المجموع : 6
يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا
يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا / في عيدِ مولدِكَ الجميلِ جميلا
أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُرّاً ناطِفَاً / عَسَلاً وليسَ مُدَاهِنَاً مَعْسُولا
يا أيّها المَلِكُ الأَجَلُّ مكانةً / بين الملوكِ ويا أَعَزُّ قَبِيلا
يا ابنَ الهواشِمِ من قُرَيشٍ أَسْلَفُوا / جِيلاً بِمَدْرَجَةِ الفَخَارِ فَجِيلا
نَسَلُوكَ فَحْلاً عَنْ فُحُولٍ قَدَّموا / أَبَدَاً شَهِيدَ كَرَامَةٍ وقَتِيلا
للهِ دَرُّكَ من مَهِيبٍ وَادِعٍ / نَسْرٍ يُطَارِحُهُ الحَمَامُ هَدِيلا
يُدْنِي البعيدَ إلى القريبِ سَمَاحَةً / ويُؤلِّفُ الميئوسَ والمأمُولا
يا مُلْهَمَاً جَابَ الحياةَ مُسَائِلاً / عَنْها وعَمَّا أَلْهَمَتْ مَسْؤُولا
يُهْدِيهِ ضَوْءُ العبقريِّ كأنَّهُ / يَسْتَلُّ منها سِرَّهَا المجهولا
يَرْقَى الجبالَ مَصَاعِبَاً تَرْقَى بهِ / ويَعَافُ للمُتَحَدِّرينَ سُهولا
ويُقَلِّبُ الدُّنيا الغَرُورَ فلا يَرَى / فيها الذي يُجْدِي الغُرُورَ فَتِيلا
يا مُبْرِئَ العِلَلَ الجِسَامَ بطِبّهِ / تَأْبَى المروءةُ أنْ تَكُونَ عَلِيلا
أنا في صَمِيمِ الضَّارِعينَ لربِّهِمْ / ألاّ يُرِيكَ كَرِيهةً وجَفِيلا
والضَّارِعَاتُ مَعِي مَصَائِرُ أُمَّةٍ / ألاّ يَعُودَ بها العَزِيزُ ذَلِيلا
فلقد أَنَرْتَ طريقَهَا وضَرَبْتَهُ / مَثَلاً شَرُودَاً يُرْشِدُ الضلِّيلا
وأَشَعْتَ فيها الرأيَ لا مُتَهَيِّبَاً / حَرَجَاً ولا مُتَرَجِّيَاً تَهْلِيلا
يا سَيِّدي ومِنَ الضَّمِيرِ رِسَالَةٌ / يَمْشِي إليكَ بها الضَّمِيرُ عَجُولا
حُجَجٌ مَضَتْ وأُعِيدُهُ في هَاشِمٍ / قَوْلاً نَبِيلاً يَسْتَمِيحُ نَبِيلا
يا ابنَ الذينَ تَنَزَّلَتْ بِبُيُوتِهِمْ / سُوَرُ الكِتَابِ ورُتّلَتْ تَرْتِيلا
الحَامِلِينَ مِنَ الأَمَانَةِ ثِقْلَهَا / لا مُصْعِرِينَ ولا أَصَاغِرَ مِيلا
والطَّامِسِينَ من الجهالَةِ غَيْهَبَاً / والمُطْلِعِينَ مِنَ النُّهَى قِنْدِيلا
والجَاعِلينَ بُيوتَهُمْ وقُبورَهُمْ / للسَّائِلينَ عَنِ الكِرَامِ دِلِيلا
شَدَّتْ عُرُوقَكَ من كَرَائِمِ هاشِمٍ / بِيضٌ نَمَيْنَ خَديجةً وبَتُولا
وحَنَتْ عَلَيْكَ من الجُدُودِ ذُؤابَةٌ / رَعَتِ الحُسَيْنَ وجَعْفَراً وعَقِيلا
هذي قُبُورُ بَنِي أَبِيكَ ودُورُهُمْ / يَمْلأنَ عُرْضَاً في الحِجَازِ وطُولا
مَا كَانَ حَجُّ الشَّافِعِينَ إليهِمُ / في المَشْرِقَيْنِ طَفَالَةً وفُضُولا
حُبُّ الأُلَى سَكَنُوا الدِّيَارَ يَشُفُّهُمْ / فَيُعَاوِدُونَ طُلُولَها تَقْبِيلا
يا ابنَ النَبِيّ وللمُلُوكِ رِسَالَةٌ / مَنْ حَقَّهَا بالعَدْلِ كَانَ رَسُولا
قَسَمَاً بِمَنْ أَوْلاكَ أوْفَى نِعْمَةٍ / مِنْ شَعْبِكَ التَّمْجِيدَ والتأهِيلا
أَني شَفَيْتُ بِقُرْبِ مَجْدِكَ سَاعَةً / من لَهْفَةِ القَلْبِ المَشُوقِ غَلِيلا
وأَبَيْتَ شَأْنَ ذَوِيكَ إلاّ مِنَّةً / لَيْسَتْ تُبَارِحُ رَبْعَكَ المَأْهُولا
فوَسَمْتَني شَرَفَاً وكَيْدَ حَوَاسِدٍ / بِهِمَا أَعَزَّ الفَاضِلُ المَفْضُولا
ولسوفَ تَعْرِفُ بعدَها يا سيّدي / أَنِّي أُجَازِي بالجَمِيلِ جَمِيلا
سَلْمُ الزمانِ وإن حرصتً قَليلُ
سَلْمُ الزمانِ وإن حرصتً قَليلُ / لا بدّ أنْ سيغول شملَك غولُ
بالرغم مما رجفت أوهامُنا / ياتي المخوف ويُمنع المأمول
كم ذا يسرُّك أن تفوتَك ساعةٌ / طالت أأنت إلى الممات عجول
حقاً أقولُ وما الحِمامُ بتاركي / إني على كُرْه الرَّدَى مجبول
يكفي العقولَ جهالةً تعريفُها / للموت أنَّ سبيلَه مجهول
الليلُ مغبرُّ النجومِ حزينُها / والصبحُ في حبلِ الدُّجى موصول
والشمسُ كاسفةُ الجْببين مُُشيحةٌ / والبدرُ حيرانُ السُّرى مذهول
حزناً ليومَ أبي محمدَ إنّهُ / يومٌ على يومِ الحسابِ يطول
الله يَجْزيكَ الجميلَ فكلُّ ما / خلّفتَه في المسلمينَ جميل
المُعوِلاتُ عليك غُرُّ مكارمٍ / قامت عليها رنّةٌ وعويل
وطَنْتَ نفسَك للصِعاب فذُللت / إنّ الصعابَ يروضُها التذليل
وبذرتَ للأوطانِ أشرفَ بذرةٍ / ستطول أفراعٌ لها وأصول
أعمالُك الغُرُّ الحسانُ خوالدٌ / والمرءُ عن أعماله مسؤول
كن آمنا أن لا تضيع مَتاعبٌ / سيُقيمُها التِمثالُ والتَّمثيل
مهّدْتَ للنَشءِ الجديدِ سبيلَه / فليشكرنَّك بعد جيلِكَ جيل
وملكتَ لم تَقُدِ الرعيلَ وإنما / يُغنيك رأيُك أنْ يُقادَ رعيل
حَمَلَتْ لنا الأسلاكُ نعيَك موجزَاً / حتى كأنْ لم يوحَشِ التنزيل
أو أنَّ دينَ محمدٍ لم ينصدعْ / حتى بكى قرآنَه الانجيل
أعيت بما حملت فجاءت عَيَّةٌ / لا تستبينُ النطقَ حين تقول
منهوكة لم يبق فيها من ذماً / نبأٌ على سَمْعِ الزمانِ ثقيل
الله ما هذا الجلال حياتُهُ / ترنيمةٌ ومماتُه تبجيل
هل مدَ روحُ اللهِ عيسى روحَه / ام كان يَنْفُثُها به جبريل
قم وانعَ للبيتِ الحرامِ شعارَهُ / وقلِ انطوى التكبيرُ والتهليل
وتعطلتْ سُبُلُ المحامدِ والتقى / والمكرماتِ فما هناك سبيل
قد قلتُ فيك وقلتُ ثانيَ مَرَّةٍ / ولسوف أرجِع كرّتي فأقول
أما العراق وقد قضيتَ فكفُّهُ / مشلولةٌ وحسامُهُ مفلول
إنْ ينتفضْ فَبِقوةٍ مستغلبٌ / أو ينتهضْ فَبِذِلَّةٍ مغلول
الله والأوطان تعرِفُ نيّتي / وعليَّ فيما أدعيهِ وكيل
إني إذا شَغَل الغرامُ متَبَّلاً / فانا الذي ببلادِه مشغول
وطنٌ جميلٌ وجهُهُ بغدادُه ُ / ورُضابَهَ من دجلةٍ معسول
كيف السُّلُوُّ وليس تبرحُ بُكْرَةٌ / فيه تَهِيجُ صبابتي وأصيل
إني لأشتاقُ الفراتَ وأهلَهُ / ويَروقُني ظِلُّ عليه ظليل
وأُحبُّ شاطئَهُ وروعةَ سَفْحِهِ / تحنو على الأمواجِ فيه نخيل
أشفى على جُرف المهالك موطنٌ / بيديهِ لا يدِ غيره مقتول
آلامُه صدعُ الشقاق بأهله / وبلاؤهُ الأوهامُ والتضليل
في كل يوم ضجة ملعونة / أنْ يحدثَ التغييرُ والتبديل
يا شرقُ يا مهدَ السَّلامِ ألمْ يَئن / أنْ يستطيرَ إلى السلام رسول
إن يُسْرِجِ المستعمرون خيولَهم / فلهم تِراتٌ جمّةٌ وذُحول
أو تنس "عمور " وما دفعوا بها / لم تُنس " قرطبةٌ" ولا " إشبيل "
مَخَرَتْ بأشباهِ البُحور سفائنٌ / وعدت بأمثال الصُّقورِ خُيول
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا / وضفرته لجبينهِ إكليلا
وردَدْتُ بالنغَمِ الجميلِ لأرزه / ظِلاًّ أفاءَ به عليَّ ظَليلا
أو مَا ترى شعري كأنَّ خِلالَه / نسيَ النسيمُ جناحَهُ المبلولا
وحِسانَ لُبنانٍ منحتُ قصائدي / فسحبنهنَّ كَدَلِّهنَّ ذُيولا
أهديتُهُنَّ عُيونَهنَّ نوافِذاً / كعيونِهِنَّ إذا رَمَيْنَ قتيلا
فردَّدنهنَّ من الأسى وجِراحِه / كِسَراً فَرُحْتُ المُّهنَّ فُلولا
ورَجَعْتُ أدراجي أجرُّ غنيمةً / من " بنتِ بيروتٍ " جوىً وغليلا
لُعنَ القصيدُ فأيُّ مُثرٍ شامخٍ / سرعانَ ما استجدى الحسانَ ذليلا
رَدَّتْ مطامِحُه البِعادَ دوانياً / وكثيرَ ما خَدعَ الخيالَ قليلا
ناغيتُ " لُبناناً " وهل أبقى الهوى / بُقيىً على قيثارتي لتقولا
طارحتُه النغماتِ في أعيادِه / بأرقَّ من سجعِ الحمامِ هديلا
ومَسحْتُ دمعَ الحُزنِ في أتراحِه / وجعلتُ مَحْضَ عواطفي مِنديلا
وكذاكَ كنتُ وما أزالُ كما بنى / أهلي أُجازي بالجميلِ جميلا
يا شيخَ " لُبنانَ " الأشمِّ فوارعاً / وشمائلاً ومناعةً وقبيلا
مثَّلثَهُ في كلِّهنَّ فلم يُردْ / بسواك عنكَ . ولن يريدَ بديلا
إنَّ العراقَ وقد نزلتَ رُبوعَهُ / لَيَعُدُّ ساكِنَه لديكَ نزيلا
بُشرى " بشارةُ " أنْ تجوسَ خِلالَها / وتُزيرَ طرَفك أهلَها وتُجيلا
قف في ضفافِ الرافدينِ وناجِها / وتفيَّ صَفصافاً بها ونخيلا
واسمَعْ غِناء الحاصدينَ حُقولَها / للحاصداتِ من القلوبِ حُقولا
سترى القريضَ أقلَّ مِن أنْ يَجتلى / لغةَ النفوسِ عواطفاً ومُيولا
وتلمَّسِ الآهاتِ في نَبَراتِهِمْ / يُشعِلْنَ من حَدَقِ العيونِ فتيلا
واستنطِقِ " الرَّمَلاتِ " في جَنَباتها / ولطالما استوحى النبوغُ رمولا
واستوحِ كُوفاناً وبصرةَ إذ هُما / يتصدَّرانِ العالَمَ المأهولا
يستورِدانِ حَضارةً ومواهباً / ويُصدِّرانِ فطاحلاً وفحولا
وتَقرَّ " بغداداً " فانَّ دُروبَها / ستُريكَ من سِفرْ الزمانِ فُصولا
ستُريكَ كيف إذا استتمّتْ دولةٌ / أعمى الغرورُ رجالَها لتدولا
إيهٍ " بِشارةُ " لم تكنْ لتَحُدَّ من / مهوى النفوسِ ولم تكنْ لتحولا
إني رَصَدتُكَ من بعيد لم أُرِدْ / إذناً عليكَ ولا بعثتُ رسولا
ودخلتُ نفسَك لم أزاحِمْ حاجباً / عنها ولم ألجِ " الرِواقَ " فضولا
وحَلَفْتُ لا أُوذي الملوك ولا أُرى / ظِلاًّ على بابِ " الأميرِ " ثقيلا
صَونٌ لمجدِ الشعرِ أوهمَ خاطئاً / أنّي خُلِقتُ على قِلىً مجبولا
ولربما ظنَّ الرواجمُ أنّهمْ / سيرَوْنَ من هذا " المنخَّل " غُولا
وعرفتُ فضلَكَ قبل كونِك عاهلاً / تُرخي عليكَ حِجابَك المسدولا
تَلِجُ العقولَ عباقراً ونوابغاً / وتُمحِّصُ المعقولَ والمنقولا
ووجدتُك المُعطي السياسةَ حقَّها / ترعى النُّصوصَ وتُحسِنُ التأويلا
والمستجيرَ بظلِّها من ظلِّها / تتخيرُ التحويرَ والتحويلا
ولمستُ يومَك حين ضجَّ ضجيجُها / ومشتْ تدُكُّ روابياً وسهولا
تستخدمُ المتفجراتِ لدافعٍ / عن حقِّهِ وتُسخِّرُ " الأسطولا "
وعُقابُ " لبنانٍ " تَضُمُّ جَناحَها / تحمي الفِراخَ وتحرُسُ الزُّغلولا
وبنوكَ أُسْدَ الغابِ في لبِداتِهِمْ / عُبْلُ السواعد يمنعونَ الغيلا
حتى إذا انجلتِ العَجاجةُ وارتمى / شِلْواً – ربيبُ " فَجارةٍ " منخولا
وتخلتِ الأقدارُ عن متجبِّرٍ / ملأ البلادَ وأهلَها تنكيلا
وبرزتَ مثلُ السيفِ لا مُستسلماً / جُبْناً ولا نِكْساً ولا مخذولا
وتزاحمتْ بالهاتفينَ شِعابُها / يُزجُونكَ التكبيرَ والتهليلا
كنتَ الجديرَ بكلِّ ذاكَ وفوقَه / إذ كنتَ سيفَ جهادِها المسلولا
يا شيخَ " لبنانٍ " وحَسْبُكَ خِبرةً / رَفَعَتْك شيخاً في الملوك جليلا
جرَّبتَ حنظلةَ الدخيلِ وطعمَها / وصميمَها وطِلاءَها المعسولا
ولمستَ من لَهَبِ السياطِ ووَقْعها / فوقَ الظهورِ على الطُّغاةِ دليلا
ورأيتَ كيف العِلْجُ يُسمِنُ أهلَهُ / يُقري بنيهِ شعبَك المهزولا
وعرفتَ قدرَ العاملينَ مبجَّلاً / شكراً وحظَّ العاملينَ جزيلا
رَنتِ العيونُ إليكَ تُكبِرُ موقفاً / من " شيخِ " لُبنانَ النبيل نبيلا
وتُريدُ منك وقد تقلَّصَ ظلُّهم / ألا تَميزَ على الدخيلِ دخيلا
فلقد خَبَرنا نحنُ قبلَك مِثلَهُ / وأشرَّ في لغةِ الطُغاةِ مثيلاً
فاذا ب " حنظلةٍ " تَحِنُ لأختِها / وإذا ب " شدقمَ " يستظلُّ " جديلا "
وإذا بأولاوءٍ تفرِّقُ بينَهم / شتى الدُّروبِ ويلتقونَ سبيلا
فاوِض فقد غَدَت العوالِمُ عالماً / ما زالَ حَبْلُ صِلاتهِ موصولا
وسيجرِفُ التاريخُ في تيّارِه / شعباً يَظَلُ مُجانِباً معزولا
وتُراثُ " لُبنانٍ " قديمٌ نشرهُ / في المشرقينِ مواهباً وعقولا
لكنْ تَوَقَّ من الوعودِ سلاسلاً / برّاقةً ومن العهودِ كُبولا
فاوِضْ وخلِّ وراءَ سمعِك مُغرياً / وأمامَ عينِكَ شامتاً وعَذولا
ولأنتَ أعلمُ إنْ تُزحْزَحْ عندَهم / شبراً فسوفَ يُزحزحونكَ ميلا
وإذا ارتختْ عُقَدٌ تيسّرَ حلُّها / جدُّوا لكم عُقَداً تُريدُ حُلولا
" عبدَ الاله " وليس عاباً أنْ أرى / عِظمَ المقَامِ مُطوِّلاً فأطيلا
كرَّمت صيفَك يستثيرُ جلاله / نُطقاً ويدفعُ قائلاً ليقولا
يا ابنَ الذينَ تنزَّلتْ ببيوتِهم / سُوَرُ الكتابِ فرُتِّلتْ ترتيلا
الحاملينَ من الأمانةِ ثقلَها / لا مُصعِرينَ ولا أصاغِرَ مِيلا
والناصبينَ بيوتَهم وقبورَهم / للسائلينَ عن الكرامِ دليلا
والطامسينَ من الجهالةِ غَيْهباً / والمُطلعينَ من النُّهى قِنديلا
ملكوا البلادَ عروشَها وقصورَها / واستعذبوا وعْث التراب مَقيلا
يا ابنَ النبيِّ وللملوكِ رسالةٌ / مَنْ حَقَّها بالعدلِ كانَ رسولا
يرجو العراقُ بظلِّ رايةٍ فيصلٍ / أنْ يرتقي بكما الذُّرى ويطولا
لا شك أنَّ وديعةً مرموقةً / عز الكفيلُ لها فكنت كفيلا
وكيانُ مُلكٍ في حداثةِ عهدِه / يتطلَّبُ التلطيفَ والتدليلا!
وسياسة حضنتْ دُعاةَ هزيمةٍ / وتبنَّتِ التفريقَ والتضليلا
تُغري المثقفَّ أن يكون مُهادِناً / وابنَ الجهالةِ أنْ يظَلَّ جَهولا
ألقت على كتِفيكَ من زَحَماتِها / عبءاً تنوءُ بهِ الرِّجالُ ثقيلا
شدَّتْ عروقَك من كرائمِ هاشمٍ / بيضٌ نمينَ خديجةً وبتولا
وحَنَتْ عليكَ من الجدودِ ذؤابةٌ / رَعَتِ الحسينَ . وجعفراً وعقيلا
قُدْتَ السفينةَ حين شَقَّ مقادُها / وتطلَّبتْ رُبَّانَها المسؤولا
أعْطتْكَ دَفَّتها فلم تَرجِعْ بها / خوفَ الرِّياحِ ولا اندفعتَ عَجولا
وَمنَحْتَها والعاصِفاتُ تؤودُها / مَتناً أزلَّ وساعداً مفتولا
أُعطِيتَ ما لم يُعطَ قبلَكَ مثلَه / شعباً على عِرفانِكُمْ مجبولا
إنَّ العراقَ يُجلُّ بيْعةَ هاشمٍ / من عهدِ جدِّكَ بالقرونِ الأولى
هذي مصارِعُ مُنجبيكَ ودورُهم / يملأنَ عَرضاً للعراقِ وطُولا
ما كانَ حجُّهُمُ وطوفُ جموعِهمْ / لقبورِ أهلِكَ ضَلَّةً وفُضولا
حبُّ الأُولى سكنوا الديارَ يَشفُّهم / فيعاوِدونَ طلولَها تقبيلا
يا شيخَ " لُينانٍ " شكيَّةَ صارخٍ / تتخلَّلُ الترحيبَ والتأهيلا
كنّا نُريدُك لا القلوب " مغيمة " / فينا . ولا خِصبُ النفوسِ مَحيلا
لنريكَ أفراحَ العراقَ شَمالَه / وجنوبَه وشبيبةً وكُهولا
جئتَ العراقَ ومِن فِلَسْطِينٍ به / وَجَعٌ مطببَّهُ يعودُ عليلا
والمسجدُ المحزونُ يُلقي فوقَه / ليلاً – على الشرقِ الحزينِ – طويلا
ذهبتْ فِلَسْطينٌ كأن لم تَعترِفْ / مِن كافليها ضامناً وكفيلا
وعفَتْ كأن لم يمشِ في ارجائها / " عيسى " و " أحمدُ " لم يَطِرْ محمولا
والمسجدُ الأقصى كأنْ لم يرتفعْ / فيهِ أذانٌ بُكرةً وأصيلا
وثرى صلاح ِالدينِ دِيسَ وأنعلتْ / منه جيوشُ الواغلِين خُيولا
و " الحنظلُّي " بحِلْفِهِ ووعُودهِ / ما زالَ كاذبُ وعدِه ممطولا
لم يرعَ شرعَ الكافرينَ ولا وفى / حقَّيهما القرآن َ والانجيلا
أعطى " إلَنْبي " أهلَها فاستامهم / بلفورُ فاستوصى بهم عِزريلا
واليومَ يفخرُ " بالحيادِ " كفاخرٍ / بالقتلِ إذ لم " يُسلَخِ " المقتولا
ودَّعتُ شرخَ صِبايَ قبلَ رحيلِهِ
ودَّعتُ شرخَ صِبايَ قبلَ رحيلِهِ / ونَصَلتُ منه ولاتَ حَينَ نُصولِهِ
وَنفَضتُ كفّيَ من شبابٍ مُخلِفٍ / إيراقهُ للعين مِثلُ ذبوله
وأرى الصِّبا عَجِلاً يَمُرُّ وإنني / ساعدتُ عاجلَهُ على تعجيله
سَعُدَ الفتى متقّبلاً مِن دهره / مقسومَه بقبيحهِ وجميله
وأظُنّني قد كنتُ أرْوَحَ خاطراً / بالخطبِ لو لم أُعنَ في تأويله
لكن شُغِفْتُ بأن أُقابلَ بينه / أبداً وبين خِلافه ومثيله
وَشَغَلتُ بالي والمصيبَةُ أنني / أجني فراغَ العُمرِ مِن مشغوله !
يأسٌ تجاوزَ حَدَّه حتى لقد / أمسيتُ أخشى الشرَّ قبلَ حُلوله
وبَلُدْتُ حتى لا ألَذُّ بمُفْرحٍ / حَّذَرَ انتكاستهِ وخوفَ عُدوله!
إيهٍ أحبَّايَ الذينَ ترعرعوا / ما بين أوضاحِ الصِّبا وحُجوله
إني وإنْ غَلبَ السلُّو صَبابتي / واعتضتُ عن نجم الهوى بأُفوله
لتَشوقُني ذكراكُمُ ويهُزُّني / طَربٌ إلى قالِ الشباب وقِيِله
أحبابَنا بين الفُرات تمتَّعوا / بالعيش بين مياهه ونخيله
وتذكَّروا كَلفَ امرئٍ متشوّقٍ / منزوفِ صبرٍ بالفراق قتيله
حرّانَ مدفونِ الميولِ وعنَدكم / إطفاءُ غُلَّتِه وبعثُ ميوله
حَييْتُ " سامَرّا " تحيَّةَ مُعجَبٍ / بروُاءِ مُتَّسِعِ الفِناء ظَليله
بَلدٌ تساوَى الحسنُ فيه فليلُهُ / كنهاره وضَّحاؤه كأصيله
ساجي الرياحِ كأنما حلَفَ الصَّبا / أن لا يمُرَّ عليه غيرُ عليله
طَلْقُ الضواحي كاد يُربي مُقفِرٌ / منه بنُزهتهِ على مأهوله
وكفاكَ من بلدٍ جَمالاً أنَّه / حَدِبٌ على إنعاش قلبِ نزيله
عَجَبي بزَهْوِ صُخوره وجباله / عَجَبي بمنحَدرَاته وسُهوله
بالماءِ منساباً على حَصبائه / بالشَّمسِ طالعةً وراء تُلوله
بالشاطئِ الأدنى وبَسطةِ رملِهِ / بالشاطئِ الأعلى وبَردِ مَقيله
بجماله والبدرُ يَملؤه سناً / بجلالهِ رهنَ الدُّجى وسُدوله
بالنهر فيَّاضَ الجوانبِ يزدهي / بالمُطْربَينِ : خريرهِ وصليله
ذي جانبْينِ فجانب مُتطامِنٌ / يقسو النسيمُ عليه في تقبيله
بإزاءِ آخَرَ جائشٍ متلاطمٍ / يَرغو إذا ما انصبَّ نحوَ مَسيله
فصلتهما " الجُزُرُ " اللِّطافُ نواتئاً / كلٌّ تحفَّزَ ماثلاً لعديله
وجرتْ على الماءِ القوارِبُ عُورضت / بالجري فهي كراسفٍ بكبوله
فإذا التَوت لمسيلهِ فكأنَّما / تبغي الوصولَ إليه قبلَ وصوله
وإذا نظرتَ رأيتَ ثَمَّةَ قارَباً / تَمتازُه بالضوء مِن قِنديله
أو صوتِ مِجدافٍ يُبينُ بوقعه / فوقَ الحصى عن شجوه وعويله
سادَ السكونُ على العوالم كُلَّها / وتَجلبب الوادي رِداءَ خموله
وتنبَّهتْ بين الصخورِ حَمامةٌ / تُصغي لصوت مُطارِحٍ بهديله
وأشاعَ شجواً في الضفاف ورقَّةً / إيقاظُ نُوتيًّ بها لزميله
ولقد رأيتُ فُويقَ دجلةَ مَنظراً / الَشِعرُ لا يقوى على تحليله
شَفَقاً على الماءِ استفاضَ شُعاعُه / ذَهَباً على شُطآنه وحُقوله
حتى إذا حكَم المغيبُ بدا له / شفقٌ يُحيطُ البدرَ حين مُثوله
فتحالفَ الشفقانِ هذا فائرٌ / صُعُداً وهذا ذائبٌ بنزوله
ثُمَّ استوى فِضّيُّ نُورٍ عابثٍ / بالمائِجَيْنِ : مِياههِ ورموله
فاذا الشواطئُ والمساحبُ والرُّبى / والشطُّ والوادي وكلُّ فُضوله
قمراءُ راقصةُ الأشعَّةِ جُلّلت / بخفيِّ سِرٍّ رائعٍ مجهوله
والجوُّ أفرطَ في الصفاءِ فلو جرى / نَفَسٌ عليه لَبانَ في مصقوله
هذي الحياةُ لِمِثلها يحنو الفتى / حِرصاً وإشفاقاً على مأموله
وإذا أسِفتُ لمؤسِفٍ فلأنَّه / خِصْبُ الثَّرى يُشجيكَ فرطُ مُحوله
قد كانَ في خَفْضِ النَّعيم فبالغتْ / كفُّ الليالي السودِ في تحويله
بَدَتِ القصورُ الغامراتُ حزينةً / من كلّ منهوبِ الفِناءِ ذليله
كالجيشِ مهزومَ الكتائبِ فلَّه / ظَفَرٌ ورَقَّ عدوَه لفلوله
" العاشقُ " المهجورُ قُوّضَ رُكنُهُ / كالعاشق الآسي لفقدِ خليله
" والجعفريُّ " ولم يقصِّررسمُهُ / الباقي برغُم الدَّهر عن تمثيله
بادي الشحوبِ تَكادُ تقرأ لوعةً / لنعيمه المسلوبِ فوقَ طلوله
وكأنَّما هو لم يجِدْ عن " جعفرٍ " / بدلآ يُسَرُّ به ولاً عن جِيله
فُضَّتْ مَجالسُهُ به وخلَوْنَ مِن / شعر " الوليدِ بها ومن ترتيله
إن الفحُولَ السالفينَ تعهَّدوا / عصرَ القريضِ وأُعجبوا بفحوله
يتفاخرونَ بشاعرٍ فكأنَّما / تحصيلُ معنى الحُكْمِ في تحصيله !
فجزَوْهُمُ حُلوَ الكلامِ وطرَّزوا / إكليلَ ربِّ المُلْك مِن إكليله
كانوا إذا راموا السكوتَ تذكَّروا / فَضلَ المليكِ الجمَّ في تنويله
من صائنٍ للنفس غيرِ مُذيلها / شُحُاً ومُعطي المالِ غيرِ مُديله
وإذا شَدَوا فكما تغنَّى طائرٌ / أثرُ النعيمِ يَبينُ في تهليله
ولقد شجتني عَبرةٌ رَقراقةٌ / حَيرانةٌ في العين عند دُخوله
إني سألتُ الدهرَ عن تخطيطهِ / عن سَطحه عن عَرضه عن طُوله
فأجابني : هذي الخريبةُ صدرُه / والبلقعُ الخالي مَجرُّ ذيوله
وَسَلِ الرياحَ السافياتِ فانَّها / أدرى بكلِّ فروعه وأصوله
وتعلَّمَنْ أنَّ الزمانَ إذا انتحى / شُهُبَ السَّما كانت مداسَ خُيوله
مدَّت بنو العبَّاس كفَّ مُطاوِلٍ / فمشى الزمانُ لهم بكفِّ مَغوله
واجتاحَ صادقَ مُلكهِمْ لما طَغوا / بدعيِّ مُلكٍ كاذبٍ مَنحوله
وكذا السياسةُ في التقاضي عندَه / تسليمُ فاضلهِ الى مفضوله
خُلِّدْتِ سامراءُ لم أوصِلْكِ مِن / فَضْلٍ حَشَدتِ عليَّ غيرَ قليله
يا فرحةَ القلبِ الذي لم تتركي / أثراً لِلاعجِ همّه ودخيله
وافاكِ مُلتهِبَ الغليلِ وراح عن / مغناكِ يَحمَدُ منكِ بردَ غليله
أنعشتِهِ ونَفَيْتِ عنه هواجساً / ضايقْنَه وأثرتِ من تخييله
وصدقته أملاً رآكِ لِمثله / أهلاً فكنتِ وزدتِ في تأميله
هذا الجميلُ الغضُّ سوف يردُّه / شِعري إليكِ مُضاعفاً بجميله
ولقد غَلوتُ فكمْ يقلبي خاطرٌ / عَجزتْ مَعاني الشعر عن تمثيله
وَلطيفِ معنىً فيك ضاقَ بليدُها / بذكِّيهِ ودقيقُها بجَليله
ولعلَّ منقولَ الكلامِ محوَّلٌ / في عالَمٍ آتٍ إلى مَعقوله
فهُناكَ يتَّسِع التخلّصُ لامرِئٍ / من مُجمَل المعنى إلى تفصيله
أسرفتِ في ترف الجْمالِ
أسرفتِ في ترف الجْمالِ / وسكِرتِ من خمر الدَّلالِ
وثنيتِ طرَفكِ فانثنى / يرمي الظِلالَ على الظلال
أعيا جمالُك منطقي / وسما خيالُك عن خيالي
يا " جينُ " لطفُ الخمر / أنّكِ كنتِ ماثلةً حِيالي
ما شاء فليكتبْ عليَّ / الدهرُ إنّي لا أُبالي
إذ كان خَصْرُكِ في اليمينِ / وكان كأسي في الشِّمال
عُمِرَتْ ديارُ شَراذمٍ دُخّال
عُمِرَتْ ديارُ شَراذمٍ دُخّال / أسفاً عليك وأنتَ قَفرٌ خالِ
عُمِرَتْ ديار " الطارئين " ونُكِّستْ / دورٌ شَراها أهلها بالغالي
بالروح يُزهقُها الغَيورُ على الحمى / والمالُ يبذله عدوُ المال
بدت البيوتُ الخاوياتُ حزينةً / محفوفةً بالشوكِ والأدغال
وكأنما شُرفاتها مغبرَّة / أشباحُ الآمٍ وَقفْنَ حيالي
يا عابرينَ على الطريقِ تلفتوا / وتَبَصَّرُوا بتقلُّبِ الأحوال
هذي البيوتُ الموحشاتُ عِراصها / كانت تُحَطُّ بها عصا التَرْحال
نُحرَتْ هنا كُومُ النياق وأوقدَتْ / نارُ القِرى للطارق المِحلال
هذي الديارُ ديارُ كلِّ سَمَيْذَعٍ / حامٍ لحوزةِ غابهِ رِئبال
هذي الديارُ ديارُ كل مُرَحِّب / بالوافدين مُشَمِّر السربال
ولقد يُرى في نِعمةٍ محسودةٍ / هذا الذي تَرثيِه في الأسمال
هذا المشرَّدُ كان مَأمَلَ طالبٍ / ومناخَ أطلاح وخدنَ عوالي
أسفاً يهدُّ الجوع منكَ بطولةً / يامعدِنَ الأشبالِ والأبطال
يا معدِنَ النَفَرِ الذينَ تقسَّموا / لسماحةٍ ورَجاحةٍ ونِزال
ذُخِرَتْ لأيامِ السرورِ فلائلٌ / نَزلتْ على الأوطانِ شرَّ عِيال
وبنوكَ قد ذُخِروا ليومِ كريهةٍ / وضريبةٍ و مجاعةٍ وِقتال
تلك السواعدُ فعمةٌ مفتولةٌ / أرخَتْ أشاجعَها يدُ الإقلال
ولقد وَقفتُ على مَصبِّك وَقفةً / لا ينمَحي تَذكارُها من بالي
أما مسيلُ الماء فيكَ فإنه / يَبَسٌ تعاورَهُ مسيلُ رِمال
أعيا لسانَ القولِ فرطُ تَلجْلُجٍ / فيه فساعدَهُ لسانُ الحال
خالستُ موقفَ صاحبي فوجدتُه / وهو الرزينُ مهيَّج البِلبال
ولقد يعزُّ على الشُعور وأهلِهِ / مرأى البلادِ بمثل هذي الحال
وفحصتُ أطرافي فكانت كلُّها / توحي الىَّ معرّة الإهْمال
يا ساكني " الغراف " ما قدرُ الذي / يأتيكُمُ من شاعرٍ قوّال
أو أبعثُ الأملَ المريحَ اليكُمُ / أنا مثلكُمْ متصدِّعُ الآمال
أنا مثلُكم أسلمتُ كلِّ عواطفي / لليأسِ يأخذُها بكلِّ مَجال
في ذمة التاريخِ ما جُرِّعتُمُ / من غُصَّةٍ في ذمة الأجيال
قد قلتُ للنَفَرِ القليلِ خِيارُهم / لو كانَ ثمةَ سامعٌ لمقالي
هاتوا من الأعمال ما يقوى على / تصديقِ بعضِ خوادِع الأقوال
أولا فانَّ الشعبَ دوّى يأسُه / اخشَوا عواقبَ يأسِه القَتّال
ما يمنعُ الساداتِ أن يتفكروا / بمصير أعبِدَةٍ لهُمْ ومَوالي
شعبٌ على شكلٍ تمشَّى حكمُهُ / أبداً برغم تخالُفِ الأشكال
وأمضُّ من قَحْط السنين بأمةٍ / مشلولةِ الأعمالِ قحطُ رجال
شعبٌ أراد به الوقيعةَ خصمُهُ / وبنوه فهو ممزَّقُ الأوصال
شُغِل الفراتُ بضيمه عن دجلة / ونسى جنوبيّ العراق شمالي
وإذا سألتَ الرفقَ كان جوابُهُم / ما للقلوبِ الموجَعاتِ ومالي