القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 13
أعزيزَ بغدادٍ أعِدْ نظَراً لنا
أعزيزَ بغدادٍ أعِدْ نظَراً لنا / فلقد سَمعْتَ عزيزَ مصْرٍ ما فَعَلْ
ولقد أبَى دِينٌ غَدوْتَ عَزيزَه / أن تُستضامَ رجالُه أو تُستذَلْ
ولنا حُقوقٌ إن لحَظْتَ وكيدةٌ / سيَما ولاحِقُها بسابقها اتَّصَل
حَقّانِ قد وجَبا عليكَ فسالفاً / حَقُّ الودادِ وآنِفاً حقُّ الأمَل
فامنُنْ وأوْفِ لنا بِملْءِ رَجائنا / كَيْلاً لعَمْري فيه قَبلَك لم يُكَل
إنّا لنسأَلُ منك مَنْ في طَبْعهِ / أن يَبْتدي كَرماً وإن هو لم يُسَل
وأقَلُّ فِكْرِك في أجلِّ أُمورِنا / كافٍ ولكنْ هل لنا ذاك الأقَلّ
خَلَلاً إليك وخَلّةً نشكو فمُرْ / بسَدادِ خَلَّتِنا وتَسديدِ الخَلَل
فالدّهرُ كالقلَمِ الّذي لكَ طاعةً / ما قُلتَ قامَ برأْسهِ لك وامتْثَل
جِئْنا نُحاكِمهُ إليك فلا تَمِلْ / ونُطيلُ شَكواهُ عليكَ فلا تَمَلّ
زمَنٌ أطاعَك فاعتلَى بك قَدْرُه / لِمْ صار يَقْصِدُنا ونحن لك الخَوَل
حُيّيِتَ غَيثَ فضائلٍ وفَواضِلٍ / ما شِيمَ بَرقُ سَحابهِ إلاّ هَطَل
مَولىً إذا كَفَلَتْ عِنايتُه بنا / نِلْنا المُنَى كَمَلاً وإلاَّ لم نَنَل
مُذْ صِرْتُ مُتَّكِلاً عليه غَفلْتُ عن / نَفْسي إليه وقلتُ نِعْمَ المُتَّكَل
فكأنّني بحَوائجي مَقْضِيّةً / مَقْطورةً تَسري إليَّ على عَجَل
مَزْفوفةٌ مثْلَ العَرائسِ أصبحَتْ / في الحَلْي نَجلوها عليك وفي الحُلَل
يا مالِكي بشَمائلٍ كَمُلَتْ له / لمّا رأَى صَدْري على الوُدِّ اشْتَمل
كَرمٌ إكْرامٌ لدَيك ولم يَزَلْ / وَحْشُ المَوَدّةِ بالكَرامةِ يُحتْبَل
فابْسُطْ على الإخْلالِ عُذْرَ مُقَصِّرٍ / فبِواجِب الإخلاصِ يوماً ما أخَلْ
إن لم يكُنْ لك باللّقاء مُواصلاً / فالمُتبغَى منه الدُّعاءُ وقد وَصَل
لو غابَ عنك لِنَظْمِ مَدْحِك غَيْبةً / قَعَدَتْ به فاعْذِرْ فَعنْك بهِ اشْتغَل
أبَتِ المدائحُ أَن تَزيدَكَ رتْبةً / حتّى لصارَ لك التّحلّي كالعَطَل
فُتَّ المدائحَ بالمَنائح واغْتدَى / بكَلامِنا وكِرامِنا منها خَجَل
فإذا منَنْتَ فَعَلْتَ ما لَم يَفْعلوا / وإذا شكَرْنا لم نَقُلْ ما لم يُقَل
قسَماً لأنتَ أجَلُّ مَن ألِفَ النَّدى / خُلُقاً فحُلَّ من العُلا أعلَى مَحَلّ
وهواكَ عندي مثْلُ شِعرٍ قُلتُه / فإذا ادَّعاهُ سِوايَ قلتُ قد انْتحَل
ووُقوفُ أَمْري فوقَ هذا رُبّما / سَمِعَ الحسودُ به ومَنْ يَسمَعْ يَخَل
دُمْ دِيمةً للجودِ واحْيَ حياً له / في ظلّ إقبال وعزٍّ مُقْتَبَل
كالشّمسِ لا كالبَدْرِ يَطلُعُ دائماً / فالبَدْرُ يَنقُصُ كُلّما قالوا كَمَل
في دَولةٍ مَوْعودةٍ بدَوامها / مَحْسودةٍ أيّامُها بَينَ الدُّوَل
هو ما عَلِمْتِ فأقْصري أو فاعْذُلِي
هو ما عَلِمْتِ فأقْصري أو فاعْذُلِي / وتَرقَّبي عن أيّ عُقْبَى تَنْجَلي
لا عارَ إنْ عَطلَتْ يدايَ من الغنَى / كم سابقٍ في الخيلِ غيرِ مُحجَّل
صانَ اللّئيمُ وصُنتُ وَجْهي ما لَهُ / دُوني فلم يَبذُلْ ولم أتبَذَّل
أبكي لهمٍ ضافَني مُتأوّباً / إنّ الدُّموعَ قِرَى الهمومِ النُّزَّل
ذهَب الّذينَ صَحبْتُهمْ فوجَدْتُهمْ / سُحُبَ المُؤمِّلِ أنجمَ المُتأمِّل
وبُلِيتُ بعدَهُمُ بكلِّ مُذَمَّمٍ / لا مُجمِلٍ طَبْعاً ولا مُتَجمِّل
فاقْنَيْ حَياءكِ يا أميمة واتْرُكي / لَوْمي وحُلّي من عقاليَ أرحُلِ
لا تُنكري شَيباً ألمَّ بمَفرِقي / عَجِلاً كأنّ سَناهُ سَلّةُ مُنْصل
فلقد دُفِعْتُ إلى الهمومِ تَنوبُني / منها ثلاثُ شدائدٍ جُمِّعْنَ لي
أسَفٌ على ماضي الزّمان وحَيْرةٌ / في الحالِ منه وخَشيةُ المُستَقْبَل
ما إن وصَلْتُ إلى زمانٍ آخِرٍ / إلاّ بكَيْتُ على الزّمانِ الأوّل
للهِ عَهْدٌ بالحِمَى لم أنْسَه / أيّامَ أعصي في الصَّبابةِ عُذَّلي
كم رُعْتُ هذا الحَيَّ إمّا زائراً / فَرْداً وإما ثائراً في جَحْفَل
فأسَرْتُ آساداً غِضاباً منهمُ / ورجَعْتُ من أسْرَى غزالٍ أكْحَل
وهَززْتُ أعطافَ الصَّباحِ إليهمُ / في مَتْنِ لَيلٍ بالنّهارِ مُخَلْخَل
جَذْلانَ يَنتصِبُ انتصابَ المَجْدَلِ ال / عالي ويَنقَضُّ انقضاضَ الأجْدَل
ويَهُزُّ جِيداً كالقناةِ يَنوطُه / بحَديدِ أُذْنٍ كالسِّنانِ مُؤلَّل
وتَخالُ غُرّتَهُ سُطوعَ ذُبالةٍ / طَلعتْ بها ليلاً ذُؤابةُ يَذْبُل
وكأنّ خَطْفَ يَمينه وشِماله / مَسْرَى جَنوبِ بالفلاةِ وشَمْأل
قَلّدْتُه ثِنْيَ العِنانِ فطارَ بي / مَرَّ الشّهابِ يقُدُّ ليلَ القَسطَل
في غِلمةٍ لَفُّوا نَواصيَ خَيلِهم / شُعْثاً بأطرافِ الوَشيج الذُّبَّل
وكأنّ صُبحاً سائلاً من أوجُهٍ / منها أصابَ قَرارةً في أرْجُل
أرمي بها دارَ العَدوّ وفي الحَشا / لِهوَى الأحبّةِ غُلّةً لم تُبْلَل
ومدِلّةٍ بالحُسْنِ لا تُبدي الرِّضا / حتّى أُحكّم سَهْمَها في مَقْتلي
رَحَلَتْ ونابَ خيالُها في ناظري / عن وَجْهها فكأنّها لم تَرْحَل
وأبَى خَلاصيَ من طويلِ عَذابِها / قلْبٌ متى يَعِدِ التَّسلّيَ يَمْطُل
لو قَبْلَ أن عَلِقَ الفؤادُ بحُبِّكمْ / يا سادتي لم تَعْدِلوا لم نَعْذُل
لكنْ ملكتُمْ بالغرامِ قُلوبَنا / فاليومَ إن لم تُجْمِلوا لم يَجْمُل
فلأسْمُونَّ إلى العَلاء بهِمّةٍ / طَمّاحةٍ تَرمي الكواكبَ من عَل
والنَّفْسُ في الوطَنِ الذي نشأَتْ به / كالسّيفِ يُسأمُ في يَمينِ الصَّيقَل
وعَصائبٍ لاثوا العَصائبَ للسُّرى / مُتَرنِّحِينَ على فُروعِ الأرحُل
يَطْوي الفلا زَجَلُ الحُداةِ وراءهمْ / بمُهَجِّراتٍ ظلُّها لم يَفْضُل
أقبلْنَ من شَرَفِ العُذَيبِ بَواكراً / والفَجْرُ مثلُ صَفيحةٍ لم تُصقَل
وكَرعْنَ من ماء النُّقَيْبِ عَشيّةً / واللّيلُ جَفْنٌ بالدُّجَى لم يُكْحَل
وذرَعْنَ عَرْضَ البِيدِ طائشةَ الخُطا / بأخي عَزائمَ في البلادِ مُجَوِّل
ما زوّد الأحبابَ منه تَعلُّلاً / إلاّ وَداعَ الظّاعنِ المُتَحمِّل
وسَما للَثْمِ يد المُوفَّقِ إنّه / سَببُ العلاء فعافَ كُلَّ مُقَبِّل
لأَغرَّ من عُلْيا بَجيلةَ ماجدٍ / بادي المَهابةِ في النُّفوسِ مُبَجَّل
خَضِلُ الأنامل ما تَزالُ يَمينُه / مَوصولةً بتَطاوُلٍ وتَطَوُّل
يَعْفو عنِ الجاني وإن لم يَعتَذِرْ / ويَجودُ للعافي وإنْ لم يُسأَل
ويُشنِّفُ الأسماعَ بارعُ مَنطِقٍ / يَثْني زِمامَ الرّاكبِ المُستَعْجِل
لَفَظ اللآلئَ منه زاخِرُ صَدره / والدُّرُّ يعدَمُ في مَضيقِ الجَدول
وعَجبْتُ من قلَمٍ بكفِّكِ كيف لم / يُورِقْ بأدْنى لَمْسِ تلك الأنْمُل
ما بينَ طَبْعٍ مثلِ ماءٍ قاطرٍ / جَرْياً وذهْنٍ كالحريقِ المُشْعَل
وتَقاوُمُ الضِّدَّيْنِ في جسمٍ معاً / سَبَبُ البقاء على المِزاجِ الأعْدل
لك عن حِماكَ دفاعُ لَيْثٍ مُشبِلٍ / ولِمَنْ رجَاك قطارُ غَيْثٍ مُسْبِل
فأعِنْ على حَربِ الدُّهورِ مُؤازِراً / فلقد أنخْنَ على الكرامِ بِكَلْكَل
فتَنٌ علا فيها الزّمانُ بعُصْبَةٍ / وسيَرجعونَ إلى الحَضيض فأمْهل
وإذا انتَهى مَجْرَى الخُيولِ وكُفَّ من / غُلَوائها انحَطَّ القَتامُ المُعْتلَي
أصبحْتَ للعلياء أكرمَ خاطِبٍ / وذُراكَ في اللأواءِ أمنَعُ مَعْقِل
غَوْثُ الأفاضلِ في زمانِ أراذِلٍ / فكأنّه عَلَمٌ أُقيمَ بمَجْهَل
فامْنُنْ عليّ بفَضْلِ جاهِك إنّه / قَمِنٌ بإطْلاعِ الحُقوقِ الأُفَّل
فقدِ امتُحِنْتُ معُ العُداةِ بمَنْزلٍ / لا مُمكِنِ المَثْوَى ولا المُتَحوَّل
في عُصبةٍ هَجَروا النّدى فديارُهمْ / للطّارقينَ قليلةُ المُتَعلَّل
بَعُدَتْ طرائقُهْم وقَلَّ سائلي / وعِلاجُ غَوْرِ الماء وَصْلُ الأحْبُل
فاشفَعْ إلى كرمِ الصَّفيِّ فإنّه / بيدَيْكَ مِفتاحُ النّجاح المُقْفَل
فَهو الّذي أَضحَتْ مَواهبُ كفِّه / كالشّمسِ إن يُشْرِقْ سَناها يَشْمَل
لا غَرْوَ إن صدَقَتْ ظُنوني بَعدَما / عَلِقَتْ يدي بالفاضلِ المُتفَضَّل
فأجِبْ وإن صَمَّ اللّئامُ فإنّما / حُمِد القِرىَ في كُلِّ عامٍ مُمحِل
وتَهنَّ عيداً مُقْبلاً وافاك بالنْ / نُعْمَى وعشْ في ظلِّ جَدٍّ مُقْبِل
غيرُ العِدا بسيُوفِكُنَّ قَتيلُ
غيرُ العِدا بسيُوفِكُنَّ قَتيلُ / وعُيُونُكُنَّ الصّارِمُ المَسْلولُ
أنّي لبِيضِ الهِنْدِ وهْي حَديدةٌ / فَتَكاتُ ذاكَ الطَّرْفِ وهْو كَليل
بأبي ظِباءَ ربيعةٍ من عامرٍ / سُقْمي لطَرْفِ عُيونها مَنْحول
تَجْنِي فَيَسلَمُ قَلْبُ مَنْ حارَبْنَه / وفؤادُ مَن سالَمْنَه مَقْتول
يا مُقلةً نَجلاءَ كُلُّ دمٍ بها / مِمّا سَفَكْتِ فإنّه مَطْلول
لو أَنَّ حَيَّكِ يَطبَعونَ سُيوفَهم / من لَحْظِ عَيْنِكِ ما عَصاهُ قَبيل
فسقَى ديارَكُمُ بشَرقِيِّ الحِمَى / وَطْفاءُ عَقْدُ نِطاقِها مَحْلول
صَيَّرْتُ كُلَّ العالَمين مُخالِفي / حَسَداً عليكِ فما إليكِ رَسول
وسَبِقتَ من شَوْقٍ إلى عَيْني الكَرَى / عَجَباً وأنت من الظِّباءِ خَذول
أُحْيِى وأَقتُلُ بِالهمومِ وبالمُنَى / لَيْلِي فَيقْصُرُ ساعةً ويَطول
تَعِسَ العَواذلُ كيف يَسْلو عن هوىً / قلبٌ عليه معَ الصِّبا مَجْبول
يا آمِري بالصّبْرِ عنه تَجَمُّلاً / الصَّبْرُ عن غيرِ الحَبيبِ جَميل
إنّي سمَحْتُ له بقلبي طائعاً / يا لائِمينَ فأقصِروا وأَطِيلوا
أَوَ ليس تاجُ المُلْكِ من آدابِه / أَلاّ يُطاعَ على السَّماحِ عَذول
وهْو الإمامُ المُقتدَى بفعالِه / وهْو الهمامُ المُتّقي المَأْمُول
إنْ كان جادَ به الزّمانُ فإنَّه / بجَوادِ آخَرَ مِثْلِه لَبَخيل
قُلْ في الورَى طُرّاً إذا استَثْنَيْتَه / القولُ جَمٌّ والفعالُ قليلُ
أمُصرِّفَ الأقلامِ وهْي دقيقةٌ / يَكْفي بهنَّ الخَطْبَ وهْو جليل
وتَنالُ مَهْما شئْتَ وهْي قَصيرةٌ / ما لا يَنالُ الرُّمْحُ وهْو طَويل
لو لم يكُنْ مَرَضُ القنا حسَداً لها / ما نالَ منْ أجسامهنَّ ذُبول
الخاطباتُ المُوجِزاتُ إذا جَرَتْ / كَلماتُها دُوَلُ الملوك تَدول
هُنَّ الفُصولُ فإنْ أخَذْنَ مآخذاً / من قَلْبِ مَن يَشْناكَ فهْي نُصول
فلْيَشْكُرَنَّ صَنيعَكَ المُلْكُ الّذي / أَبرمْتَه بالرَّأْيِ وهْو سَحيل
حَقّاً أقولُ لقد نصَحْتَ لرَبِّه / إن كانَ يَنْصَحُ للخليلِ خليل
شكَر الرَّعيّةُ منكَ سَعْىَ مُوفَّقٍ / ما زالَ يَفْعَلُ صالحاً ويَقول
أَقْوالُه نَعَمٌ وأيْسَرُ بَذْله / سَرَفٌ وجُلُّ عقابِه تَحْليل
ففِداءُ مَجْدِك حاسِدوه فإنّهمْ / يَرجونَ أمراً ما إليه سَبيل
مُتتبِّعوكَ وما رأَوْا لكَ عَثْرةً / ويُواصلونَ عِثارَهمْ وتُقيل
طلَبوا مكانَك ضِلّةً وجَهالةً / والنّاسُ منهمْ عالِمٌ وجَهول
ولعلَّهمْ عَلموا بأنّك للعُلا / أَولَى ولكنَّ المُنَى تَعْليل
كم مَوقفٍ دونَ العَلاء وقَفْتَه / والخَيلُ بالأَسلِ الطِّوالِ تَصول
النَّقْعُ يَعلو والفَوارسُ تَدَّعى / والبيضُ تَبرُقُ والعِتاقُ تَجول
والأُفْقُ في شَفَقٍ منَ الدَّمِ مَدَّهُ / يَومٌ كأنَّ ضُحاهُ منه أَصيل
وعلى أُسودِ الرَّوْعِ كُلُّ مُضاعَفٍ / يَلْوي بحَدِّ السّيْفِ وهْو صَقيل
حَلَقٌ كما اطّردَ الغديرُ حَبابُه / نَسَقٌ وضاحي مَتْنِه مَشْمول
لمّا بَرزْتَ تَضعْضعَتْ أركانُها / فالخَيلُ زُورٌ والفوارسُ مِيل
والرُعْبُ قَصَّر خَطْوَ كُلِّ مُطَهّمٍ / فكأنّه بحُجولهِ مَشْكول
فَلَّ الصُّفوفَ وأثبتَتْها حَيرةٌ / حتّى شَككْنا أنّهُنَّ فُلول
وجلا ضَبابتَها بنُور جَبينِه / مَلِكٌ لِما صانَ اللّئامُ يُذيل
في سَرْجِ لاطمةِ الثّرَى بسَنابكٍ / تَذَرُ الحُزونَ بِهِنَّ وهْي سُهول
تطَأُ الشِّفاهَ منَ الملوكِ كأنّه / منها لحافرِ مُهْرِه تَقْبيل
حتّى رجَعْتَ بهِنَّ من أَعطافها / وَطْءٌ على كَبِدِ الحَسودِ ثَقيل
ولقد مَنحْتَ النّهرَ منها ساعةً / وذخَرْتَ أُخْرَى يَبْتليها النِّيل
ويَداكَ يا ذا الجُودِ أجْرَى منْهما / بقَناكَ تَطعَنُ أو قِراكَ تُنيل
أأبا الغَنائمِ دَعوةً من خادمٍ / لو كان يُدْنيهِ إليكَ قَبول
أوَ لسْتُ سابقَ حَلْبةِ الشِّعْرِ الّذي / أرضاكَ منه منَ المديحِ صَهيل
عُطْلاً منَ التّشْريفِ حتّى ليس لي / لا غُرَّةٌ منه ولا تَحْجيل
عِشْ ألفَ عامٍ ناعماً في دَولةٍ / مَدَدُ النّماءِ بسَعْدِها مَوْصول
إن صالَ جَدُّكَ بالسُّعود على العِدا / فأَشَدُّ ممّا صالَ ما سيَصول
إنّ الخَميسَ يكونُ أوّلَ طالعٍ / منه على عَيْنِ العَدُوِّ رَعيل
خَفِّضْ عليكَ وإنْ أطَلْتَ تأَمُّلا
خَفِّضْ عليكَ وإنْ أطَلْتَ تأَمُّلا / فلقد عذَلْتَ من الرّجالِ مُعذَّلا
أعياكَ إسْعادي فصِرْتَ مُعنِّفي / ليتَ الّذي عدَم الجَميلَ تَجمَّلا
ماذا تُريدُ إلى رَدِيِّ مَطالِبٍ / مُنِعَ الرِّضا من حاجةٍ فتَعلّلا
ما لي شكَوتُ إليك نارَ جوانِحي / لتكونَ مُطفِئَها فكنتَ المُشْعِلا
دَعْني وأطماري أَجُرُّ ذُيولَها / وأُنَزِّهُ الدِّيباجتَيْنِ عنِ البِلى
أنا صائنٌ وَجْهي وإنْ صفِرَتْ يَدي / كم من أَغَرَّ ولا يكونُ مُحَجَّلا
إنّا على عَضِّ الزَّمانِ لَمَعشرٌ / من دونِ ماءِ وجُوهنا ماءُ الطُّلى
ذهَب البخيلُ يَصونُ فَضْلَ ثَرائه / ويَسومُ عِرْضَ الحُرِّ أنْ يتَبذّلا
هيهاتَ مدَّ يَدٍ إلى ما عندَه / إلاّ إذا صَحِبَتْ إليه مُنْصُلا
هو ما عَلِمْتَ من الزّمانِ فَخلِّني / يا لائمي إنّ الكريمَ لَيُبتَلى
ولئنْ شكَوْتُ لأشكُوَنَّ تَعلُّلاً / ولئن صَبَرْتُ لأَصبِرَنَّ تَجَمُّلا
ولئن طَلَبْتُ لأَطلُبَنَّ عظيمةً / تُشْجي العِدا ولأَعصِيَنّ العُذَّلا
هِيَ حليةُ الأَدبِ الّتي مُلِّكْتُها / فقضَتْ عَليَّ منَ الغنى أن أعطَلا
فلْيَجْهلَنَّ على اللّيالي آنِفاً / فَتْكي وغايةُ عالمٍ أن يَجْهَلا
بظُبىً يَمانيَةِ النِّجارِ وفِتْيَةٍ / بيضٍ كذاكَ يُناسبونَ الأنْصُلا
آدابُهمْ وَصْلُ الصّوارِمِ بالخُطا / في الرَّوْعِ أو مَشْقُ الأسنّةِ في الكُلى
ما للمُسائلِ عندَهمْ إلاّ الّذي ال / جَحّافُ قام به يُجيبُ الأخطَلا
وهَبوا التّقيّةَ للنّصيحِ وأصبَحوا / أتباعَ ما طلَبوه كيف تَخَيّلا
ومضَوا وشَوكُ السَّمهَريِّ طَريقُهمْ / فعَلَوْا مِن المَجْدِ اليَفاعَ الأَطْولا
بَيْتاً بأشطانِ الرّماحِ مُطنَّباً / ويَنْسج أيدي المُقْرَباتِ مُظَلَّلا
من كلِّ مُستَبِقِ اليدَيْنِ إلى الظُّبَى / طَرِباً إلى يومِ الوغَى مُستَعجِلا
ويَخالُ مُحْمَرَّ الصّفائحِ وجْنةً / ويَعُدُّ سَمراءَ الوشيجِ مُقَبَّلا
حَنِقٌ إذا رَكِبَ اليَمينَ حُسامُه / للقِرْنِ لاحظَ رأسَه فتَرجّلا
هانَتْ مَنِيَّتُه عليه لعزِّه / فأبَى لضَيْمِ الدَّهْرِ أن يتَحَمّلا
قَومٌ إذا إبتَدروا الوغَى عَصَفَتْ بهمْ / جُرْدٌ تُصافحُها النُّسورُ على المَلا
قَيْدُ الأوابدِ والنّواظرِ كُلّما / طلعتْ عليها سُبَّقاً أو مُثَّلا
من طُولِ ما اجتَبْنَ الحديدَ وخُضْنَه / في الرَّوعِ بَرْقَعَها سَناهُ وخَلْخلا
وكأنّ صُبْحاً سال من جَبهاتِها / صَبَباً فكان له القَرارُ الأرجُلا
من كلِّ ذي مَرَحٍ يُلاعِبُ عِطْفَهُ / ويَهُمُّ من جَنْبَيْهِ أن يَتَسَلّلا
طَوْعُ الفتَى إن شاء يَنْصِبُ مِجْدلاً / من شَخْصيِه أو شاء يُطلِقُ أَجْدَلا
جَذْلانُ يَحْجُبُ شَطْرَهُ عن شَطْرِهِ / طُولاً أُتمَّ له وعَرْضاً أُكمِلا
فكأنّما يَكبُو إذا استَدْبَرْتَه / وكأنّما يُقْعي إذا ما اسْتُقْبِلا
ويَهُزُّ جيداً كالقناةِ مُرنَّحاً / ويُديرُ سَمْعاً كالسّنانِ مُؤلَّلا
فإذا دنا فجَع الغزالَ بأُمّه / وإذا رنا خطفَ الظّليمَ المُجْفِلا
فيَفوتُ مَطْرَحَ طَرْفه مُتَرفِّعاً / ويَجيءُ سابقَ ظلِّه مُتَمهِّلا
وتَخالُ منه صاعِداً أو هابِطاً / سَجْلاً هَوى مَلآن أو سَهْماً عَلا
وأَغرَّ في ثِنْيِ العِنانِ مُحَجَّلٌ / فتخالُ يومَ وغاهُ فيه مُثِّلا
إمّا كُمَيْتٍ في قُنُوِّ أَديمه / يَحْكي سَميَّتَه الرَّحيقَ السَّلْسَلا
عَلِقَتْ به من ضوءِ صُبْحٍ قُرْحَةٌ / وأُعيرَ من لَيلٍ قِناعاً مُسْبَلا
فَتراهُ بحراً والجبينَ ذُبالةٍ / ويَديْهِ ريحاً والحوافرَ جَنْدَلا
أو أشْقرٍ ذي غُرّةٍ فكأنّهُ / شَفقُ المَغاربِ بالهلالِ تَكَلّلا
وكأنّه قد دُرّعَ النّارَ الّتي / قدحَتْ سَنابِكُه النّواهِبُ للفلا
يَرتدُّ خَدُّ السّيفِ مِنه مُورَّداً / عَكْساً وطَرْفُ الشّمسِ منه مُكَحَّلا
أو أشْهَبٍ يَحْكي الشّهابَ إذا سرَى / يَجتابُ تحت النّقعِ لَيلاً ألْيَلا
ربِذٌ إذا ما الحُضْرُ زَلزلَ أَرضَه / أَهْوَى يَفوتُ النّاظرَ المُتَأمِّلا
أو أدهمٍ قَرَنَ الحُجولَ بغُرّةٍ / لَطَمتْ له وجْهاً كريمَ المُجتَلى
فظَننْتَ جَوناً ذا بَوارِقَ مُرعِداً / وحَسِبْتَ لَيْلاً ذا كواكبَ مُقْبِلا
سَلَت الأكارعُ صِبْغَها كمُظاهرٍ / بُردَيْنِ شَمَّر ذا وهذا ذَيَّلا
لَبِسَ السّوادَ على البياضِ فَراقَنا / أنْ قلَّص الأعلَى وأرخَى الأسفَلا
كدُجُنّةٍ صَقلَتْ دَرارِيَ جَمّةً / ومُحِدَّةٍ كشفَتْ مَحاسِرَ نُصَّلا
أو أصفَرٍ كالتِّبْر يأبَى عزُّه / ألاّ يُحاكيَ لونَه أنْ يُنْعَلا
تَدْنو خُطا فَرَسِ المُسابِقِ خَلْفَه / فتَخالُه بحُجوله مُتَشكِّلا
أو أبلَقٍ يَسْبِي العيونَ إذا بدا / من تحتِ فارسهِ الكَمِيّ مُجَوِّلا
مثْلِ الجَهامِ تَشقَّقتْ أحضانه / بَرْقاً وراح له شَمالُك شَمْألا
وكأنّ خَيْطَيْ لَيله ونهارِه / قد قُطِّعَا مزَقاً عليه ووُصِّلا
فبِمثْلهِنّ ومثْلِهم أَرمي العِدا / وبركضهِنّ وضَرْبهم أَبغي العُلا
كم ذا المُقامُ على الخُمولِ تَلوُّماً / والدّهرُ مُبلِغُ طالبٍ ما أَمَّلا
فدَعِ العقيلةَ للثّواءِ وقُلْ لها / حُلِّي عقالَ مطيّتي لا عن قِلى
أَلِفَتْ مُقاميَ أصفهانُ فأنشبَتْ / لهَواتِها من دُونِ أن أتَرحَّلا
لا أستطيعُ تَسلُّلاً من أرضِها / حتّى كأنّي في لسانِك قولُ لا
وهو المُملِّكُ للكلامِ عنانَهَ / وهو المُطَبِّقُ في البيانِ المَفْصِلا
يا مَنْ تَقابَل في العُلا أطْرافُه / حتّى تَوسّطَها مُعَمّاً مُخْوَلا
وتَناصفَتْ آدابُه وعُلومُه / فأتَى لكُلٍّ حائزاً مُستَكْمِلا
فخَرتْ بكَ الأقلامُ إذا قَلّبتَها / فكأنّما خُلِقَتْ لِكفِّكَ أنْمُلا
من كلِّ مُنسكِبِ النّوالِ كأنّه / من بَحرِها الفَيّاضِ يَخْلُجُ جَدْولا
رَطْبِ اللّسانِ يَبُثُّ سرّاً كامِناً / خِلْوِ الجَنانِ يَحُثُّ دَمعاً مُسبَلا
ذي مُقْلةٍ عَجَبٍ لها من طرْسه / وَجْهٌ إذا انْهلّتْ عليه تَهلّلا
يا فخْرَ كُتّابِ الزّمانِ دُعاءَ مَنْ / ألقَتْ نوائبُه عليه كلْكَلا
قد غبْتُ حَوْلاً ثُمّ جئتُ مُكلِّفاً / ولربّما ثَقُلَ الجليسُ وثَقّلا
وأنا الّذي إمّا تُلمُّ مُلِمّةٌ / لم تُلْفني إلاّ عليكَ مُعَوِّلا
فاطْلُعْ مدَى الأيّامِ شَمْسَ مَكارمٍ / تُنْسي الأنامَ نُجومَهُنَّ الأُفّلا
واسمَعْ مُحبَّرةً نفَثْتُ بها وإنْ / أضحَتْ تَقلُّ لديكَ أن تُتأَمَّلا
لا يَمنعَنَّ كثيرُ ما أُوتيتَهُ / لقليلِ ما أَهدَيْتُ أن تَتقَبّلا
فالمَجْدُ لا يَرضَى بفَضْلك وَحْدَه / حتّى تكونَ الفاضِلَ المُتفَضّلا
واعذِرْ على جُهْدِ المُقلِّ فإنّ لي / طَبْعاً إذا نسَج المدائحَ هَلْهَلا
فلقد بُلِيُت منَ الزّمانِ بعُصْبةٍ / فَقَدوا وحاشاكَ الكريمَ المُفْضِلا
شِعْري كمِرآةِ القبيحةِ عندَهمْ / فلذاك أمنَعُ خاطري أن يَصْقُلا
قسَماً لقد رجَعَ النَّسيمُ عليلاً
قسَماً لقد رجَعَ النَّسيمُ عليلاً / لمّا سرَى منّي إليكِ رَسولا
فأتَى لبَرْحِ هَواكِ وهْو مرَدِّدٌ / نفَساً يُسارِقُه الأنامَ طويلا
ورأى لحُبّكِ أنّه قد خانَني / فمضَى يَجُرُّ منَ الحياء ذُيولا
مسَح الدُّموعَ عنِ الجفونِ مُغالطاً / لكنْ رأَيْنا جَيْبَهُ مَبْلولا
أفبَعْدَ ما نَمّت به أنفاسُه / أبْغي على الغَدَراتِ منه دَليلا
لو لم يَنَلْ من فَضْلِ صُدغك جَذْبةً / لم يُهْدِ نَشْرَكِ للرّياضِ أصيلا
أوَ كُلّما بعث المُحبُّ رِسالةً / رجَع الرّسولُ بنَفْسِه مَشْغولا
سأعيشُ فرداً ما أُريدُ مُساعِداً / مِمّا أَرى أهْلَ الوفاء قليلا
فلَوِ استطعتُ وما استطاعةُ مُغرَمٍ / لجعَلْتُ جَفْنَكِ بالسُّهادِ كَحيلا
ومنَعْتُ طَيْفي أن يَزورَكِ خِيفةً / من أن يَخونَ كَغيْرِه ويَحولا
بل لو أذِنْتِ وقد بقيتُ منَ الضَّنى / شبَحاً لكنتُ من الخيالِ بديلا
ولَجُزْتُ ساحةَ حيِّكمْ فطرقتُكمْ / مزُوراً ولم تَرَني العيونُ نُحولا
عجباً عجِبْتُ من النّسيم إذا سرَى / واللّيلُ قد أرخَى عليه سُدولا
مَغْبوقُ كأسِ هوىً أتاني عاثراً / في ذَيْلهِ سُكراً يَميلُ مَميلا
يَشكو إليَّ من الهوَى ما نالَه / وأبَى غَريقٌ أن يُغيثَ بلييلا
أصَباً تُسمَّى الآنَ أم صَبّاً فقد / شَملَ السّقامُ لنا الجسومَ شُمولا
لئن سَقُمْتُ لمَا صَبوْتُ إليهمُ / إلاّ وجَدْتُ على البعادِ سَبيلا
فارحَمْ فتىً أحبابهُ في قلبه / وإلى وصالٍ لا يُطيقُ وُصولا
أأحِبَّتي والعَيشُ مُذْ فارقْتُكمْ / قد حال عن عَهْدِ الصّفاء حُؤولا
كانت غَمامةُ شَمْلِنا مَجْنوبةً / زمَناً فعادَ سَحابُه مَشْمولا
وأضافَنا الدَّهْرُ البخيلُ بقُربِكمْ / فرأى قليلَ ثَوائنا مَمْلولا
لا أَدَّعي جَوْرَ الزّمانِ ولا أَرى / لَيْلي يَزيدُ على اللّيالي طُولا
لكنّ مِرآةَ الصّباح تَنفُّسي / لِلهمِّ أصدأَ وَجْهَها المَصْقولا
حتّى اكتحَلْتُ بنُورِ غرّةِ قادمِ / عَزَمتْ به عنّي الهمومُ رحيلا
رُكْنٌ لدينِ اللهِ يأبَى عِزُّه / أن يستطيعَ له العِدا تَزْييلا
سائلْ مَعاهِدَ أصفهانَ أما اسْتفَتْ / ولقد رأتْ باليُمْنِ منه قُفولا
كاللّيثِ فارقَ لاقْتناصٍ غِيلَهُ / ثمّ انثنَى جَذِلاً يَحُلُّ الغِيلا
ظُفْرٌ له ظَفَرٌ ونابٌ ما نَبا / حتّى أعادَ عَدُوَّه مَأكولا
تاللهِ لو قَدرتْ غداةَ قُدومِه / طَرباً تلَقّتْه المَنابِرُ مِيلا
وغداً ستُورِقُ تَحته أعوادُها / حتّى تُظَلِّلَ صَحْبَه تَظْليلا
فرَشوا بديباجِ الخُدودِ طَريقَه / حُبّاً غدا لِمَصونِهنَّ مُذِيلا
ولوِ استُطيعَ لكان سَرْجُ حِصانِه / عِزّاً على حَدَقِ الورَى مَحْمولا
يَومٌ كأنّ اللهَ بَثَّ جُنودَه / للحَقِّ فيه منَ الضَّلالِ مُديلا
وتَملَّك الإعظامُ أَلسنةَ الورى / فسَماعُك التّكبيرَ والتَّهْليلا
والشّمسُ من خَلَلِ الغمامِ تُري الورى / طَرْفاً وقد جَنح الأصيلُ كليلا
كمَطارِ دينارٍ نفَتْه أكُفُّهِمْ / صُعُداً فحَلّق ثُمّ جَدَّ نُزولا
من بَعضِ ما نثَرتْ له أيدي الورى / حتّى حَكَى غَيْثاً عليهِ هَمولا
حتّى لكادَتْ أن تُجِدَّ خِلالَها / شمسُ المغاربِ في الأكُفُ أُفولا
وبدا الإمامُ ابنُ الإمامِ مُبوِّئاً / ظِلاًّ بنَتْه المُقرْبَاتُ ظليلا
عَقَدَ الجلالُ عليه تاجَ كرامةٍ / للمُلْكِ كَلّلَه به تَكْليلا
تُركيُّ تاجٍ قد تَغرَّبَ للعُلا / فغدا على العَربِيِّ منه نَزيلا
لثَم العِمامةَ مُقتنِعاً به / فَخْراً وبَجّل رأسَه تَبْجيلا
وكأنّما قد كانَ أَقسَم جاهداً / قسَماً فجاء كطالبٍ تَقْبيلا
لِترَى ولو يَوماً عُيونُ النّاس مِن / قَمرِ العلاء نُزولَه الإكليلا
فلْيَهْنِ ذا التّاجَيْنِ أنّ جَمالَه / لَهُما أفادا وَجْهَه التّجْميلا
وأُعيرَ مَنْكِبُه قَباءً فابْتَنى / مَجْداً لأتراكِ الزّمانِ أثيلا
كالغِمدِ رُدَّ على حُسامٍ صارمٍ / ما زال مَتْنُ العِرْضِ منه صقيلا
رُكْنٌ طُوالَ الدَّهْرِ كان مَصونُه / لِلّثْمِ لا عن ذِلّةٍ مَبْذولا
والبِيضُ مُغمدَةً ومُصلَتةً معاً / مَثُلَتْ له حَولَ الرِّكابِ مُثولا
وكأنّما الرُّمْحانِ لمّا ذَيَّلا / بُردَيْهما من خَلْفِه تَذْييلا
غُصْنا عَلاءٍ مُزْهِرٍ طَرفَاهُما / ظَمِئا فقاما يَشْكُوانِ ذُبولا
فكَسا ورُودُهما اخْضِراراً أنّه / صَحِبا غَماماً من نَداهُ هَطولا
وتَجشّمَتْ هُوجُ الرّياح عَواصِفاً / من بَعْدِ ما قِيدَتْ إليه خُيولا
من كُلِّ أَشهبَ ساطعٍ أنوارُه / كالصُّبْحِ إلاّ ناظِراً مَكْحولا
أو كُلِّ أدْهَمَ حالكٍ جِلْبابُه / كاللّيْلِ إلاّ غُرّةً وحُجولا
لمّا امتطاهُ طارَ نَسْرُ سَمائه / يَبْغي له تحتَ النُّسورِ مَقيلا
أقسَمْتُ ما لُوِيَ الحديد به ولا / جَعلوا لرِجْلِ جَوادِه تَنْعيلا
لكنّما ذاك الهلالُ وقد سَما / يُهْدي لحافرِ طِرْفِه تَقْبيلا
للهِ يَومُ مَسَرّةٍ طَردَ الأسَى / وأنال كُلَّ فؤادِ حُرٍّ سُولا
خلَعوا على البُشَراء ما لَبِسَ الورَى / حتّى النّهارُ مُلاءهُ المَسْدولا
كُلٌّ أراد خُروجَه من لُبْسِه / لمّا رأى بالسّعْدِ منه دُخولا
وحكى شَقيقُ الرَّوضِ لابسَ أحمَرٍ / قد قامَ للأذْيالِ منه مُشيلا
فكأنّه لمّا أتاهُ مُبَشِّرٌ / والشّوقُ أبقَى الجِسمَ منه نَحيلا
ألقَى العِمامةَ واشْتَهى لقميصِه / خَلْعاً ولم يكُ زِرُّه مَحْلولا
رُتَبٌ بها زيدَتْ عُلاك نَباهةً / من غيرِ أن كنتَ اشتكَيْتَ خُمولا
ولكَمْ مَواقِفَ للعُلا مَشْهورةٍ / قد فُصّلِتْ آياتُها تَفْصيلا
ناصَيْتَ فيها السّابقينَ إلى العُلا / وملأْتَ حَدَّ اللاحقِينَ فُلولا
وأرى القَواعدَ للهُدَى وأُمورَه / والدّهرُ يتْبَعُ بالفروعِ أُصولا
عادتْ بإسماعيلَ سُنّةُ رَفْعِها / نَسَقاً كما بَدأَتْ بإسْماعيلا
إن لم تكنْ فيها رَسولاً مِثلَه / فَكفِعْلِه لأبيكَ كنتَ رسولا
كُلٌّ قَسيمُ أَبيهِ في تَشْيِيدِه / وتَرى الأمورَ إذا نظَرْتَ شُكولا
شَيّدْتُما المَعْنَى كما قد شَيّدَ ال / مَبْنَى وبالأُخرى ذَكرْنا الأُولى
يا ابنَ الّذي آتاكَ زُهْرَ خِلالِه / رَبُّ السَّما ثُمَّ اصطفاهُ خَليلا
فكفاكَ فَخْراً أن تُسَمِّيَه أباً / وكفاهُ فَخْراً أن تُعَدَّ سَليلا
ولقد نشَرْتَ العلمَ نَشْراً في الوَرى / في الأرضِ حتّى لم تُخَلِّ جَهُولا
فَبقِيتَ للإسلام يا شَرفاً له / حتّى تكونَ لنَقْصِهمْ تَكْميلا
تَسْبي شَمائلُك الرِّقاقُ عقولَنا / ومنَ الشّمائلِ ما يُخالُ شَمولا
يا ابْنَ الكرامِ وطالما انتصحَ الورَى / في حادثٍ مَن كان أقومَ قِيلا
أَمُعيرُ قَولي أنت سَمْعَك ساعةً / كَرماً فاذكُرْ إن رأَيْتَ فُضولا
والنُّصْحُ قُرْطٌ ربّما يَجِدُ الفتَى / في السّمْعِ مَحْمَلَه البَهِيَّ ثَقيلا
وسِواكَ منهمْ إن عَنَيتُ بِمْقولي / فعلَى استِماعِك أجعَلُ التَّعْويلا
وإذا نظَرْتَ وأنت عارِفُ عِلّةٍ / لم تَعْيَ عن أن تَعرِفَ المَعلولا
ما للفريقَيْنِ اسْتجازا فُرْقةً / من بَعْدِ حَبْلٍ لم يَزلْ مَوْصولا
كانا معاً في وَجْهِ دينِ مُحمّدٍ / والدّهرُ يُصبِحُ للعُهودِ مُحيلا
كالمُقلتَيْنِ مع السّلامةِ لا تَرى ال / يُمنَى على اليُسرَى لها تَفْضيلا
فسعَى وُشاةٌ لا سَعوْا ما بينَهمْ / بالبَغْيِ حتّى بدَّلوا تَبْديلا
أتُهادِنُ الأعداءَ تَطلُبُ سِلْمَهُمْ / خَطْباً لعَمرُك لو عَلِمتَ جليلا
عجَباً وأنصارُ الهُدَى قد أصبَحوا / كُلٌّ لِكلٍّ مُوسِعٌ تَخْذيلا
والدَّهرُ فيه ولا دَهَتْك عَجائبٌ / تتَضمَّنُ المَحْذورَ والمَأْمولا
هي فُرصةٌ لك من زمانِك أَعرضَتْ / فانْهَضْ قَؤولاً للجميلِ فَعولا
وأعِدْ نظامَ الجانبَيْنِ كما بَدا / يَغْشَ الجميعُ جَنابَك المأْهولا
وإذا هجَمْتَ بجَمْعِهمْ كي يُصبِحوا / سَيْفاً على هامِ العِدا مَسلولا
فاسأَلْ بذاك مُحمّداً في قَبرِه / فكفَى به عن دينِه مَسْؤولا
يُخْبِرْك أنّك قد أقرَّ بعَيْنِه / ما قد عزَمتَ ويَسألُ التّعْجيلا
تأليفُ ما بَيْنَ القلوبِ لمثْلِهمْ / من بعدِ أن يَعِدَ الهوانُ جَزيلا
فخْرٌ إذا أضحَى لعَصْرِك غُرّةً / كان المَفاخِرُ كُلُّها تَحْجيلا
ولأنتَ أهدَى في الأمور إلى الّتي / تُرضي ولستَ على العُلا مَدْلولا
يا مَن يَعُدُّ اللهَ عُدّةَ نفْسِه / فإليه يَجعلُ أمْرَه مَوْكولا
لا زلتَ منه في ظلالِ عنايةٍ / حتّى تكونَ بما تشاءُ كَفيلا
وإليك من كَلِمي الحسانِ بدائعاً / كالدُّرِّ فُصِّلَ نَظْمُه تَفْصيلا
ستَرى طَوافي حَولَ بَيتِك دائماً / إن كان حَجُّ مدائحي مَقْبولا
هَبْني أُقَصِّرُ بالخُطا
هَبْني أُقَصِّرُ بالخُطا / مُتَعلِّلاً بالاِعْتِلالِ
لا عُذْرَ عندي للخُطو / طِ وَمشْقِها إن قَصَّرا لي
قَلمي صَحيحٌ إنْ غَدا / قَدمي لسُقْمي في اعْتِقال
ما إن على قَلْبي تَطو / لُ يَدٌ بسُلطانِ اللَّيالي
كلاً ولا في خُلَّتي / لأكابري خَوْفُ اخْتِلال
شَيْئانِ منّي يَسْلَما / نِ مدَى الزّمانِ لمَنْ أُوالي
في القُربِ منّي والبِعا / دِ يُصادَفانِ على مِثال
أَمُؤيّدَ الدّينِ الّذي / لم يَعْدُه كَرَمُ الخِلال
مَن نال مِن درَج العُلا / ما كان مُمتَنِعَ المَنال
ومَنِ اغتَدَى وُدّي له / أصفَى من الماء الزُّلال
أمّا العِتابُ فإنّه / مُتوَجِّهٌ في كُلِّ حال
لكنْ أُعُاتَبُ أو أُعا / تِبُ أيّما عن ذا سُؤالي
مالي فَدتْكَ النّفْسُ مُنْ / ذُ مَرِضْتُ هَجْري منكَ مالي
أيُطاقُ معْ قٌرْبِ الجِوا / ر كذا الجَفاءُ على اتِّصال
وتَوقُّعي لكَ زَورةً / في صِحّتي عَيْنُ المُحال
لكِنْ إذا ما عِلّةٌ / كَشفَتْ منَ الإعْلالِ بالي
لم أرْضَ عندَ الاِعْتِلا / لِ بمثْلِ هذا الاِعْتِلال
ومنَ السِّيادةِ بالعِيا / دة أن يُشَرَّفَ مَن يُوالي
وقد أُخِّرَتْ عاداتُ أبْ / ناء المكارمِ والمَعالي
وإذا مَرِضْتُ ولم يَعُدْ / ني مَن أوَدُّ مِنَ المَوالي
وإذا بَرأْتُ وجَدْتُ في / وُدّي له مثْلَ السُّلال
فكأنّما مَرَضي يَصي / رُ إلى وِدادي ذا انْتِقال
والأمرُ أمرُك لا اخْتِيا / رَ على اخْتِيارِك في فَعالي
وأعودُ إن أرعَيْتَ سَمْ / عَك شارحاً لك بعضَ حالي
أرأيتَ عَزْماً كان لي / كالنّارِ من فَرْطِ اشْتِعال
ومَطِيّةً ألقَيْتُ فَو / قَ سَراتِها أحدَ الرِّحال
ما ذاكَ إلاّ أنّه / والاِختيارُ لذي الجَلال
مُتَوَقّفاً يُصْغِي لِيُسْ / معَ حاديَ الرَّكْبِ العِجال
عَبثاً يُديرُ لها الزِّما / مَ من اليمنِ إلى الشّمال
فغدا سَقامي آخِذاً / بخِطامِها يَبْغي انْفِتالي
وأثَرْتُها شَطْرَ العِرا / قِ تَجُرُّ فَضْلاتِ الحِبال
نحوَ ارْتحالٍ قد تَحَوْ / ولَ لي إلى نَوْعِ ارتِحال
ومَحلِّ صدْقٍ أو غُرو / رٍ بعدُ يَعْمُرُه احْتلالي
والحُكْمُ حُكْمُ اللهِ لا / يُغْني إذا نَزل احْتيالي
إن مِتُّ لم يَمُتِ الّذي / سَيّرْتُ من كَلِمٍ غَوال
وغَدَتْ حَياةُ الذِّكرِ لي / بالفَضْلِ تُرغِمُ كُلَّ قال
ورَجَوْتُ لي من بَعْدِ ذا / ك برَحْمةِ اللهِ اتِّصالي
لو عِشْتُ لاقَيْتُ الوزي / رَ ونلْتُ من جاهٍ ومال
وركَضْتُ خيلَ القَوْلِ بي / ن يَديهِ واسعةَ المَجال
واخْتالَ لي طِرْفُ النَّبَا / هةِ وهْو مُنتَعِلُ الهِلال
يا سفرةَ الدَّركاةِ جا / دَكِ وابلٌ واهي العَزالي
فكأنّني بكِ قد أرَحْ / تُ ركائبي بَعْدَ الكَلال
ورأيتُ حاجاتي بكَفْ / فِكِ وهْي تَنشُطُ من عِقال
بجَديدِ نَظْم للمَصا / لِح فيك في سِلْكِ اعتِدال
فلقد غَدَتْ مَقْسومةً / بينَ اغتصابٍ واخْتِزال
وسَماعِ أخبارِ الثّرا / ء وَهزْمِه حَدَّ الضَّلال
وبناءِ مَشْهدِه الشَّري / فِ وكَعْبُ مَن يَبْنيهِ عال
ولقد عَلِمْتُ بأنّنِي / ألقَى لِذاكِ أَحَقَّ وال
وأنا ابنُ أنصارِ الهُدَى / بالبيضِ والسُّمْرِ الطِّوال
ومُقاتلٌ في الخَزْرَجَيْ / نِ إذا انتَمَى عَمِّي وخالي
أمّا النّبِيُّ فقد رأَى / تأميرَنا يومَ النِّزال
واللهُ فوقَ سَمائه / مِمَّن دَعانا بالرِّجال
فارجِعْ وراءك يا حَسو / دُ فما الأسافِلُ كالأعالي
يا ابْنَ الّذي سادَ الورَى / والعَصْرُ جَوٌّ غَيرُ خال
وجَرى فأصبَحَ سابِقاً / فَرْداً وليس سِواكُ تال
ونَظَرْتُ من فَرْطِ السُّمُوْ / وإلى الكَواكبِ من تَعال
في خُوزِرازانَ القدي / مةِ رَغْبَتي للوَقْفِ لا لِي
ولَربّما طَلَبوا هُنا / كَ لأجلِها إخراجَ حالي
فاسْطُرْ بِكَفِّكَ أسطُراً / تُشْبِهْنَ من حُسْنِ المِثال
نَقْشَ الخدودِ من الغَوا / ني بالخُطوطِ منَ الغوالي
فمِثالُ كَفِّكَ لا يُقا / بَلُ ثَمَّ إلاّ بامتِثال
واهْزُزْ أثيرَ الدّينِ لي / هَزَّ المُهنَّدِ ذي الصِّقال
وأَشِرْ عليه إشارةَ النْ / نصحاءِ في تَشْريفِ حالي
مُسترخِصاً رِقّي وفي / مِثْلي حَقيقٌ أن تُغالي
مِئةٌ وخَمسونَ الجَدي / دُ معَ القديمِ بلا مِطال
حتّى أَسيرَ إلى الوزي / رِ بما حَباني من نَوال
وأُقَرِّطَ الأسماعَ شُكْ / راً مثْلما نُظِمَ الّلآلى
ولِمَنْ أتَى حُسنَ الفِعا / لِ من الورى حُسْنُ المَقال
وإليكَ فاجْتَلِ غادةً / قد زَفَّها كَفُّ ارْتجالي
حَسناءُ إلاّ أنّها / تُجْلَى بمَهرٍ غيرِ غال
عُطْلاً ليُصبِحَ جِيدُها / بعِناقِ مَجْدِك وهْو حال
جاءتْك تُهْدِي عُذْرَ إغْ / بابِ الزّيارةِ والوِصال
وإذا انقطَعْتُ لِمدْحةٍ / تُهْدَى فَعْنك بِها اشْتِغالي
لا زلتَ مُختالاً منَ النْ / نَعْماء في بُرْدٍ مُذال
وممَّتعاً أبداً بما / أُوتيتَ مِنْ غُرِّ الخِصال
ومُمنَّعاً من طارِقِ ال / حدَثانِ في أَحْمَى الظِّلال
لِتُزانَ في عَيْنِ الكَمالِ / وتُصانَ من عَيْنِ الكمال
وجَد الصَّبا للعاشِقينَ رسولا
وجَد الصَّبا للعاشِقينَ رسولا / فشفَى بإهداء السَّلامِ عليلا
قُلْ للأحبّةِ إنّني مُذْ غِبتُمُ / لم أَلْقَ وَجْهاً للسُّلُوِّ جميلا
وخلَعْتُ أيّامَ الوِصالِ قصيرةً / ولَبِستُ ليلاً للفراقِ طويلا
وأبَى اللَّيالي ما ذمَمْتُ أخِيرَها / إلاّ ذكَرْتُ بها العُهودَ الأُولى
سَرق الزّمانُ من الأوائلِ فانقضَتْ / بدْراً وزادَتْها الأواخِرُ طُولا
أنجومَ لَيْلي أينَ بَدْري طالعاً / أوَ منْه ما تَتعلّمِينَ أُفولا
ليت الَّذي دَلَّ البُدورَ على النَّوى / أَمسَى عليه للنُّجومِ دَليلا
قالوا عَشِقْتَ وذاك شَيءٌ إنّما / قد كنتُ أَخشَى أن يُقالَ فقِيلا
يَشْكو إليّ منَ الصَّبابةِ صاحِبي / وأبَى غريقٌ أن يُغيثَ بَليلا
إنّي لأُطلِعُ في الجُفونِ سَحائباً / وأُجِنُّ في طَيَّ الضُّلوع مُحولا
فيَظلُّ قلبي للهمومِ مَنازلاً / ويَبيتُ طَرْفي للنُّجومِ نَزيلا
مُتملْمِلاً أَرْمي بمُقلْةِ ساخِطٍ / فلَكاً على حَرْبِ النُّهَى مَجْبولا
في ليلةٍ أَسَر الظّلامُ نُجومَها / فثَوتْ تَلوحُ على الدُّجَى إكْليلا
وتَناهَبتْ خَيلُ الوزيرِ صبَاحَها / فقَسمْنَهُ غُرَراً لها وحُجولا
جُرْداً إذا حَثَّ الأعِنّةَ للوغَى / تَركَتْ دِيارَ المارِقينَ طُلولا
يَرْمي بها الأعداءَ لَيْثُ كتيبةٍ / يَجْتابُ من شَوْكِ الأسِنِّةِ غِيلا
مَلِكٌ غدا للهِ سابغَ عَدْله / ظِلاًّ يُمَدُّ على العِبادِ ظَليلا
فإذا سَخا مطَر الأكُفَّ مواهباً / وإذا سَطا مطَر الرِّقابَ نُصولا
ومُحجَّبٌ تَغْدو الملوكُ ببابِه / حتّى تُجابَ إلى اللّقاء مُثولا
فإذا بدا رفَلوا إليه على الثَّرى / من بَعْدِ ما جَعلوا الخدودَ ذُيولا
وتَخالُ طُولَ الدّهْرِ في عَرصاتهِ / غَيْثاً عليها بالوفودِ هُطولا
تُزْجَى إليه العِيسُ ما وَسِعَ الفَلا / قُوداً يُبارِينَ الرِّياحَ ذَميلا
حتّى تُناخَ بحيثُ يُنتجَعُ النّدى / ويَبِيتُ عَقْدُ رِحالها مَحْلولا
يَغْدونَ أرسالاً إليه وإنّما / يَجِدونَ جُوداً للفَخارِ رَسيلا
ومُعوِّدٌ سَبْقَ السُّؤالِ برفْدِه / حتّى تَعذَّر أن يُرى مَسْؤولا
لا عَيبَ فيه غيرَ أنَّ يَمينَهُ / تُبْقي بأغصانِ الرِّماح ذُبولا
حَيّاكَ مَن تُحْيي بسَيْفِك دِينَه / مهما غدا خَطْبُ الشِّقاقِ جَليلا
وَسقاكَ مَن يَسقي بكَفِّكَ خَلْقَه / دِيَماً إذا انْهَلَّ الغمامُ هُمولا
وفَداكَ مَن يَفْدي برِفْدِك نَفْسَه / إذْ لا خليلَ بها يُجيرُ خَليلا
مِن ماجدٍ صَعْبِ الإباء مُناجِدٍ / حَلُمَ الزّمانُ به وكان جَهولا
ومضَتْ صَرائمهُ فكُنَّ صَوارماً / وصفَتْ شمائلُه فكُنَّ شَمولا
وسَطا فما ينفَكُّ طَرْفُ عُداتِه / بظُباهُ أو بخَيالها مَكْحولا
ولكَمْ رأوْا في النّومِ جَيشَك ليلةً / صَدَقوا قُبَيلَ صَباحِها التَّأْويلا
لم يَشْعروا حتّى طرَقْتَ كأنّما / حَوَّلْتَ في الحَدَقِ الخَيال خُيولا
يَبْغي الوُثوبَ على الجيادِ خَفيفُهمْ / فيَرى له وَطْأً عليهِ ثَقيلا
فيَقِل ظَهْراً بالحوافِرِ مُنْعَلاً / ويُديرُ طَرْفاً بالسِّنانِ كحيلا
إن يَلْتَمِسْ يدَهُ لتَلْحَق عَيْنَه / يَر بَعْضَه عن بَعْضِه مَشْغولا
وكأنّ قَرْعَ شِفاهِهمْ بنِعالِها / حتّى تُعلِّمَهمْ لها التَّقْبيلا
مَن لم يَضَعْ فيما يَطأْنَ جَبينَه / غادرْنَه مِمّنْ يَطأْن قَتيلا
ما يَعثُرُ الباغي بحَرْبِك عَثْرةً / فيرَى من الموتِ الزُّؤامِ مُقيلا
إنْ حادَ بَلّدهُ الجِيادُ فلم يَفُتْ / أو ذادَ غافَصَه الرَّدى فاغْتِيلا
فهوَى انْطِلاقُ يَمينِه وجَوادُه / مُتقدِّماً للضّرْبِ أو مَفْلولا
فتَخالُها بحُجولها مشكولةً / وتَظُنُّه بحُسامِه مَغْلولا
أنَصيرَ دينِ اللهِ والمَلكِ الّذي / ما شاهدوا لكَ في المُلوكِ عَديلا
درَسوا لنا سِيَرَ الكرامِ وإنّما / كانَ النّدى حتّى فَعْلتَ مَقولا
ففدَتْكَ أملاكٌ تُريكَ فَعالُهمْ / حسَباً على سِمَنِ الجسومِ هَزيلا
نَفَرٌ أُعايِنُهمْ وأَمسَحُ ناظري / مِمّا أَظُنُّ شُخوصَهم تَنْبيلا
يا أَيُّها المَولَى الأجلُّ دُعاءَ مَن / أَضحَى يُوجِّهُ نَحْوكَ التَّأْميلا
ما للمَصالحِ يَنتظِرْنَ مَواعِداً / سَبقتْ ولم تكُ للعفاة مَطولا
وعِمارةُ الدُّولابِ عُوِّقَ أمْرُها / عجَباً ورِفْدُك لم يَزَلْ مَبْذولا
صِلةً لوَجْهِ اللهِ فيه فما لَنا / لم نَلْقَ بَعْدُ لِما وصَلْتَ وُصولا
وإذا جلَوْتَ من المَواهبِ غادةً / ألفَيْتَ أحسَنَ حَلْيِها التَّعْجِيلا
هي غُرَّةٌ في وَجْهِ عَسْكَرِ مُكْرَمٍ / فُقِدَتْ فشانَتْ حُسْنَه المَقْبولا
جَنَتِ السُّيولُ عليه حتّى أنّه / سفَحتْ لعُطْلتِه العُيونُ سُيولا
كانتْ له قدَمٌ تُريحُ بسَعْيِها / أقدامَ قَومٍ بُكْرَةً وأَصيلا
وبُكاءُ عَيْنٍ كان منه لأهلِها / ضَحِكٌ فأصبحَ رَنّةً وعَويلا
ولأنتَ أكرمُ أن تُخَيِّبَ مَعشَراً / قد حاولوا أن يَبْلُغوا بكَ سُولا
بَلْ لو رَجَوْكَ بأن تُديرَ مكانَه / من عَسجدٍ فلَكاً لكان قَليلا
فابْعَثْ بما تُولي تَكُنْ أُهُباتُها / مَأْخوذةً أن أَلقَوْا الشّاقُولا
وتَهنَّ بالعيدِ السّعيدِ ولَقِّه / منَ بِشْرِك التّرحيبَ والتّأْهيلا
واجْعَلْ عِداكَ من الأضاحي الّتي / يَدْمَى لَها خَدُّ الحسامِ صَقيلا
في كلِّ يومٍ ذَرَّ شارِقُه تَرَى / فَتْحاً بآخَرَ غيرِه مَوْصولا
وتَخالُ سُكّانَ الحُصونِ تُطيعُه / قَطْراً يَزِلُّ من الغمامِ هُمولا
هي دَولةٌ أحيَيْتَها فاسلَمْ لها / حتّى تَنالَ بها المُنَى وتُنيلا
يا مَنْ عَلِقْتُ بذَيْلِ خِدْمتِه الّتي / ألقَتْ جَلالَتُها عليَّ قَبولا
جَدِّدْ كَرامتيَ الّتي عَوَّدْتَني / بالكُتْبِ تُودَعُ بِرَّكَ المَأمولا
فلوِ استطَعْتُ لمَا التفَتُّ بنَظْرةٍ / حتّى أَزورَ جَنابَك المَأْهولا
ورَكِبْتُ أجنحةَ الرّياحِ حَثيثةً / أَبْغي بِهنَّ إلى ذُراكَ رَحيلا
ولئن أقَمْتُ فإنّ مَدْحي سائرٌ / تَجِدُ الرُّواةُ به إليك سَبيلا
فأَعِدْ إلينا دامَ مُلْكُكَ نَظْرةً / للفَضْلِ من سُوقِ الكَسادِ مُديلا
لم يَشْدُدِ الفَلَكُ المُدارُ نِطاقَه / إلاّ ليَسْمعَ طائعاً وتَقولا
أرْغَمْتَ آنُفَ حاسدِيكَ بسَفْرةٍ
أرْغَمْتَ آنُفَ حاسدِيكَ بسَفْرةٍ / سفَرتْ فأبدَتْ وجْهَ جَدٍّ مُقْبِلِ
وقَدِمتَ والصّومُ المُبارَكُ قادمٌ / فاسْعَدْ بصَوْمٍ عيدُه في الأوَّل
أضحَى الّذي ما زلْتَ ناصرَ دينِه / لك ناصراً فأطالَ رَغْمَ الخُذّل
والقاهِرُ المُسْمِيكَ فينا عَبْدَهُ / قَهر العِدا لك قَهْرةً لم تُمْهِل
فكفاكَ عاديةَ العَدوِّ المُعْتدي / ووَقاكَ طارقةَ الخُطوبِ النُّزَّل
فاذْكُرْ إذَنْ خُططاً أظلّتْ وانجلَتْ / واشكُرْ إذَنْ نُعْمَى وَهوبٍ مُجْزِل
نُعمىً تُذَلِّلُ كُلَّ مَن عادَيْتَه / ولكلِّ صَعْبٍ قد رَكبْتَ مُذَلَّل
نَفْسي فِداؤك من كريمٍ لم يَزَلْ / سامي ذُراهُ من النّوائبِ مَعْقِلي
قسَماً لقد جاهدْتُ فيك أعادياً / فكفَيْتُ منهمْ كُلَّ شَكْلٍ مُشْكِل
وَرُمِيتُ فيك من الجَفاء بأَسْهمٍ / ولئنْ عَراك الشّكُّ فيه فاسْأل
وقُصدْتُ في نَفْسي وفي ابْني بالّتي / فَرِحَتْ لها نَفْسُ العَدُوِّ الأرذَل
والدّهْرُ قد تُنتابُ فيه عَجائبٌ / يِكْسِرْنَ رامحَ أهلِه بالأَعْزَل
فانْظُرْ إليَّ اليومَ نَظْرةَ مُسْعِدٍ / فعلَى انتصارِك يا كبيرُ مُعوَّلي
فلَطالما من أينَ جِئْتُك راغباً / لاقَيْتُ تَطْويلي بفَضْلِ تَطَوُّل
فمتَى أرَدْتُ الجاه كنتَ مُناولي / ومتى أردْتُ المالَ كنتَ مُنوِّلي
ومتى اقتبَسْتُ رأيتُ أكبرَ فاضِلٍ / وإذا التَمَسْتُ رأيتُ أكبرَ مُفْضِل
وإذا طلَبْتُ النّصرَ يومَ حفيظةٍ / جَرّدْتَ دوني كُلَّ عَضْبٍ مِفْصَل
يا باخِلاً بالعِرْضِ من كرَمٍ به / حتّى إذا سُئلَ اللُّها لم يَبْخَل
فلَوَ انّني أوفَيْتُ شَوْقيَ حَقّه / لَركبْتُ أجنحةَ الصَّبا والشّمْأل
ولئن شفَيْتُ العَينَ منك بنَظْرةٍ / تَسمو بطَرْفِ النّاظرِ المُتأَمِّل
فلأصفحَنَّ عنِ الزّمانِ وما جنَى / إذْ عاد عَودةَ نادمٍ مُتنَصِّل
وبغَيْرِ شُكْري نِعمةً بك جُدِّدَتْ / سِرّي وجَهْري بعدَها لم أَشغَل
رجَع الزّمانُ إلى الرِّضا فارْجِعْ له / وإذا صُروفُ الدَّهْرِ نابَتْ فاقْبل
فكما إليك اللهُ أحْسَنَ مَعْقَباً / نَصْراً فأَحسِنْ يا هُمامُ وأَجْمِل
وأَعِد إليّ بعَيْنِ لُطْفِك نَظْرةً / واحْكُمْ على زَمني المُعانِدِ واعْدِل
ولقَدْرِ مِثْلي فَضْلُ مِثْلِك عارِفٌ / فابْرُزْ فقد خِفْتُ الخُطوبَ وعَجِّل
مات الخواطِرُ في الزّمانِ فأَحْيِها / وبدا النّقائصُ في القضاء فكَمِّل
حتّى أُشهِّرَ فيك كلَّ بديعةٍ / تَثْني زمامَ الرّاكبِ المُستَعْجِل
غَرّاءُ يَحسُدُك الملوكُ بغُرِّها / حُسْناً إذا جُلِيَتْ لعَينِ المُجْتَلي
أَهْلاً بوَجْهِك من صَباحٍ مُقْبِلٍ
أَهْلاً بوَجْهِك من صَباحٍ مُقْبِلٍ / وبجُودِ كَفِّك من سَحابٍ مُسْبِلِ
وإذا الصّباحُ معَ السّحابِ تَرافَقا / مُتَسايرَيْنِ إلى مَعالمِ مَنْزلي
سَعِدَتْ فأشْرَق كُلُّ نادٍ مُظْلمٍ / منها وأخصَب كُلُّ وادٍ مُمْحِل
قُلْ للعيونِ وللشّفاهِ منَ الوَرى / لمّا بدا كالعارِضِ المُتَهلِّل
السّعْدُ في ذاك الجبينِ فطالعي / واليُمْنُ في تلكَ اليَمينِ فَقبِّلي
أرأيتَ بَرْقاً بين خَمْسِ سَحائبٍ / يَسْرينَ في عَرْضِ الفلاةِ المَجْهَل
إلاّ عِنانَ مُطَهَّمٍ ذي مَيْعةٍ / ألقاهُ منه بينَ تلك الأنْمُل
عالي المَواطيء بالنّجومِ مُسمَّرٍ / للنّاظِرين وبالأهِلّةِ مُنْعَل
فنأَى به ودنا بقاصيةِ المُنَى / إذ لم يكُنْ لِيَحُلَّ لو لم يَرْحَل
ما إن رَمَوْا بسديدِ دولةِ هاشمٍ / خَطْباً فأصبحَ منه مُخْطِئَ مَقْتَل
أضْحَى قرارَ الدَّولتَيْنِ بِسَعْيِهِ / وبعَزْمهِ الماضي مَضاءَ المُنْصُل
والأرضُ ساكنةٌ لدَورٍ دائمٍ / يَعتادُه فَلَكٌ عليها مُعْتَل
أمسَتْ لغيبتِك النّفوسُ وأصبحَتْ / للخَلْقِ وهْي قليلةُ المُتَعلَّل
وتَركْتَ بغداداً ومَشرِقُ شَمْسِها / في عَينِ ساكنها طَريقُ المَوْصِل
وقَدِمْتَ والصّومُ المباركُ قادمٌ / فاسعَدْ بصَوْمٍ عيدُه في الأوّل
حتّى طلَعْتَ معَ السُّعودِ فأصبحَتْ / تلك الخُطوبُ عن النَّواظرِ تَنْجَلي
حُيّيتَ من قَمرٍ تَجلّى والورَى / من حَيْرةٍ في مِثلِ لَيْلٍ ألْيل
طَلَعتْ مواكبُه وغُرّةُ وجَهْه / تَزدادُ نُوراً في ظَلام القَسْطَل
ورَمَوا بأبصارِ العُيونِ سَوامياً / منه إلى بَدْرٍ بدا مُسْتكْمِل
فرَشوا بديباجِ الخُدودِ طريقَه / حُبّاً له من قادمٍ مُستَقْبَل
وتناهبَ النّاسُ الثّرى بجباهِهمْ / إظهارَ شُكْرٍ للوَهوبِ المُجْزِل
ولو استطاعَ الخَلْقُ يومَ قُدومِه / من فَرْطِ شَوْقٍ بالقُلوبِ مُوكَّل
لمَشْوا إليهِ مِشْيةً قلَميَّةً / بالهامِ لا قَدمِيّةً بالأرْجُل
فَلْيَهْنِكَ العَوْدُ الحَميدُ ولا تَزلْ / يُكفَى الوَرى بك كُلَّ خَطْبٍ مُعْضِل
يا داعمَ البيتِ القديمِ بعِزّه / أشْرِفْ بمَجْدٍ قد بنَيْتَ مُؤَثَّل
ما سار في الآفاقِ ذِكْرُك فارساً / إلاّ على يَومٍ أغَرَّ مُحجَّل
بك قَرطَس الغَرَضَ الإمامُ وقد رمَى / فغَدا منَ الباغي مُصيبَ المَقْتَل
وجلَوْتَ وجْهَ الحقِّ غيرَ مُدافَعٍ / لمّا نطَقْتَ غداةَ ذاكَ المَحْفِل
مُلِئَ البلادُ مَيامِناً لمّا الْتَقى / يُمْنُ الرّسولِ لها ويُمْنُ المُرْسِل
قُلْ للّذي أَغفَلْتُ نَفْسي ضَجْرةً / لكنّه عن عَبْدِه لم يَغْفَل
نَفْسي فِداؤك من كريمٍ لم يَزَلْ / عالي ذُراهُ منَ الحوادِثِ مَوْئلي
وعلى البِعادِ خلالَ أكبرِ شُغْلِه / عن ذِكْرِ أصغَرْ خادمٍ لم يُشْغَل
يا باخِلاً بالعِرْضِ من كرَمٍ به / حتّى إذا سُئلَ اللُّها لم يَبْخَل
وذُراه مُزْدَحِمُ الوفودِ تَؤُمُّه / أبداً لأنّ نَداهُ عَذْبُ المَنْهَل
وتَراهُ يَسبِقُ بالعطاء سُؤالَهمْ / جُوداً كإلْثاثِ الغوادي الهُطَّل
وإذا أتَى المُمْتاحُ حَقَّق بالنّدى / كُلَّ الأماني ثُمَّ قال له سَل
لم أمتدِحْ طلَبَ النّوالِ وإنّما / أغْنَى وُصولٌ عن طِلابِ تَوَصُّل
لكنْ أَرى حادي المَطيّ وقد حدا / وأُثيرَ نِضْوُ الرّاكبِ المُستَعْجِل
ولقد تُجَدِّدُ للضّيوفِ كرامةً / عند ارْتحالِ الظّاعنِ المُتحمِّل
تلك البقيّةُ بعدُ باقيةٌ كما / كانَتْ وعُقْدَةُ أمرِها لم تُحْلَل
ولقد كفَلْتَ بها ورأْيُك وَحْدَه / حَسْبي لها سَبباً وإن لم تَكْفُل
فأعِدْ لها نظَر الكرامِ فليس في / تَحْصيلِها إلاّ عليكَ مُعوَّلى
وأنا الّذي ما لي سوِاكَ ذخيرةٌ / فلقد خبَرْتُك في الزّمانِ الأوّل
من أيِّ وجْهٍ كنتُ جئْتُك راغباً / لاقَيْتُ تَطْويلي بفَرْطِ تَطوُّل
فإذا أردتُ الجاهَ كنتَ مُناوِلي / وإذا أردْتُ المالَ كنتَ مُنوِّلي
ومتى اقتبَسْتُ رأيتُ أكبرَ فاضِلٍ / وإذا التمسْتُ رأيتُ أكرمَ مُفْضِل
أم كيف يُمكِنُ فَوتُ ما أنا آمِلٌ / ولكَمْ رجَعْتُ بنَيْلٍ ما لم آمُل
وإذا طلبتُ النّصْرَ يومَ حفيظةٍ / جَرَّدْتَ دوني كُلَّ عَضْبٍ مِصْقَل
لا زلتَ تَلبسُ من حِسانِ قلائدي / أشباهَ دُرٍّ في النّظامِ مُفَصَّل
وبَقِيتْ تَخْطِرُ في عِراصِ سعادةٍ / وتَجُرُّ أذيالَ البقاء الأَطْول
أصغَى مَسامِعَه إلى عُذّالِهِ
أصغَى مَسامِعَه إلى عُذّالِهِ / ونأَى بأسرارِ الفؤادِ الوالِهِ
واعتادَه في الرَّبْعِ عِيدُ صَبابةٍ / قد كان من نُؤْيٍ طُلوعُ هِلاله
دَنِفٌ نأَى عمَّن يُحِبُّ فشاقَهُ / إطْلالُه صُبْحاً على أطْلاله
سأَلَ الحِمَى عنه وأصغَى للصَّدى / كيْما يُجيبَ فقال مِثْلَ مَقاله
ناداهُ أين تُرَى محَطُّ رِحالِه / فأجابَ أين تُرَى مَحَطُّ رِحاله
نَفْسي فداءُ مُودِّعي بإشارةٍ / والعَيْنُ سائرةٌ مِنَ اسْتِعْجاله
أمّا الفؤادُ فسار في تَشْيِيعهِ / فمتَى يَعودُ القَلبُ لاسْتِقْباله
وسألتُ عن حالي إذا فارَقْتُه
وسألتُ عن حالي إذا فارَقْتُه / حالي إذا شَطّ المَزارُ كَحاله
وأرَى بفَضْلِ الكُمِّ عَيْنَ غزالةٍ / وأَرى غداةَ الرَّملِ عَيْنَ غَزاله
كالغيثِ لكنْ ذاك من أمواهِه
كالغيثِ لكنْ ذاك من أمواهِه / يُروَى الخليفةُ وهْو من أمواله
أَقسمتُ ما للسَّيفِ يومَ جِلادِه / كمَضائه في الحَقِّ يومَ جِداله
وسِجالُه سُحْبُ النَّدى وعَطاؤه / كالوَدْقِ يَخْرُجُ من خِلالِ خِلاله
زَفَّ المنامُ إليّ طَيْفَ خَيالِهِ
زَفَّ المنامُ إليّ طَيْفَ خَيالِهِ / لو أنّ طَيْفاً كان من أبدالِهِ
لو كان مُعْتَنقي لَما طَغِيَ الهوَى / لو كان يَطْغَى لاعْتناقِ مِثاله
بِتْنا نُعَلَّلُ بالوِصالِ منَ امْرئٍ / لم يُبْقِ منّا غيرُ ذِكْرِ وْصاله
في ليلةٍ لحَظَ الزّمانُ نَعيمَنا / فيها بعَيْنِ العارفِ المُتَباله
تَمّتْ محاسنُه فتَمّ صُدودُه / وكذاكَ نَقْصُ البَدْرِ وقْتَ كَماله
قَلّ الهوَى في العينِ منه مثْلما / يَلْقَى الأميرُ نَداهُ باسْتِقْلاله
ماذا يُريدُ الهَجْرُ من مُتَعَرِّضٍ / للدَّهْرِ يَمزُجُ رَنْقَهُ بِزُلاله
صَبٍّ عصَى عُذّالَه حتّى إذا / نسَم الصَّبابةَ صارَ من عُذّاله
ومُهَفْهفٍ حبَس الورَى صَرْفُ الهوَى / ما بينَ عارضِه المُنيرِ وخاله
عاطَيْتُه الصَّهْباءَ أخطُبُ نَوْمَه / والصّحْوُ يَحجُبُ حُسْنَه بِدَلاله
ما زلتُ أَبسطُهُ بها حتّى لقد / فرَّقْتُ بينَ دَلالِه وجَماله
حتّى إذا عبَث السُّباتُ بقَدِّه / عَبثاً يَكونُ الجِدُّ من أمثاله
شَفّعْتُ فيه مُروءتي وسلَبْتُه / نَفْسي وبِعْتُ حَرامَه بحَلاله
ومُماذِقٌ حَسِبَ المِطالَ يَزيدُني / حُبّاً له فوهَبْتُه لِمِطاله
ولَوَ انَّ هذا الدّهْرَ يشكرُ لم يدَعْ / شُكْري وقد عَدَّدْتُ بعْضَ خِصاله
ولَوَ انَّ هذا الجودَ يشكرُ لم يَدَعْ / شكْرَ الأميرِ وقد غدا منْ آله
الوَفْرُ عند نَوالِه والنَّيْلُ عن / د سُؤالِه والمَوْتُ عند صِياله
والخَلْقُ من سُؤاله والجُودُ من / عُذّالِه والدَّهرُ من عُمّاله
تَتجمّعُ الآمالُ من أموالِه / فَتُفَرَّقُ الأموالُ في آماله
وله حُلومٌ لو قُسِمْنَ على الوَرى / ما زاد عاقِلُه على جُهّاله
وخلائِقٌ لو أنّهُنٌ كواكبٌ / أَضحَى السُّها في الضّوءِ مِثْلَ هِلاله
وفُصولُ قَوْلٍ هُنّ أعذَبُ مَسمَعاً / من راحةِ المَشْغولِ عن أشغاله
سَمْحُ البديهةِ ليس يُمسكُ لَفْظَه / فكأنّما ألفاظُه من ماله
وكأنّما عزَماتُه وسُيوفُه / من جِدِّهن خلُقِنْ َمن إقْباله
مُتَبسِّمٌ في الخَطْبِ تَحسَبُ أَنّه / من حُسْنِه مُتلثِّمٌ بنِعاله
لو كان يَدْري الدَّهرُ قيمةَ فِعْلِه / نُسِجَتْ حوادثُه على مِنْواله
يا هُنْدُوانيّاً عتيقُ نِجارِه / أَغْنَى الصَّياقِلَ عن حديثِ صِقاله
أُجري إليك الشِّعْرَ حتّى أَصبحَتْ / منه القِصارُ حوامِداً لِطِواله
وكذاكَ مَن جَرَّ الذُّيولَ إلى العُلا / عَلِقَ الثَّناءُ بصَفْحتَيْ أذْياله

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025