذَهَبَتْ بما ذَهبَتْ فما تَرَكَتْ سِوى / ذِكرَى الحبيبِ ويومِ دارةِ جُلجُلِ
والذِّكرُ قد يُؤذِي الفُؤادَ وإن حلا / كالمِسكِ يَصدَعُ مَفرِقَ المُستعمِلِ
زادُ المُودّعِ نَظرةٌ فإذا انقَضَتْ / وَقَفَ الرَّجاءُ على الحديثِ المُرسَلِ
إنْ كانَ قد بَعُدَ اللِقاءُ لِعلّةٍ / فابعَثْ إليَّ بلُهنةِ المُتَعلِّلِ
لمن الخِيامُ ومن هُنالِكَ نازِلُ
لمن الخِيامُ ومن هُنالِكَ نازِلُ / أتُرَى بِهِنَّ رَبيعةٌ أم وَائلُ
كَذَبَتْكَ نَفسُكَ بل غَطارِفَةُ الحِمَى / قومٌ لديهمْ ذِكرُ تُبَّعَ خاملُ
هذِهْ خيامُ الهاشمّيةِ حَولَها / مِلّء العُيونِ مَنازِلٌ ومَناهِلُ
ومنَاصلٌ وذَوابلٌ وجحافلٌ / وقنابلٌ ورواحلٌ وقوافلُ
غَرْثى الوِشاحِ لها قَوامٌ رامحٌ / تغزو القلوبَ به وطَرْفٌ نابلُ
ومن العُجاب نَرَى قتيلاً ساقِطاً / يبغي اللِقا فَيفِرُّ منهُ القاتلُ
أفدِي المُحجَّبةَ التي مِن دُونِها / للدَمعِ في عينِي حِجابٌ سادِلُ
يا طالما رَدَّتْ أمَيمةُ سائلاً / أفَلا يُرَدُّ اليومَ هذا السائلُ
يا ظَبيةً في الحَيِّ نَبغي صَيدَها / فَتصيدُنا عُنْفاً وليس تُخاتِلُ
لا سَهمَ غيرُ لِحاظِها ترمي بهِ / قَنَصَاً ولا غيرَ الفُروعِ حبائلُ
أنتِ الجميلةُ فوقَ كلِّ جميلةٍ / فالحَقُّ أنتِ وكُلُّهنَّ الباطلُ
قد قامَ عُذري في هَواكِ فليسَ لي / في الناس غيرَ الحاسدينَ عواذلُ
أهواكِ لا عارٌ عليَّ لأننَّي / أَهْوَى الكِرامَ فما يقولُ القائلُ
مارستُ أخلاقَ الحليمِ فخانَني / دَهرٌ لأخلاقِ السَّفيهِ يُشاكلُ
وعَدَلتُ عن شِيَمِ الجَهولِ فظُنَ بي / جَهلاً لأنّي عن هواهُ ناكلُ
وإذا أتتني مِدْحةٌ من جاهلٍ / فهيَ المَذَمَّةُ لي بأنِّي جاهلُ
رُمتُ الوَفاءَ من الزَّمانِ وأهلهِ / فظَفِرتُ منهُ بما يجودُ الباخلُ
وسألتُ عن ذِمَمِ الوِدادِ فقيلَ لي / مَهلاً كأنَّكَ عن مُحمَّدَ غافلُ
ذاك الصَّديقُ وإن تناءَت دارُهُ / عنَّا وإن حالَ الزَّمانُ الحائلُ
إنَّ ابنَ وُدِّكَ مَن يَراكَ بقلبِهِ / لا مَن يَراكَ بعينِهِ فيغازِلُ
قد قَيَّدتْ قلبي على بُعد المَدَى / بالحُبِّ من تلك السُطورِ سلاسلُ
القلبُ يَعلَمُ أنهنَّ جواهرٌ / والعينُ تَزعُمُ أنَّهُنَّ رسائلُ
الشاعرُ الفَطِنُ اللبيبُ الكاتبُ ال / لَبِقُ الأديبُ اللَوذَعيُّ الفاضلُ
في كَفِّهِ البيضاءِ سُمْرُ يَراعةٍ / لَعِبتَتْ لها بالمُعرَباتِ عواملُ
حُلوُ الفُكاهةِ والقريضِ مُهذَّبٌ / أقلامُهُ عَسَّالةٌ وعواسلُ
لو كان ماءُ النيل مُرّاً آجناً / حَلَّتْه أنفاسٌ لهُ وشمائلُ
طَودٌ لَدَيهِ كلُّ طودٍ رِبْوَةٌ / بَحرٌ لديهِ كلُّ بحرٍ ساحلُ
يَنتْابُنا بالمَكرماتِ تَبرُّعاً / والمَكرُماتُ فرائضٌ ونوافلُ
بيني وبينكَ يا مُحمَّدُ شُقَّةٌ / تُطوى إليها في البلادِ مراحلُ
وفواصلُ الأوطانِ غيرُ مُضرَّةٍ / إن لم يكن بين القُلوبِ فواصلُ
تاهَتْ بك الإسكندريةُ عِزَّةً / فَبَدَتْ عليها للسُرورِ دلائلُ
إن كانَ في جيدِ الصَّعيدِ قلائِدٌ / منها فما جيدُ العَواصمِ عاطلُ
يا كَعْبةَ الأدَبِ التي حَجَّت لها / من كلِّ فَجٍّ للقريض قبائلُ
أغرَقْتَنا في بحرِ فضلكَ جُملةً / فكأنَّنا ضَرْبٌ وأنتَ الحاصلُ
جئنا بأبياتٍ لَدَيكَ سخيفةٍ / لَوْلاكَ ما عَمِرتْ لَهُنَّ منازِلُ
شامِيَّةٌ نَقَصَت معانيها وإنْ / أهدى بها في اللفظِ بحرٌ كاملُ
ما أكثَرَ الشُّعرَاءَ حينَ تَعُدُّهم / سَرْداً ولكنَّ الفُحولَ قلائلُ
لِمَنِ الهوادِجُ في عَراءِ الهَوْجَلِ
لِمَنِ الهوادِجُ في عَراءِ الهَوْجَلِ / تحتَ القِبابِ تَشُقُّ ذَيلَ القَسطَلِ
يَتَتَّبعُ الآثارَ قلبي خَلفَها / فلَوِ انثَنيْنَ وَطِئنَهُ بالأرجُلِ
أبراجُ أقمارٍ تَغيبُ نَهارَها / فيها وتَطلعُ في الظَّلامِ المُقبلِ
حَمّلننَي ما لو تَحَمَّلَ بَعضَهُ / حُمْرُ النِّياقِ لمَا نَهَضْنَ بمَحمَلِ
لي ذاتُ خِدرٍ بَينَهُنَّ أنا لَها / وأوَدُّ لو رَضِيَتْ فقالتْ أنتَ لي
قامَتْ تَصُولُ منَ الرِّماحِ بأبيضٍ / ومِنَ السُّيوفِ بأسوَدٍ لم يُصقَلِ
ولَقد أقُولُ لِمَنْ أقامَ بمَرْصَدٍ / ما كانَ ضَرَّكَ لو أقَمْتَ بمَعْزِلِ
أقصِرْ عَناكَ وحيثُ حَلَّتْ نِعمةُ الرْ / رُوحِ الأمينِ على مُحمَّدَ فانزِلِ
زُرْ ذلكُ الرَبْعَ الخصيبَ وقِفْ بهِ / يوماً وُقوفَ الآملِ المُتأمِّلِ
يومٌ يَحقُّ لهُ التَذَكُّرُ بعدَ ما / طالَ المَدَى لا يومُ دارةِ جُلجُلِ
هذا ابنُ رِسلانَ التَنُوخِيُّ الذي / هُوَ في السَرَاةِ منَ الطِرازِ الأوَّلِ
هذا الذي تُروَى مآثِرُهُ كما / يُروى الحديثُ عن النبيِّ المُرسَلِ
مَولىً يَظَلُّ السَّعدُ يَخدُمُ بابَهُ / ويَسيرُ حولَ رِكابهِ في الجَحفَلِ
غَلَبَ الطَّوالِعَ نَجمُهُ فتضاءلت / كالشَّمسِ تُزري بالسِّماكِ الأعزَلِ
فإذا مَشَى تَمشي المواكبُ خَلفَهُ / وإذا استَقَرَّ يَحُلُّ صَدرَ المَحفِلِ
وإذا تَكلَّمَ يُنصِتونَ كأنَّهُ / يدعو بآياتِ الكتابِ المُنزَلِ
مُتوَقِّدُ الأفكارِ لو بَرَزَت لنا / أغنَتْ عنِ المِصباحِ بالصُّبحِ الجَلي
يَرمِي صُروفَ الحادثاتِ بأسهُمٍ / منْ لحظِهِ فيُصِيبُ عينَ المَقتَلِ
ما زالَ يفعَلُ ما يَقولُ وإنني / في المدحِ لَستُ أقولُ ما لم يَفعَلِ
ما زلتُ كالرَّواي الأمينِ ورُبَّما / غَلَبَ الهُيامُ فكنُتُ كالمتُغَزِّلِ
بمُحمَّدٍ وأبي مُحمَّدَ أشرَقَتْ / دارُ الإمارةِ كالثُرَيَّا تَنْجَلي
فَرعٌ نشا من خيرِ أصلٍ طاهرٍ / والشهدُ لا يأتي بماءِ الحَنظَلِ
قابلتُهُ فإذا غُلامٌ أمرَدٌ / وخَبَرتُهُ فإذا بشيخٍ أكمَلِ
يَروي حديثَ الأوَّلينَ كأنَّهُ / من عهدِ طَسْمٍ شاهدٌ لم يَغفُلِ
أبصَرتُ مِن ألطافِهِ ما لم يَسعْ / لفظُ الرُواةِ فكانَ ما لم يُنقَلِ
ورأيتُ سِرَّ أبيهِ فيهِ مُصوَّراً / كالشَّخصِ يبدو مِن ورَاءِ سَجنجَلِ
إن لم تُصِبْ قدَمِي الحُلولَ بدارِهِ / فالقلبُ فيها نازلٌ لم يَرحلِ
هيَ أفضَلُ الأوطانِ عندي رُتبةً / ولذاكَ قد خَصَّصتُها بالأفضَلِ
دارٌ بها نَيلُ الفوائدِ والمُنَى / ولها العَوائِدُ في الجميلِ الأجمَلِ
لا غَيَّرَ الرحمنُ عادَتَهُ على / من لم يُغَيِّرْ عادةً لُمؤمِّلِ
قبرٌ لانطونَ ابنِ أرقَشَ مَن قَضَى
قبرٌ لانطونَ ابنِ أرقَشَ مَن قَضَى / غَضَّ الصِّبا كالبدرِ في استقبالهِ
من فوقهِ التأريخُ قال مُنادياً / بدرٌ أتاهُ الخَسْفُ عندَ كمالِهِ
كُنَّا نُؤَمِّلُ أن نُهنِّئ نِعمةً
كُنَّا نُؤَمِّلُ أن نُهنِّئ نِعمةً / فإذا التَّهاني بالتَّعازِ تُبدَّلُ
أخلفتَ ما نرجو وليستْ عادةٌ / لبَنِي الجُبيلي أن يخيبَ مُؤَمِّلُ
ولقد تركتَ العالمَ الفاني لنا / وطَلَبتَ ما يَبقَى وذاكَ الأجملُ
فلكَ الهناءُ كما يؤرَّخُ دائمٌ / إكليلُ ربِّكَ بالسَّعادةِ أفضَلُ
مهلاً بني النَّحلوسِ إنَّ فقيدَكم
مهلاً بني النَّحلوسِ إنَّ فقيدَكم / في أوجِ فِردَوسِ النعيم نزيلُ
ولأجلهِ كَتَبَ المؤرِّخُ حُكمَهُ / في أرفَعِ الدَّرَجاتِ ميخائيلُ
تشكو الكنيسةُ فَقْدَ خُورِيْهَا الذي
تشكو الكنيسةُ فَقْدَ خُورِيْهَا الذي / أمسَى ينوحُ عليهِ صدرُ الهيكلِ
مِن بيتِ رزقِ اللهِ في البرِّ اقتَدَى / بسَمِيِّهِ الخِضْرِ الشَّهيدِ الأفضلِ
أرضَى بسيرتهِ الإلهَ فنالَ ما / يرضاهُ في دارِ النَّعيمِ الأجملِ
وهُنالِكَ التأريخُ جاءَ مُنادياً / حُزتَ الرِّضَى يا كاهِنَ اللهِ العَلِي