المجموع : 7
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ / بَينَ اللَكيكِ وَبَينَ ذاتِ الحَرمَلِ
فَوَقَفتُ في عَرَصاتِها مُتَحَيِّراً / أَسلُ الدِيارَ كَفِعلِ مَن لَم يَذهَلِ
لَعِبَت بِها الأَنواءُ بَعدَ أَنيسِها / وَالرامِساتُ وَكُلُّ جَونٍ مُسبَلِ
أَفَمِن بُكاءِ حَمامَةً في أَيكَةٍ / ذَرَفَت دُموعَكَ فَوقَ ظَهرِ المَحمِلِ
كَالدُرِّ أَو فَضَضِ الجُمانِ تَقَطَّعَت / مِنهُ عَقائِدُ سِلكِهِ لَم يوصَلِ
لَمّا سَمِعتُ دُعاءَ مُرَّةَ إِذ دَعا / وَدُعاءَ عَبسٍ في الوَغى وَمُحَلِّلِ
نادَيتُ عَبساً فَاِستَجابوا بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ لَم يَنجَلِ
حَتّى اِستَباحوا آلَ عَوفٍ عَنوَةً / بِالمَشرَفِيِّ وَبِالوَشيجِ الذُبَّلِ
إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِباً / شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ
إِن يُلحَقوا أَكرُر وَإِن يُستَلحَموا / أَشدُد وَإِن يُلفَوا بِضَنكٍ أَنزِلِ
حينَ النُزولُ يَكونُ غايَةَ مِثلِنا / وَيَفِرُّ كُلَّ مُضَلَّلٍ مُستَوهِلِ
وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ / حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ
وَإِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت / أُلفيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ
وَالخَيلُ تَعلَمُ وَالفَوارِسُ أَنَّني / فَرَّقتُ جَمعَهُمُ بِطَعنَةِ فَيصَلِ
إِذ لا أُبادِرُ في المَضيقِ فَوارِسي / وَلا أُوَكِّلُ بِالرَعيلِ الأَوَّلِ
وَلَقَد غَدَوتُ أَمامَ رايَةِ غالِبٍ / يَومَ الهَياجِ وَما غَدَوتُ بِأَعزَلِ
بَكَرَت تُخَوِّفني الحُتوفَ كَأَنَّني / أَصبَحتُ عَن غَرَضِ الحُتوفِ بِمَعزِلِ
فَأَجَبتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ / لا بُدَّ أَن أُسقى بِكَأسِ المَنهَلِ
فَاِقِني حَياءَكِ لا أَبا لَكِ وَاِعلَمي / أَنّي اِمرُؤٌ سَأَموتُ إِن لَم أُقتَلِ
إِنَّ المَنِيَّةَ لَو تُمَثَّلُ مُثِّلَت / مِثلي إِذا نَزَلوا بِضَنكِ المَنزِلِ
وَالخَيلُ ساهِمَةُ الوُجوهِ كَأَنَّما / تُسقى فَوارِسُها نَقيعَ الحَنظَلِ
إِذا حُمِلتُ عَلى الكَريهَةِ لَم أَقُل / بَعدَ الكَريهَةِ لَيتَني لَم أَفعَلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ / عاري الأَشاجِعِ شاحِبٍ كَالمُنصُلِ
شَعثِ المَفارِقِ مُنهَجٍ سِربالُهُ / لَم يَدَّهِن حَولاً وَلَم يَتَرَجَّلِ
لا يَكتَسي إِلّا الحَديدَ إِذا اِكتَسى / وَكَذاكَ كُلُّ مُغاوِرٍ مُستَبسِلِ
قَد طالَما لَبِسَ الحَديدَ فَإِنَّما / صَدَأُ الحَديدِ بِجِلدِهِ لَم يُغسَلِ
فَتَضاحَكَت عَجَباً وَقالَت يا فَتى / لا خَيرَ فيكَ كَأَنَّها لَم تَحفِلِ
فَعَجِبتُ مِنها حينَ زَلَّت عَينُها / عَن ماجِدٍ طَلقِ اليَدَينِ شَمَردَلِ
لا تَصرِميني يا عُبَيلَ وَراجِعي / فِيَّ البَصيرَةَ نَظرَةَ المُتَأَمِّلِ
فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي / وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي
وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ / مِن وُدِّها وَأَنا رَخِيَّ المِطوَلِ
يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُها / بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي
فيها لَوامِعُ لَو شَهِدتِ زُهائَها / لَسَلَوتِ بَعدَ تَخَضُّبٍ وَتَكَحُّلِ
إِمّا تَرَيني قَد نَحَلتُ وَمَن يَكُن / غَرَضاً لِأَطرافِ الأَسِنَّةِ يَنحَلِ
فَلَرُبَّ أَبلَجَ مِثلِ بَعلِكِ بادِنٍ / ضَخمٍ عَلى ظَهرِ الجَوادِ مُهَيَّلِ
غادَرتُهُ مُتَعَفِّراً أَوصالُهُ / وَالقَومُ بَينَ مُجَرَّحٍ وَمُجَدَّلِ
فيهُم أَخو ثِقَةٍ يُضارِبُ نازِلاً / بِالمَشرَفِيِّ وَفارِسٌ لَم يَنزِلِ
وَرِماحُنا تَكِفُ النَجيعَ صُدورُها / وَسُيوفُنا تَخلي الرِقابَ فَتَختَلي
وَالهامُ تَندُرُ بِالصَعيدِ كَأَنَّما / تُلقي السُيوفُ بِها رُؤوسَ الحَنظَلِ
وَلَقَد لَقيتُ المَوتَ يَومَ لَقيتُهُ / مُتَسَربِلاً وَالسَيفُ لَم يَتَسَربَلِ
فَرَأَيتُنا ما بَينَنا مِن حاجِزٍ / إِلّا المِجَنَّ وَنَصلُ أَبيَضَ مِفصَلِ
ذَكَرٍ أَشُقُّ بِهِ الجَماجِمَ في الوَغى / وَأَقولُ لا تُقطَع يَمينُ الصَيقَلِ
وَلَرُبَّ مُشعِلَةٍ وَزَعتُ رِعالَها / بِمُقَلَّصٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ
سَلِسِ المُعَذَّرِ لاحِقٍ أَقرابُهُ / مُتَقَلِّبٍ عَبَثاً بِفَأسِ المِسحَلِ
نَهدِ القَطاةِ كَأَنَّها مِن صَخرَةٍ / مَلساءَ يَغشاها المَسيلُ بِمَحفَلِ
وَكَأَنَّ هادِيَهُ إِذا اِستَقبَلتَهُ / جِذعٌ أُذِلَّ وَكانَ غَيرَ مُذَلَّلِ
وَكَأَنَّ مَخرَجَ رَوحِهِ في وَجهِهِ / سَرَبانِ كانا مَولِجَينِ لِجَيأَلِ
وَكَأَنَّ مَتنَيهِ إِذا جَرَّدتَهُ / وَنَزَعتَ عَنهُ الجُلَّ مَتنا إِيِّلِ
وَلَهُ حَوافِرُ موثَقٌ تَركيبُها / صُمُّ النُسورِ كَأَنَّها مِن جَندَلِ
وَلَهُ عَسيبٌ ذو سَبيبٍ سابِغٍ / مِثلِ الرِداءِ عَلى الغَنِيِّ المُفضِلِ
سَلِسُ العِنانِ إِلى القِتالِ فَعَينُهُ / قَبلاءُ شاخِصَةٌ كَعَينِ الأَحوَلِ
وَكَأَنَّ مِشيَتَهُ إِذا نَهنَهتُهُ / بِالنَكلِ مِشيَةُ شارِبٍ مُستَعجِلِ
فَعَلَيهِ أَقتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّماً / فيها وَأَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ / مَشيَ النَصارى حَولَ بَيتِ الهَيكَلِ
اِحذَر مَحَلَّ السَوءِ لا تَحلُل بِهِ / وَإِذا نَبا بِكَ مَنزِلٌ فَتَحَوَّلِ
تَكفي خَصاصَةَ بَيتِنا أَرماحُنا / شالَت نَعامَةُ أَيِّنا لَم يَفعَلِ
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ / ريحُ الصَبا وَتَقَلُّبُ الأَحوالِ
وَعَفا مَغانِيَها وَأَخلَقَ رَسمَها / تَردادُ وَكفِ العارِضِ الهَطّالِ
فَلَئِن صَرَمتِ الحَبلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَسَمِعتِ فِيَّ مَقالَةَ العُذّالِ
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي / عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا في جاحِمٍ / تَهفو بِهِ وَيَجُلنَ كُلَّ مَجالِ
وَأَنا المُجَرَّبُ في المَواقِفِ كُلِّها / مِن آلِ عَبسٍ مَنصِبي وَفَعالي
مِنهُم أَبي شَدّادُ أَكرَمُ والِدٍ / وَالأُمُّ مِن حَلمٍ فَهُم أَخوالي
وَأَنا المَنِيَّةُ حينَ تَشتَجِرُ القَنا / وَالطَعنُ مِنّي سابِقُ الآجالِ
وَلَرُبَّ قِرنٍ قَد تَرَكتُ مُجَدَّلاً / وَلَبانُهُ كَنَواضِحِ الجِريالِ
تَنتابُهُ طُلسُ السِباعِ مُغادَراً / في قَفرَةٍ مُتَمَزِّقِ الأَوصالِ
وَلَرُبَّ خَيلٍ قَد وَزَعتُ رَعيلَها / بِأَقَبَّ لا ضِغنٍ وَلا مِجفالِ
وَمُسَربَلٍ حَلَقَ الحَديدِ مُدَجَّجٍ / كَاللَيثِ بَينَ عَرينَةِ الأَشبالِ
غادَرتُهُ لِلجَنبِ غَيرَ مُوَسَّدٍ / مُتَثَنِّيَ الأَوصالِ عِندَ مَجالِ
وَلَرُبَّ شَربٍ قَد صَبَحتُ مَدامَةً / لَيسوا بِأَنكاسٍ وَلا أَوغالِ
وَكَواعِبٍ مِثلِ الدُمى أَصبَيتُها / يَنظُرنَ في خَفرٍ وَحُسنِ دَلالِ
فَسَلي بَني عَكٍّ وَخَثعَمَ تُخبَري / وَسَلي المُلوكَ وَطَيِّئَ الأَجبالِ
وَسَلي عَشائِرَ ضَبَّةٍ إِذ أَسلَمَت / بَكرٌ حَلائِلَها وَرَهطَ عِقالِ
وَبَني صَباحٍ قَد تَرَكنا مِنهُمُ / جَزَراً بِذاتِ الرِمثِ فَوقَ أُثالِ
زَيداً وَسوداً وَالمُقَطَّعَ أَقصَدَت / أَرماحُنا وَمُجاشِعَ بنَ هِلالِ
رُعناهُمُ بِالخَيلِ تَردي بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ فَصّالِ
مَن مِثلُ قَومي حينَ يَختَلِفُ القَنا / وَإِذا تَزِلُّ قَوائِمُ الأَبطالِ
يَحمِلنَ كُلَّ عَزيزِ نَفسٍ باسِلٍ / صَدقِ اللِقاءِ مُجَرَّبِ الأَهوالِ
فَفِدىً لِقَومي عِندَ كُلِّ عَظيمَةٍ / نَفسي وَراحِلَتي وَسائِرُ مالي
قَومي صَمامِ لِمَن أَرادوا ضَيمَهُم / وَالقاهِرونَ لِكُلِّ أَغلَبَ صالي
وَالمُطعِمونَ وَما عَلَيهِم نِعمَةٌ / وَالأَكرَمونَ أَباً وَمَحتِدَ خالِ
نَحنُ الحَصى عَدَداً وَنَحسَبُ قَومَنا / وَرِجالَنا في الحَربِ غَيرِ رِجالِ
مِنّا المُعينُ عَلى النَدى بِفَعالِهِ / وَالبَذلِ في اللَزَباتِ بِالأَموالِ
إِنّا إِذا حَمِسَ الوَغى نُروي القَنا / وَنَعِفُّ عِندَ تَقاسُمِ الأَنفالِ
نَأتي الصَريخَ عَلى جِيادٍ ضُمَّرٍ / خُمصِ البُطونِ كَأَنَّهُنَّ سَعالي
مِن كُلِّ شَوهاءِ اليَدَينِ طِمِرَّةٍ / وَمُقَلَّصٍ عَبلِ الشَوى ذَيّالِ
لا تَأسِيَنَّ عَلى خَليطٍ زايَلوا / بَعدَ الأُلى قُتِلوا بِذي أَغيالِ
كانوا يَشُبّونَ الحُروبَ إِذا خَبَت / قِدماً بِكُلِّ مُهَنَّدٍ فَصّالِ
وَبِكُلِّ مَحبوكِ السَراةِ مُقَلِّصٍ / تَنمو مَناسِبُهُ لِذي العُقّالِ
وَمُعاوِدِ التَكرارِ طالَ مُضِيُّهُ / طَعناً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ عَسّالِ
مِن كُلِّ أَروَعَ لِلكُماةِ مُنازِلٍ / ناجٍ مِنَ الغَمَراتِ كَالرِئبالِ
يُعطي المَئينَ إِلى المَئينَ مُرَزَّأً / حَمّالُ مُفظِعَةٍ مِنَ الأَثقالِ
وَإِذا الأُمورُ تَحَوَّلَت أَلفَيتَهُم / عِصَمَ الهَوالِكِ ساعَةَ الزِلزالِ
وَهُمُ الحُماةُ إِذا النِساءُ تَحَسَّرَت / يَومَ الحِفاظِ وَكانَ يَومُ نَزالِ
يُقصونَ ذا الأَنفِ الحَمِيِّ وَفيهِمُ / حِلمٌ وَلَيسَ حَرامُهُم بِحَلالِ
المُطعِمونَ إِذا السُنونُ تَتابَعَت / مَحلاً وَضَنَّ سَحابُها بِسِجالِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ / وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً / وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ / خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها / وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ / أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ / حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ / مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي / فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ
أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي / فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي
وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُلا / لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ
وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ / وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ
خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حَتّى إِذا / شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ
وَلَقَد نَكَبتُ بَني حُريقَةَ نَكبَةً / لَمّا طَعَنتُ صَميمَ قَلبِ الأَخيَلِ
وَقَتَلتُ فارِسَهُم رَبيعَةَ عَنوَةً / وَالهَيذُبانَ وَجابِرَ بنَ مُهَلهَلِ
وَاِبنَي رَبيعَةَ وَالحَريشَ وَمالِكاً / وَالزِبرِقانُ غَدا طَريحَ الجَندَلِ
وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّها / ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ
الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ / وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ
وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ / بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ
يا نازِلينَ عَلى الحِمى وَدِيارِهِ / هَلّا رَأَيتُم في الدِيارِ تَقَلقُلي
قَد طالَ عِزَّكُم وَذُلّي في الهَوى / وَمِنَ العَجائِبِ عِزَّكُم وَتَذَلَّلي
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ / بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ / وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ / وَعَلى الحَقيقَةِ إِن عَزَمتَ فَعَوِّلِ
إِن كُنتَ أَنتَ قَطَعتَ بَرّاً مُقفَراً / وَسَلَكتَهُ تَحتَ الدُجى في جَحفَلِ
فَأَنا سَرَيتُ مَعَ الثُرَيّا مُفرَداً / لا مُؤنِسٌ لي غَيرَ حَدِّ المُنصُلِ
وَالبَدرُ مِن فَوقِ السَحابِ يَسوقُهُ / فَيَسيرُ سَيرَ الراكِبِ المُستَعجِلِ
وَالنَسرُ نَحوَ الغَربِ يَرمي نَفسَهُ / فَيَكادُ يَعثُرُ بِالسِماكِ الأَعزَلِ
وَالغولُ بَينَ يَدَيَّ يَخفى تارَةً / وَيَعودُ يَظهَرُ مِثلَ ضَوءِ المَشعَلِ
بِنَواظِرٍ زُرقٍ وَوَجهٍ أَسوَدٍ / وَأَظافِرٍ يُشبِهنَ حَدَّ المِنجَلِ
وَالجِنُّ تَفرَقُ حَولَ غاباتِ الفَلا / بِهَماهِمٍ وَدَمادِمٍ لَم تَغفَلِ
وَإِذا رَأَت سَيفي تَضِجُّ مَخافَةً / كَضَجيجِ نوقِ الحَيِّ حَولَ المَنزِلِ
تِلكَ اللَيالي لَو يَمُرُّ حَديثُها / بِوَليدِ قَومٍ شابَ قَبلَ المَحمِلِ
فَاكفُف وَدَع عَنكَ الإِطالَةَ وَاِقتَصِر / وَإِذا اِستَطَعتَ اليَومَ شَيئاً فَاِفعَلِ
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا / وَدَعِ المَنازِلَ تَشتَكي طولَ البِلى
وَاِشكو إِلى حَدِّ الحُسامِ فَإِنَّهُ / أَمضى إِذا حَقَّ اللِقاءُ وَأَفضَلا
مِن أَينَ تَدري الدارُ أَنَّكَ عاشِقٌ / أَو عِندَها خَبَرٌ بِأَنَّكَ مُبتَلى
وَاللَهِ ما يُمضي رَسولاً صادِقاً / إِلّا السِنانُ إِذا الخَليلُ تَبَدَّلا
وَلَقَد عَرَكتُ الدَهرَ حَتّى إِنَّهُ / لَو لَم يَذُق مِنّي المَرارَةَ ما حَلا
وَكَذا سِباعُ البَرِّ لَولا شَرُّها / دارَت بِها في الغابِ غِربانُ الفَلا
فَتَحَمَّلا يا صاحِبَيَّ رِسالَتي / إِن كُنتُما عَن أَرضِ عَبسٍ تَعدِلا
قولا لِقَيسٍ وَالرَبيعِ بِأَنَّني / خَطُّ المَشيبِ عَلى شَبابي ما عَلا
بَل لَو صَدَمتُ بِهِمَّتي جَبَلي حَرى / قَسَماً وَحَقِّ أَبي قُبَيسَ تَزَلزَلا
لَو لَم تَكُن يا قَيسُ غَرَّكَ جاهِلٌ / ما سُقتَ نَحوَ دِيارِ عَنتَرَ جَحفَلا
وَاللَهِ لَو شاهَدتَهُ وَرَأَيتَهُ / ما كانَ آخِرُهُ يُلاقي الأَوَّلا
يا قَيسُ أَنتَ تَعُدُّ نَفسَكَ سَيِّداً / وَأَبوكَ أَعرِفُهُ أَجَلَّ وَأَفضَلا
فَاِتبَع مَكارِمَهُ وَلا تُذري بِهِ / إِن كُنتَ مِمَّن عَقلُهُ قَد أُكمِلا
فَاِحذَر فَزارَةَ قَبلَ تَطلُبُ ثَأرَها / وَتُريكَ يَوماً نارُهُ لا تُصطَلى
فَدِما بَني بَدرٍ عَلَيكَ قَديمَةٌ / وَبَني فَزارَةَ قَصدُها أَن تَغفَلا
وَاللَهِ ما خَلَّيتُ في أَوطانِهِم / إِلّا النَوائِحَ صارِخاتٍ في الفَلا